قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]
المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة العلامة المجلسي رحمه الله
المطبعة: عمران
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-91180-3-8
الصفحات: ٤٣٢
[في ولادة يحيى عليهالسلام]
[٣٠٨ / ١] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن رجل (١) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : دعا زكريّا ربّه ، فقال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ)(٢) ، فبشّره الله تعالى بيحيى ، فلم يعلم أنّ ذلك الكلام من عند الله تعالى جلّ ذكره وخاف أن يكون من الشيطان ، فقال : أنّى يكون لي ولد ، وقال : ربّ اجعل لي آية ، فأسكت (٣) فعلم أنّه من الله تعالى (٤).
[٣٠٩ / ٢] ـ وبهذا الإسناد * عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لمّا ولد يحيى عليهالسلام رفع إلى السماء فغذّي بأثمار (٥) الجنّة حتّى فطم ، ثمّ نزل إلى أبيه
__________________
(١) قوله : (عن رجل) ليس في النسخ وأضفناه من البحار ، وهو الموافق لكلمات الرجاليين. (منتهى المقال ٥ : ٣٠٢ / ٢٤٢٣).
(٢) مريم : ٥ و ٦.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) آل عمران : ٤١ ، وقوله تعالى : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) مريم : ١٠.
(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٠ / ١٨.
(*) المراد به الطريق السابق : عن ابن أبي عمير عن أبان.
(٥) في «ر» «س» والبحار : (فغدى بأنهار).
وكان يضيء البيت بنوره (١).
[٣١٠ / ٣] ـ وبإسناده عن سعد بن عبد الله رفعه ، قال : كان يحيى بن زكريّا يصلّي ويبكي حتّى ذهب لحم خدّه ، وجعل لبدا وألزقه بخدّه حتّى تجري الدموع عليه ، وكان لا ينام ، فقال أبوه : يا بنيّ ، إنّي سألت الله أن يرزقنيك لأفرح بك وتقرّ عيني ، قم فصلّ.
قال : فقال له يحيى : إنّ جبرئيل حدّثني أنّ أمام النار مفازة لا يجوزها إلّا البكّاؤون ، فقال : يا بنيّ ، فابك وحقّ لك أن تبكي (٢).
فصل
[في قتل زكريّا عليهالسلام]
[٣١١ / ٤] ـ وبإسناده عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، [عن ابن أبي عمير] ، عن هشام بن سالم (٣) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ زكريّا كان خائفا ، فهرب فالتجأ إلى
__________________
(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٠ / ١٧.
(٢) عنه في بحار الأنوار ٦٧ : ٣٨٨ / ٥٤.
ونقله في البحار ١٤ : ١٦٧ / ٥ عن خطّ الشهيد ، وأورده الطبرسيّ في مكارم الأخلاق : ٣١٦ ـ ٣١٧ بتفصيل أكثر عن كتاب زهد الإمام الصادق عليهالسلام.
وورد مضمونه في الأمالي للصدوق : ٨٨١ / ضمن الحديث ٣ وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٦٥ / ٤.
وقد وردت أحاديث كثيرة في أنّ هناك عقبات أو معاثر بين الجنّة والنار كما جاء في عدّة الداعي : ١٥٦ وعنه في وسائل الشيعة ٧ : ٧٦ / ١٠.
(٣) كذا في النسخ والبحار ، ومن المحتمل وقوع سقط ، فإنّ إبراهيم بن هاشم لم ينقل عن هشام بن سالم مباشرة لاختلاف الطبقة بينهما ، والمظنون أنّ الساقط هو ابن أبي عمير لكثرة روايته عنه ، وكثرة روايته عن هشام بن سالم ، وأيضا وردت رواية «إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن ابن هشام» في هذا الكتاب في الرقم ٨ و ٢٦ و ١٠٧ و ١١٤ و ١٣٢ و ١٤٩ و ٢٢٨ وكذلك في كثير من ـ
شجرة ، فانفرجت له وقالت : يا زكريّا ، ادخل فيّ فجاء حتّى دخل فيها ، فطلبوه فلم يجدوه فأتاهم إبليس وكان رآه فدلّهم عليه فقال لهم : هو في هذه الشجرة فاقطعوها ، وقد كانوا يعبدون تلك الشجرة فقالوا : لا نقطعها ، فلم يزل بهم حتّى شقّوها وشقّوا زكريّا عليهالسلام (١)(٢).
[قصّة قتل يحيى عليهالسلام]
[٣١٢ / ٥] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمّد ابن أبي القاسم ، حدّثنا محمّد بن عليّ ، عن عبد الله بن محمّد الحجّال (٣) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن هلال ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : إنّ ملكا كان على عهد يحيى بن زكريّا لم يكفه ما كان عليه من الطروقة حتّى تناول امرأة بغيّا ، فكانت تأتيه حتّى أسنّت ، فلمّا أسنّت هيّأت ابنتها ، ثمّ قالت لها : إنّي أريد أن آتي بك الملك فإذا واقعك فيسألك ما حاجتك فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريّا.
فلمّا واقعها سألها عن حاجتها فقالت : قتل يحيى. فقال : ما أنت وهذا ، إلهي عن هذا ، قالت : مالي حاجة إلّا قتل يحيى ، فلمّا كان في الثالثة بعث إلى يحيى
__________________
ـ الطرق والأسانيد (انظر : أمالي الصدوق ١٥٩ / ٨ و ٣٤٤ / ٨ و ٥٤١ / ٤ ، مشيخة الفقيه ٤ : ٤٣٩ ، التوحيد ٢٨٩ / ٨ و ٣٢٨ / ٢ و ٣٣٣ / ٣ ، الكافي ١ : ٥ / ١٢ و ١٤٦ / ٢ و ٣ و ٢٨٤ / ٣ و ٤٤٨ / ٢٨ و...). (من إفادات السيّد الشبيريّ الزنجانيّ)
(١) جاء في هامش نسخة «س» : (رأينا في النسخة هكذا ، وصوابه أن يذكر يحيى لأنّه نشر هو لا أبيه عليهماالسلام) ، وفي ذيلها تعليق نصّه : (في هذه الحاشية غلط والصحيح لفظا ومعنى ما في الأصل فتأمّل).
(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨١ / ٢٢ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٥٠.
(٣) في النسخ : (عن عليّ بن عبد الله بن محمّد الحجّال) ، والمثبت موافق لما في البحار ، وهو الصحيح فإنّ أبا إسحاق هو ثعلبة بن ميمون يروي عنه عبد الله بن محمّد الحجّال لا عليّ بن عبد الله بن محمّد الحجّال (انظر : منتهى المقال ٢ : ٢٠١ / ٥١٠).
صلوات الله عليه فجاء به ، فدعا بطشت ذهب فذبحه فيها وصبّوه على الأرض ، فيرتفع الدم (١) ويعلو ، وأقبل الناس يطرحون عليه التراب فيعلو (٢) عليه الدم حتّى صار تلّا عظيما ومضى ذلك القرن.
فلمّا كان من أمر بخت نصّر ما كان رأى ذلك الدم ، فسأل عنه فلم يجد أحدا يعرفه حتّى دلّ على شيخ كبير فسأله ، فقال : أخبرني أبي عن جدّي أنّه كان من قصّة يحيى بن زكريّا كذا وكذا ، وقصّ عليه القصّة والدم دمه. فقال بخت نصّر : لا جرم لأقتلنّ عليه حتّى يسكن ؛ فقتل عليه سبعين ألفا ، فلمّا وفى عليه سكن الدم (٣).
[٣١٣ / ٦] ـ وفي خبر آخر : إنّ هذه البغيّ كانت زوجة ملك جبّار قبل هذا الملك وتزوّجها هذا بعده ، فلمّا أسنّت وكانت لها ابنة من الملك الأوّل قالت لهذا الملك : تزوّج أنت بها ، فقال : لا حتّى أسأل يحيى بن زكريّا عن ذلك فإن أذن فعلت ، فسأله عنه فقال : لا يجوز ، فهيّأت بنتها وزيّنتها في حال سكره وعرضتها عليه ، فكان من حال قتل يحيى ما ذكر وكان ما كان (٤).
فصل
[انتصار الله للأخيار بالأشرار]
[٣١٤ / ٧] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد
__________________
(١) في «ر» «س» : (فجعل يرتفع الدم).
(٢) في «ص» : (فيغلو).
(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٠ / ٢٠.
وورد مضمونه في تفسير مجمع البيان ٦ : ٢٢٤ ، المستدرك للحاكم النيسابوريّ ٢ : ٢٩٠ ، الدرّ المنثور ٢ : ١٣.
(٤) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٠ / ٢١.
ابن عليّ الكوفيّ ، عن أبي عبد الله الخيّاط ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عبد الله ابن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ الله عزوجل إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريّا عليهماالسلام ببخت نصّر (١).
[في زهد يحيى عليهالسلام]
[٣١٥ / ٨] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا محمّد بن سعيد بن أبي شحمة ، حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن سعيد بن هاشم (٢) الفتانيّ (٣) البغداديّ ، حدّثنا أحمد بن صالح ، حدّثنا حسّان بن عبد الله الواسطيّ ، حدّثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبد الله بن عمر قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : كان من زهد يحيى بن زكريّا عليهماالسلام أنّه أتى بيت المقدس ، فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر (٤) ، فلمّا رآهم أتى أمّه ، فقال : انسجي لي مدرعة من صوف حتّى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الأحبار ، فأخبرت زكريّا بذلك ، فقال زكريّا : يا بنيّ ، ما يدعوك إلى هذا؟ وإنّما أنت صبيّ صغير.
فقال : يا أبت أما رأيت من هو أصغر منّي قد ذاق الموت؟ قال : بلى ، وقال لأمّه : انسجي له المدرعة ، فأتى بيت المقدس وأخذ يعبد الله تعالى حتّى أكلت مدرعة الشعر (٥) لحمه وجعل يبكي ، وكان زكريّا إذا أراد أن
__________________
(١) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨١ / ٢٣ وج ٤٥ : ٣٣٩ / ٤ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٥١.
(٢) في «س» : (سعد هاشم) ، وفي «ر» «ص» : (سعيد هاشم) بدلا من : (سعيد بن هاشم).
(٣) في «ص» «م» : (الفبانيّ) ، وفي الأمالي والبحار : (القنانيّ) ، وفي نسخة من البحار : (القنائيّ).
(٤) المدرعة : ثوب من الصوف (تاج العروس ١١ : ١٠٨).
(٥) في «ر» «س» : (مدرعته).
يعظ الناس (١) يلتفت يمينا وشمالا ، فإن رأى يحيى لم يذكر جنّة ولا نارا (٢).
[النهي عن نكاح بنت الأخت]
[٣١٦ / ٩] ـ وفي خبر آخر : أنّ عيسى بن مريم عليهالسلام بعث يحيى بن زكريّا صلوات الله عليهما في اثني عشر من الحواريّين يعلّمون الناس ، وينهاهم (٣) عن نكاح ابنة الأخت ، قال : وكان لملكهم بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوّجها ، فلمّا بلغ أمّها أنّ يحيى نهى عن مثل هذا النكاح أدخلت بنتها على الملك بزينة ، فلمّا رآها سألها عن حاجتها ، قالت : حاجتي أن تذبح يحيى ابن زكريّا.
فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلمّا أبت عليه دعا بطشت ودعا يحيى عليهالسلام فذبحه ، فبدرت (٤) قطرة من دمه فوقعت على الأرض ، فلم تزل تعلو حتّى بعث الله بخت نصّر عليهم ، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلّته على ذلك الدم ، فألقي في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتّى يسكن ، فقتل عليها سبعين ألفا في سنة واحدة ثمّ سكن (٥).
__________________
(١) قوله : (الناس) لم يرد في «ص» «م».
(٢) الأمالي للصدوق : ٨٠ / ٤٨ بتفصيل أكثر ، وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٦٥ / ٤ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٤٤ ومثله في روضة الواعظين : ٤٣٤ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
(٣) في تفسير القرطبي : (وينهونهم).
(٤) المراد من : بدرت أي : أسرعت وسبقت.
(٥) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٢ / ٢٤ وقصص الأنبياء للجزائريّ : ٤٥١ ، وورد في جامع البيان لابن جرير الطبريّ : ١٥ : ٥٦ / صدر الحديث ١٦٦٧٩ ، والمستدرك للحاكم النيسابوريّ ٢ : ٢٩٠ وص ٥٩١ ـ ٥٩٢ ، وتفسير القرطبيّ ١٠ : ٢١٩ ، والدرّ المنثور ٢ : ١٣ ، وفيها تفاوت في بعض الألفاظ.
فصل
[أحاديث في قتل الأنبياء عليهمالسلام]
[٣١٧ / ١٠] ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلويّ ، حدّثنا جدّي يحيى بن الحسن ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم التميميّ ، حدّثنا محمّد بن يزيد ، حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا عبد الله بن حبيب بن أبي كاتب ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : أوحى الله تعالى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله إنّي قتلت بدم يحيى بن زكريّا سبعين ألفا ، وسأقتل بالحسين عليهالسلام سبعين ألفا وسبعين ألفا (١)(٢).
[٣١٨ / ١١] ـ وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، حدّثنا عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام (٣) قال : لا يقتل النبيّين ولا (٤) أولادهم إلّا أولاد الزنا (٥).
__________________
(١) وفي البحار : (وأقتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا) بدلا من : (وسأقتل بالحسين) إلى هنا.
(٢) رواه القاضي النعمان في شرح الأخبار ٣ : ١٦٨ : عن إبراهيم التميميّ ، بإسناده عن عبد الله بن عبّاس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والطبرسيّ في إعلام الورى بأعلام الهدى ١ : ٤٢٩ : عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله .. ، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٢٣٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٥ : ٢٩٨ / ١٠ وفي الطرائف : ٢٠٢ / ٢٩٠ نقلا عن كتاب نهاية الطالب ، وفيها تفاوت يسير في اللفظ.
ونقله العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار ٤٥ : ٣٢٢ عن كتاب الفردوس لابن شيرويه.
وأخرجه الحاكم النيسابوري بأسانيد مختلفة في المستدرك ٢ : ٢٩٠ وص ٥٩٢ وج ٣ : ١٧٨ وورد في كنز العمّال ١٢ : ١٢٧ / ٣٤٣٢٠ وتاريخ مدينة دمشق ٦٤ : ٢١٦ وذخائر العقبى : ١٥٠.
(٣) في النسخ : (عن أبي عبد الله عليهالسلام) والمثبت عن البحار وهو المناسب لأخبار جابر كما رواه ابن قولويه بهذا الطريق ويؤيّده الحديث الآتي.
(٤) قوله : (لا) لم يرد في «ر» «س».
(٥) عنه في بحار الأنوار ٢٧ : ٢٤٠ / ٣.
[٣١٩ / ١٢] ـ وعن (*) جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغيّ ، وإنّ قاتل يحيى بن زكريّا ابن بغيّ ، وإنّ قاتل عليّ صلوات الله عليه ابن بغيّ ، وكانت مراد تقول : ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا ، وإنّ قاتل الحسين عليهالسلام ابن بغيّ ، وإنّه لم يقتل الأنبياء و (١) أولاد الأنبياء إلّا أولاد البغايا.
وقال في قوله تعالى جلّ ذكره : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(٢) قال : يحيى بن زكريّا لم يكن له سميّ قبله ، والحسين بن عليّ لم يكن له سميّ قبله ، وبكت السماء عليهما أربعين صباحا ، وكذلك بكت الشمس عليهما ، وبكاؤها أن تغيب حمراء وتطلع حمراء.
وقيل : أي بكى أهل السماء وهم الملائكة (٣).
[٣٢٠ / ١٣] ـ وعن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما بكى لقتله السماء والأرض واحمرّتا ، ولم تبكيا على أحد قطّ (٤) إلّا على يحيى ابن زكريّا عليهماالسلام (٥).
__________________
ـ ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٦٤ / ١٠ : عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام .. وعنه في بحار الأنوار ٢٧ : ٢٤٠ / ٥.
(*) عطف على الرواية السابقة.
(١) في «ص» «م» والبحار زيادة : (لا).
(٢) مريم : ٧.
(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٢ / ٢٥ وفي ج ٢٧ : ٢٤٠ / ٤ وج ٤٢ : ٣٠٣ / ٣ إلى قوله : (أولاد البغايا) وورد ذيله في ج ٤٥ : ٢١٨ / ٤٥ من قوله : (وقال في قوله تعالى) إلى آخر الحديث.
ووردت مضامينه في كامل الزيارات : ١٦١ بأسانيد مختلفة (في باب ما جاء في قاتل الحسين عليهالسلام ، وقاتل يحيى بن زكريّا عليهالسلام).
(٤) في «م» : (قبله).
(٥) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٣ / ٢٦ وج ٤٥ : ٢١٩ / ٤٦.
[٣٢١ / ١٤] ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد بن عليّ الحلبيّ ، عن أبي عبد الله [عليهالسلام] في قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ)(١) قال : لم تبك السماء على أحد قبل قتل يحيى بن زكريّا حتّى قتل الحسين عليهالسلام فبكت عليه (٢).
__________________
ـ ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٨١ / ٤ و ٥ وعنه في بحار الأنوار ٤٥ : ٢٠٩ / ١٧ بنفس المتن بسندين مختلفين ، الأوّل : عن محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن وهيب بن حفص النحّاس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ... الثاني : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بإسناده .. مثله.
(١) الدّخان : ٢٩.
(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ١٨٣ / ٢٧ وج ٤٥ : ٢١٠ / ٢٠.
ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات : ١٨٢ / ٨ عن عليّ بن الحسين بن موسى ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم .. إلى آخر السند في المتن وعنه في بحار الأنوار ٤٥ : ٢١٠ / ٢٠ وص ٢١١ / ٢٤.
وأورده الكنجيّ في كفاية الطالب : ٤٣٦ ، وفيه تفاوت يسير في المتن مع اختلاف في السند.
وورد مثله في تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ٢٢٥ ، وترجمة الإمام الحسين عليهالسلام لابن عساكر : ٣٥٣ / ٢٨٧.
الباب الخامس عشر :
في نبوّة ارميا ودانيال عليهماالسلام
[أسباب تسلّط بخت نصّر على بني إسرائيل]
[٣٢٢ / ١] ـ وبالإسناد المتقدّم عن سعد بن عبد الله ، حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبيّ ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ الله تعالى جلّ ذكره أوحى إلى نبيّ من الأنبياء لبني إسرائيل (١) يقال له : إرميا : أن قل لهم : ما بلد تنقّيته من كرائم البلدان وغرست فيه من كرائم الغرس ونقّيته من كلّ غريبة فأنبت خرنوبا؟ فضحكوا منه فأوحى الله إليه : قل لهم : إنّ البلد بيت المقدس ، والغرس بنو إسرائيل ، نحّيت عنهم كلّ جبّار فأخلفوا فعملوا بمعاصيّ ، فلأسلّطنّ عليهم في بلادهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم ، فإن بكوا لم أرحم بكاءهم ، وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ، ثمّ لأخرّبنّها مائة عام ، ثمّ لأعمّرنّها.
فلمّا حدّثهم جزع العلماء فقالوا : يا رسول الله ، ما ذنبنا ولم نعمل بعملهم؟ فقال : إنّكم رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فسلّط الله عليهم بخت نصّر ، وسمّي به ، لأنّه رضع بلبن كلبة ، وكان اسم الكلب بخت ، واسم صاحبه نصّر ، وكان مجوسيّا أغلف ، أغار على بيت المقدس ، ودخله في ستّمائة ألف علم ، ثمّ بعث بخت نصّر
__________________
(١) قوله : (لبني إسرائيل) من «ص».
إلى النبيّ ، فقال : إنّك نبّئت عن ربّك وخبّرتهم بما أصنع بهم ، فإن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فاخرج.
قال : بل أخرج ، فتزوّد عصيرا ولبنا وخرج. فلمّا كان مدّ البصر التفت إلى البلدة فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ)(١)(٢).
[(لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ)]
[٣٢٣ / ٢] ـ وبالإسناد المتقدّم (*) عن وهب بن منبّه ، قال : كان بخت نّصر منذ ملك يتوقّع فساد بني إسرائيل ، ويعلم أنّه لا يطيقهم إلّا بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم ، حتّى تغيّرت أحوالهم (٣) وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جلّ ذكره : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) إلى قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما)(٤) يعنى بخت نصّر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلمّا رأوا ذلك فزعوا إلى ربّهم وتابوا وثابروا (٥) على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر ، وأظهروا المعروف ، فردّ
__________________
(١) البقرة : ٢٥٩.
(٢) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧٤ / ١٥ ومستدرك الوسائل ١٢ : ١٩١ / ٥.
ورواه العيّاشيّ في تفسيره ١ : ١٤٠ / ٤٦٦ : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. وعنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٧٣ / ١٤ ووسائل الشيعة ١٦ : ١٤٢ / ١٦ ، والحسين بن سعيد في كتاب الزهد : ١٠٥ : عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام .. وعنه في بحار الأنوار ٩٧ : ٨٦ / ٦١ ومستدرك الوسائل ١٢ : ١٩١ / ٥ ، وابن طاوس الحسنيّ في سعد السعود : ١١٧ بنفس السند المذكور في كتاب الزهد مع اختلاف في المتن.
(*) المراد به السند المذكور برقم : (٥٥).
(٣) في «ر» «ص» والبحار : (حالهم).
(٤) الإسراء : ٤ و ٥.
(٥) المراد بالمثابرة الدوام على الخير والمواظبة عليه.
الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصرفوا بعد ما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهما وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح (١) به حتّى أخرجه من باب المدينة.
ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ)(٢) فأخبرهم إرميا عليهالسلام أنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحدا عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحدا أطاعني فشقي بطاعتي؟
وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولا (٣) يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي ، وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك ألبستهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلّا وبالأمن خوفا ، إن دعوني لم أجبهم ، وإن بكوا لم أرحمهم.
فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم كذّبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله ، تزعم أنّ الله يعطّل مساجده من عبادته (٤) فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خراهم (٥) وشربوا أبوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصلب ، والإحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النساء.
__________________
(١) جمح الفرس : تغلّب على راكبه وذهب به.
(٢) الإسراء : ٧.
(٣) الخول : مثل الخدم والحشم وزنا ومعنى (المصباح المنير : ١٨٥).
(٤) في «ر» «س» «ص» : (معطّل مساجده من عباده).
(٥) في «ر» «س» : (أخلاهم) وفي «ص» والبحار : (خلاهم).
فقيل له : إنّ لهم صاحبا كان يحذّرهم ممّا (١) أصابهم ، فاتّهموه وسجنوه ، فأمر بخت نصّر فأخرج من السجن ، فقال له : أكنت تحذّر هؤلاء؟ قال : نعم. قال : وأنّى أعلمت ذلك؟
قال : أرسلني الله به إليهم. قال : فكذّبوك وضربوك؟ قال : نعم. قال : لبئس القوم قوم ضربوا نبيّهم ، وكذّبوا رسالة ربّهم ، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك؟ وإن أحببت أن تقيم في بلادك آمنتك.
قال إرميا عليهالسلام : إنّي لم أزل في أمان الله منذ كنت ، لم أخرج منه ، ولو أنّ بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك.
فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا ، وهي حينئذ خراب قد هدم بعضها ، فلمّا سمع به من بقي من بني إسرائيل اجتمعوا إليه ، وقالوا : عرفنا أنّك نبيّنا فانصح لنا ، فأمرهم أن يقيموا معه ، فقالوا : ننطلق إلى ملك مصر نستجير ، فقال إرميا عليهالسلام : إنّ ذمّة الله أوفى الذمم ، فانطلقوا إلى مصر وتركوا إرميا ، فقال لهم الملك : أنتم في ذمّتي ، فسمع ذلك بخت نصّر ، فأرسل إلى ملك مصر : ابعث بهم إليّ مصفّدين وإلّا آذنتك بالحرب.
فلمّا سمع إرميا بذلك أدركته الرحمة لهم ، فبادر إليهم لينقذهم فورد عليهم ، وقال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك ، وآية ذلك أنّه تعالى أراني موضع سرير بخت نصّر الذي يجلس عليه بعد ما يظفر بمصر ، ثمّ عمد فدفن أربعة أحجار في ناحية من الأرض ، فسار إليهم بخت نصّر وظفر بهم وأسرهم ، فلمّا أراد أن يقسّم الفيء ويقتل الأسارى ويعتق منهم كان فيهم (٢) إرميا.
فقال له بخت نصّر : أراك مع أعدائي بعد ما عرضتك من الكرامة ، فقال له
__________________
(١) في «ر» «س» «ص» والبحار : (بما).
(٢) في «ر» «س» «ص» والبحار : (منهم).
إرميا عليهالسلام : إنّي جئتهم مخوّفا أخبرهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا ، وأنت بأرض بابل ، ارفع سريرك ، فإنّ تحت كلّ قائمة من قوائمه حجرا دفنته بيدي وهم ينظرون ، فلمّا رفع بخت نصّر سريره وجد مصداق ما قال ، فقال لإرميا : إنّي لأقتلهم إذ كذّبوك ولم يصدّقوك ، فقتلهم ولحق بأرض بابل.
فأقام إرميا بمصر مدّة ، فأوحى الله تعالى إليه : ألحق بإيليا (١). فانطلق حتّى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورأى خرابا عظيما ، قال : أنّى يحيي هذه الله ، فنزل في ناحية واتّخذ مضجعا ، ثمّ نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام ، وكان قد وعده الله أنّه سيعيد فيها الملك والعمران.
فلمّا مضى سبعون عاما أذن الله في عمارة إيليا ، فأرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له : كوشك ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تنفر بقوّتك ورجالك حتّى تنزل إيليا فتعمرها ، فندب الفارسيّ لذلك ثلاثين ألف قهرمان ، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من الآلة والنفقة فسار بهم ، فلمّا تمّت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر الله (٢) عظام إرميا أن تحيى ، فقام حيّا كما ذكر الله في كتابه (٣).
فصل
[الرؤيا الأولى لبخت نصّر]
[٣٢٤ / ٣] ـ وبالإسناد المذكور عن وهب بن منبّه أنّه لمّا انطلق بخت نصّر بالسبي والأسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهماالسلام وورد أرض بابل اتّخذ
__________________
(١) في «ر» «س» : (بأرض إيليا).
(٢) قوله : (الله) من «م».
(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٦٤ / ٦ ، وقد جاء ذكره في القرآن في مكانين الأوّل : في سورة البقرة : ٢٥٩ ، والثاني في سورة الإسراء : ٤ ـ ٧.
بني إسرائيل خولا (١) ، فلبث سبع سنين ، ثمّ إنّه رأى رؤيا عظيما امتلأ منها رعبا ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلّا لأصلّبنّكم (٢) ، وبلغ دانيال ذلك من شأن الرؤيا وكان في السجن فقال لصاحب السجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله؟ فخرج صاحب السجن ، وذكر لبخت نصّر فدعا به.
وكان لا يقف بين يديه أحد إلّا سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ، ما منعك أن تسجد لي؟ فقال : إنّ لي ربّا آتاني هذا العلم على أن لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع (٣) بي ، فتركت السجود نظرا إلى ذلك.
قال بخت نصّر : وفيت لإلهك فصرت آمنا منّي ، فهل لك علم بهذه الرؤيا؟ قال : نعم ، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء ، أعلاه من ذهب ، ووسطه من فضّة ، وأسفله من نحاس ، وساقاه من حديد ، ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك حسنه وعظمه وإحكام صنعته والأصناف التي ركّب فيها ، إذ قذف (٤) بحجر من السماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لو اجتمع الجنّ والإنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، وحتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الذي قذف به يعظم فينتشر (٥)
__________________
(١) الخول : مثل الخدم والحشم وزنا ومعنى (المصباح المنير : ١٨٥).
(٢) في «س» «ص» والبحار : (صلبتكم) بدلا من : (لاصلبنكم).
(٣) في «ص» : (تنتفع).
(٤) في «ر» : (تركب فيها إذ قذفه) ، وفي «ص» : (ركب فيها إذ قذفه) ، وفي البحار : (ركبت فيه إذ قذفه ملك) بدلا من : (ركب فيها ، إذ قذف).
(٥) في البحار : (فينتثر).
حتّى ملأ الأرض كلّها فصرت لا ترى إلّا السماء والحجر.
قال بخت نصّر : صدقت ، هذه الرؤيا التي رأيتها ، فما تأويلها؟
قال دانيال عليهالسلام : أمّا الصنم الذي رأيت ، فإنّها أمم تكون في أوّل الزمان وأوسطه وآخره ، وأمّا الذهب فهو هذا الزمان ، وهذه الأمّة التي أنت فيها وأنت ملكها ، وأمّا الفضّة فإنّه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأمّا النحاس فأمّة الروم ، وأمّا الحديد فأمّة فارس ، وأمّا الفخار فأمّتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقيّ اليمن ، وأخرى في غربيّ الشام.
وأمّا الحجر الذي قذف به الصنم ، فدين يقذفه الله به في هذه (١) الأمّة آخر الزمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيّا أمّيّا من العرب فيذلّ الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر (٢) فيها.
فقال بخت نصّر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك ، إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك. فقال دانيال عليهالسلام : أمّا بلادي فأرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت ، والإقامة معك أوثق لي.
فجمع بخت نّصر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله به عنّي كربة قد عجزتم عنها ، وقد ولّيته أمركم وأمري ، يا بنيّ خذوا من علمه ، وإن جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمرا دونه.
ولمّا رأى قوم بخت نصّر ذلك حسدوا دانيال ، ثمّ اجتمعوا إليه وقالوا : كانت
__________________
(١) في البحار : (فدين يفقده الله به هذه في) بدلا من : (فدين يقذفه الله به في هذه) ، وفي إثبات الهداة : (يعقده) بدلا من : (يقذفه).
(٢) في البحار : (فانتثر).
لك الأرض ويزعم عدوّنا ، أنّك أنكرت عقلك ، قال : إنّي أستعين برأي هذا الإسرائيليّ لإصلاح أمركم ، فإنّ رأيه يطّلعه عليه ربّه. قالوا : نتّخذ إلها يكفيك ما أهمّك وتستغني عن دانيال ، فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنما عظيما وصنعوا عيدا وذبحوا له ، وأوقدوا نارا عظيمة كنار نمرود ، ودعوا الناس بالسجود لذلك الصنم ؛ فمن لم يسجد له ألقي فيها.
وكان مع دانيال عليهالسلام أربع فتية من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا ومريوس ، وكانوا مخلصين موحّدين ، فأتي بهم ليسجدوا للصنم ، فقالت الفتية : هذا ليس بإله ، ولكن خشبة ممّا عملها الرجال ، فإن شئتم أن نسجد للذي خلقها فعلنا ، فكتّفوهم ثمّ رموا بهم في النار.
فلمّا أصبحوا طلع عليهم بخت نصّر فوق قصر ، فإذا معهم خامس ، وإذا بالنار قد عادت جليدا (١) فامتلأ رعبا فدعا دانيال عليهالسلام فسأله عنهم ، فقال : أمّا الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ، ولذلك أجارهم ، والخامس يجرّ (٢) البرد أرسله الله تعالى جلّت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصّر فأخرجوا ، فقال لهم : كيف بتّم؟
قالوا : بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فألحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتّى مرّت بهم ثلاثون سنة (٣).
فصل
[رؤيا أخرى لبخت نصّر]
[٣٢٥ / ٤] ـ وعن وهب بن منبّه قال : ثمّ إنّ بخت نصّر رأى رؤيا أهول من الرؤيا
__________________
(١) الجليد : ما يجمد على الأرض من الماء.
(٢) في «ص» «م» ، والبحار : (بحر).
(٣) عنه في بحار الأنوار ١٤ : ٣٦٧ / ٧ وإثبات الهداة ١ : ١٩٧ الباب السابع ، الفصل ١٧ برقم : ١١.