تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن كفار مكة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) خائن (كَفُورٍ (٣٨)) كافر بالله.

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) أى أذن للمؤمنين بالقتال مع كفار مكة (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ظلمهم كفار مكة (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ) على نصر المؤمنين على عدوهم (لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أخرجهم كفار مكة من منازلهم (بِغَيْرِ حَقٍ) بلا حق ولا جرم (إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) إلا لقولهم لا إله إلا الله محمد رسول الله (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أى يدفع بالنبيين عن المؤمنين ، وبالمؤمنين عن الكافرين ، وبالمجاهدين عن القاعدين بغير عذر ولو لا ذلك (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ) أى صوامع الرهبان (وَبِيَعٌ) كنائس اليهود (وَصَلَواتٌ) بيت نار المجوس لأن كل هؤلاء فى مأمن المسلمين (وَمَساجِدُ) للمسلمين (يُذْكَرُ فِيهَا) أى فى المساجد (اسْمُ اللهِ) بالتكبير والتهليل (كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ) على عدوه (مَنْ يَنْصُرُهُ) من ينصر نبيه بالجهاد (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) بنصرة نبيه ، ونصرة من ينصر نبيه (عَزِيزٌ (٤٠)) بالنقمة من أعدائه.

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠))

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) أنزلناهم فى أرض مكة (أَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَآتَوُا الزَّكاةَ) أعطوا زكاة أموالهم (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ) بالتوحيد واتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الكفر والشرك ومخالفة الرسول (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)) وإلى الله ترجع عواقب الأمور فى الآخرة (وَإِنْ

٤١

يُكَذِّبُوكَ) يا محمد قريش (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا (وَعادٌ) قوم هود هودا (وَثَمُودُ (٤٢)) قوم صالح صالحا (وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ) إبراهيم (وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣)) لوطا (وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) قوم شعيب شعيبا (وَكُذِّبَ مُوسى) أى كذبه قومه القبط (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) فأمهلت للكافرين فى كفرهم إلى الأجل (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعقوبة (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤)) انظر يا محمد كيف كان تغييرى عليهم بالعقوبة (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) كم من أهل قرية (أَهْلَكْناها) بالعذاب (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أهلها مشركة كافرة (فَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة (عَلى عُرُوشِها) على سقوفها (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) وكم من بئر معطلة عطلها أربابها ليس عليها أحد (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥)) حصين طويل ليس فيه ساكن ، إن قرئت بنصب الميم ، ويقال : مجصص إن قرأت بضم الميم وتشديد الياء (١) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أفلم يسافر أهل مكة فى تجارتهم (فَتَكُونَ) أى فتصير (لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) الحق وما صنع بغيرهم إذا نظروا وتفكروا فيها (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) الحق والتخويف (فَإِنَّها) يعنى النظرة بغير عبرة ، ويقال : كلمة الشرك (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) من النظر (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)) من الحق والهدى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمد (بِالْعَذابِ) استعجله النضر بن الحارث قبل أجله (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) بالعذاب (وَإِنَّ يَوْماً) من الذى وعد فيه عذابهم (عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)) من سنى الدنيا (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) وكم من أهل قرية (أَمْلَيْتُ لَها) أمهلتها إلى أجل (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أى مشركة كافرة أهلها (ثُمَّ أَخَذْتُها) عاقبتها فى الدنيا (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨)) المرجع فى الآخرة (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (إِنَّما أَنَا لَكُمْ) من الله (نَذِيرٌ) رسول مخوف (مُبِينٌ (٤٩)) بلغة تعلمونها (فَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أى الخيرات فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم فى الدنيا (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠)) ثواب حسن فى الجنة.

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ١٢٥) ، والقرطبى (١٢ / ٧٢).

٤٢

قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠))

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) أى كذبوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (مُعاجِزِينَ) أى ليسوا بفائتين من عذابنا (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١)) أهل النار (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْ رَسُولٍ) مرسل (وَلا نَبِيٍ) محدث ليس بمرسل (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) قرأ الرسول أو حدث النبى (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فى قراءة الرسول ، وحديث النبى (١)(فَيَنْسَخُ اللهُ) يبين الله (ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) على لسان نبيه لكى لا يعمل به (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ) يبين (آياتِهِ) لنبيه لكى يعمل بها (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يلقى الشيطان على لسان نبيه (حَكِيمٌ (٥٢)) فى أمره (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) على لسان نبيه (فِتْنَةً) بلية (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أى شك وخلاف لكى يعملوا به (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) من ذكر الله (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) أى المشركين الوليد بن المغيرة وأصحابه (لَفِي شِقاقٍ) خلاف ومعاداة (بَعِيدٍ (٥٣)) عن الحق والهدى (وَلِيَعْلَمَ) ولكى يعلم تبيان الله (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم بالقرآن والتوراة عبد الله بن سلام وأصحابه (أَنَّهُ) يعنى تبيان الحق هو (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) فيصدقوا بتبيان الله (فَتُخْبِتَ لَهُ) فتخلص له وتقلبه ، يعنى تبيان الله (قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ) حافظ (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤)) إلى دين قائم يرضاه وهو الإسلام (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا)

__________________

(١) انظر سبب نزول ورواية المفسرين لقصة الغرانيق ما بين مؤيد وشاكر ، والصحيح أنه ليست فيها رواية صحيحة ، تفسير الطبرى (١٧ / ١٣٤) ، وتفسير ابن كثير (٣ / ٢٢٩) ، الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٩٠) ، والدر المنثور (٤ / ٦٦) ، وحديث الغرانيق للألبانى.

٤٣

بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، الوليد بن المغيرة وأصحابه (فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) فى شك من القرآن ولكن أنظرهم يا محمد (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) قيام السّاعة (بَغْتَةً) فجاءة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥)) لا فرج فيه وهو يوم بدر.

(الْمُلْكُ) القضاء (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) يقضى بين المؤمنين والكافرين (فَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦)) يكرمون بالتحف (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧)) يهانون به ، ويقال : شديد (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله من مكة إلى المدينة (ثُمَّ قُتِلُوا) قتلهم العدو فى سبيل الله (أَوْ ماتُوا) فى سفر أو حضر (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) ثوابا حسنا فى الجنة لأمواتهم وغنائم حلالا طيبا لأحيائهم (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨)) أفضل المطيعين فى الدنيا والآخرة (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) لأنفسهم ، ويقال : يقبلونه ، يعنى الجنة (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بثوابهم وكرامتهم (حَلِيمٌ (٥٩)) بتأخير عقوبة من قتلهم (ذلِكَ) هذا قضاء الله فيما بين المؤمنين والكافرين فى الآخرة (وَمَنْ عاقَبَ) قاتل وليه (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أى وليه (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) ثم تطاول عليه بظلم (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) يعنى المظلوم على الظالم ، فيقتله ولا يأخذ منه الدية ، وهو رجل قتل وليه فأخذ من قاتل وليه الدية ، ثم بغى عليه فقتله أيضا فيقتل ولا يأخذ منه الدية (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) متجاوز لمن تاب (غَفُورٌ (٦٠)) لمن مات على التوبة.

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ (٦٦) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً

٤٤

مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠))

(ذلِكَ) عقوبة من بغى على أخيه (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يزيد الليل على النهار فيكون النهار أطول من الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يزيد النهار على الليل فيكون الليل أطول من النهار (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالة خلقه (بَصِيرٌ (٦١)) بأعمالهم (ذلِكَ) القدرة لتقروا وتعلموا (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بأن عبادة الله هى الحق وأن الله هو القوى (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (هُوَ الْباطِلُ) الضعيف (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ) أعلى من كل شىء (الْكَبِيرُ (٦٢)) أى أكبر من كل شىء (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد فى القرآن (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ) أى فتصير الأرض (مُخْضَرَّةً) بالنبات (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) باستخرج النبات (خَبِيرٌ (٦٣)) بمكانه (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُ) عن خلقه (الْحَمِيدُ (٦٤)) المحمود فى فعاله ، ويقال : الحميد لمن وحده.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد فى القرآن (أَنَّ اللهَ سَخَّرَ) ذلل (لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من الشجر والدواب (وَالْفُلْكَ) وسخر الفلك يعنى السفن (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) بإذنه (وَيُمْسِكُ السَّماءَ) يمنع السماء (أَنْ تَقَعَ) لكى لا تقع (عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) بأمره إلى يوم القيامة (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ) أى بالمؤمنين (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) فى أرحام أمهاتكم صغارا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) صغارا أو كبارا (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث بعد الموت (إِنَّ الْإِنْسانَ) يعنى الكافر بديل بن ورقاء الخزاعى (لَكَفُورٌ (٦٦)) كافر بالله وبالبعث بعد الموت وبذبيحة المسلمين (لِكُلِّ أُمَّةٍ) لكل أهل دين (جَعَلْنا مَنْسَكاً) مذبحا ، ويقال : معبدا (هُمْ ناسِكُوهُ) ذابحوه على دينهم (فَلا يُنازِعُنَّكَ) فلا يخالفنك ولا يصرفنك (فِي الْأَمْرِ) فى الذبيحة والتوحيد (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) إلى توحيد ربك (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧)) على دين قائم يرضاه هو الإسلام (وَإِنْ جادَلُوكَ) خاصموك فى أمر الذبيحة والتوحيد لقولهم : ما ذبح الله أحل مما تذبحون أنتم بسكاكينكم (فَقُلِ اللهُ

٤٥

أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨)) فى دينكم من الذبيحة وغيرها (اللهُ يَحْكُمُ) يقضى (بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ) فى أمر الذبيحة والتوحيد (تَخْتَلِفُونَ (٦٩)) أى تخالفون (أَلَمْ تَعْلَمْ) يا محمد (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ) ما يكون فى أهل السماء من الخيرات (وَالْأَرْضِ) ما يكون فى أهل الأرض من الخير والشر (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ) مكتوب فى اللوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) حفظ ذلك بغير الكتابة (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠)) هين.

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))

(وَيَعْبُدُونَ) يعنى كفار مكة (مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) كتابا ولا عذرا (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) حجة ولا بيان (وَما لِلظَّالِمِينَ) المشركين (مِنْ نَصِيرٍ (٧١)) من مانع من عذاب الله (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ آياتُنا) أى القرآن (بَيِّناتٍ) أى مبينات بالأمر والنهى (تَعْرِفُ) يا محمد (فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقرآن (الْمُنْكَرَ) أى الكراهية من القرآن (يَكادُونَ يَسْطُونَ) أى يهمون أن يضربوا ويقعوا (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ) يقرؤون (عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) مما قلتم للمسلمين فى الدنيا لقولهم : ما رأينا أهل دين أقل حظا منكم ، فقال الله : قل يا محمد إلى

٤٦

آخره وهى (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن وأنتم كافرون بمحمد والقرآن (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)) صاروا إليه (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعنى أهل مكة (ضُرِبَ مَثَلٌ) بين مثل آلهتكم (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) وأجيبوا له (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) لن يقدروا أن يخلقوا ذبابا (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) لو اجتمع العابد والمعبود ما قدروا أن يخلقوا ذبابا (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ) يأخذ (الذُّبابُ) من الآلهة (شَيْئاً) مما لطخوا عليها من العسل (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) لا يستجيروه ولا يخلصوه من الذباب ، يعنى الآلهة (ضَعُفَ الطَّالِبُ) أى الصنم (وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)) أى الذباب ، ويقال : (ضَعُفَ الطَّالِبُ) العابد (وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)) المعبود.

(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عظموا الله حق عظمته ، نزلت فى اليهود لقولهم : عزير ابن الله ، ولقولهم : إن الله فقير ، ولقولهم : يد الله مغلولة ، ولقولهم : أن الله استراح بعد ما فرغ من خلق السموات والأرض ، فرد الله عليهم ذلك ، وقال : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) على أعدائه (عَزِيزٌ (٧٤)) بالنقمة من اليهود (١) (اللهُ يَصْطَفِي) يختار (مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) بالرسالة ، يعنى جبريل وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل (وَمِنَ النَّاسِ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسائر النبيين (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بمقالتهم حين قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق (بَصِيرٌ (٧٥)) بعقوبتهم (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا يعنى الملائكة (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦)) عواقب الأمور فى الآخرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) فى الصلاة (وَاعْبُدُوا) أطيعوا (رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) العمل الصالح (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)) لكى تنجوا من السخط والعذاب (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) أى اعملوا لله حق عمله (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ) أى فى أمر الدين (مِنْ حَرَجٍ) من ضيق ، يقول : من لم يستطع أن يصلى قائما فليصل قاعدا ، ومن لم يستطع أن يصلى قاعدا فليصل مضطجعا يومئ إيماء (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) اتبعوا دين أبيكم (إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ) الله سماكم (الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا القرآن فى كتب الأنبياء (٢)(وَفِي هذا)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٣ / ١٤١) ، وزاد المسير (٥ / ٤٥١) ، وتفسير القرطبى (١٢ / ٩٦).

(٢) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢٣١) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ١٤٧).

٤٧

القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (شَهِيداً عَلَيْكُمْ) مزكيا مصدقا لكم (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) للنبيين (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فأتموا الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها ، وما يجب فيها من مواقيتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) أى أعطوا زكاة أموالكم (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أى تمسكوا بدين الله وكتابه (هُوَ مَوْلاكُمْ) أى حافظكم (فَنِعْمَ الْمَوْلى) أى الحافظ (وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)) أى المانع لكم.

* * *

٤٨

سورة المؤمنون

ومن السورة التى يذكر فيها المؤمنون ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)) أى فاز ونجا الموحدون بتوحيد الله أولئك هم الوارثون الجنة دون الكفار ، ويقال : قد فاز ونجا وسعد المؤمنون المصدقون بإيمانهم والفلاح على وجهين نجاح وبقاء ، ثم نعت المؤمنين فقال : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢)) مخبتون متواضعون لا يلتفتون يمينا ولا شمالا ، ولا يرفعون أيديهم فى الصلاة (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣)) أى للباطل والحلف تاركون له (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤)) أى يؤدون زكاة أموالهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥)) يعفون فروجهم عن الحرام (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) أربع نسوة (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الولائد بغير عدد (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)) أى بالحلال (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) فمن طلب سوى الحلال (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧)) المعتدون الحلال إلى الحرام (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) لما ائتمنوا عليه مثل والوضوء والأغتسال من الجنابة والوديعة وأشباه ذلك (وَعَهْدِهِمْ) فيما بينهم وبين الله أو بينهم وبين الناس (راعُونَ (٨)) حافظون له بالوفاء (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ) لأوقات صلواتهم (يُحافِظُونَ (٩)) له بالوفاء (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْوارِثُونَ (١٠)) أى النازلون.

(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ

٤٩

طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠))

(الَّذِينَ يَرِثُونَ) أى ينزلون (الْفِرْدَوْسَ) مقصورة الرحمن والفردوس هو البستان بلغة أهل الروم (هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١)) فى الجنة مقيمون لا يموتون ولا يخرجون منها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) ولد آدم (مِنْ سُلالَةٍ) سلت (مِنْ طِينٍ (١٢)) والطين هو آدم (ثُمَّ جَعَلْناهُ) يعنى ماء السلالة (نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣)) فى مكان حريز رحم أمه فيكون نطفة أربعين يوما (ثُمَّ خَلَقْنَا) أى حولنا (النُّطْفَةَ عَلَقَةً) دما عبيطا فتكون علقة أربعين يوما (فَخَلَقْنَا) فحولنا (الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) لحما أربعين يوما (فَخَلَقْنَا) فحولنا (الْمُضْغَةَ عِظاماً) بلا لحم (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أوصالا وعروقا وغير ذلك (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أى جعلنا فيه الروح (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤)) أحكم المحولين (١) (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥)) أى تموتون (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)) تحيون (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) سبع سموات بعضها فوق بعض مثل القبة (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧)) تاركين لهم بلا أمر ولا نهى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (بِقَدَرٍ) من المعيشة وقيل بمقدار ما يكفيكم (فَأَسْكَنَّاهُ) فأدخلناه (فِي الْأَرْضِ) فجعلنا منه الركى والعيون والأنهار (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) على غور الماء فى الأرض (لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ) خلقنا لكم ، ويقال : أنبتنا لكم (بِهِ) بالماء (جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) كروم (لَكُمْ فِيها) فى البساتين (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) ألوان فواكه كثيرة (وَمِنْها) من ألوان الثمار (تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً) تنبت بالمطر شجرة وهى شجرة الزيتون (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) من جبل مشجر ،

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز لابن عطية (٤ / ١٣٨) ، وغريب ابن قتيبة (٢٩٦) ، وزاد المسير (٥ / ٤٦٤) ، وتفسير الطبرى (١٨ / ٨) ، والقرطبى (١٢ / ١١١).

٥٠

والطور هو الجبل بلسان النّبط ، والسيناء هو الجبل المشجر بلسان الحبشة (١)(تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أى تخرج الدهن (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)) أى وما يصبغ به الأكل.

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠))

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ) فى الإبل (لَعِبْرَةً) لعلامة (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) من ألبانها تخرج من بين الفرث والدم لبنا خالصا (وَلَكُمْ فِيها) فى ركوبها ولحمها (مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها) من لحومها وألبانها وأولادها (تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها) على الإبل فى البر (وَعَلَى الْفُلْكِ) على السفن فى البحر (تُحْمَلُونَ (٢٢)) تسافرون (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ) لقومه (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الذى آمركم أن تؤمنوا به (أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣)) عبادة غير الله (فَقالَ الْمَلَأُ) الرؤساء (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا) يعنون نوحا (إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) بالرسالة والنبوة (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أن يرسل إلينا رسولا (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أى ملكا من الملائكة (ما سَمِعْنا بِهذا) الذى يقول نوح (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ) ما هو يعنون نوحا (إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أى جنون (فَتَرَبَّصُوا) فانتظروا (بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥)) أى إلى حين يموت.

(قالَ) نوح (رَبِّ انْصُرْنِي) أعنى بالعذاب (بِما كَذَّبُونِ (٢٦)) بالرسالة (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) أرسلنا إليه جبريل (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) أى خذ فى علاج السفينة

__________________

(١) انظر : السبعة لابن مجاهد (٤٤٤) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٢٣٣) ، والزجاج (١ / ٨٤) ، والأزهرى (٣٢٢) ، والبحر لمحيط (٦ / ٤٠٠).

٥١

(بِأَعْيُنِنا) بمنظر منا (وَوَحْيِنا) بوحينا إليك (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) وقت عذابنا (وَفارَ التَّنُّورُ) نبع الماء من التنور ، ويقال : طلع الفجر (فَاسْلُكْ فِيها) فاحمل فى السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) صنفين اثنين ذكرا وأنثى (وَأَهْلَكَ) واحمل أهلك يعنى من آمن بك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ) وجب (عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بالعذاب (مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي) ولا تراجعنى بالدعاء (فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) فى نجاة الذين كفروا من قومك (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)) بالطوفان (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ) إذا ركبت أنت (وَمَنْ مَعَكَ) من المؤمنين (عَلَى الْفُلْكِ) على السفينة (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله (الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨)) الكافرين (وَقُلْ) حين تنزل من السفينة (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) بالماء والشجر (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩)) فى الدنيا والآخرة (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآياتٍ) لعلامات وعبرات لأهل مكة لكى يقتدوا بهم (وَإِنْ كُنَّا) وقد كنا (لَمُبْتَلِينَ (٣٠)) أى بالبلايا ، ويقال : مختبرين بالعقوبة.

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠))

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أى خلقنا من بعد هلاك قوم نوح (قَرْناً آخَرِينَ (٣١)) قوما آخرين (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ) إليهم (رَسُولاً مِنْهُمْ) من نسبهم (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) وحدوا الله (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) غير الذى أمركم أن تؤمنوا به (أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢)) عبادة غير الله (وَقالَ الْمَلَأُ) الرؤساء (مِنْ قَوْمِهِ) من قوم الرسول (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (وَأَتْرَفْناهُمْ) أنعمناهم بالمال والولد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا) يعنون الرسول (إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) كما تأكلون منه (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣)) كما تشربون (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً) آدميا (مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤)) جاهلون مغبونون

٥٢

(أَيَعِدُكُمْ) هذا الرسول (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ) أى صرتم (تُراباً) بعد الموت (وَعِظاماً) بالية (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)) محيون بعد الموت (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) بعيدا بعيدا (لِما تُوعَدُونَ (٣٦)) لا يكون هذا (إِنْ هِيَ) ما هى (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) فى الدنيا (نَمُوتُ وَنَحْيا) يموت الأباء ويحيا الأبناء (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧)) للبعث بعد الموت (إِنْ هُوَ) ما هو يعنون الرسول (إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) بما يقول (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨)) بمصدقين له بما يقول (قالَ) الرسول (رَبِّ انْصُرْنِي) أعنى بالعذاب (بِما كَذَّبُونِ (٣٩)) بالرسالة (قالَ) الله تعالى (عَمَّا قَلِيلٍ) عن قليل (لَيُصْبِحُنَ) ليصيرن (نادِمِينَ (٤٠)) بالتكذيب عند العقوبة.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠))

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِ) أى بالعذاب (فَجَعَلْناهُمْ) بعد الهلاك (غُثاءً) يابسا (فَبُعْداً) فسحقا وخيبة من رحمة الله (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١)) أى الكافرين (ثُمَّ أَنْشَأْنا) خلقنا (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد هلاكهم (قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢)) قرنا بعد قرن ، من قرن إلى قرن ثمان عشرة سنة ، والقرن ثمانون سنة (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ) ما هلك من أمة (أَجَلَها) قبل أجلها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣)) عن الأجل (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) أى متتابعا بعضها على أثر بعض (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها) إلى أمّة رسول (كَذَّبُوهُ) كذبوا ذلك الرسول (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) بالهلاك (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) فى دهرهم يحدث عنهم (فَبُعْداً) فسحقا من رحمة الله (لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) التسع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥)) حجة بينة (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) قومه (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان بموسى والآيات (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦)) مخالفين لموسى مستكبرين عن الإيمان

٥٣

(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) أى لآدميين يعنون موسى وهارون (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧)) مطيعون (فَكَذَّبُوهُما) بالرسالة (فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨)) فصاروا من المغرقين فى اليم (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)) لكى يهتدوا بها من الضلالة (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ) يعنى عيسى (وَأُمَّهُ آيَةً) علامة وعبرة ولدا بلا أب وولادة بلا لمس (وَآوَيْناهُما) رجعناهما (إِلى رَبْوَةٍ) إلى مكان مرتفع (ذاتِ قَرارٍ) مستو ذات نعيم (وَمَعِينٍ (٥٠)) ماء طاهر جار وهو دمشق.

(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠))

(يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) يعنى محمدا (كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) كلوا من الحلال (وَاعْمَلُوا صالِحاً) اعمل صالحا فيما بينك وبين ربك (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ) أى بما تعمل يا محمد ويعملون من الخير (عَلِيمٌ (٥١)) بثوابه (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ملتكم ملة واحدة ودينكم دينا واحدا مختارا (وَأَنَا رَبُّكُمْ) رب واحد أكرمتكم بذلك (فَاتَّقُونِ (٥٢)) فأطيعونى (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) فتفرقوا فيما بينهم فى دينهم (زُبُراً) فرقا فرقا اليهود والنصارى والمشركين والمجوس (كُلُّ حِزْبٍ) كل أهل دين وفرقة (بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)) معجبون (فَذَرْهُمْ) اتركهم يا محمد (فِي غَمْرَتِهِمْ) فى جهلهم (حَتَّى حِينٍ (٥٤)) إلى حين العذاب يوم بدر (أَيَحْسَبُونَ) أيظن أهل الفرق (أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ) أنما نعطيهم فى الدنيا (مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) مسارعة لهم منا فى الخيرات فى الدنيا ، ويقال : فى الآخرة (بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦)) أنا مكرمون لهم فى الدنيا ومهينون لهم فى الآخرة ، ثم بين لمن المسارعة فى الخيرات فى الدنيا ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ) من عذاب ربهم (مُشْفِقُونَ (٥٧)) خائفون لهم منا مسارعة فى الخيرات (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (يُؤْمِنُونَ (٥٨)) يصدقون لهم منا مسارعة فى الخيرات (وَالَّذِينَ

٥٤

هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩)) أى يخلصون عبادته (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) يعطون ما أعطوا من الصدقة وينفقون ما أنفقوا من المال فى سبيل الله ، ويقال : يعملون ما عملوا من الخيرات (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) خائفة (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠)) فى الآخرة فلا يقبل منهم.

(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠))

(أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يبادرون فى الأعمال الصالحة (وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١)) أى هم سابقون بالخيرات (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً) من العمل (إِلَّا وُسْعَها) طاقتها (وَلَدَيْنا) عندنا (كِتابٌ يَنْطِقُ) وهو ديوان الحفظة مكتوب فيه حسناتهم وسيئاتهم ينطق (بِالْحَقِ) يشهد عليهم بالصدق والعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢)) لا ينقص من حسناتهم ولا يزيد على سيئاتهم (بَلْ قُلُوبُهُمْ) قلوب أهل مكة يعنى أبا جهل وأصحابه (فِي غَمْرَةٍ) فى جهلة وغفلة (مِنْ هذا) الكتاب ، ويقال : من هذا القرآن (وَلَهُمْ أَعْمالٌ) مقدور مكتوب عليهم (مِنْ دُونِ ذلِكَ) أى من دون ما يأمرهم (هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣)) فى الدنيا (حَتَّى إِذا) جاء أجلهم (أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) جبابرتهم ورؤساءهم ، يعنى أبا جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة المخزومى ، والعاص بن وائل السهمى ، وعتبة ، وشيبة وأصحابهم (بِالْعَذابِ) بالجوع سبع سنين (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤)) يتضرعون قل لهم يا محمد (لا تَجْأَرُوا) لا تتضرعوا (الْيَوْمَ) من عذابنا (إِنَّكُمْ مِنَّا) أى من عذابنا (لا تُنْصَرُونَ (٦٥)) لا تمنعون (قَدْ كانَتْ آياتِي) القرآن (تُتْلى) تقرأ وتعرض (عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)) إلى دينكم الأول تميلون وترجعون (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) متعظمين بالبيت تقولون : نحن أهله (سامِراً) تقولون : السمر حوله (تَهْجُرُونَ (٦٧)) تسبون محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه والقرآن (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أفلم يتفكروا فى القرآن وما فيه من الوعيد

٥٥

(أَمْ جاءَهُمْ) من الأمن والبراءة ، يعنى أهل مكة (ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) أى نسب رسولهم (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)) أى جاحدون (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون (بِهِ جِنَّةٌ) جنون (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن والتوحيد والرسالة (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِ) للقرآن (كارِهُونَ (٧٠)) أى جاحدون (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) لو كان الإله بهواهم فى السماء إله ، وفى الأرض إله (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) من الخلق (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) أنزلنا جبريل إلى نبيهم بالقرآن فيه عزهم وشرفهم (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) عن شرفهم وعزهم (مُعْرِضُونَ (٧١)) مكذبون.

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠))

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ) يا محمد أهل مكة (خَرْجاً) جعلا فلذلك لا يجيبونك (فَخَراجُ رَبِّكَ) فثواب ربك فى الجنة (خَيْرٌ) وأفضل مما لهم فى الدنيا (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢)) أفضل المعطين فى الدنيا والآخرة (وَإِنَّكَ) يا محمد (لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣)) دين قائم يرضاه وهو الإسلام (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (عَنِ الصِّراطِ) عن دين الله (لَناكِبُونَ (٧٤)) مائلون (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ) يعنى أهل مكة (وَكَشَفْنا) رفعنا (ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) من جوع (لَلَجُّوا) لتمادوا (فِي طُغْيانِهِمْ) فى كفرهم وضلالتهم (يَعْمَهُونَ (٧٥)) يمضون عمهة لا يبصرون الحق والهدى (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) بالجوع والقحط (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) فما خضعوا لربهم بالتوحيد (وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)) أى لا يؤمنون (حَتَّى إِذا فَتَحْنا) أى أجلهم يا محمد ، حتى إذا فتحنا (باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ)

٥٦

يعنى الجوع (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧)) آيسون من كل خير (١) (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ) خلق لكم يا أهل مكة (السَّمْعَ) تسمعون به (وَالْأَبْصارَ) تبصرون بها (وَالْأَفْئِدَةَ) أى القلوب تعقلون بها (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨)) فشكركم فيما صنع إليكم قليل يا أهل مكة (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أى خلقكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي) أى للبعث (وَيُمِيتُ) أى فى الدنيا (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تقلب الليل والنهار وذهابهما ومجيئهما وزيادتهما ونقصانهما ، وظلمة الليل ، ونور النهار ، كل هذا آية لكم بأن الله يحيى الموتى (أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠)) أى أفلا تصدقون بالبعث بعد الموت.

(بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠))

(بَلْ قالُوا) أى كذبوا بالبعث بعد الموت يعنى كفار مكة (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١)) مثل ما كذب الأولون بالبعث بعد الموت (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) صرنا ترابا رميما (وَعِظاماً) بالية (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢)) لمحيون بعد الموت (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) الذى تعدنا يا محمد (مِنْ قَبْلُ) من قبل ما وعدتنا (إِنْ هذا) ما هذا الذى تقول يا محمد (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣)) أى أحاديث الأولين فى دهرهم وكذبهم (قُلْ) للكفار ، أى كفار مكة (لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) من الخلق أجيبوا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ) لهم يا محمد (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥)) أفلا تتعظون فتطيعوا الله (قُلْ) لهم يا محمد (مَنْ رَبُ) أى من خالق (السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦)) السرير الكريم (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) الله خلقها (قُلْ) لهم يا محمد (أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧)) عبادة

__________________

(١) المبلس هو الساكت المتحير ، وذكر فى الأنعام (٤٤). انظر : فى المعنى وسبب النزول : تفسير ابن جرير الطبرى (٨ / ٣٥) ، وابن كثير (٣ / ٢٢١) ، والمستدرك للحاكم (٢ / ٣٩٤).

٥٧

غير الله (قُلْ) لهم يا محمد (مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) خزائن كل شىء (وَهُوَ يُجِيرُ) أى يقضى (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) ولا يقضى عليه ، ويقال : هو يجير الخلق من عذابه ولا يجار عليه ، أى لا يقدر أحد أن يجير عليه أحدا من عذابه أجيبوا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) أى سيقولون ذلك بيد الله بقدرة الله ذلك كله (قُلْ) لهم يا محمد (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)) من أين تكذبون على الله ، ويقال : انظر يا محمد كيف يصرفون بالكذب إن قرأت بضم التاء (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) أرسلنا جبريل إلى نبيهم بالقرآن فيه أن ليس لله ولد ولا شريك (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠)) فى قولهم إن الملائكة بنات الله.

(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠))

(مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) من بنى آدم ولا بنات من الملائكة (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) من شريك (إِذاً) لو كان كما يقولون (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) إلى نفسه ولا ستولى كل إله على ما خلق (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) لغلب بعضهم على بعض (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)) من الكذب (عالِمِ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد ، ويقال : ما يكون (وَالشَّهادَةِ) أى ما عاين العباد ، ويقال : ما كان (فَتَعالى) فتبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢)) به من الأوثان (قُلْ) يا محمد (رَبِ) يا رب (إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣)) من العذاب (رَبِ) يا رب (فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤)) مع القوم الكافرين يوم بدر (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ) يا محمد (ما نَعِدُهُمْ) من العذاب يوم بدر (لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أى ادفع بلا إله إلا الله كلمة الشرك من أبى جهل وأصحابه ، ويقال : السّلام القبيح عن نفسك (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦)) من الكذب (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ) أعتصم بك (مِنْ هَمَزاتِ) نزعات (الشَّياطِينِ (٩٧)) التى يصرع بها

٥٨

الرجل (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)) من أن يحضرنى ، يعنى الشياطين فى الصلاة وعند القراءة وعند الموت (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ) يعنى كفار مكة (الْمَوْتُ) يعنى ملك الموت وأعوانه لقبض روحه (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)) إلى الدنيا (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) وأؤمن بك (فِيما تَرَكْتُ) فى الذى تركت فى الدنيا وكذبت به (كَلَّا) حقا لا يرد إلى الدنيا (إِنَّها) يعنى الرجعة (كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) أى يتكلم بها صاحبها ولا تنفعه (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أى قدامهم (بَرْزَخٌ) يعنى القبر (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)) من القبور.

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠))

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) نفخة البعث (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) فلا نفع بينهم بالنسب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١)) عن ذلك (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أى ميزانه من الحسنات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢)) النّاجون من السخط والعذاب (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أى ميزانه من الحسنات (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا) غبنوا (أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣)) مقيمون دائمون لا يموتون ولا يخرجون منها (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تضرب وجوههم وتحرق عظامهم وتأكل لحومهم النار (وَهُمْ فِيها) فى النار (كالِحُونَ (١٠٤)) وكلحهم سواد وجوههم وزرقة أعينهم (أَلَمْ تَكُنْ) يقول الله لهم ألم تكن (آياتِي) القرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ) أى تقرأ عليكم فى الدنيا (فَكُنْتُمْ بِها) بالآيات (تُكَذِّبُونَ (١٠٥)) تجحدون (قالُوا) الكفار وهم فى النار (رَبَّنا) يا ربنا (غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) التى كتبت علينا فى اللوح المحفوظ فلم نؤمن (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦)) كافرين (رَبَّنا) يا ربنا (أَخْرِجْنا مِنْها) من النار (فَإِنْ عُدْنا) إلى الكفر (فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧)) على أنفسنا (قالَ) الله لهم : (اخْسَؤُا فِيها) اصغروا فيها ، أى فى النار (وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨)) ولا تسألونى

٥٩

الخروج من النار (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ) طائفة (مِنْ عِبادِي) المؤمنين (يَقُولُونَ رَبَّنا) يا ربنا (آمَنَّا) بك وبكتابك (فَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَارْحَمْنا) فلا تعذبنا (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩)) أنت أرحم علينا من الوالدين (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) استهزاء (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) حتى شغلكم ذلك عن توحيدى وطاعتى (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠)) عليهم وتستهزئون.

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ) أى الجنة (بِما صَبَرُوا) على طاعتى وعلى أذاكم (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١)) أى فازوا بالجنة ونجوا من النار ، نزلت هذه الآية فى أبى جهل وأصحابه لاستهزائهم على سلمان وأصحابه (قُلْ) الله لهم (كَمْ لَبِثْتُمْ) مكثتم (فِي الْأَرْضِ) فى القبور (عَدَدَ سِنِينَ (١١٢)) الشهور والأيام (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً) ثم شكوا فى ذلك فقالوا (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ثم قالوا : لا ندرى ذلك (فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣)) أى الحفظة ، ويقال : ملك الموت وأعوانه (قُلْ) الله لهم (إِنْ لَبِثْتُمْ) ما مكثتم فى القبور (إِلَّا قَلِيلاً) عند مكثكم فى النار (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤)) أى إن كنتم تصدقون قولى ، ويقال : يقول الله لهم : لو أنكم إن كنتم فى الدنيا تعلمون أى تصدقون أنبيائى إذا لعلمتم إن لبثتم ما مكثتم فى القبور إلا قليلا مقدم ومؤخر (أَفَحَسِبْتُمْ) أفظننتم يا أهل مكة (أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) هملا بلا أمر ولا نهى ، ولا ثواب ولا عقاب (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥)) أى بعد الموت (فَتَعالَى اللهُ) أى ارتفع وتبرأ عن الولد والشريك (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)) أى السرير الحسن (وَمَنْ يَدْعُ) يعبد (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأوثان (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) لا حجة له مما يعبد من دون الله (فَإِنَّما حِسابُهُ) عذابه (عِنْدَ رَبِّهِ) فى الآخرة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) أى لا يأمن ولا ينجو (الْكافِرُونَ (١١٧)) من عذاب الله (وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ اغْفِرْ) أى تجاوز عن

٦٠