مركز الأبحاث العقائديّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-01-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٧٨
مقدّمة المركز
بقلم : الشيخ محمد الحسون
الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
انقسم المسلمون بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله إلى قسمين :
الأوّل : قال بإمامة وخلافة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ورفض خلافة أبي بكر ومن تبعه من بعده .
الثاني : قال بخلافة أبي بكر ومن تبعه ، ورفض إمامة وخلافة الإمام علي عليهالسلام .
والقسم الأوّل يسمّون بالشيعة ، وأتباع مدرسة أهل البيت عليهمالسلام .
والقسم الثاني يسمّون بالسنّة ، وأتباع مدرسة الخلفاء .
أمّا تسمية القسم الأوّل بـ « الرافضة » أو « الروافض » خاصةً ، دون غيرهم من المسلمين ، فهي تسمية باطلة ، لا أساس لها ؛ إذ سمعنا الكثير من علماء السنّة يعلّلون هذه التسمية للشيعة : بأنّهم رفضوا خلافة أبي بكر لذلك سمّوا بالرافضة ؛ إذ السنّة أيضاً رفضوا إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فلماذا لا يسمّون بالرافضة ؟!
وقال لي بعض علمائهم معلّلاً هذه التسمية : أنتم رفضتم الحقّ لذلك سمّيناكم رافضة .
فأجبته : هذا أوّل الكلام ، فكلّ مذهب يدّعي أتباعه أنّهم على الحقّ ، وغيرهم على الباطل .
وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا الاختلاف بين المسلمين مبنيّ على اختلافهم في منصب الإمامة .
فالشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّه منصب إلهي جعلي ، شأنه في ذلك شأن منصب النبوّة ، فكما أنّ الباري عزّ وجلّ هو الذي يختار من بين البشر أنبياءً ، كذلك هو الذي يختار من بينهم أئمة وخلفاء ، وليس للمسلمين دخل في هذا الأمر .
والسنّة يذهبون إلى أنّه ليس كمنصب النبوّة ، بل أنّ الله سبحانه وتعالى أوكل هذا الأمر إلى المسلمين ، فإذا توفّي النبيّ صلىاللهعليهوآله يجب على المسلمين أن يجتمعوا وينتخبوا خليفة لهم ، ولذلك فقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، واختاروا من بينهم أبا بكر للخلافة .
ونحن نناقش في اجتماع المسلمين بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، إذ لم يحضر فيه خيرة الصحابة كعليّ عليهالسلام وبني هاشم ، وسلمان والمقداد وأبي ذر وغيرهم .
إضافةً لذلك فنحن نسألهم هذا السؤال : ما هي المواصفات التي يجب أن تتوفّر في الشخص الذي يجب على الأمة أن تنتخبه ؟ فهل تضعون شروطاً خاصة ، أو أنّ الأمّة يحقّ لها أن تنتخب من شاءت ؟ كما يحقّ لكلّ مسلم أن يرشّح نفسه لهذا المنصب الخطير ؟
فعند مراجعتنا لأمهات كتبهم في هذا المجال : كالمواقف للقاضي الإيجي ، وشرحه للشريف الجرجاني ، وشرح القوشجي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني ، وغيرها من المصادر الرئيسية عندهم .
نراهم يشترطون ثلاثة شروط في الذي يجب على الأمّة أن تنتخبه لهذا المنصب ، وهي :
الأول : العلم ، أي يكون عالماً بالأصول والفروع بحيث يمكنه من إقامة الحجج والبراهين على أحقيّة الإسلام ، ويمكنه دفع الشبهات الواردة من الكفّار .
الثاني : العدالة ، أي العدالة في سيرته وسلوكه مع الناس ، وفي حكمه بينهم ، والعدالة في تقسيم الأموال .
الثالث : الشجاعة ، أي يكون شجاعاً بحيث يمكنه تجهيز الجيوش والدفاع عن الدين .
ولو وجّهنا هذا السؤال لكلّ مسلم منصف بغضّ النظر عن انتمائه المذهبي ، وهو : في أيّ شخص تتوفّر هذه الشروط بعد النبي صلىاللهعليهوآله ؟ أي من هو أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟
فهل يستطيع أحد من المسلمين المنصفين أن يتجاوز عليّاً عليهالسلام في كونه أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ؟
والتاريخ أمامنا مليء بما يدلّ على هذا ، ولو أردنا إيراد ما لدينا من أدلّة في كون علي عليهالسلام أعلم الصحابة وأعدلهم وأشجعهم ، لاحتجنا إلى مصنّفات كثيرة ، ومن شاء الاطلاع والوقوف على حقيقة الأمر ، عليه أن يراجع مصادر السنّة نفسها ـ فضلاً عن مصادر الشيعة ـ ليقف بنفسه على صحة ما ندّعيه .
ومن أجل التخلّص من هذا الإشكال ، نرى من السنّة مَن ذهب إلى القول بجواز تقديم المفضول على الفاضل .
ولا نريد الدخول في تفاصيل هذا الموضوع ، حتّى لا نخرج عن هدف المقدّمة ، وهو موكول إلى محلّ آخر إن شاء الله .
ما الذي يمثّل رأي المذهب الإسلامي ؟
عرفنا في ما تقدّم من الكلام ، أنّ المسلمين اختلفوا في أمر مهم وأساسي ، وهو الإمامة .
والاختلافات الواردة بين المسلمين ، سواء في العقائد والأحكام وغيرها ، ناشئة من ذلك الاختلاف :
إذ الشيعة يعتقدون بعصمة الإمام علي عليهالسلام وأولاده الأئمة عليهمالسلام ، وكون كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجّة عليهم ، كما هو ثابت للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، فإنّ السنّة ـ وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن ـ تشمل أحاديث الأئمة عليهمالسلام كما تشمل أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله .
وأتباع مدرسة الخلفاء لا يرون هذا المقام للإمام علي عليهالسلام ولأولاده المعصومين عليهمالسلام ، إذ الحجّة عندهم قول النبي صلىاللهعليهوآله فقط ، أما الأئمة عليهمالسلام وإن كانوا من أهل البيت ، ويجب احترامهم وحبّهم ، إلا أنّهم يعتبرونهم من الأصحاب والتابعين والرواة والعلماء .
ونتيجة لذلك فقد اختلفت الأحكام بين السنّة والشيعة ، بل اختلفت حتّى في دائرة أحدهما ، فانقسم السنّة إلى مذاهب كثيرة انتشر أربعة منها وهي : الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنبلية .
وانقسم الشيعة إلى عدّة مذاهب أيضاً عبر القرون الماضية ، انقرض أكثرها ، وبقي منها ثلاثة : الإمامية ، والزيدية ، والإسماعيلية وإن كانت الأخيرتان قليلة جداً الآن قياساً إلى الأولى .
وظهرت للمسلمين عموماً مباني وآراء جديدة لم تكن موجودة سابقاً ، لذلك تشعّبت آراؤهم واختلفت أحكامهم ، ممّا أدى ببعض العلماء إلى جمع هذه الآراء والأحكام المختلفة في كتب خاصة بها .
وكلّ واحد من أصحاب هذه الآراء والأحكام يذهب إلى صحّة ما يدّعيه ، ويُخطّئ من خالفه ، بل وصل الأمر إلى أكثر من هذا أحياناً ، إذ طعن بعضهم بمخالفه ورماه بالجهل ، بل بالفسق ، بل بالخروج عن المذهب ، أو الخروج عن الدين .
لذلك نشاهد بعض السنّة يذهب إلى تكفير الشيعة والطعن بأعلامهم ، لا لسبب ، بل لأنهم شيعة ، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك إذ وثّقوا مخالفيهم ورووا الحديث عنهم وإن كانوا ارتكبوا الجرائم البشعة كقتل الإمام الحسين عليهالسلام .
بل إنّ أتباع المذاهب السنيّة المختلفة طعن بعضهم بالبعض الآخر ، واتهمه بالخروج عن الدين أحياناً ، وسوف نورد جملة من هذه الأقوال قريباً .
والآن فلنورد هذا السؤال : ما الذي يمثّل رأي كلّ مذهب إسلامي ؟
فنقول : لا شكّ أنّ في كلّ مذهب آراء شاذّة ، أي قال بها عدد قليل من علماء ذلك المذهب . فهل أنّ هذه الآراء الشاذّة هي التي تمثّل ذلك المذهب ؟ أو أنّ الذي يمثّله آراء أكثر علماء المذهب ؟ الذي يعبّر عنه بالمشهور ؟
ومن الطبيعي أن يكون جواب : أنّ ما عليه أكثر علماء أي مذهب إسلامي هو الذي يمثّل رأي ذلك المذهب ، ولا يُلتفت إلى الآراء الشاذّة التي قال بها عدد قليل من العلماء .
كلمات بعض علماء السنّة في الشيعة وأعلامهم :
وهي تشمل على :
(أ) اختلاق روايات عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذمّ الرافضة .
(ب) كلام بعض علمائهم في ذمّ الرافضة .
(ج) ذمّ رواة الشيعة وأعلامهم ؛ لأنّهم رافضة .
(د) مدح وتوثيق أعداء أهل البيت عليهمالسلام المعروفين بالنصب الذي كانوا يسبّون عليّاً عليهالسلام،والّذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليهالسلام .
(هـ) فتاوى بعض علماء السنّة المتأخّرين في تكفير الشيعة .
(١) أخرج علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت ٨٠٧ هـ ) في مجمع الزوائد : « إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال لعلي : يا علي سيكون في أمّتي قوم ينتحلون حبّ أهل البيت ، لهم نبز يُسمّون الرافضة ، قاتلوهم فإنّهم مشركون » .
وعلّق عليه بقوله : « رواه الطبري ، وإسناده حسن » (١) .
(٢) قال أحمد بن حجر الهيتمي ( ت ٩٧٣ هـ ) بعد ما نقل أحاديث في تبديع وتضليل والتوعّد بالنار لأهل البدع : « وسيتلى عليك ما تعلم منه علماً قطعياً أنّ الرافضة والشيعة ونحوهما من أكابر أهل البدعة ، فيتناولهم هذا الوعيد الذي في هذه الأحاديث ، على أنه ورد فيهم أحاديث بخصوصهم » .
وأخذ بنقل الأحاديث التي تكفّر الرافضة (٢) .
(٣) حكى محمّد عبد الحليم بن تيمية ( ت ٧٢٨ هـ ) عن عبد الله بن
______________________
(١) مجمع الزوائد ٩ : ٧٤٩ .
(٢) الصواعق المحرقة ١ : ١٢ .
ادريس ( ت ١٩٢ هـ ) قوله : « ما آمن أن يكونوا قد ضارعوا (١) الكفّار ـ يعني الرافضة ـ » (٢) .
(٤) قال محمّد بن أبي سهل السرخسي ( ت ٤٨٣ هـ ) في المبسوط : « وأما الروافض قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرّمون الخِريَت » (٣) .
(٥) قال عبد الكريم بن محمّد بن منصور السمعاني ( ت ٥٦٢ هـ ) في الأنساب : « قال الشعبي : لعن الله الروافض لو كانوا من الطير لكانوا رُخماً ، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً » (٤) .
(٦) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في سير أعلام النبلاء ، في كلامه عن العشرة المبشّرين بالجنّة : « فأبعد الله الرافضة ما أغواهم وأشدّهم !! كيف اعترفوا بفضل واحد منهم وبخسوا التسعة » (٥) .
وقال في مكان آخر : « لكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية ، فبعداً لهم » (٦) .
وقال أيضاً نقلاً عن الشافعي أنّه قال : « لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة » (٧) .
______________________
(١) أي شابهوا .
(٢) الصارم المسلول ١ : ٥٨١ .
(٣) المبسوط ١١ : ٢٣٠ .
(٤) الأنساب ٥ : ٢١٨ .
(٥) سير أعلام النبلاء ١ : ٤٠ .
(٦) المصدر السابق ٦ : ٢٥٥ .
(٧) المصدر نفسه ١٠ : ٨٩ .
وقال في ميزان الاعتدال : « قال أشهب : سُئل ما لك عن الرافضة فقال : لا تكلّمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون » .
وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : لم أرَ أشهد بالزور من الرافضة .
وقال مؤمل بن أهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : يُكتب عن كلّ صاحب بُدعة إذا لم يكن داعية إلى الرافضة ، فإنهم يكذبون .
وقال محمّد بن سعيد ابن الأصبهاني : سمعت شريكاً يقول : إحمل العلم عن كلّ من لقيت ، إلا من الرافضة ، يضعون الحديث ويتّخذونه ديناً (١) .
(٧) قال محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ( ت ٩٤٢ هـ ) في سبيل الهدى والرشاد : « وأمّا أعداء الله الرافضة فيقولون : عزله بعلي (٢) ، وليس هذا ببدع من بهتهم وافترائهم » (٣) .
(٨) في ترجمة مروان بن الحكم ، قال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « وعاب الإسماعيلية على البخاري تخريج حديثه ، وعدّ من موبقاته أنّه رمى طلحة ـ أحد العشرة ـ يوم الجمل ، وهما جميعاً مع عائشة ، فقتل ، ثمّ وثب على الخلافة بالسيف » (٤) .
ومعلوم لدى الجميع أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سمّاه وزغاً ، ولعنه ، ورفض أن يدعو له .
قال محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ هـ ) في المستدرك ،
______________________
(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٧ .
(٢) أي في إبلاغ سورة البراءة .
(٣) سبل الهدى والرشاد : ٣١٠ .
(٤) تهذيب التهذيب ١٠ : ٨٢ .
نقلاً عن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال : « كان لا يولد لأحدٍ مولود إلا أُتي به النبيّ صلىاللهعليهوآله فدعا له ، فأُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : « الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون » .
ثم قال : « وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه » (١) أي البخاري ومسلم .
ومعلوم أنّ مروان بن الحكم كان يسبّ علي بن أبي طالب عليهالسلام في خطبة الصلاة .
قال محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ( ت ١٢٥٥ هـ ) في نيل الأوطار : « كانوا في زمن مروان يتعمّدون ترك سماع الخطبة ؛ لما فيها من سبّ من لا يستحقّ السبّ ـ وهو علي ـ والإفراط في مدح بعض الناس ـ وهو معاوية ـ » (٢) .
ونفس هذا الكلام قاله قبله ابن حجر ( ت ٨٥٢ هـ ) في فتح الباري (٣) .
وقال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في ميزان الاعتدال : « وله أعمال موبقة ، نسأل الله السلامة ، رمى طلحة بسهم ، وفعل وفعل » (٤) .
وقال في سير أعلام النبلاء : « فلمّا رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله ، وجرح يومئذٍ ... وكان يوم الحرّة مع مسرف بن عقبة يحرّضه على قتال أهل المدينة » (٥) .
(٩) في ترجمة عمر بن سعد ، قال ابن حجر ( ت ٨٥٢ هـ ) في تقريب
______________________
(١) مستدرك الصحيحين ٤ : ٤٧٩ . وانظر : الفتن للمروزي ( ت ٢٨٨ هـ ) : ٧٣ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ( ت ٨٤٥ هـ ) ١٢ : ٢٧٥ ، والسيرة الحلبية للحلبي ( ت ١٠٤٤ هـ ) ١ : ٥٠٩ .
(٢) نيل الأوطار ٣ : ٣٧٥ .
(٣) فتح الباري ٢ : ٣٧٦ .
(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ٨٩ .
(٥) سير أعلام النبلاء ٣ : ٧٩ .
التهذيب : « صدوق ، ولكنه مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الّذين قتلوا الحسين بن علي » (١) .
علماً بأن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ( ت ٢٦١ هـ ) عدّه من الثقات وذكره في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « مدني ثقة ، كان يروي عن أبيه أحاديث ، وروى الناس عنه ، وهو الذي قتل الحسين » (٢) .
(١٠) وفي ترجمة شبث بن ربعي ، وثّقه عدّة من الحفاظ ، وعدّه أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ( ت ٢٦١ هـ ) من الثقات وأورده في كتابه ( معرفة الثقات ) قائلاً : « كان أوّل من أعان على قتل عثمان ـ رضي الله عن عثمان ـ وهو أول من حرّر الحرورية ، وأعان على قتل الحسين بن علي » (٣) .
وقال أبو الحجّاج يوسف المزّي ( ت ٧٤٢ هـ ) في تهذيب الكمال : « وقال الدارقطني : يقال : إنّه كان مؤذّن سجاح ثم أسلم بعد ذلك ، روى له أبو داود والنسائي ... » (٤) .
وأورد خير الدين الزركلي ( ت ١٣٦٩ هـ ) ترجمته مشيراً إلى تأريخه الأسود قائلاً : « أدرك عصر النبوّة ، ولحق بسجاح المنبئة ، ثم عاد إلى الإسلام ، وثار على عثمان ، وكان ممّن قاتل الحسين ، ثمّ ولي شرطة الكوفة » (٥) .
وموقف هذا الرجل يوم العاشر من المحرّم سنة ٦١ هـ معروف ، فهو أحد قادة الجيش الذين خرجوا لقتال الحسين عليهالسلام ، وله مواقف مخزية ذلك اليوم .
______________________
(١) تقريب التهذيب ١ : ٧١٧ .
(٢) معرفة الثقات ٢ : ١٦٦ .
(٣) معرفة الثقات ١ : ٤٤٨ .
(٤) تهذيب الكمال ١٢ : ٣٥٢ .
(٥) الأعلام ٣ : ١٥٤ .
(١١) وفي ترجمة الخارجي عمران بن حطّان ، يقول أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « قال العجلي : بصري تابعي ثقة .
وقال أبو داود : ليس من أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج ، ثمّ ذكر عمران بن حطّان .
وذكره ابن حبّان في الثقات .
وقال يعقوب بن شيبة : أدرك جماعة من الصحابة ، وصار في آخره أن رأى رأي الخوارج ، وكان سبب ذلك فيما بلغنا أن ابنة عمّه رأت رأي الخوارج ، فتزوّجها ليردّها ، فصرفته إلى مذهبها .
وقال ابن حبّان في الثقات : كان يميل إلى مذهب الشراة .
وقال ابن البرقي : كان حرورياً .
وقال المبرّد في الكامل : كان رأس العقد من الصفرية وفقيههم وخطيبهم وشاعرهم » .
وهو الذي يمدح عبد الرحمن الملجم ، قاتل علي عليهالسلام ويقول :
يا ضربة من تقي ما أراد بها |
|
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا |
إنّي لأذكره حيناً فأحسبه |
|
أوفى البريّة عند الله ميزانا (١) |
(١٢) قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ هـ ) في تاريخ بغداد : « كان عيسى بن مهران المستعطف من شياطين الرافضة ومردتهم ... » (٢) .
______________________
(١) تهذيب التهذيب ٨ : ١١٣ . وانظر : الاستيعاب لابن عبد البرّ ( ت ٤٦٣ هـ ) ٣ : ١١٢٨ ، والبداية والنهاية لابن كثير ( ت ٧٧٤ هـ ) ٧ : ٣٦٤ ، والإصابة ٥ : ٢٣٢ .
(٢) تاريخ بغداد ١١ : ١٦٨ .
(١٣) قال محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في ميزان الاعتدال عن علي بن هاشم : « ولغلوّه ترك البخاري إخراج حديثه فإنّه يتجنّب الرافضة كثيراً ، كأنّه يخاف من تديّنهم بالتقيّة . ولا نراه يتجنّب القدريّة ولا الخوارج ، ولا الجهميّة ، فإنّهم على بُدعهم يلزمون الصدق » (١) .
(١٤) وفي ترجمة أزهر بن عبد الله بن جميع الحرازي الحمصي ، قال أحمد بن عبد الله الخزرجي ( ت القرن العاشر ) في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : « ناصبيّ صدوق اللهجة » (٢) .
وقال عنه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ٧٤٨ هـ ) في الكاشف : « ناصبي ، د ، ن ، س » (٣) . أي روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي .
وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تقريب التهذيب : « حمّصي ، صدوق ، تكلّموا فيه للنصب » (٤) .
وقال في تهذيب التهذيب : « قال ابن الجارود في كتاب الضعفاء : كان يسبّ عليّاً ... وكان في الخيل الذين سبوا أنس بن مالك ، فأتين به الحجّاج ... وقد وثّقه العجلي وابن حبان ... » (٥) .
(١٥) وفي ترجمة أبي لبيد لمازة بن زبار الأزدي الجهضمي ، قال محمّد ابن أحمد بن عثمان الذهبي ( ٧٤٨ هـ ) في الكاشف : « لمازة بن زبار ، أبو الوليد الجهضمي . . فيه نصب ، وُثّق » (٦) .
______________________
(١) ميزان الاعتدال ٣ : ١٦٠ .
(٢) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : ٢٥ .
(٣) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستّة ١ : ٢٣١ .
(٤) تقريب التهذيب ١ : ٧٥ .
(٥) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٧٩ .
(٦) الكاشف ٢ : ١٥١ .
وقال في ميزان الاعتدال : « بصري ، حضر وقعة الجمل ، وكان ناصبيّاً ، ينال من علي رضي الله تعالى عنه ، ويمدح يزيد » (١) .
وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في تهذيب التهذيب : « قال موسى بن إسماعيل عن مطر بن حمران : كنّا عند أبي لبيد ، فقيل له : أتحبّ عليّاً ؟
فقال : أحبّ علياً !! وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستّة آلاف .
وذكره ابن حبّان في الثقات .
وقال عباس الدوري : عن يحيى بن معين : حدّثنا وهب بن جرير عن أبيه عن ابن لبيد وكان شتّاماً .
قلت : زاد العقيلي : وقال وهب : قلت لأبي : من كان يشتم ؟
قال : كان يشتم علي بن أبي طالب .
وأخرجه الطبري من طريق عبد الله بن المبارك ، عن جرير بن حازم ، حدّثني الزبير بن خريت ، عن أبي لبيد ، قال : قلت له : لِم تسبّ علياً ؟
قال : أسبّ رجلاً قتل منّا خمسمائة وألفين والشمس هاهنا .
وقال ابن حزم : غير معروف العدالة » (٢) .
وقال في تقريب التهذيب : « ... صدوق ناصبي » (٣) .
وبعد ما لاحظ ابن حجر التناقض الواضح بين توثيق النواصب والطعن في الشيعة ، قال ضمن ترجمة زيارة : وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبيّ غالباً وتوهينهم الشيعي مطلقاً ، ولا سيّما أنّ علياً ورد في حقّه « لا يُحبّه إلا
______________________
(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٤١٩ .
(٢) تهذيب التهذيب ٨ : ٤١٠ .
(٣) تقريب التهذيب ٢ : ٤٧ .
مؤمن ولا يُبغضه إلا منافق » (١) .
انظر واعجب ، فعلماء السنّة خالفوا القاعدة ، إذ مقتضاها الأخذ بقول الشيعي المحبّ ؛ لأنه مؤمن ، والمؤمن صادق بشهادة القرآن . وطرح قول المبغض ؛ لأنّه منافق ، والمنافق كاذب بشهادة القرآن .
ثمّ أخذ ابن حجر بالاعتذار عن قومه بما هو أقبح من ذنبه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
والآن فلننقل فتاوى بعض علمائهم المتأخّرين في الشيعة الإمامية .
عبدالعزيز بن باز (٢)
السوال :
من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة ، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنّة وبينهم ؟
الجواب :
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة غير ممكن ؛ لأنّ العقيدة مختلفة ، فعقيدة أهل السنّة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يدعى معه أحد ، لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، وأنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب ، ومن عقيدة أهل السنّة محبّة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً والترضّي عنهم ، والإيمان بأنّهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء ،
______________________
(١) تهذيب التهذيب ٨ : ٤١١ .
(٢) من موقع www .binbaz .org .
المصدر : مجلة المجاهد ـ السنة الأولى ـ عدد ١٠ ـ شهر صفر ١٤١٠هـ ـ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ـ الجزء الخامس .
وأنّ أفضلهم أبو بكر الصدّيق ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي ، رضي الله عن الجميع ، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما ، فكما أنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنّة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنّة ؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها .
السوال :
وهل يمكن التعامل معهم لضرب العدو الخارجي كالشيوعية وغيرها ؟
الجواب :
لا أرى ذلك ممكناً ، بل يجب على أهل السنّة أن يتحدوا وأن يكونوا أمّة واحدة وجسداً واحداً ، وأن يدعوا الرافضة أن يلتزموا بما دلّ عليه كتاب الله وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم من الحقّ ، فإذا التزموا بذلك صاروا إخواننا وعلينا أن نتعاون معهم ، أمّا ما داموا مصرّين على ما هم عليه من بغض الصحابة وسبّ الصحابة إلا نفراً قليلاً ، وسبّ الصديق وعمر ، وعبادة أهل البيت كعلي ـ رضي الله عنه ـ وفاطمة والحسن والحسين ، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشر أنّهم معصومون وأنّهم يعلمون الغيب ؛ كلّ هذا من أبطل الباطل ، وكلّ هذا يخالف ما عليه أهل السنّة والجماعة .
ابن جبرين (١)
السوال :
ما حكم دفع زكاة أموال أهل السنّة لفقراء الرافضة ـ الشيعة ـ وهل تبرأ ذمّة المسلم الموكّل بتفريق الزكاة إذا دفعها للرافضي الفقير أم لا ؟
______________________
(١) من كتاب اللؤلؤ المكين من فتاوى فضيلة الشيخ ابن جبرين : ص ٣٩ .
الجواب :
لقد ذكر العلماء في مؤلّفاتهم في باب أهل الزكاة أنّها لا تُدفع لكافر ، ولا مبتدع ، فالرافضة بلا شكّ كفّار لأربعة أدلّة :
الأول : طعنهم في القرآن ، وادعاؤهم أنّه حذف منه أكثر من ثلثيه ، كما في كتابهم الذي ألّفه النوري وسماه : « فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب » وكما في كتاب « الكافي » ، وغيره من كتبهم ، ومن طعن في القرآن فهو كافر مكذّب لقوله تعالى : ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
الثاني : طعنهم في السنّة وأحاديث الصحيحين ، فلا يعملون بها لأنّها من رواية الصحابة الذين هم كفّار في اعتقادهم ، حيث يعتقدون أنّ الصحابة كفروا بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا علي وذريّته ، وسلمان وعمار ، ونفر قليل ، أمّا الخلفاء الثلاثة ، وجماهير الصحابة الذين بايعوهم فقد ارتدوا ، فهم كفّار ، فلا يقبلون أحاديثهم ، كما في كتاب « الكافي » وغيره من كتبهم .
الثالث : تكفيرهم لأهل السنّة ، فهم لا يصلّون معكم ، ومن صلّى خلف السنّي أعاد صلاته ، بل يعتقدون نجاسة الواحد منّا ، فمتى صافحناهم غسلوا أيديهم بعدنا ، ومن كفّر المسلمين ، فهو أولى بالكفر ، فنحن نكفّرهم كما كفّرونا وأولى .
الرابع : شركهم الصريح بالغلو في علي
وذرّيته ، ودعاؤهم مع الله ، وذلك صريح في كتبهم ، وهكذا غلّوهم ووصفهم له بصفات لا تليق إلا بربّ العالمين ، وقد سمعنا ذلك في أشرطتهم . ثمّ إنّهم لا يشتركون في جمعيات أهل السنّة ، ولا يتصدّقون على فقراء أهل السنّة ، ولو فعلوا فمع البغض الدفين ، يفعلون ذلك من باب التقية ، فعلى هذا من دفع إليهم الزكاة