السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١
ذلك عن المقاومة لما مرّ ؛ لرجحانه بعمل الأكثر ، بل عامّة من تأخّر كما سبق ، وبه يجاب عن النصوص الآتية في المسألة الثانية وإن تضمّنت الصحيح وغيره ونصّت برجم المحصنة ، مع احتمالها الاختصاص بمورد تلك المسألة ، إلاّ أنّه خلاف ظاهر الجماعة ، فالمسألة لذلك لا تخلو عن شبهة ، إلاّ أنّ درء الحدود بها يوجب المصير إلى الجلد مطلقاً.
هذا ، ويستفاد من الروضة أنّ به أخباراً صحيحة ، حيث قال في المسألة الآتية : وقيل : ترجم الموطوءة ؛ استناداً إلى رواية ضعيفة السند ، مخالفة لما دلّ على عدم رجم المساحقة مطلقاً من الأخبار الصحيحة (١). انتهى.
لكن دعواه ضعف سند رواية الرجم مع الإحصان ، وصحّة ما دلّ على عدمه مطلقاً غريبة ، بل الأمر بالعكس كما عرفته ، وهو ظاهر الجماعة ، حتى هو في المسالك (٢) ، ولأجله مال فيه إلى هذا القول ، ويشبه أن يكون ذلك منه غفلة ، فلا يمكن أن يتّخذ ما ادّعاه من الأخبار الصحيحة حجّة أو معاضدة.
نعم ، لو لم يدّع ضعف سند رواية الرجم أمكن ذلك باحتمال وقوفه على تلك الأخبار وإن بعد ، حيث لم نقف عليها ، ولم يتعرّض لها ولو إشارةً غيره. إلاّ أنّ دعواه ذلك أوجبت عدم الإمكان ؛ لما عرفت ، سيّما مع اعتضاده بما ذكرناه هنا.
( وتقتل المساحقة ) مطلقاً ( في الرابعة مع تكرّر الحدّ ثلاثاً ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، حتى بعض من أوجب القتل في
__________________
(١) الروضة ٩ : ١٦٢.
(٢) المسالك ٢ : ٤٣٣ ، ٤٣٤.
الثالثة في الزناء واللواط ، كالشهيد في اللمعة ، بل يفهم من الروضة عدم ظهور خلاف منهم هنا في القتل في الرابعة ، حيث قال : وظاهرهم هنا عدم الخلاف ، وإن حكمنا بقتل الزاني واللائط في الثالثة ، كما اتّفق في عبارة المصنّف (١). انتهى.
ولكن ظاهر جماعة منهم كالحلّي في السرائر ، والفاضل في المختلف (٢) جريان الخلاف المتقدّم هنا أيضاً ، واختار الحلّي الخلاف هنا صريحاً.
( ويسقط الحدّ بالتوبة قبل ) ثبوته بالإقرار أو ( البيّنة ، كاللواط ) فإنّه كذلك أيضاً يسقط حدّه بها قبل ثبوته بأحد الأمرين.
( ولا يسقط بعد ) الثبوت بالإقرار أو ( البيّنة ).
ويجب على الإمام إجراؤه إن ثبت بالثاني ، وليس له العفو عنه فيه.
ويتخيّر بين الأمرين إذا ثبت بالأول بعين (٣) ما مرّ في الزناء (٤).
لاشتراك الجميع في هذه الأحكام وأمثالها ، كما يستفاد من ظاهر الأصحاب ، من غير أن يعرف بينهم في ذلك خلاف ، وبه صرّح في الغنية ، مدّعياً عليه الإجماع (٥).
( ويعزّر ) المرأتان ( المجتمعتان تحت إزار واحد مجرّدتين ) من ثلاثين إلى تسعة وتسعين ، كما مرّ في الذَّكَرين المجتمعين (٦).
__________________
(١) الروضة ٩ : ١٥٩ ١٦٠.
(٢) السرائر ٣ : ٤٦٧ ، المختلف : ٧٦٦.
(٣) في « ب » : لعين.
(٤) راجع ج ١٥ : ٤٥٨ ٤٦٠.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٦) راجع ص ١٥.
( ولو تكرّر ) منهما الاجتماع ( مرّتين مع التعزير ) بينهما ( أُقيم عليهما الحدّ في ) المرّة ( الثالثة ) بلا خلاف أجده ، إلاّ من الحلّي في السرائر ، فظاهره القتل في الثالثة ؛ لأنّه كبيرة ، وكلّ كبيرة يقتل بها في الثالثة (١). وكلّية الكبرى ممنوعة كما ستعرفه ، ومع ذلك يردّه الأصل وصريح الرواية الآتية ، المنجبرة في محلّ البحث بالشهرة العظيمة ، التي كادت تكون إجماعاً ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة.
( ولو عادتا ) رابعةً ( قال ) الشيخ ( في النهاية ) (٢) وجماعة (٣) : ( قتلتا ) للخبر : « لا ينبغي لامرأتين أن تناما في لحافٍ واحد إلاّ وبينهما حاجز ، فإن فعلتا نهيتا عن ذلك ، فإن وجدتا بعد النهي في لحافٍ واحد جلدتا كلّ واحدة منهما حدّا حدّا ، فإن وجدتا الثالثة حدّتا ، فإن وجدتا الرابعة قتلتا » (٤).
ولأنّه كبيرة يقتل بها في الرابعة (٥).
وفيهما نظر ؛ لضعف سند الأول ، مع اشتماله على ما لا ( يقولون به ) (٦) من الحدّ في المرّة الثانية ، وظاهره أيضاً عدم شيء في المرتبة الأُولى عدا النهي خاصّة ، ولم يقل به أحد من الطائفة.
__________________
(١) السرائر ٣ : ٤٤٢ ، ٤٦٧.
(٢) النهاية : ٧٠٨.
(٣) منهم ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٣٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٠ ، المحقّق في الشرائع ٤ : ١٦٠ ، العلاّمة في المختلف : ٧٦٦.
(٤) التهذيب ١٠ : ٤٤ / ١٥٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١١ ، الوسائل ٢٨ : ٩١ أبواب حدّ الزنا ب ١٠ ح ٢٥.
(٥) إيضاح الفوائد ٤ : ٤٩٤.
(٦) في « ب » : يقول به أحد.
ومنع كلّية الكبرى في الثاني ؛ لما في المسالك من أنّه إن أُريد أنّه مع إيجابها الحدّ فمسلّم ، لكن لا يقولون به هنا ، وإن أرادوا مطلقاً فظاهرٌ منعه (١).
ومن ثمّ اختار الفاضلان والشهيدان وأكثر المتأخّرين كما في المسالك (٢) الاقتصار على التعزير مطلقاً ، إلاّ في كل ثالثة ، فالحدّ.
ولا ريب أنّه أحوط.
وهنا ( مسألتان ) :
( الاولى : لا كفالة في حدّ ) زناء ولا غيره من الحدود ؛ للنبويّ (٣) والمرتضويّ (٤) الخاصّيّين ، ولأدائه إلى التأخير والتعطيل.
( ولا تأخير ) فيه مع القدرة على إقامته ، كما في المرتضويين :
في أحدهما : « ليس في الحدود نظرة ساعة » (٥).
وفي الثاني : « إذا كان في الحدّ لعلّ وعسى فالحدّ معطّل » (٦).
( إلاّ لعذر ) ومصلحة ، كبرء المريض ، ووضع الحبلى ، والإرضاع ، واجتماع الناس ، كما مرّ (٧).
__________________
(١) المسالك ٢ : ٤٣٤.
(٢) المحقّق في الشرائع ٤ : ١٦١ ، العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٢٥ ، الشهيدان في اللمعة والروضة ٩ : ١٦٠ ، المسالك ٢ : ٤٣٤.
(٣) الكافي ٧ : ٢٥٥ / ١ ، التهذيب ١٠ : ١٢٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ٢٨ : ٤٤ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢١ ح ١.
(٤) دعائم الإسلام ٢ : ٤٦٦ / ١٦٥٢ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٢٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٩ ح ١.
(٥) الفقيه ٤ : ٣٦ / ٥٦ ، التهذيب ١٠ : ٤٩ ، ٥١ / ١٨٥ ، ١٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٥ ح ١.
(٦) الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٠ ، الوسائل ٢٨ : ٤٧ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٥ ح ٢.
(٧) راجع ج ١٥ : ٤٩٦ ٤٩٨.
( ولا شفاعة في إسقاطه ) لقوله تعالى ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (١) وللمستفيضة :
ففي الخبرين : « لا تشفع في حدّ » (٢).
وفي آخر : « لا يشفعنّ أحدٌ في حدّ إذا بلغ الإمام ، فإنّه لا يملكه ، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم ، واشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له ، ولا تشفع في حقّ امرئ مسلم ولا غيره إلاّ بإذنه » (٣) ، وقريب منها الصحيح وغيره (٤).
ولا خلاف في شيء من ذلك أجده.
( الثانية : لو وطئ زوجته ، فساحقت بكراً ، فحملت ) البكر ( فالولد له ) أي للواطئ لأنّه مخلوق من مائه ، ولا موجب لانتفائه عنه ، فلا يقدح كونها ليست له فراشاً مع صدق الولد عليه عرفاً ولغةً.
ولا يلحق بالزوجة قطعاً ، ولا بالبكر على قول مشهور. ويقوى الإلحاق ؛ للصدق العرفي ، وانتفاء المانع الشرعي ؛ إذ ليس إلاّ الزناء ، والسحق ليس منه لغةً ولا عرفاً ، فيشمله إطلاق ما دلّ على أحكام الولد ، من حرمة التناكح ، وثبوت التوارث ، مع أنّ الأول ثابت في ولد الزناء اتّفاقاً ،
__________________
(١) النور : ٢.
(٢) أحدهما في : الكافي ٧ : ٢٥٤ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٠ ح ٣.
والآخر في : الكافي ٧ : ٢٥٤ / ٤ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٠ ح ٢.
(٣) الكافي ٧ : ٢٥٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ١٢٤ / ٤٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ٤٣ أبواب مقدمات الحدود ب ٢٠ ح ٤.
(٤) انظر الوسائل ٢٨ : ٤٢ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٠.
فهنا أولى.
فالإلحاق أقوى ، إلاّ أن يتردّد في شمول الإطلاق لنحو المقام ؛ لعدم تبادره منه. وشمول الحكم لولد الشبهة بالإجماع لا يصلح قرينة على التعميم للتبادر (١) بناءً على كونه منه أيضاً ؛ لاحتمال كون الإجماع دليلاً مستقلا على الشمول لا قرينة على الدخول تحت الإطلاق.
( وعلى زوجته ) المساحقة ( الحدّ ) للسحق ، جلداً أو رجماً ، على الخلاف الذي مضى (٢).
( والمهر ) للبكر ؛ لأنّها سبب في إذهاب عذرتها ، وديتها مهر نسائها. وليست كالزانية المطاوعة ؛ لأنّ الزانية أذنت في الاقتضاض (٣) ، بخلاف هذه.
( وعلى الصبيّة الجلد ) مائة إذا كانت مطاوعة ، بلا خلاف فيه أجده ، وكذا فيما سبقه. إلاّ من الحلّي ، فلم يلحق الولد بالرجل ؛ لعدم ولادته على فراشه ، والولد للفراش. ولم يثبت المهر ؛ لأنّ البكر بغيّ بالمطاوعة ، فلا مهر لها (٤). وقد عرفت جوابه.
ويدلّ على أصل المسألة زيادةً عليه النصوص المستفيضة :
منها الصحيح : « يعمد إلى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في أول وهلة ؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتى تشقّ فتذهب عذرتها ، ثم ترجم المرأة لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتى تضع ما في بطنها ويردّ إلى أبيه
__________________
(١) في « ح » و « ب » : للنادر.
(٢) في ص ١٩.
(٣) في « ب » : الافتضاض.
(٤) السرائر ٣ : ٤٦٥.
صاحب النطفة ، ثم تجلد الجارية الحدّ » الخبر (١) ، وفي معناه غيره (٢).
وهي مع استفاضتها ، وصحّة بعضها لا قصور فيها إلاّ من حيث الدلالة على رجم المحصنة ، مع أنّ الأكثر لم يقولوا به ، وهذا القصور مع اختصاصه بهم ، دون الشيخ (٣) ومن تبعه (٤) غير قادح في الحجّية ؛ فإنّ خروج بعض الرواية عنها بدلالة خارجيّة أقوى لا يوجب خروجها عنها طرّاً ، وإن هي (٥) إلاّ كالعامّ المخصَّص ، الذي هو حجّة في الباقي كما عرفته مراراً.
مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة ؛ عملاً بهذه النصوص في موردها ، وجمعاً بينها وبين ما مرّ من الدليل على عدم رجم المساحقة مطلقاً ، كما ذكره بعض الأجلّة (٦).
لكن فيه زيادةً على ما عرفته من كونه خلاف ظاهر الجماعة عدم قبول الصحيح منها لهذا الجمع من حيث تعليله رجم الزوجة بأنّها محصنة ، وهو كالصريح في عدم مدخليّة للخصوصيّة ، وأنّ (٧) الإحصان من حيث هو هو العلّة في رجمها.
( وأمّا القيادة ، فهي : الجمع بين الرجال والنساء للزناء ، والرجال
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٠٢ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ١٦٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٣ ح ١.
(٢) التهذيب ١٠ : ٥٨ / ٢١١ ، الوسائل ٢٨ : ١٦٩ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٣ ح ٣.
(٣) النهاية : ٧٠٧.
(٤) كالقاضي في المهذب ٢ : ٥٣١ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٤١٤.
(٥) في « ن » زيادة : حينئذ.
(٦) انظر مجمع الفائدة ١٣ : ١٢٣.
(٧) في « س » ، « ن » : فإنّ.
والصبيان ) والنساء ( للّواط ) والسحق.
( ويثبت بشاهدين ) عدلين ( أو الإقرار ) من القائد البالغ العاقل المختار ( مرّتين ) بلا خلاف ؛ للعموم ، ومقتضاه الثبوت بالثاني ولو مرّة ، ولكن لا قائل به أجده ، بل ظاهرهم الاتّفاق على اعتبار المرّتين ، ومستندهم من دونه غير واضح.
وعن المراسم والمختلف (١) : أنّ كلّ ما فيه بيّنة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه مرّتين.
( والحدّ فيه خمس وسبعون جلدة ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية والمسالك (٢) ، وبه صريح الرواية الآتية ( و ) ليس فيها ما ( قيل ) من أنّه ( يحلق ) مع ذلك ( رأسه ويشهّر ) في البلد ، لكنّه مشهور بين الأصحاب ، مدّعى عليه في الانتصار والغنية الإجماع ، وهو كافٍ في الثبوت ، سيّما مع الاعتضاد بفتوى المشهور ، سيّما مثل الحلّي (٣) ، الذي لا يعمل بالآحاد ، مع أنّه لا مخالف فيه صريحاً ، وإنّما ظاهر المتن وغيره التردّد فيه ، ولا وجه له بعد ما عرفته.
( ويستوي فيه الحرّ والعبد ، والمسلم والكافر ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى إطلاق الرواية الآتية.
( وينفى ) عن بلده إلى غيره من الأمصار من غير تحديد لمدّة نفيه
__________________
(١) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٤١٠ ، وهو في المراسم : ٢٥٩ ، انظر المختلف : ٧٦٣.
(٢) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، المسالك ٢ : ٤٣٤.
(٣) السرائر ٣ : ٤٧١.
(٤) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
( بأوّل مرّة ) وفاقاً للنهاية (١) وجماعة (٢).
( وقال المفيد ) وابنا زهرة وحمزة والديلمي (٣) وغيرهم (٤) : إنّه إنّما ينفى ( في الثانية).
( والأول مرويّ ) في رواية عبد الله بن سنان التي هي الأصل في هذه المسألة ـ : عن القوّاد ، قال : « يضرب ثلاثة أرباع حدّ الزاني خمسة وسبعين سوطاً ، وينفى من المصر الذي هو فيه » (٥) ونحوه الرضوي (٦).
والتصريح بأوّل مرّة وإن لم يقع في شيء منهما ، لكنّه مقتضى الإطلاق جدّاً (٧).
والأحوط القول الثاني ، بل لعلّه المتعيّن ؛ للأصل ، ودعوى الإجماع عليه في الغنية ، وهو أرجح من الرواية المذكورة من وجوه ، منها : صراحة الدلالة ، فتقيّد به الرواية.
( ولا نفي على المرأة ، ولا جزّ ) ولا شهرة ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الانتصار والغنية (٨) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ،
__________________
(١) النهاية : ٧١٠.
(٢) منهم ابن البرّاج في المهذب ٢ : ٥٣٤ ، ابن إدريس في السرائر ٣ : ٤٧١ ، ابن سعيد في الجامع : ٥٥٧.
(٣) المفيد في المقنعة : ٧٩١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١٤ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٧.
(٤) كالحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٠.
(٥) الكافي ٧ : ٢٦١ / ١٠ ، الفقيه ٤ : ٣٤ / ١٠٠ ، التهذيب ١٠ : ٦٤ / ٢٣٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٧١ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.
(٦) فقه الرضا عليهالسلام : ٣١٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.
(٧) ليست في « س ».
(٨) الانتصار : ٢٥٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
واختصاص الفتوى والرواية بحكم التبادر بالرجل دون المرأة ؛ مع منافاة النفي والشهرة لما يجب مراعاته من ستر المرأة.
وظاهر النفي في الفتوى والنصّ إنّما هو الإخراج من البلد ، ولكن في الرضوي (١) وغيره (٢) : روي أنّ المراد به الحبس سنة أو يتوب. والرواية مرسلة ، فلا يعدل بها عن الظاهر بلا شبهة.
__________________
(١) فقه الرضا عليهالسلام : ٣١٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٧ أبواب حدّ السحق والقيادة ب ٥ ح ١.
(٢) لم نعثر عليه.
( الفصل الثالث )
(في ) بيان ( حدّ القذف )
وهو لغةً : الرمي بالحجارة ، وشرعاً : قيل : رمي المسلم الحرّ الكامل المستتر بالزناء أو اللواط (١).
وهو حرامٌ بنصّ الكتاب (٢) ، والسنّة المستفيضة بل المتواترة (٣) ، مضافاً إلى إجماع الأُمّة.
( ومقاصده أربعة ) :
( الأول : في ) بيان ( الموجب ) للحدّ ( وهو الرمي بالزناء أو اللواط ) بمثل قوله : زنيت بالفتح أو : لطت ، أو : أنت زان ، أو : لائط ، وشبهه من الألفاظ الدالّة على القذف صريحاً.
( وكذا لو قال : يا منكوحاً في دُبُره ) أو : زنى بك فلان ، وشبهه من الألفاظ الظاهرة فيه عرفاً ، على إشكال فيها ؛ لمجامعة الظهور الاحتمال الذي يدرأ به الحدود.
لكن ظاهرهم الاتّفاق على الحدّ في العبارة الأُولى منها ، وبه صرّح في المسالك (٤) وغيره (٥).
__________________
(١) التنقيح الرائع ٤ : ٣٥٨.
(٢) النور : ٤ ، ٢٣.
(٣) الوسائل ٢٨ : ١٧٥ أبواب حد القذف ب ٢.
(٤) المسالك ٢ : ٤٣٥.
(٥) الإيضاح ٤ : ٥٠٤ ، التنقيح ٤ : ٣٦١.
وبالحدّ فيها صرّح بعض المعتبرة : « كان عليّ عليهالسلام يقول : إذا قال الرجل للرجل : يا معفوج (١) ، يا منكوحاً في دبره ، فإنّ عليه الحدّ حدّ القاذف » (٢).
وقصور السند مجبور بالعمل ، وبابن محبوب المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه.
فلا إشكال في الحدّ بها ، وإنّما الإشكال فيما عداها إن لم يكن ثبوته به إجماعاً.
وأيضاً يعتبر في القاذف معرفته بموضع (٣) اللفظ ( بأيّ لغةٍ اتّفق ) وإن لم يعرف المواجه معناه ( إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل ) أي عرف لغته التي يتلفّظ بها.
( ولا حدّ مع جهالة قائلها ) (٤) بمدلوله اتّفاقاً ؛ للأصل ، وعدم صدق القذف حينئذٍ قطعاً. فإن عرف أنّها تفيد فائدةً يكرهها المواجه عُزِّر ، وإلاّ فلا.
( وكذا لو قال لمن أقرّ ببنوّته ) أو حكم الشرع بلحوقه به : ( لستَ ولدي ) أو قال لغيره : لستَ لأبيك ، فيُحَدّ لُامّه ، بلا خلاف ، بل ظاهر الأصحاب الإجماع عليه كما في المسالك (٥) ؛ وهو الحجّة الدافعة للإشكال
__________________
(١) في حاشية « ب » : يا موطوء. وفي الصحاح ١ : ٣٢٩ ، العفج : يكنّى به عن الجماع.
(٢) الكافي ٧ : ٢٠٨ / ١٦ ، التهذيب ١٠ : ٦٧ / ٢٤٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٧ أبواب حدّ القذف ب ٣ ح ٢.
(٣) في « ب » : بموضوع.
(٤) في المختصر المطبوع : .. جهالته فائدتها.
(٥) المسالك ٢ : ٤٣٥.
المتقدم إليه الإشارة ، الجاري هنا أيضاً ؛ بناءً على عدم صراحة الألفاظ المزبورة في القذف باحتمال الإكراه في وطء الأُمّ أو الشبهة.
مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة :
ففي القويّ بالسكوني وصاحبه : « من أقرّ بولد ثم نفاه جُلِد الحدّ وأُلزم الولد »(١).
وفي الخبر : الرجل ينتفي من ولده وقد أقرّ به ، فقال : « إن كان الولد من حرّة جُلد خمسين سوطاً ، وإن كان من أمة فلا شيء عليه » (٢) فتأمّل.
وفي آخر : « إنّ عليّاً عليهالسلام كان يعزِّر في الهجاء ، ولا يجلد الحدّ إلاّ في الفرية المصرّحة ، بأن يقول : يا زاني ، أو : يا ابن الزانية ، أو : لست لأبيك » (٣) ونحوه آخر (٤).
قيل : وفي الحسن مثلهما (٥). ولم أقف عليه (٦).
وظاهرها كما ترى كون : « لست لأبيك » من الألفاظ الصريحة ، وبه صرّح في المسالك ، فقال : هذه الصيغة عندنا من الألفاظ الصريحة لغةً وعرفاً ، فيثبت بها الحدّ لُامّة (٧).
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٦١ / ٨ ، الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٣ ، التهذيب ١٠ : ٨٧ / ٣٣٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٣ / ٨٧٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٩ أبواب حدّ القذف ب ٢٣ ح ١.
(٢) الكافي ٧ : ٢٦٢ / ١١ ، الفقيه ٤ : ٣٨ / ١٢٢ ، التهذيب ١٠ : ٨٣ / ٣٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٣ / ٨٧٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٩ أبواب حدّ القذف ب ٢٣ ح ٢.
(٣) التهذيب ١٠ : ٨٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٤ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٦.
(٤) الفقيه ٤ : ٣٥ / ١٠٥ ، قرب الإسناد : ٥٤ / ١٧٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٥ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٩.
(٥) كشف اللثام ٢ : ٤١١.
(٦) والمراد به هو حسن عبد الله بن سنان المصرَّح به في عبارة القائل. الكافي ٧ : ٢٠٥ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٦ أبواب حدّ القذف ب ٢ ح ٢.
(٧) المسالك ٢ : ٤٣٥.
واستشكله بعض الأجلّة لما عرفته ، قال : إلاّ أن يقال : قد صار عرفاً صريحاً في الرمي به ، وهو حسن ، إلاّ أنّه لا ينفع عذراً لما في المسالك من دعوى الصراحة لغةً (١).
( ولو قال : زنى بك أبوك ) أي ولدت من الزناء أو : يا ابن الزاني ( فالقذف لأبيه ) خاصّة ( أو ) قال : ( زنت بك أُمّك ، فالقذف لُامّه ) كذلك ، فيُحَدّ للأب أو الأُمّ دون المواجه ؛ لأنّه قذفٌ لهما حقيقةً دونه ؛ لأنّه لم ينسب إليه فعلاً. لكن يعزّر له كما سيأتي ؛ لتأذّيه به.
( ولو قال : يا ابن الزانيين ، فالقذف لهما ) دون المواجه ؛ لما عرفته ، ولا خلاف في شيء من ذلك ولا إشكال ، وفي النصوص دلالة عليه :
ففي الصحيح : « وإن قال لابنه وأُمّه حيّة : يا ابن الزانية ، ولم ينتف من ولدها ، جُلِد الحدّ لها ، ولم يفرّق بينهما » الخبر (٢) ، فتدبر.
( و ) إنّما ( يثبت الحدّ ) عليه لهما ( إذا كانا مسلمَين ) عاقلَين ، حرَّين ، محصَنَين ، فلا يحدّ مع عدم الشرائط أو أحدها فيهما وإن كان المواجه متّصفاً بها ، بل يعزّر لهما.
كما أنّه لو اتّصفا بها يحدّ لهما ( ولو كان المواجه كافراً ) أو عبداً .. وبالجملة : فاقد الشرائط ولو بعضاً ؛ لأنّهما المقذوف دونه ، فيتبع كلاًّ منهم حكمه.
( ولو قال للمسلم : يا ابن الزانية ) مثلاً ( وأُمّه كافرة ، فالأشبه : ) أنّ عليه ( التعزير ) وفاقاً للحلّي (٣) وعامّة المتأخّرين ؛ للأصل ، وانتفاء التكافؤ
__________________
(١) مجمع الفائدة ١٣ : ١٣٢.
(٢) الكافي ٧ : ٢١٢ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٧ / ٢٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٦ أبواب حدّ القذف ب ١٤ ح ١.
(٣) السرائر ٣ : ٥٢٠.
للقاذف أو علوّ المقذوف المشترط في ثبوت الحدّ ، فإنّ المقذوف هنا الامّ ، وهي غير مكافئة.
( و ) قال الشيخ ( في النهاية ) والقاضي : إنّه ( يُحَدّ ) كاملاً (١) ؛ لحرمة الولد ، وللخبر عن مولانا الصادق عليهالسلام : عن اليهوديّة والنصرانيّة تحت المسلم فيُقذَف ابنها ، قال : « يُضرَب القاذف ؛ لأنّ المسلم قد حصنها » (٢).
ويضعف بعدم كفاية حرمة الولد ، وضعف الخبر سنداً ، فإنّ فيه بنان ابن محمّد المجهول ، ودلالةً :
تارةً : بأنّ قذف الابن أعمّ من نسبة الزناء إلى الأُمّ ؛ مع أنّ القذف بذلك ليس قذفاً لابنها ، بل لها.
وأُخرى : بأنّ ضرب القاذف أعمّ من الحدّ ، فيحتمل التعزير ، ونحن نقول به.
وفي هذين الوجهين نظر ؛ لمنافاة الأول قوله : « إنّ المسلم قد حصنها ».
والثاني موجّه على النسخة المتقدّمة والمرويّة في التهذيب ، ولكن في الكافي بدل « يضرب القاذف » : « يضرب حدّا ».
فإذاً الجواب عنه بضعف السند بمن مرّ كما في سنده في التهذيب ، أو بمعلّى بن محمّد كما في سنده في الكافي.
ومنه يظهر ما في المختلف من أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية ، فإنّها
__________________
(١) النهاية : ٧٢٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٨.
(٢) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ٢١ ، التهذيب ١٠ : ٦٧ ، ٧٥ / ٢٤٨ ، ٢٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٠ أبواب حدّ القذف ب ١٧ ح ٦.
واضحة الطريق (١).
ولو سلّم وضوح الطريق ، فالخبر غير مكافئ لما مرّ ، من حيث اعتضاده بعمل الأكثر ، وحصول الشبهة من جهة الخلاف الدارئة.
ولكن يعضد الخبر ما عن الإسكافي من أنّه مرويّ عن مولانا الباقر عليهالسلام ، وأنّ الطبري روى : أنّ الأمر لم يزل على ذلك إلى أن أشار عبد الله بن عمر ( على عمر بن عبد العزيز ) (٢) بأن لا يُحَدّ مسلم في كافر ، فترك ذلك (٣).
( ولو قال : يا زوج الزانية ، فالحدّ لها ) خاصّة ( و ) كذا ( لو قال : يا أبا الزانية ، أو : يا أخا الزانية فـ ) إنّ ( الحدّ للمنسوبة إلى الزناء دون المواجه ) بالخطاب.
ولو عطف : يا أبا الزانية وما بعده ، على : يا زوج الزانية ، وأسقط قوله : فالحدّ لها ، مكتفياً للجميع بقوله : فالحدّ للمنسوبة كما فعله غيره كان أخصر ، بل وأحسن ، فإنّ ما ذكره ربما يوهم خصوصيّة في الشرطيّة الأُولى دون ما بعدها ، أو بالعكس ، حيث فصلت إحداهما عن الأُخرى ، مع اتّحاد حكمهما ، وانتفاء الخصوصيّة قطعاً ، وكون دليلهما واحداً.
( ولو قال : زنيتَ بفلانة ، فللمواجه حدٌّ ) قطعاً ؛ لقذفه بالزناء صريحاً.
( وفي ثبوته للمرأة ) المنسوب إليها زناه ( تردّد ) ينشأ :
من احتمال الإكراه بالنسبة إليها ، ولا يتحقّق الحدّ مع الاحتمال ،
__________________
(١) المختلف : ٧٨٠.
(٢) بدل ما بين القوسين في « س » : بن عبد العزيز.
(٣) حكاه عنه في غاية المراد ٤ : ٢٣١.
ولظاهر الصحيح الوارد في نظير البحث : في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك ، قال : « عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها ، وأمّا قوله : أنا زنيت بك ، فلا حدّ عليه فيه ، إلاّ أن يشهد على نفسه أربع مرّات بالزناء عند الإمام » (١).
فإنّه يعطي بظاهره أنّ قوله : زنيت بك ، ليس قذفاً ؛ حيث نفى الحدّ فيه أصلاً ، ومنه حدّ القذف ، فتأمّل جدّاً.
ومن أنّ الزناء فعل واحد ، فإن كذب فيه بالنسبة إلى أحدهما كذب بالنسبة إلى الآخر. ووهنه واضح.
ولعدم الاعتداد بشبهة الإكراه في الشرع ، ولذا يجب الحدّ إجماعاً على من قال : يا منكوحاً في دبره ، ونحوه. وفيه منع ، وإثباته بالمجمع عليه قياس.
ولتطرّق الاحتمال بالنسبة إلى كل منهما ، فينبغي اندراء الحد عنه بالكلّية. وفيه : أنّ المكرَه على الزناء ليس زانياً.
وإلى الاحتمال الأول ذهب الحلّي ، ومال إليه في التحرير (٢). وإلى الثاني الشيخان (٣) وجماعة (٤) ، وفي الغنية وعن الخلاف (٥) الإجماع عليه .. ولولاه لكان الأول أقوى ؛ للشبهة الدارئة.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢١١ / ١ ، الفقيه ٤ : ٣٧ / ١١٦ ، التهذيب ١٠ : ٧٦ / ٢٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٥ أبواب حد القذف ب ١٣ ح ١.
(٢) الحلّي في السرائر ٣ : ٥٢٠ ، التحرير ٢ : ٢٤٧.
(٣) المفيد في المقنعة : ٧٣٩ ، الطوسي في النهاية : ٧٢٥ ، المبسوط ٨ : ١٦.
(٤) منهم ابن البراج في المهذّب ٢ : ٥٤٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤١٤ ، العلاّمة في المختلف : ٧٨٠ ، فخر المحققين في الإيضاح ٤ : ٥٠٤ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣٥.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، انظر الخلاف ٥ : ٤٠٥.
( والتعريض ) بالقذف كقوله لمن ينازعه ويعاديه : لست بزان ولا لائط ولا أُمّي زانية ، وقوله : يا حلال ابن الحلال ، ونحو ذلك ـ ( يوجب التعزير ) بلا خلاف ؛ للصحيح : عن رجل سبّ رجلاً بغير قذف فعرّض به ، هل يحدّ؟ قال : « لا ، عليه تعزير » (١) ، ولما فيه من الإيذاء المحرّم الموجب له كما يأتي (٢).
( وكذا ) يعزّر ( لو قال لامرأته : لم أجدك عذراء ) قاصداً به وهنها (٣) ، كما صرّح به الحلّي (٤) ، لا مطلقاً ، كما هو ظاهر العبارة وغيرها (٥) ، ويمكن حملها على الأول ، كما هو الغالب في هذا القول جدّاً.
والحكم بالتعزير هنا في الجملة أو مطلقاً هو المشهور بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في المختلف (٦) ؛ لظاهر الموثّق أو الصحيح : في رجل قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، قال : « يضرب » قلت : فإنّه عاد ، قال : « يضرب ، فإنّه يوشك أن ينتهي » (٧).
والضرب فيه وإن لم يكن صريحاً في التعزير ، بل أعمّ منه ومن الحدّ ، لكنّه مع ظهوره فيه محمول عليه ؛ للأصل ، وصريح الصحيح الآتي ، المترجّح على مثله ، المثبت للحدّ بما يأتي.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٤٠ ، ٢٤٣ / ٣ ، ١٧ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٢ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
(٢) في ص : ٣٨.
(٣) في « ب » : الأذى.
(٤) السرائر ٣ : ٥٣٢.
(٥) كعبارة الشرائع ٤ : ١٦٤ ، والتحرير ٢ : ٢٣٨ ، والقواعد ٢ : ٢٥٩ ، والمختلف : ٧٨٢.
(٦) المختلف : ٧٨٢.
(٧) التهذيب ١٠ : ٧٧ / ٢٩٩ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٧ كتاب اللعان ب ١٧ ح ٢.
خلافاً للعماني ، فأوجب الحدّ (١) ؛ للصحيح : « إذا قال الرجل لامرأته : لم أجدك عذراء ، وليست له بيّنة قال : يجلد الحدّ ويخلّى بينه وبينها » (٢).
ويحتمل الحدّ فيه التعزير ، أو اختصاصه بما إذا قصد بقوله المذكور الرمي بالزناء صريحاً ولو بقرينة الحال ، وينبّه عليه قوله عليهالسلام : « وليست له بيّنة ».
ومنه يظهر عدم إمكان الجمع بينه وبين الموثّق المتقدّم بحمل الضرب فيه على الحدّ ؛ لكونه أعمّ منه ، مضافاً إلى عدم إمكانه من وجه آخر ، وهو اعتضاد ما ذكرناه من الجمع بالأصل ، والشهرة ، وصريح بعض المعتبرة بوجود المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه في سنده فلا يضرّ ما فيه من الجهالة : في رجل قال لامرأته بعد ما دخل بها : لم أجدك عذراء ، قال : « لا حدّ عليه » (٣).
وظاهر الصحيح : في رجل قال لامرأته : لم تأتني عذراء ، قال : « ليس عليه شيء ؛ لأنّ العذرة تذهب بغير جماع » (٤) بناءً على أنّ الظاهر أنّ المراد من الشيء المنفيّ فيه إنّما هو خصوص الحدّ ، لا التعزير ، وإلاّ لشذّ وما ارتبط التعليل ؛ فإنّ مقتضاه عدم القذف الصريح الذي هو مناط للحدّ ، لا عدم الأذى الموجب للتعزير ؛ لحصوله عادةً وإن احتمل الذهاب بغير جماع بل وتعيّن.
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٧٨٢.
(٢) التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠٢ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٨ أبواب اللعان ب ١٧ ح ٥.
(٣) الفقيه ٤ : ٣٤ / ١٠٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٨ كتاب اللعان ب ١٧ ح ٤.
(٤) الكافي ٧ : ٢١٢ / ١٢ ، التهذيب ١٠ : ٧٨ / ٣٠٠ ، الاستبصار ٣ : ٣٧٧ / ١٣٤٥ ، علل الشرائع : ٥٠٠ / ١ ، الوسائل ٢٢ : ٤٣٦ كتاب اللعان ب ١٧ ح ١.
وعن الإسكافي الموافقة له فيما لو قال ذلك عند مَرد (١) وسباب ، والمخالفة له في غيره (٢). وهو ضعيف.
وبالجملة : فالظاهر ثبوت التعزير لو قال لها ذلك ، ( أو قال لغيره ) مواجهاً أو غائباً ( ما يوجب أذى له ، كالخسيس والوضيع ) والحقير ، ( وكذا لو قال ) له : ( يا فاسق ) أو : يا خائن ( أو : يا شارب الخمر ) ونحو ذلك ممّا يوجب الأذى ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في الغنية (٣) ؛ للنصوص المستفيضة عموماً وخصوصاً في بعض الأمثلة :
كالخبر : عن رجل قال لآخر : يا فاسق ، فقال : « لا حدّ عليه ويعزّر » (٤).
وفي آخر : « إذا قال الرجل : أنت خبيث (٥) وأنت خنزير ، فليس فيه حدّ ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة » (٦).
وفي ثالث : « قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في رجل دعا آخر : ابن المجنون ، فقال له الآخر : أنت ابن المجنون ، فأمر الأول أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم أنّه مستعقب (٧) مثلها عشرين ، فلمّا جلده
__________________
(١) وهو هتك العرض ( القاموس ١ : ٣٥٠ ) كذا في « ب » ، وفي « ن » : حرد. وهو الغضب ( القاموس ١ : ٢٩٧ ) ، وفي « ح » : جرد.
(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٨٢.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.
(٤) الكافي ٧ : ٢٤٢ / ١٥ ، التهذيب ١٠ : ٨٠ / ٣١٤ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٣ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٤.
(٥) في « س » ، « ن » : خنث.
(٦) الكافي ٧ : ٢٤١ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٣ أبواب حدّ القذف ب ٩ ح ٢.
(٧) في الكافي : مستحق.