السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٨
وقال الذهبي : « قال أبو عبد الله الحاكم : ينظر في أمره » (١) وفي ( تهذيب التهذيب ) « قال ابن القطّان : لا نعلم عدالته » (٢).
ومن هنا فقد ذكره ابن حجر العسقلاني في مقدمة ( فتح الباري ) في سياق أسماء من طعن فيه من رجال البخاري (٣).
الحديث من طريق آخر
ورواه الطّبراني في ( المعجم الصّغير ) من رواية « عصمة بن مالك » لكنّ إسناده ضعيف كذلك ، قال المناوي : « لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب. أخبر عمّا لم يكن لو كان كيف يكون ، وفيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من أوصاف الأنبياء وخلال المرسلين ، حم ت ك عن عقبة بن عامر الجهني طب عن عصمة بن مالك وإسناده ضعيف » (٤).
وقال بعد قول السيوطي : « طب عن عصمة بن مالك » قال : « قال البيهقي : وفيه : الفضل بن مختار ، وهو ضعيف » (٥).
ضعف الفضل بن المختار
أقول : ولنذكر بعض كلماتهم في ضعف هذا الرجل :
قال ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ) : « الفضل بن المختار أبو سهل
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ١ / ٣٤٧.
(٢) تهذيب التهذيب : ١ / ٤٨٦.
(٣) هدي الساري ٣٩١.
(٤) التيسير في شرح الجامع الصغير : ٢ / ٣١٠.
(٥) فيض القدير في شرح الجامع الصغير : ٥ / ٣٢٥.
البصري. منكر الحديث. وقال ابو حاتم الرازي : يحدث بالأباطيل ، سمع محمد ابن مسلم الطائفي ، وأبان بن أبي عيّاش. روى عنه إبراهيم بن مخلّد ، وسعيد بن عفير ».
وفي ( ميزان الاعتدال ) : « الفضل بن المختار أبو سهل البصري ، عن ابن أبي ذئب وغيره ، قال أبو حاتم : أحاديثه منكرة يحدّث بالأباطيل. وقال الأزدي : منكر الحديث جدّا ، وقال ابن عدي : أحاديثه منكرة عامّتها لا يتابع عليها » ثم روى عنه أحاديث فقال : « فهذه أباطيل وعجائب » (١).
وفي ( المغني في الضعفاء ) : « الفضل بن المختار أبو سهل عن ابن أبي ذئب ، مجهول ، قال أبو حاتم : ويحدّث بأباطيل » (٢).
وفي ( لسان الميزان ) : « وقال العقيلي يحدّث عن محمد بن مسلم الطّائفي ، وهو منكر الحديث ... » (٣).
وقال السّيوطي في ( ذيل اللآلي المصنوعة ) : « ابن عدي : حدثنا الحسين بن عبد الغفار الأزدي ، حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، حدثنا الفضل بن المختار ، عن أبان ، عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر : يا أبابكر ما أطيب مالك ، منه بلال مؤذّني وناقتي التي هاجرت عليها ، وزوجتني ابنتك ، وواسيتني بنفسك ومالك ، كأني أنظر إليك على باب الجنّة تشفع لأمتي. أورده ابن الجوزي في الواهيات ، وقال : أبان متروك ، والفضل بن المختار قال أبو حاتم الرازي : يحدّث بالأباطيل ، وأورده صاحب الميزان في ترجمة الفضل وقال : هذا باطل ».
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٣٥٨.
(٢) المغني في الضعفاء : ٢ / ٥١٣.
(٣) لسان الميزان : ٤ / ٤٤٩.
الحديث بلفظ آخر
وجاء بعض الوضّاعين فنسب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لعمر بن الخطاب : « لو كان بعدي نبي لكنته ».
لكنّ المحققّين النقاد من أهل السّنة كالخطيب البغدادي وابن عساكر أنكروه ، فقد قال المتقي : « عن ابن عمر : قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر بن الخطاب : لو كان بعدي نبي لكنته. خط وقال : منكر ، كر » (١).
وقال : « لو كان بعدي نبي لكنته قاله لعمر. الخطيب في رواة مالك ، وابن عساكر عن ابن عمر وقال : منكر » (٢).
بل لقد أورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ... قال البدخشاني في ( تحفة المحبين ): « لو كان بعدي نبي لكنته. قاله لعمر. خط في رواة مالك ، عس وقال : منكر ، كلاهما عن ابن عمر ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ».
الغرض من وضع هذا الحديث
ثمّ إنّ الغرض من هذا الافتراء والتزوير هو مقابلة الحديث المتواتر الوارد في حق أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » إذ فيه إيماء لطيف إلى أنّه لو كان بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم نبي لكان علي عليهالسلام ، وقد اعترف علماء أهل السنة بهذا المعنى ، كما لا يخفى على من لاحظ ( المرقاة في شرح المشكاة ).
__________________
(١) كنز العمال : ١٤ / ٢٤٤.
(٢) كنز العمال : ١٢ / ١٨٦.
بل لقد صرّح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا في بعض طرق حديث المنزلة ... قال العلامة ابن شهرآشوب : « وفي روايات كثيرة : إلاّ أنه لا نبي بعدي ولو كان لكنته. رواه الخطيب في التاريخ ، وعبد الملك العكبري في الفضائل ، وأبوبكر بن مالك ، وابن الثلاج ، وعلي بن الجعد ، في أحاديثهم ، وابن فياض في شرح الأخبار عن عمّار بن مالك ، عن سعيد بن خالد ، عن أبيه » (١).
وقال السيوطي في ( بغية الوعاة ) في « باب في أحاديث منتقاة من الطبقات الكبرى ، عنّ لنا أن نختم بها هذا المختصر ، ليكون المسك ختامه والكلم الطيب تمامه » بعد أحاديث رواها بسنده عن الخطيب :
« وبه إليه : أنبأنا أبو القاسم الأزهري ، حدثنا المعافى بن زكريا ، حدثنا ابن أبي الأزهر ، حدثنا أبو كريب محمد بن العلا ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن صبيح ، حدثنا أبو أويس ، حدثنا محمد بن المنكدر ، حدثنا جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ولو كان لكنته » (٢).
بل إنّ هناك أحاديث أخرى من فضائله تدل على هذا المعنى ، ففي كتاب ( المودّة في القربى للهمداني ) : « عن أنس رضياللهعنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إن الله اصطفاني على الأنبياء واختار لي وصيّا وخيرت ابن عمي وصيّي ، وشدّ به عضدي كما شدّ عضد موسى بأخيه هارون ، وهو خليفتي ووزيري ، ولو كان بعدي النبوة لكان نبيا ».
ويؤيّده أخبار أخرى ، منها ما رواه النطنزي في ( الخصائص العلوية ) بقوله : « أخبرني أبو علي الحداد قال : حدّثني أبو نعيم الأصفهاني بإسناده عن الأشج قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٦.
(٢) بغية الوعاة : ٤٤٠.
يقول : يا علي إنّ اسمك في ديوان الأنبياء الذين لم يوح إليهم ».
تقليب الحديث الموضوع
والجدير بالذكر أن بعض مهرة الوضع قلب متن ذاك الحديث الموضوع فذكره بلفظ « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » فقد جاء في ( ميزان الاعتدال ) ما نصه : « رشدين بن سعد المهري المصري ، عن زهرة بن معبد ، ويونس بن يزيد وعنه : قتيبة ، وأبو كريب ، وعيسى بن مثرود ، وخلق. قال أحمد : لا يبالي عمّن روى ، وليس به بأس في الرقاق وقال : أرجو أنه صالح الحديث. وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : ضعيف ، وقال الجوزجاني : عنده مناكير كثيرة. قلت : كان صالحا عابدا سيّئ الحفظ غير معتمد. مات سنة ١٨٨. وقال أبو يوسف الرقي : إذا سمعت بقيّة يقول ثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنّه رشدين بن سعد ، وعن قتيبة قال : ما وضع في يد رشدين شيء إلاّ وقرأه ، وقال س : متروك.
عمرو الناقد ، ثنا عبد الله بن سليمان الرقي ، ثنا رشدين ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : لكلّ شيء قمامة وقمامة المسجد لا والله وبلى والله.
رشدين ، عن ريان بن قائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه مرفوعا : الذي يتخطّى رقاب الناس يوم الجمعة يتّخذ جسرا إلى جهنم.
أحمد بن الحجاج القهستاني ، ثنا ابن المبارك ، ثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحرث ، عن أبي السمج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد : لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الفاعل والمفعول به وقال : أنا منهم بريء.
ابن أبي السري العسقلاني ، ثنا رشدين ، ثنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر مرفوعا : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر نبيا. قال ابن
عدي : قلّب رشدين متنه ، إنما متنه لو كان بعدي نبي لكان عمر » (١).
أورده ابن الجوزي في الموضوعات
بل لقد أورده ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ضمن الأحاديث الموضوعة في فضل عمر قائلا : « الحديث الثاني : أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال : أنبأنا ابن مسعدة قال : أنبأ حمزة قال : أنبأ ابن عدي قال : ثنا علي بن الحسن بن قديد قال : ثنا زكريا ابن يحيى الوقار قال : ثنا بشر بن بكر ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، عن ضمرة بن حبيب ، عن عصيف بن الحارث ، عن بلال بن رباح قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
قال ابن عدي : وثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي قال : ثنا مصعب بن سعد أبو خيثمة قال : ثنا عبد الله بن واقد قال : حدّثنا حيوة بن شريح ، عن بكر ابن عمرو ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
قال المصنف : هذان حديثان لا يصحّان عن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. أمّا الأوّل : فإن زكريا بن يحيى كان من الكذّابين الكبار ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث. وأمّا الثّاني : فقال أحمد ويحيى : عبد الله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال ابن حبّان : انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » (٢).
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٤٩.
(٢) الموضوعات : ١ / ٣٢٠.
دفاع السّيوطي
ومن الصنائع المستفظعة : كلام السّيوطي في تعقيب كلام ابن الجوزي والدفاع عن هذا الحديث الباطل والكذب الواضح ، إذ قال : « ابن عدي ، ثنا علي بن الحسين بن قدير ، ثنا زكريا بن يحيى الوقار ، ثنا بشر بن بكر ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني ، عن ضمرة ، عن عصيف بن الحارث ، عن بلال ابن رباح مرفوعا : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
وقال : ثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي ، ثنا معصب بن سعد أبو حنيفة ، ثنا عبد الله بن واقد ، ثنا حياة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح ابن هاعان ، عن عقبة بن عامر مرفوعا : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر. لا يصح. زكريا كذّاب يضع ، وابن واقد متروك ، ومشرح لا يحتج به.
قلت : زكريا ذكره ابن حبان في الثقات ، وابن واقد هو أبو قتادة الحراني وثّقه ابن معين وأحمد وغيرهما ، ومشرح ثقة صدوق ، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال أبو العباس الزوزني في كتاب شجرة العقل : ثنا علي بن الحسين بالرقة ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عتبة المعروف بالرملي ، ثنا الحسين بن الفضل الواسطي ، ثنا عبد الله بن واقد ، عن صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن جبير الحضرمي قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر : لو لم أبعث لبعثت.
وقد ورد من حديث أبي بكر وأبي هريرة. قال الديلمي : أنا أبي ، أنا عبد الملك بن عبد الغفار ، أنا عبد الله بن عيسى بن هارون ، عطاء بن ميسرة الخراساني ، عن أبي هريرة رفعه : لو لم أبعث فيكم لبعث عمر ، أيّد الله عمر بملكين يوفّقانه ويسدّدانه ، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا. قال الديلمي : تابعه راشد بن سعد ، عن المقدام بن معدي كرب ، عن أبي بكر الصديق. والله
أعلم » (١).
الرّد على دفاع السّيوطي
ودفاع السّيوطي عن هذا الحديث المصنوع الموضوع مردود وذلك :
أوّلا : لأنّ السّيوطي قد حرّف كلام ابن الجوزي ، فقد جاء في كلامه في جرح ( زكريّا بن يحيى ) قوله : « كان من الكذابين الكبار » لكنّ السّيوطي ذكر بدل هذه الجملة كلمة « كذّاب ».
كما ذكر ابن الجوزي عن أحمد ويحيى قولهما في ( عبد الله بن واقد ) : « ليس بشيء ». لكنّ السّيوطي أسقط ذلك من عبارة ابن الجوزي تمهيدا لزعمه بعد ذلك « وثّقه ابن معين وأحمد ».
وأيضا ، جاء في كلام ابن الجوزي عن ابن حبان « انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به » لكنّ السّيوطي حوّرها إلى كلمة « لا يحتج به ».
إلى غير ذلك من الدقائق التي لا تخفى على أهل النظر ...
وثانيا : لأنّ قوله في حق ( زكريا بن يحيى ) : « ذكره ابن حبان في الثقات » لو سلّم فهو معارض بطعن وجرح جماعة من الأئمة ، قال الذهبي : « زكريا بن يحيى المصري ، أبو يحيى الوقار ، عن ابن وهب فمن بعده ، قال ابن عدي : يضع الحديث ، كذّبه صالح جزرة ، قال صالح : ثنا زكريا الوقار وكان من الكذّابين الكبار ، وقال ابن يونس : كان فقيها صاحب حلقة ، عاش ثمانين سنة ، وقيل كان من الصلحاء العباد الفقهاء نزح عن مصر أيام محنة القرآن إلى طرابلس المغرب ، ضعّفه ابن يونس وغيره » (٢).
__________________
(١) اللئالي المصنوعة : ١ / ٣٠٢.
(٢) ميزان الاعتدال : ٢ / ٧٧.
وقال ( المغني في الضعفاء ) : « زكريا بن يحيى الوقار عن ابن وهب ، وكان احد الفقهاء اتّهم بالكذب » (١).
بل لقد ضعّفه السّيوطي نفسه ونقل كلمات الأعلام في ذلك ، فقد جاء في كتاب الأنبياء والقدماء من ( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد حديث : « قلت : زكريا الوقار ، قال ابن عدي : يضع الحديث. وقال صالح جزرة : كان من الكذّابين الكبار. وقال ابن حبان : أخطأ في هذا الحديث. وقال العقيلي : حدّث عن ابن وهب حديثا باطلا ».
وثالثا : لأنّ ما ذكره لتوثيق « ابن واقد » مردود بما تقدّم في كلام ابن الجوزي عن احمد ويحيى من أنّه « ليس بشيء » وعن النسائي : « متروك الحديث ». لكنّ السّيوطي أسقط من كلام ابن الجوزي قدح أحمد ويحيى ، ولم ينسب قدح النسائي إليه بل قال : « متروك » من دون ما نسبة إلى قائل ... وهل هذا إلاّ تخديع شنيع؟!.
ولو كان السيوطي بصدد التحقيق في المسألة لكان مقتضى القاعدة عدم تحريف كلام ابن الجوزي ، وذكر نصه بتمامه ثم التحقيق في ثبوت قدح أحمد ويحيى ، فإمّا يذعن بذلك وإما يبطله ويثبت توثيقهما الرجل ببرهان مبين ، أو يرجّح التوثيق على الجرح ـ لو ثبت كلا الطرفين ـ بدليل ...
لكنّه سلك غير سبيل المحقّقين وارتكب ما لا يجوز ...
والتحقيق : إنّه لو ثبت توثيق أحمد ويحيى « لابن واقد » لعارضه جرحهما إيّاه ـ بنقل ابن الجوزي ـ وتكون النتيجة سقوطهما معا ، وبقاء جرح النسائي بلا معارض ، وهو كاف لضعف الرجل. فكيف وقد وافقه على ذلك جماعة ، كأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري ، وابن سعد ، وصالح جزرة ، والحربي ، وابن عدي ، والدار قطني ، وأبى داود ، وأبي نعيم ، وغيرهم؟!. بل لو فرض ثبوت توثيق
__________________
(١) المغني : ١ / ٢٤٠.
أحمد ويحيى لم يلتفت إليه مع ذلك ... قال الذهبي : « ق : عبد الله بن واقد ، أبو قتادة الحراني ، مات سنة عشر ومائتين. قال البخاري : سكتوا عنه ، وقال أيضا : تركوه ، وقال أبو زرعة والدار قطني : ضعيف ، وقال أبو حاتم : ذهب حديثه ، وروى عبد الله بن أحمد عن ابن معين : ليس بشيء ، وروى الدولابي عن عباس عن يحيى : ليس بشيء ، وقال أيضا : ليس به بأس ، كثير الغلط.
ابن عدي ، ثنا ابن حوصا ، ثنا عباس بن محمد عن ابن معين : أبو قتادة الحراني ثقة. وقال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : إن يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب ، فعظم ذلك عنده جدّا وقال : هؤلاء أهل حران يحملون عليه ، كان أبو قتادة يتحرّى الصّدق ، ولقد رأيته يشبه أصحاب الحديث ، وقال أحمد في موضع آخر : ما به بأس ، رجل صالح يشبه أهل النسك وربّما أخطأ وقال الجوزجاني : متروك.
وقال يحيى بن بكير : قدم ابو قتادة على الليث وعليه جبّة صوف وهو يكتب في كتف قد وضع صوفة في قشر جوزة فكتب منها ، فلمّا ذهب إلى منزله بعث إليه سبعين دينارا فردّها.
وقال ابن حبان : كان أبو قتادة من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإتقان ، فوقعت المناكير في أخباره ، فلا يجوز أن يحتجّ بخبره » (١).
وقال ابن حجر : « قال الميموني عن أحمد : ثقة إلاّ أنّه كان ربما أخطأ ، وكان من أهل الخير يشبه النسّاك ، وكان له ذكاء ، وقال عبد الله عن أبيه نحو ذلك ، وزاد : فقيل له : إن قومه يتكلّمون فيه ، قال : لم يكن به بأس ، فقلت : إنهم يقولون : لم يكن يفصل بين سفيان ويحيى بن أبي أنيسة ، قال : لعلّه اختلط ، أما هو فكان ذكيا ، فقلت : إن يعقوب بن إسحاق بن صبيح ذكر أنه كان يكذب ، فعظم ذلك عنده جدّا وقال : كان أبو قتادة يتحرى الصّدق وأثنى عليه قال : قد رأيته
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ٢ / ٥١٧.
يشبه أصحاب الحديث ، وأظنّه كان يدلّس ، ولعله كبر فاختلط.
قال عبد الله بن أحمد : وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، وقال الدوري عن يحيى : ثقة ، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقلت : ضعيف الحديث؟ قال : نعم لا يحدّث عنه. قال : وسألت أبي عنه ، فقال : تكلّموا فيه ، منكر الحديث وذهب حديثه ، وقال البخاري : تركوه منكر الحديث وقال في موضع آخر : سكتوا عنه ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال الجوزجاني : متروك الحديث. قال البخاري مات سنة ٢٠٧. وقال أبو عروبة الحراني : ذكر أصحابنا أنه مات سنة ٢١٠.
قلت : وقال ابن سعد : كان لأبي قتادة فضل وعبادة ولم يكن في الحديث بذاك ، وقال البزار : لم يكن بالحافظ ، وكان عفيفا متفّقها بقول أبي حنيفة ، وكان يغلط ولا يرجع إلى الصواب. وقال ابن حبان : كان من عبّاد الجزيرة فغفل عن الإتقان وحدّث عن الوهم فوقع المناكير في حديثه ، فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة : ضعيف مهين. وقال الحربي : غيره أوثق منه ـ وهذه العبارة يقولها الحربي في الذي يكون شديد الضعف ـ وقال أبو عروبة : كان يتكّل على حفظه فيغلط ، وقال ابن عدي : ليس هو عندي ممّن يتعمّد الكذب ، إنما يخطئ ، وقال أبو داود : أهل حرّان يضعّفونه وأحمد ثنا عنه. وقال : إنما كان يؤتى من لسانه ، وقال الحاكم أبو أحمد : حديثه ليس بقائم ، وقال أبو نعيم الاصبهاني : روى عن هاشم وابن جريح منكرات » (١).
وأمّا دعوى السيوطي توثيق « غيرهما » ـ أي غير أحمد ويحيى ـ « لابن واقد » فلم نجد في كتب الرجال ما يدلّ عليها ، وعلى المدّعي إثبات ذلك ... نعم ذكروا القدح فيه عن جماعة من الأساطين بالاضافة إلى أحمد ويحيى ، كما علم من عبارات ( الميزان ) و ( تهذيب التهذيب ) وكذا في غيرهما من الكتب ... ففي
__________________
(١) تهذيب التهذيب : ٦ / ٦٦.
( الضعفاء المتروكين لابن الجوزي ) : « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني مشهور بالحديث والزهد. قال أبو حاتم : ذهب حديثه. وقال الدار قطني وغيره : ضعيف. وأما أحمد فقال : ما به بأس وربما أخطأ ، وقال البخاري : تركوه ».
وفي ( تقريب التهذيب ) : « عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة ، أصله من خراسان ـ : متروك ، وكان أحمد يثني عليه وقال : لعلّه كبر واختلط وكان يدلّس. من التاسعة. مات سنة ٢١٠ » (١).
وقال السندي في ( مختصر تنزيه الشريعة ) : « عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني ، روى خبرا موضوعا مهتوكا قال الذهبي هو آفته ، وقال ابن الجوزي : دسّ في حديثه ، وكان مغفّلا ».
بل انّ السّيوطي نفسه طعن فيه ، وهذا من العجائب المستطرفة ـ فقد جاء في كتاب الجهاد من ( ذيل اللآلي المصنوعة ) ما نصه : « الديلمي : أنبأنا أبي ، أنبأنا عبد الباقي بن محمد ، أنبأنا أحمد بن محمد بن عمران ، أنبأنا الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاوي ، حدثني سعيد ، عن عثمان بن مطر ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن واقد ، عن أبي سعيد رفعه : من رابط يوما في سبيل الله كان له كعتاقه ألف رجل كل رجل عبد الله ألف عام.
عثمان بن مطر متروك ، وكذا عبد الله بن واقد ».
فتخلّص : أن ضعف « عبد الله بن واقد » ثابت لدى المحققين. بل لقد زاد الحديث المفتعل « لو لم أبعث فيكم لبعث عمر » ضعفا وهوانا وقوعه في سنده ، ومن هنا ذكره الذهبي في ( الميزان ) بترجمة ابن واقد ضمن الأحاديث الضّعيفة بسببه حيث قال : « ابو خيثمة مصعب بن سعيد ، ثنا عبد الله بن واقد ، ثنا حياة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، عن مشرح ، عن عقبة بن عامر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر » (٢).
__________________
(١) تقريب التهذيب : ١ / ٤٥٩.
(٢) ميزان الاعتدال : ٢ / ٥١٩.
ورابعا : لأنّ ما ذكره بصدد توثيق « مشرح » يبطله ما تقدم سابقا من وجوه ضعفه عن العقيلي ، وابن حبان ، وابن الجوزي ...
وخامسا : لأنّ ما أورده عن الزوزني في سنده « ابن واقد » أيضا وقد عرفته ، وأيضا في سنده « راشد بن سعد الحمصي » وقد ضعّفه الدار قطني وابن حزم. قال ابن حجر بترجمته : « وذكر الحاكم أن الدار قطني ضعّفه ، وكذا ضعّفه ابن حزم. وقد ذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية » (١).
بل يكفي في سقوطه ما ذكره البخاري من خروجه مع الفئة الباغية ... على أنّه من أهل حمص ، وأهل حمص معروفون ببغض أمير المؤمنين عليهالسلام ونصبهم العداء له ، كما أنّهم موصوفون بالرّقاعة ، كما لا يخفى على من راجع ( معجم البلدان ) (٢) و ( شرح مقامات الحريري ) وغيرهما.
وسادسا : لأنّ حديث أبي هريرة ـ الذي رواه الديلمي وذكره السيوطي مؤيّدا للحديث المفتعل ـ في طريقه « إسحاق بن نجيح » وهو من أكذب النّاس لدى نقّاد الحديث وعلماء الرجال :
قال ابن الجوزي في ( الضعفاء والمتروكين ) : « إسحاق بن نجيح أبو صالح الملطي أكذب الناس ».
وقال الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) : « قال أحمد : هو من أكذب الناس. وقال يحيى : معروف بالكذب ووضع الحديث ، وقال يعقوب الفسوي : لا يكتب حديثه ، وقال س والدار قطني : متروك. وقال الفلاّس : كان يضع الحديث صراحا ...
وقال يزيد بن مروان الخلاّل : ثنا إسحاق بن نجيح ، عن عطا ، عن أبي
__________________
(١) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٢٦.
(٢) معجم البلدان : ٢ / ٣٠٤ : « ومن عجيب ما تأملّته من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل ، ان أشد الناس على علي رضياللهعنه بصفين مع معاوية كان اهل حمص وأكثرهم تحريضا عليه وجدّا في حربه ».
هريرة مرفوعا : إن لكلّ نبي خليلا من أمته وإنّ خليلي عثمان. وهذا باطل ، ويدل على ذلك قوله عليهالسلام : لو كنت متّخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبابكر خليلا. قال أحمد بن حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله : إسحاق بن نجيح من أكذب الناس ، يحدّث عن النّبي وعن ابن سيرين برأي أبي حنيفة. وقال أحمد بن محمد القاسم بن المحرز : سمعت يحيى بن معين يقول : إسحاق بن نجيح الملطي كذاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. وقال عبد الله بن علي المديني : سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء. ومن علي المديني : سألت أبي عن إسحاق الملطي فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء. ومن أباطيل الملطي ... » (١).
وذكره الذهبي في ( المغني في الضعفاء ) قائلا : « إسحاق بن نجيح الملطي ، عن عطاء الخراساني وابن نجيح : معروف بالوضع » (٢).
وقال ابن حجر : « قال أحمد : إسحاق من أكذب الناس يحدّث عن النبيّ ـ يعني عثمان ـ وعن ابن سيرين برأي أبي حنيفة. وقال ابن محرز : سمعت ابن معين يقول : كذاب عدوّ الله رجل سوء خبيث. وقال ابن أبي شيبة عنه : كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق بن نجيح الملطي ، وقال ابن أبي مريم عنه : من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال عبد الله بن علي بن المديني : سألت أبي عنه فقال بيده هكذا ، أي ليس بشيء وضعّفه ، وقال في موضع آخر : روى عجائب ، وقال عمرو بن علي : كذّاب كان يضع الحديث ، وقال الجوزجاني : غير ثقة ولا من أوعية الأمانة ، وقال علي بن نصر الجهضمي والبخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال يعقوب الفسوي : لا يكتب حديثه ، وقال صالح بن محمد : ترك حديثه ، وقال أبو أحمد بن عدي : أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتى عن ابن جريح بكلّ منكر وضعه عليه ، وهو بيّن الأمر في الضعفاء ، وهو ممّن يضع الحديث.
__________________
(١) ميزان الاعتدال : ١ / ٢٠٠.
(٢) المغني في الضعفاء : ١ / ٧٤.
قلت : وقال النسائي في التمييز : كذّاب ، وقال أبو أحمد الحاكم : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا ، وقال البرقي : نسب إلى الكذب ، وقال الجوزجاني : كذّاب وضّاعّ لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره ، وأبو سعيد النّقاش : مشهور بوضع الحديث ، وقال ابن طاهر : دجال كذاب ، وقال ابن الجوزي : أجمعوا على أنه كان يضع الحديث. وذكره الدولابي والساجي والعقيلي وغيرهم في الضعفاء » (١).
بل لقد ضعّفه السيوطي نفسه ، فقد قال في ( ذيل اللآلي المصنوعة ) بعد أن روى حديثه « إن لكلّ نبي خليلا من أمته وإن خليلي عثمان بن عفان » قال : أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال : إسحاق بن نجيح معروف بالكذب ووضع الحديث. وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على رسول الله صراحا. ويزيد بن مروان قال يحيى : كذّاب. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به. وقال في الميزان : هذه من أباطيل إسحاق ».
وفي كتاب الأطعمة منه بعد حديث : « إسحاق بن نجيح كذّاب يضع الحديث ».
فالعجب كيف يذكر في هذا المقام حديث هذا الدجّال الكذّاب مؤيّدا للحديث المفتعل الموضوع في فضل عمر؟! ...
هذا كلّه مضافا إلى :
أن في إسناد حديث أبي هريرة « عطاء الخراساني » وقد ذكره البخاري والعقيلي في الضعفاء ، وكان يكذب على سعيد بن المسيب ، وقال ابن حبان : كان رديّ الحفظ يخطئ ولا يعلم ، فبطل الاحتجاج به ... جاء ذلك بترجمته في ( ميزان الاعتدال ٣ / ٧٤ ) و ( تهذيب التهذيب ٧ / ٢١٢ ).
وإلى أنّ عطاء عن أبي هريرة مرسل ، قال ابن حجر : « روى عن الصحابة
__________________
(١) تهذيب التهذيب : ١ / ٢٥٢.
مرسلا كابن عباس ، وعدي بن عدي الكندي ، والمغيرة بن شعبة ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وأنس ، وكعب بن عجرة ، ومعاذ بن جبل. وغيرهم ».
قال « وقال الطبراني : لم يسمع من أحد من الصّحابة إلاّ من أنس » (١).
وإذا كان مرسلا ولم يعرف الواسطة فلا اعتبار لهذا الحديث من هذه الجهة كذلك.
وباختصار : إنّ هذا الحديث موهون للغاية ، ومن هنا قال المناوي : « وأما خبر الديلمي عن أبي هريرة : لو لم أبعث لبعث عمر فمنكر » (٢).
وأمّا حديث أبي بكر الذي جعله السيوطي مؤيّدا للحديث الموضوع فمداره على « راشد بن سعد ». وقد عرفته فيما تقدّم.
فظهر : بطلان حديث الديلمي بكلا طريقيه وسقوطه عن درجة الاعتبار ، ومن هنا أورده البدخشاني في ( تحفة المحبّين ) عن الفردوس عن أبي بكر وأبي هريرة ، في الفصل الثالث ـ من باب فضائل عمر ـ الذي خصّه بالأحاديث الضّعاف ، كما لا يخفى على من راجع الكتاب المذكور.
فسقط دفاع السّيوطي عن الحديث المفتعل الموهون ، وسقوط ما ذكره بالتفصيل ، ولله الحمد على ذلك حمدا كثيرا.
__________________
(١) تهذيب التهذيب : ٧ / ٢١٢.
(٢) فيض القدير : ٥ / ٣٢٥.
وجوه استدلال الشيعة بروايات أهل السنة
قوله :
« فإن اعتبرت روايات أهل السنة فهي معتبرة بالنسبة إلى الكل ، وإلاّ سقط إلزامهم ، لأنهم لا يلزمون برواية واحدة ».
أقول :
يتضّح سقوط هذا الكلام وسخافته بالوجوه التالية :
١ ـ بطلان احتجاجاته به
إنه يجوز للشّيعة إلزام ( الدهلوي ) وسائر علماء أهل السنة بنفس هذا البيان الذي أورده لإلزامهم ، فلهم أن يقولوا ـ لمن احتجّ برواية من رواياتهم من باب
الإلزام ـ هذا الكلام في جوابه ، وعلى هذا الأساس تبطل جميع احتجاجات ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ).
٢ ـ النقض باستدلال المسلمين
ولو كان هذا الكلام صحيحا لبطل استدلال المسلمين بروايات المخالفين من اليهود والنصارى وغيرهم وإلزامهم بها ، إذ يجوز لهم ـ بناء عليه ـ أن يجيبوا عن ذلك بمثل هذا الكلام ، وبه يبطل ما يذكره المسلمون ويستدلون به على نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم على ضوء روايات المخالفين.
وكأنّ ( الدهلوي ) حيث يريد نصرة المشايخ الثلاثة لا يدري ـ أو لا يلتفت ـ إلى ما يترتّب على كلامه من المفاسد!!
٣ ـ لزوم غلق باب الإلزام
بل إنّه يستلزم غلق باب الإلزام والاحتجاج ، وهو أهمّ أبواب علم الكلام والمناظرة ، لأنّ كلاّ من المتخاصمين يحتجّ بروايات الآخر ليلزمه بها ، فلكل منهما أن يقول هذا الكلام في جواب الآخر ، وحينئذ ينسدّ باب المناظرة ، وتبطل جميع استدلالات المتكلّمين في سائر كتب الكلام.
٤ ـ وجه استدلال الشّيعة
إنّ استدلال أهل الحق بحديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » بإخراج أهل السّنة إيّاه في كتبهم ، ليس من جهة أنّهم يعتقدون صحة تلك الروايات واعتبارها ، بل إنّما يستدّلون بتلك الرّوايات لإتمام الحجة على أهل السّنة ،
ودعوتهم الى الأخذ به والعمل بمقتضاه ، وبذلك يسقط ما ذكره ( الدهلوي ) ولا يصغى إليه.
٥ ـ قاعدة الإقرار
إنّه لمّا كانت قضّية ( إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود ) مسلّمة لدى جميع العقلاء ، وكان حديث مدينة العلم قد رواه وأخرجه كبار علماء أهل السّنة ، وأوضحوا دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام وخلافته بلا فصل ، صحّ للشّيعة الاستدلال على مطلوبهم بروايات أهل السّنة ، وكان في غاية المتانة.
وأمّا احتجاج ( الدهلوي ) بروايات بعض أهل نحلته في فضل الخلفاء فهي من متفردات رواتها وواضعيها ، فلا يجوز له الاستناد إليها ، وإلزام أهل الحق بها البتّة ...
وبهذا الوجه أيضا يبطل هذا الكلام ...
٦ ـ اعتبار اقرار الخصم
إن موقف أهل السّنة ـ حيث يروون ويثبتون حديث « أنا مدينة العلم » وغيره من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ـ موقف الخصم المقر ، وفي مورد رواية فضائل الشّيوخ موقف الخصم المدعي ، وقد تقرّر لدى الجميع اعتبار إقرار الخصم على كلّ حال ، وبطلان دعواه إلاّ أن يقيم عليها الدليل والبرهان.
وعلى هذا الأساس يتم استدلال أهل الحق بروايتهم حديث « مدينة العلم » ولا يتمّ ( للدهلوي ) الاحتجاج بحديث « ما صبّ الله ... » وحديث « لو كان بعدي ... ». لأنّه ادعاء محض ، وكان على ( الدهلوي ) إقامة البرهان والدليل
على صحّة هذين الحديثين ليجوز له الاحتجاج بهما.
ولا يخفى أنّ الشّواهد على ما ذكرنا من اعتبار إقرار الخصم دون دعواه ـ إلاّ مع الدليل ـ كثيرة جدا ، لكنّا نكتفي هنا بذكر واحد منها ، وذلك ما جاء في ( تاريخ الخلفاء ) حيث قال : « وأخرج عن إبراهيم بن الحسن قال قال المدائني للمأمون : إن معاوية قال : بنو هاشم أسود وأحداء ونحن أكثر سيدا ، فقال المأمون : إنّه قد أقرّ وادّعى ، فهو في ادّعائه خصم وفي إقراره مخصوم » (١).
فظهر أنّ ما أراده ( الدهلوي ) من إلزام أهل الحق ـ الذين يحتجون برواية أهل السنة فضائل الامام عليهالسلام ـ بقبول « ما صبّ الله ... » وغيره من الخرافات لا يلتفت إليه أدنى التفات ...
٧ ـ كلام رشيد الدين
ولقد قال رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) في ( الشوكة العمرية ) : « إنّه وإن كان الأئمة الأطهار عليهمالسلام ـ بمقتضى الأحاديث التي ذكرها صاحب الرسالة وغيرها من الأحاديث الشائعة المستفيضة ـ سادة الأمّة ، وإن أخبار أولئك الأخيار هي مفاتيح المغلقات ومصابيح الظلمات ومصادر الحكمة ومظاهر الشريعة ، إلاّ أنّ الكلام في أسانيد تلك الأخبار ، وكثيرا ما يكون رواة إحدى الفرق لديهم مأمونين ولدي غيرهم مطعونين ، ولذا ترى كلّ فرقة صحّة ما ورد عن طريق رواتها وتقدح ما ورد عن طريق رواة الفرقة المخالفة لها ».
فمن العجيب تغافل ( الدهلوي ) عن هذا الأصل الذي ذكره تلميذه في مقام البحث والمناظرة ... فيطالب الشيعة بقبول « ما صبّ الله ... » وأمثاله من الخرافات ، في مقابل احتجاجهم بروايات أهل السّنة في باب فضائل أمير المؤمنين
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ٣٢٥.