الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: ٥٣٤
ـ إلاّ أنّ مالكاً خيّر الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به ـ للخبر (١).
ولأنّه فسخ لا تمنع منه الزيادة المنفصلة فلا تمنعه المتّصلة ، كالردّ بالعيب.
وفارقَ الطلاق ؛ فإنّه ليس بفسخ ، ولأنّ الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين ، فيصل إلى حقّه تامّاً ، وهنا لا يمكنه الرجوع في الثمن (٢).
والخبر لا يدلّ على صورة النزاع ؛ لأنّه وجد أزيد من عينه التي وقع العقد عليها.
والفرق واقع بين صورة النزاع وبين الردّ بالعيب ؛ لأنّ الفسخ فيه من المشتري ، فهو راضٍ بإسقاط حقّه من الزيادة وتركها للبائع ، بخلاف المتنازع. ولأنّ الفسخ هناك لمعنى قارَن العقدَ ، وهو العيب القديم ، والفسخ هنا لسببٍ حادث ، فهو أشبه بفسخ النكاح الذي لا يستحقّ به استرجاع العين الزائدة.
وقولهم : « إنّ الزوج إنّما لم يرجع في العين ؛ لكونه يندفع عنه الضرر بالقيمة » لا يصحّ ؛ فإنّ اندفاع الضرر عنه بطريقٍ آخَر لا يمنعه من أخذ حقّه من العين ، ولو كان مستحقّاً للزيادة ، لم يسقط حقّه منها بالقدرة على أخذ القيمة ، كمشتري المعيب.
ثمّ كان ينبغي أن يأخذ قيمة العين زائدةً ؛ لكون الزيادة مستحقّةً له ،
__________________
(١) راجع الهامش (٣) من ص ١١٤.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٩ ، الوجيز ١ : ١٧٤ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، و ٨ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، و ٥ : ٦١٢ ـ ٦١٣ ، الذخيرة ٨ : ١٧٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤١٧ ، المغني ٤ : ٥٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٦.
فلمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ المانع من الرجوع كون الزيادة للمرأة. ولأنّه لا يمكن فصلها وكذا (١) هنا بل أولى ؛ فإنّ الزيادة يتعلّق بها حقّ المفلس والغرماء ، فمنع المشتري من أخذ زيادةٍ ليست له أولى من تفويتها على الغرماء الذين لم يصلوا إلى تمام ديونهم والمفلسِ المحتاج إلى تبرئة ذمّته عند اشتداد حاجته.
تذنيب : لو زاد الصداق زيادةً متّصلة ثمّ أعسرت الزوجة فطلّقها الزوج ، فالأقرب عندي : أنّه يرجع في العين ، ويضرب بالقيمة مع الغرماء.
وقال الشافعي : يرجع في نصف العين زائدةً ، ولا يضرب بالقيمة مع الغرماء ، كما تقدّم.
الثاني : الزيادة المنفصلة من كلّ وجهٍ ، كالولد واللبن وثمر الشجرة. وهنا يرجع البائع في الأصل خاصّةً دون الزوائد ، بل تسلم الزوائد للمفلس ، ولا نعلم فيه خلافاً ـ إلاّ من مالك (٢) ـ لأنّه انفصل في ملك المفلس ، فلم يكن للبائع الرجوع فيه ، كما لو وجد بالمبيع عيباً ، فإنّه يردّه ، دون النماء المنفصل ، كذا هنا.
نعم ، لو كان الولد صغيراً ، فللشافعيّة وجهان :
أحدهما : أنّه إن بذل قيمته ، فذاك ، وإلاّ بِيعا معاً ، وصَرف ما يخصّ الأُمّ إلى البائع ، وما يخصّ الولد للمفلس (٣).
قال بعض الشافعيّة : قد ذكرنا وجهين فيما إذا وجد الأُمّ معيبة وهناك ولد صغير : أنّه ليس له الردّ ، وينتقل إلى الأرش ، أو يُحتمل التفريق
__________________
(١) كذا ، والظاهر : « فكذا » بدل « وكذا ».
(٢) المغني ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.
للضرورة. وفيما إذا رهن الأُمّ دون الولد : أنّهما يباعان معاً ، أو يحتمل التفريق ، ولم يذكروا فيما نحن فيه احتمال التفريق ، وإنّما احتالوا في دفعه ، فيجوز أن يقال بخروجه (١) هنا أيضاً ، لكنّهم لم يذكروه اقتصاراً على الأصحّ.
ويجوز أن يفرّق بأنّ مال المفلس مبيع كلّه ومصروف إلى الغرماء ، فلا وجه لاحتمال التفريق مع إمكان المحافظة على جانب الراجع بكون ملكه مزالاً (٢).
مسألة ٣٦١ : لو كان المبيع بذراً فزرعه المفلس ونبت ، أو كان بيضةً فأحضنها وفرخت في يده ثمّ أفلس ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين عندنا ؛ لما تقدّم (٣) من أنّ الزيادة المتّصلة تمنع من الردّ ، فهنا أولى ؛ لاشتمالها على تغيّر العين بالكلّيّة ، وهو أحد قولي الشافعيّة ـ وإن كان يذهب إلى أنّ الزيادة المتّصلة لا تمنع من الردّ (٤) ـ لأنّ المبيع قد هلك ، وهذا شيء جديد له اسم جديد (٥).
والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه حدث من عين ماله ، أو هو عين ماله اكتسب هيئةً أُخرى ، فصار كالوديّ (٦) إذا صار نخلاً (٧).
__________________
(١) أي : خروج التفريق.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤.
(٣) في ص ١٢٠ وما بعدها.
(٤) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢١.
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ـ ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.
(٦) الوديّ : صغار الفسيل ، وهو صغار النخل. الصحاح ٥ : ١٧٩٠ ، و ٦ : ٢٥٢١ « فسل ، ودى ».
(٧) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩٤ ، الحاوي الكبير ٦ :
وسيأتي مزيد بحثٍ في باب الغصب إن شاء الله تعالى.
ويجري مثل هذا الخلاف في العصير إذا تخمّر في يد المشتري ثمّ تخلّل (١).
مسألة ٣٦٢ : لا فرق في الرجوع بالعين دون الزيادة المنفصلة بين أن تكون الزيادة قد نقص بها المبيع وأن لا تكون ، ولا فرق أيضاً بين أن تزيد قيمة العين لزيادة السوق أو تنقص في جواز الرجوع فيها ، وقد بيّنّا أنّ العلماء أطبقوا على أنّ الزيادة للمفلس.
ونُقل عن مالك وأحمد بن حنبل في روايةٍ : أنّ الزيادة للبائع كالمتّصلة (٢).
وهو خطأ ؛ لأنّها زيادة انفصلت في ملك المشتري ، فكانت له.
ولقوله عليهالسلام : « الخراج بالضمان » (٣) وهو يدلّ على أنّ النماء للمشتري ؛ لكون الضمان عليه.
والفرق بين المتّصلة والمنفصلة ظاهر ؛ فإنّ المتّصلة تتبع في الردّ بالعيب ، دون المنفصلة ، فيبطل القياس.
ولو اشترى زرعاً أخضر مع الأرض ففلس وقد اشتدّ الحَبّ ، لم يرجع في العين ـ عندنا ـ للزيادة.
والشافعيّة طرّدوا الوجهين ، وبعضهم قطع بالرجوع (٤).
__________________
٢٨٣ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٣ ، الوسيط ٤ : ٢٧ ـ ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.
(٢) المغنى ٤ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.
(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ / ٢٢٤٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٤ / ٣٥٠٨ ـ ٣٥١٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ / ١٢٨٥ و ١٢٨٦ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.
القسم الثالث : الزيادات المتّصلة من وجه دون وجه.
وذلك كالحمل. ووجه اتّصاله ظاهر.
ووجه انفصاله أن نقول : إذا حدث الحمل بعد الشراء وانفصل قبل الرجوع ، فحكم الولد ما تقدّم من أنّه للمشتري خاصّةً.
وإن كانت حاملاً عند الشراء وعند الرجوع جميعاً ، فهو كالسمن.
وقد بيّنّا أنّ المعتمد عندنا فيه أنّه ليس له الرجوع في العين إن زادت قيمتها بسببه.
وعند الشافعي ومالك يرجع فيها حاملاً ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة عندهما لا تمنع من الرجوع في العين (١).
وإن كانت حاملاً عند الشراء وولدت قبل الرجوع ، لم يتعدّ الرجوع إلى الولد عندنا ، وهو ظاهر.
وللشافعي قولان مبنيّان على الخلاف في أنّ الولد هل له حكم أم لا؟ فإن قلنا : له حكم ، رجع فيهما ، كما لو اشترى شيئين. وإن قلنا : لا حكم له ، لم يرجع في الولد ، وكان الحكم كما لو باعها حاملاً (٢).
وربما يوجّه قولُ التعدّي إلى الولد : بأنّه كان موجوداً عند العقد ، ملكه المشتري بالعقد ، فوجب أن يرجع إلى البائع بالرجوع ، وقولُ المنع : بأنّه ما لم ينفصل تابع ملحق بالأعضاء ، فكذلك تبع في البيع ، أمّا عند
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥ ، ولاحظ المصادر في الهامش (٢) من ص ١٢٤ ، وكذا الهامش (٢) من ص ١٢١ أيضاً.
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ـ ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.
الرجوع فهو مشخّص مستقلّ بنفسه منفرد بالحكم ، وكأنّه وُجد حين استقلّ.
وإن كانت حائلاً عند الشراء وحملت (١) عند الرجوع ، لم يكن له الرجوعُ عندنا إن زادت قيمتها بالحمل.
ومَنْ جوّز الرجوع مع الزيادة المنفصلة ـ وهو الشافعي ـ فعنده قولان موجّهان بطريقين :
أشهرهما : البناء على أنّ الحمل هل يُعرف وله حكم؟ إن قلنا : لا ، أخذها مع الحمل. وإن قلنا : نعم ، قال بعضهم : إنّه لا رجوع له ، ويُضارب الغرماء بالثمن (٢).
والأصحّ عندهم : أنّ له الرجوع إلى الولد ؛ لأنّ الولد تبع الجارية حال البيع ، فكذا حال الرجوع (٣).
ووجه المنع : أنّ البائع يرجع إلى ما كان عند البيع أو حدث فيه من الزيادة المتّصلة ، ولم يكن الحمل موجوداً ، ولا يمكن عدّه من الزيادات المتّصلة ؛ لاستقلاله وانفراده بكثير من الأحكام.
ثمّ قضيّة المأخذ الأوّل أن يكون الأصحّ اختصاصَ الرجوع بالأُمّ ؛ لأنّ الأصحّ أنّ الحمل يُعلم وله حكم ، إلاّ أنّ أكثر الشافعيّة مالوا إلى ترجيح القول الآخَر (٤).
__________________
(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « حاملاً ... أو حملت ». وفي « ث ، ر » : « حاملاً ... » والصحيح ما أثبتناه.
(٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.
(٣) راجع : العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨.
وإذا قلنا باختصاص الرجوع بالأُمّ ، فقد قال بعض الشافعيّة : يرجع فيها قبل الوضع ، فإذا ولدت ، فالولد للمفلس (١).
وقال بعضهم : يصبر إلى انفصال الولد ، ولا يرجع في الحال ، ثمّ الاحتراز عن التفريق [ طريقه ] (٢) ما تقدّم (٣).
مسألة ٣٦٣ : لو كان المبيع نخلاً ، فلا يخلو إمّا أن يكون عليها ثمرة حال البيع ، أو لا ، فإن كان فلا يخلو إمّا أن تكون الثمرة مؤبَّرةً حال البيع ، أو لا.
فإن كانت مؤبَّرةً حال البيع ، فهي للبائع ، إلاّ أن يشترطها المشتري ، فإن اشترطها ، دخلت في البيع.
فإذا أفلس وفسخ ، فإمّا أن تكون الثمرة باقيةً أو تلفت.
فإن كانت باقيةً ، فإن لم تزد ، كان له الرجوع في النخل والثمرة معاً. وإن زادت ، ففي الرجوع مع الزيادة المتّصلة الخلافُ السابق ، فإن قلنا به ، رجع فيهما معاً أيضاً. وإن منعناه ، رجع في النخل خاصّةً بحصّته من الثمن ، دون الثمرة.
وإن تلفت ، رجع في النخل ، وضرب بقيمة الثمرة مع الغرماء.
وإن لم تكن مؤبَّرةً حال البيع ، فحالة الرجوع إمّا أن تكون مؤبَّرةً أو لا.
فإن كانت مؤبَّرةً ، لم تدخل في الرجوع ـ عندنا ـ للزيادة التي حصلت بين الشراء والرجوع.
ومَنْ أثبت الرجوع مع الزيادة المتّصلة ـ كالشافعي ـ فله طريقان :
__________________
(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٥.
(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.
أحدهما : أنّ أخذ البائع الثمرة على القولين في أخذ الولد إذا كانت حاملاً وقت البيع ووضعت قبل الرجوع.
وقد ذكرنا أنّ في الرجوع في الولد له قولين ، فكذا في الثمرة.
والطريق الثاني : القطع بأنّه يأخذ الثمرة هنا ؛ لأنّها وإن كانت مستترةً فهي مشاهَدة موثوق بها قابلة [ للإفراد ] (١) بالبيع ، فكانت أحد مقصودي العقد ، فيرجع فيها رجوعه في النخل.
والحاصل : أن نقول : إن قلنا : يأخذ الولد ، فالثمرة أولى بالأخذ ، وإلاّ فقولان (٢).
وإن لم تكن مؤبَّرةً حال الرجوع أيضاً ، فإن زادت فيما بين الشراء والرجوع ، لم يكن له الرجوع عندنا. وإن لم تزد أو زادت عند مَنْ يُجوّز الرجوع ، كان له الرجوع فيهما معاً.
وإن كانت الثمرة غير موجودة حال البيع ثمّ ظهرت وأفلس بعد ظهورها ، فإن رجع وعليها الثمرة ، فإمّا أن تكون مؤبَّرةً أو غير مؤبَّرة. فإن كانت مؤبَّرةً أو مدركةً أو مجذوذةً ، لم يكن له الرجوع في الثمرة قطعاً ؛ لأنّها نماء حصلت للمشتري على ملكه ، فلا يزول عنه ، إلاّ بسببٍ ، ولم يوجد المزيل.
ولا فرق بين أن يفلس قبل التأبير أو بعده ، فإذا أفلس قبل أن تؤبَّر فلم يرجع فيها حتى أُبّرت ، لم يكن له الرجوع في الثمرة ؛ لأنّ العين لا تنتقل إلى البائع إلاّ بالفلس والاختيار لها ، وهذا لم يخترها إلاّ بعد أن
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ث » : « للإقرار ». وفي « ث » : « للابراز ». وكلاهما تصحيف. والصحيح ما أثبتناه.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
حصل التأبير ، فلم تتبعها في الفسخ.
وإن كانت الثمرة عند الرجوع غير مؤبَّرة ، لم يكن له الرجوع فيها ؛ لأنّها نماء حصل على ملكه ، ودخول الطلع غير المؤبَّر في البيع لا يقتضي دخوله في الرجوع ، ولا يسقط رجوعه في عين النخل.
وللشافعي قولان :
هذا أحدهما ؛ لأنّ الطلع يصحّ إفراده بالبيع ، فلا يجعل تبعاً ، كالثمار المؤبَّرة ، بخلاف البيع ؛ لأنّه أزال ملكه باختياره ، وهنا بغير اختياره.
والثاني : أنّه يأخذه مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذلك في الفسخ ، كالسمن (١).
وفيه طريقة أُخرى للشافعيّة : أنّه لا يأخذ الطلع ؛ للوثوق به ، واستقلاله في البيع ، بخلاف البيع (٢) على ما تقدّم.
وبالجملة ، كلّ موضعٍ أزال ملكه باختياره على سبيل العوض يتبع الطلع ، وكلّ موضعٍ زال بغير اختياره ، فهل يتبع؟ قولان ، كالردّ بالعيب ، والأخذ بالشفعة.
وكذا إذا زال بغير عوض باختياره وبغير اختياره على القولين ، كالهبة والرجوع فيها ، فإنّ فيها قولين للشافعي (٣).
إذا عرفت هذا ، فلو باع نخلاً قد [ أطلعت ] (٤) ولم تؤبَّر ، فإنّها تدخل في البيع ، فإن أفلس بعد تلف الثمرة أو تلف بعضها أو بعد بدوّ صلاحها ، لم يكن له الرجوعُ في البيع عند أحمد ؛ لأنّ تلف بعض المبيع أو زيادته
__________________
(١ ـ ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أطلع ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
زيادة متّصلة يمنع من الرجوع ، وهنا الثمرة دخلت في البيع ، فكأنّ المبيع شيء واحد ، فإذا تلفت أو بدا صلاحها ، يكون المبيع قد تلف بعضه أو زاد ، فلا رجوع (١).
أمّا لو كانت الثمرة مؤبَّرةً وقت البيع فشرطها ثمّ أتلفها بالأكل أو تلفت بجائحة ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الأصل ، ويُضارب بالثمرة ؛ لأنّهما عينان بِيعا معاً.
قال : ولو باعه نخلاً لا ثمرة عليه فأطلعت و [ أفلس ] (٢) قبل تأبيرها ، فالطلع زيادة متّصلة تمنع الرجوع ـ عنده ـ في النخل (٣).
وليس بصحيح ؛ لأنّ للثمرة حكماً منفرداً يمكن بيعها منفردةً ، ويمكن فصله ، ويصحّ إفراده بالبيع ، فهو كالمؤبَّرة ، بخلاف الثمن.
وعنه رواية أُخرى : أنّه يرجع البائع في الثمرة أيضاً ، كما لو فسخ بعيب (٤). وهذا كقول الشافعي (٥).
ولو أفلس بعد التأبير ، لم يمنع من الرجوع في النخل إجماعاً ، والطلع للمشتري عند أحمد (٦).
ولو أفلس والطلع غير مؤبَّر فلم يرجع حتى أُبّر ، لم يكن له الرجوعُ عنده (٧) ، كما لو أفلس بعد [ تأبيرها ] (٨).
فإن ادّعى البائع الرجوعَ قبل التأبير ، وأنكره المفلس ، قُدّم قوله مع
__________________
(١) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فلس ». والظاهر ما أثبتناه.
(٣ ـ ٥) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٤.
(٦ و ٧) المغني ٤ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.
(٨) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ثمرتها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.
اليمين ؛ لأصالة بقاء ملكه ، وعدم زواله.
ولو قال البائع : بعت بعد التأبير ، وقال المفلس : قبله ، قُدّم قول البائع ؛ لهذه العلّة.
فإن شهد الغرماء للمفلس ، لم تُقبل شهادتهم ؛ لأنّهم يجرّون إلى أنفسهم نفعاً.
وإن شهدوا للبائع ، قُبلت مع عدالتهم ؛ لعدم التهمة.
مسألة ٣٦٤ : قد بيّنّا أنّه إذا باع النخل ولا حمل له ثمّ أطلع عند المشتري ثمّ جاء وقت الرجوع وهي غير مؤبَّرة ، فإنّ الثمرة للمفلس ، دون البائع ، وهو أحد قولي الشافعي (١).
ونقل المزني وحرملة عنه أنّه يأخذ الثمرة مع النخل ؛ لأنّه تبع في البيع ، فكذا في الفسخ (٢).
فعلى قوله لو جرى التأبير وفسخ البائع ثمّ قال البائع : فسخت قبل التأبير فالنماء لي ، وقال المفلس : بل بعده ، قُدّم قول المفلس مع يمينه ؛ لأصالة عدم الفسخ حينئذٍ ، وبقاء الثمار له (٣).
وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّ القولَ قولُ البائع ؛ لأنّه أعرف بتصرّفه (٤).
وخرّج بعضهم قولاً : إنّ المفلس يُقبل قوله من غير يمين ، بناءً على أنّ النكول وردّ اليمين كالإقرار ، فإنّه لو أقرّ لما قُبل إقراره (٥).
__________________
(١) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٥٠٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩ ـ ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٦.
وإنّما يحلف على نفي العلم بسبق الفسخ على التأبير ، لا على نفي السبق ، فإذا حلف ، بقيت الثمار له.
وإن نكل ، فهل للغرماء أن يحلفوا؟ فيه ما تقدّم (١) من الخلاف فيما إذا ادّعى المفلس دَيْناً وأقام شاهداً ولم يحلف معه ، هل يحلف الغرماء؟ فإن قلنا : لا يحلفون ، أو قلنا : يحلفون فنكلوا ، عُرضت اليمين على البائع ، فإن نكل ، فهو كما لو حلف المفلس.
وإن حلف فإن جعلنا اليمين المردودة بعد النكول كالبيّنة ، فالثمار له.
وإن جعلناه كالإقرار ، فيخرّج على قولين في قبول إقرار المفلس في مزاحمة المُقرّ له الغرماء ، فإن لم نقبله ، صُرفت الثمار إلى الغرماء ، كسائر الأموال. وإن فضل شيء ، أخذه البائع بحلفه.
هذا إذا كذّب الغرماء البائعَ كما كذّبه المفلس ، وإن صدّقوه ، لم يُقبل إقرارهم على المفلس ، بل إذا حلف ، بقيت الثمار له.
وليس [ لهم ] (٢) المطالبة بقسمتها ؛ لأنّهم يزعمون أنّها ملك البائع لا ملكه.
وليس له التصرّف فيها ؛ للحجر ، واحتمالِ أن يكون له غريمٌ آخَر.
نعم ، له إجبارهم على أخذها إن كانت من جنس حقوقهم ، أو إبراء ذمّته عن ذلك القدر ، كما لو جاء المكاتَب بالنجم ، فقال السيّد : إنّه حرام ، أو مغصوب ، لم يُقبل منه في حقّ المكاتَب ، ويقال له : خُذْه ، أو أبرئه عنه.
وكذا لو دفع المديون دَيْنه إلى صاحبه ، فقال : لا أقبضه ؛ لأنّه حرام.
وله تخصيص بعض الغرماء به ؛ لانقطاع حقّ الباقين عنه ، فإمّا أن
__________________
(١) في ص ٣٨ ، المسألة ٢٨٦.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له ». والصحيح ما أثبتناه.
يقبضه أو يُبرئه.
وللشافعيّة وجهٌ : أنّهم لا يُجبرون على أخذها ، بخلاف المكاتَب ؛ لأنّه يخاف العود إلى الرقّ لو لم يؤخذ منه ، وليس على المفلس كثير ضرر (١).
فإذا أُجبروا على أخذها فأخذوها ، فللبائع أخذها منهم ؛ لإقرارهم أنّها له ، ويجب عليهم الدفع إليه لو لم يطلبها ، كما لو أقرّوا بعتق عبدٍ في ملك غيرهم ثمّ اشتروه منه.
وإن لم يُجبروا وقسّم سائر أمواله ، فله طلب فكّ الحجر إن قلنا بتوقّف الرفع على إذن الحاكم.
ولو كانت من غير جنس حقوقهم فدفعها المفلس إليهم ، كان لهم الامتناع ؛ لأنّه إنّما يلزمهم الاستيفاء من جنس ديونهم ، إلاّ أن يكون منهم مَنْ له من جنس الثمرة ، كالقرض والسَّلَم ، فيلزمه أخذ ما عرض عليه إذا كان بعض حقّه.
ولو لم يكن من جنس حقّ أحدٍ منهم فبِيعت وصُرف ثمنها إليهم تفريعاً على الإجبار ، لم يكن للبائع الأخذ منهم ؛ لأنّهم لم يُقرّوا له بالثمن ، وعليهم ردّه إلى المشتري ، فإن لم يأخذه (٢) ، فهو مالٌ ضائع.
ولو شهد بعض الغرماء أو أقرّ بعضهم دون بعضٍ ، لزم الشاهد أو المُقرّ الحكم الذي ذكرناه.
ولو كان في المُصدّقين عدْلان شهدا للبائع على صفة الشهادة وشرطها أو عدْلٌ واحد وحلف البائع معه ، قُبلت الشهادة ، وقضي له إن شهد الشهود
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٧.
(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يأخذ ». والظاهر ما أثبتناه.
قبل تصديق البائع أو بعده وقلنا : إنّهم لا يُجبرون على أخذ الثمرة ، وإلاّ فهُمْ يرفعون (١) الضرر عن أنفسهم بشهادتهم ؛ إذ يُجبرون على أخذها ويضيع عليهم بأخذ البائع.
ولو صدّق بعضُ الغرماء البائعَ وكذّبه بعضُهم ، فللمفلس تخصيص المكذّبين بالثمار.
ولو أراد قسمتها على الجميع ، فالأقرب : أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّ مَنْ صدّق البائعَ يتضرّر بالأخذ ؛ لأنّ للبائع أخذ ما أخذه منه ، والمفلس لا يتضرّر بأن لا يصرف إليه ، لإمكان الصرف إلى المكذّبين ، بخلاف ما إذا صدّقه الكلُّ ، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : أنّه له ذلك ، كما إذا صدّقوه جميعاً (٢).
إذا عرفت هذا ، فإذا صرف إلى المكذّبين ولم يف بحقوقهم ، فيضاربون المصدّقين في سائر الأموال ببقيّة ديونهم مؤاخذةً لهم بزعمهم ، أو بجميع ديونهم ؛ لأنّ زَعْم المصدّقين أنّ شيئاً من دَيْن المكذّبين لم يتأدّ؟ للشافعيّة وجهان ، أظهرهما عندهم : الأوّل (٣).
وجميع ما ذكرناه فيما إذا كذّب المفلس للبائع ، أمّا لو صدّقه المفلس على سبق الفسخ للتأبير ، نُظر فإن صدّقه الغرماء أيضاً ، قضي له.
وإن كذّبوه وزعموا أنّه أقرّ عن مواطأة جرت بينهما ، فعلى القولين الجاريين فيما لو أقرّ بعين مالٍ أو بدَيْن لغيره ، فإن قلنا : لا نفوذ ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بالثمن ظاهراً ، فلم يُقبل إقراره ، كما لو أقرّ بالنخل ، فللبائع تحليف الغرماء على أنّهم لا يعرفون فسخه قبل التأبير.
__________________
(١) الظاهر : « يدفعون ».
(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.
ومنهم مَنْ قال : هو على القولين السابقين (١) في أنّ الغرماء هل يحلفون إذا ادّعى حقّاً وأقام شاهداً ولم يحلف؟
والأوّل أصحّ عندهم ؛ لأنّ اليمين هنا وجبت عليهم ابتداءً ، وثَمَّ ينوبون عن المفلس ، واليمين لا تجري فيها النيابة (٢).
وفي مسألتنا : الأصل أنّ هذا الطلع قد تعلّقت حقوقهم به ؛ لكونه في يد غيرهم ومتّصل ، فعليه التخلية ، والبائع يدّعي ما يزيل حقوقهم عنه ، فأشبه سائر أعيان ماله.
وما به النظر في انفصال الجنين وفي ظهور الثمار بالتأبير إلى حال الرجوع دون الحجر ؛ لأنّ ملك المفلس باقٍ إلى أن يرجع البائع.
مسألة ٣٦٥ : لو كان المبيع أرضاً ، فإن كانت بيضاء ، كان له الرجوعُ عند الإفلاس بها. فإن زرع المشتري الأرضَ قبل الحجر ، كان له الرجوعُ في الأرض ، والزرع للمفلس ؛ لأنّه عين ماله ، وليس الزرع ممّا يتبع الأرض في البيع فأولى أن لا يتبعها في الفسخ.
وكذا لو باعه حائطاً لا ثمر فيه ثمّ أفلس وقد أُبّرت النخلة ، لم يكن له الرجوعُ في الثمرة ؛ لأنّها لا تتبع الأصل في البيع ، فكذا في الفسخ.
إذا ثبت هذا ، فإنّه ليس لبائع الأرض ولبائع النخل المطالبةُ بقلع الزرع ولا قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ والحصاد ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّ المشتري زرع في أرضه بحقٍّ ، وكذا طلعه على النخل بحقٍّ ، فلم يكن لأحدٍ
__________________
(١) في ص ٣٨ ـ ٣٩ ، ضمن المسألة ٢٨٦.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٥.
مطالبته [ بقلعه ] (١) كما لو باع نخلاً فيه ثمرة ظاهرة أو أرضاً فيها زرع ، لم يكن للمشتري مطالبة البائع بقطع الثمرة والزرع ، وكذا هنا ، والأُجرة لصاحب الأرض في ذلك ، إلاّ أنّ المشتري زرع في أرضه والزرع تجب تبقيته ، فكأنّه استوفى منفعة الأرض ، فلم يكن عليه ضمان ذلك.
لا يقال : أنتم قلتم في المؤجر للأرض : إذا زرعها المستأجر وأفلس ، رجع المؤجر في الأرض ، وله أُجرة التبقية للزرع ، فلِمَ لا يكون لبائع الأرض الأُجرةُ؟
لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ فإنّ المعقود عليه في البيع الرقبةُ ، وإنّما يحصل له بالفسخ وإن لم يأخذ الأُجرة ، وفي الإجارة المنفعةُ ، فإذا فسخ العقد فيها ، لم يجز أن يستوفيها المستأجر بلا عوضٍ ، فإذا لم يتمكّن من استيفائها ولم يمكنه من أخذ بدلها ، خلا الفسخ عن الفائدة ، ولم يعد إليه حقّه ، فلا يستفيد بالفسخ شيئاً.
ولأنّ المستأجر دخل في العقد على أن يضمن المنفعة ، فلهذا وجب عليه الأُجرة ، بخلاف المتنازع ، فإنّ المشتري دخل على أنّه لا يضمن المنفعة ، فجرى مجرى البائع للأُصول دون ثمرتها.
وحكى بعض الشافعيّة قولاً : إنّ للبائع طلبَ أُجرة المثل لمدّة بقاء الزرع ، كما لو بنى المشتري أو غرس ، كان للبائع الإبقاء بأُجرة المثل (٢).
إذا ثبت هذا ، فإن اتّفق المفلس والغرماء على تبقيته ، كان لهم ذلك.
وإن اختلفوا ، فطلب المفلس قطعه ، أو طلب الغرماء قطعه ، أو
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بفعله ». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٨.
بعضهم طلبه ، أُجيب مَنْ طلب القطع على إشكال ؛ لما في التبقية من الغرور ، ومَنْ طلب قطعه أراد تعجيل حقّه ، وكذا المفلس يريد براءة ذمّته ، فأُجيب إلى ذلك.
ويُحتمل إجابة مَنْ طلب ما فيه الحظّ ، فيُعمل عليه.
وهو حسن ـ وكلاهما قولان للشافعيّة (١) ـ لأنّ النفع متوقّع ، ولهذا جاز لوليّ الطفل الزرع له.
مسألة ٣٦٦ : لو باعه أرضاً وفيها بذر مودع ، فإن باعها مطلقاً ، لم يدخل البذر في البيع ؛ لأنّه مودع فيها.
وإن باعها مع البذر ، فإن قصد التبعيّة ، جاز ، وإلاّ بطل ؛ لأنّ بعض المبيع المقصود مجهول ، فلا يصحّ بيعه.
وإن باع الأرض وشرط البذر أو قصد التبعيّة ، دخل في البيع.
فإذا أفلس المشتري بعد ما استحصد واشتدّ حَبُّه أو كان قد حصده وذرّاه (٢) ونقّاه ، لم يكن لصاحب الأرض أن يرجع فيه ـ [ وهو أحد الوجهين للشافعيّة ] (٣) (٤) ـ لأنّ هذا الزرع أعيان ابتدأها الله تعالى ، ولم يكن موجوداً حال البيع.
والثاني : أنّ [ له الرجوعَ ؛ لأنّ ] (٥) ذلك (٦) من نماء الزرع ، فهو كالطلع
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ ، المغني ٤ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٢٦.
(٢) ذروت الحنطة وذرّيتها : نقّيتها في الريح. لسان العرب ١٤ : ٢٨٣ « ذرا ».
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٤ ، المغني ٤ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٣.
(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٦) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة زيادة : « ممّا ». والظاهر زيادتها.
يصير تمراً ، ولهذا لو غصب رجلاً حَبّاً فبذره في ملكه واستحصد ، كان لصاحب البذر دون صاحب الأرض ، وكذا البيض لو صار فرخاً (١).
والفرق بين الغاصب والمتنازع ظاهر.
مسألة ٣٦٧ : لو كانت الثمرة مؤبَّرةً حال البيع وشرطها في البيع ، كانت جزءاً من المبيع يتقسّط الثمن عليها وعلى الأُصول ، فإذا أفلس المشتري وتلفت الثمرة بأكله أو بجائحة أو بأكل أجنبيّ ، فقد بيّنّا أنّ للبائع أخذَ الشجر بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة الثمرة.
وسبيل التوزيع أن تُقوَّم الأشجار وعليها الثمار ، فإذا قيل : قيمتها مائة ، قُوّمت الأشجار وحدها ، فإذا قيل : قيمتها تسعون ، علمنا أنّ قيمة الثمرة عشرة ، فيضارب بعُشْر الثمن.
فإن اتّفق في قيمتها انخفاض وارتفاع ، فالاعتبار في قيمة الثمار بالأقلّ من قيمتي وقت العقد ويوم القبض ؛ لأنّها إن كانت يوم القبض أقلَّ [ فما نقص ] (٢) قبله فهو من ضمان البائع ، فلا يُحسب على المشتري.
وإن كانت يوم العقد أقلَّ ، فالزيادة حصلت في ملك المشتري وتلفت ، فلا تعلّق للبائع بها.
نعم ، لو كانت العين باقيةً ، رجع فيها تابعةً للأصل إن لم تحصل زيادة عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي (٣).
[ وقال بعض الشافعيّة ] (٤) : الاعتبار في قيمته يومَ القبض ، واحتسب
__________________
(١) نفس المصادر في الهامش (٤) من ص ١٣٧.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ممّا قبض ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.
(٤) ما بين المعقوفين أضفناه ـ لاستقامة العبارة ـ من المصدر.
الزيادة للبائع بعد التلف ، كما أنّها لو بقيت العين ، لحصلت له (١).
وهذا ظاهر كلام الشافعي (٢).
لكن أكثر أصحابه حملوه على ما إذا كانت قيمته يوم القبض أقلّ أو لم تختلف القيمة ، فسواء أضفتها (٣) إلى هذا اليوم أو ذاك اليوم (٤).
وأمّا الأشجار فللشافعيّة وجهان :
أظهرهما : أنّ الاعتبار فيها بأكثر القيمتين ؛ لأنّ المبيع بين العقد والقبض من ضمان البائع ، فنقصانه عليه ، وزيادته للمشتري ، ففيما يأخذه البائع [ يعتبر ] (٥) الأكثر ؛ لكون النقصان محسوباً عليه ، كما أنّ فيما يبقى للمشتري ويضارب البائع بثمنه [ يعتبر ] (٦) الأقلّ ؛ لكون النقصان محسوباً عليه.
والثاني : أنّ الاعتبار بقيمة يوم العقد ، سواء كانت أكثرَ القيمتين أو أقلَّهما.
أمّا إذا كانت أكثرَهما : فلما ذكرنا في الوجه الأوّل.
وأمّا إذا كانت أقلَّهما : فلأنّ ما زاد بعد ذلك من جملة الزيادات المتّصلة ، وعين الأشجار باقية ، فيفوز بها البائع ، ولا تُحسب عليه (٧).
قال الجويني : ولصاحب الوجه الأوّل أن يقول : نعم ، البائع يفوز بها ،
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.
(٣) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وفي المصدر : « فبنوا إضافتها » بدل « فسواء أضفتها ».
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢.
(٥ و ٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تعيّن ... بقيمة ». والمثبت من المصدر.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢ ـ ٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٩.
لكن يبعد أن يفوز بها وهي [ حادثة ] (١) في ملك غيره ، ثمّ لا يحتسبها من المبيع ، فإذا فاز بها فليقدّر كأنّها وُجدت يوم البيع (٢).
ولنذكر مثالاً في اختلاف قيمة الأشجار والثمار.
فنقول : كانت قيمة الشجرة يوم البيع عشرةً ، وقيمة الثمرة خمسةً ، فلو لم تختلف القيمة ، لأخذ الشجرة بثلثي الثمن (٣).
ولو زادت قيمة الثمرة فكانت عشرةً يوم البيع ، فكما لو كانت القيمة بحالها على أشهر الوجهين. وعلى الآخَر : يُضارب بنصف الثمن. ولو نقصت فكانت يوم القبض درهمين ونصفاً ، يُضارب بخُمْس الثمن.
ولو زادت قيمة الشجرة أو نقصت ، فالحكم على الوجه الثاني كما لو بقيت بحالها. وعلى الأوّل كذلك إن نقصت. وإن زادت وكانت خمسة عشر ، ضارَب بربع الثمن.
تذنيبان :
أ : إذا اعتبرنا في الثمار أقلّ القيمتين ، فلو كانتا متساويتين لكن وقع بينهما نقصان ، نُظر إن كان بمجرّد انخفاض السوق ، فلا عبرة به. وإن كان لعيبٍ طرأ وزال ، فكذلك على الظاهر ، كما أنّه يسقط بزواله حقّ الردّ. وإن لم يزل العيب لكن عادت قيمته إلى ما كان بارتفاع السوق ، اعتبرت قيمته يوم العيب ، دون البيع والقبض ؛ لأنّ النقصان الحاصل من ضمان البائع
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « جارية ». والمثبت من المصدر.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣.
(٣) في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٩٩ زيادة : « وضارب للثمرة بالثلث ».