الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
الفصل الخامس : في صلاة الاستسقاء
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إذا غضب الله تعالى على امّة ثم لم ينزل بها العذاب ، غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجّارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تعذب أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلّط عليها أشرارها ) (١).
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا فشت أربعة ، ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ، ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة ، هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام في القضاء ، أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمة ، نصر المشركون على المسلمين » (٢).
مسألة ٥٠٦ : الاستسقاء مشروع بالكتاب والسنّة والإجماع.
قال الله تعالى ( وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ) (٣).
وقال تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) (٤).
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣٣٢ ـ ١٤٩٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣١٩.
(٢) الفقيه ١ : ٣٣٢ ـ ١٤٩١ ، التهذيب ٣ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ـ ٣١٨.
(٣) البقرة : ٦٠.
(٤) نوح : ١٠ و ١١.
وقال ابن عباس : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في الاستسقاء متبذلا متواضعا متضرّعا حتى أتى المصلّى (١).
وروى أنس قال : أصاب أهل المدينة قحط ، فبينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يخطب إذ قام رجل ، فقال : هلك الكراع والشاء ، فادع الله أن يسقينا ، فمدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يديه ودعا ، قال أنس : والسماء لمثل الزجاجة ، فهاجت ريح ، ثم أنشأت سحابا ، ثم اجتمع ، ثم أرسلت السماء عزاليها (٢) ، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا قبل منازلنا ، فلم تزل تمطر إلى الجمعة الأخرى ، فقام إليه الرجل أو غيره ، فقال : يا رسول الله تهدّمت البيوت واحتبس الركبان ، فادع الله أن يحبسه ، فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم قال : ( اللهم حوالينا ولا علينا ) فنظرت إلى السماء تنصدع حول المدينة كأنه إكليل (٣).
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلّى الاستسقاء ركعتين » (٤) الحديث.
وصلّى أمير المؤمنين عليهالسلام صلاة الاستسقاء ، وخطب طويلا ، ثم بكى وقال : « سيدي انصاحت جبالنا ، وأغبرت أرضنا ، وهامت دوابّنا ، وقنط ناس منّا ، وتاهت البهائم وتحيّرت في مراتعها ، وعجّت عجيج الثكلى على أولادها ، وملت الدوران في مراتعها [ حين ] (٥) حبست عنها قطر السماء ، فرقّ لذلك عظمها ، ودقّ لحمها ، وذاب شحمها ، وانقطع درّها ، اللهم ارحم أنين
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٤٥ ـ ٥٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٦٣ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٨ ـ ١١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٤.
(٢) قال ابن الأثير في النهاية ٣ : ٢٣١ نقلا عن الهروي : العزالي : جمع العزلاء ، وهو فم المزادة الأسفل ، فشبّه اتّساع المطر واندفاقه بالذي يخرج من فم المزادة.
(٣) سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ١١٧٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٦.
(٤) الفقيه ١ : ٣٣٨ ـ ١٥٠٥ ، التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٦ ، الإستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٨.
(٥) زيادة من المصدر ، ووردت في الطبعة الحجرية بعنوان نسخة بدل.
الآنة وحنين الحانة ، وارحم تحيّرها في مراتعها ، وأنينها في مرابضها » (١).
وقال الصادق عليهالسلام : « إنّ سليمان بن داود عليهالسلام ، خرج ذات يوم مع أصحابه ليستقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنّا خلق من خلقك ، لا غنى بنا عن رزقك ، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم ، فقال سليمان عليهالسلام ، لأصحابه : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم » (٢).
وأجمع المسلمون كافة على مشروعية الاستسقاء وإن اختلفوا في كيفيّته على ما يأتي.
مسألة ٥٠٧ : ويستحب فيه الصلاة عند قلّة الأمطار وغور الأنهار والآبار والجدب ، عند علمائنا كافة ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب ومكحول والشافعي وأحمد ومحمد وأبو يوسف (٣) ـ لما تقدّم من الأحاديث.
ولما رواه الجمهور عن الصادق عن الباقر عليهماالسلام : « أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأبا بكر وعمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء » (٤).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام في الاستسقاء : « يصلّي ركعتين » (٥).
وقال أبو حنيفة : لا صلاة للاستسقاء ، وإنّما هو دعاء واستغفار ، والصلاة بدعة ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم استسقى على المنبر ، ولم يصلّ
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٥٤ ـ ٣٢٨ ، مصباح المتهجد : ٤٧٧ ، الفقيه ١ : ٣٣٨ ـ ١٥٠٤.
(٢) الفقيه ١ : ٣٣٣ ـ ١٤٩٣.
(٣) الام ١ : ٢٤٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المجموع ٥ : ٦٤ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٧ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٤) مصنف عبد الرزاق ٣ : ٨٥ ـ ٤٨٩٥ ، ونقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٨٤ والشرح الكبير ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٥) التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢١.
لها (١).
وكذلك عمر استسقى بالعباس عام الرمادة (٢) ، فأخذ بضبعي العباس وأشخصه قائما ، وأومأ به نحو السماء ، فقال : اللهم إنّا جئناك نستسقيك ، ونستشفع إليك بعمّ نبيك. فما انقضى قوله والناس ينظرون إليهما وإلى السماء حتى نشأت سحابة فلم يلبث أن طبقت الأفق ثم أرسلت عزاليها ، فما رجعوا إلى رحالهم حتى بلّهم الغيث (٣) (٤).
ولا حجّة فيه ، لأنّها ليست واجبة ، والغرض بها إرسال الغيث ، فإذا حصل ، سقط سبب الاستحباب. مع أنه عليهالسلام ، لم يصلّ يوم الجمعة لاشتغاله بالجمعة ، وهذه الصلاة ليست واجبة بالإجماع.
مسألة ٥٠٨ : وهي ركعتان يقرأ في كلّ واحدة : الحمد وسورة ، ويكبّر فيهما مثل تكبير العيد ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز وسعيد ابن المسيب ومكحول والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في أشهر الروايتين (٥) ـ لأنّ الصادق عليهالسلام روى عن الباقر عليهالسلام : « أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلّون صلاة الاستسقاء ، يكبّرون فيها سبعا وخمسا » (٦).
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٣٤ و ٣٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٢ ـ ٨٩٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ١١٧٤ ، مصنف عبد الرزاق ٣ : ٩١ ـ ٤٩٠٩ و ٩٢ ـ ٤٩١١ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٣ و ٣٥٤ و ٣٥٦.
(٢) الرمادة : الهلاك. وعام الرمادة كانت سنة جدب وقحط في عهد عمر. النهاية لابن الأثير ٢ : ٢٦٢.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٢ باختصار فيهما.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، عمدة القارئ ٧ : ٢٥ ، المجموع ٥ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٣.
(٥) الام ١ : ٢٥٠ ، المجموع ٥ : ٧٤ ، اللباب ١ : ١٢١ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٣.
(٦) مصنف عبد الرزاق ٣ : ٨٥ ـ ٤٨٩٥ ، ونقله ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٨٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
وقال ابن عباس : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متبذلا ، متواضعا حتى أتى المصلّي ، فصلّى ركعتين كما يصلّي في العيد (١).
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلّى للاستسقاء ركعتين ، وبدأ بهما قبل الخطبة ، وكبّر سبعا وخمسا ، وجهر بالقراءة » (٢).
وقال مالك : يصلّي ركعتين بلا تكبير زائد ـ وهي الرواية الأخرى عن أحمد ، وقول الأوزاعي وأبي ثور وإسحاق ـ لأنّ أبا هريرة قال : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خرج للاستسقاء ، فصلّى ركعتين (٣) (٤).
وليس حجّة ، إذ لم يبيّن الكيفية ، والإطلاق لا ينافي التفصيل.
مسألة ٥٠٩ : قال الشيخ : ويقرأ فيهما أيّ سورة شاء (٥) ، لعدم والتنصيص.
ويحتمل أن يقرأ ، كما يقرأ في العيد ، لقول الصادق عليهالسلام وقد سئل عن كيفيّة صلاة الاستسقاء : « مثل صلاة العيدين » (٦).
وقال الشافعي : يقرأ في الأولى بسورة ( ق ) ، وفي الثانية ( اقتربت )
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٤٥ ـ ٥٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٦ ـ ١٥٧ و ١٦٣ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٨ ـ ١١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، مصنف عبد الرزاق ٣ : ٨٤ ـ ٤٨٩٣.
(٢) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٨.
(٣) سنن الترمذي ٢ : ٢٤٤ ـ ٥٥٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٧.
(٤) المغني ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٥ ، المدوّنة الكبرى ١ : ١٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨١ ، المجموع ٥ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٤.
(٥) النهاية : ١٣٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٣٤.
(٦) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣ ، الإستبصار ١ : ٤٥٢ ـ ١٧٥٠.
لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صنع في الاستسقاء ما صنع في الفطر والأضحى (١).
وقال بعض أصحابه : يقرأ في الثانية بسورة نوح ، لأنّ فيها ذكر الاستسقاء (٢).
وروى الجمهور عن أنس أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يقرأ ـ في العيدين والاستسقاء ـ في الأولى بفاتحة الكتاب ، وسبّح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية (٣).
مسألة ٥١٠ : ويقنت عقيب كلّ تكبيرة زائدة كما في العيد ، إلاّ أنّه يدعو هنا بالاستعطاف وسؤال الرحمة وإنزال الغيث وتوفير المياه.
وأفضل ما يقال : الأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهمالسلام ، لأنّهم أعرف بكيفيات العبادات.
مسألة ٥١١ : ويستحب الصوم لهذه الصلاة ثلاثة أيام ، فيخطب الإمام يوم الجمعة ويشعر الناس بفعلها ، ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام : السبت والأحد ويخرج بهم يوم الاثنين وهم صيام ، وإن شاء خرج بهم يوم الجمعة ، فيصوموا الأربعاء والخميس والجمعة ، عند علمائنا ، لأنّ دعاء الصائم في مظنّة الإجابة.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( دعوة الصائم لا تردّ ) (٤).
وقال حمّاد السرّاج : أرسلني محمد بن خالد إلى الصادق عليهالسلام يقول له : إنّ الناس قد كثّروا عليّ في الاستسقاء ، فما رأيك في الخروج غداً؟
__________________
(١) الام ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٥ : ٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٩٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٤.
(٢) الام ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٥ : ٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٩٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣١ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٤.
(٣) نقله ابن قدامة في المغني ٢ : ٢٨٥ عن غريب الحديث لابن قتيبة.
(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٧ ـ ١٧٥٢ و ١٧٥٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ و ٤٤٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥.
فقلت ذلك للصادق عليهالسلام ، فقال لي : « قل له : ليس الاستسقاء هكذا ، قل له : يخرج فيخطب الناس ، ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ، ويخرج بهم يوم الثالث وهم صيام » قال : فأتيت محمّدا فأخبرته بمقالة الصادق عليهالسلام ، فجاء فخطب بالناس ، وأمرهم بالصيام كما قال الصادق عليهالسلام ، فلمّا كان في اليوم الثالث أرسل إليه ما رأيك في الخروج؟ وفي رواية اخرى : أنّه أمره أن يخرج يوم الاثنين فيستسقي (١).
وقال الشافعي : يصوم ثلاثة أيام ثم يخرج يوم الرابع صائما (٢) ، لقوله عليهالسلام : ( دعوة الصائم لا تردّ ) (٣).
ولا حجّة فيه ، والأصل سقوط التكليف ، وأهل البيت عليهمالسلام أعرف بالأحكام.
مسألة ٥١٢ : ويستحب الإصحار بها إجماعا ، إلاّ من أبي حنيفة ، فإنّه قال : لا يسنّ الخروج ، لأنّ النبي عليهالسلام استسقى على المنبر يوم الجمعة (٤) (٥).
ولا يعتدّ بخلافه إلاّ بمكّة ، فإنّه يصلّى في المسجد الحرام ، لأنّ عبد الله ابن زيد قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خرج بالناس إلى المصلّى يستسقي (٦).
ومن طريق الخاصة : قول علي عليهالسلام : « مضت السنّة أنّه
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢٠.
(٢) الام ١ : ٢٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المجموع ٥ : ٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٩١ ـ ٩٢ ، مغني المحتاج ٢ : ٣٢١ ـ ٣٢٢.
(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٥٧ ـ ١٧٥٢ و ١٧٥٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ و ٤٤٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥.
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٦١٤ ـ ٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٣.
(٥) المغني ٢ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٣.
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٦١١ ـ ٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٤.
لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة » (١).
ولأنّه يستحب إخراج النساء والأطفال والبهائم ولا يحمل ذلك إلاّ المصلّى.
ولأنّهم في المصلّى في الصحراء يعلمون ما ينشأ من السحاب ، أو يجيء من المطر.
وهل يخرج المنبر معه؟ قال المرتضى : نعم (٢) ، وبه قال الشافعي (٣) ، لرواية عائشة أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أخرج المنبر (٤) ، ولم يخرجه في العيد ، بل خطب على بعيره (٥).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام لمحمد بن خالد : « يخرج المنبر ثم يخرج كما يخرج يوم العيدين ، وبين يديه المؤذّنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى إلى المصلّى صلّى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة » (٦).
وقال بعض علمائنا : لا يخرج بل يعمل شبه المنبر من طين (٧).
مسألة ٥١٣ : يستحب أن يخرج الناس حفاة على سكينة ووقار ، لأنّه أبلغ في التذلّل والخضوع.
ولقول الصادق عليهالسلام : « يخرج كما يخرج في العيدين » (٨).
__________________
(١) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٥ ، قرب الإسناد : ٦٤.
(٢) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر : ٧٢.
(٣) الام ١ : ٢٤٩.
(٤) سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ١١٧٣.
(٥) سنن البيهقي ٣ : ٢٩٨.
(٦) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ٣٢٢.
(٧) ذهب إليه ابن إدريس في السرائر : ٧٢ ، ونسبه أيضا الى بعض أصحابنا.
(٨) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ٣٢٢.
ويستحب أن يتنظّف الخارج بالماء وما يقطع الرائحة من سواك وغيره ، لئلاّ يتأذّى غيره برائحته. ولا يتطيّب ، لأنّ التطيّب للزينة وليس يوم زينة.
ويخرج في ثياب بذلته وتواضعه ولا يجدّد.
ولأنّ النبي عليهالسلام ، خرج متبذّلا متواضعا متضرّعا (١).
ويكون مشيه وجلوسه وكلامه في تواضع واستكانة.
مسألة ٥١٤ : يستحب الخروج لكافة الناس ، لأنّ اجتماع القلوب على الدعاء مظنة الإجابة.
ويخرج الإمام من كان ذا دين وصلاح وشرف (٢) وعفاف وعلم وزهد ، لأنّ دعاءهم أقرب إلى الإجابة.
ويخرج الشيوخ والعجائز والأطفال ، لأنّهم أقرب إلى الرحمة وأسرع للإجابة ، لقوله عليهالسلام : ( لو لا أطفال رضّع ، وشيوخ ركّع ، وبهائم رتّع (٣) ، لصبّ عليكم العذاب صبّا ) (٤).
وقال عليهالسلام : ( إذا بلغ الرجل ثمانين سنة ، غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ) (٥).
ولا تخرج الشواب من النساء ليؤمن الافتتان بهنّ.
ويمنع الكفّار من الخروج معهم وإن كانوا أهل ذمة ، لأنّهم مغضوب
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٤٥ ـ ٥٥٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٤ ، مسند أحمد ١ : ٣٥٥ ، المحرر في الحديث ١ : ٢٩٦ ـ ٤٩٣ ، موارد الظمآن : ١٥٩ ـ ٦٠٣.
(٢) في « م » : وستر.
(٣) رتعت الماشية : أكلت ما شاءت. الصحاح ٣ : ١٢١٦ « رتع ».
(٤) سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٤٤٣ ـ ٧٥٢٣ ، نثر الدر ١ : ١٥٣ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٢٢٧ نقلا عن البزار والطبراني في الأوسط.
(٥) مسند أحمد ٢ : ٨٩ وفيه : التسعين ، بدل ثمانين ، وفي الخصال للصدوق : ٥٤٥ ـ ٢١ بلفظ : ( من عمّر ثمانين .. ).
عليهم وليسوا أهلا للإجابة.
ولقوله تعالى ( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ ) (١).
ولأنّه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعمّ من حضرهم ، فإنّ قوم عاد استسقوا ، فأرسل الله تعالى عليهم ريحا صرصرا فأهلكتهم.
وقال إسحاق : لا بأس بإخراج أهل الذمة مع المسلمين ـ وبه قال مكحول والأوزاعي والشافعي في قول ـ لأنّ الله تعالى ضمن أرزاقهم ، كما ضمن أرزاق المؤمنين ، فجاز أن يخرجوا ليطلبوا رزقهم (٢).
وقال الشافعي وأحمد : يكره للإمام إخراجهم ، فإن خرجوا ، لم يمنعوا لكن لا يختلطون بنا (٣).
قال الشافعي : ولا أكره من اختلاط صبيانهم بنا ما أكره من اختلاط رجالهم ، لأن كفرهم تبع لآبائهم لا عن عناد واعتقاد (٤).
والحقّ ما قلناه أوّلا.
وكذا يكره إخراج المتظاهر بالفسق والخلاعة ، والمنكر من أهل الإسلام.
ويخرج معهم البهائم ، لأنّهم في مظنة الرحمة وطلب الرزق مع انتفاء الذنب.
ولقوله عليهالسلام : ( وبهائم رتّع ) (٥) فجعلها سببا في دفع العذاب.
وقال الشافعي : لا آمر بإخراجها ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم
__________________
(١) الرعد : ١٤.
(٢) الوجيز ١ : ٧٢ ، المجموع ٥ : ٧٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢٣.
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٣١ ، المجموع ٥ : ٧١ و ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٩٥ ، الام ١ : ٢٤٨ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٣.
(٤) الام ١ : ٢٤٨ ، المجموع ٥ : ٧١ و ٧٢.
(٥) تقدمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (٤) من ص ٢٠٩.
يخرجها ، فإن أخرجت فلا بأس (١).
ولا حجّة في الترك ، للاكتفاء به صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن كلّ أحد.
وقال بعض الشافعية : يخرجهم لعلّ الله أن يرحمها (٢).
ولأنّ سليمان عليهالسلام خرج ليستسقي فرأى نملة قد استلقت على ظهرها وهي تقول : اللهم إنّا خلق من خلقك ( لا غنى بنا ) (٣) عن رزقك ، فقال سليمان عليهالسلام : ارجعوا فقد سقيتم بغيركم (٤).
ويأمر السادة بإخراج عبيدهم وعجائزهم وإمائهم ليكثر الناس ، والتضرّع والاستغفار ، ويأمرهم الإمام بالخروج من المظالم ، والاستغفار من المعاصي ، والصدقة ، وترك التشاجر ليكون أقرب لإجابتهم ، فإنّ المعاصي سبب الجدب ، والطاعة سبب البركة.
قال الله تعالى ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٥).
ويفرّق بين الأطفال وأمّهاتهم ليكثروا البكاء والخشوع بين يدي الله تعالى ، فيكون أقرب للإجابة ، ويخرج هو والقوم يقدّمونه ذاكرين إلى أن ينتهوا إلى المصلّى.
مسألة ٥١٥ : ولا أذان لها ولا إقامة ، بإجماع العلماء ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلاّها ركعتين بغير أذان ولا إقامة (٦). بل يقول المؤذن : الصلاة ثلاثا.
__________________
(١) الام ١ : ٢٤٨ ، المجموع ٥ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٩٣.
(٢) قاله أبو إسحاق المروزي كما في المهذب للشيرازي ١ : ١٣١ ، وحلية العلماء ٢ : ٢٧٢.
(٣) بدل ما بين القوسين في « م » والطبعة الحجرية : وليس بنا غنى.
(٤) الفقيه ١ : ٣٣٣ ـ ١٤٩٣.
(٥) الأعراف : ٩٦.
(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٧.
وقال الشافعي وأحمد : يقول : الصلاة جامعة (١). ولا بأس بهما.
وفي أيّ وقت خرج جاز ، وصلاّها في أيّ زمان ، إذ لا وقت لها بلا خلاف.
والأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال ، لأنّ ما بعد العصر أشرف.
قال ابن عبد البرّ : الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء (٢). وهذا على سبيل الاختيار لا أنّه يتعيّن فعلها فيه.
ويجوز فعلها في الأوقات المكروهة ـ خلافا للجمهور (٣) ـ لأنّها ذات سبب ، وقد تقدّم.
مسألة ٥١٦ : وتصلّى جماعة وفرادى إجماعا ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من صلّى جماعة ثم سأل الله حاجته قضيت له ) (٤) وصلاّها عليهالسلام جماعة (٥).
وأنكر أبو حنيفة الجماعة لو صلّيت ، لأنّها نافلة (٦).
وينتقض بالعيد.
وتصح من المسافر والحاضر وأهل البوادي وغيرهم ، لأنّ الاستسقاء إنّما شرّع للحاجة إلى المطر ، والكلّ متشاركون فيه.
وإذا صلّيت جماعة ، لم يشترط إذن الإمام ـ وبه قال الشافعي وأحمد في رواية (٧) ـ لأنّ علّة تسويغها حاصلة ، فلا يشترط فيها الإذن كغيرها من النوافل.
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٣١ ، المجموع ٥ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٩٧ ، المغني ٢ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٥ ، الانصاف ٢ : ٤٥٩.
(٢) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٨٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٨٥.
(٣) المجموع ٥ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٥ ، الانصاف ٢ : ٤٥٢.
(٤) أورده المحقق في المعتبر : ٢٢٤.
(٥) انظر : سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ١٢٦٨ ، وسنن البيهقي ٣ : ٣٤٤ و ٣٤٧.
(٦) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، شرح العناية ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢.
(٧) الام ١ : ٢٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢٥ ، المغني ٢ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٧.
وفي رواية : يشترط ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يأمر بها ، وإنّما فعلها على صفة ، فلا تتعدّى (١).
ونمنع انتفاء الأمر.
مسألة ٥١٧ : إذا فرغ من الصلاة ، خطب عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك ومحمّد بن الحسن وأحمد في أشهر الروايتين (٢). قال ابن عبد البرّ : وعليه جماعة الفقهاء (٣) ـ لقول أبي هريرة : صلّى ركعتين ثم خطبنا (٤).
وقول ابن عباس : صنع في الاستسقاء كما صنع في العيدين (٥).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صلّى الاستسقاء ركعتين ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة » (٦).
وسأل هشام بن الحكم ، الصادق عليهالسلام عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العيدين يقرأ فيهما ويكبّر فيهما ، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجّده ويثني عليه ، ويجتهد في الدعاء ، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير ، ويصلّى صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام ، قلّب ثوبه ، وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي على الأيسر على الأيمن ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ،
__________________
(١) المغني ٢ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٧.
(٢) المجموع ٥ : ٨٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٤ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٥ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨١ ، اللباب ١ : ١٢١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٣ ، المغني ٢ : ٢٨٦ و ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٧ و ٢٨٨.
(٣) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٨٨.
(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ـ ١٢٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٧ ، وانظر : المغني ٢ : ٢٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٨٨.
(٥) سنن الدار قطني ٢ : ٦٨ ـ ١٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٨ ، وانظر أيضا : المغني ٢ : ٢٨٧.
(٦) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٨.
كذلك صنع » (١) والتشبيه بالعيد يستلزم التساوي في تأخير الخطبة.
ولأنّها صلاة ذات تكبير ، فأشبهت صلاة العيد في تأخير الخطبة عنها.
وقال الليث بن سعد وابن المنذر : إنّها قبل الصلاة ـ وهو مروي عن عمر وابن الزبير وأبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز لأنّ أنسا وعائشة قالا : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، خطب وصلّى (٢) (٣).
وفي رواية إسحاق بن عمار عن الصادق عليهالسلام : « الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة » (٤).
وفي إسحاق قول (٥) ، وفي طريقها أبان (٦) أيضا ، فالمعتمد الأول.
وعن أحمد رواية ثالثة : التخيير بين إيقاعها قبل الصلاة وبعدها ، لورود الأخبار بهما (٧). ولا بأس به.
وعنه رابعة : أنّه لا يخطب أصلا ، إنّما يدعو ويتضرّع ، لقول ابن عباس : لم يخطب خطبتكم هذه ، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرّع (٨) (٩).
ونحن نقول بموجبه ، فالخطبة هنا بسؤال إنزال الغيث ، وليس فيه نفي الخطبة ، بل نفي الصفة.
مسألة ٥١٨ : إذا صعد المنبر ، جلس بعد التسليم ، كما في باقي
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣.
(٢) سنن أبي داود ١ : ٣٠٤ ـ ١١٧٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٩ وفيهما رواية عائشة ، ونقله عن أنس وعائشة ابنا قدامة في المغني ٢ : ٢٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٢٨٨.
(٣) المجموع ٥ : ٩٣ ، المغني ٢ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٥.
(٤) التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ ـ ١٧٤٩.
(٥) قال المصنّف في الخلاصة : ٢٠٠ ـ ١ : والأولى عندي التوقف فيما ينفرد به.
(٦) وهو ناووسي ، راجع : الخلاصة : ٢١ ـ ٣.
(٧) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٨.
(٨) مصنف عبد الرزاق ٣ : ٨٤ ـ ٤٨٩٣ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٧.
(٩) المغني ٢ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٧.
الخطب ، ويخطب بالخطبة المرويّة عن علي عليهالسلام (١).
وهل يخطب خطبتين؟ الأقرب ذلك ، للنصّ على مساواة صلاة العيد (٢) ، وبه قال الشافعي ومالك (٣).
وعن أحمد رواية : أنه يخطب واحدة ، إذ الغرض الدعاء بإرسال الغيث ، ولا أثر لكونها خطبتين (٤). وهو ممنوع ، لزيادة المشقة.
إذا عرفت هذا ، فإن الخطب عندنا ثمانية : يوم الفطر والأضحى والاستسقاء والجمعة ، وأربع في الحج : يوم السابع من ذي الحجة بمكة ، ويوم عرفة ، ويوم النحر بمنى ، ويوم النفر الأول ، وهو ثاني أيام التشريق.
وزاد بعض علمائنا : خطبة الغدير (٥).
وقال الشافعي : عشرة. وأسقط الغدير ، وزاد الكسوف والخسوف (٦).
مسألة ٥١٩ : ويستحب للإمام أن يستقبل القبلة بعد فراغه من الصلاة ، ويكبّر الله تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يمينه ، ويسبّح الله تعالى مائة مرة ، ثم يلتفت عن يساره ويهلّل الله تعالى مائة مرة ، ثم يستدبر القبلة ويستقبل الناس ويحمد الله تعالى مائة مرة يرفع بذلك صوته والناس يتابعونه في ذلك كلّه ، لقول الصادق عليهالسلام : « ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبّر الله مائة تكبيرة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه ، فيسبّح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يساره ،
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣٣٥ ـ ١٥٠٤ ، التهذيب ٣ : ١٥١ ـ ٣٢٨ ، مصباح المتهجد : ٤٧٤ ـ ٤٧٧.
(٢) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٥٢ ـ ١٧٥٠.
(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٣١ ، المجموع ٥ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨١ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٩.
(٤) المغني ٢ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٨٩.
(٥) أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٦٠.
(٦) المجموع ٥ : ٥٢ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٩٧.
فيهلّل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس ، فيحمد الله مائة تحميدة » (١).
ولأن فيه إيفاء الجهات حقّ الاستغفار ، لأنّه لا يعلم إدراك الرحمة من أيّ جهة هو.
مسألة ٥٢٠ : واختلف علماؤنا في استحباب تقديم الخطبة على هذه الأذكار وتأخيرها ، فقال المرتضى : بالأول ، وتبعه ابن إدريس (٢).
وقال الشيخ : بالثاني (٣). وكلاهما عندي جائز.
أمّا تحويل الرداء : فإنّه قبل هذه الأذكار ، لقول الصادق عليهالسلام : « ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه ، فيجعل الذي على يمينه على يساره ، والذي على يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة فيكبّر الله مائة تكبيرة » (٤).
وفي حديث آخر عنه عليهالسلام : « فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه » (٥).
مسألة ٥٢١ : ويستحب للإمام والمأموم بعد الفراغ من الخطبة تحويل الرداء ، قاله الشيخ في المبسوط (٦).
وفي الخلاف : يستحب للإمام خاصة (٧).
وبالأول قال الشافعي وأكثر أهل العلم (٨) ، للأمر بالامتثال. والتأسّي بفعله عليهالسلام. وللمشاركة في المعنى ، وهو : التفاؤل بقلب الرداء ليقلب
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، الفقيه ١ : ٣٣٤ ـ ١٥٠٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ـ ٣٢٢.
(٢) السرائر : ٧٢ ، وحكاه ابن إدريس أيضا عن السيد المرتضى.
(٣) النهاية : ١٣٩ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥.
(٤) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ ـ ٣٢٢.
(٥) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣.
(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٣٥.
(٧) الخلاف ١ : ٦٨٨ ، المسألة ٤٦٣.
(٨) المجموع ٥ : ٨٥ ـ ٨٦ و ١٠٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٤ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٦ ، المغني ٢ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٣.
الله تعالى ما بهم من الجدب إلى الخصب.
سئل الصادق عليهالسلام ، عن تحويل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رداءه إذا استسقى ، قال : « علامة بينه وبين أصحابه تحوّل الجدب خصبا » (١).
وبالثاني قال الليث بن سعد وأبو يوسف ومحمد ، وهو مرويّ عن سعيد ابن المسيب وعروة والثوري (٢) ، لأنّه نقل أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حوّل رداءه دون أصحابه (٣).
وقال أبو حنيفة : لا يسنّ التحويل لا للإمام ولا للمأموم ، لأنّه دعاء ، فلم يستحب فيه تغيير الثياب كسائر الأدعية (٤).
والقياس لا يعارض النصّ ، خصوصا مع منع العلّيّة.
مسألة ٥٢٢ : وصفة التقليب أن يجعل ما على اليمين على اليسار وبالعكس ، سواء كان مربّعا أو مقوّرا (٥) عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وأحمد ومالك والشافعي (٦) ـ أولا ، لأنّ عبد الله بن زيد قال : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حوّل رداءه ، وجعل عطافه
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٦٣ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٣٣٨ ـ ٥٠٦ ، علل الشرائع : ٣٤٦ ، الباب ٥٥ الحديث ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٠ ـ ٣٢٤.
(٢) المجموع ٥ : ١٠٣ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، المغني ٢ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٦ ، اللباب ١ : ١٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٩ ، شرح العناية ٢ : ٦١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٤.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١١ ـ ٨٩٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣٦٠ ، سنن النسائي ٣ : ١٥٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٣ ـ ١١٦٦ و ١١٦٧ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٦ ـ ٢ ـ ٤ و ٦٧ ـ ٥ و ٦ و ٨.
(٤) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٩ ، شرح العناية ٢ : ٦١ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٤ ، المجموع ٥ : ١٠٣ ، الميزان للشعراني ١ : ٢٠٠ ، المغني ٢ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٣.
(٥) التقوير : التدوير ، وقوّره : قطعه مدوّرا. الصحاح ٢ : ٧٩٩ « قور ».
(٦) المغني ٢ : ٢٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٤ ، المجموع ٥ : ٨٥ ـ ٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٣ ، المدونة الكبرى ١ : ١٦٦ ، بلغة السالك ١ : ١٩٢.
الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن (١).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام : « فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر ، والذي على الأيسر على الأيمن ، فإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كذلك صنع » (٢).
وقال الشافعي : إن كان مقوّرا فكذلك ، وإن كان مربّعا فقولان : أحدهما : ذلك ، والثاني : أنّه يجعل طرفه الأسفل الذي على شقّه الأيسر على عاتقه الأيمن ، وطرفه الأسفل الذي على شقّه الأيمن على عاتقه الأيسر (٣) ، لأنّ النبي عليهالسلام ، كان عليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها ، فلمّا ثقلت عليه جعل العطاف الذي على الأيسر على عاتقه الأيمن والذي على الأيمن على عاتقه الأيسر (٤).
والزيادة ظنّ الراوي ، وقد نقل تحويل الرداء جماعة لم ينقل أحد منهم النكس ، ويبعد أن يترك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذلك في جميع الأوقات ، لنقل الرداء.
وقال إمام الحرمين : يقلب أسفل الرداء إلى الأعلى ، وما على اليمين على اليسار ، وما كان باطنا يلي الثياب ظاهرا (٥).
وجمع الثلاثة غير ممكن بل الممكن اثنان لا غير.
مسألة ٥٢٣ : ويكثر من الاستغفار والتضرّع إلى الله تعالى ، والاعتراف بالذنب ، وطلب المغفرة والرحمة ، والصدقة.
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥٠ وفيهما : عن عباد بن تميم عن عمّه. وعمّه عبد الله بن زيد. انظر : أسد الغابة ٣ : ١٦٨ والإصابة ٢ : ٢٦٤ و ٣١٢.
(٢) الكافي ٣ : ٤٦٢ ـ ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٩ ـ ٣٢٣.
(٣) المجموع ٥ : ٨٥ ـ ٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٠٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢٥.
(٤) سنن أبي داود ١ : ٣٠٢ ـ ١١٦٤ ، مسند أحمد ٤ : ٤٢ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٥١ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٧.
(٥) فتح العزيز ٥ : ١٠٤.
قال الله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (١).
وقال حكاية عن آدم عليهالسلام( رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٢).
وعن نوح عليهالسلام( وَإِلاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ) (٣).
وعن يونس عليهالسلام( فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ) (٤).
وعن موسى عليهالسلام( إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٥).
ولأنّ المعاصي سبب انقطاع الغيث ، والاستغفار يمحو المعاصي المانعة من الغيث ، فيأتي الله تعالى به.
ويصلّي على النبي وعلى آله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقول علي عليهالسلام : « إذا سألتم الله تعالى فصلّوا على النبي وآله ، فإنّ الله سبحانه وتعالى إذا سئل عن حاجتين يستحي أن يقضي إحداهما دون الأخرى » (٦).
مسألة ٥٢٤ : إذا تأخّرت الإجابة ، استحب الخروج ثانيا وثالثا وهكذا ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك وأحمد والشافعي (٧) ـ لقوله عليه
__________________
(١) الأعلى : ١٤ و ١٥.
(٢) الأعراف : ٢٣.
(٣) هود : ٤٧.
(٤) الأنبياء : ٨٧.
(٥) القصص : ١٦.
(٦) نهج البلاغة ٣ : ٢٣٨ رقم ٣٦١.
(٧) الكافي في فقه أهل المدينة : ٨١ ، الشرح الصغير ١ : ١٩١ ، المغني ٢ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٦ ، المجموع ٥ : ٨٨ ، الوجيز ١ : ٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٨٩.
السلام : ( إنّ الله يحب الملحّين في الدعاء ) (١).
ولأنّ سبب ابتداء الصلاة باق ، فيبقى الاستحباب. ولأنّه أبلغ في الدعاء والتضرّع.
وأنكر إسحاق الخروج ثانيا ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم يخرج إلاّ مرة ، ولكن يجتمعون في مساجدهم ، فإذا فرغوا من الصلاة ، ذكروا الله تعالى ، ودعوا ، ويدعو الإمام يوم الجمعة على المنبر ويؤمّن الناس (٢).
وليس حجّة ، لاستغناء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن المعاودة بإجابته أول مرة.
إذا ثبت هذا ، فإنّ الخروج ثانيا كالخروج أوّلا ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : يعودون من الغد للصلاة ، وتوالى الصلاة يوما بعد يوم (٣). ولو فعل ذلك جاز.
مسألة ٥٢٥ : لو تأهّبوا للخروج فسقوا قبل خروجهم ، لم يخرجوا. وكذا لو سقوا قبل الصلاة لم يصلّوا ، لحصول الغرض بالصلاة.
نعم تستحب صلاة الشكر ، ويسألون زيادته ، وعموم خلقه بالغيث.
وكذا لو سقوا عقيب الصلاة ، وهو أصح وجهي الشافعي (٤).
ويستحب الدعاء عند نزول الغيث ، لقوله عليهالسلام : ( اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث : التقاء الجيوش ، وإقامة الصلاة ، ونزول الغيث ) (٥).
وإذا كثر الغيث وخافوا ضرره ، دعوا الله تعالى أن يخفّفه ، ويصرف
__________________
(١) الكامل لابن عدي ٧ : ٢٦٢١ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٢٨٦ ـ ١٨٧٦.
(٢) المغني ٢ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٩٦.
(٣) المجموع ٥ : ٨٨ ، فتح العزيز ٥ : ٩٠.
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٣٢ ، المجموع ٥ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٩٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٢١.
(٥) كنز العمال ٢ : ١٠٢ ـ ٣٣٣٩.