السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-193-9
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٤
بالنبوة ، والإعتراف بصدقه «صلىاللهعليهوآله».
الثاني : الإقرار بنبوته «صلىاللهعليهوآله» ، وأنه سبحانه هو الذي أرسله ، وآثره بهذا الأمر دون سائر البشر ..
وهذا هو الذي يصلح ما أفسدوه ، ويبطل كيدهم ، ويكسر شوكتهم ، وتكون كلمة الباطل هي السفلى ، وكلمة الله هي العليا ..
ومن أحسن قولا من الله :
وبعد .. فقد قال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).
وقال عزوجل : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (٢).
فالتوجيه الإلهي للناس كلهم يقضي بإلزامهم باختيار الأحسن من القول والفعل ، وهذا يحتم عليهم معرفة الأمور ، والتمييز بين حسنها وقبيحها ، ثم الوقوف على الحسن والأحسن منها.
والنبي «صلىاللهعليهوآله» هو أولى الناس بالالتزام بالتوجيه الإلهي ، بحيث لا يرضى إلا أن يختار أحسن القول ، وأحسن الفعل ؛ ليكون ذلك هو طبيعته وسجيته ، وهو الذي يفيد في رسم أجمل صورة للحياة ، ويعطيها معناها اللائق بها ، الذي أراده الله تعالى لها.
وقد كان علي «عليهالسلام» يريد ان يعرّف الناس على هذه الحقيقة ، ولا سيما من كان يجحد ويعاند ..
__________________
(١) الآية ٥٣ من سورة الإسراء.
(٢) الآية ٧٧ من سورة القصص.
هنات وهنات في رواية الواقدي :
وقد نلمح في رواية الواقدي العديد من القرائن التي تضعف من درجة الإعتماد عليها ، فإضافة إلى ما تقدم من شكنا في صحة ما ورد فيها ، من عدم جواب النبي «صلىاللهعليهوآله» لابن أبي أمية حينما سلم عليه نشير إلى الأمور التالية :
ألف : اعتراض أم سلمة :
إن من دلائل وضع الرواية المشار إليها : أنها تضمنت اعتراض أم سلمة على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بشمول قاعدة : الإسلام يجب ما قبله لهذه الموارد. ثم تسليمه «صلىاللهعليهوآله» بصحة اعتراضها.
إذ لا يمكن أن يغفل النبي «صلىاللهعليهوآله» عن قرار أو حكم إلهي ثابت ، فكيف إذا كان هو الذي جاء بتشريعه ، وصدر عنه مباشرة ، ثم تذكّره به امرأة ، أو تكون هي المرشدة له في تطبيقه الصحيح!!
ويزيد في بشاعة هذا الأمر أن هذا الحكم أو القرار له ارتباط بنحو أو بآخر بحقوق الناس ، وبمصائرهم ، أو بكراماتهم ومواقعهم في الدنيا والآخرة.
إذ من البديهي : أن خطأه «صلىاللهعليهوآله» أو غفلته ، ينافيان عصمته ، ويضعان نبوته وأهليته لها أمام ألف سؤال وسؤال.
ب : أبو سفيان بن الحارث ، والإسلام :
ولا نجد حرجا في تقرير أن لدينا بعض الريب فيما ذكرته الرواية : من
أن الله ألقى الإسلام في قلب أبي سفيان بن الحارث ..
فإنه هو نفسه يتابع الحديث ليدلل فيه : على أن خروجه إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يكن رغبة منه بالإسلام ، بل كان خوفا من القتل بعد أن أهدر النبي «صلىاللهعليهوآله» دمه ، وقد ضاقت عليه الدنيا ، ولم يعد يجد أحدا يصحبه ، أو يكون معه بعد أن ضرب الإسلام بجرانه.
ج : علم ابن الحارث بقدوم رسول الله صلىاللهعليهوآله :
وقد زعمت الرواية المتقدمة : أن ابا سفيان بن الحارث قال لزوجته وولده : تهيأوا للخروج ، فقد أظل قدوم محمد عليكم ..
ونحن نشك كثيرا في صحة ذلك ، فإن أحدا من أهل مكة لم يكن يعلم بقدوم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، بل من أهل المدينة أنفسهم ، حتى ذلك الجيش العرمرم الذي كان مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يكن يعرف مقصد النبي «صلىاللهعليهوآله» ، حتى بلغ مشارف مكة ، حسبما أوضحناه فيما سبق ، فمن أين علم أبو سفيان بن الحارث بقدومه «صلىاللهعليهوآله» ليخبر زوجته وولده بذلك؟!
ولعل الصحيح هو : أن هذا الرجل كان يعيش حالة من الرعب ، بسبب هدر دمه من قبل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فكان يتوقع القتل عند رؤية أي إنسان يحتمل أن يكون من المسلمين.
وقد صرحت الرواية : بأنه قد أظهر خوفه من القتل مرات عديدة ، فخرج يطلب الأمان لنفسه من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، متوسلا إليه بقرابته منه ، ظنا منه أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يتأثر بذلك ،
حتى على حساب دينه ، وإسلامه ، فالتقى برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وجرى له معه ما تذكره الروايات التي تقدمت.
د : هل سيفرح المسلمون بإسلام ابن الحارث؟! :
وقد زعمت الرواية : أن أبا سفيان بن الحارث يقول : إنه كان على يقين بأن المسلمين سيفرحون بإسلامه فرحا شديدا ، لقرابته من النبي «صلىاللهعليهوآله» .. وأنه كان يرجو أن يفرح رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بإسلامه لقرابته وشرفه ..
ونقول :
إنه سواء أكان هذا الكلام صحيحا ، أو كان راويه قد افتراه كله أو بعضه ، فإنه يعبر عن طبيعة تفكير قائله ، وعن المفاهيم والإنطباعات التي يعيشها في نفسه .. حتى إنه ليظن أن ما يفرح النبي «صلىاللهعليهوآله» والمسلمين بإسلام أبي سفيان بن الحارث هو مجرد قرابته منه «صلىاللهعليهوآله» ، وشرفه في قومه ، وليس هو نجاة هذا الرجل من غضب الله تعالى ، وخروجه من ذل معصيته إلى عز طاعته جل وعلا ..
إنه يفكر كما يفكر الجاهلون ، وينطلق من معاييرهم ومفاهيمهم ، مع أن الإسلام لم يقم وزنا لقرابة أبي لهب ، ولا لشرفه في قومه ، وأنزل فيه سورة قرآنية خالدة تذكر الناس بخزيه إلى يوم القيامة ..
ولسنا بحاجة إلى التذكير بما ورد في القرآن عن ابن نوح ، وعن زوجتي نوح ولوط ..
ه : بطولات أبي سفيان بن الحارث في حنين :
وأما فيما يرتبط ببطولات أبي سفيان بن الحارث التي يدّعيها لنفسه في معركة حنين ، فسيأتي في حينه أنها لا يمكن أن تصح ، وسنرى أن الناس كلهم قد فروا في تلك الغزوة باستثناء علي «عليهالسلام» ..
فلا حاجة لاستباق الأمور .. لكننا نقول :
إنه يكفي للحكم على هذه الرواية بالكذب والوضع : أنها تدّعي أن أبا سفيان بن الحارث قد طرد جيش الأعداء في حنين قدر فرسخ ، وتفرقوا في كل وجه ..
و : يا للأنصار! يا للخزرج!! :
ومن أمارات سوء النوايا في هذه الرواية أيضا : أنها تزعم : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» أمر العباس بأن ينادي : يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج! فأجابوا ..
فإن الاقتصار على ذكر الخزرج من فئة الأنصار ، وعدم نداء الأوس مما لا يمكن قبوله من النبي الأعظم «صلىاللهعليهوآله» ، لأن هذا الأمر من شأنه أن يحدث أسوأ الأثر في نفوس وفي مواقف قبيلة الأوس ، التي كانت قبل مجيء النبي «صلىاللهعليهوآله» تتصاول مع الخزرج تصاول الفحلين ، على حد تعبير النصوص التاريخية ..
ز : سؤال النبي صلىاللهعليهوآله عن أبي سفيان بن الحارث :
وذكرت الرواية المتقدمة أيضا : أنه «صلىاللهعليهوآله» لما رأى أبا سفيان مجردا سيفه في حنين وقد أخذ بلجام بغلة النبي «صلىاللهعليهوآله»
قال لعمه العباس : من هذا؟!
قال أبو سفيان : فذهبت أكشف المغفر.
فقال العباس : أخوك ، وابن عمك ، أبو سفيان بن الحارث ، فارض عنه ، أي رسول الله!!
قال : قد فعلت.
فإن من غير المعقول أن لا يعرفه النبي «صلىاللهعليهوآله» ويعرفه العباس ، مع أنه كان من رفقاء الصبا ، كما أنه لم يزل منذ لقي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في الأبواء يتعرض له ، يلازمه ، ويسعى لاسترضائه ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» يعرض عنه كما صرح أبو سفيان نفسه في الرواية المشار إليها ..
عمر يغري بأبي سفيان بن الحارث :
وقد ذكرت تلك الرواية : أن عمر بن الخطاب قد أغرى أنصاريا بقتل أبي سفيان بن الحارث ..
والسؤال هو : إن هذا الإغراء قد يحصل وفق سياق رواية الواقدي ، التي هي موضع البحث ، وقد يحصل أيضا وفق سياق باقي الروايات ، وفي جميع الأحوال نقول :
لماذا يغري عمر بخصوص أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ولا يغري بعبد الله بن أبي أمية الذي أهدر النبي «صلىاللهعليهوآله» دمه ، أو بحكيم بن حزام ، أو ببديل بن ورقاء؟ ألم يكن أبو سفيان من أقارب النبي «صلىاللهعليهوآله» كما كان العباس من أقاربه؟
وقد صرح عمر : بأن إسلام العباس كان أحب إليه من إسلام الخطاب التماسا لرضا الرسول «صلىاللهعليهوآله». بل لماذا يغري الآخرين بقتل ابن الحارث؟ ألم يكن الأجدر به أن يبادر هو إلى فعل ما يغري به غيره؟! فيقوم بقتل أبي سفيان بنفسه ، إذا كان يرى صحة قتله بدون مراجعة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في ذلك!!
ثم لماذا يغري بقتله رجلا من الأنصار ، ويترك جميع المهاجرين؟!
هل يمكن أن يفهم من ذلك : أن عمر يريد إلقاء فتنة بين قريش وبني هاشم ، وأهل مكة وبين أهل المدينة؟! وبين العدنانيين والقحطانيين ، وبين بني هاشم بالخصوص وبين سائر الناس؟!
ثم ألا يذكرنا إغراؤه الأنصار بقتل رجل من بني هاشم بالسعي الذي كان هو نفسه قد بذله يوم بدر لقتل عقيل والعباس الهاشميين بيد بني هاشم أنفسهم؟! وألا يؤكد ذلك صحة اتهامهم له في نواياه وأنه لو كان الأسير من بني عدي لم يطلب هذا الطلب؟!
الفصل الثامن :
أبو سفيان في أيدي المسلمين
زعماء يربأبهم النبي صلىاللهعليهوآله عن الشرك :
عن عطاء قال : لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس قال : قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح : «إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأبهم عن الشرك ، وأرغب لهم في الإسلام».
قيل : ومن هم يا رسول الله؟
قال : «عتاب بن أسيد ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وسهيل بن عمرو» (١).
ونقول :
١ ـ قد ذكر بعضهم : أن جبير بن مطعم أسلم بعد الحديبية ، وقبل الفتح. مع أن هذه الرواية تشير إلى أن حاله حال الثلاثة المذكورين معه.
وقالوا : أسلم بين الحديبية والفتح (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٩ عن ابن عساكر ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٥ ص ١٠٦ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٤ ص ٤١٩ وتهذيب الكمال ج ٧ ص ١٨٢ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٣٤٨ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ٥٩٥ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٩ وكنز العمال ج ١١ ص ٧٥٩ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٧١.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٩ و (ط دار المعرفة) ص ١٨ وج ٢ ص ٦٢.
وقيل : في الفتح (١).
وقيل : عام خيبر (٢). ولا يهمنا تحقيق ذلك.
٢ ـ إن علينا الإشارة هنا إلى أن إطلاق هذا القول من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فيه إغراء لهؤلاء بالتخلي عن العناد والجحود. أو هو على الأقل يضعف عزائمهم في ذلك ، ويلوح لهم بأن الجسور مفتوحة ، ويمكنهم العبور إلى شاطئ الأمان ، في ظل الرعاية الإلهية ، ليكون أقل شراسة وحماسة في مقاومة هذا الدين ، ويهيئ السبيل بذلك للتخفيف من حدة الضغوط منهم على من يرتبط بهم من أقارب ، وحلفاء ، وما إلى ذلك ..
٣ ـ لكن علينا أن لا ننسى : أن هذا القول يشير إلى رذالة أخلاقية كان هؤلاء الأربعة يمارسونها ، فإنهم رغم رجاحة عقولهم ، التي تجعل من اعتناقهم للشرك ، ومحاربتهم للحق ولأهله طيلة هذه السنين أمرا غير منطقي ، ولا مستساغ ، خصوصا مع ما يرونه من التأييدات والألطاف الإلهية والمعجزات ، بل إن ذلك يجعل عملهم هذا في غاية القبح ، ويشير إلى
__________________
(١) راجع : الإصابة ج ١ ص ٢٢٦ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٢٣٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٦٢ وج ٣ ص ١٨ والمحلى ج ١١ ص ٦٢ وعمدة القاري ج ١٠ ص ٣ وج ١٤ ص ٢٩٥ والتمهيد لابن عبد البر ج ٩ ص ١٤٧ وخلاصة تهذيب الكمال ص ٦٠ وإسعاف المبطأ ص ٢٣ والمعارف لابن قتيبة ص ٢٨٥ والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص ٥٢ والوافي بالوفيات ج ١١ ص ٤٤ وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٧.
(٢) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٢٣٠ والتمهيد لابن عبد البر ج ٩ ص ١٤٧ وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٧.
سقوطهم المخزي والمشين في حمأة الشهوات ، ويؤكد لجوءهم إلى الجحود عن علم ومعرفة بالحق وبأهله.
منام أبي بكر :
عن ابن شهاب : إن أبا بكر قال : يا رسول الله!! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة ، فخرجت إلينا كلبة تهرّ ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها ، فإذا هي تشخب لبنا.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «ذهب كلبهم ، وأقبل درّهم ، وهم سائلوكم (بأرحامكم) بأرحامهم ، وإنكم لا قون بعضهم ، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه» (١).
ولا ندري إن كان هذا القول من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد أريد به تعبير منام أبي بكر.
أم أنه جاء على سبيل التفاؤل بذهاب الكلب ، وإقبال الدر؟!
أم أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أجرى كلامه على هذا النحو ليسجل إخبارا غيبيا صادرا عن مقام النبوة الأقدس ، ليكون ذلك من دلائل نبوته؟!
وربما يؤيد هذا المعنى : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد عقب ذلك بالإخبار
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٤ عن البيهقي ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٤٢ ومنتخب الكلام في تفسير الأحلام لابن سيرين ج ١ ص ٣٨٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٨ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٥٧.
عن وقائع غيبية سوف تحصل ، وهو قوله : «وهم سائلوكم بأرحامهم. وإنكم لاقون بعضهم» ، مصرحا باسم أبي سفيان من بين سائرهم ، ثم أصدر أوامره المتضمنة لكيفية التعاطي معه.
جيش الإسلام في مر الظهران :
قال عروة : وعميت الأخبار عن قريش ، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولا يدرون ما هو فاعل. وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم ، فبعثوا أبا سفيان بن حرب (١).
ورووا عن ابن عباس أنه قال : مضى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عام الفتح حتى نزل مر الظهران عشاء ، في عشرة آلاف من المسلمين ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ولا يدرون ما هو صانع (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٤ عن ابن إسحاق ، والواقدي ، وبه جزم ابن عائذ ، وغيرهم. والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٨ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ و ٥٥٦ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ وراجع ص ١٢٧ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٠ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٧٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٥ وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ٣٨٥ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٨٥ والمعجم الكبير ج ٨ ص ١٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٥٩.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٤ عن إسحاق بن راهويه ، والحاكم ، والبيهقي ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٧ و ٧٨ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٥ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ و ١٢٧ والمغازي للواقدي ج ٢
وأمر «صلىاللهعليهوآله» أصحابه أن يوقدوا عشرة آلاف نار ، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب (١).
وعن عروة قال : لما سار رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عام الفتح ، بلغ ذلك قريشا ، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسس الأخبار.
وقالت قريش لأبي سفيان : إن لقيت محمدا فخذ لنا منه أمانا. (زاد الواقدي قوله : «إلا أن ترى رقة من أصحابه ، فآذنه بالحرب») (٢).
فخرج هو وحكيم بن حزام ، فلقيا بديل بن ورقاء ، فاستتبعاه ، فخرج معهما يتحسسون الأخبار ، وينظرون هل يجدون خبرا ، أو يسمعون به.
فلما بلغوا الأراك من مر الظهران ، وذلك عشيا ، رأوا العسكر ، والقباب ، والنيران كأنها نيران عرفة ، وسمعوا صهيل الخيل ، ورغاء الإبل ، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا.
__________________
ص ٨١٤ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٥٣٨ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٣٢٠ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٤٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٢٨ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٤٦.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٨ و (ط دار المعرفة) ص ١٥ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٤ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٠ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٨٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٥ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٢٧٩ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٣٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٥٨ وج ٨ ص ٣٨٥ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٥.
(٢) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٤.
قال عروة ـ كما في الصحيح ـ : فقال بديل بن ورقاء : هؤلاء بنو كعب ـ وفي رواية بنو عمرو : يعني بها خزاعة ـ حمشتها (حاشتها) الحرب.
فقال أبو سفيان : بنو عمرو أقل من ذلك (١).
ولكن لعل هذه تميم أو ربيعة (٢).
قالوا : فتنجعت هوازن على أرضنا؟! والله ما نعرف هذا ، إن هذا العسكر مثل حاج الناس (٣).
وعن ابن عباس : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لما نزل مر الظهران ، رقت نفس العباس لأهل مكة ، فقال : وا صباح قريش ، والله لئن دخلها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
قال العباس : فأخذت بغلة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» الشهباء
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٤ و ٢١٥ وفي هامشه عن البخاري ج ٧ ص ٥٩٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٨ وراجع : مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ و ١٢٨ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٤ وراجع : كنز العمال ج ١٠ ص ٥٠٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٤٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٥٣.
(٢) البحار ج ٢١ ص ١٢٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ١٠٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٢٠.
(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٤ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٥٨ وغريب الحديث ج ٢ ص ٥٢٩.
(البيضاء) ـ وعند الواقدي : أنها الدلدل (١) ـ فركبتها ، وقلت : ألتمس حطابا ، أو صاحب لبن ، أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ليخرجوا إليه ، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة ، فو الله ، إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا!
فقال بديل بن ورقاء : هذه والله خزاعة حمشتها الحرب.
فقال أبو سفيان : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال العباس : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي.
فقال : لبيك يا أبا الفضل ، مالك فداك أبي وأمي!!
فقلت : ويلك!! هذا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في عشرة آلاف.
فقال : وا صباح قريش ، والله بأبي أنت وأمي ، فما تأمرني؟ هل من حيلة؟
قلت : نعم ، إركب عجز هذه البغلة ، فأذهب بك إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فاستأمنه لك ، فإنه والله إن ظفر بك دون رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لتقتلن.
قال أبو سفيان : وأنا والله أرى ذلك.
فركب خلفي ، ورجع صاحباه ـ كذا في حديث ابن عباس وعند ابن
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٥.
إسحاق ومحمد بن عمر : أنهما رجعا ـ وذكر ابن عقبة ومحمد بن عمر في موضع آخر : أنهما لم يرجعا ، وأن العباس قدم بهم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» انتهى (١).
وعن حكيم بن حزام : أنه خرج هو وأبو سفيان يتنسمان الأخبار ، فلقي العباس أبا سفيان ، فذهب به إلى النبي «صلىاللهعليهوآله».
قال حكيم بن حزام : «فرجعت ، ودخلت بيتي ، فأغلقته عليّ ، ودخل النبي «صلىاللهعليهوآله» مكة ، فأمّن الناس ، فجئته ، فأسلمت وخرجت معه إلى حنين» (٢).
وفي موضع آخر عند الواقدي : قال العباس : هذا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في عشرة آلاف من المسلمين ، فأسلم ، ثكلتك أمك وعشيرتك ، ثم أقبل على حكيم وبديل ، فقال : أسلما ، فإني لكما جار حتى تنتهوا إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فإني أخشى أن تقطعوا دون النبي «صلىاللهعليهوآله».
قالوا : فنحن معك.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٥ و ٢١٦ عن إسحاق بن راهويه ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٨ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ و ١٢٧ و ١٢٨ وراجع : المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٦ و ٨١٨ و ٨١٩ وراجع ص ٨١٥ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٦٨ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٠٦ و ٥٠٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٥٠ و ٤٥١.
(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٥.
فجاء بهم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
وفي سياق آخر ، قال العباس : فجئت بأبي سفيان ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وأنا عليها ، قالوا : عم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على بغلته ، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب ، فلما رآني ، قام ، فقال : من هذا؟
قلت : العباس ، فذهب ينظر ، فرأى أبا سفيان خلفي ، فقال : أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن (أمكنني) منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فاقتحمت عن البغلة ، قدخلت على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ودخل عمر على أثري ، فقال عمر : يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فلأضرب عنقه.
قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته.
ثم التزمت رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فأخذت برأسه ، فقلت : والله ، لا يناجيه الليلة دوني رجل.
فلما أكثر عمر في شأنه ، قلت : مهلا يا عمر ، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف.
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٨١٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٨٠ و ٨١ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٣٥ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٣٥٨.
فقال : مهلا يا عباس ـ وفي لفظ : يا أبا الفضل ـ فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من إسلام الخطاب لو أسلم (١).
وقيل : إن العباس قال : فقلت : يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم ، وهم يدخلون عليك.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «أدخلهم».
فدخلوا عليه ، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ودعاهم إلى الاسلام.
فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢١٦ وفي هامشه : عن ابن أبي شيبة ج ١٤ ص ٤٧٥ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٧٨ و ٧٩ و (ط دار المعرفة) ص ١٧ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٦ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٧١ والبحار ج ٢١ ص ١٠٣ و ١٠٤ و ١٢٨ وراجع : شرح معاني الآثار ج ٣ ص ٣٢٠ و ٣٢١ والدرر لابن عبد البر ص ٢١٦ وشرح نهج البلاغة ج ١٧ ص ٢٦٩ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٦٩٤ وتفسير الميزان ج ٢٠ ص ٣٨١ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٥٣٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ١٢٢ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٤٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٤٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٣١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٤٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٣١ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٦٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ١٨٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٤٨ وشرح إحقاق الحق ج ٣٣ ص ١٤٧.