الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
ـ وبه قال أكثر العلماء (١) ـ لأنّه تعالى ، علّق على الضرب في الأرض (٢).
ولقول ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين (٣).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام ، وقد سئل عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصّر أو يتمّ؟ : « يتمّ لأنّه ليس بمسير حق » (٤).
وحكي عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : لا يجوز القصر إلاّ في السفر الواجب ، لأنّ الواجب لا يجوز تركه إلاّ بواجب (٥).
ولو سلّمنا المقدّمتين ، قلنا بموجبه ، فإنّ القصر عندنا واجب. وينتقض بمن لا يجب عليه الجهاد إذا خرج إليه.
مسألة ٦٣٧ : ولا يشترط في القصر كون السفر طاعة ، بل يثبت في السفر إذا كان مباحا ، عند علماء الأمصار ، لما تقدّم في المسألة الاولى (٦).
ولأنّ الرخصة إذا تعلّقت بالسفر الطاعة ، تعلّقت بالسفر المباح ، كصلاة النافلة على الراحلة.
وقال عطاء : لا يجوز القصر إلاّ في سفر الطاعة ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يقصّر إلاّ في سبل الخير ، فلا يقصّر إلاّ في مثلها (٧).
وهو خطأ ، لأنّ وقوع ذلك اتّفاقي.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٤٦ ، المغني ٢ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٦.
(٢) إشارة إلى الآية ١٠١ من سورة النساء.
(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٧٩ ـ ٦٨٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٩ ـ ١٠٦٨ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٥.
(٤) الكافي ٣ : ٤٣٨ ـ ٨ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ـ ٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ـ ٨٤١.
(٥) المجموع ٤ : ٣٤٦ ، المغني ٢ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٢.
(٦) برقم ٦٣٦.
(٧) المجموع ٤ : ٣٤٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩١ ، المغني ٢ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٢.
ولأنّه عليهالسلام ، كان يترخّص في عوده (١) وهو مباح.
ولأنّه لو اختصّ بفعله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لاختصّ بالسفر إلى الموضع الذي سافر إليه.
مسألة ٦٣٨ : لا يشترط في القصر الخوف بل يثبت القصر في سفر الأمن والخوف معا ، عند عامة العلماء ، لأنّ يعلى بن أميّة قال لعمر : ما بالنا نقصّر وقد أمنّا؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : ( صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) (٢).
وقال ابن عباس : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، سافر بين مكة والمدينة أمنا لا يخاف إلاّ الله تعالى ، فصلّى ركعتين (٣).
وقال داود : لا يجوز القصر إلاّ في سفر الخوف (٤) ، لظاهر قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ ) (٥).
والحديث مبيّن.
مسألة ٦٣٩ : نيّة القصر ليست شرطا فيه ، فلو صلّى ولم ينو القصر ، وجب ، وكذا لو نوى الإتمام ، وجب القصر ، عند علمائنا أجمع ـ خلافا للجمهور ـ لأنّ المقتضي لوجوب الإتمام والقصر ليس هو القصد التابع لحكم الله تعالى ، بل حكمه تعالى ، فلا يتغيّر الفرض بتغيّر النيّة ، بل لو نوى المخالف ، لم يجزئ ووجب عليه ما حكم الله تعالى به ، وقد بيّنّا أنّ الواجب
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨١ ـ ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠ ـ ١٢٣٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٦.
(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٧٨ ـ ٦٨٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٣ ـ ١١٩٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٩ ـ ١٠٦٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٤ ، مسند أحمد ١ : ٢٥ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٤.
(٣) سنن الترمذي ٢ : ٤٣١ ـ ٥٤٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١٣٥.
(٤) حلية العلماء ٢ : ١٩١ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٠ ، رحمة الأمّة ١ : ٧٣.
(٥) النساء : ١٠١.
القصر.
امّا الجمهور ، فإنّ القصر عند أكثرهم ليس واجبا ، بل المسافر يتخيّر بين القصر والإتمام (١).
وإنّما يجوز القصر عند الشافعي وأحمد لو نواه ، فإن أحرم بنيّة القصر ، جاز ، وإن أحرم بنية الإتمام ، وجب الإتمام عندهما ، لأنّ المصلّي في أول الوقت يلزمه الإتمام وإن جاز التأخير قبل الشروع ، فكذا هنا إذا نوى الإتمام ، لزمه وإن كان مخيّرا في الابتداء (٢).
ونحن نمنع التخيير ، فإنّ القصر ، عندنا واجب ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ فإذا نوى الإتمام ، لم يتغيّر فرضه.
وإن أطلق النيّة ، وجب القصر عندنا ، لأنّه يجب لو نوى الإتمام ، ففي الإطلاق أولى.
واختلفت الشافعية ، فعند المزني يجوز القصر ، لأنّه أحرم بصلاة يجوز له قصرها ولم ينو إتمامها ، فكان له قصرها ، كما لو نوى القصر (٤).
وقال آخرون : يجب الإتمام ، لأنّه الأصل ، وقد أجمعنا على جواز القصر مع نيّته ، فإذا لم ينو وجب الإتمام. ولأنّ إطلاق النية ينصرف إلى الأصل (٥).
والكل ممنوع بما تقدّم.
__________________
(١) انظر : الام ١ : ١٧٩ ، مختصر المزني : ٢٤ ، المجموع ٤ : ٣٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٢٩ ، المغني ٢ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٩.
(٢) الأم ١ : ١٨١ ، المجموع ٤ : ٣٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٣) اللباب ١ : ١٠٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٩١ ، المجموع ٤ : ٣٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٣٠ ، المغني ١ : ١٠٨.
(٤) فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦.
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦.
فروع :
أ : لو نوى القصر ثم أراد الإتمام ، لم يجز ، وبه قال مالك (١).
أمّا عندنا : فلوجوب القصر ، وأمّا عنده : فلأن الزيادة لم تشتمل عليها نيّته.
وقال الشافعي : له ذلك (٢).
ب : المواطن الأربعة التي يجوز فيها الإتمام ، لو نواه فيها ، لم يجب وكذا لو نوى القصر ، لم يجب ، عملا بالأصل ، وهو الاستصحاب.
ج : لو نوى الإتمام ثم أفسد الصلاة ، أعادها قصرا عندنا ، لأنّه الواجب.
وعند الشافعي لا يجوز ، لأنّه التزم العبادة (٣) على صفة (٤) أمّا لو نوى الإتمام ثم بان أنّه كان محدثا ، لم يلزمه الإتمام قولا واحدا ، لعدم انعقادها.
وكذا لو فقد المطهّرين ، فشرع مصلّيا بنية الإتمام ثم قدر على الطهارة ، لم يلزمه الإتمام.
أمّا عندنا : فلأنّ فرضه القصر. وأمّا عند الشافعي : فلأنّ ما شرع فيه ليس بحقيقة صلاة (٥).
د : لو شكّ هل نوى القصر أم لا ، لم يلزمه الإتمام ، لما بيّنّا من وجوب القصر.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٥٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٧.
(٢) المجموع ٤ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٧.
(٣) في نسخة « م » : انعقاده ، والمثبت في المتن موافق لما في المصدر.
(٤) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، المغني ٢ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٦.
(٥) المجموع ٤ : ٣٥٧.
وعند الشافعي : يجب الإتمام ، لأنّه الأصل ، والقصر رخصة ، فإذا شكّ في سببها عاد إلى الأصل (١).
ولو شكّ في نية القصر ثم تذكّر في الحال ، لزمه القصر.
وعند الشافعي : يجب الإتمام ، لأنّ فعله في زمان الشك احتسب به عن الإتمام ، ومن احتسب جزء من صلاته عن الإتمام وجب عليه (٢).
هـ : لو كان في الصلاة فشكّ هل نوى الإقامة أم لا ، لزمه القصر ، عملا بالاستصحاب.
وعند الشافعي يجب الإتمام ، لأنّ القصر رخصة ، فإذا شكّ في الشرط ، عاد إلى الأصل (٣).
و : لو وصل إلى بلدة في السفينة ، فشكّ هل هي بلدة إقامته؟ لزمه الإتمام ، لوقوع الشك في سبب الرخصة.
والأقرب : وجوب القصر ، للاستصحاب.
ز : لو نوى القصر فصلّى ركعتين وقعد للتشهّد ثم قام ، فإن قصد الإتمام ، لم يجز عندنا.
وقال الشافعي : يجوز (٤).
وإن قام ساهيا ، عاد إلى قعوده ، وإن تعمّده ولم يقصد الإتمام ، فسدت صلاته ، كما لو قام إلى الخامسة عمدا ، وبه قال الشافعي (٥).
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦.
(٢) المجموع ٤ : ٣٥١ و ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، فتح الوهاب ١ : ٧١ ، منهج الطلاب ١ : ٧١ ، كفاية الأخيار ١ : ٨٨.
(٣) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٨ ، السراج الوهاج : ٨١.
(٤) المجموع ٤ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٧.
(٥) فتح العزيز ٤ : ٤٦٧ ـ ٤٦٨ ، السراج الوهاج : ٨١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٠ ، فتح الوهّاب ١ : ٧١ ، منهج الطلاب ١ : ٧١.
قال : ولو نوى القصر ثم صلّى أربعا ساهيا فلمّا قعد للتشهد نوى الإتمام ، لم يحتسب له ما فعله ، وعليه أن يقوم فيصلّي ركعتين غيرهما ، لأنّه ساه في فعلها ، والسهو لا يحتسب به عن الفرض (١).
وعندنا ليس له الإتمام إلاّ مع تجديد نيّة الإقامة ، فلو صلّى أربعا سهوا ثم عزم على المقام عشرة قبل التسليم ، احتمل قول الشافعي.
هذا إذا لم يقصد التمام ، فإن قصده ساهيا ، أعاد في الوقت خاصّة.
مسألة ٦٤٠ : ولا يشترط في القصر عدم الائتمام بالمقيم ، عند علمائنا أجمع ، فلو ائتمّ مسافر بمقيم ، قصّر المسافر ولا يتابع المقيم عندنا ، وبه قال إسحاق بن راهويه (٢).
وقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد وداود : يجب عليه الإتمام (٣). وكذا قال مالك : إن أدرك ركعة ، وإلاّ قصّر (٤).
وقد تقدّم (٥) البحث في ذلك في باب الجماعة.
المطلب الثالث : في الأحكام
مسألة ٦٤١ : قد بيّنّا أنّ الواجب على المسافر هو القصر ، عند علمائنا ، فلو أتمّ فأقسامه ثلاثة :
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٨.
(٢) المجموع ٤ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٢.
(٣) المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦١ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٩٣ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣.
(٤) المدونة الكبرى ١ : ١٢٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٧ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦١ ، المغني ٢ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦.
(٥) تقدم في المسألة ٥٧٧.
الأول : أن يتعمّد ذلك ، فيجب عليه الإعادة في الوقت وخارجه ، سواء قعد قدر التشهّد ، أو لا ، عند علمائنا أجمع ، لأنّه زاد في الفريضة عمدا ، فأبطل صلاته ، كما لو زاد في غيرها من الفرائض.
ولما رواه ابن عباس قال : من صلّى في السفر أربعا كمن صلّى في الحضر ركعتين (١).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام ، صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : « أعد » (٢).
وقال أبو حنيفة : يعيد إلاّ أن يقعد قدر التشهّد (٣).
وليس بجيّد ، لأنّه جلوس لم ينو به الصلاة ، فكانت الزيادة بعده كما لو كانت قبله.
ولأنّه فعل كثير ليس من الصلاة ، فيكون مبطلا بعد الجلوس ، كما هو قبله.
وباقي الجمهور على صحة الصلاة ، لعدم تعيّن القصر.
الثاني : أن يفعل ذلك جاهلا بوجوب القصر ، فلا يعيد مطلقا عند أكثر علمائنا (٤) ، لقوله عليهالسلام : ( الناس في سعة ما لم يعلموا ) (٥).
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليهالسلام ، وقد سأله زرارة ومحمد ابن مسلم ، عن رجل صلّى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ : « إن كان قد قرئت عليه آية القصر وفسّرت له أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها ، لم يعد » (٦).
__________________
(١) المغني ٢ : ١٠٩.
(٢) التهذيب ٢ : ١٤ ـ ٣٣.
(٣) اللباب ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، المغني ٢ : ١٠٨.
(٤) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٢٣ ، وابن إدريس في السرائر : ٧٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٥٤.
(٥) أورده المحقق في المعتبر : ٢٥٤.
(٦) الفقيه ١ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ـ ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ـ ٥٧١ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧١ ـ ٢٥٤.
ولأنّ الأصل الإتمام ، فمع الجهل ورجوعه إلى الأصل يكون معذورا.
ولاشتمال القضاء على عقوبة ، والجهل شبهة ، فلا تترتّب عليها العقوبة.
وقال أبو الصلاح : يعيد في الوقت (١).
الثالث : أن يفعله ساهيا ، قال علماؤنا : يعيد في الوقت لا خارجه ، لأنّه لم يفعل المأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة الأمر ، بخلاف الجهل بالقصر ، لأنّ التكليف منوط بالعلم ، وبخلاف ما لو خرج الوقت ، فإنّه لا يعيد ، لأنّه يكون قضاء ، وإنّما يجب بأمر جديد ، إذ استدراك مصلحة الواجب في وقته غير ممكن.
ولقول الصادق عليهالسلام ـ وقد سأله العيص ، عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ـ : « إن كان في الوقت فليعد ، وإن كان الوقت مضى فلا » (٢).
وقال عليهالسلام ، في الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات : « إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة » (٣).
مسألة ٦٤٢ : لو قصّر المسافر اتّفاقا من غير أن يعلم وجوبه ، أو جهل المسافة ، فاتّفق أن كان الفرض ذلك ، لم تجزئه الصلاة ، لأنّ القصر إنّما يجوز مع علم السبب أو ظنّه ، فدخوله في هذه الصلاة منهي عنه في ظنّه ، فلا تقع مجزئة عنه.
ولو ظنّ المسافة فأتم ثم علم القصور ، احتمل الإجزاء ، للموافقة ،
__________________
(١) الكافي في الفقه : ١١٦.
(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ـ ٣٧٢ و ٢٢٥ ـ ٥٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦٠.
(٣) الفقيه ١ : ٢٨١ ـ ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ـ ٣٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ـ ٨٦١.
ولرجوعه إلى الأصل ، ولأنّ القصر طار. وعدمه ، لإقدامه على عبادة يظنّ فسادها ، فلا تقع مجزئة عنه.
مسألة ٦٤٣ : الشرائط في قصر الصلاة وقصر الصوم واحدة إجماعا ، وكذا الحكم مطلقا على مذهب أكثر علمائنا (١) ، لقول الصادق عليهالسلام : « إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت » (٢).
وعند الشيخ يجب على من زاد سفره على حضره إذا أقام خمسة أيام قصر صلاة النهار دون الصوم ، وكذا قال رحمهالله في الصائد للتجارة : يقصّر في الصلاة خاصة (٣).
والوجه : ما قلناه للرواية. ولأنّه سبب في الترخّص في الصلاة ، فكذا في الصوم ، لأنّه أحد الرخصتين.
مسألة ٦٤٤ : إذا نوى المسافر الإقامة في بلد عشرة أيام ، أتمّ على ما تقدّم ، فإن رجع عن نيّته ، قصّر ما لم يصلّ تماما ولو صلاة واحدة ، فلو صلّى صلاة واحدة على التمام ، أتمّ ، لأنّ النيّة بمجرّدها لا يصير بها مقيما ، فإذا فعل صلاة واحدة على التمام ، فقد ظهر حكم الإقامة فعلا ، فلزم الإتمام ، لانقطاع السفر بالنيّة والفعل.
ولو لم يصلّ صلاة واحدة على التمام ، كان حكم سفره باقيا ، لأنّ المسافر لا يصير مقيما بمجرّد نيّة الإقامة ، كما لو نوى الإقامة ثم رجع.
ولقول الصادق عليهالسلام ، وقد سأله أبو ولاّد : كنت نويت الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا لي بعد ، فما ترى؟ قال : « إن كنت صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها ، وإن كنت
__________________
(١) منهم : ابن إدريس في السرائر : ٨٩.
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ـ ٥٥١.
(٣) انظر : النهاية : ١٢٢ و ١٢٣ ، والمبسوط للطوسي ١ : ١٣٦ و ١٤١ ، وراجع أيضا الهامش (٢) من صفحة ٤٠٠.
دخلتها وعلى نيتك التمام فلم تصلّ فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ، فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتمّ ، وإن لم تنو المقام ، فقصّر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى شهر ، فأتمّ الصلاة » (١).
مسألة ٦٤٥ : لو رجع عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة ، قال الشيخ : يتمّ ، لأنّه دخل في الصلاة بنيّة الإتمام (٢).
والوجه عندي : التفصيل ، وهو : أنّه إن كان قد تجاوز في صلاته فرض القصر ، بأن صلّى ثلاث ركعات ، تعيّن الإتمام ، وإلاّ جاز له القصر ، لأنّ المناط في وجوب الإتمام صلاة تامة ولم توجد في الأثناء.
فروع :
أ : لو رجع عن نيّة الإقامة بعد خروج وقت الصلاة ولم يصلّ ، فإن كان الترك لعذر مسقط ، صحّ الرجوع ، ووجب القصر ، وإن لم يكن لعذر مسقط ، لم يصحّ ، ووجب الإتمام إلى أن يخرج.
ب : لو نوى الإقامة فشرع في الصوم ، فالوجه : أنّه كصلاة الإتمام ، لأنّه إحدى العبادتين المشروطتين بالإقامة وقد وجدت النيّة وأثرها ، فأشبه العبادة الأخرى.
ويحتمل صحة الرجوع ، لأنّ المناط الصلاة تماما.
ج : إن جعلنا الصوم ملزما للإقامة ، فإنّما هو الصوم الواجب المشروط بالحضر أو النافلة إن شرطنا في صحتها الإقامة ، أمّا ما لا يشترط بالحضر كالمنذور سفرا وحضرا ، أو النافلة إن سوّغناها في السفر ، فلا.
مسألة ٦٤٦ : لو أحرم بنيّة القصر ثم نوى في الأثناء المقام عشرة ، أتمّ
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ـ ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ـ ٨٥١.
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٩.
الصلاة تماما ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لانتفاء سبب القصر ـ وهو السفر ـ لوجود نيّة الإقامة المضادّة للسفر ، ولا يجتمع الضدّان.
وقال مالك : إذا رجع عن نيّة القصر ، لم يبن على صلاته ، فإن كان قد صلّى ركعة بسجدتيها ، أتمّها ركعتين نافلة ، لأنّها صلاة ابتدئت بنيّة فرض ، فلا يجوز نقله إلى غيره ، كما لا تنقل صلاة الظهر إلى العصر (٢).
والجواب : منع حكم الأصل عندنا ، سلّمنا لكنّها صلاة واحدة لا تختلف نيّتها إلاّ من جهة العدد ، فإذا نواها ركعتين ، جاز أن يجعلها أربعا ، كالنافلة ، بخلاف الظهر والعصر ، لأنّ نيّة الصلاة مختلفة.
فروع :
أ : لو دخل بنيّة القصر ثم نوى الإتمام ، لم يجز له الإتمام عندنا ، إلاّ أن ينوي المقام عشرا ، لأنّ فرضه القصر ، فلا يتغيّر بتغيّر النيّة على ما سبق.
وقال الشافعي : يجب الإتمام ، لأنّ نيّة الزيادة في العدد لا تتغيّر به النيّة ، وهو بناء على أنّ القصر سائغ (٣).
وقال مالك : لا يجب الإتمام ، لأنّه نوى عددا ، فإذا زاد عليه ، حصلت الزيادة بغير نيّة ، فلم تجز (٤).
ب : لو أحرم ونوى القصر فصلّى أربعا ناسيا ، فقد بيّنّا الإجزاء مع خروج الوقت ، والإعادة مع بقائه.
__________________
(١) الام ١ : ١٨١ ، المجموع ٤ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٠.
(٢) المدونة الكبرى ١ : ١٢٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٦٧ ، التفريع ١ : ٢٥٩ ، المنتقى للباجي ١ : ٢٦٥ ، المجموع ٤ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٧.
(٣) الام ١ : ١٨١ ، مختصر المزني : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٧ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٧.
(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ١٠٧ ، المجموع ٤ : ٣٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٧.
وقال الشافعي : تجزئه مطلقا ، ويسجد للسهو (١).
ولو تعمّد ذلك ، لم يجز عندنا على ما بيّنّاه.
وقال الشافعي : تجزئه ولا يسجد (٢).
قالت الشافعية : وهو غريب ، لأنّ الزيادة التي توجب سجود السهو إذا تعمّدها ، أفسدت (٣).
وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري كقول الشافعي (٤).
وقال بعض أصحاب مالك : لا تجزئه ، لأنّ هذا السهو عمل كثير (٥).
وليس بجيّد ، لأنّه من جنس الصلاة.
ج : لو أراد السفر إلى بلد ثم إلى آخر بعده ، فإن كان الأدنى ممّا يقصّر في مثله ، قصّر ، وإلاّ لم يقصّر إن نوى الإقامة في الأقرب عشرة ، وإلاّ قصّر إن بلغ المجموع المسافة.
ولو دخل الأقرب فأراد الخروج إلى الآخر ، اعتبرت المسافة إليه.
ولو قصد بلدا ثم قصد أن يدخل في طريقه إلى بلد آخر يقيم فيه أقلّ من عشرة أيام ، لم يقطع ذلك سفره ، واعتبرت المسافة من البلد الذي أنشأ منه السفر إلى البلد الذي قصده.
د : لو خرج إلى الأبعد فخاف في طريقه فأقام لطلب الرفقة أو ليرتاد الخبر ثم طلب غير الأبعد الذي قصده أوّلا ، جعل مبتدئا للسفر من موضع إقامته لارتياد الخبر ، لأنّه قطع النية الاولى ، وإن لم يبد له لكن أقام أقلّ من عشرة ، قصّر.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦ ، فتح العزيز ٤ : ٤٦٨.
(٢) حلية العلماء ٢ : ١٩٦.
(٣) انظر : فتح العزيز ٤ : ٤٦٧ ـ ٤٦٨.
(٤) حلية العلماء ٢ : ١٩٦.
(٥) مقدمات ابن رشد ١ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٩٦.
هـ : لو فارق البلد إلى حيث غاب الأذان والجدران ، ثم عاد إلى البلد لحاجة عرضت ، لم يترخّص في رجوعه وخروجه ثانيا إلى أن يغيب عنه الأذان والجدران ، إلاّ أن يكون غريبا عن البلد ، أو يبلغ سيره مسافة ، فله استدامة الترخّص وإن كان قد أقام أكثر من عشرة في بلد الغربة ، وهو أظهر وجهي الشافعي (١).
و : لو عزم العشرة في غير بلده ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على العود والإقامة ، أتمّ ذاهبا وعائدا وفي البلد ، وإن لم يعزم ، قصّر.
ز : لو قصّر في ابتداء السفر ثم رجع عن نيّة السفر ، لم تجب عليه الإعادة ، لأنّها وقعت مشروعة وإن كان الوقت باقيا.
ح : لا يحتاج القصر إلى نيّته على ما بيّناه ، بل تكفي نيّة فرض الوقت ، وبه قال أبو حنيفة (٢).
وقال الشافعي : إنّما يجوز القصر بشروط ثلاثة : أن يكون سفرا يقصّر فيه الصلاة ، وأن ينوي القصر مع الإحرام ، وأن تكون الصلاة أداء لا قضاء (٣).
وقال المزني : إن نوى القصر قبل السلام ، جاز له القصر (٤).
مسألة ٦٤٧ : قال الشيخ : صلاة السفر لا تسمّى قصرا ، لمغايرة فرض السفر فرض الحضر ، وبه قال أبو حنيفة وكلّ من وافقنا في وجوب القصر.
وقال الشافعي : إنّه يسمّى قصرا (٥).
وهو نزاع لفظي.
__________________
(١) المجموع ٤ : ٣٤٩ ، الوجيز ١ : ٥٨ ، فتح العزيز ٤ : ٤٤١ ، المغني ٢ : ١٣٧.
(٢) المجموع ٤ : ٣٥٣.
(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٨٠ ، المسألة ٣٣٥ ، وانظر : المجموع ٤ : ٣٥٣.
(٤) المجموع ٤ : ٣٥٣.
(٥) الخلاف ١ : ٥٧١ ، المسألة ٣٢٢ ، وانظر : المجموع ٤ : ٣٥٣.
مسألة ٦٤٨ : الصوم في سفر القصر باطل ، وعليه الإعادة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وعمر ، وأبو هريرة ، وثلاثة أخرى من الصحابة (١) ـ لقوله تعالى ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) (٢) أوجب عدّة أيام.
وقال داود : يصح صومه ، وعليه القضاء (٣). وقال باقي الفقهاء : إن شاء صام وإن شاء أفطر ، فإن صام أجزأ (٤). وسيأتي (٥).
مسألة ٦٤٩ : نوافل النهار تسقط في السفر دون نوافل الليل ، عند علمائنا ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يوتر على الراحلة في السفر (٦).
وكان يتنفّل على الراحلة في السفر حيث ما توجّهت به راحلته (٧). وأقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، على حرب هوازن ثمانية عشر يوما وكان يتنفّل (٨).
وأمّا قصر نوافل النهار : فلأنّها تابعة لفرائض مقصورة ، فاقتضت
__________________
(١) المجموع ٦ : ٢٦٤ ، أحكام القرآن للجصاص ١ : ٢١٤ ، تفسير القرطبي ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، عمدة القارئ ١١ : ٤٣ ، نيل الأوطار ٤ : ٣٠٥.
(٢) البقرة : ١٨٤.
(٣) عمدة القارئ ١١ : ٤٣ ، نيل الأوطار ٤ : ٣٠٥.
(٤) انظر : المغني ٣ : ٤٣ ، والمجموع ٦ : ٢٦٤ ، والام ٢ : ١٠٢ ، وعمدة القاري ١١ : ٤٣ ، ونيل الأوطار ٤ : ٣٠٧.
(٥) يأتي في ج ٦ ، كتاب الصوم ، المسألة ٦٢.
(٦) صحيح البخاري ٢ : ٥٥ ـ ٥٦ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨٧ ـ ٣٦ و ٣٨ و ٣٩ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٣٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ـ ٤٧٢ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ و ٣ : ٢٣٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٩ ـ ١٢٢٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٨ ـ ٢٩ ـ ٢ و ٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٩١.
(٧) صحيح البخاري ٢ : ٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ـ ٣١ و ٣٩ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٣ ـ ٣٥٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٩ ـ ١٢٢٤ ، سنن النسائي ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٩١.
(٨) فتح العزيز ٤ : ٤٤٩ ، تلخيص الحبير ٤ : ٤٤٩.
الحكمة إسقاطها.
وقال الشافعي : يجوز أن يتنفّل بالنهار والليل (١).
ومنع بعض التابعين من التنفّل مطلقا ، لأنّه إذا سقط بعض الفرض فلا يأتي بالنافلة (٢).
* * *
__________________
(١) الام ١ : ١٨٦ ، المجموع ٤ : ٤٠٠ ، المغني ٢ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٤.
(٢) المجموع ٤ : ٤٠١ ، المغني ٢ : ١٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ١١٤.
الفصل الثالث : في صلاة الخوف
وفيه مطلبان :
الأول : الكيفية
مسألة ٦٥٠ : قيل : إنّ قبل نزول آية صلاة الخوف كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يؤخّر الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثم يقضيها ، لأنّ الشرع كان كذلك ، ثم نسخ إلى صلاة الخوف ، ولهذا أخّر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ( أربع صلوات ) (١) يوم الخندق (٢).
والأصل في صلاة الخوف : الكتاب والسنّة والإجماع :
قال الله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (٣) وقد ثبت أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلّى يوم ذات الرقاع صلاة الخوف (٤).
وسمّيت ذات الرقاع ، لأنّ فيه جبلا ألوانه مختلفة بعضه أحمر ، وبعضه أسود ، وبعضه أصفر.
وقال أبو موسى الأشعري : موضع مرّ به ثمانية نفر حفاة ، فتنقّبت
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « ش » : صلاة.
(٢) المغني ٢ : ٢٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢٧ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ : ١١٨ ـ ١٢٠.
(٣) النساء : ١٠٢.
(٤) صحيح البخاري ٥ : ١٤٥ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ ـ ٨٤٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣ ـ ١٢٣٨ ، مسند أحمد ٥ : ٣٧٠ ، موطإ مالك ١ : ١٨٣ ـ ١.
أرجلهم (١) ، وتساقطت أظفارهم ، فكانوا يلفّون عليها الخرق ، فسمّيت لذلك ذات الرقاع (٢).
وصلّى عليهالسلام ، يوم عسفان ببطن النخل صلاة الخوف (٣).
مسألة ٦٥١ : صلاة الخوف ثابتة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبه قال عامة أهل العلم (٤) ، لأنّه عليهالسلام صلاّها ، وورد الكتاب بها ، وقال تعالى ( فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا ) (٥).
وسئل عليهالسلام ، عن القبلة للصائم ، فأجاب بأنّني أفعل ذلك ، فقال السائل : لست مثلنا ، فغضب وقال : ( إنّي لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتّقي ) (٦) ولو اختصّ بفعله ، لما كان الإخبار بفعله جوابا ، ولا غضب من قول السائل : لست مثلنا.
ولأنّ الصحابة أجمعوا على صلاة الخوف : صلّى علي عليهالسلام ، في حرب معاوية ليلة الهرير صلاة الخوف (٧). وصلّى أبو موسى الأشعري صلاة الخوف بأصحابه (٨). وكان سعيد بن العاص أميرا على الجيش بطبرستان ، فقال : أيّكم صلّى مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلاة الخوف؟ فقال حذيفة : أنا ، فقدّمه فصلّى بهم (٩).
__________________
(١) أي : رقّت جلودها. النهاية لابن الأثير ٥ : ١٠٢.
(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٤٥ ، معجم البلدان ٣ : ٥٦.
(٣) مسند أحمد ٤ : ٥٩ و ٦٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٢٤٣ ـ ٣٠٣٥ ، مسند الطيالسي : ١٩٢ ـ ١٣٤٧ ، سنن البيهقي ٣ : ٢٥٧ بتفاوت.
(٤) المغني ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢٦.
(٥) الأنعام : ١٥٥.
(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٥١ ، والشرح الكبير ٢ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، ونحوه في صحيح مسلم ٢ : ٧٧٩ ـ ١١٠٨ ، والموطأ لمالك ١ : ٢٩١ ـ ١٣.
(٧) سنن البيهقي ٣ : ٢٥٢ ، المغني ٢ : ٢٥١ ، والشرح الكبير ٢ : ١٢٦.
(٨) سنن البيهقي ٣ : ٢٥٢ ، المغني ٢ : ٢٥١ ، والشرح الكبير ٢ : ١٢٦.
(٩) سنن البيهقي ٣ : ٢٥٢ ، سنن النسائي ٣ : ١٦٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦ ـ ١٧ ـ ١٢٤٦ ، مسند أحمد ٥ : ٣٩٥ و ٣٩٩ و ٤٠٤ و ٤٠٦ ، والمغني ٢ : ٢٥١ ، والشرح الكبير ٢ : ١٢٦.
وقال أبو يوسف : إنّها كانت تختصّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) (١) (٢) شرط كونه فيهم.
وقال المزني : الآية منسوخة ، وقد أخّر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يوم الخندق أربع صلوات ، اشتغالا بالقتال ، ولم يصلّ صلاة الخوف (٣).
وخطابه لا يوجب اختصاصه ، لوجوب التأسّي علينا ، ولهذا أنكرت الصحابة على مانعي الزكاة حيث قالوا : إنّ الله تعالى قال لنبيّه ( خُذْ ) (٤) فخصّه بذلك. ويوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف (٥).
مسألة ٦٥٢ : وصلاة الخوف جائزة في السفر بالإجماع ، وكذا في الحضر ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد (٦) ـ لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (٧) وهو عام في كلّ حال.
ولأنّها حالة خوف ، فجاز فيها صلاة الخوف ، كالسفر.
وقال مالك : لا تجوز في الحضر ، لأنّ الآية دلّت على صلاة ركعتين ، وصلاة الحضر أربع.
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يفعلها في الحضر (٨).
__________________
(١) النساء : ١٠٢.
(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٩ ، المجموع ٤ : ٤٠٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٨ ، المغني ٢ : ٢٥١ ، والشرح الكبير ٢ : ١٢٦.
(٣) المجموع ٤ : ٤٠٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٨.
(٤) التوبة : ١٠٣.
(٥) المغني ٢ : ٢٥١ و ٢٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٢٧ و ١٤٠ ، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار : ١١٨ ـ ١١٩.
(٦) الام ١ : ٢١٠ ، المجموع ٤ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٣ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٤ ، المغني ٢ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٤.
(٧) النساء : ١٠٢.
(٨) المغني ٢ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٤ ، المجموع ٤ : ٤١٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢١٣ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٤.
ونمنع عدم القصر في الحضر على ما سيأتي (١).
سلّمنا ، لكن قد يكون في الحضر ركعتان كالفجر وصلاة الجمعة ، والمغرب ثلاث يجوز فعلها في الخوف في السفر إجماعا.
وترك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فعلها في الحضر ، لغناه عن فعلها فيه.
مسألة ٦٥٣ : وهي مقصورة في السفر إجماعا في عدد الرباعية إلى ركعتين خاصة ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وأكثر العلماء (٢) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلّى يوم ذات الرقاع بكلّ طائفة ركعتين (٣). والمراد أنّها صلّت ركعتين في حكم صلاته ولأنّ الإمام والمأموم على صفة واحدة ، فيجب أن يستوي حكمهما.
وحكي عن ابن عباس أنّه قال : صلاة الخوف لكلّ طائفة ركعة ، وللإمام ركعتان ، وبه قال الحسن البصري وطاوس ومجاهد (٤) ، لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ ) (٥) يعني تجاه القبلة.
أخبر أنّهم يصلّون قياما وسجودا ، فقد ثبت أنّهم إنّما يصلّون ركعة واحدة.
ثم قال ( وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ) (٦) يعني
__________________
(١) يأتي في المسألة ٦٥٤.
(٢) الام ١ : ٢١٠ ، الميزان للشعراني ١ : ١٨٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٤٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦١ ، المغني ٢ : ٢٥٢.
(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٦ ـ ٨٤٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١.
(٤) المجموع ٤ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٤٣ ، الكفاية ٢ : ٦٤ ـ ٦٥.
(٥) النساء ١٠٢.
(٦) النساء ١٠٢.