مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-03-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٣
التسمية بعبد النبيّ ونحوه :
( عبد النبيّ الخاجة ـ البحرين ـ .... )
يجوز مجازاً :
س : يتّهمني البعض بأن اسمي محرّم ، ولا يجوز التسمية به ، لأنّه يحمل معنى عبادة الرسول صلىاللهعليهوآله ، فما رأيكم؟
ج : من الواضح لدى الجميع أنّ العبادة الحقيقيّة هي لله الواحد الأحد ، فكلمة العبد إن نُسبت إلى الله تعالى أو أسمائه ـ مثل : عبد الرحمن ، عبد الستّار ، و … ـ فالمراد منها المعنى الحقيقيّ من العبودية ، وإن نُسبت إلى غيره ـ كما هو الحال في اسمك ـ فالمراد منها معناها المجازي.
ومن البديهي جواز استعمال اللفظ في غير ما وضع له بأدنى ملابسة ومشابهة مجازاً ، كما في قولك : رأيت أسداً في حلبة المصارعة ، فليس المقصود فيه هو المعنى الحقيقيّ ( الحيوان المفترس ) ، بل المقصود هو الرجل الشجاع.
والمصحّح للاستعمال هو وجود المشابهة بين المعنى الموضوع له اللفظ وبين الرجل ، وهذه المشابهة هي الشجاعة ، وفي موردنا كذلك.
فلوجود المناسبة بين وجوب طاعة الله ، وطاعة النبيّ وآله عليهمالسلام ، جاز وصحّ استعمال لفظ العبد في غير ما وضع له ، فيكون مجازاً لا حقيقةً.
( عبد الرحمن ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٣ سنة )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
س : لفت نظري في الإجابة حول السؤال بالتسمية بعبد النبيّ ونحوه : أنّ
اللفظ غير مقصود لذاته ، إنّما ينصرف لقرينة تصرفه إلى معنى آخر ، وذكر مثال : رأيت أسداً في حلبة المصارعة ، وهذا مثال خاطئ ، باعتبار أنّ اللفظ هنا مقصود به الأسد الحقيقيّ وليس المجازي ، لأنّ الأسد قد يوجد في حلبة المصارعة ، كما عند الرومان في مصارعاتهم ، فأين القرينة الصارفة؟
ثمّ أنّ العبودية لها لفظ خاصّ بالشرع ، لا ينصرف إلاّ لله تعالى ، وإن تعدّد معناه في اللغة ، فهو مقيّد بالقيد الشرعيّ ، والله العالم.
ج : إنّ قولك ـ لأنّ الأسد قد يوجد في حلبة المصارعة ، كما عند الرومان في مصارعاتهم ـ قول غير سديد ، لأنّ ما ذكرته فرد نادر ، أو أندر بكثير من النادر ، حتّى أنّ الكثير لم يسمع به ، وعليه فتبقى القرينة الصارفة هي المعوّل عليها في الدلالة إليه ، وكذلك العبودية شأنها شأن لفظ الربّ الوارد في القرآن ، والمقصود منه في المقام غير الله تعالى ، كقوله : ( أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ) (١).
( باسل ـ الأردن ـ .... )
لا تنافي العبودية :
س : لماذا تسمّي الشيعة أبناءها بعبد الحسين ، وعبد الزهراء ، وغيرها من الأسماء؟ مع أنّ العبودية لله وحده؟
ج : إنّ الشيعة لم تقصد من هذه التسمية ما توهّمته من مفهوم العبودية لله تعالى ، بل إنّها ترمز للمحبّة والولاء للمورد ، فلا مشاحة في الألفاظ إن كان المقصود واضحاً ، فهذه كتب اللغة تصرّح : بأنّ من معاني العبودية هي الخدمة (٢).
وأيضاً العبد يطلق على المملوك (٣) ، فما المانع عقلاً وشرعاً أن يقصد الشيعيّ
____________
١ ـ يوسف : ٤١.
٢ ـ المنجد : مادّة عبد.
٣ ـ كتاب العين : مادّة عبد.
معنى الخادم؟ أو ينزّل نفسه منزلة المملوك من أئمّته عليهمالسلام ملكاً اعتباريّاً.
( عبد الرضا ـ الإمارات ـ ٢٦ سنة ـ طالب جامعي )
تعليق على الجواب السابق :
تعليق بسيط على جواب سماحتكم على من يطعن في الأسماء كعبد الرسول ، وعبد الحسين ، وغيرهما ، وهو : أنّ اللغة العربية بحر زاخر بمترادفات الألفاظ ، ومختلف المعاني الدالّة عليها ، فهل من يطعن في هذا من أهل الضاد أم بلسانه عجمة؟
فالعبد لغة هو الشخص الذي يكنّ العبادة لربّه ، وجمعه عباد ، وأيضاً بنفس اللفظة هو الشخص المملوك أو الخادم ، وجمعه عبيد.
إذاً فما ضرّ شخص أن يكون عبداً خادماً لرسول الله أو لأحد المعصومين الأطهار؟ بديهياً ما من مسلم يدّعي عبادة غير الله تبارك وتعالى.
أما كان زيد عبداً لرسول الله صلىاللهعليهوآله قبل أن يعتقه ليتبنّاه؟
أما كان بلال الصحابيّ ـ الذي ما انفك يقول أحد أحد ـ عبداً لأُمية بن خلف قبل أن يعتقه رسول الله صلىاللهعليهوآله بمال خديجة ، ووساطة أبي بكر لدى أُمية المشرك؟ وغير ذلك كثير.
وممّا يؤيّد هذا المعنى ترجمة أسماء عبد الرسول ، وعبد الحسين ، وعبد الرضا إلى اللغة الفارسية ، فتصبح غلام رسول ، وغلام حسين ، وغلام رضا ، ولا يخفى على العرب معنى كلمة غلام ، وموضع استخدامها.
( عبد الحسين ـ البحرين ـ ١٨ سنة ـ طالب )
تعقيب على الجواب السابق :
أُودّ أن أقول : بأنّي أوافق الأخ عبد الرضا في مسألة الاسم بعبد ، وسوف آتي بدليل على أنّ كلمة عبد من زمن قبل الإسلام وبعده ، فذلك عبد المطلب ، لماذا
سمّي بهذا الاسم؟ ألم يكن مملوكاً لعمّه المطلب ، فسمّي بعبد المطلب.
وهنا نلفت عنايتكم : بأنّ معنى عبد ليس العبودية والسجود والركوع لغير الله ، إنّما هي بمعنى خادم ليس إلاّ.
( قاسم الأسدي ـ العراق ـ .... )
تعقيب حول الموضوع :
س : هذه رسالة وجيزة في معنى العبد حسب النصوص الشريفة بقدر فهم الكاتب لها ، أُعدّت بهدف كشف اللبس عن فهم الشواهد المتشابهة لهذه اللفظة ، والاستدلال على مدى جواز استعمالها في التعبير الشرعيّ.
وممّا دعا إلى إعداد هذه الرسالة : اعتراض أحد المتخصّصين في اللغة العربية في كربلاء على تعبير : ( عبدك وابن عبدك وابن أمتك ) الوارد في زيارة الإمام الحسين عليهالسلام ، ودعوته السدنة في الروضة المباركة إلى رفع هذا التعبير من الزيارة ، بحجّة عدم جواز استعمال هذا اللفظ إلاّ مع الله جلّ شأنه ، منطلقاً من رأي شخصيّ لا تستند إلى حجّة شرعيّة.
أعلم أنّ لفظة عبد هي من المشترك اللفظي في المعنى المتدرج والمتشابه ، كلفظة ولي أو مولى ، حيث يراد بها مرّة الربّ ، ومرّة الرسول ، ومرّة الإمام ، وحسب السياق التأويلي لها بلا تضاد ، ولا تنافي في المعاني ، كونها ترد وترجع كلّها إلى المعنى الأصلي والأوّلي ، وهو ولاية الله جلّ شأنه ، ذلك بأنّ ولايتهم عليهمالسلام هي من ولاية الله تعالى ، لأنّها تمّت بأمره ورضاه ، بهذا فرض الله الجمع في هذه الولاية.
وعدم قبول الإيمان ببعض والكفر ببعض ، فلا تتمّ كلمة الإخلاص ( لا إله إلاّ الله ) وهي التوحيد إلاّ بشرطها وشروطها ، وقد ورد عن الرضا عليهالسلام قوله : ( أنا من شرطها وشروطها ) ، وورد أيضاً في الزيارة الجامعة الكبيرة لدى مخاطبة الأئمّة عليهمالسلام بأنّهم ( أركان توحيده ).
وتندرج في هذا النحو لفظة سيّد ، فالربّ هو سيّد السادات ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله سيّد الأنبياء والمرسلين والخلق أجمعين ، والإمام عليهالسلام سيّد الوصيين ، وبهذا يكون سيّد ما دون ذلك من الجنّ والإنس.
أمّا لفظة ربّ العالمين أو الربّ إذا وردت هكذا بالألف واللام مطلقة من غير إضافة تقيدها ، فلا يراد بها إلاّ الله تعالى من حيث الاسم الجامع للربوبية ، ولا تشترك.
اجتمعت لدينا ثلاث لفظات ، اثنتان مشتركة وواحدة متفرّدة ، ومقابل هذه الثلاثة لا نجد إلاّ لفظة عبد التي تكون بهذا من المشترك أيضاً.
وفي هذا الشأن أرى أنّ أفضل طريقة لمعرفة دلالة لفظة ما هي ، من خلال النظر في أضدادها الواردة في نفس السياقات النصّية.
فلا نجد في مقابل مولى أو السيّد إلاّ لفظة عبد نفسها ، على أن تجمع على عبيد وليس عباد.
فورد في المناجات : ( فنعم المولى أنت يا سيّدي ، وبئس العبد أنا ) (١).
وفي دعاء ختم القرآن : ( فقد يعفو المولى عن عبده ، وهو غير راض عنه ) (٢).
وفي مناجات أُخرى : ( مولاي يا مولاي أنت المولى وأنا العبد ، وهل يرحم العبد إلاّ المولى ، مولاي يا مولاي أنت المالك وأنا المملوك ، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك ) (٣).
وبذلك المعنى ـ أي عبد مقابل سيّد أو مولى ـ ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، فعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربّك؟
____________
١ ـ الكافي ٢ / ٥٩٤.
٢ ـ إقبال الأعمال ١ / ٤٥٤.
٣ ـ المزار الكبير : ١٧٤.
فقال له : ثكلتك أُمّك ، ومتى لم يكن؟ حتّى يقال : متى كان؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل ، وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية.
فقال : يا أمير المؤمنين أفنبيّ أنت؟
فقال : ويلك ، إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلىاللهعليهوآله ) (١).
لاحظ هنا كيف يصف الإمام عليهالسلام نفسه ، وقد جمع لفظة عبد على عبيد ، وليس عباد ، ممّا يدلّ على تعبّد الإمام عليهالسلام للنبيّ صلىاللهعليهوآله بالموالاة والسيادة.
وهو حقّاً أولى الناس بالتشرّف بهذه المنزلة ، التي تجعله أقرب الناس من الرسول بموالاته وطاعته ، حتّى رفعه الله ورسوله إلى درجة الأخوّة ، ومنزلة هارون من موسى ، وغير ذلك ، وقد قيل : ( من تواضع لله رفعه ).
وعن محمّد بن زيد الطبري قال : كنت قائماً على رأس الرضا عليهالسلام بخراسان ، وعنده عدّة من بني هاشم ، وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي ، فقال عليهالسلام : ( يا إسحاق ، بلغني أنّ الناس يقولون : إنّا نزعم أنّ الناس عبيد لنا ، لا وقرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ما قلته قط ، ولا سمعته من أحد آبائي قاله ، ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله ، ولكنّي أقول : الناس عبيد لنا في الطاعة ، موال لنا في الدين ، فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢).
لاحظ في هذا الحديث وغيره ، كيف أنّ الإمام عليهالسلام ينفي عن نفسه مفهوم العبودية لدى الناس بالتمليك القهري والجبر ، ويثبت عبودية الطاعة والولاية ، وبذلك يصحّح الإمام مفهوم عبد المتداولة لدى الناس آنذاك ، حيث يظنّوا أنّ العبد مملوك لهم من جميع الجهات ، ومن حقّهم التصرّف في كافّة شؤونه وإكراهه ، بل وإجباره على طاعة أوامر سيّده ، وهو مفهوم قومي أو عرفي
____________
١ ـ الكافي ١ / ٨٩.
٢ ـ المصدر السابق ١ / ١٨٧.
مختلف مع مفهوم الشرع ، الذي يقول : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) (١) ، بينما الشرع منزّل من الخالق المالك الحقيقيّ للعباد ، فكيف بالجبر إذاً ، وهو منافي للدين ، علماً بأنّ الإكراه هو الطاعة بغير رغبة ، والجبر بالقوّة.
ومن هذا تبيّن عدم قبول الأعمال من العبد ـ كالصلاة والزكاة مثلاً ـ بالإكراه ، أي بغير طيبة نفس ، من هذا يتّضح السبب من حثّ الشرع على عتق الرقاب ، ويقول الإمام الصادق عليهالسلام : ( ونحن نعتقهم ).
راجع كذلك الأحاديث في باب زيارة الأئمّة عليهمالسلام : ( أنا عبدك ومولاك في طاعتك ، والوافد إليك ، ألتمس كمال المنزلة عند الله ).
( يا موالي ، يا أبناء رسول الله ، عبدكم وابن أمتكم ، الذليل بين أيديكم ... ) (٢).
( وأشهد يا موالي ، وطوبى لي إن كنتم موالي أنّي عبدكم ، وطوبى لي إن قبلتموني عبداً ) (٣).
( وأشهدكم يا موالي ، بأبي أنتم وأُمّي ونفسي أنّي عبدكم ، وطوب لي إن قبلتموني عبداً ... ) (٤).
حيث تجد كيف فرض على الزائر أن يخاطبهم ، وهم بمنزلة السادة والموالي ، بينما هو بمنزلة العبد ، بل أنّه ينبغي أن يقول : ( وطوبى لي إن قبلتموني عبداً ) ، وإن لم يعترف لهم بذلك ، أو ينطوي قلبه عليه ، فقد أساء الأدب مع الربّ الذي جعل التقرّب إليه بالتعبّد لهم بالولاية والطاعة ، والتسليم الكامل.
ولاحظ في الحديث : عن سهل بن زياد قال : كتبت إلى أبي محمّد عليهالسلام سنة
____________
١ ـ البقرة : ٢٥٦.
٢ ـ المزار الكبير : ٨٨.
٣ ـ المصدر السابق : ٢٥٠.
٤ ـ بحار الأنوار ٩٩ / ١٥٣.
خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد : منهم من يقول : هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فإن رأيت يا سيّدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه ، فعلت متطوّلاً على عبدك.
فوقّع بخطّه عليهالسلام : ( سألت عن التوحيد ، وهذا عنكم معزول ، الله تعالى واحد أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ، ويصوّر ما يشاء ، وليس بصورة ، جلّ ثناؤه ، وتقدّست أسماؤه ، وتعالى عن أن يكون له شبيه ، هو لا غيره ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ) (١).
كيف أنّ الإمام عليهالسلام لم يعترض على سهل ـ الذي هو أحد أصحابه ـ حين قال له تطوّل على عبدك ، علماً بأنّ سهل كان على بيّنة من جواز إطلاق هذا اللفظ على نفسه ، مقابل سيّده ومولاه الإمام العسكريّ عليهالسلام.
وفي هذا السياق تجد أيضاً الأحاديث التي تجمع عبد الله على عبيد الله ، مقابل جهة السيادة والولاية لله على الناس جميعاً :
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ( من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدّث ، وخلفاً إذا وعد ، وخيانة إذا أؤتمن ، ثمّ ائتمنه على أمانة كان حقّاً على الله تعالى أن يبتليه فيها ، ثمّ لا يخلف عليه ولا يأجره ) (٢).
وبهذا المفهوم كما في أعلاه ، يصحّ بل يستحبّ التسمية بعبد النبيّ ، وعبد الحسين ، وأمثالهما.
ومثله أيضاً : عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )؟ قال : ( قال علي بن أبي طالب عليهالسلام : ليس عبد من عبيد الله ، ممّن امتحن الله قلبه للإيمان ، إلاّ وهو يجد مودّتنا على قلبه فهو يودّنا ،
____________
١ ـ التوحيد : ١٠١.
٢ ـ الكافي ٥ / ٢٩٩.
وما من عبد من عبيد الله ، ممّن سخط الله عليه ، إلاّ وهو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا ، فأصبحنا نفرح بحبّ المحبّ ، ونغتفر له ونبغض ) (١).
وبما أنّ هذه المنزلة تكون مشتركة اشتراكاً إيجابياً ، كما تبيّن آنفا ـ بين الله السيّد والمولى ، وبين أوليائه الذين جعلهم سادة وأولياء ـ بدلالة الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) (٢) ، والكثير من الأحاديث ، كحديث الغدير ، أو تشترك اشتراكاً قد يكون سلبيّاً ، كما في قوله تعالى : ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (٣) ، وقوله : ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (٤) ، من غير إضافتهم لله ، حيث توحي الآية أنّ العبيد هم الذين ظلموا أنفسهم باتخاذهم سادة وأولياء من الناس ، بغير أمر الله تعالى ورضاه ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ) (٥).
أمّا فيما يخصّ المعنى الثالث للفظة عبد ، فيأتي مقابل لفظة ربّ ، وروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال بعد كلام طويل لمدع كاذب : ( يرجو الله في الكبير ، ويرجو العباد في الصغير ، فيعطي العبد ما لا يعطي الربّ ) (٦).
فيظهر الإمام عليهالسلام المقابل للفظة عبد في هذا السياق ، وهو ربّ ، وكذلك يبيّن أنّ جمع عبد إذا وردت على هذا المعنى هو عباد ، وليس عبيد.
وأُنظر أيضاً ما علّمه الإمام عليهالسلام : فإذا جلس من نومه ، فليقل قبل أن يقوم : ( حسبي الله ، حسبي الربّ من العباد ، حسبي الذي هو حسبي منذ كنت ،
____________
١ ـ تأويل الآيات ٢ / ٤٤٦.
٢ ـ المائدة : ٥٥.
٣ ـ ق : ٢٩.
٤ ـ آل عمران : ١٨٢.
٥ ـ البقرة : ٢٥٧.
٦ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٢٦.
حسبي الله ونعم الوكيل ) (١).
ثمّ لاحظ ، كيف أنّ الإمام يربط حالة الجمع ـ عباد ـ مع العمل في الحديث :
عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله تعالى : ( وللهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) قال : ( نحن والله الأسماء الحسنى ، التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلاّ بمعرفتنا ) (٢).
فقد قرن عليهالسلام الناس الذين هم بمنزلة عباد وليس عبيد مع العمل ، وقبوله بمعرفتهم كون هذا العمل يمثّل أداء عبادي يوصف به العباد ، أو أنّ الناس سمّوا عباداً بعبادة الربّ ، وسمّوا عبيداً بالمنزلة والتواضع ، والاتباع وفرض الإطاعة ، وهي صفة ينبغي أن تكون مقدّمة من مقدّمات العمل العبادي ، الذي يرقى بالعبد لأن يكون عبداً صالحاً لله ، بقبول جميع أعماله ومضاعفتها ، بذلك جعل الإمام المعرفة هي السبيل الموصل لتلك المنزلة ، كيف لا ، وقد ورد في الزيارة الجامعة أنّ : ( من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم فقد عصى الله ) ، وكذلك : ( من والاكم فقد والى الله ).
والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
( صاحب محمّد مهدي ـ العراق ـ ٤٥ سنة ـ ماجستير هندسة )
تعقيب حول الموضوع :
عند اطلاعي على الأسئلة العقائديّة في الأسماء المركّبة ، مثل عبد الحسين ، وعبد النبيّ وما شابهها من الأسماء ، التي هي صفة لأسماء شيعة أهل البيت عليهمالسلام ،
____________
١ ـ الخصال : ٦٢٥.
٢ ـ الكافي ١ / ١٤٣.
أُودّ أن أذكر قول لا يختلف عليه مسلم ، وهو ردّ لا يستطع أيّ شخص التشكيك فيه ، فقد ورد أنّه في غزوة حنين ، وبعد أن اشتدّ الوطيس ، وهرب من هرب من المسلمين ، وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يقول :
أنا النـبـيّ لا كذب |
|
أنا ابـن عبد المـطّـلب |
ومن المعلوم أنّ سيّد الموحّدين هو الرسول صلىاللهعليهوآله ، ولو كان المقصود بعبد المطّلب اسم يدلّ على الشرك ، لكان من الأُولى أن يقول غير ذلك ، ومنه نستدلّ أنّ التسمية بعبد لأيّ اسم لا تعني العبودية للمسمّى ، وأنّ العبودية لله ليست مرتبطة باسم ، وإنّما هي مرتبطة بفعل وإيمان ، ولهذا فالرسول الأعظم هو أفضل من عبد الله ، وهو أفضل عبيد الله ، ولهذا قرن باسمه الشريف محمّد عبده ورسوله.
ولعلّ التسمية بعبد ملحقة بأحد الأسماء ، التي هي أفضل من وحّد الله تذكّر دائماً بالتوحيد والإخلاص لله من المسمّى والمنادي.
تفضيل الأئمّة :
( السيّد مهدي ـ إيران ـ .... )
وجوه تفضيل علي على الأنبياء :
س : هل علي بن أبي طالب أفضل من كلّ الأنبياء؟
ج : يمكن الاستدلال لتفضيل أمير المؤمنين عليهالسلام على الأنبياء عليهمالسلام بوجوه كثيرة ، منها :
الوجه الأوّل : مسألة المساواة بين أمير المؤمنين عليهالسلام والنبيّ صلىاللهعليهوآله.
نستدلّ لذلك بالكتاب أوّلاً ، بآية المباهلة ، حيث يدلّ قوله تعالى : ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (١) على المساواة ، وليس المراد بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير ، كان علي بن أبي طالب عليهالسلام.
فدلّت الآية على أنّ نفس علي هي نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أنّ هذه النفس مثل تلك النفس ، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ، إلاّ في النبوّة والأفضلية ، لقيام الدلائل على أنّ محمّداً كان نبيّاً ، وما كان علي كذلك ، ولانعقاد الإجماع على أنّ محمّداً كان أفضل من علي ، فيبقى فيما وراءه معمولاً به.
ثمّ الإجماع دلّ على أنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله كان أفضل من سائر الأنبياء عليهمالسلام ، فيلزم أن يكون علي عليهالسلام أفضل من سائر الأنبياء.
____________
١ ـ آل عمران : ٦١.
وأمّا المساواة بين أمير المؤمنين والنبيّ من السنّة ، فهناك أدلّة كثيرة ، وأحاديث صحيحة معتبرة ، متّفق عليها بين الطرفين ، صريحة في هذا المعنى ـ أي في أنّ أمير المؤمنين والنبيّ متساويان ـ إلاّ في النبوّة والأفضلية.
من تلك الأحاديث ، حديث النور : ( كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب ) (١).
فهما مخلوقان من نور واحد ، ولمّا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أفضل البشر مطلقاً ، فعلي كذلك ، فهو أفضل من جميع الأنبياء.
الوجه الثاني : تشبيه أمير المؤمنين عليهالسلام بالأنبياء السابقين.
ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى ابن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ) (٢).
فهذا الحديث يدلّ على أفضلية أمير المؤمنين من الأنبياء السابقين ، بلحاظ أنّه قد اجتمعت فيه ما تفرّق في أُولئك من الصفات الحميدة ، ومن اجتمعت فيه الصفات المتفرّقة في جماعة ، يكون هذا الشخص الذي اجتمعت فيه تلك الصفات أفضل من تلك الجماعة.
الوجه الثالث : كون الإمام علي عليهالسلام أحبّ الخلق إلى الله مطلقاً بعد النبيّ ، وهذا ما دلّ عليه حديث الطير : ( اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك ، يأكل معي هذا الطير ) (٣).
____________
١ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧ ، لسان الميزان ٢ / ٢٢٩.
٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٣ ، مناقب الخوارزميّ : ٨٣.
٣ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠ ، مناقب الخوارزميّ : ١٠٨ ، سبل الهدى والرشاد ٧ / ١٩١ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٠ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٠٧ و ٦ / ٩٠ و ٧ / ٢٦٧ و ٩ / ١٤٦ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٥٠ و ٢٥٧.
وإذا كان علي عليهالسلام أفضل الخلق إلى الله تعالى ، فيكون أفضل من الأنبياء عليهمالسلام.
( منار أحمد ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب )
تفضيل علي على الخلفاء :
س : أُريد ردّاً شافياً على تفضيل الإمام علي عليهالسلام على أبي بكر وعمر؟
ج : هناك روايات كثيرة عند الفريقين تدلّ على تفضيله عليهالسلام عليهما ، أمّا ببيان مساواته لنفس النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أو أنّه خير الخلق عند الله ، أو أنّه خير البشر وغيرها ، كما جاء في تفسير آية المباهلة عند أرباب التفسير.
ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة ، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمام عليهالسلام عليهما ، وعلى غيرهما ، بعبارة : الحمد لله الذي قدّم المفضول على الأفضل ....
وهو كما ترى!!
( أحمد ـ السعودية ـ .... )
الأدلّة العقلية عليه :
س : إلى السادة القائمين على مركز الأبحاث العقائديّة بقمّ المقدّسة.
لدّي سؤال ، أرجو الإجابة عليه : كيف يمكن أن نثبت عقلياً أفضلية الأئمّة عليهمالسلام على جميع الأنبياء ، ماعدا أبو القاسم محمّد صلىاللهعليهوآله؟
ج : إنّ الدلالة العقلية تأتي بعد التفحّص والتدقيق في معنى الإمامة ، فإنّها ـ كما قرّر في محلّه ـ أعلى رتبة من النبوّة ، فالأئمّة عليهمالسلام بما هم أئمّة يكونون أفضل من الأنبياء عليهمالسلام ، ما عدا نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، فإنّه كان نبيّاً وإماماً في نفس الوقت ، وحتّى في مورد بعض الأنبياء عليهمالسلام كإبراهيم عليهالسلام ، فإنّ الإمامة لم تعط له في بادئ الأمر ، وهذا هو الفارق في تفضيل أئمّتنا عليهمالسلام عليه ، إذ لم
تكن هناك حالة انتظارية ، أو تعليق بشرط في إعطاء الإمامة لأئمّتنا الاثني عشر عليهمالسلام ، بخلاف منح إبراهيم عليهالسلام هذه المكانة الرفيعة ، فإن الأمر قد حصل بعد ابتلاءات متعدّدة وصعبة ، ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١).
( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي ـ ٢٠ سنة )
علي أفضل من إبراهيم :
س : من كلام الإمام الرضا عليهالسلام : ( إنّ الإمامة خصَّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (٢).
الشيعة كما أعلم تعتقد : بأنّ منزلة الأئمّة أفضل من منزلة الأنبياء جميعاً ، سوى نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله.
وعلى سبيل المثال : فعلي رضياللهعنه أفضل عند الشيعة من إبراهيم عليهالسلام ، والإشكال الذي لدي هو : الإمام الرضا ذكر ثلاث مراتب لنبيّ الله إبراهيم عليهالسلام وهي : الإمامة ، النبوّة ، والخلّة ، وعلي رضياللهعنه أثبتم له مرتبة الإمامة فقط ، فكيف يكون أفضل منه؟
فنحن نجد أنّ ما عند علي عند إبراهيم ، ويفضل إبراهيم عليهالسلام بالنبوّة والخلّة ، فأيّهما أحقّ بالفضل والعلوّ؟
ج : أمّا إشكالك حول أفضلية أئمّتنا عليهمالسلام على إبراهيم الخليل عليهالسلام ، مع أنّه إمام كما هم أئمّة ، ويزيد عليهم بفضائل أُخرى كالنبوّة والرسالة والخلّة ، حتّى مع التسليم بأفضلية الإمامة على ما سواها من مراتب وفضائل وخصائص ، فنقول :
____________
١ ـ البقرة : ١٢٤.
٢ ـ الكافي ١ / ١٩٩ ، البقرة : ١٢٤.
١ ـ إن سلّمت بأفضلية الإمامة على ما سواها ، فقد كفيتنا المؤنة في إثبات ذلك ، وقطعنا نصف الطريق للوصول إلى النتيجة.
٢ ـ إن جمعك لمراتب وفضائل إبراهيم عليهالسلام وجعلها ثلاثة أو أربعة في قبال فضائل أمير المؤمنين التي جعلتها واحدة فقط وهي الإمامة ، فهذا لعدم فهمك لحقيقة الفضائل والصفات ، لأنّك إن سلّمت بأفضلية مرتبة الإمامة على سواها ، فيجب عليك أن لا تعود إلى مرتبة أدنى منها وتثبتها في عرض الإمامة ، ثمّ تقول : اجتمعت أكثر من مرتبة وأكثر من فضيلة لإبراهيم عليهالسلام دون علي عليهالسلام فهذا باطل ، لأنّ المراتب التي ذكرناها وسلّمت أنت بتفاوتها وتفاضلها هي مراتب طولية لا عرضية حتّى تجمع.
فالمراتب الطولية تكون فيها المرتبة العليا أسمى وأعلى مرتبة من المرتبة الأدنى ، حتّى مع التغاير في السنخ والحقيقة ، كما هو الحال بين الحياة الدنيا والآخرة ، فإنّ الآخرة بالتأكيد هي الدار الحقيقيّة ، وهي الأعلى مرتبة وأجلّ وأسمى من الدنيا ، مع أنّها لا تحتوي على مرتبة الدنيا معها ، ولا شيء من سنخ وحقيقة هذه الدنيا موجود هناك ، بل هو عالم آخر مختلف تماماً عن هذه الدنيا ، ويكون أفضل وأعلى مرتبة منها.
فكذلك الشأن في الإمامة ، فهي مرتبة أعلى وأسمى وأرقى من النبوّة والرسالة ، فلا يجب على الإمام أن يكون نبيّاً أو رسولاً ، وكذلك لا يلزم أن يكون النبيّ أو الرسول أفضل من الإمام لو كان إماماً أيضاً ، ناهيك عن عدم كونه إماماً أيضاً ، لماذا؟
لأنّنا نقول وبوضوح : إذا سلّمنا أنّ مرتبة الإمامة أعلى من النبوّة أو الرسالة ، فإنّنا نعتقد أنّ الإمامة أيضاً لها درجات ومراتب مختلفة ومتفاوتة ، كما ثبت ذلك للأنبياء والرسل بنصّ القرآن الكريم ، كقوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) (١) ، وكذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ ) (٢).
فالتفضيل ثابت بين الناس وبين المؤمنين ، وحتّى في الطعام ( وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ) (٣).
فثبت أنّ الأئمّة أيضاً ليسوا في درجة واحدة قطعاً.
٣ ـ إنّ الدين الإسلاميّ أفضل الأديان وأكملها وأسماها وهو خاتم الديانات ، وأعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان في مراتب سموّه ووصوله إلى الرفيق الأعلى والحضرة المقدّسة ، ففيه يصل الإنسان إلى مرتبة الكمال التي لم يصل إليها أحد من المتقدّمين عليه مهما كان ، وإلاّ فما الداعي لكونه خاتم الأديان وأكملها وأفضلها؟ وأنّ الأنبياء لو بعثوا لما وسعهم إلاّ أن يتبعوا ويعتنقوا الإسلام.
إذاً يوجد في الإسلام ـ من مقتضي الكمال ـ ما لا يوجد في دين سواه ، بناءً على التدرّج والارتقاء والكمال في مسيرة الأديان ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أحد من أهل الإسلام.
٤ ـ إنّه ثبت من الفضائل لأهل البيت عليهمالسلام ما لم يثبت لغيرهم.
فمثلاً : علوم أهل البيت كانت وراثة من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والنبيّ عنده كلّ علوم الأوّلين والآخرين ، فهم بالتالي عندهم العلوم الكاملة ، وعندهم علم الكتاب ، كما وصفهم بذلك سبحانه وتعالى.
وأنّهم نفس رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وخاتم رسل الله ، وأفضل خلق الله ، وقد أوضح ذلك القرآن بقوله تعالى على لسان رسوله صلىاللهعليهوآله : ( وَأَنفُسَنَا ) (٤) فدعا
____________
١ ـ البقرة : ٢٥٣.
٢ ـ الإسراء : ٥٥.
٣ ـ الرعد : ٤.
٤ ـ آل عمران : ٦١.
عليّاً وحده ، وسمّاه نفسه بنصّ الكتاب العزيز.
وكذلك ما رواه أصحاب الصحاح عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يقول مراراً وتكراراً : ( إنّ عليّاً منّي وأنا منه ) و : ( حسين منّي وأنا من حسين ) و : ( فاطمة بضعة منّي ).
وقال في حقّهم جميعاً : ( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما أفضل منهما ، وأُمّهما سيّدة نساء أهل الجنّة ) ، وصحّحه الألبانيّ في سلسلته الصحيحة.
فكلّ ذلك يدلّ على أفضليتهم على من سواهم من المسلمين ، ومن الأُمم السابقة.
٥ ـ لو سلّمنا معكم جدلاً بعدم الأفضلية في الدنيا ، فنقول : إنّهم بالآخرة أفضل من غيرهم ، وهم في درجة ومنزلة رسول الله صلىاللهعليهوآله تفضّلاً من الله تعالى ، لقوله : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ) (١).
فهذه الآية الكريمة تنصّ على إلحاق ذرّية المؤمن وأهل بيته به في مقامه في الجنّة ، إلاّ أن تقولوا بعدم شمولها للنبيّ صلىاللهعليهوآله وخروجه من هذا العموم ، كما في قضية الإرث.
( عادل ـ البحرين ـ ٢١ سنة ـ طالب الثانوي )
على الأنبياء ما عدا نبيّنا :
س : على أيّ أساس أو بماذا يمتاز الأئمّة عليهمالسلام على الأنبياء دون النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله؟
وهل يختلف علمائنا حول أفضليتهم؟ بأيّ كتاب تنصحوننا نقتنيه يبحث هذا الموضوع؟
____________
١ ـ الطور : ٢١.
ج : الذي عليه أكثر علمائنا المتأخّرين : أنّ الأئمّة الاثني عشر عليهمالسلام أفضل من جميع الأنبياء عليهمالسلام ، حتّى أُولي العزم ، والدليل عليه وجوه.
الأوّل : ما رواه المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرافها أرواح محمّد وعلي والحسن والحسين والأئمّة عليهمالسلام ، فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم.
فقال الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال : هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحججي على خلقي ، وأئمّة برّيتي ، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منهم ، ولمن تولاّهم خلقت جنّتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ... فلمّا اسكن الله عزّ وجلّ آدم وحوّاء الجنّة ... فنظرا إلى منزلة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم عليهمالسلام فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة ، فقالا : ... فقال جلّ جلاله : لولاهم ما خلقتكما ) (١).
الثاني : ما استفاض في الأخبار من أنّ علم الأئمّة عليهمالسلام أكمل من علوم كلّ الأنبياء عليهمالسلام ، وذلك أنّ من جملته علم الاسم الأعظم ، وهو ثلاثة وسبعون حرفاً ، حرف منها استأثر به الله تعالى نفسه ، واثنان وسبعون علّمها لرسوله ، وأمره أن يعلّمها لأهل بيته.
وأمّا باقي الأنبياء عليهمالسلام ، فقال الإمام الصادق عليهالسلام : ( إنّ عيسى بن مريم أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسى أربعة أحرف ، وإبراهيم ثمانية أحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإنّ الله جمع ذلك كلّه لمحمّد صلىاللهعليهوآله ... ) (٢).
الثالث : إنّ القرآن الكريم أشار إلى أنّ الأنبياء عليهمالسلام لو بعثوا في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لما وسعهم إلاّ الإيمان به واتباعه ، ومقتضى الإيمان والاتباع هو
____________
١ ـ معاني الأخبار : ١٠٨.
٢ ـ الكافي ١ / ٢٣٠.