الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
وقال مالك : لا يؤمّ في جمعة ولا عيد (١).
وحكي عن الأوزاعي : أربعة لا يؤمّون الناس ، فذكر العبد إلاّ أن يؤمّ أهله (٢).
وللشيخ قول في التهذيب : إنّ الأحوط أن لا يؤمّ العبد إلاّ أهله ، لقول علي عليهالسلام : « لا يؤمّ العبد إلاّ أهله » (٣).
وفي السند ضعف ، فالمعتمد الأول. نعم الحرّ أولى منه ، لأنّه أكمل.
وحكم المعتق بعضه ، والمكاتب والمدبّر وأمّ الولد حكم الرقّ.
مسألة ٥٧٧ : يكره أن يأتمّ الحاضر بالمسافر وبالعكس ، ولا تفسد به الصلاة ـ وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ لأنّ الأصل يقتضي الجواز. واشتمال الائتمام لكلّ منهما بصاحبه على المفارقة يقتضي الكراهة.
ولقول الصادق عليهالسلام : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلى بشيء من ذلك فأمّ قوما حاضرين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّى المسافر خلف المقيم (٥) فليتمّ صلاته ركعتين ويسلّم ، وإن صلّى معهم الظهر ، فليجعل الأوّلتين الظهر ، والأخيرتين العصر » (٦).
وقال الشافعي : يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم ، لأنّه يلزمه التمام إذا
__________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٦ ، التفريع ١ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.
(٢) حلية العلماء ٢ : ١٧٩ ، عمدة القارئ ٥ : ٢٢٥.
(٣) التهذيب ٣ : ٢٩ والحديث ١٠٢ ، ورواه أيضا في الاستبصار ١ : ٤٢٣ ـ ١٦٣١.
(٤) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦ ، المسألة ٣١١.
(٥) في المصدر : خلف قوم حضور.
(٦) التهذيب ٣ : ١٦٤ ـ ٣٥٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ـ ١٦٤٣.
صلّى خلفه ، ويكره أن يصلّي المقيم خلف المسافر (١).
ويمنع جواز التمام ، لأنّ القصر عندنا عزيمة على ما يأتي (٢).
ولو أتمّ المسافر الإمام الصلاة ، لم يجز عندنا ، خلافا للجمهور (٣).
وقال أحمد في رواية : لو أتمّ الإمام ، لم تجز صلاة المأموم ، لأنّ الزيادة نفل أمّ بها مفترضين (٤).
والأصل عندنا باطل. نعم لو كان المسافر في أحد الأماكن التي يستحب فيها التمام فأتمّ ، صحّت صلاته وصلاة المأمومين خلفه ، لأنّ المأتي بها فرض بكمالها على ما يأتي.
إذا عرفت هذا ، فإنّما يكره ائتمام أحدهما بصاحبه ، لمكان المفارقة ، فلو لم تحصل ، زالت الكراهة ، كما في المغرب والغداة.
مسألة ٥٧٨ : يكره أن يأتمّ المتوضّئ بالمتيمّم ، فإن فعل صحّ بلا خلاف نعلمه ، إلاّ من محمّد بن الحسن ، فإنّه منعه استحبابا (٥) ، لأنّ عمرو ابن العاص صلّى بأصحابه متيمّما ، وبلغ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم ينكره (٦).
وأمّ ابن عباس أصحابه متيمّما وفيهم عمّار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم ينكروه (٧).
ولأنّه متطهّر طهارة صحيحة ، فأشبه المتوضّئ.
__________________
(١) حكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٦١ ، المسألة ٣١١ ، وانظر : الأم ١ : ١٦٣.
(٢) يأتي في المسألة ٦١٢.
(٣) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٣ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.
(٤) المغني ٢ : ٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤.
(٥) المبسوط للسرخسي ١ : ١١١ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، عمدة القارئ ٤ : ٢٤.
(٦) سنن أبي داود ١ : ٩٢ ـ ٣٣٤ ، ونقله أيضا ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢.
(٧) نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢ ، وانظر : صحيح البخاري ١ : ٩٣.
وأمّا الكراهة : فلنقص طهارته.
ولقول علي عليهالسلام : « لا يؤمّ المقيّد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ، ولا صاحب التيمّم المتوضّئين » (١).
وإنّما قلنا بالكراهة ، لضعف السند.
فروع :
أ : يجوز للطاهر أن تأتم بالمستحاضة ، لأنّها متطهّرة ، فأشبهت المتيمّم.
وللشافعي وجهان (٢).
ومنع أبو حنيفة وأحمد ، لأنّها تصلّي مع خروج الحدث من غير طهارة (٣).
وهو ممنوع ، وأجمعوا على أنّه يجوز للغاسل رجليه أن يأتمّ بمن مسح على خفّيه (٤).
ب : يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس ، لأنّه متطهّر ، والحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم ، خلافا لأحمد (٥).
ج : يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة ، لأنّه كالمتيمّم ، خلافا لبعض الجمهور (٦).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ـ ٩٤.
(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.
(٣) اللباب ١ : ٨٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.
(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٤ ، ونقله أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣.
(٥) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠.
(٦) المغني ٢ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٠ ـ ٤١.
وللشافعي في ائتمام الطاهر بالمجروح وجهان (١).
د : لا يجوز للمتوضّئ ولا للمتيمّم الائتمام بعادم الماء والتراب ، سواء أوجبنا عليه الصلاة أو لا ، لأنّه غير متطهّر مطلقا.
هـ : قال الشيخ : يجوز للمكتسي أن يأتمّ بالعريان ، وبه قال الشافعي ، خلافا لأبي حنيفة (٢).
وعندي فيه إشكال ، لأنّ العاري إمّا أن يصلّي قاعدا ، فلا يجوز الائتمام به ، أو قائما مومئا ، فلا يصح الائتمام به ، لإخلاله بالركوع والسجود.
نعم لو كان المكتسي يصلّي بالإيماء لمرض ، جاز أن يأتمّ بالعريان حينئذ.
وكذلك لا يجوز للقادر على الاستقبال الائتمام بالعاجز عنه. ويصح لكلّ من هؤلاء الائتمام بمثله.
و : لو صلّت الحرّة خلف أمة مكشوفة الرأس ، صحّت صلاتها ، لعدم وجوب سترة عليها. فإذا أعتقت في الأثناء ، فإن كانت السترة قريبا منها ، أخذتها ، وأتمّت الصلاة إن لم يحصل عمل كثير ، وإن حصل أو احتاجت إلى الاستدبار ، استأنفت ، وتنوي المأمومة المفارقة. وكذا العريان يجد السترة في الأثناء ، وبه قال الشافعي (٣).
وقال أبو حنيفة : العريان إذا وجد السترة ، بطلت صلاته واستأنفها (٤).
مسألة ٥٧٩ : يكره أن يؤمّ قوما وهم له كارهون ، لقوله عليهالسلام : ( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم : العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة
__________________
(١) المجموع ٤ : ٢٦٣ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.
(٢) الخلاف ١ : ٥٤٥ ، المسألة ٢٨٣ ، وانظر : المجموع ٣ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٧ ، اللباب ١ : ٨٢.
(٣) المجموع ٣ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٠٢ و ١٠٣.
(٤) اللباب ١ : ٨٦ ـ ٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٦٠.
باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام أمّ قوما وهم له كارهون ) (١).
وقال علي عليهالسلام ، لرجل أمّ قوما وهم له كارهون : « إنّك لخروط (٢) » (٣).
والأقرب : أنه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك ، لم تكره إمامته ، والإثم على من كرهه ، وإلاّ كرهت.
المطلب الرابع : في ترجيح الأئمّة
مسألة ٥٨٠ : إذا حضر إمام الأصل ، لم يجز لأحد التقدّم عليه ، وتعيّن هو للإمامة ، لأنّ له الرئاسة العامة ، وقال الله تعالى ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٤) وقال تعالى ( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) (٥) وهو خليفته ، فتكون له هذه المرتبة (٦).
أمّا مع العذر فإنّه يجوز أن يستنيب من شاء ، أو يختار المأمومون من هو بالشرائط.
إذا ثبت هذا ، فغير إمام الأصل تحصل فيه الأولويّة بأمور :
ا : القراءة.
ب : الفقه.
ج : السنّ.
د : الأقدم هجرة.
__________________
(١) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ و ٤٠٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٣ ـ ٣٦٠.
(٢) الخروط : الذي يتهوّر في الأمور ويركب رأسه في كلّ ما يريد جهلا وقلّة معرفة. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٣ « خرط ».
(٣) مصنف ابن أبي شيبة ١ : ٤٠٧ ، كنز العمال ٨ : ٢٧٣ ـ ٢٢٨٨٩.
(٤) النساء : ٥٩.
(٥) الحجرات : ١.
(٦) في نسخة « ش » : المنزلة.
هـ : الأصبح وجها ، وعند الشافعي عوضه : الأشرف نسبا (١).
و: صاحب المنزل والمسجد.
وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
مسألة ٥٨١ : إذا تعدّدت الأئمّة ، قدّم من يختاره المأمومون ـ لما تقدّم ـ إذا كان بصفات الإمام. ولو اختلف المأمومون ، قدّم اختيار الأكثر. فإن تساووا ، فلعلمائنا قولان : أحدهما : أنّه يقدّم الأقرأ (٢) ـ وبه قال ابن سيرين والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر (٣) ـ لقوله عليهالسلام : ( يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّا ) (٤).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يتقدّم القوم أقرؤهم للقرآن » (٥).
ولأنّ القراءة ركن في الصلاة ، فكان القادر عليها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه.
وقال بعض علمائنا : يقدّم الأفقه على الأقرأ (٦) ـ وبه قال عطاء ومالك
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٩.
(٢) وهو اختيار المحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضا عن أكثر الأصحاب.
(٣) المغني ٢ : ١٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.
(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣١٣ ـ ٩٨٠ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٤ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٥.
(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ الباب ٢٠ ، الحديث ٢.
(٦) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٧٨ ما نصّه : والمخالف إنّما هو من لا نعرفه من علمائنا .. ويكفيك أنّ الشهيد لم يعرفه حيث قال : ونقل عن بعض الأصحاب .. وإنّما عرف الخلاف من بعض متأخري المتأخرين.
والأوزاعي والشافعي وأبو ثور (١) ـ إذا كان يقرأ ما يحتاج إليه في الصلاة صحيحا ، لأنّ القراءة التي يحتاج إليها في الصلاة محصورة وهو يحفظها ، وما يحتاج إليه من الفقه غير محصور ، فإنه قد ينوبه في الصلاة أمر يحتاج إلى الفقه في معرفته فكان أولى كالإمامة الكبرى والحكم.
ثم تأوّلوا الخبر : بأنّ الصحابة كانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحكامه.
قال ابن مسعود : كنّا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها ، فكان أقرؤهم لكتاب الله أفقههم (٢).
والاعتراض : اللفظ عام ، فالعبرة به لا بخصوص السبب ، وتتمّة الحديث تنافيه ، وهو : قوله عليهالسلام : ( فإن استووا فأعلمهم بالسنّة ).
إذا ثبت هذا فإنّ أحد القارئين يترجّح على الآخر بكثرة القرآن ، فإن تساويا في قدر ما يحفظ كلّ منهما وكان أحدهما أجود قراءة وإعرابا ، فهو أولى ، لأنّه أقرأ ، وإن كان أحدهما أكثر حفظا ، والآخر أجود قراءة ، فهو أولى ، والوجه أن المراد من قوله عليهالسلام : ( أقرؤهم ) : أجودهم قراءة.
مسألة ٥٨٢ : إذا تساووا في القراءة ، قدّم الأفقه عند أكثر علمائنا (٣) ـ وهو قول الجمهور (٤) ـ لقوله عليهالسلام : ( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة ) (٥).
__________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٨٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧ ، المغني ٢ : ١٦ ـ ١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨.
(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ١٨.
(٣) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ١٥٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٤ ونقله أيضا عن الشيخ المفيد.
(٤) المغني ٢ : ١٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٧.
(٥) أوعزنا إلى مصادره في المسألة السابقة (٥٨١).
ولأنّ الفقه يحتاج إليه في الصلاة في جميع أفعالها للإتيان بواجباتها وسننها ، وجبرها إن عرض ما يحوج إليه ، والعلم بالسنّة أهمّ من السنّ ، للاحتياج إليه في تدبير الصلاة ، بخلاف السنّ.
وقال المرتضى : يقدّم الأسنّ ثم الأعلم بالسنّة (١) ، لما رواه مالك بن الحويرث وصاحبه قال : ( يؤمّكما أكبركما ) (٢).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن تساووا ، فأقدمهم هجرة ، فإن تساووا ، فأسنّهم ، فإن كانوا سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة » (٣).
ولا حجّة في الأول ، لإمكان علمه عليهالسلام بتساويهما إلاّ في السنّ.
والثاني يدلّ على الجواز ، ونحن نقول به ، والخلاف في الأولويّة.
إذا ثبت هذا ، فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ على الأول ، للحديث ، والأفقه على الثاني ، لتميّزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة.
فإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة والآخر أعرف بما سواها ، فالأعلم بأحكام الصلاة أولى ، لأنّ علمه يؤثّر في تكميل الصلاة ، بخلاف الآخر.
مسألة ٥٨٣ : إذا تساووا في الفقه ، قدّم أقدمهم هجرة ، والمراد به : سبق الإسلام ، أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته ، فيقدّم بذلك ، سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده.
__________________
(١) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.
(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ـ ٢٩٣ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن أبي داود ١ : ١٦١ ـ ٥٨٩.
(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.
وقوله عليهالسلام : ( لا هجرة بعد الفتح ) (١) أراد أنه لا تجب ، لقوة الإسلام ، والتمكّن من إظهار شعائره في بلد الشرك ، لأنّ الهجرة قربة وطاعة ، فقدّم السابق إليها ، لسبقه إلى الطاعة.
ولقول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : يؤمّ القوم أقرؤهم ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّا » (٢).
وللشيخ قول : إنّه يقدّم بعد التساوي في الفقه : الأشرف ، فإن تساويا في الشرف ، قدّم الأقدم هجرة (٣) ـ وبه قال الشافعي في القديم (٤) ـ لقوله عليهالسلام : ( الأئمّة من قريش ) (٥).
والمراد : الإمامة الكبرى ، فلا تعتبر في الصغرى كالشجاعة.
مسألة ٥٨٤ : فإن تساووا في الهجرة إمّا لهجرتهما معا أو لعدمها فيهما ، قدّم الأسنّ ، لحديث الصادق عليهالسلام (٦).
ولأنّ الأسنّ أحقّ بالتوقير والإعظام والتقدّم ، فكان له مزية في استحقاق التقدّم في الإمامة.
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ١٨ ، سنن الترمذي ٤ : ١٤٨ ـ ١٥٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٦ و ٢ : ٢١٥ و ٣ : ٢٢ و ٤٦٨ و ٥ : ١٨٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٣٩ ، متن عمدة الأحكام : ١٠١ ـ ١٠٢ ـ ٢٧٣.
(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.
(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧.
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.
(٥) مسند أحمد ٣ : ١٢٩ و ١٨٣ و ٤ : ٤٢١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢١.
(٦) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.
وهذا قول أكثر العلماء ، وهو قول الشافعي في القديم (١) ، لقوله عليهالسلام : ( فإن استووا في الهجرة ، فأقدمهم سنّا ) (٢).
وقال في الجديد : إذا تساووا في الفقه والشرف ، قدّم الأسنّ ، فإن تساووا ، قدّم الأقدم هجرة (٣) ، لقوله عليهالسلام ، لمالك بن الحويرث : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم ) (٤).
وقد بيّنا أنّه حكاية حال.
مسألة ٥٨٥ : إذا تساووا في ذلك ، قال الشيخان : يقدّم الأصبح وجها (٥). ورواه المرتضى رواية (٦).
ونقله بعض الشافعية عن بعض المتقدّمين ، ثم اختلف الشافعية في تفسيره ، فقال بعضهم : أراد أحسنهم صورة ، لأنّ ذلك فضيلة كالنسب.
وقال آخرون : إنّما أراد بذلك أحسنهم ذكرا بين الناس (٧). والأخير أحسن.
إذا ثبت هذا ، فإن تساووا في ذلك كلّه ، قدّم أشرفهم ، أي : أعلاهم نسبا ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدرا ، فإن استووا في هذه الخصال ، قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة ، لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من أمّ قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم
__________________
(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، معالم السنن للخطابي ١ : ٣٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.
(٢) سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٢.
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٥ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٤.
(٤) صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٤.
(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٥٧ ، وحكاه عنهما أيضا المحقق في المعتبر : ٢٤٤.
(٦) جمل العلم والعمل ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٤٠ ، ونقله عن مصباحه المحقق في المعتبر : ٢٤٤.
(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٦ ، المجموع ٤ : ٢٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٨.
إلى السفال إلى يوم القيامة ) (١).
والأقوى عندي تقديم هذا على الأشرف ، لأنّ شرف الدين خير من شرف الدنيا.
فإن استووا في ذلك كلّه ، فالأقرب القرعة ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّ سعد ابن أبي وقاص أقرع بينهم في الأذان (٣) ، فالإمامة أولى.
ولأنّهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذّر الجمع ، فأقرع بينهم ، كسائر الحقوق.
وهذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط ولا إيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز ، ولا نعلم فيه خلافا.
مسألة ٥٨٦ : صاحب المنزل أولى بالإمامة فيه من غيره وإن كان فيهم من هو أقرأ منه وأفقه ، إذا كان ممّن يمكنه إمامتهم وتصح صلاتهم وراءه ، ولا نعلم فيه خلافا بين العلماء ، لقوله عليهالسلام : ( لا يؤمّن الرجل في بيته ولا في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلاّ بإذنه ) (٤).
والمراد بالتكرمة : الفراش. وقيل : المائدة.
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه » (٥).
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ١١٠٢ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٤ ، عقاب الأعمال : ٢٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ـ ١٩٤.
(٢) المغني ٢ : ٢١ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٠ ، الانصاف ٢ : ٢٤٧.
(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٩ ، سنن البيهقي ١ : ٤٢٨ و ٤٢٩ ، إرشاد الساري ٢ : ٩ ، عمدة القارئ ٥ : ١٢٤ ، المغني ١ : ٤٧٨.
(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ـ ٦٧٣ ، سنن الترمذي ١ : ٤٥٩ ـ ٢٣٥ و ٥ : ٩٩ ـ ٢٧٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ـ ٥٨٢ ، سنن النسائي ٢ : ٧٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١١٩ و ١٢٥.
(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ ـ ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ـ ٣٢ ـ ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ٢.
ولو كان في البيت سلطان الحق أو نائبه ، فهو أولى ، لأنّه حاكم على صاحب البيت وغيره ، وأمّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عتبان (١) بن مالك وأنسا في بيوتهما (٢).
مسألة ٥٨٧ : إمام المسجد الراتب أولى من غيره ، لأنّه في معنى صاحب البيت والسلطان.
ولقوله عليهالسلام : ( من زار قوما فلا يؤمّهم ) (٣) وهو عام في المسجد كالمنزل.
ولأنّ تقديم غيره يورث وحشة.
والوالي من قبل العادل أحقّ ، لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له ، فمن إمام المسجد أولى.
والولي وإن كان أحقّ من الوالي في الصلاة على الميّت فليس أولى هنا ، لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة ، والسلطان لا يشارك في ذلك ، وهنا يستحقّ بضرب من الولاية على الدار والمسجد ، والسلطان أقوى ولاية وأعم.
ولأنّ الصلاة على الميّت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنوّ ، وهو مختص بالقرابة.
فروع :
أ : لو أذن السلطان لغيره ، جاز وكان أولى من غيره ، وكذا صاحب المنزل لو أذن لبعض الحاضرين.
__________________
(١) في النسخة الحجرية والنسختين الخطيتين « ش ، م » المعتمدتين في التحقيق : غسّان. وما أثبتناه هو الصحيح. أنظر : أسد الغابة ٣ : ٣٥٩ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٨٦ ، وانظر أيضا المصادر الحديثية التالية.
(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٥٥ ( باب الرخصة في التخلّف عن الجماعة بعذر ) و ٤٥٧ ـ ٦٥٨ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٠ و ١٧٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ و ٨٦ ، موطإ مالك ١ : ١٧٢ ـ ٨٦ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٦ ـ ٦١٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٩٦.
(٣) سنن أبي داود ١ : ١٦٣ ـ ٥٩٦ ، سنن الترمذي ٢ : ١٨٧ ـ ٣٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٢٦.
ب : لو دخل السلطان بلدا فيه خليفة فهو أولى من خليفته ، لعموم ولايته.
ج : لو اجتمع العبد وسيّده في بيت العبد ، فالسيد أولى ، لأنّه صاحب البيت. ولو اجتمع العبد وغير سيّده ، فالعبد أولى.
د : لو اجتمع المالك والمستأجر في الدار المؤجرة ، فالمستأجر أولى ، لأنّه أحقّ بالمنفعة والاستيلاء.
هـ : لو كان المستحقّ ممّن لا تصح الصلاة خلفه فقدّم غيره ممّن تصح الصلاة خلفه ، فالأقرب : أنّه أولى.
و : كلّ موضع حضره الإمام الأعظم أو النائب من جهته ، فهو أولى بالصلاة من غيره ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمّة ما حضروا موضعا إلاّ وأمّوا بالناس.
ز : لو اجتمع المكاتب والسيّد في دار المكاتب ، فالمكاتب أولى ، لأنّ يد السيّد قاصرة عن أملاك المكاتب.
ح : لو اجتمع المستعير والمالك ، فالأقرب : تقديم المالك ، لأنّ تسلّط المستعير ليس بتام من حيث إنّ للمالك أن يعزله متى شاء.
ط : لو حضر جماعة المسجد ، استحب أن يراسل إمامه الراتب حتى يحضر أو يستنيب. ولو كان الموضع بعيدا وخافوا فوت أول الوقت ( وأمنوا الفتنة ) (١) صلّوا جماعة.
ي : الخصال المكتسبة ، كالعلم والقراءة والورع أولى من غير المكتسبة كالسنّ وحسن الوجه.
والأورع أولى من الأعلم ، لأنّ الإمامة سفارة بين الله تعالى وبين خلقه ، وإنّما يقدّم للسفارة من له منزلة عند من ترفع الحاجة إليه ، والمنزلة عند الله
__________________
(١) بدل ما بين القوسين في « ش » : واتّفق الفقيه.
تعالى للأتقياء ، قال الله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (١).
المطلب الخامس : في الأحكام
مسألة ٥٨٨ : لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به ، لم يجز الائتمام به. فإن احتاج إلى الصلاة خلفه ، جاز أن يتابعه في الأفعال ، لكن لا ينوي الاقتداء به ، ويقرأ مع نفسه وإن كانت الصلاة جهرية ، للضرورة ، وتجزئه صلاته ، وهو قول أحمد في إحدى الروايتين. وفي الأخرى : يعيد (٢).
وهو غلط ، لأنّه أتى بأفعال الصلاة وشروطها على الكمال ، فلا تفسد بموافقة غيره في الأفعال ، كما لو لم يقصد الموافقة.
مسألة ٥٨٩ : لو كان الإمام كافرا ، فإن علم المأموم بكفره قبل الصلاة ، أعاد إجماعا ، لأنّه ائتمّ بمن لا يصح الائتمام به.
وإن علمه في الأثناء ، عدل إلى الانفراد واجبا ، فإن لم يفعل واستمرّ ، وجبت الإعادة.
وإن علم بعد الفراغ ، صحّت صلاته عند أكثر علمائنا (٣) ـ وبه قال أبو ثور والمزني (٤) ـ لأنّه فعل المأمور به ، فيخرج عن العهدة.
والثانية ظاهرة ، وأما الأولى : فلأنّه مأمور بالصلاة خلف من يظنّ إسلامه ، لا من يعلمه كذلك ، لامتناع الاطّلاع على الباطن ، فيكتفي بإصلاح الظاهر.
__________________
(١) الحجرات : ١٣.
(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٠.
(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥٠ ، المسألة ٢٩٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٦١ ، والمحقق في المعتبر : ٢٤٢.
(٤) المغني ٢ : ٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٧.
ولأنّ الصادق عليهالسلام ، سئل عن قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي ، قال : « لا يعيدون » (١).
وقال المرتضى : تجب الإعادة (٢) ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٣) ـ لأنّه ائتمّ بمن ليس من أهل الصلاة ، فلا تصح صلاته ، كما لو أئتمّ بمجنون.
وينتقض : بالمحدث ، فإنه لو أئتمّ به ، صحّت صلاته إجماعا.
إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الكفر ممّا يستسرّ به عادة ، كالزندقة أو لا ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : الفرق ، فأوجب الإعادة فيما لا يخفى ، كالتهوّد والتنصّر ، دون ما يخفى ، لمشقّة الوقوف عليه (٤).
مسألة ٥٩٠ : صلاة الكافر لا تكون إسلاما منه ما لم تسمع منه الشهادتان ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء صلّى جماعة أو فرادى ، وسواء صلّى في المسجد أو لا ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لأنّ الصلاة من فروع الإسلام ، فلا يصير مسلما بفعلها ، كالحج والصوم والاعتكاف.
ولقوله عليهالسلام : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها ) (٦).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ ـ ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ ـ ١٤١.
(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٢.
(٣) الام ١ : ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، الوجيز ١ : ٥٥ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، مختصر المزني : ٢٣ ، المغني ٢ : ٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣ ، الانصاف ٢ : ٢٥٩.
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩ ، مغني المحتاج ١ : ٢٤١.
(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢.
(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٣١ ، صحيح مسلم ١ : ٥٣ ـ ٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٧٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٤ ـ ٢٦٤٠ ، سنن الترمذي ٥ : ٣ ـ ٢٦٠٦ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٣٢ ـ ٧ ، المستدرك للحاكم ٢ : ٥٢٢.
وقال بعض الشافعية : إن صلّى في دار الإسلام ، فليس بمسلم ، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصلاة وإخفاء دينه ، وإن صلّى في دار الحرب ، فهو مسلم ، لأنّه لا تهمة في حقّه. وهو قول للشافعي (١) أيضا.
أمّا إذا أظهر التشهّد ، فالوجه : أنّه إسلام ، لأنّ الشهادة صريح في الإسلام ، وبه قال الشافعي ، وله وجه آخر : أنّه لا يحكم بإسلامه ، لاحتمال أن يكون ذلك على سبيل الحكاية (٢). وليس بصحيح.
وقال أبو حنيفة : إن صلّى إماما أو مأموما في أيّ موضع كان ، فهو إسلام بحيث لو رجع بعد الصلاة وقال : لم أسلم ، كان مرتدّا ، سواء سمع منه التشهّد أو لا ، وكذا إن صلّى منفردا في المسجد ، وإن أذّن حيث يؤذّن المسلمون ، كان إسلاما منه ، وإن حجّ وطاف ، كان إسلاما منه ، وإن صلّى منفردا في غير المسجد ، لم يكن إسلاما (٣).
وقال مالك وأحمد : يحكم بإسلامه بالصلاة بكلّ حال ، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام ، وإلاّ فهو مرتدّ ، وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام ، فهو مسلم يرثه ورثته المسلمون دون الكفّار ، لأنّها عبادة يختص بها المسلمون ، فإذا فعلها الكافر ، كان إسلاما منه ، كالشهادتين (٤).
والفرق : أنّ الشهادتين صريح في الإسلام.
وقال محمد بن الحسن : إذا صلى في المسجد منفردا أو في جماعة ،
__________________
(١) المجموع ٤ : ٢٥١ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧.
(٢) المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣.
(٣) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٧ ، المجموع ٤ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٢ و ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.
(٤) المغني ٢ : ٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٦ ـ ٣٧ ، فتح العزيز ٤ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٩.
حكم بإسلامه ، وإن صلّى منفردا في بيته ، لم يحكم بإسلامه (١).
والبحث في ظهور فسق الإمام كالبحث في ظهور كفره ، فقال المرتضى : يعيد (٢) ، وبه قال أحمد (٣).
وقال الشيخ : لا يعيد إذا كان ظاهر العدالة ، لأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم ، فتكون مجزئة (٤).
ولو علم بعض المأمومين فسقه دون بعض ، صحّت صلاة الجاهل خاصة وإن كان مستور الحال ، مقبول الشهادة عند الحاكم.
فروع :
أ : الكافر إذا أمّ المسلمين ، عزّر ، لأنّه غشّهم.
ب : لو صلّى خلف من أسلم من الكفّار ، فلمّا فرغ من صلاته قال : لم أكن أسلمت ، وإنّما تظاهرت بالإسلام ، لم يلزمه قبول قوله ، لكفره ، ولا إعادة عليه.
ج : إذا كان يعرف لرجل إسلام وارتداد ، فصلّى رجل خلفه ولم يعلم في أيّ الحالين صلّى خلفه ، لم يعد ، لأنّ الشك بعد عمل الصلاة لا يؤثر فيها.
مسألة ٥٩١ : لو كان الإمام جنبا أو محدثا ، لم تصح صلاته ، سواء علم بحدثه ، أو لا ، وتصح صلاة من خلفه إذا لم يعلم بحدثه ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، ومن التابعين : الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي
__________________
(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥٥١ ، المسألة ٢٩٢.
(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.
(٣) المغني ٢ : ٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ، الانصاف ٢ : ٢٥٣.
(٤) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٤٣.
والأوزاعي والثوري وأحمد وأبو ثور (١) ـ لأنّ أبا بكرة قال : دخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في صلاة الفجر ، فأومأ إليهم أن مكانكم ، ثم ذهب وجاء ورأسه يقطر ، فصلّى بهم (٢).
وهو يدلّ على أنّهم أحرموا معه ، لأنّه أومأ إليهم ولم يكلّمهم ، لأنّ كلام المصلّي مكروه ، وهذا وإن كان باطلا عندنا ، لكنّه ذكر للإلزام.
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليهالسلام ، وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل يؤمّ القوم وهو على غير طهر ، فلا يعلم حتى تنقضي صلاته؟ قال : « يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنّه على غير طهر » (٣).
ولأنّ المأموم لم يفرط بالائتمام به ، فلم تبطل صلاته ، كما لو سبق الإمام الحدث.
وقال الشعبي وابن سيرين وحمّاد وأصحاب الرأي : تبطل صلاة المأمومين أيضا (٤).
وقال مالك : إن كان الإمام غير عالم بحدث نفسه ، صحّت صلاة المأمومين ، وإن كان عالما ، لم تصح (٥).
وقال عطاء : إن كان حدثه جنابة ، بطلت ، وإن كان غير ذلك ، أعادوا
__________________
(١) الام ١ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٤ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٧١ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ و ٥٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦.
(٢) سنن أبي داود ١ : ٦٠ ـ ٢٣٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٩٧.
(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ ـ ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ـ ١٦٦٨.
(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٧ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥ ، المغني ١ : ٧٧٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.
(٥) المدونة الكبرى ١ : ٣٣ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٢٦٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.
في الوقت (١).
واحتجّوا : بأنّ المأموم اقتدى بمن لا صلاة له ، فتبطل صلاته ، كما لو كان الإمام كافرا أو امرأة.
وقال مالك : إذا علم الإمام بحدثه فصلّى فسق ، ولا تصح الصلاة خلف الفاسق (٢).
والأصل ممنوع ، فإنّا نحكم بصحة الصلاة مع الجهل.
والفرق مع تسليم الأصل ، لأنّه منسوب إلى التفريط بالائتمام بالمرأة والكافر ، إذ لا يجوز أن يكونا إمامين له بحال ، والجنب والمحدث يجوز أن يكونا إمامين بالتيمّم.
مسألة ٥٩٢ : لو أحدث الإمام ، فعلم المأمومون بحدثه ، وجب عليهم مفارقته ، فينوون الانفراد ، فإن تابعوه ، بطلت صلاتهم.
فإن كان حدثه قبل إكمال ركعة قبل القراءة أو بعدها ، فإن كان موضع طهارته قريبا ، أومأ إليهم ومضى وتوضّأ وعاد إلى الصلاة.
وهل ينوون الاقتداء؟ إشكال ينشأ : من جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام.
وقال الشافعي : ينوون الاقتداء (٣) ، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير إمام ثم صارت جماعة بإمام.
وإن كان بعيدا ، قال الشافعي في القديم : يصلّون لأنفسهم. فمن أصحابه من علّل : بأنّه قاله قبل أن يجوّز الاستخلاف ، لأنّه في القديم لم يجوّز الاستخلاف. ومنهم من علّل : بأنّهم يصلّون فرادى ليخرجوا من
__________________
(١) المجموع ٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٧٢.
(٢) المجموع ٤ : ٢٦٠.
(٣) انظر : المجموع ٤ : ٢٦٢.
الخلاف ، فإنّ الناس اختلفوا في الصلاة بإمامين (١).
وإن كان قد صلّى ركعة أو أكثر ، فإنّهم لا ينتظرونه عنده (٢) ، لأنّه إذا عاد وصلّى ، فإنّهم يفارقونه إذا أتمّوا صلاتهم ، وإذا لم يكن قد قرأ ، لم ينتظروه ، وكانوا على فراقه.
تذنيب : لو أدرك الإمام راكعا ، فدخل معه في الصلاة ، فلمّا فرغ أخبره أنّه كان على غير وضوء ، فالوجه : عدم القبول في بطلان صلاة المأموم.
وقال الشافعي : لا يعتدّ بتلك الركعة ، لأنّها لم تصح من الإمام ، فلا ينوب عنه في القراءة فيها ، فيأتي بركعة أخرى (٣). وليس بجيّد.
مسألة ٥٩٣ : لو أحدث الإمام أو أغمي عليه أو مات أو مرض ، قدّم هو أو المأمومون من يتمّ بهم الصلاة ، استحبابا لا وجوبا ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي في الجديد (٤) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يمكّن أبا بكر من إتمام الإمامة في الصلاة ، وخرج وهو مريض ، فأتمّ هو الصلاة بالناس (٥).
وقال الشافعي في القديم : لا يجوز (٦).
وقد تقدم البحث في ذلك في باب الجمعة (٧).
__________________
(١) حلية العلماء ٢ : ١٧٢ ، المجموع ٤ : ٢٦٢.
(٢) المجموع ٤ : ٢٦٢.
(٣) المجموع ٤ : ٢٥٨.
(٤) الشرح الصغير ١ : ١٦٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٤٥ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٦٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥٩ ، اللباب ١ : ٨٤ ، المغني ١ : ٧٧٩.
(٥) صحيح البخاري ١ : ١٦٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣١٢ ـ ٤١٨ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٧ ذيل الحديث ٣٦٢.
(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، المجموع ٤ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢٤.
(٧) تقدم في المسألة ٣٩١.