السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-192-0
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٥
المسلمين حتى لقيه على أميال من المدينة.
فلما رآه علي مقبلا نزل عن دابته ، ونزل النبي «صلىاللهعليهوآله» حتى التزمه ، وقبل ما بين عينيه.
فنزل جماعة المسلمين إلى علي «عليهالسلام» حيث نزل رسول الله ، وأقبل بالغنيمة والأسارى ، وما رزقهم الله من أهل وادي اليابس.
ثم قال جعفر بن محمد «عليهماالسلام» : ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبرا ، فإنها مثل خيبر.
فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ..) إلى آخر الرواية (١).
ونقول :
إن لنا هنا وقفات نجملها على النحو التالي :
وادي اليابس :
إن كانت غزوة وادي اليابس هي نفس غزوة ذات السلاسل ، كما يفهم من تطابق أحداثهما ، فتكون وادي اليابس وراء وادي القرى ، التي كانت من أرض الشام ، وليست من أرض المدينة ، كما يظهر من كلام السمهودي (٢).
__________________
(١) البحار ج ٢١ ص ٦٧ ـ ٧٣ وتفسير القمي ج ٢ ص ٤٣٤ ـ ٤٣٨ وتفسير فرات ص ٥٩٩ ـ ٦٠٢ والبرهان (تفسير) ج ٤ ص ٤٩٥ ـ ٤٩٧ ونور الثقلين ج ٥ ص ٦٥٢ ـ ٦٥٥ والتفسير الصافي ج ٥ ص ٣٦١ ـ ٣٦٥ وتأويل الآيات ص ٨٤٤ ـ ٨٤٨.
(٢) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٩ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٩٠.
ويظهر من كلامه أيضا : أن دومة الجندل بوادي القرى ، وهي تبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة (١).
لماذا يعادون عليا عليهالسلام؟!
إذا كان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد جاء بما أغاظهم ، من حيث أن فيه نقضا لما هم عليه من دين الآباء والأجداد ، فلما ذا هذا الحقد على علي «عليهالسلام»؟! أليس من أجل أنهم رأوا نكايته في أعداء الله ، وشدته في دين الله ، ونصرته المؤثرة لرسول الله «صلىاللهعليهوآله»؟! .. حتى لقد هزم الشرك في بلاد العرب ، وأذل عزه ، وأبار كيده ، وتبر ما علاه ، وحطم وهدم ما بناه ..
أربعة آلاف :
قد تقدم : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد بعث أربعة آلاف فارس مع أبي بكر ، ثم مع عمر بن الخطاب.
فقد يقال : إن ذلك موضع ريب ، لأن المسلمين كانوا من القلة بحيث لا يمكن أن يجهزوا هذا العدد الكبير .. وإنما كانت خيبر قبل ذلك بسنة ، ولم
__________________
(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ عن ابن سعد ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ ونهاية الإرب ج ١٧ ص ١٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣ والتنبيه والإشراف ص ٢١٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦. ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٨ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٤ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ٢١٤.
يجهز لها النبي «صلىاللهعليهوآله» سوى ألف وخمس مئة مقاتل ..
ويجاب : بأن المسلمين قد كثروا بعد خيبر بصورة ظاهرة ، مكنت النبي «صلىاللهعليهوآله» من إرسال ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة ، وإنما كانت ذات السلاسل بعدها بأكثر من سنة ..
وربما يكون «صلىاللهعليهوآله» قد استنفر العرب لحربهم ـ كما تقدم في بعض النصوص ـ فاستجابوا له لأكثر من سبب يقنعهم بأن من مصلحتهم مجاراة النبي «صلىاللهعليهوآله» في ما يريد .. خصوصا بعد سقوط خيبر ، وبعد الحديبية ، وعمرة القضاء ، وغزوة مؤتة.
تخريب الضياع والديار :
وقد ذكر النص المتقدم : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أمر أبا بكر بتخريب الضياع والديار ..
وهذا يتنافى مع سياسته «صلىاللهعليهوآله» ، ومع وصاياه لبعوثه ، وما أكثرها .. وقد تقدمت وصيته للجيش الذي أرسله إلى مؤتة ، وفيها : «ولا تقربن نخلا ، ولا تقطعن شجرا ، ولا تهدمن بيتا» (١).
لما ذا هذا السير الرفيق؟!
وقد ذكرت الرواية المتقدمة : أن أبا بكر قد سار بأصحابه سيرا رفيقا.
__________________
(١) السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٦٩ والبحار ج ٢١ ص ٦٠ عن المعتزلي ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١٤٦ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٧٥٨ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦٦.
وهذا يعطيهم نفحة راحة تشعرهم بحب الدنيا ، والرغبة بتجنب ضرب السيوف ، وملاقات الحتوف ، وعزوف أنفسهم عن تحمل المشاق والمتاعب.
وسيصبح من الصعب عليهم الانتقال المفاجئ من هذا النعيم والهناء ، إلى مواجهة الأخطار والبلاء ، والشقاء والعناء.
الإحسان إلى دوابهم :
وذكرت الرواية : أن عليا «عليهالسلام» قد أمر أصحابه في الليلة التي شن الغارة على أعدائه في صبيحتها : أن يحسنوا إلى دوابهم .. وذلك بإنزال أحمالها عنها ، وتقديم الماء والعلف لها. وجعلها في مكان مريح ، وإبعاد جلها عنها ، ونحو ذلك.
وهذا يجعلها أكثر حيوية وفاعلية في موقع النزال ، فلا ينتابها التعب بسرعة ، ولا يعرضها لحمل أكثر مما تطيق ..
على نفسها جنت براقش :
وبعد أن أعلن الأعداء الحرب على أمير المؤمنين «عليهالسلام» ومن معه ، وقالوا : إنهم قاتلوه ومن معه .. أصبح من المحتم عليهم أن يتوقعوا من الطرف الآخر أن يهتبل أية فرصة لإيراد ضربته القاصمة بهم. وربما يواجههم بكثير من الأمور الخادعة ، والضربات الموجعة ..
ولا يلام علي «عليهالسلام» في الإغارة عليهم في أية ساعة غفلة يرصدها فيهم ، بل ذلك هو غاية الحزم ، والتدبير الذكي ، الذي يستحق عليه الثناء والتقدير ، لأنه يحفظ بذلك أهل الإيمان ، ويوقع بأهل البغي والطغيان ، ويبطل كيدهم ، ويخلص الناس من شرهم ..
السرعة .. والمفاجأة :
ويلاحظ هنا : سرعة حسم علي «عليهالسلام» لأمر الحرب لصالح أهل الإسلام ، وقد ألحق بأعدائه أفدح الخسائر ، من دون أن تلحق بأهل الإيمان خسائر تذكر ، حيث لم يصب منهم إلا رجلان ..
أبو بكر يخوف أصحابه :
وإذا عدنا بالحديث إلى أبي بكر ، فلا بد أن يستوقفنا تخويفه لأصحابه بكثرة عدد وبحسن عدة أعدائهم؟! ..
ألم يكن يعلم : أنه لم يكن لهم في كل حروبهم السابقة ـ رغم كثرتها ـ أية فرصة للتكافؤ مع أعدائهم في العدد والعدة؟! بل كانت كلها أبعد عن هذا الأمر ، مما هي عليه في هذه السرية؟
فقد كان الجيش الذي يقوده أبو بكر أكبر جيش جهزه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حتى ذلك الوقت ، حيث بلغ أربعة آلاف مقاتل حسبما ذكرته الرواية المشار إليها.
فلماذا يثير أمامهم حتى مجرد احتمال الحاجة إلى المدد والعون؟!. وهل حدث في أي من الحروب الكثيرة والخطيرة السابقة ، أن أمدوا أي سرية وجيش بمال ، أو رجال؟!.
لا نريد إلا محمدا وعليا!!
والغريب في الأمر : أن يعلن هؤلاء الناس لأبي بكر : أنهم لا يريدون إلا شخص رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ونفس علي «عليهالسلام». ثم
يرضى أبو بكر بالرجوع عنهم ، ولا تثور حفيظته ، ولا يزيد تصميمه على حربهم وقتالهم ، بل ظنهم أن يسلّم أصحاب محمد محمدا «صلىاللهعليهوآله» لأعدائه ليقتلوه. إن لم نقل : إنه قد صدق ظنهم فعلا.
وبذلك يكون قد أظهر للناس : أن المسلمين لا يدافعون عن دينهم ونبيهم ، وإنما كل همهم هو حفظ أنفسهم ، حين يجدون أنهم هم المستهدفون بالحرب .. فلو حادت الأمور عنهم ، فربما لا يدخلون في الحرب بجد وحماس كهذا الذي يعاينه الناس منهم ..
بل إذا كان هذان الشخصان ، وهما النبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام» يشكلان مشكلة حقيقية لأتباعهما ، فقد يفكر هؤلاء الأتباع بحلول وسط ، تزيل أية مشكلة بينهم وبين الناس ، وقد يفكرون بالتخلي عن محمد وعلي صلوات الله وسلامه عليهما في يوم من الأيام.
ولا ندري إن كان أبو بكر قد فكر بالسبب الذي دعا هؤلاء الأعداء ، للحرص على قتل النبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام» ، مع أنه ربما لا يكون فيما بينهما وبينهم أية مشكلة ، إذ لم يكن لهم عندهم ما يعتبره أهل الجاهلية ثارات ولا غير ذلك ..
وإذا كان النبي «صلىاللهعليهوآله» هو صاحب الدعوة ، وكانت هي ذنبه الأكبر عند أهل الشرك. فلما ذا الحقد على علي «عليهالسلام»؟! الذي هو تابع لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، كسائر الصحابة الذين كانوا معه ..
الشاهد يرى ما لا يرى الغائب :
وأغرب ما سمعناه هنا : أن يقول أبو بكر لأصحابه : «الشاهد يرى ما
لا يرى الغائب» ، فأي شيء رآه أبو بكر لم يره أصحابه الذين كانوا معه؟! ..
وهل كانت هناك أمور غائبة حقا؟! أم أن كل شيء كان واضحا ، ومكشوفا للناس كلهم؟!
وما الذي علمه أبو بكر ، وجهله غيره ، ليصح له القول : «إني أعلم ما لا تعلمون»؟!
وليس لنا أن نؤيد احتمال أن تكون هناك اتصالات ، أو اتفاقات سريّة بين أبي بكر هو وبين أهل وادي اليابس .. لم يعلم ولم يشارك بها سواه ، وغاب عنها جميع من كانوا معه.
وذلك لأن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد أزال هذا الاحتمال حين رجع أبو بكر ، فصعد «صلىاللهعليهوآله» المنبر ، وخطب الناس ، وأخبرهم بأن سبب هزيمة أبي بكر هو الخوف والجبن ، فقد قال في خطبته :
«فلما سمع كلامهم ، وما استبقلوه به انتفخ صدره ، ودخله الرعب منهم ، وترك قولي ، ولم يطع أمري».
ومهما يكن من أمر ، فإن إحالة أبي بكر الأمر على مجهول دليل على أنه لم يكن قادرا على التبرير المقنع والمعقول.
فارجعوا نعلم رسول الله صلىاللهعليهوآله :
والذي زاد الأمر تعقيدا : أن أبا بكر لم يجد بين أربعة آلاف رجل حتى رجلا واحدا يوافقه على ما يريد ..
بل أعلنوا جميعا : أن قراره هذا يخالف أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وأن عليه أن يتقي الله ، ولا يصر على رأيه. فإن أمر رسول الله «صلى
الله عليه وآله» كان محددا وواضحا.
والأهم من ذلك : أن ما زعم أنه يريد أن يخبر به رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، كان نفس الرسول «صلىاللهعليهوآله» قد أخبره به علنا ، وفي خطبة عامة على المنبر في المسجد ، وقد سمعها الجميع ، فذكر لهم «صلىاللهعليهوآله» عدد الأعداء الذين يرسلهم إليهم ، وبما تعاقدوا عليه بصورة تفصيلية ..
كما أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أزاح احتمال أن يكون قد عرف ذلك من حملة الأخبار ومن الأرصاد ، الذين قد يهمون ، ويخطئون ، وقد يكذبون أيضا ـ فأخبرهم «صلىاللهعليهوآله» بأن جبرئيل «عليهالسلام» هو الذي أخبره.
بل إنه «صلىاللهعليهوآله» قد أخبرهم بأن جبرئيل أيضا هو الذي أمره بإرسال أبي بكر في أربعة آلاف ..
وذلك يعني : أن أبا بكر قد تمرد على الأمر الإلهي ، ولذلك استحق أن يخطب النبي «صلىاللهعليهوآله» الناس ، ويخبرهم بمخالفة أبي بكر لأمر الله تعالى.
وملاحظة أخيرة وهامة نذكرها هنا ، وهي : أنه إذا كان جبرئيل هو الذي نقل الأمر الإلهي بإرسال أبي بكر ، فذلك يعني أن الله سبحانه هو الذي يريد أن يرى الناس هزيمة أبي بكر ، وجبنه ، ومخالفته لأمر الله تعالى ، وأمر رسوله .. لأن الله يعلم بما سيكون من أبي بكر ..
فهل المقصود هو تعريف الناس بأن أبا بكر ليس أهلا ، لما يسعى للحصول عليه؟ أم أن ثمة سرا آخر؟!
عمر أخو أبي بكر ، وعلي عليهالسلام أخو النبي صلىاللهعليهوآله :
وقد ورد في كلام رسول الله قوله لعمر : «ولا تعمل كما عمل أبو بكر أخوك».
ولكنه وصف عليا «عليهالسلام» على المنبر أيضا في الخطبة الأولى بأنه أخوه ، فقال : «حتى يقتلوني ، وأخي علي بن أبي طالب».
كما أن عليا «عليهالسلام» قد وصف نفسه لأهل وادي اليابس بقوله : «ابن عم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وأخوه». وأهل الوادي أيضا وصفوه بالأخوة لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» كما ظهر من قولهم لأبي بكر ..
وقد عمل كل واحد من الأخوين ما يناسب عمل أخيه ، وأخلاقه ، وحالاته ..
فالرسول «صلىاللهعليهوآله» المطيع لله سبحانه وتعالى في كل شيء كان له أخ مثله في ذلك ..
وأبو بكر الذي عصى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» رغم التنبيه والتحذير ، له أخ مثله في ذلك أيضا.
واللافت : أن عمر قد سار في أصحابه سيرا رفيقا ، كما سار بهم أبو بكر ، ثم هرب من الأعداء كما هرب ، وعاش الرعب والخوف كما عاش.
كما أن النبي «صلىاللهعليهوآله» حين حذره من أن يعمل مثل عمل أخيه ، كأنه أشار إلى أن أخوته له هي التي تثير هذا التوقع منه ، وهذا يدل على أن هذه الأخوة قد جاءت على أساس ملاحظة قواسم مشتركة بين الرجلين ، ينشأ عنها توافق في السلوك وفي المواقف ..
ذنب عمر أعظم :
وقد اظهرت كلمات النبي «صلىاللهعليهوآله» التي واجه بها عمر بن الخطاب أن الذنب الذي ارتكبه عمر كان أعظم عند الله من ذنب أبي بكر .. وذلك للأسباب التالية :
١ ـ إنه قد جاء بعد التنبيه والتأكيد.
٢ ـ إنه بعد ظهور كونه معصية لله سبحانه ، ولرسوله.
٣ ـ وبعد التنديد العلني بهذا العمل الشنيع ..
فلا مجال بعد هذا كله لتوهم أن شيئا ما قد خفي على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وأنه يريد أن يعلمه به ، ولا مجال أيضا لاحتمال أن تكون بعض الأمور التي أخبر عنها قد جاءت على سبيل الحدس والتخمين .. ولا مجال أخيرا لاحتمال أن تأتي الأحكام مختلفة ومتفاوتة من واقعة لأخرى ، أو من حال إلى حال ..
الفتح على يد علي عليهالسلام :
وقد أخبر جبرئيل : أن الله تعالى يفتح على علي «عليهالسلام» وعلى أصحابه .. مبينا بكل هذه الأحداث المتتابعة : أن هناك سياسية إلهية لتعريف الناس بأن الله سبحانه وتعالى يرعى مسيرة هذه الرسالة ، ويواكب تحركات من يدبرون في الخفاء للعبث بالتدبير الإلهي ، وسوق الأمور باتجاه آخر ، يخدم مصالحهم ، ويحقق طموحاتهم ..
ولأجل ذلك اختار الله أبا بكر أولا ، ثم اختار عمر ثانيا ليظهر للملأ أنهما ليسا في الموقع الذي يضعان نفسيهما فيه ، ولم يكونا مؤهلين لما يطمحان
للاستئثار به ، وسلبه من صاحبه الشرعي ..
ثم اختار عليا «عليهالسلام» ثالثا. مع التصريح بان الفتح سيكون على يديه ، ليعلمهم : أن الله مطلع على دخائل نفوسهم ، والله قد اختاره لعلمه بأنه هو الذي يوصل السفينة إلى شاطئ السلام.
الفتح لعلي عليهالسلام وأصحابه :
وقد وجدنا : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد اكتفى بتبديل القائد ، وأما الجيش نفسه ، فأبقاه على ما هو عليه ، ولم يستبدل منه حتى رجلا واحدا ، وقد كانت الهزيمة من نصيب هذا الجيش مرتين متواليتين ، مع نفس العدو ومع تقارب الزمان وفي نفس المكان ، وفي نفس الظروف ، وبنفس الأسلوب ، وبعين الكلمات التي استخدمت ، ونفس الخطاب والجواب ..
وكان النصر حليفا لهذا الجيش نفسه ، مع ذلك العدو بالذات ، وفي نفس الحالات ، وفي الزمان والمكان عينه ، رغم أن القائدين الأولين قد سارا بهذا الجيش سيرا رفيقا ، أو مقتصدا يحببهم بقائدهم. أما الأمير الثالث ، فقد بهم في السير ، حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب ، وأن تحفى دوابهم .. ولا بد أن يثقل أمر هذا القائد عليهم ، وتتجافى عنه قلوبهم ، ولا يندفعون في محبته ، وفي طاعته بالمقدار الذي يحظى به اللذان سبقاه ..
ولكن النتائج جاءت معاكسة تماما ، فقد تحقق النصر ، وكان الفتح والعز والكرامة نصيبهم معه ، وكانت الهزيمة والمذلة ، والمعصية لله في عرشه ولرسوله مع ذينك الأولين.
وهذا مثل للبشر جميعا ، يحمل لهم العبرة ، والعظة ، ويدعوهم للتأمل
العميق ، والفكر الدقيق ، حملته لنا كلمته «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» عن جبرئيل : «فأخبرني : أن الله يفتح عليه ، وعلى أصحابه» ..
فقد نسب الفتح إلى الله ، الذي حبا به عليا «عليهالسلام» وأصحابه معا ، مع أن الإنسان العادي قد يتوقع تخصيص الفتح بعلي دون أصحابه ، الذين هزموا مع القائدين اللذين سبقاه ..
ولكن الله ورسوله يريدان لنا أن ندرك حقيقة أن القيادة الصالحة ، هي التي تعطي المواقف ، وتغير من أحوال الرعية ، وتؤثر في توجهاتها ومواقفها ، وتعطيها صلابة في الدين ، وورعا في يقين ، وتحملها على الصراط المستقيم ، ولو لم تصدر لها أمرا ، أو تفرض عليها قرارا ، أو تبتز منها موقفا.
وهي التي تثير حميتها وإباءها ، وتمنحها نفحة الشجاعة والإقدام ، أو التخاذل والإحجام ..
وقد ظهر ذلك في هذه الغزوة بصورة جلية وواضحة ، فقد ساقهم موقف أمير المؤمنين «عليهالسلام» إلى مواقع العزة والكرامة والإباء ، وأعطاهم نفحة من نفحات الشجاعة ، والشعور بالكرامة. ففتح الله عليه وعليهم ، وفق ما قاله الرسول الأكرم والأعظم «صلىاللهعليهوآله» له ولهم.
تطمينات علي عليهالسلام لأصحابه :
وحين سار علي «عليهالسلام» باصحابه ذلك السير الحثيث الذي أتعبهم ، فإنه يكون قد أفهمهم بذلك بأن ثمة جدية حقيقية في إنجاز أمر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» على أحسن وجه وأتمه.
ولعلهم أصبحوا يتخوفون من أن يكون للتعب الذي لحقهم في
مسيرهم هذا دورا في خسارتهم الحرب التي يترقبونها .. فأراد «عليهالسلام» أن يطمئنهم ، ولكن لا بالوعود المادية ولا بالخطب الحماسية ، بل بإعطائهم جرعة إيمانية روحية تتولى هي شحذ عزائمهم ، وتقوية ضعفهم ، وتعطيهم المزيد من الرضا والسعادة والبهجة ، وذلك بالاعتماد على الغيب الذي يربطهم بالله سبحانه ، وبرسوله.
فذكر لهم قول رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بصيغة الإخبار من النبي الكريم «صلىاللهعليهوآله» لهم بالفتح العظيم.
والخبر من النبي «صلىاللهعليهوآله» معناه : أن الله سبحانه هو الذي عرف رسوله به ، وأطلعه على غيبه .. فليس الأمر مجرد تفاؤل ، ولا هو كلام لمجرد التشجيع ، وإثارة الحماس ..
ولذلك يصرح النص المتقدم : بأن نفوسهم قد طابت وقلوبهم قد اطمأنت ، وواصلوا سيرهم الشاق ، وزالت عنهم الوساوس والمخاوف ..
علي عليهالسلام أخو النبي ورسوله إليكم :
ولم نعهد في الذين آخى النبي «صلىاللهعليهوآله» بينهم أن يذكروا هذه الأخوة في مواقع إبلاغ رسائل الحرب والقتال ، لا سيما وأنها أخوة أنشأها وجعلها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وليست أخوة نسب ..
ولكن عليا «عليهالسلام» قد فعل ذلك ، وأبلغ هذا العدو المحارب بهذه الحقيقة ، حين قال لهم : إنه أخو النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ورسوله إليهم.
ولعله أراد أن يفهمهم أن موقفه منهم يحدده موقفهم من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. وأنه لا مجال للفصل في حسابات الربح والخسارة
بين علي كشخص ، وبين علي الشريك مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في الأخوة ، وفي العمل على حفظ الرسالة ، من خلال حفظ الرسول ، فإن ذلك هو الذي يوصل إلى حفظ هذا الدين والذود عن حياضه.
علي عليهالسلام لا يحتكر النصر :
ورغم أن عليا «عليهالسلام» قد حقق المعجزات في تاريخه الجهادي الطويل ، ولا سيما حين قلع باب خيبر ، وجعله ترسا يدفع به ضرب السيوف ، وطعن الرماح ، ثم حمله جاعلا منه معبرا للجيش ، بالإضافة إلى أعظم الإنجازات القتالية في بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وقريظة ، والنضير ، وما إلى ذلك ..
ولكنه لا يتهدد الأعداء بقوته ، ولا يذكر لهم مواقفه هذه ، بل هو يكتفي باستنكار تهديد الأعداء له ، ثم هو يستعين بالله ، وبالملائكة ، وبالمسلمين عليهم ، ويخبرهم أن كل حول وقوة لديه إنما هو من الله ، وبه سبحانه وتعالى ..
وهذا يعطي المسلمين نفحة روحية ، ويذكرهم بنصر الله لهم في بدر ، حين أمدهم بالملائكة في سائر المواطن. ولا بد أن يحدث هذا التذكير بلبلة حقيقية في قلوب الكافرين ، وطمأنينة وسكينة في قلوب المؤمنين ، لأن له سابقة أثبتت صحة هذا المنطق وقوته ، وظهرت نتائجه نصرا مؤزرا في حروب صعبة وهائلة ، لا بد أن تبقى الأجيال تتمثله كحدث تاريخي فريد ، وكيوم من أيام الإسلام مجيد ..
ولا بد أن يترك إشراك علي «عليهالسلام» للمسلمين في هذا العمل
الجهادي أثرا طيبا في نفوسهم .. لأن الذي يعطيهم هذا الوسام هو نفس علي الذي لا يرتاب أحد في مقامه الجهادي والإيماني العظيم ، ولا يشك أحد في صدقه ، وفي تجربته ، وفي خبرته بالحرب ، ولشهادته هذه قيمة كبيرة لديهم ، ولا بد أن يهتم كل أحد في أن يحصل على أدنى لفتة من علي ، أعظم مجاهد على وجه الأرض ، فكيف بما هو أكثر من ذلك ..
يضاف إلى ذلك : أن هذا المنطق العلوي ، الذي أوضح : أن الله وملائكته سوف يساهمون في تسجيل هذا النصر ، لا بد أن يصعّب على المتخاذلين ، وعلى غيرهم اتخاذ قرار الانسحاب من المعركة ، وسيفرض على الجميع بذل جهد ، ودرجة تحمل وصبر أعلى وأكبر مما اعتادوا عليه في الحالات الأخرى ..
هل خرّب علي عليهالسلام ديارهم؟!
وأما ما ذكرته الرواية : من أن عليا «عليهالسلام» قد خرب ديار الأعداء .. فلا بد من التروي في قبوله .. إذ قد يقال : إن أوامره «صلىاللهعليهوآله» بعدم التعرض للديار والأشجار ، حسبما تقدم في غزوة مؤتة لا يتلاءم مع هذا الذي ورد في هذه الرواية .. إلا إذا فرضت الحرب نفسها إجراءات تؤدي إلى شيء من ذلك ، من حيث توقف تحقيق النصر ، على ذلك ..
وكذا إذا احتاج حفظ أرواح المسلمين ، أو احتاج المسلمون أنفسهم إلى قطع السبيل على أعدائهم ومنعهم من تجديد القوى ، ومعاودة الفساد والإفساد ، وخلق المتاعب والعبث بأمن أهل الإسلام ..
أصول الحرب في سورة العاديات :
وقد ذكرت الروايات المختلفة ، وهذه الرواية أيضا : أن سورة العاديات قد نزلت في هذه الغزوة ـ غزوة ذات السلاسل ـ أو وادي اليابس ـ.
والذي يلاحظ سير الأحداث فيها ، ويلاحظ أيضا ما حكته سورة «والعاديات» نفسها ، سيجد : أن هذه السورة قد تضمنت أصول الحرب كلها .. وأن عليا «عليهالسلام» قد راعاها في هذه الغزوة بالذات ..
ونحن نشير إلى ذلك باختصار فيما يلي :
١ ـ إنه حين يقسم الله سبحانه بأمر بعينه ، فذلك يعني أن لهذا الأمر أهمية كبيرة ، وأنه محبوب ومطلوب له تعالى ، لأن له موقعا كبيرا وأساسيا في المنظومة التي يريد الله سبحانه لها أن تؤثر في إنجاز الأهداف الإلهية الكبرى في إيصال الإنسان ، وما في هذا الكون إلى كماله ..
٢ ـ وحين أقسم الله تبارك وتعالى بالعاديات ، وبالموريات ، الخ .. فإنه لم يخرج عن هذه القاعدة ؛ فالخيل التي تعدو في سبيل الله ، وتسرع في هذا العدو إلى الحد الذي تضبح معه بأنفاسها ، كما قال تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (١). فإنها تكون قد بلغت أقصى مدى في سرعة الحركة ، التي لها دور هام وحاسم في الحرب.
وقد فسر الضبح : بأنه «صوت أنفاس الفرس ، تشبيها بالضباح ، وهو صوت الثعلب.
وقيل : هو حفيف العدو ، وقد يقال ذلك : للعدو.
__________________
(١) الآية ١ من سورة العاديات.
وقيل : الضبح كالضبع ، وهو مد الضبع في العدو الخ ..» (١). أي حتى لا يجد مزيدا (٢).
والمراد بالضبع هنا : وسط العضد بلحمه ، أو العضد كله ، أو الإبط (٣).
وقيل : الضبح : صوت أجواف الخيل إذا عدت ، ليس بصهيل ولا حمحمة (٤).
٣ ـ إن عدو الخيل هذا يشير إلى أنها دائمة الإنتقال من مكان إلى مكان ، وأنه انتقال سريع ، وهذا من شأنه أن يحرم العدو من فرصة رصدها في مكان بعينه ، وأن يفقده القدرة على التخطيط لأي عمل يمثل لها خطرا ، أو يلحق بها ضررا ..
٤ ـ إن شدة اندفاع الخيل في هجمتها تحتم على ذلك العدوّ أن يتراجع عن موقعه ، وأن يتخلى عن حالة الثبات والطمأنينة ، دون أن يملك قدرة العودة إلى ذلك الموقع ، وهذه حركة لا يختارها المحارب ، الذي يملك زمام المبادرة ، ويكون له الإختيار.
__________________
(١) المفردات للراغب ص ٢٩٢.
(٢) البحار ج ٢١ ص ٦٦ عن مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٢٨ و ٥٢٩ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٢١ و ٤٢٢.
(٣) راجع أقرب الموارد ، مادة : ضبع وراجع : بدائع الصنائع ج ١ ص ٢١٠ وكتاب العين ج ١ ص ٢٨٤ ولسان العرب ج ٨ ص ٢١٦.
(٤) البحار ج ٢١ ص ٦٦ عن مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٢٨ و ٥٢٩ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٤٢١ و ٤٢٢ وكتاب العين للفراهيدي ج ٣ ص ١١٠ ولسان العرب ج ٢ ص ٥٤٣ والقاموس المحيط ج ١ ص ٢٢٦ وتاج العروس ج ٢ ص ١٨٦.
فحالة الضعف والوهن التي ظهرت لديه هي التي فرضت عليه هذه الحركة التخاذلية.
٥ ـ إنه إذا صاحب هذا الاندفاع القوي للخيل كيفيات وحالات خاصة ، مثل الأصوات أو الهيئات المخيفة ، ومنها صوت ضبح الخيل الذي يدعوهم لتصور حجم اندفاع عدوهم نحوهم ، ثم صاحب ذلك لمعات نارية خاطفة وكثيرة ، حين تقدح الخيل الشرر بحوافرها ، فسوف يتشارك لدى ذلك العدوّ السمع والبصر في رسم صورة الخطر الداهم ، وما يحمله من عنف ، يزعزع ثباته ، ويهزمه في عمق وجوده.
بل قد يوجب قدح النار تحت حوافر الخيل نشوء حالة تضليلية ، من خلال تلهي أفراد العدو بالنظر إليها ، وإثارة التكهنات حولها ، فتتهيأ الفرصة لمفاجأتهم بالقتال المرير ، والضاري.
هذا كله ، عدا عن أن قدح النار من حوافر الخيل ، من شانه أن يبهج روح فرسانها ويقوي من اندفاعهم ، ما دام أنه ناتج عن حركتهم وفعلهم.
٦ ـ ويأتي بعد ذلك كله عنصر المفاجأة بالقتال ، بشتى أنواعه ، التي يحتاج العدو في تحرزه منها إلى حركات متفاوتة في مداها وفي اتجاهاتها ، شريطة أن تكون بالغة السرعة ، وقوية التأثير ..
ولن يكون الإنتقال إلى هذه الحركات سهلا وميسورا ، إلا لأقل القليل من الناس.
فكيف إذا كان هؤلاء المقاتلين في صفوف العدو ، لا يقومون بعمل قد اختاروه لأنفسهم ، بل تكون حركتهم مجرد رد فعل ، يفقدون معه أي خيار ، أو اختيار لموقع القتال ولأسلوبه ، فضلا عن عجزهم عن استهداف أي نقطة
بالقتال ، فضلا عن الضعف الذي سوف يعتري طبيعة حركاتهم القتالية نفسها ..
والخلاصة : أن هذه المفاجأة بالقتال لا بد أن تربكهم ، وتمنعهم من التأمل ومن التدبر والتدبير ، وتدارك خطة مدروسة لمواجهة الموقف.
٧ ـ إن للتوقيت وتحديد ساعة الصفر أهمية بالغة في النجاح في الحرب ، فإن المفاجأة إذا كانت في وقت الصبح على قاعدة : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) (١) ، فلا بد أن تكون فرص النجاح أكبر وأوفر ، لأن الفريق الذي لم يكلف بمهمات قتالية ، ولو بمثل الرصد والحراسة ، يميل في هذه الساعة إلى أن يخلد للراحة ، ظنا منه أن غيره يشاركه في هذا الميل ، فينسجم ظنه هذا مع رغبته تلك ، ويستسلم من ثم لأحلامه اللذيذة ، وتأخذه سنة الكرى ، وهو أكثر طمأنينة ، وأبعد عن التفكير فيما يزعج ويثير.
وأما المكلف بالرصد أو بالحراسة ، فإنه إذا كان قد سهر الليل ، حتى بلغ ساعات الصباح الأولى ، فلا بد أن يتنفس هذا الساهر المرهق في هذا الوقت الصعداء ، ويحسب أنه قد أنهى مهمته ، وأن عليه أن يستريح ، ويعوض جسده عن هذا السهر الطويل ، بالنوم المستغرق والعميق ..
وهذا كله يجعل المفاجأة لهؤلاء وأولئك كبيرة وخطيرة ؛ حيث يكون الراصد والحارس في أقصى حالات الإرهاق ، ويكون غيره من الناس مستغرقا في أحلامه ، ولن يكون قادرا على الإنتقال من حالة الإسترخاء الشديد بأقصى درجاته إلى حالة الإستنفار ، بل إلى الدخول في أعنف
__________________
(١) الآية ٣ من سورة العاديات.
حالات الحركات القتالية ، التي لا يقتصر الأمر فيها على أن يفكر في الأسلوب وفي الطريقة القتالية التي يختارها وحسب. بل عليه أن يفكر في اكتشاف الحركة القتالية للعدو أولا ، ثم يعود إلى نفسه ليفكر فيما يمتلكه من وسائل دفعها ، وفي كيفية استعمال تلك الوسائل بما يناسب حركة العدو هذه ..
وفي سياق آخر نقول :
إن المغير يعرف هدفه ، وقد حدده ورسم خطة للتعامل معه ، وهو ينفذ ما رسم.
أما الذين يغير غيرهم عليهم ، فلا يعرفون شيئا عن مواقع المهاجمين أو عن خطتهم ، أو حالاتهم ، وليس لديهم أية وسيلة لكشف ذلك فيهم ، لأن العين وهي حاسة الرؤية تكون معطلة بسبب الظلمة ، والنور الضئيل الذي ربما يكون قد بدأ ينتشر إنما هو في مستوى محدود ، ولا يغير من الواقع شيئا ..
بل إنه حتى في حالات الحرب في العصور الحديثة ، فمن جهة تكون أجهزة الرصد غير ذات أثر ، فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، وكذلك بعد غياب الشمس إلى مضي حوالي ساعة من أول الليل ، ومن جهة تكون العين المجردة محجوبة بالظلمة ، أو تكون دائرة عملها محاصرة ومحدودة بمقدار النور الذي استطاع أن يقتحم جحافل الظلام ، وأن يتسلل إلى ثنايا تراكماته المهيمنة ..
٨ ـ وهنا يأتي دور النقع والغبار ، الذي يثور في ساحة المعركة ، بسبب سرعة حركة الخيل المغيرة ، ليكون الساتر ، والمانع من الاستفادة من كمية