الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ) (١) .
ولأنّ الاعتداد في بيتها واجب فلزمها الخروج إليه ، كالجمعة في حقّ الرجل .
وقال ربيعة ومالك وابن المنذر : تمضي في اعتكافها حتى تفرغ منه ثم ترجع إلى بيت زوجها فتعتدّ فيه ؛ لأنّ الاعتكاف المنذور واجب ، والاعتداد في بيت الزوج واجب ، وقد تعارضا ، فيقدّم الأسبق (٢) .
وينتقض : بالخروج إلى الجمعة وسائر الواجبات .
أمّا استئناف الاعتكاف فإنّه يصحّ على تقدير أن يكون الاعتكاف واجباً ولم يشترط الرجوع .
مسألة ٢٢٢ : إذا مرض المعتكف مرضاً يخاف منه تلويث المسجد ، كإدرار البول وانطلاق البطن والجرح السائل ، فإنّه يخرج منه إجماعاً صيانةً للمسجد عن النجاسة ، وإذا برئ بنى على اعتكافه ، ولا يبطل ما تقدّم إلّا أن يكون أقلّ من ثلاثة أيام عندنا . وينقطع به التتابع .
والمشهور عند الشافعية أنّه لا ينقطع التتابع ؛ لاضطراره إليه ، كالخروج للحيض (٣) .
وللشافعي قول آخر : إنّه ينقطع (٤) .
فإن كان المرض خفيفاً يمكنه معه المقام في المسجد ، ولا يتضرّر بالصوم ، وجب عليه إكمال اعتكافه الواجب ، ويستحب إتمام المندوب ، فإن خرج فيهما ، بطل اعتكافه ، وذلك كوجع ضرس وصداع يسير وما أشبهه ممّا لا يوجب الإِفطار .
__________________
(١) الطلاق : ١ .
(٢) المدونة الكبرى ١ : ٢٣١ ، المغني ٣ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، وفيهما قالوا به في المتوفّى عنها زوجها .
(٣ و ٤) فتح العزيز ٦ : ٥٣٦ ، المجموع ٦ : ٥١٧ .
وإن كان المرض ثقيلاً يفتقر معه إلى الإِفطار ، ويحتاج إلى الفراش والطبيب والمعالجة ، خرج إجماعاً فإذا برئ أتمّ اعتكافه إن كان قد اعتكف أوّلاً ثلاثة أيّام فما زاد ، وإلّا وجب عليه الاستئناف .
وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه لا ينقطع به التتابع ؛ لدعاء الحاجة إليه ، فصار كالخروج لقضاء الحاجة .
والثاني : أنّه ينقطع ؛ لأنّ المرض لا يغلب عروضه ، بخلاف قضاء الحاجة والحيض ، فإنّه يتكرّر غالباً ، فيجعل كالمستثنى لفظاً (١) .
إذا عرفت هذا ، فالاعتكاف إن كان مندوباً ، خرج المريض إلى بيته ، ولا يجب قضاؤه ، وإن كان واجباً ، فإن كان ثلاثة لا غير ، استأنف الاعتكاف ؛ لأنّ ما بقي أقلّ من ثلاثة وكذا ما مضى ، فالماضي لا يجزئه عنه وكذا الباقي .
ولقول الصادق عليه السلام : « إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة ، فإنّه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم » (٢) .
وإن كان أكثر من ثلاثة ، فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج ، فإذا عاد بنى ، فإن كان الباقي ثلاثة أيضاً فما زاد ، أتى به ، وإن كان أقلّ ، ضمّ إليه ما يكمله ثلاثة .
وإن حصل العارض قبل انقضاء الثلاثة ، فالأقرب الاستئناف .
مسألة ٢٢٣ : إذا اعتكف في المسجد الحرام فأحرم بحجّ أو عمرة حالة اعتكافه ، لزمه الإِحرام ، ويقيم في معتكفة إلى أن يتمّ ثم يمضي في إحرامه ؛ لأنّها عبادة تبطل بالخروج لغير ضرورة ولا ضرورة هنا .
ولو خاف فوت الحجّ ، ترك الاعتكاف ، ومضى في الحج ، فإذا فرغ
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥١٧ .
(٢) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٣ .
استأنف واجباً إن كان الاعتكاف واجباً ولم تمض ثلاثة ، وإلّا ندباً ؛ لأنّ الخروج حصل باختياره ؛ لأنّه كان يسعه أن يؤخّر الاعتكاف .
ولو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، فإن كان فيه ، اعتكف ، وإن كان بعيداً عنه ، دخل إليه ولم يدخله إلّا بنسك إمّا حجّ أو عمرة .
ولو اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، قال الشيخ رحمه الله : لم يلزمه قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه (١) .
ولو وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله نهباً أو حريقاً إن قعد في المسجد ، فله ترك الاعتكاف ؛ لأنّ الله تعالى أباح ترك الجمعة الواجبة وطهارة الماء بذلك فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه .
وقد روي عن الصادق عليه السلام : « إن واقعة بدر كانت في شهر رمضان ، فلم يعتكف رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين يوماً ، عشرة لعامه وعشرة قضاءً لما فاته » (٢) وإذا جاز ترك الاعتكاف من أصله فكذا في أثنائه .
مسألة ٢٢٤ : لو خرج المعتكف من المسجد سهواً ، لم يبطل اعتكافه ولا تتابعه ـ وهو أحد قولي الشافعية (٣) ـ لقوله عليه السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ) (٤) .
ولأنّه فعل المنهي عنه ناسياً ، فلا يقتضي فساد العبادة كالأكل في الصوم وغيره من المفطرات .
والثاني للشافعية : أنّه يبطل التتابع ؛ لأنّ اللبث مأمور به ، والنسيان
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥ .
(٢) الكافي ٤ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٠ / ٥١٨ .
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦ .
(٤) كنز العمال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير .
ليس بمعذّر في ترك المأمورات (١) .
وهو ممنوع ، وللحنابلة قولان (٢) كهذين .
مسألة ٢٢٥ : لو اُكره على الخروج ، فإن طال زمانه ، بطل اعتكافه ؛ لانتفاء المسمّى ، ولو لم يَطُلْ لم يبطل بل يبني مع العود ؛ لقوله عليه السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (٣) .
وللشافعي قولان ، أحدهما : بطلان الاعتكاف وانقطاع التتابع بالإِكراه على الخروج . والثاني : عدم البطلان (٤) .
ولو أخرجه السلطان ، فإن كان ظلماً ، مثل أن يطالبه بما ليس عليه أو بما لَهُ عليه وهو معسر ، لم يبطل اعتكافه إلّا مع طول الزمان ، وإن أخرجه بحقّ ، مثل إقامة حدّ أو استيفاء دَيْن يتمكّن من أدائه ، بطل اعتكافه واستأنف .
وبه قال الشافعي في المال خاصّة دون الحدّ ؛ لأنّ التقصير منه في المال ، وأحوج نفسه إلى الإِخراج مع تمكّنه من تركه ، فكان كمن يخرج مختاراً .
أمّا في الحدّ : فلأنّه مكره على الخروج إن ثبت بالبيّنة ، وإن ثبت بإقراره انقطع تتابعه ، ونصّ في الثابت بالبيّنة أنّه لا ينقطع تتابعه (٥) .
وفرّق بينه وبين إقامة الشهادة : أنّ الشهادة إنّما تتحمّل لتؤدّي ، فاختياره للتحمّل اختيار للأداء ، والجريمة الموجبة للحدّ لا يرتكبها المُجْرم ليُقام عليه
__________________
(١) المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٦ .
(٢) المغني ٣ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ .
(٣) تقدمت الإِشارة إلى مصدره في الصفحة السابقة ، الهامش (٤) .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، الوجيز ١ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥ .
(٥) المجموع ٦ : ٥٢٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ و ٥٣٨ .
الحدّ ، فلم تحصل باختياره ولا اعتبار باختيار السبب (١) .
وينتقض : بأداء الشهادة إذا كان مختاراً في تحمّلها ، فإنّه يبطل اعتكافه عنده لو خرج لأدائها مضطرّاً .
ولو حُمل فاُخرج فكالمضطرّ .
وقال الشافعي : لا يبطل ، كما أنّه لو وُجر الصائم الطعام لا يبطل صومه (٢) .
مسألة ٢٢٦ : الأعذار المبيحة للخروج إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف لا يجب قضاء أوقاتها على الأقوى ؛ لأنّه كالمستثنى .
وقال الشافعي : يجب قضاؤها إلّا وقت قضاء الحاجة .
وهل يجب تجديد النيّة عند العود ؟ أمّا إذا خرج لقضاء الحاجة فلا ، وكذا ما لا بدّ منه ، كالخروج للاغتسال والأذان إذا جوّزنا الخروج إليه .
أمّا ما منه بُدٌّ فوجهان ، أحدهما : أنّه يجب ؛ لأنّه خرج عن العبادة بما عرض . والأظهر : عدم الوجوب ؛ لشمول النيّة جميع المدّة (٣) .
مسألة ٢٢٧ : يستحب للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، بإجماع العلماء ـ إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يصح الاشتراط (٤) ـ لأنّه عبادة في إنشائها الخيرة ، فله اشتراط الرجوع مع العارض كالحجّ . ولأنّه عبادة يجب بعقده ، فكان الشرط إليه فيه كالوقف . ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه .
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٥٣٨ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥٢١ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٧ .
(٣) المجموع ٦ : ٥٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣٢ و ٥٤١ ـ ٥٤٢ .
(٤) المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ و ٢٢٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٨٠ ـ ٨١ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٣٥ ، المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ .
وقد قال الصادق عليه السلام : « واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك ( إنّ ذلك في ) (١) اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله » (٢) .
وقال الصادق عليه السلام : « وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يُحْرم » (٣) .
واحتجّ مالك : بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصح ، كما لو شرط الجماع أو الأكل في الصلاة (٤) .
ونمنع شرط المنافي ، بل هو بمنزلة مَنْ شرط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وهو صحيح ، بخلاف أصله ؛ لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز .
مسألة ٢٢٨ : قال الشيخ رحمه الله : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه ، فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان ، وجب الثالث ، وإن لم يشترط ، وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (٥) .
وقال في النهاية : متى شرط جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، وإن لم يشترط ، لم يكن له الرجوع فيه إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان ، وجب عليه ثلاثة أيّام (٦) ؛ لقول الباقر عليه السلام : « إذا اعتكف يوماً
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في الاستبصار : « أن يُحلّك من » .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٨ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤١٩ .
(٣) الكافي ٤ : ١٧٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢٨ ـ ١٢٩ / ٤١٨ .
(٤) اُنظر : المدونة الكبرى ١ : ٢٢٨ ، والمنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٨١ .
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩ .
(٦) النهاية : ١٧١ .
ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط ، فليس له أن يخرج ويفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام » (١) .
ويجيء على قول الشيخ ـ رحمه الله ـ تفصيل ، وهو : أنّ الاعتكاف إن كان متبرّعاً به ، جاز له أن يرجع متى شاء ، سواء شرط أو لا ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا تجب بالدخول فيها ، وإن كان منذوراً فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا ، فالأقسام ثمانية :
أ ـ أن يعيّن زماناً ويشترط التتابع والرجوع مع العارض ، فله الرجوع عند العارض ، ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالشرط ، ولا قضاؤه ؛ لأصالة البراءة السليمة عن المعارض .
ب ـ عيّن النذر ولم يشترط التتابع ، لكن شرط الرجوع ثم عرض العارض ، فله الخروج ؛ عملاً بالشرط ، ولا يجب عليه الإِتمام ولا القضاء .
ج ـ عيّن النذر وشرط التتابع ولم يشترط على ربه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ويقضي مع الزوال متتابعاً .
د ـ عيّن النذر ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ثم حصل العارض ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت .
هـ ـ لم يعيّن زماناً لكن شرط التتابع واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثم يأتي بما بقي عليه متتابعاً عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف .
و ـ لم يعيّن واشترط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ثم يستأنف اعتكافاً متتابعاً ؛ لأنّه وجب عليه متتابعاً ، ولا يتعيّن بفعله إذا لم يعيّنه بنذره ، فيجب عليه الإِتيان به على وصفه الذي شرط في نذره . وفيه
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / ٨٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢١ .
إشكال .
ز ـ لم يعيّن واشترط على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد ، وأتى بالباقي إن كان ثلاثةً فما زاد ، وإلّا فثلاثة .
ح ـ لم يعيّن ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويستأنف إن لم تحصل ثلاثة ، وإلّا أتمّ .
مسألة ٢٢٩ : الاشتراط إنّما يصح في عقد النذر ، أمّا إذا أطلقه من الاشتراط ، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف ، فإذا لم يشترط ثم عرض ما يمنع الصوم أو الكون في المسجد ، فإنّه يخرج ويقضي الاعتكاف إن كان واجباً فواجباً ، وإن كان ندباً فندباً .
وإنّما يصح اشتراط الرجوع مع العارض ، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة والتنزّه أو البيع والشراء للتجارة أو التكسّب بالصناعة في المسجد ، لم يجز ؛ لأنّه منافٍ للاعتكاف .
مسألة ٢٣٠ : قد بيّنّا أنّه يجوز للمعتكف الخروج لقضاء الحاجة ولنفع المؤمن والصلاة على الجنازة وعيادة المريض وشراء مأكوله ومشروبه .
وأكثر العامّة منع من الخروج إلّا لقضاء الحاجة ولما لا بُدّ له منه ، فإن خرج لما لَهُ منه بُدٌّ ، بطل اعتكافه وإن قلّ ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد (١) .
وقال أبو يوسف ومحمد : لا يفسد حتى يكون أكثر من نصف يوم ؛ لأنّ اليسير معفوّ عنه ، كما لو تأنّى في مشيه .
ولأنّ صفيّة أتت النبي صلّى الله عليه وآله ، تزوره في معتكفه ، فلمّا
__________________
(١) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥ .
قامت لتَنْقَلِبَ خرج معها ليَقْلِبَها (١) (٢) (٣) .
ويحتمل أن لا يكون له عليه السلام منه بُدٌّ ؛ لأنّه كان ليلاً فلم يأمن عليها .
مسألة ٢٣١ : منع العامّة من الخروج لعيادة المريض وشهادة الجنازة إلّا أن يشترط فعل ذلك في اعتكافه ، فيكون له فعله ، سواء كان الاعتكاف واجباً أو ندباً ، وكذا ما كان قربةً ، كزيارة أهله أو رجل صالح أو عالم ، أو كان مباحاً ممّا يحتاج إليه ، كالأكل في منزله والمبيت فيه ، فله فعله (٤) . وفي المبيت إشكال .
وقد أجاز اشتراط الأكل في منزله الحسن والعلاء بن زياد والنخعي وقتادة (٥) .
ومنع منه مالك والأوزاعي (٦) .
قال مالك : لا يكون في الاعتكاف شرط (٧) .
وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب بعقده ، فكان الشرط فيه إليه كالوقف . ولأنّ الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج ، فكأنّه نذر القدر الذي أقامه . وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض خَرَجْتُ ، جاز شرطه .
مسألة ٢٣٢ : إذا نذر اعتكافاً بصفة التتابع ، وشرط الخروج منه إن عرض عارض ، صحّ شرطه على ما تقدّم ؛ لأنّ الاعتكاف إنّما يلزم بالتزامه ، فيجب بحسب الالتزام ، وهو أظهر قولي الشافعي (٨) .
__________________
(١) أي : فلمّا قامت لترجع خرج معها ليصحبها . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٩٦ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٦ / ١٧٧٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٤ .
(٣) المغني ٣ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٢ .
(٤) المغني ٣ : ١٣٥ ـ ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٨ ـ ١٤٩ .
(٥ ـ ٧) المغني ٣ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٤٩ .
(٨) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧ .
وله قول آخر : إنّه لا يصح ـ كما هو مذهب مالك ـ لأنّه شرط المنافي فيلغو ، كما لو شرط أن يخرج للجماع (١) .
والمشهور عند الشافعية : الصحة (٢) ، وبه قال أبو حنيفة (٣) . وبالثاني قال مالك (٤) . وعن أحمد روايتان (٥) .
فعلى القول بالصحة إن عيّن نوعاً ، مثل أن قال : لا أخرج إلّا لعيادة المريض ، أو عيّن ما هو أخصّ ، فقال : لا أخرج إلّا لعيادة زيد ، خرج فيما عيّنه خاصة دون غيره وإن كان أهمّ منه عند الشافعي (٦) . وعندنا يجوز فيما عداه من القُرَب على ما سبق ، إلّا أن يطول الزمان .
وإن أطلق وقال : لا أخرج إلّا لشغل يعتري أو لعارض يعرض ، كان له أن يخرج لكلّ شغل ديني ، كحضور الجمعة وعيادة المرضى ، أو دنيوي ، كلقاء السلطان واقتضاء الغريم ، ولا يبطل التتابع بشيء من ذلك عنده (٧) .
وشَرَط في الشغل الدنيوي الإِباحة .
وللشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يشترط (٨) .
ولا عبرة بالنزهة ؛ لأنّه لا يُعدّ من الأشغال ، ولا يعتنى به .
ولو قال : إن عرض لي عارض قَطَعْتُ الاعتكاف ، فالحكم كما لو شرط ، إلّا أنّه في شرط الخروج يلزمه العود عند قضاء الحاجة ، وفيما إذا قصد القطع لا يلزمه ذلك .
وكذا لو قال : عليَّ أن أعتكف رمضان إلّا أن أمرض أو اُسافر ، فإذا مرض أو سافر فلا شيء عليه .
ولو نذر صلاةً وشرط الخروج إن عرض عارض ، أو صوماً وشرط الخروج إن جاع أو اُضيف فيه ، فلهم وجهان :
__________________
(١ ـ ٥) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ، المجموع ٦ : ٥٣٧ .
(٦ ـ ٨) فتح العزيز ٦ : ٥٢٠ ـ ٥٢١ ، المجموع ٦ : ٥٣٨ .
أحدهما ـ وهو قول أكثر الشافعيّة ـ أنّه يصحّ هذا الشرط ، كما في الاعتكاف .
والثاني : لا يصحّ ولا ينعقد النذر ، بخلاف الاعتكاف ؛ لأنّ ما يتقدّم منه على الخروج عبادة ، وبعض الصلاة والصوم ليس بعبادة (١) .
ولو فرض ذلك في الحج ، انعقد النذر عندهم (٢) ، كما ينعقد الإِحرام المشروط ، ولكن في جواز الخروج للشافعي قولان (٣) . والصوم والصلاة أولى لجواز الخروج منهما عند أكثرهم ؛ لأنّهما لا يلزمان بالشروع ، والالتزام مشروط ، فإذا وجد العارض فلا يلزم ، والحج يلزم بالشروع (٤) .
ولو نذر التصدّق بعشرة دراهم أو بهذه الدراهم إلّا أن تعرض حاجة ونحوها ، فلهُمْ وجهان ، والأظهر عندهم : صحة الشرط ، فإذا احتاج فلا شيء عليه (٥) .
ولو قال : في هذه القُرُبات إلّا أن يبدو لي ، فوجهان :
أحدهما : أنّه يصح الشرط ، فلا شيء عليه إذا بدا له ، كشرط سائر العوارض .
وأظهرهما عندهم : البطلان ؛ لأنّه تعليق للأمر بمجرّد الخيرة ، وذلك يناقض صيغة الالتزام (٦) .
ثم هل يبطل النذر من أصله أو يصحّ ويلغو الشرط ؟ للشافعيّة قولان (٧) .
وإذا شرط الخروج لغرض وقالوا بصحته ، فخرج لذلك الغرض ، هل يجب تدارك الزمان المصروف إليه ؟ يُنظر إن نذر مدّةً غير معيّنة ، كشهر مطلق أو عشرة مطلقة ، فيجب التدارك ليُتمّ المدّة المنذورة ، وتكون فائدة الشرط : تنزيل الغرض منزلة قضاء الحاجة في أنّ التتابع لا ينقطع به .
__________________
(١ ـ ٤) فتح العزيز ٦ : ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، المجموع ٦ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ .
(٥ ـ ٧) فتح العزيز ٦ : ٥٢٢ ـ ٥٢٣ ، المجموع ٦ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ .
وإن عيّن المدّة فنذر اعتكاف هذه العشرة أو شهر رمضان ، لم يجب التدارك ؛ لأنّه لم ينذر إلّا اعتكاف ما عدا ذلك الزمان من العشرة (١) .
مسألة ٢٣٣ : إذا نذر أن يعتكف شهراً بعينه ، دخل المسجد قبل غروب الشمس ، وخرج منه يوم الثلاثين بعد غروب الشمس ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ـ لأنّه نذر الشهر ، وأوّله غروب الشمس ، ولهذا تحلّ الديون المعلّقة به ، ويقع الطلاق والعتاق المعلّقان به ، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر ، فإنّه لا يمكن إلّا بذلك فيجب ، كما يجب إمساك جزء من الليل مع النهار في الصوم .
وقال أحمد في الرواية الثانية : إنّه يدخل قبل طلوع الفجر ـ وبه قال الليث وزفر ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان إذا أراد أن يعتكف صلّى الصبح ثم دخل معتكفه (٣) .
ولأنّ الله تعالى قال : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٤) ولا يلزم الصوم إلّا من قبل طلوع الفجر .
ولأنّ الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجز ابتداؤه قبل شرطه (٥) .
ولا حجّة في الخبر ؛ لأنّه يدخل في التطوّع متى شاء .
قال ابن عبد البرّ : لا أعلم أنّ أحداً من الفقهاء قال به (٦) .
والصوم محلّه النهار ، فلا يدخل فيه شيء من الليل في أثنائه ولا ابتدائه
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٥٢٤ ـ ٥٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٤٠ .
(٢) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٣١ / ١١٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٣ / ١٧٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٥٧ / ٧٩١ ، سنن البيهقي ٤ : ٣١٥ .
(٤) البقرة : ١٨٥ .
(٥) المغني ٣ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٦ .
(٦) المغني ٣ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧ .
إلّا ما حصل ضرورة ، بخلاف الاعتكاف .
ولو أحبّ اعتكاف العشر الأواخر تطوّعاً ، ففيه روايتان عن أحمد :
إحداهما : يدخل فيه قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ؛ لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ، وهي الليلة التي يخرج في صبيحتها من اعتكافه ، قال : ( من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ) .
ولأنّ العشر بغير « هاء » عدد الليالي (١) . وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٢) .
وفي الثانية : يدخل بعد صلاة الصبح ـ وبه قال الأوزاعي وإسحاق ـ لما روت عائشة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان إذا صلّى الصبح دخل معتكفه (٣) .
واستحبّ أحمد لمن اعتكف العشر الأخير من رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفه (٤) .
ويستحبّ للمرأة إذا أرادت الاعتكاف أن تستتر بشيء ؛ لأنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وآله ، لمّا أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهنّ فضُرِبْنَ في المسجد (٥) .
وإذا ضربت بناءً ، جَعَلَتْه في مكان لا يصلّي فيه الرجال ، لئلّا تقطع صفوفَهم وتُضيّق عليهم .
ولا بأس للرجل أن يستتر أيضاً ؛ فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر
__________________
(١) أي : إسقاط « الهاء » في العشر دليل على إرادة الليالي . هامش « ن » .
(٢) قوله : وهو إحدى الروايتين . . . يفيده قوله المتقدّم عليه : ففيه روايتان عن أحمد ، إحداهما .
(٣ و ٤) المغني ٣ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٧ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ٢٤٦٤ .
ببنائه فضُرب (١) . ولأنّه أستر له وأخلى (٢) .
المطلب السادس : في الكفّارة
مسألة ٢٣٤ : إذا جامع المعتكف في حال اعتكافه ليلاً أو نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري والزهري وبعض الحنابلة وأحمد في إحدى الروايتين (٣) ـ لأنّه عبادة يفسدها الوطء بعينه ، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها ، كالحجّ وصوم رمضان .
ولأنّه زمان تعيّن للصوم ، وتعلّق الإِثم بإفساده ، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع كرمضان .
ولأنّ سماعة سأل الصادق عليه السلام ، عن معتكف واقع أهله ، فقال : « هو بمنزلة مَنْ أفطر يوماً من شهر رمضان » (٤) .
وسأله أبو ولّاد الحنّاط عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت ـ حين بلغها قدومه ـ من المسجد إلى بيتها وتهيّأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : « إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها كان عليها ما على المُظاهر » (٥) .
وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا كفّارة عليه ـ وهو قول عطاء والنخعي
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٣٣١ / ٢٤٦٤ .
(٢) أخلى : من الخلوة بالنفس عن الناس لأجل الاشتغال بالعبادة ؛ لأن الاختلاط بهم يضادّ التفرّغ ويلهي عادة .
(٣) المغني ٣ : ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، المجموع ٦ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٥ .
(٤) الكافي ٤ : ١٧٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٢٣ / ٥٣٤ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٣ .
(٥) الكافي ٤ : ١٧٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٢ .
وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثوري وأهل الشام والأوزاعي ـ لأنّها عبادة لا تجب بأصل الشرع ، فلا تجب بإفسادها كفّارة ، كالنوافل .
ولأنّها عبادة لا يدخل المال في جبرانها ، فلم تجب الكفّارة بإفسادها ، كالصلاة .
ولأنّ الكفّارة إنّما تثبت بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابها ، فتبقى على الأصل (١) .
والفرق : أنّ النوافل لا يتعلّق بإفسادها إثم فلا كفّارة ؛ لأنّ الكفّارة تتبع الإِثم .
والقياس على الصلاة ممنوع ، ومعارض بما قلناه ، وبأنّه في مقابلة النصّ .
وقد بيّنّا ورود الشرع بالوجوب ، وهي الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام ، وهُمْ أعرف بالأحكام من غيرهم ؛ فإنّ الوحي في بيتهم نزل .
مسألة ٢٣٥ : كفّارة الاعتكاف عند علمائنا هي كفّارة رمضان : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ـ وبه قال الحسن والزهري إلّا أنّهما قالا بالترتيب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٢) ـ لأنّها كفّارة في صوم واجب ، فكانت مثل كفّارة رمضان .
ولما تقدّم من الروايتين (٣) عن الصادق عليه السلام .
ولأنّ سماعة قال : سألت الصادق عليه السلام ، عن معتكف واقع أهله ، قال : « عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة
__________________
(١) المغني ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ .
(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦ .
(٣) تقدّمتا في المسألة السابقة ( ٢٣٤ ) .
أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً » (١) .
وقال بعض الحنابلة : تجب كفّارة يمين (٢) .
والمشهور عن أحمد أنّه قال : مَنْ أصاب في اعتكافه فهو كهيئة المُظاهر ، نقله عن الزهري . ثم قال : إذا كان نهاراً ، وجبت عليه الكفّارة (٣) .
مسألة ٢٣٦ : الذي عليه فتوى علمائنا أنّها كفّارة مخيّرة مثل كفّارة رمضان ؛ لما تقدّم من الروايات (٤) . وللأصل .
وفي رواية عن الباقر عليه السلام ، واُخرى عن الصادق عليه السلام أنّ « عليه ما على المُظاهر » (٥) .
وهي محمولة على المساواة في المقدار دون الترتيب ؛ جمعاً بين الروايات .
مسألة ٢٣٧ : الجماع إن وقع في نهار رمضان ، وجب عليه كفّارتان : إحداهما عن الاعتكاف ، والاُخرى عن رمضان ، وإن وقع ليلاً ، وجبت كفّارة واحدة وإن كان في غير رمضان ، وكذا إن وقع في نهار غير رمضان ؛ لأنّ كلّ واحد من عبادتي الاعتكاف ورمضان يوجب الكفّارة ، والأصل عدم التداخل عند تغاير السبب .
وقد سأل عبد الأعلى بن أعين ، الصادق عليه السلام ، عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : « عليه الكفّارة » قال : قتلت : فإن وطأها نهاراً ؟ قال : « عليه كفّارتان » (٦) .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ .
(٢) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ .
(٣) المغني ٣ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٦ .
(٤) منها : رواية سماعة ، وقد تقدّمت في المسألة ٢٣٥ .
(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤ ، الجعفريات : ٥٩ .
(٦) الفقيه ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / ٥٣٣ ، التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٩ .
والسيد المرتضى ـ رحمه الله ـ أطلق ، فقال : المعتكف إذا جامع نهاراً ، كان عليه كفّارتان ، وإن جامع ليلاً ، كان عليه كفّارة واحدة (١) . والظاهر أنّ مراده رمضان .
مسألة ٢٣٨ : لو كانت المرأة معتكفةً ووطأها مختارة ، وجب عليها مثل ما يجب على الرجل ، فإن أكرهها ، تضاعفت الكفّارة عليه ، فإن كان الإِكراه في نهار رمضان ، وجب عليه أربع كفّارات ، ولا يبطل اعتكافها ولا صومها للإِكراه ، وإن كان في ليل غير رمضان ، كان عليه كفّارتان لا غير ، ولا يفسد اعتكافها أيضاً ، ومع المطاوعة يفسد اعتكافها كالرجل .
وقال بعض (٢) علمائنا : لا يجب تضاعف الكفّارة بالإِكراه ؛ لأنّ الكفّارة تتبع إفساد الاعتكاف وهو غير متحقّق في طرف المرأة ؛ لأنّ اعتكافها صحيح .
ولا بأس به ، مع أنّ رواية التضعيف (٣) ضعيفة ؛ لأنّ في طريقها المفضّل ابن عمر ، وفيه قول .
مسألة ٢٣٩ : المباشرة دون الفرج إن كانت بغير شهوة ، فلا بأس بها ، مثل أن تغسل رأسه أو تفليه (٤) أو تناوله شيئاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، كان يُدني رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجّله (٥) .
وإن كانت عن شهوة ، فهي محرّمة ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) (٦) .
ولأنّه لا يأمن من إفضائها إلى إفساد الاعتكاف ، وما أفضى إلى الحرام
__________________
(١) الانتصار : ٧٣ .
(٢) هو المحقّق في المعتبر : ٣٢٦ .
(٣) الكافي ٤ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥ .
(٤) فلا رأسه ، يفلوه ويفليه : بحثه عن القمل . لسان العرب ١٥ : ١٦٢ .
(٥) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في المسألة ٢٠٨ .
(٦) البقرة : ١٨٧ .
يكون حراماً .
فإن فعل ما ينزل ، فسد اعتكافه ، وإن لم ينزل ، لم يفسد ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه (١) ـ لأنّها مباشرة لا تُفسد صوماً ولا حجّاً فلم تُفسد الاعتكاف ، كالمباشرة بغير شهوة .
والقول الثاني للشافعي : إنّها تُفسد في الحالين ـ وبه قال مالك ـ لأنّها مباشرة محرّمة ، فأفسدت الاعتكاف ، كما لو أنزل (٢) .
والفرق : أنّها مع الإِنزال تُفسد الصوم .
قال الشيخ رحمه الله : ويجب القضاء والكفّارة بالجماع ، وكذا كلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمداً (٣) .
مسألة ٢٤٠ : إعلم أنّ الكفّارة تجب بإفساد الاعتكاف الواجب بالجماع إجماعاً ، وكذا بالإِنزال بالمباشرة وشبهها عند علمائنا وأكثر العامّة (٤) .
وهل تجب بالأكل والشرب ؟ خلاف عند علمائنا ، المشهور : أنّها تجب .
وقال بعض علمائنا : لا تجب (٥) ؛ للأصل ، والنصّ إنّما ورد في الجماع ، ولا يجب سوى القضاء إن كان الصوم واجباً أو كان في ثالث
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٢٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١٦ ، المغني ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٥ و ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ .
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٨٥ ، مقدّمات ابن رشد ١ : ١٩١ ، المغني ٣ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٧ .
(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤ .
(٤) اُنظر : المغني ٣ : ١٣٩ والشرح الكبير ٣ : ١٥٥ ، والمجموع ٦ : ٥٢٧ ، وبداية المجتهد ١ : ٣١٦ .
(٥) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦ ، وراجع : شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٠ .
المندوب ، وإلّا لم يجب القضاء أيضاً .
قال المفيد رحمه الله ، والسيد المرتضى رضي الله عنه : تجب الكفّارة بكلّ مُفطرٍ في شهر رمضان (١) .
وقال بعض (٢) علمائنا : إن كان الاعتكاف في نهار شهر رمضان ، وجبت الكفّارة بكلّ مفطر ، وكذا إن كان منذوراً معيّناً ؛ لأنّه بحكم رمضان ، ولو كان الاعتكاف مندوباً أو واجباً غير معيّن بزمان ، لم تجب الكفّارة إلّا بالجماع خاصة .
مسألة ٢٤١ : لو مات المعتكف قبل انقضاء مدّة اعتكافه ، قال الشيخ رحمه الله : في أصحابنا مَنْ قال : يقضي عنه وليّه أو يخرج من ماله مَنْ ينوب عنه ؛ لعموم ما روي أنّ مَنْ مات وعليه صوم واجب وجب على وليّه القضاء عنه أو الصدقة (٣) .
والأقرب أن يقال : إن كان واجباً فكذلك على إشكال ، وإن كان ندباً فلا .
قال الشيخ رحمه الله : قضاء الاعتكاف الفائت ينبغي أن يكون على الفور (٤) .
فإن قصد الوجوب فهو ممنوع ؛ لأصالة البراءة ، وإن أراد الاستحباب فهو جيّد ؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة وإخلاء الذمّة عن الواجب .
ثم قال رحمه الله : إذا اُغمي على المعتكف أيّاماً ثم أفاق ، لم يلزمه
__________________
(١) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٢٥ ، وراجع : المقنعة : ٥٨ ، وجُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٦١ .
(٢) هو المحقق في المعتبر : ٣٢٦ .
(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ .
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤ .
قضاؤه ؛ لأنّه لا دليل عليه (١) .
والوجه : الوجوب إن كان واجباً غير معيّن ، وإن كان معيّناً واُغمي عليه في تلك الأيام ، فالأولى السقوط ؛ لأصالة البراءة .
ثم قال رحمه الله : متى كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر ، كان دخوله في قضائه قبل الفجر ، ويصوم يومه ، ولا يعيد الاعتكاف ليله ، وإن كان خروجه ليلاً ، كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدّة الاعتكاف المضروبة ، فإن كان خرج وقته من مدّة الاعتكاف بما فسخه به ثم عاد إليه وقد بقيت مدّة من التي عقدها ، تمّم باقي المدّة وزاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت (٢) .
مسألة ٢٤٢ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف في أصله مندوب ، ولا يجب بالدخول فيه ، ولا بمضيّ يومين على أقوى القولين ، فينوي الندب إن لم ينذره .
وعند الشيخ ـ رحمه الله ـ ينوي الندب في اليومين الأوّلين ، وفي الثالث ينوي الوجوب (٣) .
وعلى قوله الآخر من أنّه يجب بالدخول فيه (٤) ينوي الوجوب في اليوم الثاني والثالث .
وإذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف ، اعتكف ثلاثة ليصحّ ذلك اليوم ، وينوي الوجوب في الجميع ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب .
وكذا لو نذر أن يعتكف أول الشهر ، أو قال : قدوم زيد ؛ وجب أن يضمّ إليه آخَرَيْن ، وينوي الوجوب في الجميع .
__________________
(١ و ٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤ .
(٣) النهاية : ١٧١ .
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٩ .