تفسير الصّافي - ج ٢

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٧٩

فذهب عنهم مغاضباً فلمّا فقدوه خافوا نزول العذَابِ فلبسوا المسوح وعجّوا وبكوا فصرف الله عنهم العذاب وكان قد نزل وقرب منهم.

والعيّاشيّ عن أبي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السلام قال : كتب أمير المؤمنين عليه السلام قال حدّثني رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم أنّ جبرئيل حدّثه أن يونس بن متّى عليه السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة وكان رجلاً تعتريه الحدّة وكان قليل الصّبر على قومِه والمداراة لهم عاجزاً عمّا حُمِّل من ثقل حمل أوقار (١) النّبوّة وأعلامها وانّه تفسخ تحتها كما يتفسّخ الجذع تحت حمله وانّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإِيمان بالله والتصديق به واتباعه ثلاثاً وثلاثين سنة فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوّة والحكمة وكان قديم الصحبة ليونس بن متّى عليه السلام من قبل أن يبعثه الله بالنبوّة وكان تنوخا رجلاً مستضعفاً عابداً زاهداً منهمكاً في العبادة وليس له علم ولا حكم وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها وكان تنوخا رجلاً حطّاباً يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته فلمّا رأى يونس أنّ قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر فشكا ذلك إلى ربّه وكان فيما شكا أن قال يا ربّ إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتصديق برسالتي وأخوفهم عذابك ونقمتك ثلاثاً وثلاثين سنة فكذّبوني ولم يؤمنوا بي وجحدوا نبوتي واستخفوا برسالتي وقد توعدوني وخفت أن يقتلوني فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لا يؤمنون قال فأوحى الله إلى يونس أنّ فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ والكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين وأنا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي لا أعذّب الصغار بذنوب الكبار من قومك وهم يا يونس عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي أحبّ أن أتاناهم وأرفق بهم وانتظر توبتهم وانّما بعثتك إلى قومك لتكون حفيظاً عليهم تعطف عليهم بسجال الرحمة

__________________

(١) الوقر بالكسر الحِمل الثقيل أو أعمّ ج أوقار ق.

٤٢١

الماسّة عنهم وتأنّاهم برأفة النبوّة وتصبر معهم بأحلام الرّسالة وتكون لهم كهيئة الطّبيب المداوي العالم بمداواة الدّواءِ فخرجت بهم ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين ثمّ سألتني عن سوء نظرك والعذاب لهم عند قلة الصبر منك وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه وأحسن صحبة وأشدّ تأنّياً في الصبر عندي وأبلغ في العذر فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين دعاني فقال يونس يا ربّ إنّما غضبت عليهم فيك وانّما دعوت عليهم حين عصوك فو عزّتك لا أتعطف عليهم برأفة أبداً ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي وجحدهم نبوتي فأنزل عليهم عذابك فانّهم لا يؤمنون أبداً فقال الله تعالى يا يونس انّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي ويلدون عبادي ومحبّتي ان أتأنّاهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك وأنت المرسل وأنا الرّب الحكيم وعلمي فيهم يا يونس باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له يا يونس قد أجبتك إلى ما سألت من انزال العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك من عندي ولا أحمد لشأنك وسيأتيهم عذاب في شوّال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك قال فسّر ذلك يونس ولم يسؤه ولم يدر ما عاقبته فانطلق يونس إلى تنوخا العابد وأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم وقال له انطلق حتّى أعلمهم بما أوحى الله إليّ من نزول العذاب فقال تنوخا فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتّى يعذبهم الله فقال له يونس بل نلقى روبيل فنشاوره فانّه رجل عالم حكيم من أهل بيت النّبوّة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوّال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له ما ترى انطلق بنا حتّى أعلمهم بذلك فقال له روبيل ارجع إلى ربّك رجعة نبيّ حكيم ورسول كريم واسأله أن يصرف عنهم العذاب فانّه غنيّ عن عذابهم وهو يحبّ الرفق بعباده وما ذلك بإصر (١) لك عنده ولا أسرى لمنزلتك لديه ولعلّ قومك بعد ما سمعت ورأيت

__________________

(١) الإصر الذنب والثّقل والإصر أيضاً الكسر يقال اصرت الأمر اصراً أي كسرته م ص.

٤٢٢

من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوماً فصابرهم وتأنّاهم فقال له تنوخا ويحك يا روبيل ما أشرت على يونس وأمرته به بعد كفرهم بالله وجحدهم لنبيّه وتكذيبهم إيّاه وإخراجهم إيّاه من مساكنه وما همّوا به من رجمه فقال روبيل لتنوخا اسكت فانّك رجل عابد لا علم لك ثمّ أقبل على يونس فقال أرأيت يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك أنزله فيهلكهم جميعاً أو يُهلك بعضاً ويُبْقي بعضاً فقال له يونس بل يهلكهم جميعاً وكذلك سألته ما دخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيهم وأسأله أن يصرف عنهم فقال له روبيل أتدري يا يونس لعلّ الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسُّوا به أن يتوبوا إليه ويستغفروا فيرحمهم فانّه أرحم الرّاحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله تعالى أنّه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء فتكونَ بذلك عندهم كذّاباً فقال له تنوخا ويحك يا روبيل لقد قلت عظيماً يخبرك النّبيّ المرسل أنّ الله أوحى إليه أنّ العذاب ينزل عليهم فتردّ قول الله تعالى وتشكّ فيه وفي قول رسوله اذهب فقد حبط عملك فقال روبيل لتنوخا لقد فسد رأيك ثمّ أقبل على يونس فقال انزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من انزال العذاب عليهم وقوله الحقّ أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم أليس يمحو الله اسمك من النبوّة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاءِ الناس ويهلك على يدك مائة ألف من الناس فأبى يونس أن يقبل وصيّته فانطلق ومعه تنوخا إلى قومه فأخبرهم أنّ الله أوحى إليه أنّه منزّل العذاب عليهم يوم الأربعاء في شوّال في وسط الشّهر بعد طلوع الشمس فردّوا عليه قوله وكذّبوه وأخرجوه من قريتهم اخراجاً عنيفاً فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحّيا عنهم غير بعيد وأقاما ينتظران العذاب وأقام روبيل مع قومه في قريتهم حتّى إذا دخل عليه شوّال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم أنا روبيل الشفيق عليكم الرّحيم بكم إلى ربّه قد أنكرتم عذاب الله هذا شوّال قد دخل عليكم وقد أخبركم يونس نبيّكم ورسول ربّكم أنّ الله أوحى إليه أنّ العذاب ينزل عليكم في شوّال في وسط الشّهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس ولن يخلف الله وعده رسله فانظروا ما ذا أنتم صانعون فأفزعهم كلامه فوقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب فأجفلوا نحو روبيل وقالوا له ما ذا

٤٢٣

أنت مشير به علينا يا روبيل فانّكَ رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرّقة علينا والرّحمة لنا وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك فقال لهم روبيل فانّي أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية وتقفوا النساء في سفح الجبل ويكون هذا كلّه قبل طلوع الشمس فعجوا عجيج الكبير منكم والصَّغير بالصراخِ والبكاءِ والتضرّع إلى الله والتّوبة إليه والاستغفار له وارفعوا رؤُوسكم إلى السماءِ وقولوا ربّنا ظلمنا وكذّبنا نبيّك وتبنا إليك من ذنوبنا وان لا تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين المعذّبين فاقبَلْ توبتنا وارحمنا يا أرحم الرّاحمين ثمّ لا تملّوا من البكاءِ والصّراخِ والتضرّع إلى الله والتوبة إليه حتّى توارى الشمس بالحجاب أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك فاجمع رأي القوم جميعاً على أن يفعَلوا ما أشار به عليهم روبيل فلمّا كان يوم الأربعاء الذي توقّعوا العذاب تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا أنزل فلمّا طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلمّا بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف (١) فلمّا رأوها عجّوا جميعاً بالصّراخِ والبكاءِ والتضرّع إلى الله وتابوا واستغفروه وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمّهاتها وعجّت سِخال البهائم تطلب الثّدي وسَعَتِ الأنعام تطلب الرّعا فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان صيحتهم وصراخهم ويدعوان الله بتغليظ العذاب عليهم وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم فلمّا أن زالت الشمس وفتِحت أبواب السماء وسكن غضب الربّ تعالى رحمهم الرّحمن فاستجاب دعاءهم وقبل توبتهم وأقالهم عثرتهم وأوحى إلى إسرافيل أن أهبط إلى قوم يونس فانّهم قد عجّوا إلى البكاءِ والتضرّع وتابوا إليّ واستغفروني فرحمتهم وتبت عليهم وأنا الله التّوابُ الرّحيم اسرع إلى قبول توبة عبدي

__________________

(١) حفّ الفرس حفيفاً سمع عند ركضه صوت والأفعى فحّ فحيحاً الّا ان الحفيف من جلدها والفحيح من فيها وكذلك الطّاير والشجر إذا صوّتت ق.

٤٢٤

التائب من الذنب وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم وأنا الله أحقّ من وفي بعهده وقد أنزلته عليهم ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزّل عليهم العذاب ان أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي فقال إسرافيل يا ربّ إنّ عذابك بلغ أكنافهم (١) وكاد أن يهلكهم وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم فالى اين اصرفه فقال الله كلّا إنّي قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ولا ينزلوه عليهم حتّى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي فاهبط يا إسرافيل عليهم واصرف عنهم وأصرف به إلى الجبال وناحية مفاض العيون ومجاري السّيُول في الجبال العاتية العادية المستطيلة على الجبال فأذلها به وليّنها حتّى تصير ملتئمة حديداً جامداً فهبط إسرافيل ونشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب حتّى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها قال أبو جعفر عليه السلام وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم فصارت حديداً إلى يوم القيامة فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم وحمدوا الله على ما صرف عنهم وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعاً لمّا خفيَت أصواتهم عنهما فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشّمس ينظران إلى ما صار إليه القوم فلمّا دنوا من القوم واستقبلهم الحطّابون والحمّارة (٢) والرّعاة بأعناقهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين قال يونس لتنوخا يا تنوخا كذّبني الوحي وكذبت وعدي لقومي لا وعزّة ربّي لا يرون لي وجهاً أبداً بعد ما كذّبني الوحي فانطلق يونس هارباً على وجهه مغاضباً لربّه ناحية بحر أيلة مُتنكراً (٣) فراراً من أن يراه أحد من قومه فيقول له يا كذّاب فلذلك قال الله وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الآية ورجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له يا تنوخا أي الرّأيين كان أصوب وأَحَقّ أرأيي أو رأيُك فقال له تنوخا بل رأيك كان أصوب

__________________

(١) في كنف الله محرّكة في حرزه وستره وهو الجانب والظل والناحية كالكنفة محرّكة.

(٢) الحمّارة كجبّانة اصحاب الحمير كالحامرة ق.

(٣) ايلة جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع وبلد بين ينبع ومصر ق.

٤٢٥

ولقد كنت أشرت برأي العلماءِ والحكماءِ وقال له تنوخا أما إنّي لم أزل أرى انّي أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي حتّى استبان فضلك لفضل علمك وما أعطاك ربّك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغاضباً لربّه فكان من قصته ما أخبره الله به في كتابه فآمنوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ قال أبو عبيدة قلت لأبي جعفر عليه السلام كم كان غاب يونس عن قومه حتّى رجع إليهم بالنبوّة والرّسالة فآمنوا به وصدّقوه قال أربعة أسابيع سبعاً منها في ذهابه إلى البحر وسبعاً في بطن الحوت وسبعاً تحت الشّجرة بالعراءِ وسبعاً منها في رجوعه إلى قومه فقلت له ما هذه الأسابيع شهور أو أيّام أو ساعات فقال يا أبا عبيدة إنّ العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النِّصفِ من شوّال وصرف عنهم من يومهم ذلك فانطلق يونس مغاضباً فمضى يوم الخميس سبعة أيّام في مسيره إلى البحر وسبعة أيّام في بطن الحوت وسبعة أيّام تحت الشّجرة بالعراءِ وسبعة أيّام في رجوعه إلى قومه فكان ذهابه ورجوعه ثمانية وعشرين يوماً ثمّ أتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه فلذلك قال الله فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ.

وعنه عليه السلام : أنّ يونس لمّا أذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحُوا أوّل يوم ووجوههم صفر وأصبحوا اليوم الثاني ووجوههم سود قال وكان الله واعدهم أن يأتيهم العذابَ حتّى نالوه برماحهم ففّرقوا بين النساء وأولادهنّ والبقر وأولادها ولبسُوا المسُوح والصّوف ووضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رؤوسهم وضجّوا ضجّة واحدة إلى ربهم وقالوا آمنّا باله يونس فصرف الله عنهم العذاب وأصبح يونس وهو يظنّ أنّهم هلكوا فوجدهم في عافية.

وفي العِلل عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل لأيّ علة صرف الله العذاب عن قوم يونس وقد أظلّهم ولم يفعل كذلك بغيرهم من الأممِ قال لأنّه كان في علم الله أنّه سيصرف عنهم لتوبتهم وانّما ترك أخبار يونس بذلك لأنّه عزّ وجلّ أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه وكرامته.

٤٢٦

وفي الكافي عنه عليه السلام : أنّ جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه يونس.

والقمّيّ وافق العيّاشيّ في ذكر القصّة إلّا أنّه اختصرها وذكر في اسم العابد مليخا مكان تنوخا وأورد في آخرها أشياءً أخر نوردها في سورة الصّافّات إن شاء الله ويأتي بعض قصّته في سورة الأنبياء أيضاً إن شاء الله.

(٩٩) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ بحيث لا يشذّ منهم أحد جَمِيعاً مجتمعين على الإيمان لا يختلفونَ فيه أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.

(١٠٠) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ وقرء بالنّون عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ في العيون عن الرضا عليه السلام : أنّه سأله المأمون عن هذه الآية فقال حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال إنّ المسلمين قالوا لرسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من النّاس على الإسلام لكثر عددنا وقوينا على عدوّنا فقال رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ما كنت لألقى الله ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئاً وما أنا من المتكلّفين فأنزل الله عليه يا محمّد وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً على سبيل الإلجاءِ والاضطرار في الدنيا كما يؤمن عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثواباً ولا مدحاً ولكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقُوا منّي الزّلفى والكرامة ودوام الخلُود في جنّة الخلد أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وأمّا قوله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ فليس ذلك على سبيلِ تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلّا بإذن الله واذنه أمره لها بالإيمان ما كانت متكلّفة متعبّدة والجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها فقال المأمون فرّجت عنّي فرج الله عنك.

(١٠١) قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من عجائب صنعه ليدلّكم على وحدته وكمال قدرته وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ لا يتوقع إيمانهم

٤٢٧

وما نافية أو استفهامية للإنكارِ.

في الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال الْآياتُ الأئمّة عليهم السلام وَالنُّذُرُ الأنبياء سلام الله عليهم.

(١٠٢) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقون غيرها قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لذلك.

العيّاشيّ عن الرضا عليه السلام : إنّ انتظار الفَرَج من الفَرَج انّ الله يقول فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ.

(١٠٣) ثُمَّ نُنَجِّي وقرء بالتخفيف رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا عطف على محذوف دلّ عليه ما قبله كأنّه قيل نهلك الأمم ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا ومَن آمَنَ معهم كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ وقرئ بالتشديد أي مثل ذلك الإنجاءِ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ منكم حين نهلك المشركين وحَقًّا عَلَيْنا اعتراضٍ يعني حقّ ذلك علينا حقّاً.

في المجمع والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمرِ انّه من أهل الجنّة إن الله تعالى يقول كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.

(١٠٤) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي وصحّته فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ فهو الحقيق بأن يخاف ويُرجى ويُعبد وانّما خصّ التوفّي بالذكر للتهديد وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين بالتوحيد فهذا ديني.

(١٠٥) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً عطف على أَنْ أَكُونَ غير أنّ صلة أن محكيّة بصيغة الأمر والمعنى أمرت بالاستقامة والسّداد في الدّين باداءِ الفرائض والانتهاء عن القبائح وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

٤٢٨

(١٠٦) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ ان دعوته وَلا يَضُرُّكَ إن خذلته فَإِنْ فَعَلْتَ فان دعوته فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ فانّ الشّرك لظلم عظيم.

القمّيّ مخاطبة للنّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم والمعني النّاس.

(١٠٧) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ وان يصبك به فَلا كاشِفَ لَهُ يدفعه إِلَّا هُوَ إلَّا الله وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ فلا دافع لِفَضْلِهِ الذي أرادك به قيل ذكر الإرادة مع الخير والمسّ مع الضّرّ مع تلازم الأمرين للتّنبيه على أنّ الخير مرادٌ بالذات وأنّ الضّرَّ إنّما مسّهم لا بالقصد الأوّل ووضع الفضل موضع الضّمير للدّلالة على أنّه متفضّل بما يريد بِهِمْ من الخَير لا استحقاق لهم عليه ولم يستثن لأنّ مراد الله لا يمكن ردّه يُصِيبُ بِهِ بالخير مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.

(١٠٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ (١) مِنْ رَبِّكُمْ ولم يبق لكم عذر فَمَنِ اهْتَدى اختار الهدى بالإيمان والطاعة فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لأنّ نفعه لها وَمَنْ ضَلَ اختار الضّلال بالجحود فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لأنّ وباله عليها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ موكول إليّ أمركم وحملكم على ما اريد إنّما أنا بشير ونذير.

(١٠٩) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ بالامتثال والتبليغ وَاصْبِرْ على دعوتهم واحتمال أذاهم حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ لَكَ بالنّصر عليهم والغلبة وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنّه لا يحكم إلّا بالحقّ والعدل.

في ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة يونس في كلّ شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين وكان يوم القيامة من المقربين ان شاء الله تبارك وتعالى.

__________________

(١) وهو القرآن ودين الإسلام والأدلة الدّالة على صحّته وقيل يريد بالحقّ النّبي صلّى الله عليه وآله ومعجزاته الظّاهرة م ن.

٤٢٩

سورة هود «ع»

مكية في قول الأكثرين وقال قتادة إلّا آية وهو قوله

وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ، فانَّها مدنية ، عدد آيها مائة وثلاث وعشرون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الر سبق تأويله في أوّل سورة يونس كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظماً محكماً لا نقص فيه ولا خلل كالبناء المحكم ثُمَّ فُصِّلَتْ بدلائل التوحيد والمواعظ والأحكام والقِصَص ومعنى ثمّ (١) التراخي في الحال لا في الوقت.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : هو القرآن مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ قال من عند حكيم خبير.

(٢) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ من الله نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ بالعقاب على الشِّرك والثواب على التوحيد.

(٣) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ من الشِّرك والمعصية ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ بالإيمان والطاعة يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يُعِشْكم (٢) في أمن ودعة إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو آخِر أعماركم المقدرة وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ويعط كلّ ذي فضل في دينه جزاءَ فضله في الدنيا والآخِرة وَإِنْ تَوَلَّوْا وان تتولّوا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يوم القيامة.

__________________

(١) كما تقول فلان كريم الأصل ثمّ كريم الفعال ثمّ كذا وكذا.

(٢) عاش الرّجل معاشاً ومعيشاً وكل واحد منهما يصلح أن يكون مصدرا أو أن يكون اسماً مثل معاب ومعيب وممال ومميل واعاشه الله عيشة راضية «ص».

٤٣٠

القمّيّ يعني الدّخان والصّيحَة.

(٤) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ في ذلك اليوم وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على تعذيبكم أشدّ عذاب فكأنّه تقرير لكبر اليوم.

(٥) أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يعطفونها لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ من الله بسرهم فلا يطّلع رسوله والمؤمنون عليه أو من رسوله.

في الكافي والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : أخبرني جابر بن عبد الله أنّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى رأسه بثوبه حتّى لا يراه رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فأنزل الله الآية.

والقمّيّ يكتمون ما في صدورهم من بغض عليّ عليه السلام

قال رسول الله : إنّ آية المنافق بغض عليّ وكان قوم يظهرون المودّة لعليّ عند النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم ويسرّون بغضه.

في الجوامع وفي قراءة أهل البيت يَثْنَوْني على يفعوعل من الثَّني وهو بناء مبالغة أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يتغطون بثيابهم كراهة لاستماعِ كلام الله كقوله تعالى جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ في قلوبهم وَما يُعْلِنُونَ بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها قيل نزلت في طائفة من المشركين قالوا إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمّد كيف يعلم.

والقمّيّ : كان النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم إذا حدّث بشيء من فضل عليّ أو تلا عليهم ما أنزل الله فيه نفضوا ثيابهم ثمّ قاموا يقول الله يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ حينَ قاموا إنّ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.

(٦) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها لتكفّله إياه تفضلاً ورحمة وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها موضع قرارها ومسكنها وَمُسْتَوْدَعَها قبل الاستقرار من أصلاب الآباء

٤٣١

وأرحام الأمّهات والبيض كُلٌ كل واحدة من الدّوابّ ورزقها ومستقرها ومستودعها فِي كِتابٍ مُبِينٍ مذكور في اللّوح المحفوظ في نهج البلاغة : قسّم أرزاقهم وأحصى آثارهم وأعمالهم وعدد أنفاسهم وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير ومستقرهم ومستودعهم من الأرحام والظهور إلى أن يتناهى بهم الغايات.

(٧) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي خلقهما وما بينهما كما سبق بيانه في سورة الأعراف وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل خلقهما.

القمّيّ وكان ذلك في مبدأ الخلق.

وفي الكافي عن الباقر عليه السلام : إن الله عزّ وجلّ ابتدع الأشياءَ كلها بعلمه على غير مثال كان قبله فابتَدَع السّموات والأرضين ولم يكن قبلهنّ سموات ولا أرضون أما تسمع لقوله تعالى وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ.

وفيه وفي التّوحيد عن الصادق عليه السلام : عن قول الله عزّ وجلّ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ فقال ما يقولون قيل يقولون إنّ العرش كان على الماءِ والربّ فوقه فقال كذبوا من زعم هذا فقد صيّر الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه ثمّ قال إنّ الله حمل دينه وعلمه الماء قبل أن يكون سماء أو أرض أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر.

وفي حديث القمّيّ : وكان الماء على الهواءِ والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء عذب فرات.

أقول : تأويل هذه الأخبار عند الرّاسِخين في العِلم لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً أي خلقهنّ لحكمة بالغة وهي أن يجعلها مساكن لعباده وينعم عليهم فيها بفنون النِّعم ويكلّفهم ويعرضهم لثواب الآخِرة ولمّا شبه ذلك اختبار المختبر قال لِيَبْلُوَكُمْ أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعملون ولما كان في الاختبار معنى العلم وهو طريق إليه قال أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً.

في الكافي عن الباقر عليه السلام : ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبكم

٤٣٢

عملاً وانّما الإصابة خشية الله والنّيّة الصادقة وروى العامّة عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : أيّكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ فيتوقّعوه لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ تمويه ظاهر له لا حقيقة له وقرئ ساحر.

(٨) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ الموعود إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ قيل إلى جماعة من الأوقات قليلة.

والقمّيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام : يعني به الوقت لَيَقُولُنَ استعجالاً واستهزاءً ما يَحْبِسُهُ ما يمنعه من الوقوع أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ليس العذاب مدفوعاً عنهم وَحاقَ بِهِمْ وأحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.

القمّيّ يعني أن متّعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم عليه السلام فنردّهم ونعذّبهم لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أي يقولوا الا يقوم القائم الا يخرج على حدّ الاستهزاءِ ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام : الأمّة المعدودة أصحابُ القائم الثلاثمأة والبضعة عشر.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : هو القائم وأصحابه.

وعنه عليه السلام : إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ يعني عدة كعدّة بدر لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ قال العذاب.

وعن الباقر عليه السلام : أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً هم والله الأمّة المعدودة التي قال الله في كتابه وتلا هذه الآية قال يجتمعون والله في ساعة واحدة قزعاً (١) كقزع الخريف.

وفي الكافي والمجمع : ما يقرب منه.

(٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها سلبناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ شديد

__________________

(١). القزع محرّكة قطع من السّحاب رقيقة والواحد قزعة وفي الحديث : كأنّهم قزع الخريف ص.

٤٣٣

اليأس قنوط من أن يعود عليه تلك النعمة المنزوعة قاطع رجاءه من سعة فضل اللهِ كَفُورٌ عظيم الكفران لنعمه.

(١٠) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ كصحة بعد سقمٍ وغنىً بعد عُدْمٍ وفي اختلاف الفعلين في الإسناد نكتَة لا تخفى لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي أي المصائب التي ساءتني وحزنتني إِنَّهُ لَفَرِحٌ اشِر بطر مغتّر بها فَخُورٌ على الناس بما أنعم الله عليه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر والقيام بحقها.

القمّيّ قال إذا أغنى الله العبد ثمّ افتقر اصابه اليأس والجزع والهلع (١) وإذا كشف الله عنه ذلك فرح قيل في لفظتي الإذاقة والمسّ تنبيه على أنّ ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالانموذج لما يجده في الآخِرة وانّه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء لأنّ الذوق ادراك الطعم والمسّ مبدأ الوصُول.

(١١) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا في الشدة على الضّرّاءِ إيماناً باللهِ واستسلاماً لقضائه وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ في الرّخاءِ شكراً لآلائه سابقها ولاحقها أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.

(١٢) فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ تترك بتبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركينَ مخافة ردّهم واستهزائهم به وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ ينفقه في الاستتباع كالملوك أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يصدّقه إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ ليس عليك إلّا الإنذار بما أوحى إليك ولا عليك ردّوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ فتوكل عليه فانّه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاءَ أقوالهم وأفعالهم ويأتي في هذه الآية كلام في سورة بني إسرائيل إن شاء الله.

وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : في هذه الآية أنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لما نزل قديداً [غديراً خ ل] قال لعليّ عليه السلام إنّي سألت ربّي أن

__________________

(١) الهلع محرّكة افحش الجزع ق.

٤٣٤

يوالي بيني وبينك ففَعَل وسألت ربّي أن يواخي بيني وبينك ففعل وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي ففعل فقال رجلان من قريش والله لصاع تمر في شن بالٍ أحبّ إلينا مما سأل محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم ربّه فهلّا سأل ربّه ملكاً يعضده على عدوّه أو كنزاً يستغني به عن فاقته والله ما دعاه إلى حقّ ولا باطل إلّا أجابه الله إليه فأنزل الله إليه فَلَعَلَّكَ تارِكٌ الآية.

والقمّيّ والعيّاشيّ ما يقرب منه وزاد العيّاشيّ : ودعا رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام في آخر صلاته رافعاً بها صوته يُسمَع الناس يقول اللهمّ هب لعليّ المودّة في صدور المؤمنين والهيبة والعظمة في صدور المنافقين فأنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فقال «مع» والله لصاع تمر في شنّ بال أحبّ إليّ ممّا سأل محمّد ربّه أفلا سأله ملكاً يعضده أو كنزاً يستظهر به على فاقته فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أوّلها فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ الآية.

والعيّاشيّ عن زيد بن أرقم قال : إن جبرئيل الرّوح الأمين نزل على رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بولاية علّي بن أبي طالب عليه السلام عشيّة عرفة فضاق بذلكَ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم مخافة تكذيب أهل الإفك والنّفاق فدعا قوماً أنا فيهم فاستشارهم في ذلك ليقوم به في الموسم فلم ندر ما نقول له وبكى فقال له جبرئيل يا محمّد أجزعت من أمر الله فقال كلّا يا جبرئيل ولكن قد علم ربّي ما لقيت من قريش إذ لم يقرّوا لي بالرسالة حتّى أمرني بجهادهم وأهبط إليّ جنوداً من السماء فنصروني فكيف يقرّون لعليّ عليه السلام من بعدي فانصرف عنه جبرئيل فنزل عليه فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما الآية.

(١٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ (١) مِثْلِهِ في البيان وحسن النظم

__________________

(١) وهذا صريح في التحدّي وفيه دلالة على جهة إعجاز القرآن وإنّما هي البلاغة والفصاحة في هذا النّظم المخصوص لأنّه لو كان جهة الإعجاز غير ذلك لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاق لأنّ البلاغة ثلاث طبقات فأعلى طبقاتها معجز وأدناها وأوسطها ممكن فالتحدّي في الآية انّما وقع في الطّبقة العليا منها ولو كان وجه الإعجاز الصّرف لكان الرّكيك من الكلام أبلغ من باب الإعجاز والمثل المذكور في الآية لا يجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس لأنّ مثله في الجنس يكون حكاية فلا يقع بها التحدّي وانّما يرجع ذلك الى ما هو متعارف بين العرب في تحدّي بعضهم بعضاً كما اشتهر في مناقضات امرئ القيس وعلقمة وغيرها م ن.

٤٣٥

مُفْتَرَياتٍ مختلقات من عند أنفسكم إن صحّ أنّى اختلقته من عند نفسي فانّكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه بل أنتم أقدر لتعلّمكم القصص وتعوّدكم الأشعارَ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إلى المعاونة على المعارضة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ انّه مفتر

(١٤) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ أيّها المؤمنون من دعوتموهم إلى المعارضة أو أيّها الكافرون من دعوتموهم إلى المعاونة فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ ملتبساً بما لا يعلمه الا الله ولا يقدر عليه سواه وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ واعلموا أن لا إله إلّا هو لأنّه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره لظهور عجز المدعوّين فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ثابتون على الإسلام راسخون فيه أو داخلون في الإسلام مخلصُون فيه.

(١٥) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها بإحسانه وبرّه.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : يعني فلان وفلان نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصّحّة والرياسة وسعة الرّزق وكثرة الأولاد وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ لا ينقصون شيئاً من أجورهم.

(١٦) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ لأنّهم استوفوا ما يقتضيه صور أعمالهم الحسنة وبقيت لهم أوزار العزائم السّيئة وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها أي في الآخِرة لأنّهم لا يريدونها وَباطِلٌ في نفسه ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنّه لم يعمل على ما ينبغي ولم يبق له ثواب في الآخرة ويجوز تعليق فيها بصنعوا وإرجاع الضمير إلى الدنيا.

القمّيّ يعني من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا أعطاه الله ثوابه في الدنيا وما كان له فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ.

(١٧) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ على برهان من الله يدلّه على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره والهمزة لانكار انْ يَعْقُبَ من هذا شأنه هؤلاء المقصرين

٤٣٦

هممهم وأفكارهم على الدنيا وان يقارب بينهم في المنزلة يعني أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ كمن يريد الحيوة الدنيا كيف وبينهما بون بعيد وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يتبعه شاهِدٌ يشهد له مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى يعني التّورية إِماماً وَرَحْمَةً.

في الكافي عن الكاظِم والرضا عليهمَا السلام : أمير المؤمنين عليه السلام الشاهد على رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ورسول الله عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ.

في المجمع عن أمير المؤمنين والباقر والرضا عليهم السّلام : أنّ الشاهد منه عليّ ابن أبي طالب عليه السلام يشهد للنّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم وهو منه.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : إنّما أنزل أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ إِماماً وَرَحْمَةً وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى وعن الباقر عليه السلام : إنّما نزلت أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ يعني رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وَيَتْلُوهُ عليّ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ فقدّموا وأخّروا في التأليف.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : الذي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم والذي تلاه من بعده الشاهد منه أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام : ما من رجل من قريش إلّا وقد نزل فيه آية أو آيتان من كتاب الله فقال رجل من القوم فما نزل فيك يا أمير المؤمنين فقال أما تقرأ الآية التي هي في هود أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ محمّد عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وأنا الشاهد وفي الأمالي والبصائر : مثله وفي الأمالي : وأنا الشاهد وأنا منه وفي البصائر : وأنا شاهد له فيه واتلوه معه.

أقول : وعلى هذه الرواية يكون المراد بالبيّنة القرآن ويكون يَتْلُوهُ من التّلاوة.

وفي الاحتجاج : أنّه سئل عن أفضل منقبة له فتَلا هذه الآية وقال أنا الشاهد

٤٣٧

من رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وفيه في حديث : قال له بعض الزّنادقة وأجد الله يخبر أنّه يتلو نبيّه شاهِدٌ مِنْهُ وكان الذي تلاه عبدة الأصنام برهة من دهره فقال عليه السلام وأمّا قوله وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ فذلك حجّة الله أقامَها الله على خلقه وعرّفهم أنّه لا يستحق مجلس النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلّا من يقوم مقامه ولا يتلوه الا من يكون في الطهارة مثله بمنزلته لئلّا يتسع من ماسّه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق لمقام الرّسُول وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه إذ كان الله حظر على من مسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله تعالى لإبراهيم لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ أي المشركين لأنّه سمّى الشّرك ظلماً بقوله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فلمّا علم إبراهيم أن عهد الله لا ينال عبدة الأصنام قال وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ واعلم انّ من آثر المنافقين على الصادقين والكفّار على الأبرار فقد افترى على اللهِ اثماً عظيماً إذ كان قد بيّن في كتابه الفرق بين المحق والمبطل والطاهر والنّجس والمؤمن والكافر وانّه لا يتلو النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم عهده عند فقده إلّا من حلّ محله صدقاً وعدلاً وطهارة وفضلاً وفي المجمع عن الحُسين بن عليّ عليه السلام : الشاهد من الله محمّد.

أقول : وعلى هذا فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ يعمّ كلّ مؤمن مخلص ذا بصيرة في دينه وهذا لا ينافي نزوله في النّبي والوَصيِّ والى التعميم نظر من فسّر الشاهد بالقرآن أي شاهد من الله يشهد بصحته أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ بالقرآن أو بالرّسول وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ من أهل مكّة ومن تحزب معهم على رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يردها لا محالة.

في المجمع عن النبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم : لا يسمع بي أحد من الأمة لا يهودي ولا نصراني ثمّ لا يؤمن بي إلّا كان من أهل النار فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ مِن القرآن أو الموعد.

والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : من ولاية عليّ عليه السلام إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ

٤٣٨

رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.

(١٨) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

(١٩) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ عن دينه وَيَبْغُونَها عِوَجاً يطلبون لسبيل الله زيغاً عن الاستقامة يحرّفونها بالتأويل أو يبغونها بالانحراف عن الحق والصواب وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.

العيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : هم أربعة ملوك من قريش يتبع بعضهم بعضاً.

أقول : الملوك الأربعة الثلاثة ومعاوية.

وعن الصادق عليه السلام : الْأَشْهادُ هم الأئمّة عليهم السلام.

القمّيّ يعني بالإشهاد الأئمّة عليهم السلام أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ آل محمّد حقهم يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ عن طريق اللهِ وهي الإمامة يَبْغُونَها عِوَجاً حرّفوها إِلى غيرها.

(٢٠) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يمنعونهم من العقاب لو أراد عقابهم ولكنه أخّر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشدّ وأدوم يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ لتصامّهم عن الحق وبغضهم له.

القمّيّ قال ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين عليه السلام وَما كانُوا يُبْصِرُونَ لتعاميهم عن آيات الله.

(٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ خسروا بما بذلوا وضاع عنهم ما حصّلوا فلم يبق معهم سوى الحَسرة والندامَة.

القمّيّ بطل الَّذينَ دعوه غير أمير المؤمنين عليه السلام.

٤٣٩

(٢٢) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ لا أحد أبين وأكثر خُسرْاناً منهم.

(٢٣) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ اطمأنوا إليه وخشعوا له أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

(٢٤) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ الكافر والمؤمن كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ كالأعمى وكالأصمِّ أو كالأعمى الأصمِ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ كالبصير وكالسَّميع أو كالبصير السميع وذلك لتعامي الكافر عن آيات اللهِ وتصامه عن استماع كلام الله وتأبيّه عن تدبّر معانيه هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ بضرب الأمثال والتّأمّل فيها.

(٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ بأنّي لكم وقرئ بالكسر نَذِيرٌ مُبِينٌ بيّن لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص.

(٢٦) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ مؤلم قد سبق ذكر اسم نوح ونسبه وشريعته والبشارة به في سورة الأعراف.

(٢٧) فَقالَ الْمَلَأُ الاشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا لا مزيّة لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا أخسّاؤنا.

القمّيّ يعني الفقراءُ وَالمساكين بادِيَ الرَّأْيِ ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أوّل الرأي من البَدء وانّما استرذلوهم لفقرهم فانّهم لما لم يعلموا الا ظاهراً من الحيوة الدنيا كان الأحظّ بها أشرف عندهم والمحروم أرذل وَما نَرى لَكُمْ لك ولمتّبعيك عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يؤهّلكم للنّبوة واستحقاق المتابعة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ أنت في دعوى النبوّة وإيّاهم في دعوى العلم بصدقِك.

(٢٨) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي حجّة شاهدة بصدق دعواي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ بايتاءِ البيّنة أو النّبوة فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ فخفيت

٤٤٠