غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

الإفضاء.

ب ـ وجوب الدية والإنفاق (١٧٧) عليها ، وان طلقها فان تزوجت فالأقرب زوال النفقة عنه (١٧٨) ، لأن وجوبها عليه لأجل تعطيلها عن الأزواج ، فاذا صلحت لهم وتزوجت وجبت النفقة على الزوج الثاني فلا تبقى على الأول ، لأن المرأة لا تجب نفقتها بالزوجية على اثنين بغير اشتباه ، فان طلقها الثاني بائنا (١٧٩) أو مات عنها عاد الإنفاق على الأول لانتفائه عن الثاني.

ج ـ لو اندمل الموضع وصلح للوطئ لم يعد الحل لحكم الشارع بالتحريم بنفس الإفضاء ، والأصل بقاؤه.

د (١٨٠) ـ هذه الأحكام ثابتة للزوجة المعقود عليها دائما أو منقطعا ، حرة أو امة ، وهل تحرم الموطوءة بالملك أو الشبهة أو المفضاة بالإصبع؟ استقرب العلامة في القواعد عدم تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع ، واختاره فخر الدين لأصالة الإباحة وعدم النص على الأمة والمفضاة بالإصبع.

واما الموطوءة بالشبهة فالشيخ في الخلاف جعلها كالزوجة في جميع الأحكام ، وابن إدريس منعها من النفقة لأصالة براءة الذمة ، واختاره العلامة في المختلف ، ولو أكرهها على الزنا قبل التسع فأفضاها وجبت الدية والمهر.

قال رحمه‌الله : إذا تزوج في العدة ودخل فحملت ، فان كان جاهلا لحقه الولد ان جاء لستة أشهر فصاعدا منذ دخل ، وفرق بينهما ولزمه المسمى ، وتتم العدة للأول وتستأنف أخرى للثاني ، وقيل : تجزي واحدة ، ولها مهرها على الأول ومهر على الآخر إن كانت جاهلة بالتحريم ، ومع علمها فلا مهر.

__________________

(١٧٧) «ن» : والنفقة.

(١٧٨) «ر ١» : على الزوج.

(١٧٩) «ن» : ثانيا.

(١٨٠) «م» و «ن» و «ر ١» : تنبيه.

٦١

أقول : إذا تزوج المعتدة بائنا أو رجعيا أو عدة وفاة ، فاما ان يكون عالما بالعدة والتحريم أو جاهلا بأحدهما ، فهنا قسمان : الأول أن يكون عالما وله أحكام.

أ ـ ثبوت التحريم المؤبد بنفس العقد سواء كانت عالمة أو جاهلة ولا مهر لها الا مع الدخول وجهلها ، ولا تحرم على أبيه وابنه بنفس العقد.

ب ـ عدم انقطاع عدتها من الأول وان دخل الثاني وحملت لعدم اعتبار وطئ الثاني في نظر الشرع ، فان كانت معتدة بالشهور أكملت ثلاثا من حين الطلاق ، سواء حملت أو لم تحمل ، وان كانت معتدة بالأقراء فلا بد من ثلاثة ، وان حملت فان كان قد مضى قبل الحمل قروء فلا بد من قرئين آخرين فإن رأت الدم في زمان الحمل وقلنا باجتماعه مع الحمل احتسبت ما تراه فيه من العدة ، فإن أكملت قبل الوضع ثلاثة أقراء خرجت من العدة والا صبرت حتى تضع ، فإن رأت الدم عند الولادة أعتدت به حيضة وخرجت من العدة ان كانت ثالثة والا صبرت حتى تكمل ثلاثة اقرء ، وان تأخر الحيض لمكان الرضاع ، لأنها من أهل الأقراء وانقطاع الدم هنا لعارض ، فلا تخرج إلا بالأقراء.

ج ـ يجوز للأول المراجعة ان كان الطلاق رجعيا فان كانت حاملا جاز له الوطي قبل الوضع ، لأن هذا الحمل لا حرمة له ، وان كانت حائلا ، قال : أبو العباس في مهذبه : لا يحل له الوطي في الطهر الذي وطأ فيه العاقد حتى تحيض لجواز (ان تحمل) (١٨١) من الوطي ، والولد للزوج في الظاهر ، فيكون قد ألحق بنسبة من ليس منه ، وهو غير جائز هذا كلامه رحمه‌الله.

وفيه نظر ، لأنه زان ، والزاني لا حرمة لوطيه ، والا لوجب اجتناب كل زوجة زنت في طهر لم يقربها زوجها فيه قبل الزاني حتى تحيض وتطهر ، وهو خلاف المشهور.

__________________

(١٨١) «م» و «ن» و «ر ١» : حملها.

٦٢

د ـ لو راجعها الزوج وهي حامل من الزاني ووطأها ، جاز له طلاقها في الحال من غير استبراء ، لأن المراد من الاستبراء علم براءة الرحم من الزوج وهو هنا حاصل.

الثاني ان يكون جاهلا ، وله أحكام :

أ ـ عدم التحريم بنفس العقد ، بل بالوطي ، فلو عقد في العدة جاهلا فسد العقد ، فان دخل في العدة حرمت مؤبدا ، وان دخل بعد العدة ، قال أبو العباس في مهذبه : لم تحرم مؤبدا ، لأن الحكم في الجاهل متعلق بالوطي وقد حصل بعد العدة ، وحينئذ لا فرق بين ان يتجدد له العلم بعد العدة أو قبلها إذا كان الوطي بعد العدة (١٨٢) هذا آخر كلامه رحمه‌الله ، وهو جيد ، لأن ابن إدريس قيد الدخول في العدة ، فيحمل إطلاق غيره عليه.

ب ـ ينقطع عدة الأول بوطي الثاني وان لم تحمل منه ، وهل (١٨٣) يكفي واحدة عنهما بأن تعتد عند مفارقة الثاني بثلاثة أقراء ان كانت من أهل الأقراء ، أو بثلاثة أشهر ، ويكتفي بها عنهما (١٨٤) ، أو لا بد من عدتين بأن تكمل عدة الأول عند مفارقة الثاني إذا لم تحمل من الثاني ثمَّ تستأنف للثاني عدة أخرى فإن حملت من الثاني أعتدت له بوضع حمله ثمَّ تكمل عدة الأول بأن تبني على ما مضى من الأقراء ان كانت من أهلها أو الشهور ان لم تكن من أهلها؟

قيل بالأول ، لأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالعدة الواحدة ، ولرواية زرارة (١٨٥) ، عن الباقر عليه‌السلام الدالة على الاكتفاء بالعدة

__________________

(١٨٢) في «م» بزيادة : (إلا إذا كان الجهل للتحريم ، فإنها تحرم بنفس العقد ولو لم يدخل على أصح القولين) أقول : هذه الزيادة ليست في المهذب البارع ، راجع المهذب ٣ : ٢٨٥.

(١٨٣) ليست في «ن».

(١٨٤) «ن» : عنها.

(١٨٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

٦٣

الواحدة (١٨٦).

وقيل بالثاني ، لأنهما حكمان ، وتداخلهما على خلاف الأصل فلا بد من عدتين ، وهو المعتمد.

ج ـ للزوج مراجعتها في عدته سواء كانت متأخرة عن عدة العاقد كما في صورة الحمل ، أو متقدمة عليها كما في صورة عدمه ، وهل له مراجعتها في عدة العاقد في صورة تقدمها على عدته؟ منع العلامة في القواعد منه ، قال : وله الرجعة في الإكمال دون زمان الحمل وظاهر أبي العباس جواز الرجوع في زمان حمل الثاني الا انه يمنع من الوطي ، أما لو كان الطلاق بائنا فإنه لا يجوز له ان يعقد عليها في عدة الثاني إجماعا ، ولا في عدة نفسه إذا كانت متقدمة على عدة الثاني ، لأن التزويج يسقط عدته فيثبت (١٨٧) حكم عدة الثاني فيمتنع عليه الاستمتاع ، وكل عقد لا يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا عدا ما أخرجه النص والإجماع من جواز العقد على الصغيرة وان حرم نكاحها (حتى تبلغ) (١٨٨).

فروع :

الأول : لو تزوج بذات بعل هل يكون حكمه حكم المعتدة؟ قال العلامة : فيه اشكال من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم ، وقال في التحرير : لا نعرف لعلمائنا فيه فتيا ، وحمله على ذات العدة قياس ، مع ان الأقرب ذلك ، وثبوت الحكم فيه من طريق التنبيه لا القياس.

وعن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثمَّ قدم زوجها بعد ذلك فطلقها قال تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر

__________________

(١٨٦) «م» و «ن» : بعدة واحدة.

(١٨٧) «م» و «ر ١» : ويثبت.

(١٨٨) ليس في «م» و «ر ١».

٦٤

عدة واحدة وليس للأخير ان يتزوجها أبدا» (١٨٩).

قال العلامة : وفي طريقها ابن بكير ، وهي تدل على مساواة النكاح للعدة. ومذهب أبي العباس المساواة ، وفخر الدين اقتصر على مورد النص.

الثاني : هل وطي الأمة في الاستبراء كالوطي في العدة؟ استشكل (١٩٠) العلامة من أنه عدة الأمة ، ومن اختصاصه باسم لم يتناوله النص ، والأصل الإباحة ، وفخر الدين على عدم التحريم.

الثالث : لو تزوج ذات البعل عالما حرمت عليه قطعا ، وانما الإشكال إذا كان جاهلا أو لشبهة ، كما لو طلقها رجعيا ثمَّ رجع في العدة وأشهد على الرجعة من حيث لا تعلم ، فتزوجت بعد انقضاء العدة ، فأقام البينة بالرجعة في العدة ، أو كمن قامت البينة عندها بوفاة زوجها ، فنكحت غيره ثمَّ ظهرت حياته.

قال رحمه‌الله : من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها ، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا ، وكذا لو زنت امرأته وإن أصرت على الأصح ، ولو زنا بذات بعل ، أو في عدة رجعية ، حرمت عليه أبدا في قول مشهور.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في جواز نكاح الزانية ، والمشهور جوازه على كراهية وان كان الزاني هو العاقد عليها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف والإستبصار ، ومذهب ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة الإباحة ، ولهم عليه روايات (١٩١).

وقال المفيد والشيخ في النهاية : إذا فجر بامرأة غير ذات بعل فلا يجوز (١٩٢) العقد عليها ما دامت مصرة على ذلك الفعل ، فان ظهر منها التوبة جاز

__________________

(١٨٩) تقدمت الإشارة إلى مصدرها ص ٥٣.

(١٩٠) «م» و «ن» و «ر ١» : استشكله.

(١٩١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(١٩٢) «م» و «ن» و «ر ١» : بزيادة له.

٦٥

له العقد عليها وتعتبر توبتها بان يدعوها الى ما كان منه فإن أجابت امتنع من العقد عليها ، وان امتنعت عرف بذلك توبتها. ومثله قال ابن البراج ، وأبو الصلاح أطلق تحريم الزانية حتى تتوب.

احتج الشيخ ومن تابعه برواية أبي بصير «قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثمَّ أراد بعد ان يتزوجها؟ فقال : إذا تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف نعرف توبتها ، قال : يدعوها الى ما كانت عليه من الحرام فان امتنعت واستغفرت ربها عرف توبتها» (١٩٣) ومثلها رواية عمار ابن موسى الساباطي (١٩٤) ، عن الصادق عليه‌السلام.

احتج أبو الصلاح على إطلاقه بقوله تعالى (الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١٩٥).

الثانية : في تحريم الزوجة إذا زنت وأصرت على الزنا ، وبالتحريم قال سلار ، وهو قول المفيد ، الا انها لا تبين إلا بإطلاق ، وقال ابن حمزة : ينفسخ نكاحها على قول بعض الأصحاب.

احتج سلار بأن أعظم فوائد النكاح التناسل ، وأعظم حكمة الحد والزجر عن الزنا اختلاط الأنساب ، فلو أبيح نكاح الزانية لزم اختلاط الأنساب.

والمشهور عدم التحريم لقوله عليه‌السلام : «لا يحرم الحلال الحرام» (١٩٦) ، ولرواية عباد بن صهب (١٩٧) ، عن الصادق عليه‌السلام (١٩٨) ، الدالة على جواز

__________________

(١٩٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٧.

(١٩٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٩٥) النور : ٥.

(١٩٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ٢.

(١٩٧) في «ن» : غياث بن صهيب. وفي «م» : عباد بن صهيب. وكذا في المصدر.

(١٩٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، حديث ١.

٦٦

إمساك الزانية.

الثالثة : الزنا بذات البعل أو العدة الرجعية ، والمشهور تحريمها مؤبدا لا أعلم فيه خلافا ، وادعى عليه المقداد رحمه‌الله في شرح المختصر الإجماع ، ولا فرق عندهم بين علم الزاني بالزوج والعدة وعدمه ، ولا بين دخول الزوج وعدمه ، ولا بين الدائم والمنقطع.

ولو زنا بذات عدة بائن أو وفاة أو عدة المستمتع بها هل تحرم أم لا؟ قال العلامة في التحرير : ليس لأصحابنا فيه (١٩٩) نص ، وعلى ما قلناه من التفسير (٢٠٠) يحتمل التحريم مع العلم ، لأنا قد بينا ثبوته مع العقد ، فمع التجرد عنه اولى ، قال : وهو الأقرب. وجزم في القواعد بعدم التحريم.

وهل الزنا بالأمة الموطؤة كالزنا بذات البعل؟ قال في القواعد : فيه نظر ، واختار فخر الدين عدم التحريم ، وهو اختيار العلامة في التحرير لخلوها عن النص.

قال رحمه‌الله : إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين ، فان سبقت إحداهما كان العقد لها ، وإن اتفقا في حال بطل العقدان ، وروي أنه يتخير ، وفي الرواية ضعف.

أقول : الرواية هي رواية جميل بن دراج (٢٠١) ، وهي مرسلة وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية ، وابن الجنيد وابن البراج ، وقد سبق (٢٠٢) البحث في هذه المسألة ، والمعتمد فيها البطلان.

قال رحمه‌الله : لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا ، وفي تحريم

__________________

(١٩٩) «م» و «ن» : في ذلك.

(٢٠٠) في «م» و «ر ١» : التنبيه ، وفي «ن» : البينة.

(٢٠١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، حديث ١.

(٢٠٢) ص ٥٥.

٦٧

الكتابية من اليهود والنصارى روايتان ، أشهرهما المنع في الدائم ، والجواز في المؤجل وملك اليمين ، وكذا حكم المجوس على أشهر الروايتين.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى ـ في جواز نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى ، وقد اختلف الأصحاب هنا على أقوال كثيرة ، والمشهور منها ثلاثة :

الأول : تحريم النكاح بجميع أنواعه ، وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في كتابي الأخبار ، وأحد قولي المفيد ، وقواه ابن إدريس ، واختاره فخر الدين ، قال : وهو الذي استقر عليه رأي والدي ، وهو مذهب ابي العباس في كتابيه لأنهن مشركات لقوله تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) الى قوله تعالى (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (٢٠٣) وإذا ثبت انهن مشركات ثبت تحريم نكاحهن لقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ) (٢٠٤) وقوله (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٢٠٥) ، ولأن النكاح يستلزم المودة ، لقوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (٢٠٦) ومودة الكافر غير جائزة ، لقوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٢٠٧) الآية.

الثاني : جوازه بجميع أنواعه ، وهو مذهب ابني بابويه وابن ابي عقيل ، لقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٢٠٨) ولرواية أبي (٢٠٩) مريم

__________________

(٢٠٣) التوبة : ٣٠ ، ٣١.

(٢٠٤) البقرة : ٢٢١.

(٢٠٥) الممتحنة : ١٠.

(٢٠٦) الروم : ٢١.

(٢٠٧) المجادلة : ٢٢

(٢٠٨) المائدة : ٥.

(٢٠٩) «ن» : ابن.

٦٨

الأنصاري (٢١٠) ، عن الصادق عليه‌السلام. وأجيب عن الآية بأنها منسوخة بقوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٢١١) وعن الرواية بضعف السند.

الثالث : جواز المتعة وملك اليمين دون الدائم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، واختاره المصنف واستقربه العلامة في القواعد والتحرير ، لرواية أبان بن عثمان ، عن زرارة (٢١٢).

الثانية : في نكاح المجوسيات ، والمشهور ان حكمهن حكم أهل الكتاب ، لقوله عليه‌السلام : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» (٢١٣) ومنع ابن إدريس من مناكحتهن لأصالة تحريم المشركات ، خرج منه اليهوديات والنصرانيات على الخلاف ، ويبقى الباقي على أصالة المنع.

قال رحمه‌الله : ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر ، وان كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة ، وقيل : ان كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا ، غير انه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها نهارا ، والأول أشبه.

أقول : القول المحكي قول الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار معولا على رواية جميل بن دراج (٢١٤) ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام وقال في

__________________

(٢١٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥ من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث ٣. في «م» و «ن» و «ر ١» : عن الباقر عليه‌السلام

(٢١١) الممتحنة : ١٠.

(٢١٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤ من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث ٢.

(٢١٣) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ٤٩ من أبواب جهاد العدو حديث ٩.

(٢١٤) التهذيب ، كتاب النكاح ، فيمن يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب الحديث ١٢ (١٢٥٤) ج ٧ ص ٣٠٠. والإستبصار ، أبواب ما أحلّ الله العقد عليهن وما حرّم ، باب الرجل والمرأة إذا كانا ذميين فتسلم المرأة دون الرجل حديث ١ (٦٥٨) ج ٣ ص ١٨١.

٦٩

الخلاف بانفساخ العقد مطلقا ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأن التزويج نوع سلطنة على الزوجة والكافر ممنوع من السلطنة على المسلم.

قال رحمه‌الله : ولو قبّل ولمس بشهوة يمكن أن يقال : هو اختيار ، كما هو رجعة في حق المطلقة ، وهو يشكل بما يتطرق اليه من الاحتمال.

أقول : وجه الاشكال ان التقبيل واللمس قد يوجدان في الأجنبية فهما أعم من الاختيار وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ومن مشاركة الاختيار للرجعة (٢١٥) في إرادة النكاح ، وكل ما كان رجعة كان اختيارا وهما إذا قارنا الشهوة رجعة إجماعا فيكونان رجعة اختيارا ، وهو مذهب العلامة في القواعد والتحرير ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه‌الله : إذا تزوج امرأة وبنتها ثمَّ أسلم بعد الدخول بهما حرمتا ، وكذا لو كان دخل بالأم ، أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأم دون البنت ، ولا اختيار ، وقال الشيخ : له التخيير ، والأول أشبه.

أقول : إذا أسلم عن امرأة وبنتها زوجتين ولم يكن دخل بإحداهما ، قال الشيخ : يتخير أيهما شاء ، لأن عقد الشرك لا يحكم لصحته (٢١٦) الا بانضمام الاختيار حال الإسلام ولهذا لو تزوج عشرا واختيار منهن أربعا لم يجب للبواقي مهر ولا نفقة وكنّ بمنزلة من لم يقع عليهن عقد ، فاذا اختار الأم كان بمنزلة من لم يعقد على البنت ، قال : ويحتمل لزوم عقد البنت ، إذ نكاح الشرك صحيح ، كما لو تزوج أختين وانه (٢١٧) يختار أيهما يشاء ، فيكون صحيحا فيهما وصحة النكاح في البنت تقتضي التحريم المؤبد في الأم والمصنف اختار هذا الاحتمال ، وهو اختيار

__________________

وفي الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر حديث ١.

(٢١٥) «م» و «ر ١» : للرجعية. وفي «ن» : للمرجعية.

(٢١٦) كذا

(٢١٧) «م» و «ن» و «ر ١» : فإنه.

٧٠

العلامة ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات ، فأسلم معه اثنتان ثمَّ أعتق ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين ، لأنه كمال العدد المحلل له ، ولو أسلمن وأعتق ، أو أسلمن بعد إسلامه وعتقه في العدة ثبت نكاحه عليهن لاتصافه بالحرية المبيحة للأربع ، وفي الفرق إشكال.

أقول : منشؤه من وجود الحرية المبيحة للأربع في الصورتين قبل الاختيار ، فيكون له اختيار الأربع في الصورتين ، ووجه الفرق انه في الصورة الأولى حين ثبوت الاختيار كان عبدا ، لأن ثبوته حال اجتماع الإسلامين (٢١٨) ، وهو حينئذ عبد ، وفي الصورة الثانية حالة (٢١٩) اجتماعهما وهو حر ، هذا الفرق بينهما ، وحينئذ لا فرق ان يختار في الصورة الأولى من سبق إسلامها عتقه أو تأخر إسلامها عنه ، وله ان يحدد العقد على الأخيرتين.

قال رحمه‌الله : اختلاف الدين فسخ لإطلاق فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط المهر ، وان كان من الرجل فنصفه على قول مشهور.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ويحتمل ثبوت الجميع لأن التنصيف مشروط بالطلاق ، والفسخ ليس طلاقا ، ولا يعد في الثلاث.

قال رحمه‌الله : ولو لم يسم مهرا والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة ، وفيه تردد ، ولو دخل الذمي وأسلم وكان المهر خمرا ولم يقبضه ، قيل : سقط ، وقيل :يلزمه مهر المثل ، وقيل : تجب قيمته عند مستحله ، وهو أصح.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يسم مهرا ثمَّ أسلم قبل الدخول ، قال الشيخ : لها المتعة ، كما

__________________

(٢١٨) في «ن» : الإسلام.

(٢١٩) «ن» : حال.

٧١

لو طلقها ، وبه قال المصنف ثمَّ تردد من انه فسخ قبل الدخول فأشبه الطلاق في وجوب المتعة إذا لم يسم مهرا ، ومن أصالة براءة الذمة ، لأنه لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا ولا طلقها ، فلا يثبت عليه شي‌ء ، لأن المتعة مشروطة بالطلاق قبل الدخول ولم يحصل.

الثانية : إذا سمى مهرا فاسدا كالخمر والخنزير ، ثمَّ أسلم بعد الدخول وقبل قبض المهر ما الواجب عليه؟ حكى المصنف ثلاثة أقوال :

أ ـ السقوط ، ووجهه سقوط الخمر عن ذمته بإسلامه ، والأصل براءة الذمة مما سواه لعدم تناول العقد لغير الخمر فلا يلزمه شي‌ء.

ب ـ وجوب مهر المثل ، ووجهه استقراره في ذمته بالدخول فلا يسقط لكونه فاسدا ، فيكون كما لو لم يسم مهرا.

ج ـ وجوب قيمته عند مستحليه ، ووجهه أنه أتلف بإسلامه حقا لذمي يستحقه ويملكه ، فيكون ضامنا بقيمته ، واختاره المصنف وهو قوي.

قال رحمه‌الله : إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطئ زوجته المسلمة (ووقف نكاحها على انقضاء العدة)(*) ، فلو وطئها لشبهة وبقي على كفره الى انقضاء العدة ، قال الشيخ : عليه مهران ، الأصلي بالعقد والآخر بالوطي بالشبهة ، وهو يشكل بما انها في حكم الزوجية إذا لم يكن عن فطرة.

أقول : إذا ارتد الزوج أو الزوجة أو هما بعد الدخول عن غير فطرة ، حرم الوطي من حين الارتداد ، ووقف انفساخ النكاح على خروج العدة ، فإن عاد (٢٢٠) أو عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة فالزوجية باقية والا تبينا البينونة من حين الارتداد ، فإن وطأها مدة التربص لشبهة ، هل يجب عليه مهران؟ قال الشيخ :

__________________

(*) ما بين القوسين من الشرائع المطبوع.

(٢٢٠) كذا في الأصل ، وفي «ن» : عادوا.

٧٢

نعم ، واستشكل المصنف ، ومنشؤه من انها بحكم الزوجة (فهي كالمطلقة) (٢٢١) رجعيا ، لجواز الرجوع إليها بإسلام المرتد منهما ووجوب النفقة إذا كان المرتد هو الزوج ، فهي في العدة بحكم الزوجة ، فلا يجب بوطئها مهر ، كما لا يجب بوطي المطلقة رجعيا.

ومن كون العدة كاشفة عن حصول البينونة حين الارتداد ، فلما انقضت على الارتداد تبين كونها أجنبية في زمان العدة ، ومن وطأ أجنبية للشبهة كان عليه مهر مثلها ، فيكون عليه المهر هنا ، وهو اختيار العلامة في التحرير جزما.

قال رحمه‌الله : ولو مات أو متن ، قيل : يبطل الخيار والوجه استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات.

أقول : إذا أسلم على أكثر من أربع ثمَّ أسلمن في العدة كان عليه اختيار أربع ، فلو متن أو مات بعضهن قبل الاختيار لم يسقط الاختيار ، بل له ان يختار من يشاء ويرثهن ، فلو متن أو مات قبل الاختيار قيل : يبطل الاختيار ، ولتعذره (٢٢٢) بموت الزوج ، وحينئذ يوقف ربع تركته أو نصف ربعها للجميع حتى يصطلحن ، ويوقف من تركته كل واحدة نصفها أو ربعها حتى يصطلح ورثتها وورثة الزوج عليه ، واختار المصنف استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات وموروثات ، وقد اشكلن فيقرع بينهن ، لأن كل أمر مشكل فيه القرعة ، والقول بالبطلان يؤدي الى توريث غير الوارث ومنع الوارث من إرثه أو بعضه ، وهو غير جائز.

قال رحمه‌الله : ولو مات قبلهن ورثه أربع منهن لكن لما لم يتعين وجب إيقاف الحصة حتى يصطلحن ، والوجه القرعة أو التشريك.

__________________

(٢٢١) في الأصل : وهي المطلقة.

(٢٢٢) كذا.

٧٣

أقول : ذكر المصنف في النصيب الموقوف ـ وهو الربع أو نصفه ـ ثلاثة وجوه :

الأول : ان يصطلحن عليه ، ووجهه ان المستحق له منحصر فيهن ، لكنه مجهول فالاحتياط يقتضي الصلح.

الثاني : القرعة ، لأنه أمر مشكل ، وكل أمر مشكل فيه القرعة.

الثالث : القسمة بينهن بالسوية لانحصار المستحق فيهن وعدم أولوية البعض دون البعض فكان مشتركا بينهن ، كما لو تداعيا عينا ولا ترجيح لأحدهما.

قال رحمه‌الله : روى عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان إباق العبد طلاق امرأته فإنه بمنزلة الارتداد ، فان رجع بالعدة فهي امرأته بالنكاح الأول ، وان رجع بعد العدة وقد تزوجت فلا سبيل له عليها ، وفي العمل بها تردد ، منشؤه ضعف السند.

أقول : أفتى الشيخ في النهاية بمضمون هذه الرواية (٢٢٣) ، وأنكره ابن إدريس ، لأصالة بقاء النكاح ، ولضعف سند الرواية ، لأن عمارا فطحي المذهب ، ولا يعمل بما انفرد به ، خصوصا مع مخالفة (٢٢٤) الأصل.

__________________

(٢٢٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٧٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث ١.

(٢٢٤) كذا. ولعل الصحيح : مخالفته.

٧٤

مسائل من لواحق العقد

قال رحمه‌الله : الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وان تأكد استحباب الإيمان.

أقول : ظاهر المفيد وابن الجنيد الاكتفاء بالإسلام وان تأكد استحباب الايمان ، فعلى هذا يجوز نكاح المؤمنة للمخالف ، لرواية محمد بن الفضل الهاشمي «قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الكفؤ أن يكون عفيفا ويكون عنده يسار» (٢٢٥) ولقوله عليه‌السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه زوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (٢٢٦).

ومنع الشيخ في المبسوط من نكاح المخالف للمؤمنة ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لرواية عبد الله بن سنان ، عن

__________________

(٢٢٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح ، حديث ٥ مع اختلاف يسير.

(٢٢٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح ، حديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٦.

٧٥

الصادق عليه‌السلام : «ولا نزوج المستضعف مؤمنة» (٢٢٧) وفي رواية زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام «قال : ان العارفة لا توضع الا عند عارف» (٢٢٨) و «سئل الصادق عليه‌السلام عن امرأة مؤمنة عارفة وليس في الموضع أحد على دينها ، هل تزوج منهم؟ قال : لا تزوج الا من كان على دينها. ولأن المرأة تأخذ من دين بعلها ، فلا يؤمن ان يخدعها عن دينها» (٢٢٩).

واستدلال المجوزين بقوله عليه‌السلام : «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه» (٢٣٠) لا يصلح ان يكون دليلا لهم ، لأن دين المخالف ليس بمرضي عند المؤمن ، فلا يدخل في الأمر بزواجه لعدم الارتضاء بدينه.

فرع : إذا ثبت ان الايمان شرط في إباحة نكاح المؤمنة كما أن الإسلام شرط في إباحة نكاح المسلمة وان المخالف يمنع من المؤمنة ، كما ان الكافر يمنع من المسلمة ، ثبت ابطال الخلاف لعقد المؤمنة لاحقا كإبطاله سابقا ، فلو خرج المؤمن من دينه الى دين أهل الخلاف انفسخ نكاح زوجته المؤمنة كانفساخ نكاح المسلمة بارتداد الزوج ، لأن الشرط يجب مصاحبته للمشروط ، وينتفي المشروط عند انتفاء الشرط ، فكما تنتفي إباحة الصلاة عند انتفاء الطهارة كذلك تنتفي اباحة المؤمنة والمسلمة عند انتفاء الايمان والإسلام ، لأن الايمان والإسلام شرط في إباحتهما ، كما ان الطهارة شرط في إباحة الصلاة.

إذا عرفت هذا ، فهل تبين زوجته المدخول بها حين انفساخ العقد

__________________

(٢٢٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١١ من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث ٦.

(٢٢٨) الرواية الموجودة بنفس النص المذكور ليست عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام بل عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام راجع الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر حديث ٥.

(٢٢٩) المستدرك ، كتاب النكاح ، باب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر ، حديث ٨.

(٢٣٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، حديث ١.

٧٦

باختلاف الدين ، أو يتوقف الفسخ على انقضاء العدة كالمرتد عن ملة فإن عاد الى الإيمان في العدة كانت الزوجية باقية وان بقي على الخلاف بانت منه كالمرتد؟ يحتمل ذلك ، لأن خروج المؤمن إلى دين أهل الخلاف ليس أبلغ من الارتداد عن الإسلام إلى الكفر ، وقد ثبت ان الارتداد لا يوجب بينونته (٢٣١) حتى تنقضي العدة ، فتوقّف البينونة على انقضاء العدة في الخروج الى دين أهل الخلاف أولى ، ويكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ، لا من باب القياس.

ويحتمل البينونة بنفس انفساخ العقد حالة الخروج عن الأيمان ، لأن الأصل في الفسخ اقتضاء البينونة من حين الفسخ ، سوى (٢٣٢) اقتضى التحريم المؤبد كالفسخ بسبب الرضاع أو لا يقتضي ذلك كالفسخ بالعيب خرج منه الفسخ بسبب الارتداد للنص (٢٣٣) ، والإجماع ، يبقى الباقي على أصالة ما يقتضيه الفسخ من البينونة من حينه.

قال رحمه‌الله : وهل يشترط تمكنه من النفقة؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : القائل بالاشتراط هو الشيخ في المبسوط ، وقال في النهاية بعدم الاشتراط ، وبه قال ابن حمزة والمصنف والعلامة ، وهو مذهب القاضي وابن الجنيد ، وهو المعتمد ، لقوله تعالى (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٢٣٤) ولا فائدة في الآية مع اشتراط الغنى ، ولأنها لو علمت بعسره ثمَّ رضيت فنكاحه صحيح إجماعا ، فلو كانت القدرة شرطا لما سقطت بالتراضي كغيرها من

__________________

(٢٣١) «م» و «ن» و «ر ١» : البينونة.

(٢٣٢) كذا. ولعلها : سواء.

(٢٣٣) الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٦ من أبواب موانع الإرث ، حديث ٤.

وكتاب الطلاق ، باب ٣٥ من أبواب إباق العبد ، حديث ١.

(٢٣٤) النور : ٣٢.

٧٧

الشروط. وقال ابن إدريس بعدم الاشتراط الا أن المرأة تسلط على الفسخ مع عدم العلم بفقره ، واختاره العلامة في المختلف.

قال رحمه‌الله : ولو تجدد العجز عن النفقة هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان ، أشهرهما : أنه ليس لها.

أقول : اما على القول بأشراط التمكين من النفقة ابتداء ، كمذهب الشيخ في المبسوط ، فاذا تجدد العجز ثبت لها الخيار ، واما على القول بعدم اشتراطه ، كما هو المشهور ، هل يثبت الخيار؟ قال ابن الجنيد : نعم ، ونقله ابن إدريس عن بعض أصحابنا ، واختاره العلامة في المختلف دفعا للضرورة الحاصلة لها لاحتياجها إلى النفقة وتحريم تزويجها بغيره ، فمع عدم اباحة الفسخ يحصل الضرر العظيم ، وهو منفي بالآية (٢٣٥) والرواية (٢٣٦).

والمشهور عدم جواز الفسخ لأصالة بقاء العقد ، ولعموم قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٢٣٧) وهذا البحث مع دخولها عليه موسرا ثمَّ تجدد له الإعسار ، اما لو دخلت عليه معسرا لم يكن لها الفسخ قطعا ، لأنها هي التي أدخلت الضرر على نفسها وأسقطت حقها باختيارها.

تنبيه : على القول بان التمكن من المؤمنة شرط ليس هو كغيره من الشروط التي لا يباح المشروط بدونها ، كالطهارة في إباحة الصلاة ، والإيمان والإسلام في إباحة المؤمنة والمسلمة ، بل هو شرط في وجوب الإجابة ، لأنه مع الرضا بإعساره يباح له النكاح إجماعا ، وليس كذلك لو رضيت بكونه كافرا أو مخالفا مع كونها مؤمنة أو مسلمة ، فإنه لو رضيت المؤمنة بالمخالف لم يبح لها نكاحه

__________________

(٢٣٥) البقرة : ٢٣١. والطلاق : ٦.

(٢٣٦) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ٧ ، حديث ٢ وفي كتاب الفرائض ، باب ١ من أبواب موانع الإرث ، حديث ١٢.

(٢٣٧) البقرة : ٢٨٠.

٧٨

إجماعا من القائلين بالمنع ، ولو رضيت المسلمة بالكافر لم يبح لها إجماعا ، فقد ظهر الفرق بين اشتراط القدرة على النفقة وبين غيره من الشروط.

قال رحمه‌الله : وإذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته وان كان أخفض نسبا ، ولو امتنع الولي كان عاصيا.

أقول : روي (٢٣٨) انه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشي‌ء يدخل فيه في جملة الفساق ، وان كان حقيرا في نفسه قليل المال ، فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال ابن إدريس : ووجه الحديث في ذلك انما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والانفة منه كذلك (٢٣٩) ، واعتقاد ان ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إذا رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه ، فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث.

هذا تحقيق ابن إدريس رحمه‌الله ، وهو جيد ، الا ان قوله : واعتقاد ان ذلك ليس بكفؤ في الشرع ، فإنه يفهم منه انه لو رده للأنفة من فقره وخفض نسبه مع اعتقاد انه كفوء في الشرع ، فإنه لم يكن عاصيا وهذا غير صحيح ، والا كان تارك الواجب مع اعتقاده انه واجب لم يكن عاصيا ، وهو ضروري البطلان ، لأنه إذا ترك اجابته مع علمه بأنه كفوء في الشرع وان أجابه الكفوء واجبة وانما ترك ذلك لأنفة كان تاركا للواجب مع علمه بكونه واجبا ، وهذا يكون عاصيا إجماعا ، فيكون تقييده للعصيان بالاعتقاد بأنه ليس بكفوء غير صحيح ، بل لو قيده بالاعتقاد بأنه كفوء كان أحسن.

__________________

(٢٣٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢٣٩) «م» و «ن» و «ر ١» : لذلك.

٧٩

وقال العلامة في القواعد : ولو امتنع الولي كان عاصيا الا الى العدول إلى الأعلى ، جوّز الامتناع إذا كان العدول إلى الأعلى ، وعند التحقيق يلزم من إطلاق قول العلامة ترك العمل بما تضمنه الخبر (٢٤٠) من وجوب إجابة المؤمن إذا كان قليل المال أو أخفض نسبا ، لأنه إنما يترك الإجابة لأجل العدول الى من هو أعلى منه لا لقصد عدم تزويج ابنته ، فاذا جاز رد المؤمن لأجل قصد من هو أعلى لزم ترك العمل بالخبر ، فلو قيد العدول إلى الأعلى بحضوره ورغبته في النكاح كان حسنا.

فرعان :

الأول : هل حكم المرأة إذا كان أمرها بيدها حكم الأب في وجوب إجابة المؤمن إذا خطبها وان كان اخفض نسبا بحيث لو منعته كانت عاصية؟ يحتمل ذلك ، لأنه كفوء في الشرع وإذا خطب الكفوء وجبت الإجابة ، فكما يجب على أبيها إذا كان أمرها بيده يجب عليها إذا كانت مالكة أمر نفسها.

ويحتمل العدم لأصالة براءة الذمة من اشتغالها بواجب أو ندب ما لم يحصل الدليل الشاغل ، والرواية (٢٤١) إنما وردت في الأب ، فيقتصر في الوجوب على مورد النص دون ما عداه.

الثاني : لو كان للمرأة أخ أو عم وكان أمرها مفوض اليه ، هل يجب عليه الإجابة أم لا؟ يحتمل العدم ، لأنه ليس وليا حقيقا ، والنص انما ورد في الولي الإجباري إذ مع عدمه يكون أمرها بيدها ، ويحتمل الوجوب لأنه مع التفويض اليه وعدم مخالفته يصير كالولي الإجباري ، فيجب عليه الإجابة ، فإن رضيت والا انتفى الوجوب عنه ، وهذا هو الأحوط.

__________________

(٢٤٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح ، حديث ١.

(٢٤١) المتقدمة آنفا.

٨٠