غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

في المؤلي منها

قال رحمه‌الله : وفي وقوعه بالمستمتع بها تردد ، أظهره المنع.

أقول : منشؤه من قوله تعالى (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٨) ، والتعقيب بالطلاق يمنع دخول المستمتع بها ، لعدم وقوع الطلاق عليها ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب وهو المعتمد ، ومن أنها من النساء فيدخل في عموم قوله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (٩).

__________________

(٨) البقرة : ٢٢٧.

(٩) البقرة : ٢٢٧.

٣٢١
٣٢٢

في أحكامه

قال رحمه‌الله : فان طلق فقد خرج من حقها وتقع الطلقة رجعية على الأشهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لأصالة عدم البينونة ما لم يثبت ، وقيل : يقع الطلاق باينا ، لعدم الفائدة مع ثبوت الرجعة ، والأول هو المعتمد ، فان راجع ضربت له (١٠) مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلق (وراجع ضربت له مدة أخرى ووقف بعد انقضائها ، فإن طلقت) (١١) بانت قاله في التحرير ، وربما قيل : لا يفتقر إلى مدة أخرى بعد الرجعة.

قال رحمه‌الله : لو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع من الوطي كالحيض والمرض. لم يكن لها المطالبة ، لظهور عذره في التخلف ، ولو قيل : لها بالمطالبة بفئة العاجز عن الوطي ، كان حسنا.

أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، لأن الامتناع من جهتها ، ووجه

__________________

(١٠) في «ن» : (لها).

(١١) ما بين القوسين ساقط في «ن».

٣٢٣

اختيار المصنف عدم سقوط الميسور بالمعسور فيطالبه (بفيئة) (١٢) العاجز ، وهو إظهار العزم على الوطي وهو اختيار فخر الدين.

قال رحمه‌الله : ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط : تنقطع الاستدامة عدا الحيض ، وفيه تردد.

أقول : معنى انقطاع الاستدامة : عدم احتساب أيام العذر غير الحيض من المدة ، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة قبل العذر ، والفرق بين الحيض وغيره من الأعذار كالجنون والإغماء والمرض : أن الحيض يتكرر في كل شهر مرة أو مرتين غالبا ، فلو قطع الاستدامة لما تمت مدة التربص في أربعة أشهر غالبا ، بخلاف باقي الأعذار فإنها نادرة ، فلهذا حكم الشيخ بالفرق بينهما.

وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن احتمال عدم الفرق بين الحيض وغيره في عدم قطع الاستدامة ، وقواه فخر الدين ونقله عن كثير من الأصحاب ، لقيام (العاجز فيه) (١٣) مقام الوطي من القادر ، وعدم قبول المحل كعدم القدرة من الفاعل (١٤) ، فكما يلزم بفيئة (١٥) العاجز عند عجزه عن الوطي ، كذلك يلزم عند عجزها عن الوطي أيضا ، فلا فرق حينئذ بين الحيض وغيره من الأعذار ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا ولو وطأ بعد المدة ، قال في المبسوط : لا كفارة ، وفي الخلاف : تلزمه ، وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف هو المشهور بين الأصحاب ، لعموم قوله تعالى :

__________________

(١٢) كذا في جميع النسخ.

(١٣) في النسخ : (فيه العاجز).

(١٤) في «م» : (القاعد).

(١٥) كذا في الأصل وجميع النسخ.

٣٢٤

(ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (١٦) ، ولرواية منصور بن حازم (١٧) عن الصادق عليه‌السلام ، ووجه اختيار المبسوط أصالة البراءة والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : قال في المبسوط : المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من قوله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (١٨) ، جعل المدة أربعة أشهر من حين الإيلاء ، ولرواية بريد (١٩) بن معاوية (٢٠) في الحسن عن الصادق عليه‌السلام ، الدالة على ابتداء المدة من حين الإيلاء ، ومن أن ضرب المدة حكم شرعي فيقف على إذن الشارع ، وهو موقوف على الترافع.

والأول مذهب ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، واختاره العلامة في المختلف ، وابنه في الإيضاح ، والثاني مذهب الشيخين وأبي الصلاح وابن حمزة وابن البراج وابن إدريس ، واختاره العلامة في الإرشاد ، والشهيد في شرح الإرشاد ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : لو قال : والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا انقضت ، فو الله لا وطئتك سنة ، فهما إيلاءان ، ولها المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين ، ولو وافقته فماطل حتى انقضت خمسة الأشهر ، فقد انحلت اليمين ، قال الشيخ : ويدخل وقت الإيلاء الثاني ، وفيه وجه وبطلان الثاني ، لتعلقه على الصفة على ما قرره الشيخ.

__________________

(١٦) المائدة : ٨٩.

(١٧) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ١٢ من أبواب الكفارات ، حديث ٣.

(١٨) البقرة ، ٢٢٦.

(١٩) في النسخ : يزيد.

(٢٠) الوسائل ، كتاب الإيلاء والكفارات ، باب ١٠ من أبواب الكفارات ، حديث ١.

٣٢٥

أقول : الذي قرره الشيخ أن هذا الإيلاء معلق على صفة ، قال في المبسوط : لو قال : والله لا أصبتك خمسة أشهر ، فإذا انقضت فو الله لا أصبتك سنة فهما إيلاءان ويمينان مختلفان ، أحدهما خمسة أشهر ، والآخر سنة ، والأولى مطلقة والثانية معلقة بصفة ، فإذا وجدت الصفة انعقدت (٢١) ، كقوله : إذا قدم زيد فو الله لا وطئتك سنة ، فمتى قدم زيد انعقد الإيلاء ، فقد ظهر من تقرير الشيخ أنه معلق على صفة ، وأنه يقع مع التعليق ، والقائل بعدم وقوعه معلقا منع منه ، وقد مضى (٢٢) البحث فيه.

__________________

(٢١) في «ن» : (انعقدت اليمين).

(٢٢) ص ٣١٨.

٣٢٦

كتاب اللعان

٣٢٧
٣٢٨

في السبب

قال رحمه‌الله : ولو كان للقاذف بينة فعدل عنها الى اللعان قال في الخلاف يصح ومنع في المبسوط التفاتا الى اشتراط عدم البينة في الآية وهو الأشبه.

أقول : مذهب الخلاف اختيار العلامة في المختلف ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لاعن بين العجلاني وزوجته ، ولم يسأل هل له بينة أو لا (١). (ومذهب المبسوط اختيار المصنف) (٢) ، والعلامة في أكثر كتبه ، وبه قال فخر الدين ، لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ) (٣) ، شرط في اللعان عدم النية (٤) وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : وكذا ليس له مطالبة زوج أمته بالتعزير في قذفها ، فان ماتت ، قال الشيخ : له المطالبة ، وهو حسن.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ١ ، حديث ٩.

(٢) في نسخة من الأصل بدل ما بين القوسين : (ومذهب المصنف اختيار المبسوط).

(٣) النور : ٦.

(٤) في النسخ : (البينة).

٣٢٩

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه حد قد ثبت بالقذف ، فلا وجه لإسقاطه ، لعدم جواز تعطل الحدود ، ويحتمل عدم جواز مطالبه السيد به ، لان الحد لا ينتقل بالملك ، والا لكان ملكا (٥) له حال حياة الأمة وليس كذلك ، ولا ينتقل بالميراث ، لأن المملوك لا يورث شيئا ، والمعتمد ما هو المشهور بين الأصحاب.

قال رحمه‌الله : ولا يلحق الولد الخصي المجبوب على تردد.

أقول : إذا اتفق الخصى والجب في إنسان ، هل يلحق به الولد؟ تردد المصنف في ذلك ، من أن العادة قاضية بأن الخصي المجبوب لا يولد له ، والعادة لها تأثير في الشرع ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، ومن عموم قوله عليه‌السلام ، «الولد للفراش» (٦) ، علقه على مجرد الفراش ، وهي فراش للخصي المجبوب فيلحقه الولد ، والأول هو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو كان الزوج حاضرا وقت الولادة ، ولم ينكر الولد مع ارتفاع الاعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك ، الا أن يؤخره بما جرت العادة به ، كالسعي إلى الحاكم ، ولو قيل : له إنكاره [بعد ذلك] ما لم يعترف به ، كان حسنا.

أقول : ما حكاه أولا مذهب الشيخ في المبسوط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، ثمَّ استحسن المصنف قبول الإنكار ما لم يحصل الإقرار ، ووجهه : ان السكوت أعم من الاعتراف وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص ، ولأنه مع الإنكار قبل الاعتراف يكون قد أنكر ولدا لم يعترف به ، فيقبل إنكاره له.

قال رحمه‌الله : وإذا طلق الرجل وأنكر الدخول فادّعته ، وادعت أنها حامل منه ، فإن أقامت بينة أنه أرخى سترا ، لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر ، وان لم تقم بينه ، كان عليه نصف المهر ولا لعان ، وعليها مائة سوط ، وقيل :

__________________

(٥) في النسخ : مالكا.

(٦) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٩ ، حديث ٣.

٣٣٠

لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول وهو الوطي ، ولا يكفي إرخاء الستر ولا يتوجه عليه الحد ، لأنه لم يقذف ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به ، ولعل هذا أشبه.

أقول : ما حكاه المصنف أولا كلام الشيخ في النهاية ، وهو مشتمل على أحكام.

الأول : أن الخلوة قائمة مقام الدخول المترتب عليه كمال المهر ولحوق النسب ، وقد مضى (٧) البحث في ذلك.

الثاني : مع عدم ثبوت الخلوة ينتفي الولد بغير لعان ، ولا يثبت عليه (٨) غير نصف المهر.

الثالث : جلدها حينئذ مائة سوط حد الزنا ، لانتفاء الحمل عن الزوج بغير لعان ، فهو كإقرارها أو نكولها أو قيام البينة عليها بالزنا ، والقول الثاني قول ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، واختار أبو العباس في مقتصره مذهب النهاية عدا وجوب الحد عليها ، لإمكان صدقها فتتحقق الشبهة.

__________________

(٧) ص ١٤٦.

(٨) من «م».

٣٣١
٣٣٢

في الملاعن

قال رحمه‌الله : وفي لعان الكافر روايتان ، أشهرهما أنه يصح وكذا القول في المملوك.

أقول : اختلف الأصحاب في صحة لعان الكافر ، كما لو كانا ذميين وترافعا إلينا أو يكون الزوج مسلما والزوجة ذمية أو بالعكس ، كما لو أسلمت تحت الذمي وأتت بولد يلحقه شرعا ، وكذلك اختلفوا في لعان المملوك ، قال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف به ، وبه قال ابن بابويه وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، لعموم الآية (٩) ، ولحسنة جميل عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : سألته عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ قال : نعم ، وبين المملوك والحرة ، وبين العبد والأمة ، وبين المسلم واليهودية والنصرانية ، ولا يتوارثان ، ولا يتوارث الحر والمملوكة» (١٠) ، وقال المفيد وسلار وابن الجنيد : لا يصح مطلقا

__________________

(٩) النور : ٦ ـ ٩.

(١٠) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٥ ، حديث ٣.

٣٣٣

لأن اللعان شهادات ، لقوله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ) (١١) ، لأنه يفتقر الى لفظ الشهادات ، والشاهد يشترط فيه الإسلام.

وفصل ابن إدريس والشيخ في الاستبصار فجوزا اللعان لنفي الولد دون القذف ، لرواية زرارة (١٢) ، وإسماعيل بن زياد (١٣) عن الصادق عليه‌السلام ، وعن الباقر عليه‌السلام : «أن عليا عليه‌السلام قال : ليس بين خمس نساء وأزواجهن ملاعنة : اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها ، والنصرانية ، والأمة تكون تحت الحر فيقذفها ، والحرة تكون تحت العبد فيقذفها ، والمجلود في الفرية ، لأن الله تعالى يقول (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) (١٤) ، والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان انما اللعان باللسان» (١٥).

قال رحمه‌الله : ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة كما يصح طلاقه وإقراره ، وربما توقف شاذ منا ، نظرا الى تعذر العلم بالإشارة وهو ضعيف ، إذ ليس حال اللعان بزائد على حال الإقرار بالقتل.

أقول : المشهور صحة لعان الأخرس بالإشارة المعقولة ، وتوقف ابن إدريس في صحة لعانه ، قال : لأن النطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذر ، والأصل براءة الذمة ، واللعان حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وأيضا لو رجع عن اللعان عند من جوزه له وجب عليه الحد ، والرسول عليه‌السلام قال «ادرؤا الحدود للشبهات» (١٦) من المعلوم أن في إيمائه وإشارته بالقذف

__________________

(١١) النور : ٦.

(١٢) لم يروه في الوسائل عن زرارة.

(١٣) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٥ ، حديث ١٢.

(١٤) النور : ٤.

(١٥) انظر هامش ١٣.

(١٦) الوسائل ، كتاب الحدود ، باب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ، حديث ٤.

٣٣٤

شبهة ، هل إرادته القذف أو غيره؟ وهو غير المعلوم (١٧) يقينا ، كالناطق بلا خلاف ، ثمَّ قال : وإن قلنا يصح منه اللعان كان قويا ، لأنه يصح منه الإقرار والايمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام (١٨).

قال العلامة في المختلف : وهذا يدل على اضطرابه وتردده في هذه المسألة ، ولو التزم بالتوقف كما حكم به أولا كان أجود ، فإن الفرق بين الإقرار وأداء الشهادات ، وبين اللعان ظاهر ، لاشتراط خصوصية اللفظ هنا دون الإقرار والشهادات ، إذ القصد فيهما المعنى بأي عبارة كان.

__________________

(١٧) في النسخ : (معلوم).

(١٨) السرائر ٢ : ٧٠٢.

٣٣٥
٣٣٦

في الملاعنة

قال رحمه‌الله : وفي اعتبار الدخول بها خلاف المروي أنه لا لعان [قبله] ، وفي قول بالجواز ، وقال : ثالث بثبوته بالقذف دون نفي الولد.

أقول : اعتبار الدخول مذهب الشيخ في النهاية ، وابن البراج وابن حمزة وابن زهرة ، لموثقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، «قال لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته» (١٩) ، ومثلها رواية (٢٠) مصادف (٢١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وعدم اعتبار الدخول منقول عن المفيد رحمه‌الله ، واختاره العلامة في القواعد ، لعموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) (٢٢).

والتفصيل مذهب ابن إدريس ، واستحسنه العلامة في المختلف ، واختاره

__________________

(١٩) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٢ ، حديث ٦.

(٢٠) في «ر ١» : (زرارة).

(٢١) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٢ ، حديث ٤ ، ٨ ، وفيه (ابن مضارب).

(٢٢) النور : ٦.

٣٣٧

فخر الدين وأبو العباس في مقتصره ، وهو المعتمد ، أما ثبوته بالقذف (٢٣) فلعموم الآية (٢٤) ، وأما عدم ثبوته لنفي النسب فلأنه إنما يلحق بعد الدخول ، وقبله ينتفي عنه بمجرد النفي ، والقول قوله فيه ، واللعان إنما يثبت لنفي النسب مع عدم نفيه بدون اللعان ، وقد ثبت أنه قبل الدخول يكون القول قوله في نفيه ، ولا يفتقر (٢٥) الى اللعان (٢٦).

قال رحمه‌الله : ويثبت اللعان بين الحر والمملوكة ، وفيه رواية(٢٧)بالمنع ، وقال ثالث. بثبوته ينفي الولد دون القذف.

أقول : ثبوته مطلقا مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ، وبه قال ابن الجنيد وابن بابويه وأبو الصلاح ، وهو ظاهر المصنف والعلامة ، لعموم القرآن (٢٨) ، ولرواية جميل المتقدمة (٢٩) ، ومنعه المفيد وسلار مطلقا لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، «قال : لا يلاعن الحر الأمة» (٣٠) إلى آخر الحديث ، وبالفرق قال ابن إدريس ، لأن اللعان بالقذف لأجل إسقاط الحد ، ولا حد في قذف الأمة ، بل التعزير ، واختاره فخر الدين ، واستحسنه أبو العباس في مقتصره ، وضعفه الشهيد في شرح الإرشاد ، واختار ثبوته مطلقا.

قال رحمه‌الله : ولا تصير الأمة فراشا بالملك وهل تصير فراشا بالوطي؟ فيه روايتان ، أظهرهما : أنها ليست فراشا ، ولا يلحق ولدها إلا بإقراره ، ولو

__________________

(٢٣) في «ن» : (في القذف).

(٢٤) النور : ٦.

(٢٥) في «م» : (فلا يفتقر).

(٢٦) في النسخ : (لعان).

(٢٧) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٥ ، حديث ٤.

(٢٨) النور : ٦.

(٢٩) ص ٣٣٣.

(٣٠) الوسائل ، كتاب اللعان ، باب ٥ ، حديث ٤.

٣٣٨

اعترف بوطئها ولو نفاه لم يفتقر الى لعان.

أقول : معنى صيرورة الأمة فراشا بالوطي أنها إذا أتت بولد بعد الوطي في مدة الحمل لحق به ولم يجز له نفيه ، ومعنى عدم صيرورتها فراشا : عدم وجوب اعترافه بالولد وجواز نفيه بغير لعان ، وهو اختيار الشيخ والمصنف والعلامة وفخر الدين ، لما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «أن رجلا من الأنصار أتى الى أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال له : إني ابتليت بأمر عظيم ، إن لي جارية كنت أطؤها فوطئتها يوما وخرجت في حاجة لي بعد ما اغتسلت منها ، ونسيت نفقة لي ، فرجعت الى المنزل لأخذها فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية؟ فقال له عليه‌السلام : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تنفيها ، ولكن أنفق عليها من مالك حتى يجعل الله عزوجل لك ولها مخرجا» (٣١).

واما الرواية الدالة على أنها تصير فراشا بالوطي ، فرواية سعيد بن يسار ، «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي‌ء ، وقد عزل عنها ، ولم يكن منه إليها شي‌ء ، ما تقول في الولد؟ قال : أرى إلا يباع هذا الولد يا سعيد ، قال : وسألت أبا الحسن عليه‌السلام؟ فقال : أتتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، فقال : كيف تستطيع الا يلزمك الولد؟!» (٣٢) والأول هو المعتمد.

__________________

(٣١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث ١.

(٣٢) المصدر المتقدم.

٣٣٩
٣٤٠