الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨
العين أخذ المالك المثلَ إن كان مثليّاً ، والقيمةَ إن كانت من ذوات القِيَم ، وأُجرة المثل إن مضت مدّة لمثلها أُجرة.
مسألة ١٣٤ : لو ادّعى المُستعير تلفَ العين وأنكر المالك ، قُدّم قول المُستعير مع اليمين ؛ لأنّه مؤتمن ، وربما تعذّرت البيّنة عليه.
ولو ادّعى المُستعير الردَّ وأنكر المالك ، قُدّم قول المالك مع اليمين ؛ لأصالة عدم الردّ ، وعدم براءة الذمّة بعد شغلها ، فإنّ المُستعير يدّعي إسقاط ما ثبت في ذمّته.
ولو تنازعا في القيمة بعد وجوب الضمان بالتفريط أو التضمين ، قُدّم قول المُستعير مع اليمين ؛ لأنّه منكر لما يدّعيه المالك من الزيادة.
ولو تنازعا في التفريط وعدمه ، قُدّم قول المُستعير ؛ لأصالة براءة ذمّته وعدم الضمان.
فروع :
أ ـ قد بيّنّا أنّه ليس للمُستعير أن يعير ، فإن فَعَل فللمالك الرجوعُ بأُجرة المثل على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على المُستعير لم يرجع المُستعير على المُعير وإن كان جاهلاً على إشكالٍ ، وإن رجع على المُعير كان له الرجوعُ على المُستعير العالم ، وفي الجاهل إشكال ، وكذا العين.
ب ـ لو انتفع المُستعير باستعمال العين بعد رجوع المالك في العارية ، فإن كان عالماً برجوعه كان ضامناً للعين والمنفعة معاً.
ولو كان جاهلاً ، احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الاستعمال منوط بالإذن وقد زال ، وعدمُ الضمان.
ج ـ لو مات المُستعير ، وجب على ورثته ردّ العين وإن لم يطالب المُعير ؛ لأنّه مالٌ حصل في يدهم لغيرهم ، فيجب عليهم دفعه إليه.
مسألة ١٣٥ : تجوز الإعارة للإرهان ؛ لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء ، فوجب تسويغها توسعةً على المحاويج بالمباح.
قال ابن المنذر : أجمعوا على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه عند الرجل على شيءٍ معلومٍ إلى وقتٍ معلومٍ فرهن ذلك على ما أذن له فيه أنّ ذلك جائز ؛ لأنّه استعاره ليقضي به حاجته ، فصحّ كغيره من العواري (١).
ولا يعتبر العلم بقدر الدَّيْن وجنسه ؛ لأنّ العارية لا يعتبر فيها العلم ، وبه قال أبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ؛ لأنّها عامّة لجنسٍ من النفع ، فلم يعتبر معرفة قدره ، كعارية الأرض للزرع (٢).
وقال الشافعي : يعتبر ذلك ؛ لاختلاف الضرر به (٣).
وهو ممنوع ؛ فإنّ الزرع كذلك.
إذا ثبت هذا ، فإنّ المُعير لا يصير ضامناً للدَّيْن ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين (٤) ـ لأنّه [ أعاره ] ليقضي [ منها ] (٥) حاجته ، فلم يكن ضامناً كسائر العواري.
وقال في الآخَر : إنّه يصير ضامناً له في رقبة عبده ؛ لأنّ العارية ما يستحقّ به منفعة العين ، والمنفعة هنا للمالك ، فدلّ على أنّه ضامن به (٦).
إذا عرفت هذا ، فإنّ المُعير إذا عيّن قدر الدَّيْن الذي يرهنه به وجنسه ، أو عيّن محلاًّ ، تعيّن ؛ لأنّ العارية تتعيّن بالتعيين ، فإن خالفه في
__________________
(١) المغني ٥ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.
(٢ و ٣) المغني ٥ : ٣٦٣.
(٤ و ٦) المغني ٥ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.
(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه استعاره ليقضي منه ». والظاهر ما أثبتناه.
الجنس لم يصح ؛ لأنّه عقد لم يأذن المالك له فيه ، فلم يصح ، كما لو لم يأذن له في رهنه.
وأمّا إن أذن له في أجلٍ فرهنه إلى أقلّ من ذلك الأجل ، فقد خالفه أيضاً ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في ذلك الأمد القليل ، فيتضرّر المالك بالبيع.
وكذا لو أذن له في المؤجَّل فرهنه حالًّا ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في الحال ، فيتسلّط المرتهن على العين بالبيع.
ولو أذن له في رهنه حالًّا فرهنه مؤجَّلاً ، لم يصح ؛ لأنّه قد خالف أيضاً ، لأنّه لم يرض أن يحال بينه وبين عينه إلى أجلٍ ، فلم يصح.
ولو خالفه في القدر بأن أذن له في رهنه على مائة ، فرهنه على مائتين ، لم يصح ؛ لأنّ مَنْ رضي بقدرٍ من الدَّيْن لم يلزم أن يرضى بأكثر منه.
وهل يبطل من الرأس ، أو يصحّ في القدر المأذون فيه ويبطل في الزائد بحيث لو رضي المرتهن على رهنه بالمعيّن لزمه؟ إشكال ، أقربه ذلك.
أمّا لو رهنه على خمسين ، فإنّه يجوز قطعاً ؛ لأنّ مَنْ رضي بمائة رضي بخمسين التي هي أقلّ عرفاً ، فأشبه ما إذا أمره بالشراء بعشرة فاشترى بخمسة.
مسألة ١٣٦ : إذا أعاره للرهن فرهنه ، كان للمالك مطالبة المُستعير بفكّ الرهن في الحال ، سواء كان بدَيْنٍ حالٍّ أو مؤجَّلٍ ؛ لأنّ العارية عقد جائز من الطرفين ، للمالك الرجوعُ فيها متى شاء.
وإذا حلّ الدَّيْن أو كان حالًّا فلم يفكّه الراهن ، جاز بيعه في الدَّيْن ؛
لأنّ ذلك مقتضى الرهن ، فإنّه وثيقة على الدَّيْن.
وإنّما يتحقّق هذا المعنى بإمكان حصول الدَّيْن من العين عند الامتناع من الأداء ، وإنّما يثبت ذلك ببيعه ، فكان البيع سائغاً.
فإذا بِيع في الدَّيْن ، رجع المالك بأكثر الأمرين من القيمة ومن الثمن الذي بِيعت به ؛ لأنّ القيمة إن كانت أكثر فهو المستحقّ للمالك ؛ لأنّها عوض عينه ، وإن كان الثمن أكثر فهو عوض العين أيضاً.
ولو تلفت العين في يد المرتهن بغير تفريطٍ ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ الرهن لا يُضمن من غير تعدٍّ.
والأقرب عندي : إنّ المُستعير يضمن ؛ لأنّه استعار عاريةً هي في معرض الإتلاف.
ولو استعار عبداً من اثنين للرهن فرهنه بمائة ثمّ قضى خمسين على أن تخرج حصّة أحدهما من الرهن ، لم تخرج ؛ لأنّه رهنه بجميع الدَّيْن في صفقةٍ ، فلا ينفكّ بعضه بقضاء بعض الدَّيْن ، كما لو كان العبد لواحدٍ.
هذا إذا كان الرهن على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزءٍ منه.
مسألة ١٣٧ : لو استعار الدراهم للإنفاق بلفظ العارية ، فالأقرب : إنّها عارية فاسدة ؛ لأنّ مقتضى العارية الانتفاع بالعين مع بقائها لمالكها ، فحينئذٍ ليس له أن يشتري بها شيئاً ؛ لأنّ العارية قد فسدت ، ولم يحصل هناك قرض.
ويحتمل استباحة التصرّف ؛ عملاً بالإذن.
وقال أصحاب الرأي : إنّه يكون قرضاً (١).
__________________
(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ ـ ١٧٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الاختيار لتعليل المختار
فعلى ما قلناه يكون أمانةً محضة ، كالعارية الصحيحة.
وعند القائلين بضمان العارية الصحيحة تكون الفاسدة مضمونةً أيضاً.
ولو استعار شيئاً وأذن المالك له في إجارته مدّةً معلومة ، أو في عاريته ، جاز مطلقاً ومدّةً معيّنة ؛ لأنّ الحقّ لمالكه ، فاستباح ما أذن له فيه.
وليس للمُعير الرجوعُ في العارية بعد عقد الإجارة حتى تنقضي المدّة ؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها ، وعقد الإجارة لازم.
وتكون العين غير مضمونةٍ على المُستأجر ولا على المُستعير عندنا ، وعند العامّة تكون مضمونةً ؛ بناءً على ضمان العواري (١).
ولو آجر المُستعير بغير إذنٍ ، بطلت الإجارة ، وكان للمالك الرجوعُ بالأُجرة على مَنْ شاء منهما ، فإن أجاز الإجارة كان له المسمّى ، وإن لم يُجِز كان له أُجرة المثل.
مسألة ١٣٨ : لا يجوز للمُعير الرجوعُ في العارية إذا حصل بالرجوع ضرر بالمُستعير لا يُستدرك ، كما لو أعاره لوحاً يرقع به السفينة ، فرقعها به ثمّ لجّج في البحر ، لم يجز للمُعير هنا الرجوع ما دامت السفينة في البحر ؛ لما فيه من خوف الغرق الموجب لذهاب المال أو تلف النفس.
ويحتمل أنّ له الرجوعَ ، ويثبت له المثل أو القيمة مع تعذّر المثل ؛ لما فيه من الجمع بين المصالح.
وله الرجوع لو لم تدخل السفينة في البحر أو خرجت منه ؛ لعدم التضرّر فيه.
__________________
٣ : ٧٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٣ / ٣١٥٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٨ / ٦٧٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٢٢٢.
(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.
ولو أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه ، جاز له الرجوع قبل الوضع ـ إجماعاً ـ مجّاناً ، وبعده مع الأرش ما لم تكن الأطراف الأُخَر مثبتةً في ملك المُستعير ويؤدّي إلى خراب ما بناه المُستعير عليه ، ففيه خلاف.
ولو قال المُعير : أنا أدفع إليه أرش ما نقص بالقلع ، لم يجب على المُستعير إجابته إن منعنا الرجوع هنا ؛ لأنّه إذا قلعه انقلع ما في ملك المُستعير منه ، ولا يجب على المُستعير قلع شيءٍ من ملكه بضمان القيمة ، وقد سبق.
مسألة ١٣٩ : لو أنفذ رسولاً إلى شخصٍ ليستعير منه دابّةً يمضي عليها إلى قريةٍ معيّنةٍ ، فمضى الرسول وكذب في تعيين القرية وأخبر المالك بأنّ المُستعير يطلب الدابّة إلى قريةٍ أُخرى ، فدفع المالك دابّته إليه ، فإن خرج بها المُستعير إلى ما عيّنه الرسول وكذب فيه فتلفت ، لم يكن على أحدٍ ضمانٌ ؛ لأنّ صاحبها أعار الدابّة إلى ذلك الموضع.
ولو خرج بها المُستعير إلى ما طلبه المُستعير وقاله لرسوله فتلفت ، ضمن المُستعير ؛ لأنّ المالك إنّما أذن فيما أخبره الرسول ، لا فيما طلبه المُستعير ، فيكون المُستعير قد تجاوز الإذن ، فكان ضامناً ، سواء عرف المُستعير بالحال أو لا.
وأمّا الرسول فلا ضمان عليه ؛ لأنّ التلف حصل في يد المُستعير ، فاستقرّ الضمان عليه.
المقصد الثالث : في الشركة
وفيه فصول :
الأوّل : الماهيّة
الشركة هي اجتماع حقوق المُلاّك في الشيء الواحد على سبيل الشياع ، أو استحقاق شخصين فصاعداً على سبيل الشياع أمراً من الأُمور.
وسبب الشركة قد يكون إرثاً أو عقداً أو مزجاً أو حيازةً بأن يقتلعا شجرةً أو يغترفا ماءً دفعةً بآنيةٍ ، فكلّ ما هو ثابت بين اثنين فصاعداً مشاع بينهما يقال : إنّه مشترك بينهما (١).
وهو ينقسم إلى عينٍ ومنفعةٍ وحقٍّ.
وبالجملة ، فهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بالمال ، كالقصاص وحدّ القذف ومنفعة كلب الصيد الباقي من مورّثهم ، وإلى ما يتعلّق بالمال ، وهو إمّا أن يكون عيناً ومنفعةً ، كما لو ورث اثنان أو جماعة مالاً أو غنموه أو اشتروه في عقدٍ واحد أو متعدّد ، أو اتّهبوه أو قَبِلوا الوصيّة به أو الصدقة ، وإمّا أن يكون مجرّد منفعةٍ ، كما لو استأجروا عبداً أو أُوصي لهم بسكنى دارٍ ، وإمّا أن يكون مجرّد عينٍ خاليةٍ عن المنفعة ، كما لو ورثوا عبداً موصى بخدمته وجميع منافعه على التأبيد ، وإمّا حقٌّ يتوصّل به إلى مالٍ ، كالشفعة التي تثبت لجماعةٍ ، وخيار الشرط ، وخيار الردّ بالعيب ، والرهن ، ومرافق الطرق.
وعلى كلّ تقديرٍ فالشركة قد تحدث بغير اختيار الشريك ، كما لو
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة : « بينهم ».
ورثوا مالاً أو امتزج مالاهما بغير اختيارهما ، أو باختيارهما ، كما لو مزجا المالين أو اشتركا في الشراء.
والمقصود في هذا المقصد البحثُ عن الشركة الاختياريّة المتعلّقة بالتجارة وتحصيل الربح والفائدة.
مسألة ١٤٠ : الشركة جائزة بالنصّ والإجماع.
أمّا النصّ : فمن الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب : فقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) أضاف الغنيمة إليهم ، وجعل الخُمس مشتركاً بين الأصناف المذكورين.
وقوله تعالى : ( فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢).
وقال تعالى : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) (٣) والخلطاء هُم الشركاء في أمثال ذلك.
وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « مَنْ كان له شريك في رَبْعٍ أو حائطٍ فلا يبعه حتى يؤذِن شريكه » (٤).
__________________
(١) الأنفال : ٤١.
(٢) النساء : ١٢.
(٣) « ص » : ٢٤.
(٤) ورد نصّه في البيان ٦ : ٢٢٤ ، ونحوه في صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٦٠٨ ، وسنن النسائي ٧ : ٣٠١ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٠٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٥٠ / ١٣٩٢٩.
وعن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « [ يقول الله عزّ وجلّ : ] (١) أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبَه ، فإذا خانه خرجتُ من بينهما » (٢) يعني أنّ البركة تُنزع من مالهما.
وكان ابن [ أبي ] (٣) السائب شريكاً للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل المبعث ، وافتخر بشركته بعد المبعث ، فلم ينكر عليه (٤).
وكان البراء بن عازب وزيد بن أرقم شريكين ، فاشتريا فضّةً بنقدٍ ونسيئةٍ ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك ، فأمرهما أنّ ما كان بنقدٍ فأجيزوه ، وما كان نسيئةً فردّوه (٥).
ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن رجلٍ يشاركه الرجل في السلعة ، قال : « إن ربح فله ، وإن وضع فعليه » (٦).
وعن الحسين بن المختار أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه قد اختان منه شيئاً ، أله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٦ / ٣٣٨٣ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٥ / ١٣٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من بعض المصادر.
(٤) المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١٤ : ٥٠٥ / ١٨٧٩٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ١٦٥ / ٦٦١٨ و ٦٦١٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٦ / ٢٢٨٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٦١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٤١ / ١٥٠٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٥.
(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.
(٦) التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٧.
غير أن يبيّن ذلك؟ فقال : « شَوَه (١) لهما اشتركا بأمانة الله ، وإنّي لأُحبّ له إن رأى [ منه ] (٢) شيئاً من ذلك أن يستر عليه ، وما أُحبّ له أن يأخذ منه شيئاً بغير علمه » (٣).
والأخبار في ذلك كثيرة من طُرق العامّة وطُرق الخاصّة.
وأمّا الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في جوازها على الجملة وإن اختلفوا في أنواع منها.
مسألة ١٤١ : الشركة على أربعة أنواع : شركة العنان ، وشركة الأبدان ، وشركة المفاوضة ، وشركة الوجوه.
فأمّا شركة العنان : فإن يُخرج كلٌّ مالاً ويمزجاه ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.
واختلفوا في أخذها من أيّ شيءٍ؟
فقيل : أُخذت من عنان الدابّة إمّا لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرّف واستحقاق الربح على قدر رأس المال ، كاستواء طرفي العنان ، أو تساوي الفارسين إذا سوّيا بين فرسيهما وتساويا في السير (٤) يكونان سواءً ، وإمّا لأنّ كلّ واحدٍ منهما يمنع الآخَر من التصرّف كما يشتهي ويريد ، كما يمنع العنان الدابّة ، وإمّا لأنّ الآخذ بعنان الدابّة حبس إحدى يديه على العنان ، ويده الأُخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، كذلك الشريك بالشركة مَنَع نفسَه عن التصرّف في المشترك كما يشتهي وهو مطلق اليد والتصرّف
__________________
(١) الشَّوَه : قبح الوجه والخلقة. لسان العرب ١٣ : ٥٠٨ « شوه ».
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(٣) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٤٩.
(٤) في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١ إضافة : « فإنّ عنانيهما ».
في سائر أمواله (١).
وقيل : هي مأخوذة من الظهور ، يقال : عنَّ الشيء إذا ظهر ، إمّا لأنّه ظهر لكلّ واحدٍ منهما مال صاحبه ، وإمّا لأنّه أظهر وجوه الشركة ، ولذلك وقع الإجماع من العلماء على صحّتها واختلفوا في غيرها (٢).
وقيل : إنّها مأخوذة من المعانّة ، وهي المعارضة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يُخرج ماله في معارضة إخراج الآخَر ، فكلّ واحدٍ من الشريكين معارض لصاحبه بماله وفعاله (٣).
وقال الفرّاء : إنّها مأخوذة من عَنَّ الشيء إذا عرض ، يقال : عنّت لي حاجة إذا عرضت ، فسُمّيت بذلك ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما عَنَّ له أن يشارك صاحبه (٤).
وأمّا شركة الأبدان : فإن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم كالصُّنّاع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم ، فما رزق الله تعالى فهو بينهم على التساوي أو التفاوت.
وأمّا شركة المفاوضة : فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غُرْمٍ ويحصل لهما من غُنْمٍ ، فيلزم كلّ واحدٍ منهما ما يلزم الآخَر من أرش جنايةٍ وضمان غصبٍ وقيمة متلفٍ وغرامةٍ لضمانٍ أو كفالةٍ ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراثٍ أو يجده من ركازٍ أو لقطةٍ أو يكتسبه في تجارته بماله المختصّ به.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦ ، المغني ٥ : ١٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١١١.
(٤) حكاه عنه ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١.
قال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كلّ شيءٍ يملكانه بينهما (١).
وأمّا شركة الوجوه : فقد فُسِّرت بمعانٍ أشهرها : إنّ صورتها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمّة إلى أجلٍ على أنّ ما يبتاعه كلّ واحدٍ منهما يكون بينهما ، فيبيعاه ويؤدّيا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما (٢).
وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خاملٍ ، ويشترطا أن يكون الربح بينهما (٣).
وقيل : أن يشترك وجيهٌ لا مال له وخاملٌ ذو مالٍ ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه ، والربح بينهما (٤).
وقيل : أن يبيع الوجيهُ مالَ الخامل بزيادة ربحٍ ليكون بعض الربح له (٥).
مسألة ١٤٢ : لا يصحّ شيءٌ من أنواع الشركة ، سوى شركة العنان ، وقد بيّنّا أنّ شركة العنان جائزة ، وعليه إجماع العلماء في جميع الأعصار.
وأمّا شركة الأبدان : فعندنا أنّها باطلة ، سواء اتّفق عملهما أو اختلف
__________________
(١) تهذيب إصلاح المنطق ٢ : ٣٥٢ ، وحكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.
(٢ و ٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.
(٤) هذا التفسير من القاضي ابن كج والجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.
(٥) قاله الغزالي في الوجيز ١ : ١٨٧ ، والوسيط ٣ : ٢٦٢ ، وعنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.
بأن يكون كلّ واحدٍ منهما خيّاطاً ويشتركان في فعل الخياطة ، أو يكون أحدهما خيّاطاً والآخَر نجّاراً ، ويعمل كلّ واحدٍ منهما في صنعته ، ويكون الحاصل بينهما ، وسواء كانت الصنعة البدنيّة في مالٍ مملوكٍ أو في تحصيل مالٍ مباحٍ ، كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ كلّ واحدٍ منهما متميّز ببدنه ومنافعه ، فيختصّ بفوائده ، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميّزة ليكون الدرّ والنسل بينهما ، فإنّه لا يصحّ.
ولأنّها شركة على غير مالٍ ، فلا يصحّ ، كما لو اشتركا في الاحتطاب والاحتشاش ، فإنّه لا يصحّ عند أبي حنيفة (٢) ، وكما لو اختلفت الصنعتان ،
__________________
(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٥ ، الإقناع : ١٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٥ ـ ١٩٦ و ١٩٩ ، البيان ٦ : ٢٢٩ و ٣٣٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٩ و ٥١٢ ، منهاج الطالبين : ١٣٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ / ١٠٢٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨١ / ١١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ / ٣٣٧٤ ، النتف ١ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٦.
(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧٣ / ٣٣٨٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٥ / ٧٢٠ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ٢١٦ ، النتف ١ : ٥٣٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥ ـ ٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ / ١٠٢٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥.
فإنّه لا يصحّ عند مالك (١).
ولأنّ الأصل استحقاق كلّ واحدٍ منهما أُجرة عمله واختصاصه بها ، ونقله عنه يحتاج إلى دليلٍ ولم يقم.
وقال أبو حنيفة : شركة الأبدان صحيحة ، إلاّ في الاحتطاب والاحتشاش والاغتنام والاصطياد. وبالجملة ، فإنّه سوّغ الشركة في الصناعة ، ومَنَعَها في اكتساب المباح ؛ لأنّ مقتضى الشركة : الوكالة ، ولا تصحّ الوكالة في هذه الأشياء ؛ لأنّ مَنْ أخذها مَلَكها ، ولأنّ أكثر ما في هذه الشركة أنّ كلّ واحدٍ منهما يتقبّل العمل لصاحبه ثمّ يشارك كلّ واحدٍ منهما صاحبَه في المال الذي اكتسبه وإن لم يكن شاركه في نفس العمل ، ومثل ذلك جائز ، ألا ترى أنّ الرجل إذا استأجر قصّاراً ليقصر له فسلّم الثوب إليه ، كان له أن يقصره بنفسه وبغيره ، ويستحقّ هو الأُجرة (٢).
__________________
(١) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٣ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.
(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١١ و ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ و ٦٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٧ و ٢٣ و ٢٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ و ٥٧٣ / ٣٣٧١ و ٣٣٧٢ و ٣٣٨٤ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦٢٣ ـ ٦٢٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٤ و ٩٩٥ / ٧١٨ و ٧٢٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٤ ـ ١٥٥ و ٢١٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٩ ـ ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٠ و ١١ ، النتف ١ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ـ ٦ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ ـ ١٨٦.
والأوّل ممنوع ، إلاّ أنّا لا نمنع (١) الشركة في هذه الأشياء وفي غيرها ، ونمنع مساواتها للوكالة.
وقال مالك : تصحّ شركة الأبدان بشرط اتّفاق الصنعتين ؛ لأنّه قال : إذا اتّفقت الصنعتان تقارب الكسبان ، وتدعو الحاجة إلى ذلك في الصنعة الواحدة دون الصنعتين ؛ لأنّ التعاون في الصنعة أمر واقع غالباً (٢).
وهو ممنوع ؛ فإنّ الصانعَيْن قد تختلف صنعتهما وتتفاوت وتتقارب في الجنسين ، وأمّا الحاجة فالإجارة تكفي للاستعانة ، فلا حاجة إلى الشركة.
وقال أحمد بن حنبل : تجوز شركة الأبدان في جميع الأشياء ، سواء اختلفت الصنعتان أو اتّفقت ، وسواء كان في مالٍ أو في تحصيل مباحٍ ، كالاحتطاب وشبهه ؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر اشتركوا فيما يغتنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشيءٍ ، فأقرّهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣). قال أحمد : أشرك النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بينهم (٤).
__________________
(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « والأوّل مسلّم إلاّ أنّا نمنع ». والظاهر ما أثبتناه من « ث ، خ ، ر ».
(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ و ٦٠٥ / ١٠٢٢ و ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥.
(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٨ / ٢٢٨٨ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٧ / ٣٣٨٨ ، سنن النسائي ٧ : ٥٧ و ٣١٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٤ / ١٣٨.
(٤) المغني ٥ : ١١١ ـ ١١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ ـ ١٨٧ ، الإشراف على مذاهب
وهو غلط ؛ لأنّ غنائم بدر كانت لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان له أن يدفعها إلى مَنْ شاء ، فيحتمل أن يكون فَعَل ذلك لهذا.
وأيضاً فالغنائم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى ، فكيف يصحّ اختصاص هؤلاء بالشركة فيها!؟
وأيضاً فلا نسلّم أنّ سعداً أعطاهم على سبيل الوجوب ، بل أراد التبرّع والوفاء بالوعد الذي لا يجب إنجازه ، أمّا على سبيل اللزوم فلا.
واعلم أنّ المذهب المشهور للشافعي ما نقلناه عنه أوّلاً من موافقة مذهبنا في بطلان شركة الأبدان (١).
وقال بعض الشافعيّة : إنّ للشافعي في هذه المسألة قولاً آخَر : إنّها جائزة ؛ لأنّ الشافعي قال في كتاب الإقرار : ولو أقرّ أحد الشريكين على صاحبه بمالٍ قُبِل إقراره ، سواء كانا شريكين في المال أو العمل (٢).
وقال غيره : هذا ليس بقولٍ آخَر ؛ لأنّه لا يتضمّن صحّة الشركة (٣).
وعن أحمد رواية أُخرى كمذهب مالك من صحّة شركة الأبدان مع اتّفاق الصنعة ، وبطلانها مع الاختلاف ؛ لأنّ مقتضى الشركة هنا أنّ ما تقبّل كلّ واحدٍ منهما من العمل لزمه ولزم صاحبه ، ويطالَب به كلُّ واحدٍ منهما ، فإذا تقبّل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما ، لم [ يمكن ] (٤) للآخَر أن يقوم
__________________
أهل العلم ١ : ٦٤ ـ ٦٥ / ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ـ ٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤.
(١) راجع ص ٣١٣ ، وكذا الهامش (١) منها.
(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.
(٣) بحر المذهب ٨ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكن ». والمثبت من المصدر.
به ، وكيف يلزمه عمله أم كيف يطالَب بما لا قدرة له عليه!؟ (١).
مسألة ١٤٣ : وشركة المفاوضة عندنا باطلة ، وليس لها أصل في الشرع ـ وبه قال الشافعي ومالك (٢) وإسحاق وأبو ثور (٣) ـ لأنّه عقد قد اشتمل على غررٍ عظيم ؛ لأنّ ما يلزم أحدهما من غرامةٍ يلزم الآخَر ، والعقد يفسد بأقلّ من هذا غرراً ، كبيع الثمرة قبل خروجها أو قبل بدوّ صلاحها عند جماعةٍ (٤) ، واستئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، ولهذا لا يصحّ بين المسلم والكافر عندهم (٥) ، ولا بين الحُرّ والمكاتَب.
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إنّها صحيحة (٦). ورواه أصحاب
__________________
(١) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.
(٢) لم نقف على قول مالك فيما بين أيدينا من المصادر للعامّة. نعم ، حكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.
(٣) الأُم ٣ : ٢٣١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ـ ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٦ / ١٦٧٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٤.
(٤) بحر المذهب ٦ : ١٩١ ، البيان ٥ : ٢٣٧ ، وراجع أيضاً ج ١٠ ، ص ٣٥٠ ، الهامش ( ١ و ٢ ).
(٥) المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧.
(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ / ١٨٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٣ ، المحيط البرهاني ٦ : ٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٥ / ١٦٧٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٩ ،
مالك عن مالك (١) أيضاً.
وشرط أبو حنيفة أُموراً :
الأوّل : أن يكون الشريكان مسلمين حُرّين ، فلا تصحّ شركة المفاوضة بين المسلم والكافر ، ولا بين الكافرين ، ولا بين الحُرّ والعبد.
الثاني : أن يكون مالهما في الشركة سواءً.
الثالث : أن يستعملا لفظ المفاوضة ، فيقولا : تفاوضنا ، أو : اشتركنا شركة المفاوضة.
الرابع : أن يستويا في قدر رأس المال.
الخامس : أن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال إلاّ ثلاثة أشياء : قوت يومه ، وثياب بدنه ، وجارية يتسرّى بها.
السادس : أن يُخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة ، وهو الدراهم والدنانير ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة » (٢) ولأنّ هذه نوع شركةٍ يختصّ باسمٍ ، فكان فيها صحيح ، كشركة العنان (٣).
__________________
البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨.
(١) كما في بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، وحلية العلماء ٥ : ١٠١ ، وراجع : المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٨ ، والإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٥ ، وبداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، والتلقين : ٤١٤ ، وعيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، والمعونة ٢ : ١١٤٣ ، والحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، والوجيز ١ : ١٨٧ ، والإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، والمغني ٥ : ١٣٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٨.
(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩.
(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ ـ ٦٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ ـ ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٢ ـ ٥٦٣ / ٣٣٢٣ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦١٨ ـ ٦١٩ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ ـ ٩٩٠ / ٧١٠ ـ ٧١٢ ، المبسوط
والحديث ممنوع ؛ لأنّه لم يروه [ أصحاب ] (١) السنن ، ثمّ ليس فيه ما يدلّ على أنّه أراد هذا العقد ، فيحتمل أنّه أراد المفاوضة في الحديث ، ولهذا روي فيه : « ولا تجادلوا فإنّ المجادلة من الشيطان » (٢).
والقياس منقوض ببيع الحصاة ، فإنّه لا يصحّ ، وكذا بيع المنابذة ، وغيرهما من البيوع الباطلة ، فإنّها تختصّ باسمٍ ، وهي فاسدة ، ولا يقتضي اختصاصها بالاسم الصحّة ، مع قيام الفرق بين الأصل والفرع ، فإنّ شركة العنان تصحّ بين الكافرين ، والكافر والمسلم ، بخلاف هذه الشركة.
واعلم أنّ عند أبي حنيفة لشركة المفاوضة موجَباتٍ ، فمنها : أن يشارك أحدهما صاحبَه في جميع ما يكتسبه ، ويشاركه فيما يلزمه من الغرامة ، كالغصب والكفالة ، وإذا ثبت لأحدهما شفعةٌ شاركه صاحبه ، وما مَلَكه أحدهما بإرثٍ أو هبةٍ لا يشاركه الآخَر فيه ، فإن كان فيه من جنس رأس المال شيءٌ فسدت شركة المفاوضة ، وانقلبت إلى شركة العنان ، وما لزم أحدهما بغصبٍ أو بيعٍ فاسدٍ أو إتلافٍ كان مشتركاً ، إلاّ الجناية على الحُرّ ، وبدل الخلع ، والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخَر (٣).
__________________
ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٣ وما بعدها ، المحيط البرهاني ٦ : ٧ ـ ٨ ، النتف ١ : ٥٣١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٣ ـ ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٠ ، البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥.
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحب ». والمثبت هو الصحيح.
(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٠.
(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٩ ـ ٢٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٤ / ٣٣٢٧ و ٣٣٢٨ و ٣٣٣١ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٠ / ٧١٢ ، النتف ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ،
قال الشافعي في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى : لا أعلم شيئاً في الدنيا يكون باطلاً إن لم تكن شركة المفاوضة باطلةً (١) ، يعني لما فيها من أنواع الغرر والجهالات الكثيرة.
مسألة ١٤٤ : شركة الوجوه عندنا باطلة ـ وبه قال الشافعي ومالك (٢) ـ لما تقدّم في شركة الأبدان.
وقال أبو حنيفة : إنّها صحيحة ؛ لما تقدّم من أنّها نوع شركةٍ اختصّت باسمٍ (٣) ، وقد سبق (٤).
__________________
التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٠ ، البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥.
(١) الأُم ٧ : ١٣٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٠٠ ، البيان ٦ : ٣٣٦.
(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٦ / ٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٨ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٣ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، الذخيرة ٨ : ٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨١ / ١١٨٥ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧٢ / ٣٣٧٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٤.
(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ ـ ٥٧٢ / ٣٣٧٨ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ ٣ : ٦٢٣ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٤ / ٧١٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٩ / ١٦٧١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١١ : ١٥٤ ، المحيط البرهاني ٦ : ٩ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٦ / ١٠٢٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، الذخيرة ٨ : ٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨١ / ١١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٦.
(٤) في ص ٣١٨.