غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ٣

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٨

في العيوب

قال رحمه‌الله : عيوب الرجل ثلاثة : الجنون والخصاء والعنن فالجنون سبب لتسليط الزوجة على الفسخ دائما كان أو أدوارا ، وكذا المتجدد بعد العقد وقبل الوطي أو بعد العقد والوطي وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات الصلاة وهو في موضع التردد.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ ـ في عدد عيوب الرجل ، والمشهور أربعة بإضافة الجب الى ما عده المصنف هنا ، وجزم به في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وتردد في الجب هنا لأصالة التمسك بمقتضى العقد حتى يتحقق السبب المبيح للفسخ ، ومن تحقق العجز عن الوطي ، وزاد ابن البراج في المهذب البرص والجذام والعمى ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واستحسنه العلامة في المختلف ، لأن هذه الثلاثة عيوب في المرأة إجماعا ، ففي الرجل أولى ، لأن الرجل له مندوحة التخلص بالطلاق ، وقد (٣٤٨) جعل الشارع له الفسخ دفعا للضرورة فيكون ثبوت الفسخ لمن ليس له مندوحة التخلص بدونه

__________________

(٣٤٨) «م» و «ن» و «ر ١» : فقد.

١٢١

اولى.

احتج المانعون بأصالة بقاء العقد.

ب ـ في الجنون المتجدد بعد العقد أو بعده وبعد الوطي ، فالمصنف والعلامة أثبتا الفسخ فيه وان كان أدوارا ، واختاره أبو العباس لعموم النص ، روى علي بن أبي حمزة «قال سئل أبو إبراهيم عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون؟ قال : لها تنزع نفسها منه إذا شاءت» (٣٤٩) ولما فيه من الضرر المنفي.

واشترط الشيخان والقاضي وابن حمزة وابن إدريس ان لا يعقل أوقات الصلاة ، ومعنى قولهم : (لا يعقل أوقات الصلاة) أي لا يميز بينها وبين غيرها من الأوقات.

قال رحمه‌الله : والخصاء : وهو سل الأنثيين وفي معناه الوجاء ، وانما يفسخ به مع سبقه على العقد ، وقيل : وان تجدد [بعد العقد] ، وليس بمعتمد.

أقول : للشيخ قول بثبوت الفسخ بالمتجدد بعد العقد ، وهو قول ابن البراج ، لأن به انقطاع النسل وهو ضرر عظيم ، والمشهور عدمه لأصالة بقاء اللزوم.

قال رحمه‌الله : فلو وطأها ولو مرة ثمَّ عن أو امكنه وطئ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولهم عليه روايات (٣٥٠) مع التمسك بأصالة بقاء اللزوم ، والمفيد لم يفرق بين العنة الحادثة بعد الدخول وقبله لما في ذلك من الضرر بفوات فائدة النكاح ، وتوقف العلامة في المختلف ، اما العنن المتجدد بعد العقد وقبل الدخول فالخيار ثابت فيه.

__________________

(٣٤٩) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٢ من أبواب العيوب والتدليس ، حديث ١.

(٣٥٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٤ من أبواب العيوب والتدليس.

١٢٢

قال رحمه‌الله : ولو حدث الجب لم يفسخ به ، وفيه قول آخر.

أقول : إذا تجدد الجب الموجب للفسخ بعد الوطي ، هل يثبت فيه الخيار؟ قال الشيخ في موضع من المبسوط : نعم ، وهو مذهب ابن البراج ، واختاره العلامة في التحرير والمختلف ، وهو اختيار فخر الدين وأبو العباس لفوات الاستمتاع وهو ضرر عظيم.

وقال في موضع من المبسوط والخلاف : لا خيار لها ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، والعلّامة في الإرشاد لأصالة بقاء العقد.

قال رحمه‌الله : ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ وقيل : لها ذلك وهو تحكم مع إمكان الوطي.

أقول : قال [قوى] الشيخ في موضع من المبسوط بجواز [جواز] الفسخ إذا بان خنثى ، ونسبه المصنف الى التحكم وهو القول بغير دليل ، والمراد انه يلحق بالرجال مع إمكان الوطي من طرفه.

تنبيه : المتحقق من مذاهب الأصحاب في عيوب الرجل ان الجنون أو الجبب يبيحان الفسخ وان تجددت بعد الوطي ، وكذلك الجذام على القول بأنه عيب ، وهو ظاهر القواعد ، واما العنة فإنها تبيح الفسخ وان تجددت بعد العقد قبل الوطي ولا تبيحه بعده ، واما الخصي فإنه يبيحه إذا كان سابقا على العقد ولا يبيحه بعده.

قال رحمه‌الله : واما القرن فقد قيل هو العفل ، وقيل : عظم ينبت في الرحم ، يمنع الوطء والأول أشبه.

أقول : القرن بسكون الراء ، قال الشيخ في المبسوط : انه عظم ينبت في الفرج يمنع (الواطئ من الوطي) (٣٥١) وحكى في المبسوط أيضا انه لحم ينبت في

__________________

(٣٥١) «م» و «ن» و «ر ١» : من الوطي.

١٢٣

فرج المرأة لعارض يعتريها عند الولادة يسمى العفل ، واختاره ابن الجنيد والمصنف ، لأن العظم لا ينبت في الفرج ، وقال فخر الدين : ان اعتبر الوضع اللفظي وهي مسألة من علم (٣٥٢) التشريح ، والفقيه يسلمها ويبحث عن القدر المشترك ، وهو كل مانع من الوطي يثبت فيه الفسخ لفوات غاية النكاح والا فلا.

وعلى التقديرين إذا لم يمنع من الوطي فلا فسخ ، وان منع ثبت الفسخ الا ان يمكن ازالته ويغلب (٣٥٣) ذلك فلا فسخ حينئذ.

__________________

(٣٥٢) «ر ١» بزيادة : اللغة ، وان اعتبرت الحقيقة فهي مسألة من علم التشريح.

(٣٥٣) «م» و «ن» : وفعلت.

١٢٤

في أحكام العيوب

قال رحمه‌الله : واما العرج ففيه تردد أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد ، وقيل : الرتق احد العيوب المسلطة على الفسخ ، وربما كان صوابا إذا منع من الوطي أصلا لفوات الاستمتاع.

أقول : أطلق أكثر الأصحاب جواز الفسخ بالعرج والرتق ، وهو التحام الفرج ولم يفصّلوا ، وبعضهم أعرض عن ذكرهما أصلا ، وفصل المصنّف وهو إن بلغ العرج الى حد الإقعاد والرتق الى المنع من الوطي أصلا جاز الفسخ والّا فلا ، واختاره العلامة وابنه ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ، وما يتجدد بعد العقد والوطي لا يفسخ به ، وفي المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض.

أقول : منشأ التردد من عموم الأخبار (٣٥٤) الدالة على جواز الفسخ بهذه العيوب ، خرج منه إذا كان بعد العقد والوطي يبقى الباقي على العموم ، وهو مذهب

__________________

(٣٥٤) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١ من أبواب العيوب والتدليس.

١٢٥

الشيخ في المبسوط والخلاف.

ومن أصالة لزوم العقد بعد وقوعه صحيحا ، خرج ثبوت الفسخ بالعيب السابق على العقد ، يبقى الباقي على أصالة اللزوم ، وهو مذهب ابن إدريس (٣٥٥) ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد. وابن البراج اثبت الفسخ بالجنون المستغرق إذا حدث بعد العقد وقبل الوطي.

قال رحمه‌الله : لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره أو نكوله ، ولو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : يقام في الماء البارد فان تقلص حكم بقوله وان بقي مسترخيا حكم لها ، وليس بشي‌ء.

أقول : هذا قول ابني بابويه وابن حمزة ، وأنكره ابن إدريس ، واختار عدم ثبوته بغير الإقرار ، والنكول (٣٥٦) مع يمين الزوجة على الخلاف ، واختاره المصنف.

قال رحمه‌الله : ولو ثبت العنن ثمَّ ادعى الوطي فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : ان ادعى الوطي قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء وان كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا فان ظهر على العضو صدق ، وهو شاذ.

أقول : إذا ثبت العنن بإقراره أو نكوله ويمينها ورفعت أمرها إلى الحاكم اجله سنه من حين الترافع لتمر به فصول السنة الأربعة ، فإن كان ذلك من رطوبة زال في زمان اليبس ، وان كان من حرارة زال في زمان البرد ، فان واقعها فيها أو واقع غيرها فلا خيار ، وان ادعى انه واقعها في مدة التربص فأنكرت كان القول قوله مع يمينه لعدم إمكان إقامة البينة على دعواه ، وهو مذهب ابن ابي عقيل والشيخ في النهاية ، واختاره المصنف والعلامة ، والقول باعتبار النظر إليها ان كانت بكرا واعتبار الخلوق ان كانت ثيبا قول الشيخ في الخلاف ، واستدل بإجماع

__________________

(٣٥٥) «م» و «ن» و «ر ١» بزيادة : وابن حمزة.

(٣٥٦) «ر ١» : أو النكول.

١٢٦

الفرقة واخبارهم.

قال رحمه‌الله : ويحكم عليه ان نكل وقيل : بل يرد اليمين عليها ، وهو مبني على القضاء بالنكول.

أقول : يأتي البحث في ذلك ان شاء الله تعالى.

١٢٧
١٢٨

في التدليس

قال رحمه‌الله : إذا تزوج امرأة على انها حرة فبانت امة (الى آخر البحث).

أقول : سبق البحث في هذه مستوفى في باب نكاح الإماء ، فليطلب من هناك.

قال رحمه‌الله : إذا عقد على بنت رجل على انها بنت مهيرة فبانت بنت امة كان له الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط إلا مع إطلاق العقد.

أقول : أطلق الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ثبوت الفسخ من غير قيد الشرط ، لرواية محمد بن مسلم (٣٥٧) ، عن الباقر عليه‌السلام ، وقيده المصنف بالشرط ، واختاره العلامة لأصالة صحة العقد.

قال رحمه‌الله : إذا تزوج امرأة ، وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدده بسبب خفي وكان له ان ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيب ويرجع فيه الى العادة ، وقيل : ينقص السدس ، وهو غلط.

__________________

(٣٥٧) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب العيوب والتدليس ، حديث ١ و ٢.

١٢٩

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ ـ هل يثبت له خيار الفسخ أم لا؟ قال أبو الصلاح : لا خيار له ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة بقاء العقد وإمكان الذهاب بسبب خفي كالنزوة والحرقوص ، وقال العلامة : إذا تحقق سبق الثيبوبة ثبت له الخيار لعدم تحقق الشرط ، لأنه اشترط صفة كما لو لم يوجد فيثبت له الخيار.

ب ـ في نقص المهر ، قال أبو الصلاح : لا ينقص منه شي‌ء لثبوته بالعقد ، والأصل بقاؤه ، والمشهور النقص ، وفي قدره أربعة أقوال :

أ ـ في نقص شي‌ء من غير تعيين القدر ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن البراج لرواية محمد بن جزّك ـ بالجيم المفتوحة والزاي المنقطة المشددة والكاف أخيرا ـ «قال كتبت الى ابي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها المهر كاملا أو ينقص؟ قال ينقص» (٣٥٨) ولا بد من إضمار شي‌ء.

ب ـ انه ينقص السدس ، قاله الراوندي في شرح مشكل النهاية حملا على الوصية ، لأن الشي‌ء في عرف الشرع السدس. قال المصنف : وهو غلط ، لأن اللازم من الرواية إضمار شي‌ء ، وهو يصدق على القليل والكثير ، فتخصيصه بالسدس تخصيص من غير مخصص.

ج ـ ان ينقص ما بين مهر البكر والثيب والمرجع فيه الى العادة واختاره المصنف هنا ، وهو مذهب العلامة ، لأن الشارع لم يقدره فالمرجع فيه الى العادة.

د ـ الرجوع في التقدير الى نظر الحاكم ، قاله المصنف في نكت النهاية ، واختاره أبو العباس في مقتصره.

قال رحمه‌الله : إذا استمتع امرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون

__________________

(٣٥٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١٠ من أبواب العيوب والتدليس ، حديث ٢.

١٣٠

هبة المدة ولا له إسقاط شي‌ء من المهر ، وكذا لو تزوجها دائما على احد القولين.

أقول : المراد بأحد القولين القول بجواز نكاح الكتابية دائما أو منقطعا ، وعلى القول بالمنع منه دائما إذا ظهرت كتابية ظهر بطلان العقد من أصله لعدم مشروعيته.

قال رحمه‌الله : كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا المسمى ، وكل موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطي المسمى وان لحقه الفسخ ، وقيل : ان كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده ، والأول أشبه.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط قال : لأن أحكام العقد الفاسد تترتب عليه وكذا (٣٥٩) المهر ، والمعتمد مذهب المصنف ، لأنه عقد صحيح ، ولهذا لو اختار البقاء عليه جاز ذلك ولزم ، بخلاف العقد الفاسد فإنه لا يلزم بالرضا به ولا يجوز ذلك ، وكل عقد صحيح يعقبه دخول وجب المسمى فيه.

__________________

(٣٥٩) بقية النسخ : فكذا.

١٣١
١٣٢

في المهور

قال رحمه‌الله : وعلى اجارة الزوج نفسه مدة معينة ، وقيل بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف مع قصورها عن افادة المنع.

أقول : إذا جعل المهر عملا مضمونا في ذمة الزوج جاز قطعا وان جعل منفعة (٣٦٠) مدة معينة ، قال الشيخ في النهاية : لا يجوز ، وكذلك قال ابن البراج في كتابه الكامل لما رواه أحمد بن محمد في القوي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام «قال : سألته عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط إجارته شهرين؟ قال : موسى عليه‌السلام قد علم انه يستمر له شرطه ، فكيف لهذا بان يعلم بأنه سيبقى حتى يفي» (٣٦١) واستضعفها المصنف ، لأن رجالها غير منصوص على عدالتهم.

والمشهور الجواز للأصل ولقوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ) (٣٦٢) والرضا قد وقع على الإجارة ، ولهم عليه روايات (٣٦٣).

__________________

(٣٦٠) «م» «ن» «ر ١» : منفعته.

(٣٦١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٢ من أبواب المهور ، حديث ١.

(٣٦٢) النساء : ٢٤.

(٣٦٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب المهور.

١٣٣

قال رحمه‌الله : ولو كانا مسلمين أو كان الزوج مسلما ، قيل : يبطل العقد ، وقيل : يصح ويثبت لها مع الدخول مهر المثل ، وقيل : بل قيمة الخمر ، والثاني أشبه.

أقول : البحث هنا في موضعين :

أ ـ في صحة عقد المسلم على الخمر والخنزير ، وبالصحة قال الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن حمزة وابن زهرة وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن عقد النكاح لا يشترط فيه ذكر المهر فاذا أوقعه على مهر باطل كان كما لو لم يذكر مهرا ، وقال الشيخ في النهاية بعدم الصحة ، وبه قال المفيد وأبو الصلاح وابن البراج ، لأن العقد مترتب على الرضا بالمهر ، وهو باطل والمترتب على الباطل باطل ، لأنه عقد معاوضة فيفسد بفساد العوض.

ب ـ على القول بالصحة ما يثبت لها؟ حكى المصنف قولين : أحدهما مهر المثل ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف وابن حمزة وظاهر ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد ، لأن مع بطلان المسمى يخلو العقد عن المهر فيجب مهر المثل مع الدخول كما لو لم يذكر مهرا ، ولأن مهر المثل هو قيمة البضع وقد بطل عوضه المسمى فرجع (٣٦٤) الى قيمة العوض ، وهو مهر المثل.

والآخر ثمن الخمر عند مستحليه قاله الشيخ في موضع من المبسوط ، لأنهما لم يغفلا المهر وذكرا عوضا فاسدا فيرجع الى قيمة العوض.

قال رحمه‌الله : وقيل بالمنع من الزيادة على مهر السنه ، ولو زاد رد إليها ، وليس بمعتمد.

أقول : المشهور عدم تقدير المهر في طرف القلة ما لم يخرج عن التمول ، وهو

__________________

(٣٦٤) «م» «ن» «ر ١» : فيرجع.

١٣٤

إجماع ، اما في طرف الكثرة فالمشهور عدم تقديره أيضا ، لأنه عقد معاوضة يرجع فيه الى تراضي المتعاوضين لقوله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) (٣٦٥) ولرواية الوشاء (٣٦٦) ، عن الرضا عليه‌السلام الدالة على المطلوب.

وقال السيد المرتضى : إذا تجاوز مهر السنه وهو خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا رد إليها ، ورواية الصدوق (٣٦٧) في كتاب من لا يحضره الفقيه ، واستدل بعد الإجماع برواية الفضل بن عمر «قال : دخلت على ابي عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يؤخره قال : فقال : مهر السنة المحمدية خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ، ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة» (٣٦٨).

وأجيب بضعف الرواية لوقوع محمد بن سنان في طريقها ، وقد ضعفه الشيخ والعلامة.

قال رحمه‌الله : ويجوز ان يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد ويكون المهر بينهن بالسوية ، وقيل : يقسط على مهور أمثالهن ، وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط بالتسوية (٣٦٩) ، واختاره ابن البراج عملا بالأصل ، لأن النكاح ليس معاوضة حقيقية فلا يعتبر فيه قيمة البضع ، وقيل بالتقسيط على مهر المثل ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو تزوجها على خادم غير مشاهد ولا موصوف ، قيل :

__________________

(٣٦٥) النساء : ٢٠.

(٣٦٦) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٩ من أبواب المهور ، حديث ١.

(٣٦٧) الفقيه ٣ : ٢٥٢ ، حديث ١٢.

(٣٦٨) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب المهور ، حديث ١٤.

(٣٦٩) «م» و «ن» : بالسوية.

١٣٥

كان لها خادم وسط ، وكذا لو تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة ، أو دار على رواية ابن أبي عمير.

أقول : القائل هو الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن إدريس والعلامة في الإرشاد مصيرا الى النص (٣٧٠) المذكور ، وجزم به المصنف في المختصر وحكاه هنا ، والعلامة في القواعد ساكتين عليه ، وفخر الدين اختار بطلان المسمى والرجوع الى مهر المثل ، وهو قوي ، لأنه مع عدم التعبير (٣٧١) أو الوصف يصير مجهولا فيبطل ، لأنه يشترط علمه بما يرفع الجهالة.

قال رحمه‌الله : وشرط ان تعطي أباها منه شيئا معينا قيل : يصح المهر ويلزم الشرط.

أقول : هذا القول نقله فخر الدين عن بعض الأصحاب ، وظاهر كلام ابن الجنيد ان شرطت الزوجة في نفس العقد لزم ، لأنه جعله بعض الصداق ، وهو قوي لأن الرضا لم يحصل الا به ، وقال الشيخ ان كان على سبيل الهدية لم يلزمه (٣٧٢) الوفاء به ، وان كان على سبيل التوكيل فكذلك.

قال رحمه‌الله : فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها ، ولو أبهم فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل ، وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، ويلقنها الجائز وهو أشبه.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : وهل يجب تعيين القراءة ، وهي الحرف الذي يعلمها إياها؟ على وجهين : أحدهما لا يجب ، وهو الأقوى ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعين على الرجل (٣٧٣).

__________________

(٣٧٠) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢٥ من أبواب المهور ، حديث ١ و ٢.

(٣٧١) «م» «ن» «ر ١» : التعيين.

(٣٧٢) «م» «ن» «ر ١» : يلزمها.

(٣٧٣) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٢ من أبواب المهور ، حديث ١.

١٣٦

والوجه الآخر لا بد من تعيين الحرف ، لأن بعضها أصعب من بعض ، فمن قال انه شرط فان ذكره والا كان فاسدا ولها مهر المثل ، ومن قال ليس بشرط لقنها أي حرف شاء ، وان شاء بالجائز وهو الصحيح عندنا ، لأن التعيين يحتاج الى دليل انتهى كلام الشيخ رحمه‌الله.

ومنه يعلم تحقيق المسألة ، والمعتمد عدم الوجوب ويلقنها ما شاء من السبعة دون العشرة ، وهو ظاهر التحرير.

فرع : لو نسيت الآية الأولى عقيب تلقين الثانية ، هل يجب الإعادة؟ ذكر الشيخ في المبسوط في هذه المسألة وجهين : أحدهما عدم وجوب الإعادة ، واختاره العلامة في الإرشاد والتحرير لحصول القبض باستقلالها بالتلاوة والنسيان بسبب تفريطها فلا يضمنه الزوج.

والآخر انها لا تكون قابضة أقل من ثلاث آيات ، لأن أقل ما نفع (٣٧٤) الاعجاز بثلاث ايات لقوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٣٧٥) وأقل سورة وجدت ثلاث آيات ، وهي سورة الكوثر ، واختاره فخر الدين.

قال رحمه‌الله : ولو أصدقها ظرفا على انه خل فبان خمرا قيل : كان لها قيمة الخمر عند مستحليه ، ولو قيل : كان لها مثل الخل كان حسنا.

أقول : القول بوجوب القيمة عن مستحليه قول الشيخ في المبسوط والخلاف ، والقائل بوجوب المثل ابن إدريس وابن الجنيد ، واختاره المصنف ، وفيه قول آخر وهو وجوب مهر المثل واختاره العلامة في القواعد ، ولو تزوجها (٣٧٦) على عبد فبان حرا كان الحكم كذلك.

__________________

(٣٧٤) «م» «ن» «ر ١» : يقع.

(٣٧٥) البقرة : ٢٣.

(٣٧٦) «م» «ن» «ر ١» : زوجها.

١٣٧

قال رحمه‌الله : والمهر مضمون على الزوج فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمته وقت تلفه على قول مشهور لنا.

أقول : إذا أصدقها عينا معينة فتلفت قبل تسليمها إليها ، فإن كانت مثلية كان عليه مثلها ، وان كانت قيمية فالمشهور وجوب القيمة يوم التلف ، لأنه حين الانتقال إلى القيمة ، وقيل : أعلى القيمة (٣٧٧) ، لأنه كان كالغاصب إلا في الإثم ، فإنه لا اثم عليه.

والتحقيق : انه لا يخلو اما ان يتلف قبل المطالبة بالتسليم أو بعدها فان تلف قبل المطالبة كان عليه القيمة يوم التلف ، لأن العين قبل المطالبة لا يجب تسليمها والحق متعلق بها ، فاذا تلفت انتقل الحق إلى القيمة حين التلف ، وان كان التلف بعد المطالبة والامتناع لغير عذر كان عليه أعلى القيم من حين المطالبة إلى حين التلف ، هذا إذا كان التلف بسببه أو بأمر سماوي ، ولو أتلفه أجنبي تخيرت بين إلزام الزوج بالقيمة يوم التلف أو أكثر على ما قلناه من التفصيل وبين إلزام المتلف بالقيمة يوم التلف خاصة مطلقا ، سواء كان الإتلاف قبل المطالبة أو بعدها ، فان رجعت على الزوج رجع على المتلف بقيمته يوم إتلافه خاصة ، سواء رجعت عليه بها أو بالأكثر.

وان رجعت على المتلف بالقيمة يوم التلف وكان التلف بعد المطالبة ، هل لها ان ترجع على الزوج بتفاوت القيمة من حين المطالبة إلى حين الإتلاف؟ يحتمل ذلك ، لأنه حق لها ، فلها الرجوع به ، ويحتمل العدم ، لأن الشارع خيّرها في الرجوع على أيهما شاءت ، ولا يسوغ لها الرجوع عليهما وقد رضيت بالرجوع على المتلف فليس لها الرجوع على الزوج بشي‌ء.

قال رحمه‌الله : ولو وجدت به عيبا كان لها رده بالعيب ، ولو عاب بعد

__________________

(٣٧٧) «م» «ن» «ر ١» : القيم.

١٣٨

العقد ، قيل : كانت بالخيار في أخذه أو أخذ القيمة ، ولو قيل : ليس لها القيمة ولها عينه وأرشه كان حسنا.

أقول : الأول قول الشيخ في النهاية ، لأنه إنما أصدقها العين سليمة ، وهي مضمونة في يده ، فان عابت قبل التسليم فهي بالخيار بين ان يقبضها معيبة وبين ان تردها ، فلو اختارت الرد كان كتلف الصداق معيبا (٣٧٨).

واستحسن المصنف أخذ العين معيبة مع أرش العيب ، واختاره العلامة لوجود العين التي تناولها العقد والعيب يجبر بالأرش ، فلا يجوز العدول عما تناوله العقد الى غيره مع وجوده ، وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولها ان تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ، وهل لها ذلك بعد الدخول؟ قيل : نعم ، وقيل : لا وهو الأشبه.

أقول : اما الامتناع قبل الدخول فهو إجماع ، واما بعده فالشيخ في الخلاف والسيد المرتضى وأبو الصلاح وابن حمزة وابن إدريس قد منعوا من ذلك ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لحصول الملك التام بالعقد (٣٧٩) ، فليس لها الامتناع بعده ، لأن التسليم الأول استقر به العوض برضا المسلم (٣٨٠) ، فهو كما لو سلم المبيع قبل تسليم الثمن ، ولأن البضع حق له والمهر حق عليه ، وليس إذا كان له عليه (٣٨١) حق جاز له (٣٨٢) ان يمنع حقه.

وقال في المبسوط : لها الامتناع ، لأن الامتناع كان سائغا لها قبل ان تسلم

__________________

(٣٧٨) «ن» «ر ١» : المعين.

(٣٧٩) «م» «ن» بزيادة : والقبض.

(٣٨٠) «م» : المتسلم.

(٣٨١) «م» : وعليه.

(٣٨٢) ليست في «م» «ن» «ر ١».

١٣٩

نفسها ، فكذا بعده توصلا الى استيفاء حقها.

فرعان :

الأول : لو أكرهها على تسليم نفسها قبل دفع المهر كان لها الامتناع بعده ، لأن هذا التسليم لا اعتبار به لعدم الرضا به.

الثاني : لو كان المهر مؤجلا لم يجز لها الامتناع قبل الحلول إجماعا ، فلو حل قبل التسليم احتمل جواز الامتناع ، لأنه مهر حال على زوج لم يدخل بزوجته فلها ان تمتنع حتى تقبضه إجماعا (٣٨٣) ، ويحتمل العدم لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول ، والأصل بقاء ما كان على ما كان وهو المعتمد.

قال رحمه‌الله : ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل بنفس العقد ، وفيه تردد منشؤه ان الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره ، وهو أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا زوجها الولي بدون مهر المثل ، وقد مضى البحث فيها مستوفى في باب أولياء العقد.

الثانية : إذا زوجها مفوضة (٣٨٤) ، ولا إشكال في صحة العقد ، وانما الإشكال في صحة التفويض مما قاله المصنف وهو الوثوق بنظر الولي ، فيصح التفويض ، ومما قاله الشيخ رحمه‌الله ، وهو عدم صحة التفويض ، لأنه عقد معاوضة فلا يصح للولي إخلاؤه من العوض كسائر المعاوضات ، فعلى قول الشيخ يثبت لها مهر المثل بنفس العقد لفساد التفويض ، ويتفرع على القولين : ما إذا كان لو طلقها قبل الدخول فعلى قول الشيخ يجب لها نصف مهر المثل ، وعلى ما اختاره المصنف يجب

__________________

(٣٨٣) ليست في «م» «ن» «ر ١».

(٣٨٤) «ن» : مفوضته.

١٤٠