الشيخ تقي الدين ابراهيم بن علي الكفعمي
المحقق: الشيخ فارس تبريزيان « الحسّون »
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة قائم آل محمد (عج)
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٠
المانع :
الذي يمنع أولياءه ويحوطهم وينصرهم ، من المنعة . أو : يمنع من يستحق المنع (١٤٦) ، من المنع ، أي : الحرمان ، لأنّ منعه سبحانه حكمة وعطاؤه جود ورحمة ، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .
وقد يكون المانع : الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة للحفظ .
الوالي :
هو المالك للأشياء المتصرف فيها المتولي عليها ، وقد يكون بمعنى المنعم ، عوداً على بدء . وقوله تعالى : « وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ » (١٤٧) أي : من ولي ، أي : من ناصر ، والمولى والولي يأتيان بمعنى الناصر أيضاً ، وقد مرّ شرحهما .
والولاية بفتح الواو : النصرة ، وبكسره : الإمارة ، وقيل : هما لغتان كالدّلالة . والدلالة ، والولاية أيضاً الربوبية ، ومنه : « هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ » (١٤٨) يعني : يومئذ يتولّون الله ويؤمنون به ، ويتبرّؤون مما كانوا يعبدون .
المتعالي :
قال البادرائي : هو المتنزّه عن صفات المخلوقين .
وقال الهروي : المتعالي الذي جلّ عن إفك المفترين . وقد يكون المتعالي بمعنى العالي ، ومعنى : « تَعَالَى اللَّهُ » (١٤٩) أي : جلّ عن أن يوصف .
___________________________
(١٤٦) في ( ر ) ورد بعد لفظ المنع : « والحكمة في منعه اشتقاقه » ولم نثبته لاختلال المعنى به .
(١٤٧) الرعد ١٣ : ١١ .
(١٤٨) الكهف ١٨ : ٤٤ .
(١٤٩) النمل ٢٧ : ٦٣ .
التوّاب :
من أبنية المبالغة ، وهو : الذي يقبل التوبة من عباده ويسهّل لهم أسباب التوبة ، وكلّما تكررت التوبة من العبد تكرر منه القبول . والتوّاب من الناس : التائب ، والتوبة والتوب : الرجوع عن الذنب ، وقيل : التوب جمع توبة .
المنتقم :
هو الذي يبالغ في العقوبة لمن يشاء ، وانتقم الله من فلان : عاقبه .
وفي عبارة الشهيد : هو قاصم ظهور العصاة (١٥٠) .
الرؤوف :
هو الرحيم العاطف برحمته على عباده ، وقيل : الرأفة أبلغ الرحمة وأرقّها ، وقيل : الرأفة أخصّ والرحمة أعمّ .
مالك الملك :
معناه أنّ الملك بيده ، وقد يكون معناه : مالك الملوك . والملكوت من الملك ، كالرهبوت من الرهبة ، وتملّك كذا أي : ملكه قهراً .
ذو الجلال والإكرام :
أي : ذو العظمة والغنى المطلق والفضل العامّ ، قاله الشهيد (١٥١) .
وقيل : معناه أي : يستحق أن يجلّ ويكرم ، فلا يجحد ولا يكفر به ، قاله البادرائي .
___________________________
(١٥٠) القواعد والفوائد ٢ : ١٦٩ .
(١٥١) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٢ .
ذو الطول :
أي : المتفضل بترك العقاب المستحق عاجلاً وآجلاً لغير الكافر .
والطول بفتح الطاء : الفضل والزيادة ، وبضمها : في الجسم ، لأنه زيادة فيه ، كما أن القصر قصور فيه ونقصان ، وقولهم : طلت فلاناً ، أي : كنت أطول منه ، من الطول والطول جميعاً .
ذو المعارج :
أي : ذو الدرجات التي هي مصاعد الكلم الطيب والعمل الصالح ، أو التي يترقّى فيها المؤمنون في الجنة ، وقوله تعالى : « وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ » (١٥٢) أي : درج عليها يعلون ، واحدها معرج ومعراج ، وعرج في الدرجة أو السلم : ارتقى .
النور :
قال البادرائي : هو الذي بنوره يبصر ذو العماية وبهدايته ينظر ذو الغواية ، وعلى هذا يتناول قوله تعالى : « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (١٥٣) أي : منورهما .
وقال الشهيد : النور المنّور مخلوقاته بالوجود والكواكب والشمس والقمر واقتباس النار ، أو نوّر الوجود بالملائكة والأنبياء ، أو دبّر الخلق بتدبيره (١٥٤) .
الهادي :
الذي هدى الخلق إلى معرفته بغير واسطة ، أو بواسطة ما خلقه من الأدلة على معرفته ، وهدى سائر الحيوان إلى مصالحها ، قال تعالى : « الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ
___________________________
(١٥٢) الزخرف ٤٣ : ٣٣ .
(١٥٣) النور ٢٤ : ٣٥ .
(١٥٤) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٣ .
شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ » (١٥٥) .
البديع :
هو الذي فطر الخلق مبتدعاً لا على مثال سبق ، وهو فعيل بمعنى مفعل كأليم بمعنى مؤلم . والبديع يقال على الفاعل والمنفعل ، والمراد هنا الأول ، والبدع الذي يكون أولاً في كلّ شيء ، ومنه قوله تعالى : « مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ » (١٥٦) أي : لست بأول مرسل .
الباقي :
قال الشهيد : هو الموجود الواجب وجوده لذاته أزلاً وأبداً (١٥٧) .
وقال البادرائي وصاحب العدة : هو الذي بقاؤه غير متناه ولا محدود ، ولا تعرض عليه عوارض الزوال ، وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما ، لأن بقاءه أزليّ أبديّ وبقاؤهما أبديّ غير أزليّ ، ومعنى الأزليّ : ما لم يزل ، والأبديّ : ما لا يزال ، والجنة والنار مخلوقتان كائنتان بعد أن لم تكونا (١٥٨) .
الوارث :
هو الباقي بعد فناء الخلق ، فترجع إليه الأملاك بعد فناء الملّاك .
الرشيد :
الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم . أو ذو الرشد ، وهو الحكمة ، لاستقامة تدبيره . أو الذي ينساق بتدبيراته إلى غايتها .
___________________________
(١٥٥) طٰه ٢٠ : ٥٠ .
(١٥٦) الأحقاف ٤٦ : ٩ .
(١٥٧) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٤ .
(١٥٨) عدّة الداعي : ٣٠١ ، باختلاف .
الصبور :
هو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه . أو الذي لا تحمله العجلة بعقوبة العصاة ، لاستغنائه عن التسرع ، إذ لا يخاف الفوت .
والصبور من أبنية المبالغة ، وهو في صفة الله تعالى قريب من معنى الحليم ، إلّا أن الفرق بينهما : أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور ، كما يسلمون منها في صفة الحليم .
الربّ :
هو في الأصل بمعنى التربية ، وهي : تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً ، ثم وصف به للمبالغة كالصوم والعدل .
وقيل : هو نعت من ربّه يربّه فهو ربّ ، ثم سمّي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربّيه . ولا يطلق على غير الله تعالى إلّا مقيداً ، كقولنا : ربّ الضيعة ، ومنه : « ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ » (١٥٩) .
واختلف في اشتقاقه على أربعة أوجه :
أ : أنّه مشتقّ من المالك ، كما يقال : ربّ الدار ، أي : مالكها ، قال بعضهم : لئن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني رجل من هوازن ، أي : يملكني .
ب : أنّه مشتقّ من السيد ، ومنه : « أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا » (١٦٠) أي : سيّده .
ج : أنّه المدبّر ، ومنه قوله : « وَالرَّبَّانِيُّونَ » (١٦١) وهم : العلماء ، سمّوا بذلك
___________________________
(١٥٩) يوسف ١٢ : ٥٠ .
(١٦٠) يوسف ١٢ : ٤١ .
(١٦١) المائدة ٥ : ٤٤ .
لقيامهم بتدبير الناس وتعليمهم ، ومنه : ربّة البيت ، لأنها تدبّره .
د : أنّه مشتقّ من التربية ، ومنه قوله تعالى : « وَرَبَائِبُكُمُ » (١٦٢) سمّي ولد الزوجة ربيبة لتربية الزوج له .
فعلى هذا إن قيل : بأنّه تعالى ربّ لأنّه سيّد أو مالك ، فذلك من صفات ذاته ، وإن قيل : لأنّه مدبّر لخلقه أو مربّيهم ، فذلك من صفات أفعاله .
السيّد :
الملك ، وسيّد القوم ملكهم وعظيمهم .
وقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ : علي سيّد العرب ، فقالت عائشة (١٦٣) : أولست سيّد العرب ؟ ! فقال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ، فقالت : وما السيد ؟ فقال ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : هو من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي (١٦٤) . فعلى هذا الحديث السيد هو : الملك الواجب الطاعة ، قال صاحب العدّة (١٦٥) .
قال الشهيد في قواعده : ومنع بعضهم من تسميته تعالى بالسيد (١٦٦) .
قلت : وهذا المنع ليس بشيء .
أمّا أولاً : فلما ذكرناه من قول صاحب العدة ، وقد أثبته (١٦٧) في الأسماء الحسنى في عبارته .
___________________________
(١٦٢) النساء ٤ : ٢٣ .
(١٦٣) اُمّ عبد الله عائشة بنت أبي بكر ، روت عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعن أبيها وعمر وغيرهم ، روت عنها اُختها اُمّ كلثوم وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث وغيرهما ، ماتت سنة ( ٥٨ هـ ) وقيل ( ٥٧ هـ ) .
اُسد الغابة ٥ : ٥٠١ ، تهذيب التهذيب ١٢ : ٤٣٥ .
(١٦٤) اُنظر إحقاق الحق ٤ : ٣٦ .
(١٦٥) عدّة الداعي : ٣٠٥ ، باختلاف .
(١٦٦) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٧ ، باختلاف .
(١٦٧) أي : صاحب العدّة .
وأمّا ثانياً : فلأنه قد جاء في الدعاء كثيراً ، وورد أيضاً في بعض الأحاديث : قال السيد الكريم .
وأمّا ثالثاً : فلأن هذا الاسم لا يوهم نقصاً ، فيجوز إطلاقه على الله تعالى إجماعاً .
الجواد :
هو الكثير الإنعام والإحسان ، والفرق بينه وبين الكريم : أن الكريم الذي يعطي مع السؤال ، والجواد يعطي من غير سؤال ، وقيل : بالعكس ، ورجل جواد أي : سخي ، ولا يقال : الله تعالى سخيّ ، لأن أصل السخاوة راجع إلى اللين ، و [ يقال : ] (١٦٨) أرض سخاوية وقرطاس سخاويّ إذا كان ليّناً ، وسمّي السخيّ سخيّاً للينه عند الحوائج . هذا آخر كلام صاحب العدة (١٦٩) .
قلت : وقوله ولا يقال الله تعالى سخيّ ، ليس بشيء ، لأنّ السخاء مرادف للجود (١٧٠) ، وهو صفة كمال ، فيجوز إطلاقه عليه تعالى ، مع أنه قد ورد به الإذن ، ففي دعاء الصحيفة المذكور في مهج ابن طاووس (١٧١) قدس الله سره :
___________________________
(١٦٨) ما بين المعقوفتين لم يرد في ( ر ) و ( ب ) وأثبتناه من المصدر وهو الأنسب .
(١٦٩) عدّة الداعي : ٣١٢ ، باختلاف .
(١٧٠) في هامش ( ر ) : « في كثير من الأدعية ، وإضافة السخاء فيها إليه كما في دعاء الجوشن الكبير المروي عن السجاد زين العابدين عن أبيه عن جدّه عن علي عليهم السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله ، في قوله : يا ذا الجود والسخاء ، ففرق بين السخاء والجود لترادفهما على اسم الكريم . منه رحمه الله » .
انُظر : المصباح ـ للمصنف ـ : ٢٤٨ .
(١٧١) أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحسيني ، السيد الأجلّ الأورع ، ويظهر من مواضع من كتبه خصوصاً كشف المحجة أن باب لقائه الإمام المنتظر روحي له الفدا كان مفتوحاً ، وكان من عظماء المعظمين لشعائر الله ، يروي عنه العلامة الحلي وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : مهج الدعوات ومنهج العنايات ، ذكر فيه الأحراز والقنوتات والحجب والدعوات والتعقيبات وأدعية الحاجات ، توفي سنة ( ٦٦٤ هـ ) .
الكنى والألقاب ١ :
٣٢٧ ، أعيان الشيعة ٨ : ٣٥٨ ، الذريعة ٢٣ : ٢٨٧ ، معجم رجال الحديث
=
سبحانه من تواب ما أسخاه وسبحانه من سخي ما انصره . فإذا كان اسم السخاء لا يوهم نقصاً وقد ورد في الدعوات ، فما المانع من إطلاقه عليه تعالى .
قلت : أن المانع أن أصل السخاوة راجع إلى اللين إلى آخره ، كما ذكره صاحب العدة .
إن قلت : إنّ اللين هنا بمعنى الحلم لا بمعنى ضدّ الخشونة ، وفي دعوات المصباح (١٧٢) : ولنت في تجبرك (١٧٣) ، أي : حلمت في عظمتك . وليس صفاته تعالى كصفات خلقه ، لأنّ التوّاب من الناس : التائب ، والصبور : كثير حبس النفس عن الجزع ، وهما في صفته تعالى كما مرّ في شرحهما ، إلى غير ذلك من صفاته تعالى المخالفة لصفات خلقه (١٧٤) .
___________________________
=
١٢ : ١٨٨ .
(١٧٢) كتاب المصباح لأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ، المعروف بشيخ الطائفة يروي عن الشيخ المفيد وغيره ، يروي عنه ولده الشيخ حسن وغيره ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ مصباح المتهجد وسلاح المتعبد ـ وهو من أجل الكتب في الأعمال والأدعية وقدوتها ، ذكر فيه ما يتكرر من الأدعية وما لا يتكرر ، وقدّم فصولاً في أقسام العبادات وما يتوقف منها على شرط وما لا يتوقّف وذكر في آخره أحكام الزكاة والأمر بالمعروف ، توفي سنة ( ٤٦٠ هـ ) ودفن في دارة التي كان يقطنها بوصية منه .
تنقيح المقال ٣ : ١٠٤ ، أعيان الشيعة ٩ : ١٥٩ ، الذريعة ٢١١ : ١١٨ .
(١٧٣) مصباح المتهجّد : ٣٨٧ .
(١٧٤)
في هامش ( ر ) : « مع أنّا نقول : إنّ أصل السخاء راجع إلى الاتساع والسهولة ،
وأرض سخواء : سهلة واسعة ، ويسمّى السخي سخياً لسهولة عطائه وسعته ، فالله تعالى أحق باسم
السخاء ، لأنه وسع بعطائه المعطين وعمّ ببره المبرّين . مع أنّا لو سلّمنا للشيخ رحمه الله صحة
الاشتقاق في الأسماء الحسنى ، لوجب أن نترك كلّ اسم منها يحصل [ في ] اشتقاقه ما لا يناسب عنده ، وهو باطل
بالإجماع ، وأظنّ أنّه ـ رحمه الله ـ قلّد القاضي عبد الجبّار في شرحه الأسماء الحسنى في صحّة الإشتقاق ،
لأنّه منع في شرحه أن يوصف الله تعالى بالحنّان ، قال : لأنّه يفيد معنى الحنين ، وهو لا يجوز عليه
سبحانه وتعالى ، قلت : فكلام عبد الجبار أيضاً غير صحيح ، لاشتقاق الحنّان من غير الحنين ، قال الجوهري
في صحاحه : الحنّان بالتخفيف : الرحمة ، والحنّان بالتشديد : ذو الرحمة . وقال الهروي في الغريبين في
قوله تعالى : ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا
[ ١٩ : ١٣ ] ) أي : رحمة ، قال : والحنّان من صفات الله بالتشديد : الرحيم ،
وبالتخفيف : العطف والرحمة . وفي الحديث : أنّه صلّى الله عليه وآله مرّ على رجل يعذب ، فقال :
لأتخذنه حناناً ، أي : لأتعطفن عليه ولأترحّمن . ثم نرجع ونقول : على ما ذهب إليه صاحب العدة وعبد الجبار
لا يجوز
وهنا فائدة يحسن بهذا المقام أن نسفر قناعها ونحدر لفاعها ، وهي :
ان الاسماء التي ورد بها السمع ولا شيء منها يوهم نقصاً ، يجوز إطلاقها على الله تعالى إجماعاً ، وما عدا ذلك فأقسامه ثلاثة :
أ : ما لم يرد به السمع ويوهم نقصاً ، فيمتنع إطلاقه عليه تعالى إجماعاً ، كالعارف والعاقل والفطن والذكي ، لأن المعرفة قد تشعر بسبق فكره ، والعقل هو المنع عما لا يليق ، والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك ، وكذا المتواضع لأنه يوهم الذلة ، والعلّامة لأنه يوهم التأنيث ، والداري لأنه يوهم تقدّم الشك . وما جاء في الدعاء من قول الكاظم عليه السلام في دعاء يوم السبت يا من لا يعلم ولا يدري كيف هو إلا هو (١٧٥) ، يعطي جواز هذا ، فيكون مرادفاً للعلم .
ب : ما ورد به السمع ، ولكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص ، فلا يجوز ، كأن يقول : يا ماكر أو يا مستهزئ ويحلف به . قال الشهيد : ومنع بعضهم أن يقال : اللّهمّ امكر بفلان ، وقد ورد في دعوات المصباح : اللهم استهزئ به ولا تستهزئ بي (١٧٦) .
___________________________
=
أن يسمّى الله تعالى شاكراً ، وقد ورد به في القرآن في قوله : ( فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [ ٢ : ١٥٨ ] ) لأن الشاكر في الأصل كما ذكره الإمام الطبرسي : هو المظهر للإنعام عليه ، والله يتعالى عن أن يكون لأحد عليه نعمة ، وإنما وصف سبحانه بأنه شاكر مجازاً وتوسعاً . قال الإمام الطبرسي رحمه الله : ومعنى أنه شاكر أي : مجاز عبده على طاعته بالثناء والثواب ، وإنما ذكر لفظ الشاكر تلطفاً لعباده ومظاهرة في الإحسان والإنعام عليهم ، كما قال : ( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [ ٢ : ٢٤٥ ] ) والله تعالى لا يستقرض من عوز ، لكنه ذكر هذا اللفظ على طريق اللطف ، أي : يعامل عباده معاملة المستقرض ، من حيث أن العبد ينفق من حال غناه فيأخذ أضعاف ذلك في حال فقره وحاجته ، وكذلك لما كان يعامل عبده معاملة الشاكر [ من حيث أنّه ] يوجب الثناء له والثواب سمّى نفسه شاكراً . منه رحمه الله » .
اُنظر : الصحاح ٥ : ١٢٠٤ حنن ، مجمع البيان ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ .
(١٧٥) المصباح ـ للمصنّف ـ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .
(١٧٦) القواعد والفوائد ٢ : ١٧٧ ، باختلاف .
ج : ما خلا عن الإيهام إلّا أنّه لم يرد [ به ] السمع ، كالنجيّ والأريحي . قال الشهيد : والأولى التوقف عمّا لم تثبت التسمية به ، وإن جاز أن يطلق معناه عليه إذا لم يكن فيه إيهام (١٧٧) .
إذا عرفت ذلك فنقول :
قال الشيخ نصير الدين أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (١٧٨) قدّس الله سره في فصوله : كلّ اسم يليق بجلاله ويناسب كماله مما لم يرد به إذن جاز إطلاقه عليه تعالى ، إلّا أنه ليس من الأدب ، لجواز أن لا يناسبه من وجه آخر (١٧٩) .
قلت : وعنده يجوز أن يطلق عليه تعالى الجوهر ، لأن الجوهر قائم بذاته غير مفتقر إلى الغير ، والله تعالى كذلك .
وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل في كتابه منتهى السؤول في شرح الفصول : لا يجوز أن يطلق على الواجب تعالى صفة لم يرد الشرع المطهّر إطلاقها عليه وإن صح اتصافه بها معنى ، كالجوهر مثلاً بمعنى القائم بذاته ، لجواز أن يكون في ذلك مفسدة خفية لا نعلمها ، فإنه لا يكفي في إطلاق الصفة على الموصوف ثبوت معناها له ، فإن لفظتي عزّ وجلّ لا يجوز إطلاقها على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وإن كان عزيزاً جليلاً في قومه ، لأنّهما يختصّان بالله تعالى ، ولولا
___________________________
(١٧٧) المصدر السابق .
(١٧٨) أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي ، كان رأساً في العلوم العقلية فيلسوفاً علّامة بالأرصاد ، انتهت إليه رئاسة الإمامية في زمانه ، يروي عن أبيه وعن الشيخ ميثم البحراني ، يروي عنه العلّامة الحلي والسيد عبد الكريم بن طاووس صاحب فرحة الغري والمولى قطب الدين اُستاذ الشهيد وغيرهم ، له عدّة مصنّفات لم ير عين الزمان مثلها ، منها : فصول العقائد ، مرتّب على أربعة فصول : في التوحيد والعدل والنبوة والمعاد ، وفصول العقائد أصله فارسي معروف : بالاُصول النصيرية ، ترجمه المولى ركن الدين محمد بن علي الجرجاني ـ من تلامذة العلّامة ـ إلى العربية ، توفي سنة ( ٦٧٣ هـ ) .
الذريعة ١ : ٢٦ ، ٤ : ١٢٢ ، ١٦ : ٢٤٦ ، معجم رجال الحديث ١٧ : ١٩٤ ، أعلام الزركلي ٧ : ٣٠ .
(١٧٩) فصول العقائد : ٩ .
عناية الله ورأفته بعباده في إلهام أنبيائه أسماءه وصفاته لما جسر أحد من الخلق ولا تهجّم في إطلاق شيء من هذه الأسماء والصفات عليه سبحانه .
قلت : وهذا الكلام أولى من قول صاحب الفصول ، لأنّه إذا جاز عدم المناسبة ولا ضرورة داعية إلى التسمية ، وجب الامتناع من جميع ما لم يرد به نص شرعي من الأسماء ، وهذا معنى قول العلماء : إن اسماء الله تعالى توقيفية ، أي : موقوفة على النص والإذن .
ولقد خرجنا في هذا الباب بالإكثار عن حدّ الاختصار ، غير أن الحديث ذو شجون .
شديد العقاب :
أي للطغاة ، والشديد : القوي ، ومنه : « وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ » (١٨٠) أي : قوّيناه ، وشدّ الله عضده أي : قوّاه ، واشتدّ الرجل : إذا كان معه دابة شديدة ، أي : قويّة ، والمشدّ : الذي دوابه شديدة قوية ، والمضعف : الذي دوابه ضعيفة .
الناصر :
هو النصير ، والنصير مبالغة في الناصر ، والنصرة : المعونة ، والنصير والناصر : المعين ، ونصر الغيث البلد : إذا أعانه على الخصب والنبات ، وقوله تعالى : « وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ » (١٨١) أي : يعاونون .
العلّام :
مبالغة في العلم ، وهو الذي لا يشذ عنه معلوم ، وقالوا رجل علّامة ، فألحقوا الهاء لتدل على تحقيق المبالغة ، فتؤذن بحدوث معنى زائد في الصفة ، ولا يوصف
___________________________
(١٨٠) ص ٣٨ : ٢٠ .
(١٨١) البقرة ٢ : ٤٨ و ٨٦ و ١٢٣ ، الأنبياء ٢١ : ٣٩ ، الدخان ٤٤ : ٤١ ، الطور ٥٢ : ٤٦ .
سبحانه بالعلّامة ، لأنه يوهم التأنيث .
المحيط :
هو الشامل علمه ، وأحاط علم فلان بكذا أي : لم يعزب عنه .
الفاطر :
أي المبتدع ، لأنّه فطر الخلق أي : ابتدعهم وخلقهم من الفطر وهو الشقّ ، ومنه : « إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ » (١٨٢) كأنه تعالى شقّ العدم بإخراجنا منه . وقوله : « فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (١٨٣) أي : مبتدئ خلقهما ، قال ابن عباس (١٨٤) ما كنت أدري ما فاطر السماوات ، حتى احتكم إليّ أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : ابتدأتها (١٨٥) . وقوله « إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي » (١٨٦) أي : خلقني .
الكافي :
هو الذي يكفي عباده جميع مهامهم ويدفع عنهم مؤذياتهم ، فهو الكافي لمن توكّل عليه ، فيكفيه ما يحتاج إليه ، والكفية : القوت ، والجمع الكفا .
___________________________
(١٨٢) الإنفطار ٨٢ : ١ .
(١٨٣) الأنعام ٦ : ١٤ ، يوسف ١٢ : ١٠١ ، إبراهيم ١٤ : ١٠ ، فاطر ٣٥ : ١ ، الزمر ٣٩ : ٤٦ ، الشورى ٤٢ : ١١ .
(١٨٤) أبو العبّاس عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، كُنّي بأبيه العباس وهو أكبر ولده ، كان يسمّى « البحر » لسعة علمه ويسمّى « حبر الاُمة » ، شهد مع علي عليه السلام صفّين وكان أحد الاُمراء فيها ، توفي النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وله ثلاث عشرة سنة ، وقيل : خمس عشرة سنة ، توفي سنة ( ٦٨ هـ ) وقيل : ( ٧١ هـ ) وقيل غير ذلك .
الإصابة ٢ : ٣٣٠ ، طبقات الفقهاء : ٣٠ اُسد الغابة ٣ : ١٩٢ .
(١٨٥) مجمع البيان ٢ : ٢٧٩ .
(١٨٦) الزخرف ٤٣ : ٢٧ .
الأعلى :
الغالب ، ومنه : « لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ » (١٨٧) أي : الغالب ، وقوله : « وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ » (١٨٨) أي : الغالبون المنصورون بالحجة والظفر ، وعلوت قرني : غلبته ، وقوله : « إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ » (١٨٩) أي : غلب وتكبّر وطغى . وقد يكون بمعنى المتنزه عن الأمثال والأضداد والأنداد والأشباه .
الأكرم :
معناه الكريم : وقد يجيء أفعل بمعنى فعيل ، كقوله تعالى : « وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ » (١٩٠) أي : هيّن « لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى » (١٩١) « وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى » (١٩٢) يعني : الشقي والتقي .
قال :
إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لنا |
|
بَيْتاً دعائمه أعَزُّ وأطــولُ |
أي : عزيزة طويلة .
الحفيّ :
أي : العالم ، ومنه : « يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا » (١٩٣) أي : عالم بوقت
___________________________
(١٨٧) طه ٢٠ : ٦٨ .
(١٨٨) آل عمران ٣ : ١٣٩ . محمد ٤٧ : ٣٥ .
(١٨٩) القصص ٢٨ : ٤ .
(١٩٠) الروم ٣٠ : ٢٧ .
(١٩١) الليل ٩٢ : ١٥ .
(١٩٢) الليل ٩٢ : ١٧ .
(١٩٣) الأعراف ٧ : ١٨٧ ، وفي النسخ : يسئلونك عن الساعة كأنك حفيّ عنها ، والظاهر أن المصنف أورد لفظ عن الساعة تفسيرا .
مجيئها . وقد يكون الحفيّ بمعنى اللطيف ، ومعناه : المحتفي بك ، أي : الذي يبرك ويلطف بك ، ومنه : « إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا » (١٩٤) أي : باراً معيناً .
الذارئ :
الخالق ، والله ذرأ الخلق وبرأهم ، أي : خلقهم ، وأكثرهم على ترك الهمزة ، وقوله : « وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا » (١٩٥) أي : خلقنا .
الصانع (١٩٦) :
فاعل الصنعة ، والله تعالى صانع كلّ مصنوع وخالق كلّ مخلوق ، فكل موجود سواه فهو فعله . وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وآله وسلم اصطنع خاتماً من ذهب (١٩٧) ، أي : سأل أن يصنع له ، كما تقول : اكتتبَ ، أي : سأل أن يكتب له . وامرأة صناع اليدين ، أي : حاذقة ماهرة بعمل اليدين ، وخلافها الخرقاء ، وامرأتان صناعان ، ونسوة صنع ، ورجل صنيع اليدين وصنع اليدين ، وصنع اليدين بفتحتين ، أي : حاذق ، والصنعة والصناعة : حرفة الصانع .
الرائي :
العالم ، والرؤية : العلم ، ومنه : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ » (١٩٨) أي : ألم تعلم . والرؤية بالعين تتعدّى إلى مفعول واحد وبمعنى العلم إلى مفعولين ، تقول :
___________________________
(١٩٤) مريم ١٩ : ٤٧ .
(١٩٥) الأعراف ٧ : ١٧٩ .
(١٩٦) في هامش ( ر ) : « والفرق بين الخالق والصانع والبارئ : أن الصانع هو : الموجد للشيء المخرج له من العدم إلى الوجود ، والخالق هو : المقدّر للأشياء على مقتضى حكمته سواء اُخرجت إلى الوجود أو لا ، والبارئ هو : الموجد لها من غير تفاوت ، أو المميز لها بعضاً عن بعض بالصور والأشكال ، قاله الشيخ العلّامة شرف الدين المقداد في لوامعه . منه رحمه الله » .
(١٩٧) صحيح البخاري ٨ : ١٦٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٠١ .
(١٩٨) الفجر ٨٩ : ٦ . الفيل ١٠٥ : ١ .
رأيت زيداً عالماً ، والأمر من الرؤية : إرء ورء . وقوله : « وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا » (١٩٩) أي : علّمنا ، وقوله : « أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ » (٢٠٠) أي : يعلم ، وقوله : « وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ » (٢٠١) أي : عرّفناكهم .
السبّوح :
المنزّه عن كلّ سوء ، وسبّح الله : نزّهه ، وقوله : « سُبْحَانَكَ » (٢٠٢) أي : اُنزهك من كلّ سوء .
وقال المطرزي (٢٠٣) : وقولهم : سبحانك اللّهمّ وبحمدك ، معناه : سبحتك بجميع آلائك وبحمدك سبحتك (٢٠٤) .
وسمّيت الصلاة تسبيحاً ، لأنّ التسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كلّ سوء ، قال تعالى : « وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ » (٢٠٥) أي : وصلّ ، وقوله : « فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ » (٢٠٦) أي : المصلين .
قال الجوهري : سبوح من صفات الله ، وكل اسم على فعول مفتوح الأول ، إلّا سبّوح قدّوس ذرّوح (٢٠٧) ، وسبحات ربنا بضم السين والباء أي
___________________________
(١٩٩) البقرة ٢ : ١٢٨ .
(٢٠٠) النجم ٥٣ : ٣٥ .
(٢٠١) محمد ٤٧ : ٣٠ .
(٢٠٢) البقرة ٢ : ٣٢ ، آل عمران ٣ : ١٩١ ، المائدة ٥ : ١١٦ ، الأعراف ٧ : ١٤٣ ، يونس ١٠ : ١٠ ، الأنبياء ٢١ : ٨٧ ، النور ٢٤ : ١٦ ، الفرقان ٢٥ : ١٨ ، سبأ ٣٤ : ٣٤ .
(٢٠٣) أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم عبد السيد بن علي المطرزي ، الفقيه الحنفي النحوي ، قرأ على أبيه وعلى أبي المؤيّد الموفق بن أحمد ، سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن علي التاجر ، له عدّة مصنّفات ، منها : المغرب ، تكلّم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب ، مات سنة ( ٦١٠ هـ ) .
وفيات الأعيان ٥ : ٣٦٩ ، مرآة الجنان ٤ : ٢٠ .
(٢٠٤) المغرب في ترتيب المعرب ١ : ٢٤٠ سبح .
(٢٠٥) غافر ٤٠ : ٥٥ .
(٢٠٦) الصافّات ٣٧ : ١٤٣ .
(٢٠٧) في هامش ( ر ) وردت حاشية مضطربة الأول والآخر فلم نثبتها .
جلالته (٢٠٨) .
الصادق :
الذي يصدق في وعده ولا يبخس ثواب من يفي بعهده ، والصدق خلاف الكذب ، وقوله : « مُبَوَّأَ صِدْقٍ » (٢٠٩) أي : منزلاً صالحاً ، وكلّما نسب إلى الخير والصلاح اُضيف إلى الصدق ، فقيل : رجل صدق ودابة صدق .
الطاهر :
المنزّه عن الأشباه والأضداد والأمثال والأنداد ، وعن صفات الممكنات ونعوت المخلوقات ، من الحدوث والزوال والسكون والإنتقال وغير ذلك .
والتطهير : التنزّه عما لا يحل ، ومنه : « إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ » (٢١٠) أي : يتنزهون عن أدبار الرجال والنساء .
الغياث :
معناه المغيث ، سمّي تعالى باسم المصدر توسعاً ومبالغة ، لكثرة إغاثته الملهوفين وإجابته دعوة المضطرّين .
الفرد الوتر :
هما بمعنى ، وهو المتفرّد بالربوبية وبالأمر دون خلقه .
والوتر بالكسر : الفرد ، وبالفتح الذحل ، والحجازيون عكسوا ، وتميم كسروها . وفي الحديث : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فأوتروا (٢١١) .
___________________________
(٢٠٨) الصحاح ١ : ٣٧٢ سبح ، باختلاف .
(٢٠٩) يونس ١٠ : ٩٣ .
(٢١٠) الأعراف ٧ : ٨٢ ، النمل ٢٧ : ٥٦ .
(٢١١) سنن الترمذي ٢ : ٣١٦ حديث ٤٥٣ .
وقوله : « وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ » (٢١٢) فيه اثنا عشر قولاً (٢١٣) ، ذكرناها على
___________________________
(٢١٢) الفجر ٨٩ : ٣ .
(٢١٣) في هامش ( ر ) : « قلت : هذه الأقوال الاثنا عشر ذكرها الإمام الطبرسي ـ طاب ثراه ـ في تفسيره مجمع البيان ، ونحن ذكرناها كلّها في كتابنا نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع ، وزدنا على هذه الاثني عشر عدّة أقوال اُخر ، من أرادها فعليه بالكتاب المذكور ، منقولة من تفسير الثعلبي ، وذكرناها أيضا في كتابنا جُنّة الأمان الواقية وجَنّة الإيمان الباقية ، وجملة الأقوال من هاتين اللفظتين ثلاثة وعشرون قولاً فافهم ذلك . منه رحمه الله » .
والأقوال الثلاثة والعشرون كما في المصباح ص ٣٤٢ هي :
« الأول : قال الحسن : هي الزوج والفرد من العدد ، وهي تذكير بالحساب ، لعظم نفعه وما يضبط به من المقادير .
الثاني : قال ابن زيد والجبائي : هو كلما خلقه الله ، لأن جميع الأشياء إما زوج أو فرد .
الثالث : جماعة من علماء التفسير : الشفع هو الخلق ، لكونه كلّه أزواجاً ، كما قال سبحانه تعالى : ( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا [ ٧٨ : ٨ ] ) كالكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والبرّ والبحر والشمس والقمر والجنّ والإنس ، والوتر هو الله وحده ، وهو في حديث الخدري عن النبي صلّى الله عليه وآله .
الرابع : أنّ الشفع صفات الخلق ، لتبديلها بأضداها كالقدرة بالعجز ونحو ذلك ، والوتر صفات الله سبحانه ، لتفرّده بصفاته دون خلقه ، فهو عزيز بلا ذلّ وغنّي بلا فقر وعلم بلا جهل وقوة بلا ضعف وحياة بلا موت ونحو ذلك .
الخامس : أنّ الشفع والوتر الصلاة ، فمنها شفع ووتر ، وهو في حديث ابن حصين عن النبي صلّى الله عليه وآله .
السادس : أنّ الشفع النحر ، لأنّه عاشر أيام الليالي العشرة المذكورة من قبل في قوله ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ [ ٨٩ : ٢ ] ) والوتر يوم عرفة ، لأنه تاسع أيامها ، وقد روي مثل هذا الحديث أيضا في حديث جابر عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، قال : لأن يوم النحر شفع بيوم نفر ، وانفرد عرفه بالموقف .
السابع : أنّ الشفع شفع الليالي العشرة المذكورة ، وهي عشرة ذي الحجة ، وقيل : العشرة الأخيرة من شهر رمضان ، وقيل : هي العشرة التي أتمّ الله بها ليالي موسى عليه السلام والوتر وترها .
الثامن : أنّ الشفع يوم التروية والوتر يوم عرفة ، وروي ذلك عن الباقرين عليهما السلام .
التاسع : أن الوتر آدم شفع بحوّاء .
العاشر : أنّ الشفع والوتر في قوله تعالى : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [ ٢ : ٢٠٣ ] ) فالشفع النفر الأول والوتر من تأخّر إلى اليوم الثالث .
الحادي عشر : أنّ الشفع الليالي والأيام والوتر الذي لا ليل بعده ، وهو يوم القيامة .
الثاني عشر : أنّ الشفع عليّ وفاطمة عليهما السلام والوتر محمد صلّى الله عليه وآله .
الثالث عشر : أنّ الشفع الصفا والمروة والوتر البيت الحرام .
حاشية دعاء يوم عرفة من أدعية الصحيفة ، أحدها : أن الشفع هو الخلق لكونه كله أزواجاً ، كما قال : « وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا » (٢١٤) والوتر هو الله وحده ، وهو في حديث الخدري (٢١٥) عن النبي صلّى الله عليه وآله (٢١٦) .
الفالق :
الذي فلق الأرحام فانشقت عن الحيوان ، وفلق الحبّ والنوى فانفلقت
___________________________
=
الرابع عشر : أنّ الشفع آدم وحوّاء والوتر هو الله سبحانه .
الخامس عشر : أنّ الشفع الركعتان من صلاة المغرب والوتر الركعة الثالثة .
السادس عشر : أنّ الشفع درجات الجنان لأنها كلها شفع ، والوتر دركات النار لأنها كلّها سبع وهي وتر ، كأنّه سبحانه أقسم بالجنة والنار .
السابع عشر : أنّ الشفع هو الله سبحانه وهو الوتر أيضاً ، لقوله تعالى : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ [ ٥٨ : ٧ ] ) الآية .
الثامن عشر : أنّ الشفع مسجد مكة والمدينة والوتر مسجد بيت المقدس .
التاسع عشر : أن الشفع القران في الحج والتمتّع فيه والوتر الإفراد فيه .
العشرون : أنّ الشفع الفرائض والوتر السنن .
الحادي والعشرون : أنّ الشفع الأفعال والوتر النيّة وهو الإخلاص .
الثاني والعشرون : أنّ الشفع العبادة التي تتكّرر كالصلاة والصوم والزكاة ، والوتر العبادة التي لا تكرّر كالحجّ .
الثالث والعشرون : أنّ الشفع الجسد والروح إذا كانا معاً ، والوتر الروح بلا جسد ، فكأنّه سبحانه أقسم بهما في حالتي الاجتماع والافتراق .
فهذه ثلاثة وعشرون قولاً ، ذكر الإمام الطبرسي رحمه الله في تفسيره الكبير منها اثني عشر قولاً ، والأقوال الباقية أخذناها من تفسير الثعلبي وغيره » .
اُنظر : مجمع البيان ٥ : ٤٨٥ .
(٢١٤) النبأ ٧٨ : ٨ .
(٢١٥) أبو سعيد سعد بن مالك بن شيبان ـ سنان ـ بن عبيد بن ثعلبة بن الأبحر الخدري ، مشهور بكنيته ، روى عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ؛ روى عنه جابر وزيد ابن ثابت وابن عباس وغيرهم ، مات سنة ( ٧٤ هـ ) وقيل ( ٦٤ هـ ) وقيل غير ذلك .
اُسد الغابة ٢ : ٢٨٩ ، الإصابة ٢ : ٣٥ .
(٢١٦) مجمع البيان ٥ : ٤٨٥ .
عن النبات ، وفلق الأرض فانفلقت عن كلما اُخرج منها ، وهو قوله : « وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ » (٢١٧) وفلق الظلام عن الصباح والسماء عن القطر ، وفلق البحر لموسى عليه السلام .
القديم :
هو المتقدّم للأشياء وليس لوجوده أول ، أو الذي لا يسبقه عدم .
القاضي :
الحاكم على عباده ، ومنه : « وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ » (٢١٨) أي : حكم ، وقيل : أي أمر ووصّى ، وقوله : « وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ » (٢١٩) أي : يحكم .
والقضاء يقال على وجوه كثيرة ، ذكرناها على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدين عليه السلام في الإلحاح على الله (٢٢٠) .
___________________________
(٢١٧) الطارق ٨٦ : ١٢ .
(٢١٨) الاسراء ١٧ : ٢٣ .
(٢١٩) غافر ٤٠ : ٢٠ .
(٢٢٠) وهي كما في المصباح ص ٣٤٥ :
« الأول : قضاء الوصية والأمر ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [ ١٧ : ٢٣ ] ) أي : أمر ووصّى ، ومنهم من سماه قضاء الحكم ، كصاحب العدّة وصاحب الغريبين ، ومنهم من سمّاه قضاء العهد ، أي : عهد ألّا تعبدوا إلّا إيّاه ، ومثله : ( قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ [ ٢٨ : ٤٤ ] ) أي عهدنا .
الثاني : قضاء الإعلام ( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ [ ١٧ : ٤ ] ) أي : أعلمناهم .
الثالث : الفراغ ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ [ ٤ : ١٠٣ ] ) أي : فرغتم من أدائها ، وقوله تعالى : ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ [ ٤٦ : ٢٩ ] ) أي : فرغ من تلاوته ، وقوله : ( فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ [ ٢ : ٢٠٠ ] ) أي : فرغتم منها ، وسمّي القاضي قاضياً ، لأنّه إذا حكم فقد فرغ ما بين الخصمين .
الرابع : الفعل ( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ [ ٢٠ : ٧٢ ] ) أي : افعل ما أنت فاعل ، وامض ما أنت ممض من أمر الدنيا .
الخامس : الموت ( لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [ ٤٣ : ٧٧ ] ) ومثله : ( لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا [ ٣٥ : ٣٦ ] ) .
السادس : وجوب العذاب ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [ ١٩ : ٣٩ ] ) أي : وجب العذاب ، ومثله في يوسف : ( قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ [ ١٢ : ٤١ ] ) .
=
المنّان :
المعطي المنعم ، ومنه : « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ » (٢٢١) أي : اعط وأنعم .
وقيل : المنّان الذي يبتدئ بالنوال قبل السؤال ، والحنّان : الذي يقبل على من أعرض عنه .
المبين :
المظهر حكمته بما أبان من تدبيره وأوضح بيناته ، وبان الشيء وأبان :
___________________________
=
السابع : الكتب ( وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا [ ١٩ : ٢١ ] ) أي : مكتوباً .
الثامن : الإتمام ( فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ [ ٢٨ : ٢٩ ] ) أي : أتمّ ( أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [ ٢٨ : ٢٨ ] ) أي : أتممت .
التاسع : الحكم ( وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ [ ٣٩ : ٧٥ ] ) أي : حكم ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [ ٤٠ : ٢٠ ] ) أي : يحكم .
العاشر : الجعل ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [ ٤١ : ١٢ ] ) أي : جعلهن ، قاله الطبرسي ـ رحمه الله ـ وسمّاه الصدوق ـ رحمه الله ـ قضاء الخلق ، وقال في معنى فقضاهنّ : أي خلقهنّ ، وسمّاه الهروي : قضاء الفراغ ، وقال : معنى فقضاهنّ أي : فرغ من خلقهنّ .
الحادي عشر : العلم ( إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا [ ١٢ : ٦٨ ] ) أي علمها .
الثاني عشر : القول ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [ ٤٠ : ٢٠ ] ) أي : يقول الحقّ ، قاله الصدوق ، وذكر ذلك أيضاً في باب الحكم .
الثالث عشر : التقدير ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ [ ٣٤ : ١٤ ] ) أي : قدّرناه .
الرابع عشر : قضاء الفصل في الحكم ( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ [ ٤٢ : ١٤ ] ) يقال : قضى الحاكم أي : فصل الحكم ، وكلّما أحكم عمله فقد قضى ، وقضيت هذه الدار : أحكمت عملها .
قال ذؤيب :
وعليهما مسرودتان قضاهما |
|
داوُدُ أو صَنَعُ السوابغِ تُبَّعُ » |
اُنظر : عدّة الداعي : ٣٠٩ ، مجمع البيان ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤ باختلاف ، التوحيد : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ .
(٢٢١) سورة ص ٣٨ : ٣٩ .