في القسم
قال رحمهالله : والقسمة بين الأزواج حق على الزوج حرا كان أو عبدا ، ولو كان عنّينا أو خصيّا ، وكذا لو كان مجنونا ، ويقسم عنه الولي ، وقيل : لا تجب القسمة حتى يبتدي بها ، وهو أشبه.
أقول : القسمة بين الأزواج واجبة لمن تجب لها النفقة ، وهل هي واجبة من حين العقد ، أو إذا أراد الابتداء بواحدة وجب ان يقسم؟ المشهور الأول ، لأنه حق مشترك بين الزوجين لاشتراك ثمرته فلها المطالبة بحقها منه ، وهو اختيار العلامة وابنه ، ولأنه حق واجب على الزوج ، والأصل عدم اشتراطه بالابتداء.
وقال الشيخ في المبسوط بالثاني ، واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة منه ابتداء ، خرج منه ما إذا ابتدأ بواحدة منهن ، فإنه يجب عليه القسم للبواقي بوجوب العد ، ولاستحالة الترجيح من غير مرجح ، فعلى الأول يبتدئ بالقرعة وجوبا ، وعلى الثاني استحبابا.
قال رحمهالله : وهل يجوز ان يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل : نعم ، والوجه اشتراط رضاهن.
أقول : اما القسمة أقل من ليلة فلا تجوز قطعا لما فيه من التنغيص (٤٣٣) ، واما ما زاد على ليلة ، فالمعتمد اعتبار رضاهن ، لأن النبي صلىاللهعليهوآله كان يقسم ليلة ليلة (٤٣٤) ، ولأن الزائد فيه إضرار لبعد العهد وتغرير ، لأنه قد يقسم لبعضهن ويلحقه ما يقطعه (٤٣٥) عن القسم للباقيات ، فيفتقر الى رضاهن بذلك ، وقيل : يجوز بغير رضاهن لعدم التفاوت ، وقال الشيخ : يجوز ثلاث ليال بغير رضاهن ، وأما الزائد فلا بد فيه من رضاهن.
قال رحمهالله : ولو تزوج أربعا دفعة رتبهن بالقرعة ، وقيل : يبدأ بمن شاء حتى يأتي عليهن ، ثمَّ يجب التسوية على الترتيب ، وهو أشبه.
أقول : هذا مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، فعلى الأول تجب القرعة ، وعلى الثاني يتخير بالابتداء بمن شاء.
قال رحمهالله : ويختص الوجوب بالليل دون النهار ، وقيل : يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها ، وهو المروي.
أقول : المشهور بين الأصحاب اختصاص القسم بالليل دون النهار ، لأنه زمان الراحة والدعة ، والنهار زمان الانتشار والمعاش ، وقال ابن الجنيد : والواجب مبيت الليل وطول صبيحة تلك الليلة ، ومستنده رواية إبراهيم الكرخي «قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاثة منهن في لياليهن ، فاذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا أثم؟ قال له عليهالسلام : انما عليه ان يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في
__________________
(٤٣٣) «م» «ن» : التبعيض.
(٤٣٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥ من أبواب القسم والنشوز ، حديث ٢ (يدل على المطلوب) وسنن البيهقي ٧ : ٣٠٠ ـ ٣٠١.
(٤٣٥) «ن» «ر ١» : يقنطه.
صبيحتها ، وليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك» (٤٣٦) فعلى هذه الرواية يكون صبيحة الليلة حكم الليلة ، ويأثم لو أخل بجزء منها الا برضاها كالليل ، ومذهب المصنف والعلامة في القواعد عدم تخصيصها بشيء من النهار ليس على سبيل الوجوب ، بل على سبيل الاستحباب في صبيحة الليلة خاصة ، وعند الشيخ في المبسوط محل القسم هو الليل ، والنهار تابع له من أوله الى آخره.
ولا فرق بين الصبيحة وغيرها ، ولا يجوز له إيثار احد الضرائر فيه ، وهو معنى التبعية ، الا انه يجوز له الانتشار فيه لحاجة وغير حاجة ، والدخول إلى الضرائر لحاجة وغير حاجة الا انه لا يجوز له اللبث الطويل عندهن ولا الجماع ، واختاره العلامة في التحرير الا الجماع ، فإنه استقرب جوازه ، وأبو العباس وافق المبسوط في الصبيحة.
تنبيه : على القول بمذهب المبسوط والتحرير والمقتصر يحصل الفرق بين الليل والنهار من وجه ، والمساواة بينهما من وجه ، أما الفرق : فالليل لا يجوز الدخول فيه الى الضرة ولا مع الحاجة ، بل مع الضرورة ، والنهار يجوز الدخول فيه لحاجة وغير حاجة.
واما المساواة : ففي وجوب قضاء اللبث الطويل فيهما وتحريم الجماع فيهما أيضا على اختيار المبسوط والمقتصر دون التحرير ، وعلى اختيار الشرائع والقواعد يجوز إيثار غير صاحبة الليلة بجميع نهارها ، والمعتمد مذهب المبسوط ، لأنه أقرب الى العدل وعدم الميل.
قال رحمهالله : ولو بات عند الأمة ليلة ثمَّ أعتقت قبل استيفاء الحرة ، قيل : يقضي للأمة ليلة ، لأنها ساوت الحرة ، وفيه تردد.
أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد مما قاله
__________________
(٤٣٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥ من أبواب القسم والنشوز ، حديث ١.
الشيخ من أنها ساوت الحرة ، ومن انهما لم يتساويا الا بعد استيفاء الأمة لحقّها فلا يجب لها غيره حتى تستوفي الحرة حقها أيضا ، ثمَّ تصير القسمة بينهما بالسوية ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو سيق اليه زوجتان أو [ثلاث] زوجات في ليلة ، قيل : يبتدي بمن شاء ، وقيل : يقرع ، والأول أشبه والثاني أفضل.
أقول : سبق (٤٣٧) البحث في هذه المسألة ، وانه مبني على القول بوجوب القسمة ابتداء أو حتى يبتدي بها ، واختاره المصنف هناك ، فهنا مبني على مذهبه من عدم الوجوب حتى يبتدي بها.
قال رحمهالله : وتسقط القسمة بالسفر وقيل : يقضي سفر النقلة والإقامة دون سفر الغيبة.
أقول : ظاهر المصنف سقوط القسم في السفر مطلقا ، سواء كان للنقلة ، كمن يريد الانتقال من بلد الى آخر أو سفر عينه (٤٣٨) ورجوع فعنده إذا استصحب بعض نسائه في السفر لا قضاء للبواقي مطلقا ، لأن زمان السفر ليس داخلا في القسم ، ونقل وجوب القضاء في سفر النقلة والإقامة أي زمان الإقامة المنوية التي يجب فيها إتمام الصوم والصلاة ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، لأن سفر النقلة والتحويل لا يختص بإحداهن ، فإذا خص واحدة منهن قضا للبواقي ، وأيام الإقامة ليست من أيام السفر ، فاذا خص بها إحداهن قضا للبواقي ، وهذا هو المعتمد.
قال رحمهالله : ويستحب ان يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن ، وهل يجوز العدول عمن خرج اسمها الى غيرها؟ قيل : لا ، لأنها تعينت للسفر ،
__________________
(٤٣٧) ص ١٦١.
(٤٣٨) «م» «ن» «ر ١» : غيبة.
وفيه تردد.
أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط لتعينها بالقرعة والا لانتفت فائدة القرعة ، وتردد المصنف من ان هذا الزمان ليس داخلا في القسم ، فللزوج ان يتخير من شاء للخروج معه ، والأصل بقاء هذا التخيير ، لأن القرعة لا توجب ما ليس بواجب ، ولو أراد ترك من خرج اسمها والسفر وحده جاز إجماعا.
قال رحمهالله : ولو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج ، هل يلزم؟ قيل : لا ، لأنه حق لا يتقوم منفردا فلا يصح المعاوضة عليه.
أقول : هذا قول الشيخ رحمهالله ، لأن المعوض عنه كون الزوج عندها وهو لا يقابله عوض ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولا يوجد فيه خلاف ، وانما لم يجزم لاحتمال الجواز ، لأنه حق يقبل النقل بالهبة إجماعا ، وكلما يقبل النقل بالهبة يقبل النقل بالعوض ، والأول هو المعتمد ، وجزم به العلامة في القواعد ، ونقله في التحرير كنقل المصنف هنا.
في النشوز
قال رحمهالله : وصورة الهجر أن يحول إليها ظهره في الفراش ، وقيل : ان يعتزل فراشها ، والأول مروي.
أقول : لا خلاف في جواز الهجر مع ظهور امارة النشوز لقوله تعالى : (وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (٤٣٩) وانما الخلاف في كيفيته ، قال ابنا بابويه : يحول ظهره إليها في المضجع ليتحقق (٤٤٠) الهجران به ، لأن الأمر المطلق لما (٤٤١) يقبل الشدة والضعف ، إنما (٤٤٢) يحمل على أضعف مراتبه ، وأقلها تحويل الظهر في الفراش ، وهو المشهور بين الأصحاب.
وقال الشيخ في المبسوط وابن إدريس : يعتزل فراشها. قال العلامة في المختلف : وكلاهما جائز ، ويختلف ذلك باختلاف الحال في السهولة والطاعة وعدمهما ، وهو مذهبه في التحرير أيضا ، وهو المعتمد ، وفي القواعد نقل لفظ
__________________
(٤٣٩) النساء : ٣٤.
(٤٤٠) «م» «ن» : لتحقق.
(٤٤١) «ن» : لا ، وفي «م» و «ر ١» : بما.
(٤٤٢) في الأصل : اما.
المصنف هنا (فإنه قال : فان رجعت والا هجرها في المضاجع بأن يحول ظهره إليها في الفراش وقبل ان يعزل فراشها ، ولا يجوز له ضربها حينئذ ، فإن تحقق النشوز وامتنعت من حقه جاز له ضربها بأول مرة ، ويقتصر على ما يرجو الرجوع به ، ولا يبرح ولا يدمي انتهى) (٤٤٣).
وليس الهجر قبل الوعظ فاذا تحقق النشوز والامتناع من حقه جاز الضرب ، ولا يجوز قبل ذلك ، لأن تقدير الآية : فعظوهن ان وجدتم امارة النشوز واهجروهن ان امتنعن واضربوهن إن أصررن على الامتناع من الحق.
وصورة الوعظ ان يقول : (اتقي الله فإن حقي عليك واجب والله يعاقبك على تركه) وما أشبه ذلك.
__________________
(٤٤٣) ما بين القوسين موجود في هامش الأصل ولم يذكر كونه من المتن وغير موجود في بقية النسخ.
في الشقاق
قال رحمهالله : وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر انه تحكيم.
أقول : قال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا ان ذلك تحكيم ، لأنهم رووا ان لهم الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد استئذانهما ، ولو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة بحسب شرطهما.
وبه قال ابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد لما قاله الشيخ ، ولقوله تعالى (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (٤٤٤) سماهما حكمين ، وجعل الإرادة لهما دون الزوجين ، ولو كانا وكيلين لم يكن لهما أراده ، لأن فعل الوكيل تابع لإرادة الموكل.
وقال ابن البراج في الكامل : ان بعثهما على سبيل التوكيل ، لأن البضع حق الزوج ، والمال حق المرأة ، فليس لأحد الحكمين ان يتصرف فيه الا بولاية عليهما أو وكالة عنهما ، وهما رشيدان ، فلم يكونا الا وكيلين ، ثمَّ رجع في كتابه المهذب
__________________
(٤٤٤) النساء : ٣٥.
الى المذهب الأول ، لأنه لا امتناع من إثبات الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق.
في أحكام الأولاد
قال رحمهالله : وان لا يتجاوز أقصى الوضع وهو تسعة أشهر على الأشهر ، وقيل : عشرة أشهر ، وهو حسن يعضده الوجدان في كثير ، وقيل : سنة ، وهو متروك.
أقول : القول بالتسعة هو المشهور بين الأصحاب وهو مذهب الشيخين وسلار وابن البراج وابن الجنيد وابن إدريس وظاهر المصنف ، والقول بالعشرة حكاه ابن حمزة ، واستحسنه المصنف ، واختاره العلامة في أكثر كتبه وأبو العباس في مقتصره ، والقول بالسنة هو قول السيد في الانتصار ، وحكاه ابن حمزة ، وهو متروك ، ومستند الجميع ظاهر الروايات (٤٤٥) ، والمعتمد اختيار ابي العباس.
قال رحمهالله : ولو وطأ أمته ووطأها آخر فجورا الحق الولد بالمولى ، ولو حصل مع ولادته امارة يغلب بها الظن انه ليس منه قيل : لم يجز له الحاقه به ولا نفيه ، بل ينبغي ان يوصي له بشيء ولا يورثه ميراث الأولاد ، وفيه تردد.
__________________
(٤٤٥) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٧ من أبواب أحكام الأولاد ، وكتاب الطلاق ، باب ٢٥ من أبواب العدد.
أقول : القول المشار اليه قول الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم رواية عبد الله بن سنان «ان رجلا من الأنصار أتى الصادق عليهالسلام ، فقال له : اني ابتليت بأمر عظيم ان لي جارية كنت أطأها ، فوطئتها يوما وخرجت في حاجة بعد ما اغتسلت منها ونسيت نفقة يوم لي فرجعت الى المنزل فوجدت غلامي على بطنها ، فعددت لها من يومي ذلك تسعة أشهر فولدت جارية ، فقال عليهالسلام : لا ينبغي لك ان (تقدمها ولا تنفيها) (٤٤٦) ، ولكن أنفق عليها من مالك ما دمت حيا ، ثمَّ أوص عند موتك ان ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لك ولها مخرجا» (٤٤٧).
وتردد المصنف من انه اما ان يكون سبب الالتحاق موجودا فيجب الإقرار ، ولا تعارضه الأمارة ، لأنها ليست سببا صالحا لنفي الولد ، واما ان لا يوجد السبب فيجب النفي ولا عبرة بالأمارة ، ومضمون هذه الرواية مناف لهذين الأصلين ، فأوجب له التردد.
__________________
(٤٤٦) «م» «ن» «ر ١» : تقربها ولا تبيعها.
(٤٤٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، حديث ١.
في أحكام الولادة
قال رحمهالله : وهل تجب العقيقة؟ قيل : نعم ، والوجه الاستحباب.
أقول : المشهور الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، وقال السيد المرتضى وابن الجنيد بالوجوب لما رواه علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح عليهالسلام «قال : العقيقة واجبة إذا ولد للرجل ولد ، وان أحب ان يسميه من يومه فعل» (٤٤٨).
وعن أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام «قال : سألته عن العقيقة واجبة هي؟ قال : نعم» (٤٤٩) وعن أبي خديجة ، عن الصادق عليهالسلام «قال : كل مولود مرتهن بالعقيقة» (٤٥٠)
وأجيب بشدة الاستحباب ، وروي عن الباقر عليهالسلام «قال : إذا ذبحت العقيقة ، فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله وثناء على
__________________
(٤٤٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٨ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ٥.
(٤٤٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٨ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ٤.
(٤٥٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٣٨ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ٢.
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والعظمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت ، وان كان ذكرا فقل : اللهم انك وهبت لنا ذكرا وأنت اعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت وكل ما صنعنا ، فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ورسولك صلىاللهعليهوآله واخسأ عنا الشيطان الرجيم لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين» (٤٥١).
__________________
(٤٥١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٤٦ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ٤.
في الحضانة
قال رحمهالله : فلا يجب على الأم إرضاع الولد ولها المطالبة بأجرة إرضاعه ، وله استيجارها إذا كانت بائنا ، وقيل : لا يصح ذلك وهي في حباله ، والوجه الجواز.
أقول : أطلق الأصحاب عدم وجوب (٤٥٢) الرضاع على الأم ، وعدم إجبارها عليه ، وقال العلامة في القواعد : تجبر على إرضاع اللبأ ، لأن الولد لا يعيش بدونه ، وهو المعتمد ، إلا انها تستحق الأجرة عليه جمعا بين الحقين ، فان اختارت بعد إرضاع اللبإ إرضاعه ، والّا لم تجبر عليه لقوله تعالى (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) (٤٥٣) ، وان أرضعته غير متبرعة استحقت الأجرة سواء كانت في حباله أو بائنة عنه على المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٤٥٤).
__________________
(٤٥٢) من «م» و «ن» و «ر ١».
(٤٥٣) الطلاق : ٦.
(٤٥٤) الطلاق : ٦.
وقال الشيخ في المبسوط : ان كانت في حباله لم تستحق أجرة ، لأن منافعها في كل وقت مستحقة للزوج لعقد النكاح فيما يرجع الى أحكام الوطي وتوابعه ، وإذا ملك جميع المنافع لم ينعقد الإجارة ، كما لو استأجر غيره لعمل شهر ، ثمَّ استأجره للعمل ذلك الشهر بعينه ، فإن الثاني باطل ، وان كانت مطلقة طلاقا لا يملك الزوج الرجعة فيه فلها ان تعقد على نفسها لرضاع ولدها. الى هنا كلام الشيخ.
وأجاب العلامة بالمنع من تملك الزوج لمنافعها ، وتملكه لوجوه الاستمتاع لا يقتضي تملكه للاسترضاع.
قال رحمهالله : لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب ، لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة على تردد.
أقول : المشهور ان القول قول الأب ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، وجزم به العلامة في القواعد ، وتردد المصنف من ان دعواه تتضمن سقوط حق الأم من الرضاع والأجرة ، وهي منكرة ، فيكون القول قولها لعموم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (٤٥٥).
ومن ان إنكارها لوجود المتبرعة يتضمن إثبات الأجرة في ذمة الأب ، والأصل براءة الذمة ، فصارت هي المدعية ، لأنها مدعية خلاف الأصل ، فيكون القول قول مدعي الأصل.
وتعليل المصنف بأنه يدفع عن نفسه الأجرة يريد ما حققناه من ان دعواه مطابقة للأصل ودعواها مخالفة له ، فيكون هي المدعية على تعريفهم ان المدعي هو الذي يدعي خلاف الأصل.
قال رحمهالله : فاذا فصل فالوالد أحق بالذكر ، والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ
__________________
(٤٥٥) مستدرك الوسائل ١٧ : ٣٦٨ ، حديث ٤ (٢١٦٠١).
سبع سنين ، وقيل : تسعا ، وقيل : الأم أحق بها ما لم تتزوج ، والأول أظهر.
أقول : الحضانة ولاية وسلطنة على تربية الولد لكنها بالأنثى أليق ، فإذا افترق الأبوان وبينهما ولد فتنازعا في حضانته ، فان كان بالغا رشيدا فأمره إلى نفسه ينضم الى من شاء ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، ولا حق للأبوين فيه الا انه يكره للأنثى (مفارقتها لأمها) (٤٥٦) ما لم تتزوج الأم أو البنت.
وان كان طفلا فالأم أحق بالذكر مدة الرضاع ، وبالأنثى إلى سبع سنين ، ثمَّ يصير الأب أولى ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج في الكامل ، وابن حمزة وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد.
وقال الشيخ في الخلاف : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت حتى تتزوج ـ يعني الأم ـ فإذا تزوجت الأم سقطت حضانتها ، وبه قال ابن الجنيد.
وقال ابن البراج في المهذب : الأم أحق بالصبي إلى سبع سنين ، وبالبنت الى تسع.
واستدل الجميع بالروايات (٤٥٧).
قال رحمهالله : فان فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب ، فإن عدم ، قيل : كانت الحضانة للأقارب ، وترتبوا ترتيب الإرث نظرا الى الآية ، وفيه تردد.
أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ لقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٤٥٨).
وتردد المصنف من قول الشيخ ، ومن ان الحضانة حكم شرعي يتوقف على الدلالة الشرعية ، ومنع ابن إدريس من حضانة غير الأب والأم ، ومع فقدهما
__________________
(٤٥٦) «م» «ر ١» : مفارقة أمها.
(٤٥٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد.
(٤٥٨) الأنفال : ٧٥.
الجد للأب ، ونسب قول الشيخ الى تخريجات المخالفين ، والعلامة اختار مذهب الشيخ ، وهو المعتمد.
فرع : إذا سقطت حضانة الأم لتزويجها أو لانتهاء المدة لم يمنع من الاجتماع بأمه ، فالذكر يذهب إليها ، والجارية تأتي أمها إليها من غير اطالة ولا انبساط في بيت مطلقها ، ولو فعلته كان مكروها غير محرم ، ولو مرض الولد لم تمنع الأم من تمريضه ، ولو مرضت الأم لم يمنع الولد من التردد إليها ذكرا كان أو أنثى ، ولو مات الولد حضرته امه وتولت أمره وإخراجه ، ولو ماتت الأم حضرها الولد.
قال رحمهالله : إذا طلبت للرضاع الأم أجرة زائدة على غيرها فله تسليمه الى الأجنبية ، وفي سقوط حضانة الأم تردد ، والسقوط أشبه.
أقول : منشؤه من ان الحضانة والرضاعة حقان متغايران ، ولا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر ، ومن حصول الضرر على الطفل بنقله كل يوم من الأم إلى المرضعة ومنها إلى الأم ، فيشوش الولد لذلك ، ولأنها لما أسقطت حقها من الرضاع بطلب الزيادة كانت مسقطة لحقها من الحضانة لكونها تابعة للرضاع ، والمصنف اختار السقوط ، وفخر الدين اختار عدمه ، وهو اختيار العلامة في التحرير الا ان يتعذر حمل الصبي إلى المرضعة ويتعذر مجيئها الى امه لترضعه عندها فتسقط الحضانة حينئذ ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا تزوجت سقطت حضانتها فان طلقها رجعية فالحكم باق وان بانت منه ، قيل : لم ترجع حضانتها ، والوجه الرجوع.
أقول : القائل بعدم الرجوع ابن إدريس ، لأن ولايتها قد زالت بالتزويج وعودها يحتاج الى دليل ، وقال الشيخ : تعود الولاية بالطلاق البائن ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد لزوال المانع بزوال التزويج ، ولأن الحضانة جعلت إرفاقا بالصبي ، فإذا تزوجت الأم خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن
الحضانة للطفل ، لأنها ربما منعت الزوج بعض حقوقه لو حضنته ، فاذا طلقت زال المانع فتعود الولاية.