علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري
المحقق: الدكتور جميل عبدالله محمد المصري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN: 9960-03-367-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥٦
ليلة (١) ، وفي رواية سبع عشرة ، وفي رواية ثماني عشرة ، وفي رواية بضع عشرة ، وفي رواية عشرة ليال يقصر بها الصلاة. وكان ينزل بأعلى مكة.
[مسيره صلىاللهعليهوسلم إلى حنين وخلفاؤه في مكة]
ثم رحل إلى حنين ، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد «بفتح الهمزة» ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس (٢) بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي الأموي ، أسلم يوم الفتح ، فولاه صلىاللهعليهوسلم مكة عند مخرجه إلى حنين في العشر الأول من شوال ، سنة ثمان من الهجرة ، وهو ابن إحدى وعشرين سنة ـ قاله ابن إسحاق وغيره (٣).
وذكر ابن عقبة (٤) : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لما خرج إلى حنين ، استخلف معاذ بن جبل الأنصاري على أهل مكة ، وأمره أن يعلم الناس القرآن ، ويفقههم في الدين» /.
وذكر ابن عبد البر والطبري (٥) : «أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لما سار إلى حنين
__________________
ـ الحلبي ـ السيرة الحلبية ٣ / ٥٨ ، المقريزي ـ امتاع الأسماع ١ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، الفاسي ـ العقد الثمين ١ / ١٦٠.
(١) في (د) «ثمانية عشر».
(٢) أضاف ناسخ (د) «ابن عبد مناف».
(٣) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٤٤٠ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٣ / ٣١٥.
(٤) أي موسى بن عقبة المحدث الثقة ، من تلاميذ الزهري. توفي سنة ١٤٠ ه. انظر : الذهبي ـ سير أعلام النبلاء ٦ / ١١٥. والخبر ذكره ابن جرير الطبري مع ذكره لعتاب بن أسيد ـ تاريخ ٣ / ٣٣٥ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى في أخبار أم القرى ١ / ٥٢٨.
(٥) ابن عبد البر ـ أبو عمرو يوسف بن عبد الله النمري القرطبي المالكي. توفي سنة ٤٦٣ ه. وكتابه : الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ ترجمة هبيرة بن شبل بن العجلان بن عتاب الثقفي ٣ / ٦١٦ ـ ٦١٧. وذكر أن ذلك عن الطبري ، ولكني لم أجد ذلك في تاريخ الطبري.
استخلف على مكة هبيرة بن شبل ـ وهو أول من صلى بمكة جماعة بعد الفتح».
وجمع العلامة الفاسي (١) بين الروايات الثلاث : «أن عتابا جعل أميرا ، ومعاذا إماما وفقيها ، واشترك هبيرة مع معاذ في الإمامة ، ولا يعارض هذا كون هبيرة (أول من صلى بمكة جماعة بعد الفتح ، لإمكان أن يكون حضر وقت الصلاة وهبيرة حاضر ومعاذ غائب) (٢) ، فتقدم هبيرة وصلى بالناس ليحصل فضيلة أول الوقت ، ثم حضر معاذ وصلى بمن لم يدرك الصلاة مع هبيرة».
وهذا أحسن من جعل الأخبار متعارضة.
قال القاضي ابن جار الله (٣) : «وقد أجاد الفاسي ، فإن ولاية (٤) عتاب مما بلغ مبلغ التواتر».
وقال الزبير بن بكار (٥) : «حدثني محمد بن سلام عن حماد بن سلمة عن الكلبي في قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٦) ـ قال : عتاب بن أسيد» ـ انتهى ـ.
ولم يزل عتاب واليا على مكة إلى أن مات ، وكانت وفاته بمكة يوم وفاة أبي بكر الصديق صلىاللهعليهوسلم بالمدينة (٧) ، وقيل يوم ورود مكة نعي (٨) أبي
__________________
(١) الفاسي ـ شفاء الغرام ٢ / ٢٥٣.
(٢) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج) وبدله «حاضرا ومعاذ غائبا».
(٣) ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ١٧٦.
(٤) في (ج) «رواية».
(٥) انظر : ابن حجر ـ الاصابة ٢ / ٤١٥.
(٦) سورة الاسراء الآية ٨٠.
(٧) ابن الأثير ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ / ٥٥٦.
(٨) كتب ناسخ (د) «لقي أبي بكر» ثم شطبها وذكر في الهامش «لعله خبر وفاة أبي بكر».
بكر.
وكان لما بلغه وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم ، خاف على نفسه واختفى ، فقام سهيل بن عمرو ، وخطب الناس خطبة ثبت الله بها قلوب الناس ، فكان مصداق قوله صلىاللهعليهوسلم لعمر بن الخطاب رضياللهعنه في يوم الحديبية (١) لما أراد البطش بسهيل بن عمرو : «عسى أن يقوم مقاما تحمده».
ونقل ابن عبد البر (٢) ما يقتضي «أن أبا بكر الصديق رضياللهعنه عزل عتابا ، وولى الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب» ـ وهو ضعيف ـ والمشهور الأول.
فائدة :
طرأ لعتاب بن أسيد سفر ، فاستخلف على مكة المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف (٣) إلى أن رجع من سفره. وكان ذلك زمن أبي بكر رضياللهعنه.
وحج بالناس عتاب سنة ثمان من الهجرة (٤) بعد أن رجع صلىاللهعليهوسلم [المدينة](٥).
__________________
(١) وذلك عن طريق أبي جندل بن سهيل بن عمرو. انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٣١٨ ، والصحيح أن ذلك حصل يوم أسر سهيل في بدر ـ أسره مالك بن الدخشم ـ السيرة ١ / ٦٤٩.
(٢) في (ج) «عبد الله». وهو خطأ. انظر : ابن عبد البر ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ ترجمة الحارث بن نوفل بن عبد المطلب ١ / ٢٩٧.
(٣) انظر : ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٣٦٨.
(٤) ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٥٠٠.
(٥) زيادة من (د).
[حج الصديق رضياللهعنه بالناس سنة ٩ ه]
وفرض الحج سنة تسع ، وحج بالناس في هذه السنة ـ سنة تسع (١) ـ أبو بكر الصديق بن أبي قحافة رضياللهعنهما. وصادف وقت الحج أن كان في ذي الحجة (٢).
فائدة ـ ينبغي حفظها ـ :
وهو ما ذكره العلامة عبد القادر الطبري في رسالة له تتعلق بفضل ليلة النصف من شعبان ، عند الكلام على الأشهر الحرم ، ما نصه بعد سابقة كلام :
«وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان العرب يحلون عاما شهرا ، وعاما شهرين ، ولا يصيبون الحج إلّا في كل ستة وعشرين سنة مرة واحدة ، وهو النسيء الذي ذكره الله. فلما كان عام حج الصديق بالناس ـ يعني في السنة التاسعة ـ وافق ذلك العام الحج ، فسماه الله يوم الحج الأكبر. فخرج صلىاللهعليهوسلم العام المقبل ، فاستقبل الناس الأهلة ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إن الزمان قد استدار ـ الحديث ـ. وقيل ان استدارته كانت عام الفتح ، ففي حديث عن البزار وفي سنده ضعف جدا : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم يوم الفتح : ان هذا العام الحج الأكبر ، قد اجتمع فيه حج المسلمين والمشركين في ثلاثة أيام متتابعات ، واجتمع حج اليهود والنصارى في ستة أيام متتابعات ، ولم يجتمع منذ خلق الله
__________________
(١) سقطت من (ب) ، (د).
(٢) في (د) «ذي القعدة». وهو خطأ مخالف للسياق. انظر في ذلك : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٥٤٣ ، ابن سعد ـ الطبقات الكبرى ٢ / ١ / ١٢١ ، خليفة بن خياط ـ تاريخ ٩٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٩ / ١١٥ ـ ١١٦ ، ابن كثير ـ البداية والنهاية ٥ / ٣٧ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٨٦.
السماوات والأرض ، ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة.
وما ذكر في حج الصديق رضياللهعنه ففيه خلاف : وقيل أنه كان في ذي القعدة ، إلا أن الأول قال به جماعة ، ورجحه الإمام أحمد ، واستدل به بأن عليا رضياللهعنه أمر فيها أن ينادي : لا يحج بعد العام مشرك. وفي رواية : واليوم يوم الحج الأكبر ، وسمى الله في أوائل سورة براءة يوم النداء ، يوم الحج الأكبر ، فاستلزم وقوع النداء في ذي الحجة" ـ انتهى المقصود منه والله الموفق.
[حجة الوداع]
وحج صلىاللهعليهوسلم سنة عشرة حجة الوداع :
خرج من المدينة يوم الخميس ، لخمس بقين من ذي القعدة ، ودخل مكة يوم الخامس من ذي الحجة.
وذكر الشيخ محيي الدين في مسامراته (١) : «أنه خرج لست بقين من ذي القعدة نهارا ، بعد أن صلى الظهر بالمدينة ، والعصر من ذلك اليوم بذي الحليفة ، وبات بها ليلة الجمعة ، واستهل ذي الحجة ليلة الخميس بالبيداء ، وهي الليلة الثامنة (٢) من خروجه صلىاللهعليهوسلم. وبات بذي طوى ليلة الأحد لأربع خلون من ذي الحجة ، وصلى الصبح (٣) بذي طوى ،
__________________
(١) أي محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ١ / ٥٠. واعجاب السنجاري بابن العربي كبير وهو الصوفي الكبير. ودليل ذلك قوله بعد ذكر اسمه «أعاد الله علينا من بركاته». مما يظهر الاتجاه الصوفي الذي تغلغل في الأمة الإسلامية وكان من أسباب ضعفها وتخلفها. انظر : حاضر العالم الإسلامي للمحقق ١ / ٥٠.
(٢) في (أ) «الثانية». وهو خطأ.
(٣) سقطت من (ج).
ودخل مكة صبيحة يوم (١) الأحد في التاريخ المذكور».
والكلام في حجة / الوداع شهير طويل (٢) ، والحاصل أن الحج فرض سنة تسع ، وحج صلىاللهعليهوسلم سنة عشرة حجة الفرض ، وكان حج قبلها مرتين (٣) قبل فرض الحج ، بمعنى أنه خرج مع قريش.
[وفاته صلىاللهعليهوسلم]
ثم أنه صلىاللهعليهوسلم رجع إلى المدينة ، وتوفي بها يوم الاثنين بلا خلاف لاثن (٤) عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة ، لتمام عشر سنين من الهجرة ، حين زالت الشمس. وقيل في شدة الضحى. وله من العمر ثلاث وستون سنة فيما رواه البخاري (٥) ، وفي مسلم (٦) خمس وستون سنة.
ووفق أبو حاتم (٧) بين الروايتين بدخول عامي (٨) الولادة والوفاة في قول من قال خمسا وستين سنة.
ودفن ببيت السيدة عائشة رضياللهعنها يوم الثلاثاء ، وقيل يوم
__________________
(١) سقطت من (ب) ، (د).
(٢) انظر في ذلك : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٦٠١ ـ ٦٠٦. وقد استوفى الحديث في ذلك ابن كثير رحمهالله في البداية والنهاية ٥ / ١٠٩ ـ ٢١٤.
(٣) في (ج) «حجتين».
(٤) في النسخ «لاثني». والاثبات من المحقق.
(٥) صحيح البخاري ٣ / ٦٩.
(٦) صحيح مسلم. وانظر في ذلك : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٣٤ ـ ٣٥.
(٧) أبو حاتم الرازي.
(٨) في (ج) ، (د) «عام».
الأربعاء (١).
وكانت المصيبة العظمى على المسلمين بفقده صلىاللهعليهوسلم.
روى أبو داود (٢) عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال في مرض موته : «إن أحدا من الناس ، أو من المؤمنين أصيب بمصيبة ، فليتعزّ (٣) بمصيبته فيّ عن المصيبة التى تصيبه ، فإنّ أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ (٤) عليه من مصيبتي" ـ انتهى ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
__________________
(١) انظر : ابن هشام ـ السيرة ٢ / ٦٦٤ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ١٩ ، ٣١ ، ابن سيد الناس ـ عيون الأثر ٢ / ٣٣٥ ، ابن كثير ـ البداية ٥ / ٢٧٠ ، المقريزي ـ امتاع الأسماع ١ / ٥٤٨.
(٢) سنن أبي داود ـ سليمان بن الأشعث بن اسحاق الأزدي السجستاني.
(٣) في (ج) ، (د) «فليعتز».
(٤) سقطت من (ج).
أخبار مكة وولاتها في عصر الخلفاء
الراشدين رضياللهعنهم
(١١ ـ ٤١ ه)
[خلافة أبي بكر الصديق رضياللهعنه]
فولي الخلافة بعده أفضل الأمة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم (١) بن مرة ، ومن هنا يجتمع مع النبي صلىاللهعليهوسلم.
وأمه : أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو (٢) بن كعب ابن سعد (٣) بن تيم (٤) بن مرة ، بنت عمه ، بايعت النبي صلىاللهعليهوسلم بدار الأرقم ، وماتت مسلمة.
ومولده صلىاللهعليهوسلم بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما.
والكلام في الخلفاء مفرد بالتأليف (٥).
قال الواقدي (٦) : «وأمرّ على الحج عمر بن الخطاب رضياللهعنه سنة إحدى عشرة». فحج بالناس عمر سنة إحدى عشرة ، ثم اعتمر أبو بكر رضياللهعنه في رجب سنة اثنتي عشرة.
ثم حج بالناس ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله
__________________
(١) في (د) «تميم» وهو خطأ. وانظر ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٢٤٤.
(٢) سقطت من (د).
(٣) سقطت من (ب) ، (د).
(٤) في (د) «تميم». وهو خطأ.
(٥) انظر مثلا : القضاعي ـ تاريخ ، السيوطي ـ تاريخ الخلفاء ، العمراني ـ تاريخ الخلفاء.
(٦) في حين ذكر ابن جرير الطبري : «أن عتاب بن أسيد أمّر على الموسم ، وقيل عبد الرحمن بن عوف عن تأمير أبي بكر إياه بذلك» ـ تاريخ ٤ / ١٥٨. وأضاف خليفة بن خياط : «ويقال عمر بن الخطاب». تاريخ خليفة ص ١١٧. أما خبر الواقدي ففي سنة ١٢ ه. انظر : ابن جرير الطبري ٤ / ٢٠٤.
عنه (١).
واستمر صلىاللهعليهوسلم خليفة سنتين وأربعة أشهر ـ هكذا قاله الجلال السيوطي في تاريخ الخلفاء (٢). وقال القاضي في جامعه (٣) : «سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام». وهو الذي صححه المحب الطبري في الرياض النضرة (٤).
وتوفي صلىاللهعليهوسلم في جمادى الآخرة ، وقال القاضي (٥) : «في ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء. وقيل يوم الجمعة (٦) لسبع بقين من الشهر المذكور ، والأصح أنه ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة».
ومولده بعد النبي / صلىاللهعليهوسلم بأشهر ، وعاش ثلاثا وستين سنة (٧).
__________________
(١) خليفة بن خياط ـ تاريخ خليفة ص ١١٩.
(٢) تاريخ الخلفاء. وفيه : «ولي أبو بكر سنتين وسبعة أشهر» ص ٨٦. أما ما نقله السنجاري فهو عند ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٢٣٩.
(٣) الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص ١٤٧.
(٤) الرياض النضرة في فضائل العشرة البررة. وذكر خليفة : «كانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما ويقال عشرة أيام» ـ تاريخ خليفة ص ١٢٢.
(٥) ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ١٤٧. وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٢٤١.
(٦) سقطت من (ج).
(٧) أضاف ناسخ (د) «وكان ما عاش بعد النبي صلىاللهعليهوسلم ما سبقه به بالولادة». وهذا قول أبي معشر. انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٢٣٩. ولا يناسب ما ذكره السنجاري من مولده. ويكاد يجمع المؤرخون على أن سنه عند وفاته رضياللهعنه ٦٣ سنة. انظر مثلا : ابن خياط ـ تاريخ خليفة ص ١٢١ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٤ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠.
وفي أيامه كان على مكة عتاب بن أسيد ـ وتقدم الكلام في وفاته.
[خلافة عمر بن الخطاب رضياللهعنه]
واستخلف أبو بكر عمر بن الخطاب رضياللهعنه :
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب (١). يجتمع مع النبي صلىاللهعليهوسلم في كعب.
وأمه حنتمة (٢) بنت هاشم (٣) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. وكناه صلىاللهعليهوسلم بأبي حفص يوم بدر ، وسماه الفاروق ، واختلف في معنى الفاروق على أقوال (٤).
وكان طوالا من الرجال ، أصلع ، شديد حمرة العينين ، خفيف العارضين.
مولده بعد ثلاثة أشهر من عام الفيل (٥).
__________________
(١) انظر نسبه رضياللهعنه في : مروج الذهب ٢ / ٣١٣ ، القضاعي ـ تاريخ ٨٩ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ الطبري ٥ / ١٨٧.
(٢) في (ج) «خيثمة». وفي الجامع اللطيف ص ١٤٧ «خنتمة». وهو خطأ.
(٣) في البداية والنهاية «هشام» والصحيح هاشم ، انظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٥ / ١٨٧ ، ابن خياط ـ تاريخ ١٢٢.
(٤) انظر في ذلك : ابن سعد ـ الطبقات ٣ / ١ / ١٩٤ ، ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٥ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، المسعودي ـ مروج الذهب ٢ / ٣١٣ ، القضاعي ـ تاريخ ٢٨٩ ، ٢٩٠.
(٥) وهذا خطأ لا يتناسب مع ما قيل من سنه يوم وفاته رضياللهعنه. انظر حول مولده ووفاته وسنه ـ ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٥ / ١٨٩ ـ ١٩٠ ، والصحيح أن مولده بعد الفيل بثلاث عشرة سنة ، انظر : ابن خياط ـ تاريخ ص ١٥٣ ، ابن حجر ـ الاصابة ٢ / ٥١١.
قال محمد بن سعد (١) : «أن عمر رضياللهعنه استعمل على الحج أول سنة ولي : عبد الرحمن بن عوف رضياللهعنه ، ثم لم يزل عمر يحج بالناس في خلافته كلها. واعتمر في خلافته ثلاثة عمر» ـ انتهى ـ.
[ولاة مكة وأخبارها في عهد عمر رضياللهعنه]
وتولى الخلافة يوم وفاة أبي بكر رضياللهعنه ، فولي مكة في خلافته : المحرز ابن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى (٢) ، ثم وليها قنفذ بن عمير (٣) بن جدعان التيمي ، ثم نافع بن عبد الحارث الخزاعي (٤).
فائدة :
خرج نافع بن عبد الحارث للقاء عمر رضياللهعنه مرة إلى عسفان ، واستخلف على مكة عبد الرحمن بن أبزى مولى خزاعة (٥) ، فأنكر عليه عمر رضياللهعنه استخلافه لعبد الرحمن ، فلما رأى غضبه (٦) ، قال : «يا أمير المؤمنين ، إنه أقرأهم وأعلمهم». فهان ما بعمر رضياللهعنه.
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٣ / ١ / ٢٠٣ ، وانظر : الطبري ـ تاريخ ٤ / ٣٠٢.
(٢) ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ـ الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ١٣٤.
(٣) في (د) «عمر». وهو قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي ـ تيم بني مرة القرشي. انظر عنه : ابن عبد البر ـ الاستيعاب ٣ / ٢٨٠ ، ابن حجر ـ الاصابة ٣ / ٢٤١ (والد المهاجر) ، الفاسي ـ العقد الثمين ٧ / ٧٦.
(٤) انظر عنه : الاستيعاب ٣ / ٢٨٠ ، ٥٣٩ ، الاصابة ٣ / ٥٤٥ ، العقد الثمين ٧ / ٣٢٠.
(٥) انظر عنه : الاستيعاب ٢ / ٤١٧ ـ ٤١٨ ، الاصابة ٢ / ٣٨٩.
(٦) في (أ) ، (د) «تعبه». والاثبات من (ج) وهامش (ب). وغضب عمر رضياللهعنه لا لكون ابن أبزى مولى ، وانما لحرصه على أن لا يلي مكة إلا أحد أبنائها.
وممن ولي مكة زمن عمر خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة (١). وقال الفاسي : «أحمد بن خالد بن العاص ثم طارق بن المرتفع بن الحارث بن عبد مناة» ـ ذكرهما الفاسي (٢) ـ والحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القرشي. ونقل الذهبي (٣) : «أن الحارث هذا ولي مكة لأبي بكر رضياللهعنه» ـ وهو ضعيف ـ ذكره القاضي في جامعه (٤).
[توسعة المسجد الحرام وخبر مقام إبراهيم]
وكانت الكعبة في هذه المدة على بناء قريش ، إلا أن البيوت زادت حولها لكثرة المسلمين ، فرأى أمير المؤمنين عمر رضياللهعنه أن يزيد في المسجد.
روى القطب الحنفي عن الأزرقي (٥) بسنده إلى خالد [عن](٦) ابن جريج قال : «كان المسجد ليس عليه جدران ، وانما كانت دور قريش محدقة به ، غير أن بين الدور أزقة (٧) يدخل منها الناس للمسجد. فلما كان زمن عمر رضياللهعنه وضاق المسجد ، اشترى عمر دورا فهدمها (٨) ، وأدخلها في المسجد».
__________________
(١) وهو مخزومي. انظر عنه : الفاسي ـ العقد الثمين ٤ / ٢٦٨.
(٢) في العقد الثمين ١ / ١٦١.
(٣) سير أعلام النبلاء ١ / ١٩٩. وذكر ابن حجر عن ابن سعد قال : صحب الحارث بن نوفل النبي صلىاللهعليهوسلم ، فاستعمله على بعض عمله بمكة ، وأقره أبو بكر وعمر وعثمان. ثم انتقل الى البصرة ومات بها آخر خلافة عثمان». الاصابة ١ / ٢٩٢.
(٤) ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ص ١٧٦.
(٥) أخبار مكة ٢ / ٦٨ ، ٦٩ ، وانظر ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٥ / ٤٤.
(٦) زيادة ضرورية من الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٦٨.
(٧) في الأزرقي «أبوابا». أخبار مكة ٢ / ٦٨.
(٨) سقطت من (ب) ، (ج) ، (د).
قال القطب : «وكانت زيادته هذه سنة سبعة (١) عشر من الهجرة ، وقيل ثمانية عشر ، والله أعلم».
وسبب ذلك (٢) : أنه أتى مكة سيل عظيم ، ودخل المسجد ، وذهب بمقام إبراهيم إلى أسفل مكة ، وأخذ أم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، فلما جفّ الماء وجدوا المقام أسفل مكة ، فأتوا به ، وألصقوه بالكعبة ، وكتبوا إلى عمر رضياللهعنه ، فورد مكة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام (٣) ، وسأل : «هل أحد عنده علم بمحل الحجر؟». فقال المطلب بن وداعة السهمي (٤) ، وقيل رجل من آل عائذ (٥) بن عبد الله بن مخزوم ـ والأول أشهر : «أنا كنت أخاف عليه مثل (٦) هذا ، فأخذت قياسه من محله إلى الحجر».
فأجلسه عمر رضياللهعنه عنده ، وقال له : «ابعث فأتني بالقياس» فأتي بالمقياس من بيت المطلب أو الرجل الآخر (٧) ، فوضع عمر رضياللهعنه المقام في محله الآن (٨).
__________________
(١) في (ب) ، (ج) «ستة».
(٢) انظر تفصيل ذلك عند الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٣٣ ـ ٣٤. وانظر : ابن جرير الطبري ـ تاريخ ٥ / ٨١.
(٣) أي عام ١٨ ه. كما ذكر الطبري ٥ / ٨١ «على زعم الواقدي».
(٤) في النسخ جميعها «السلمي». والاثبات من أخبار مكة للأزرقي ٢ / ٣٤.
(٥) في (د) «عابد».
(٦) في (ج) «من».
(٧) سقطت من (ب) ، (ج).
(٨) هكذا ذكر الأزرقي في أخبار مكة ٢ / ٣٤.
فائدة :
قال العلامة النووي (١) رحمهالله : «هذا الموضع الذي فيه المقام اليوم هو الموضع الذي كان فيه في الجاهلية ، وفي زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعده إلى عصرنا هذا (٢) لم يتغير ، إلا أنه جاء سيل زمن عمر رضياللهعنه ..." ـ وذكر القصة ، ثم قال :
«وهو الآن [موضوع](٣) في موضعه (٤) الذي كان فيه».
وذكر الأزرقي مثله (٥) ، ونقل المحب الطبري (٦) عن مالك ما يخالف ما تقدم ، وأن المقام كان في زمن إبراهيم عليهالسلام في موضعه هذا ، وأن الجاهلية ألصقوه بالبيت ، فكان كذلك في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعهد أبي بكر رضياللهعنه / ، فلما ولي عمر رضياللهعنه رده بعد أن قاس موضعه بخيوط (٧) قديمة قيس بها (حين أخبروه) (٨) [فأخروه](٩)».
وحكى ابن عتبة (١٠) ما يوافق كلام (١١) مالك ، إلا أنه قال : «
__________________
(١) انظر : الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٣٢.
(٢) سقطت من (ب) ، (د).
(٣) زيادة من (د).
(٤) في (ب) «الموضع».
(٥) في كتابه : أخبار مكة ١ / ٢٧٥.
(٦) الفاسي ـ شفاء الغرام ١ / ٣٣٢.
(٧) في (ب) ، (ج) «بخوط».
(٨) ما بين قوسين سقط من (ب) ، (ج).
(٩) ما بين حاصرتين من (ب) ، (ج).
(١٠) في (ب) «قينة».
(١١) في (ج) «قول».
فأخره رسول الله صلىاللهعليهوسلم». ووافقه ابن عروبة (١) في الأوائل.
وذكر الفاكهي (٢) خبرا يقتضي أن الولاة أخروه ، وكان إلى جانب الكعبة.
وذكر ابن سراقة (٣) ما نصه : «أن ما بين الباب ـ يعني باب الكعبة ـ ومصلى آدم عليهالسلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله (٤) عليه التوبة ، أرجح من تسعة أذرع. وهناك كان موضع مقام إبراهيم عليهالسلام ، وصلى صلىاللهعليهوسلم عنده حين فرغ من طوافه ركعتين ، وأنزل الله عليه : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(٥) ثم نقله صلىاللهعليهوسلم إلى الموضع (٦) الذي هو فيه الآن ، وذلك على عشرين ذراعا من الكعبة ، لئلا ينقطع الطواف بالمصلين خلفه. ثم ذهب به السيل في أيام عمر بن الخطاب رضياللهعنه إلى أسفل مكة ، فأتي به ، وأمر عمر رضياللهعنه برده إلى الموضع (٧) الذي وضعه فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فتحصل فيمن وضعه في موضعه الآن ثلاثة أقوال ـ والله أعلم. قلت (٨) : بل فيه خمسة أقوال ، ذكرها العلامة ابن الجزري (٩) الشافعي ،
__________________
(١) انظر : الفاسي ١ / ٣٣٤.
(٢) أخبار مكة للفاكهي ١ / ٤٥٥ رقم ٩٩٨ ، ٩٩٩.
(٣) محمد بن يحيى بن سراقة العامري أبو الحسن. فقيه شافعي ، صنف في فقه الشافعية والفرائض ورجال الحديث. وتوفي في حدود سنة ٤١٠ ه. انظر : السبكي ـ الطبقات الكبرى ٣ / ٨٦ ، الزركلي ٧ / ١٣٦.
(٤) في (ب) ، (ج) «وأنزلت». وفي (د) «وأنزل».
(٥) سورة البقرة الآية ١٢٥.
(٦) في (ج) «موضعه».
(٧) في (ج) «موضعه».
(٨) أي السنجاري.
(٩) ابن الجزري : هو محمد بن محمد بن ـ علي بن يوسف أبو الخير شمس الدين العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي ، شيخ الاقراء في زمانه ، من حفاظ الحديث. توفي سنة ٨٣٣ ه. انظر : السخاوي ـ الضوء اللامع ٩ / ٢٥٥ ، ٢٦٠ ، الزركلي ـ الاعلام ٧ / ٧ / ٤٥ ـ ٤٦. وفي (د) «ابن الجوزي».
في مؤلف أفرده بذكر المقام :
الأول : أن عمر رضياللهعنه أول من أخره (١).
الثاني : أن المقام كان في زمن إبراهيم عليهالسلام بمكانه اليوم ، ثم نقل في الجاهلية فألصق بالبيت ، وبقي كذلك زمن النبي صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر رضياللهعنه إلى زمن عمر رضياللهعنه حتى رده إلى هذا الموضع.
الثالث : أن الناقل له النبي صلىاللهعليهوسلم (٢) من عند البيت إلى هذا الموضع.
الرابع : أن عمر رضياللهعنه نقل المقام أوّلا إلى موضعه ، فلما أخذه السيل أعاده إلى موضعه بعد سؤاله عن موضعه.
الخامس : أن المقام كان في موضعه هذا زمن إبراهيم عليهالسلام ، وبقي على ذلك إلى سيل أم نهشل ، فأعاده عمر رضياللهعنه إلى محلّه الذي كان فيه».
وأطال (٣) في الاستدلال لكل وجه ، فراجعه إن شئت ، فليس هذا محله.
قلت : وبقي أن يسأل (٤) ، لو نقل هذا المقام إلى موضع آخر من
__________________
(١) في (ب) «أخذه». وهو خطأ.
(٢) أضاف ناسخ (د) «كان يصلي خلفه وهو موقف؟!» ولا لزوم لذلك.
(٣) أي ابن الجزري.
(٤) في النسخ الثلاث الأولى «السيل». والاثبات من (د).
المسجد ، فما محل (١) قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(٢)؟!. ولم أر من تكلّم على هذا.
وقضية ما تقدم من أنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي خلفه وهو ملصق بالبيت ، ثم نقل ، فصلى خلفه اعتبار الخلفية (٣) للمقام حيث كان ، إلا أني رأيت بخط العلامة الشيخ علي بن الجمال المكي الشافعي ما نصه :
«قال ابن قاسم في حاشية التحفة ما نصه :
قوله خلف المقام ـ لو نقل المقام عن محله الآن فالوجه (٤) اعتبار محله الآن ، فيصلى خلفه لا خلف المنقول إليه ، لأن فعله (٥) صلىاللهعليهوسلم بيّن أن خلف محله الآن هو المراد من الآية ، وأنه المشروع ، وأن وجود الحجر في ذلك المحل ـ أي في محله الآن ـ ليس إلا علامة على محل الصلاة ـ فليتأمل ، فالكلام بعد محل نظر». ـ انتهى ـ فليحرر ذلك.
هذا ما وجدته بخط المشار إليه (٦) وهو كما ذكر محل نظر لما قدمته ـ والله الموفق ـ فاحفظه فإنه نفيس.
وقد نظم بعضهم ما وقع في شأن المقام فقال :
بمكة من قديم جاء سيل |
|
فلما صار بالحرم الشريف |
رفع حجر المقام إلى جياد |
|
بقوة جريه الناكي العنيف |
شهادة أم نهشل فهي فيه |
|
بتقدير من الله اللطيف |
__________________
(١) في (د) «محل».
(٢) سورة البقرة الآية ١٢٥.
(٣) في (د) «الخليفة" خطأ.
(٤) في (د) «فلاوجه».
(٥) غير واضحة في (أ) ، (ب) ، (ج). وفي (د) «قوله».
(٦) أي علي بن الجمال المكي الشافعي.