سوادهم) فنادوا عليه : ألا من أراد أن يرى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج! هذا إمام «الرافضة» فاعرفوه!
ويظهر من الخبر أنّ المجلس ومجلس الشرطة كان في الجانب الشرقي من دجلة وليس الشيعة به إلّاقلّة وأكثرهم في الجانب الغربي ، وكانوا قد وضعوا الجنازة على الجسر ، وكان قصر سليمان بن المنصور العباسي عمّ الرشيد على الشط ، وخرج من قصره فسمع الصياح والضوضاء فسأل من معه من وُلده وغلمانه عن الضوضاء والصياح ، فقالوا : هذا السنديّ بن شاهَك ينادي على نعش موسى بن جعفر! فخاف أن يعبروا بالجنازة والنداء إلى الجانب الغربي وبها الشيعة كثير ، فخاف الفتنة! فقال لولده : إذا عبروا به إلى الجانب الغربي فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فإن مانعوكم فخرّقوا ما عليهم من السواد واضربوهم!
فلمّا عبروا به إلى الجانب الغربي نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وخرّقوا عليهم سوادهم وضربوهم! ثمّ وضعوه على مفترق الطرق ، وأقام سليمان المنادين ينادون : ألا ومن أراد أن يرى الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر فليخرج!
وكان سليمان العباسي قد أَعدّ لنفسه حِبرة يمنية كتب عليها القرآن كلّه بألفين وخمسمئة دينار! فأمر بغسله وحنّطه بحنوط فاخر وكفّنه بكفنه ، وحضر الخلق ، فاحتفى هو ومشى في جنازته نازعاً زيّه الرسمي مشقوق الجيب ، شيّعوه إلى مقابر قريش (١).
__________________
(١) تمام الخبر : ثمّ كتب بخبره إلى الرشيد (برقّة الشام) فأجابه الرشيد : يا عمّ وصلتك رحمٌ ، وأحسن الله جزاءك ، والله ما فعل السنديّ ما فعله لعنه الله عن أمرنا! عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٥٠ ـ ٢٥٢ ، الحديث ١٠١.
وكان من الشيعة الحاضرين الحسين بن علي الرّواسي ، فروى عنه يونس بن عبد الرحمن : أنّ السنديّ كان قد خلّف عنه في تشييع الإمام رجلاً يدعى أبا المُضاء ، فلمّا وُضع الإمام على شفير القبر جاءه رسول السنديّ وأمره أن يكشف وجهه للناس قبل دفنه ليروه صحيحاً لم يحدث به حدث! قال : وكشف عن وجه مولاي فرأيته وعرفته ، ثمّ غطّوه ودفنوه (١) وكان أخضر حالكاً كثّ اللحية (٢).
وكان داود بن زربي قد عرض على الكاظم عليهالسلام قبل القبض عليه مالاً فأخذ بعضه وأعرض عن بعض وتركه عنده ، فسأله عنه فقال : سيطلبه منك صاحب هذا الأمر (بعدي) فلمّا جاء نعيه بعث الرضا عليهالسلام إليه من يطلب منه ذلك الباقي ، فدفعه إليه (٣).
البرامكة ودعوى التشيّع؟! :
لم نعلم من أزد البصرة إلّاالانحياز إلى جانب الجمل في وقعة الجمل ثمّ الأمويين ثمّ المروانيين ، وبرز من قوّادهم المهلّب بن أبي صفرة أمير خراسان الكبرى وله أبناء عشرة لم نعلم عنهم التشيّع ، وأحدهم محمّد بن عبّاد من أحفاد المهلّب أصبح محدّث البصرة (٤).
فروى الطوسي عن محمّد بن خالد البرقي القمي عن محمّد بن عباد المهلّبي هذا عن موسى بن يحيى البرمكي (بعد نكبتهم)! ما يحتوي إيمانهم بظهور الدلائل والمعجزات من الكاظم عليهالسلام إلّاأ نّه يتضمّن تبرئة أبيه يحيى البرمكي من سمّ الإمام
__________________
(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٢٣ ، الحديث ٢.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٤٨.
(٣) أُصول الكافي ٢ : ٣١٣ ، الحديث ١٣.
(٤) توفي في (٢٢٠ ه) تقريباً.
قال : لما حبس هارون الرشيد موسى عليهالسلام وأظهر الدلائل والمعجزات في الحبس! دعا يحيى البرمكي وقال له : يابا علي! أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب (من الكاظم عليهالسلام) ألا تدبِّر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمّه؟! قال يحيى : يا أمير المؤمنين! الذي أراه هو أن تمنّ عليه بصلة رحمه ، فوالله لقد أَفسد علينا قلوب شيعتنا!
فقال له هارون : انطلق إليه وأبلغه عني السلام وقل له : يقول لك ابن عمّك! إنّه قد سبق منّي فيك يميني أنّي لا اخليك حتّى تقرّ لي بالإساءة! وتسألني العفو عمّا سلف منك! وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة. وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري ، فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشداً!
فأخبر موسى بن يحيى البرمكي عن أبيه يحيى : أنّ الكاظم عليهالسلام قال له : يا أبا علي ، إنّما بقي من أجلي أُسبوع ، ائتني وأوليائي (!) الزوال من يوم الجمعة ، فصل عليَّ أنت وأوليائي فرادى! ثمّ قال : وأبلغه عني : يقول لك موسى بن جعفر : يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما يرى! وستعلم غداً مَن المعتدي على صاحبه ، والسلام! وقال ليحيى : وإنّي رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجم هارون أنّه يأتي عليكم! فانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرَّقة وعاد إلى العراق فاحذره لنفسك أن لا يراك ولا تراه!
فبكى يحيى حتّى احمرّت عيناه! ثمّ خرج من عنده حتّى دخل على هارون فأخبره بقصّته وما ردّ عليه. فقال هارون : ما أحسن حالنا إن لم يدّع النبوة بعد أيام! ثمّ خرج هارون إلى المدائن! فلمّا كان يوم الجمعة توفي موسى عليهالسلام ، فأُخرج للناس ينظرون إليه (ومع ذلك) قالت فرقة (الواقفة) بأ نّه لم يمت (١).
__________________
(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٢٤ ـ ٢٦ ، الحديث ٥.
فهو يزعم تشيّعه وأبيه ولا يرى الكاظم عليهالسلام مسموماً وإنّما مظلوماً بظلم الرشيد مع دفاع يحيى ، وينفرد بذكر خروج الرشيد إلى المدائن بينما كان يومئذ برَقّة الشام! فالخبر مسطّر لتطهير البرمكي كاملاً ليس إلّا ، وكأنّه انطلى ذلك على رواته حتّى الشيخ الطوسي!
القاضي نوح بن درّاج الكوفي :
وقبل قتل الكاظم عليهالسلام ، في سنة (١٨٢ ه) مات القاضي نوح بن درّاج الكوفي النبطي مولى النخع.
كان أبوه بقّالاً في الكوفة ، وكان هو يكتب الحديث. وكان أخوه جميل متعبّداً سجّاداً ، ومع ذلك افتقده عن المسجد ، فسأله : لِمَ لا تحضر المسجد؟ فقال : ليس لي إزار! فذلك هو الذي حمله على الدخول في القضاء بالكوفة لبني العباس (١).
وكان القاضي ابن شُبْرمة فادّعى رجل أرضاً فيها نخيل وأقام شهوداً ، فسألهم ابن شُبْرمة عن عدد النخيل فقالوا : لا نعلم ، فردّ شهادتهم ، وذلك في المسجد الجامع بالكوفة ونوح حاضر ، فقال لابن شُبرمة : أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين عاماً ولا تعلم كم اسطوانة فيه! فردّ القاضي المدعى والشهود وقضى له بها ثمّ قال شعراً :
كادت تزلّ بها من حالق قدم |
|
لولا تداركها نوح بن دُرّاج (٢) |
فكأنّ هذا حملهم على عرض القضاء عليه فقبله.
وعلى عهد المهدي العباسي مات له مولى له بنت واحدة وخلّف أثاثاً ومتاعاً وضياعاً كثيرة ، وكان المهدي يحسب أنّ البنت ترث النصف والباقي له
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٢٥٢ ، الحديث ٤٦٩.
(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦.
لولايته ، وقضى نوح بالمال كلّه للبنت ، فلمّا بلغ ذلك إلى المهدي دعاه وسأله : ما حملك على ما صنعت؟ فقال : قضيت بقضاء علي بن أبي طالب (عليهالسلام) فإنّه قضى للبنت بالمال كلّه فقيل له في ذلك فقال : أعطيتها النصف بفريضة الله ، وأعطيتها الآخر بقوله تعالى : (وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ (١)) سل القضاة والفقهاء عن هذا فإن كنت كاذباً فافعل ما شئت!
فأمر المهدي بإحضار جماعة من فقهاء الكوفة من القضاة وغيرهم منهم ابن أبي ليلى وشريك فأحضروا إلى بغداد فسألهم عن ذلك فرووا ذلك عن علي بن أبي طالب بأسانيد كثيرة. فقال المهدي لنوح : قد أجزت حكمك في هذه المرة فإن عُدت قتلتك (٢)!
كان ذلك على عهد محمّد المهدي العباسي ، ثمّ ملك موسى الهادي ومات وعلى الكوفة موسى بن عيسى العباسي ، فلمّا ملك الرشيد أرسله إلى مصر وولّى ابنه العباس بن موسى على الكوفة (٣) ونوح بن درّاج تلك الأيام على القضاء ، فكأ نّه عاد لمثل ما سبق منه. واجتمع لدى الوالي العباس بن موسى : هاشم الصيداني وإسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة وعليّ بن ظبيان وأبوبكر بن عياش بن سالم المقرئ ، فقال العباس لابن عياش : يا أبا بكر ، أما ترى ما أحدث نوح في القضاء؟! إنّه طرح العُصبة.
فقال ابن عياش : وما عسى أن أقول لرجل قضى بالكتاب والسنة! وكان العباس مستنداً فاستوى جالساً وقال : وكيف قضى بالكتاب والسنة؟!
__________________
(١) الأنفال : ٧٥.
(٢) الملاحم والفتن لابن طاووس : ١٨٨ عن المرزباني الخراساني.
(٣) تاريخ خليفة : ٣٠٦.
فروى ابن عياش : أنه لما قتل حمزة بعث رسول الله عيناً فأتاه بابنة حمزة فسوّغها الميراث كلّه (١) أي لم يورّث العُصبة إخوة حمزة.
وكأنّ الرشيد كان غافلاً عن ذلك ، فروى الصدوق أنه سأل الكاظم عليهالسلام عن ذلك ، ويظهر من الخبر أنه كان في الموسم بمكة ، فاستند الإمام إلى قول علي عليهالسلام قال : «ليس مع ولد الصلب ـ ذكراً كان أو انثى ـ لأحد سهم. إلّاللأبوين والزوج أو الزوجة» وأن هذا لا يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلّاأن تيماً وعدياً وأُمية قالوا : «العمّ والد» وأياً منهم بلا أثر عن النبي صلىاللهعليهوآله. ومن قال بقول علي عليهالسلام من العلماء فقضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن درّاج يقول في هذه المسألة بقول علي عليهالسلام وقد حكم به ، وقد ولّاه الخليفة أقضية الكوفة.
فأمر الخليفة بإحضاره ، واحضار من يقول بخلافه : إبراهيم المدني وسفيان الثوري والفضيل بن عياش السمرقندي المكي المجاور ، فلعلّهم كانوا في الموسم بمكة فأقروا أنه قول علي عليهالسلام في هذه المسألة. فقال لهم : فلم لا تفتون به وقد قضى به نوح بن درّاج؟ فقالوا : جَسِر نوح وجبنّا (٢)! فهل هم جسروا بعد هذا أم ظلوا وأظلّوا السبيل؟! ولو جَسِروا لنُقل.
قالوا : ونقلوه للقضاء ببغداد الشرقية ، وفقد بصره غير ظاهر واستمر قاضياً كذلك ثلاث سنين ثمّ ظهر أمره فصُرف عن القضاء ، وتوفي في (١٨٢ ه) (٣) سنة وفاة علي بن يقطين ، قبل وفاة الكاظم عليهالسلام.
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٣١٠ ، ٣١١ وفيه : وورّثها.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، الباب ٢٨ ، الحديث ٩١.
(٣) عن الذهبي في قاموس الرجال ١٠ : ٤٠٩ ، برقم ٨٠٤٨. وكان من موالي النخع من همدان بالكوفة. وانظر تقريب التهذيب ٢ : ٣٠٨ برقم ١٦٤ ، والعقد الفريد ٥ : ١١٨ ، والجرح والتعديل ٨ : ٤٨٤.
فرقة الغلاة في الكاظم عليهالسلام :
صنّف النوبختي الغلاة إلى متقدمين ومتأخرين ، والمتقدمين منهم إلى عشرة أصناف ختمهم بالبشيرية نسبة إلى بشير بن محمّد (١) الكوفي مولى بني أسد (٢).
وكانت معه شعبدة ومخاريق ، ويقول لأصحابه : إنّ أبا الحسن (الكاظم) عندي ، فإن أحببتم أن تروه فهلمّوا أعرضه عليكم! فكان يدخلهم البيت ويقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً غيري وغيركم؟ فيقولون : ليس في البيت أحد ، فيخرجهم ثمّ يسبل ستراً ، وعنده صورة شخص كأ نّها صورة أبي الحسن الكاظم عليهالسلام في ثياب حرير قد طلّاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها فيقيمها ، ثمّ يدخلهم ثمّ يرفع الستر بينه وبينهم فينظرون إلى صورة شخص قائم كأ نّه شخص أبي الحسن عليهالسلام لا ينكرون منه شيئاً! ويقف هو بقربه يريهم أنّه يدنو منه كأ نّه يسارّه ويناجيه ويكلّمه ، ثمّ يغمزهم أن يتنحّوا! فيتنحّون ، ويُسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً! فهلكوا بها (٣).
ويقول لهم : إنّه قائم موجود بينهم غير أنّهم محجوبون عن إدراكه ، يتراءى لأهل النور بالنورانية ولأهل الكدورة بالكدورة في مثل خلقتهم الإنسانية البشرية (٤) وقالوا بالحلول فزعموا أنّ محمّداً صلىاللهعليهوآله لم يلد ولم يولد وإنّما هو ربّ حلّ في كل من انتسب إليه ، محتجب في هذه الحجب! وقالوا
__________________
(١) فرق الشيعة والمقالات والفرق : ٥٥ ـ ٥٦.
(٢) المقالات والفرق : ٩١ ، ولعلّ عنه الكشي في اختيار معرفة الرجال : ٤٧٨ ، الحديث ٩٠٦.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٤٨٠ ، الحديث ٩٠٧. وانظر المقالات والفرق.
(٤) المصدر السابق : ٤٧٧ ـ ٤٧٨.
بالتناسخ وأنّ الأئمة عندهم أحد واحد وإنّما هم ينتقلون من بدن إلى بدن (١).
فقال رجل لأبي الحسن (الكاظم) عليهالسلام : إنّي سمعت محمّد بن بشير يقول : إنّك لست الذي هو إمامنا وحجّتنا في ما بيننا وبين الله تعالى! (وكأنّه يشير إلى قوله بالتناسخ أو الحلول).
فقال عليهالسلام : هذا سابّ لرسول الله ولآبائي ولي ، وأي سبّ لا يفوقه هذا القول! حلّ ـ والله ـ دمه وأباحه لمن سمع منه ذلك! فقال الرجل : فما عليَّ من الوزر إن لم أقتله ولم أخف أن يُغمز به برئ؟ قال : أضعاف مضاعفة! أما علمت أنّ أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من ردّ عن الله وعن رسوله ونصر الله ورسوله بظهر الغيب! ثمّ لعنه ثلاثاً وقال : أذاقه الله حرّ الحديد وقتله أخبث ما يكون من قِتلة (٢) ولم يقتله الرجل.
وقال لعليّ البطائني! يا علي ، ما من أحد اجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلّا أذاقه الله حرّ الحديد!
إنّ بياناً (التبّان) كذب على علي بن الحسين عليهالسلام فأذاقه الله حرّ الحديد!
وإنّ أبا الخطّاب كذب على أبي فأذاقه الله حرّ الحديد.
وإنّ محمّد بن بشير لعنه الله يكذب عليَّ! برئت إلى الله منه! اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعيه فيّ محمّد بن بشير! اللهمّ أرحني منه! اللهمّ إني أسألك أن تخلّصني من هذا الرجس النجَس محمّد بن بشير ، فقد شارك الشيطان أباه في رحم أُمه (٣)!
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٧٩ عن سعد بن عبد الله ، وفي المقالات والفرق : ٩٢.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٤٨٢ ، الحديث ٩٠٨ عن سعد بن عبد الله القمي الأشعري ، وليس في كتابه المقالات والفرق.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٤٨٣ ، الحديث ٩٠٩ عن سعد بن عبد الله ، وليس في المقالات.
ولم يُقتل ، بل قُبل قوله في أصحابه فلمّا حُبس الكاظم عليهالسلام قالوا : إنّه لم يُحبس ولم يَمُت (ولا يموت) بل غاب واستتر ، وهو القائم المهدي ، وأ نّه لمّا أراد الغيبة جعل محمّد بن بُشير وصيّه وأعطاه خاتمه وعلمه وجميع ما تحتاج إليه رعيته من أمر دينهم ودنياهم! وفوّض جميع أمره إليه وأقامه مقام نفسه واستخلفه على الأُمة ، فهو الإمام بعده! مفترض الطاعة على الأُمة إلى وقت خروج موسى وظهوره عليهالسلام ، فما يلزم الناس من حقوق في أموالهم وغير ذلك ممّا يتقربون به إلى الله تعالى فالفرض عليهم أداؤه إلى محمّد بن بشير إلى قيام القائم ؛ وزعموا أنّ علي بن موسى عليهالسلام وكلّ من ادّعى الإمامة من ولده مبطلون كاذبون ، ونفوهم عن أنسابهم وكفّروهم لدعواهم الإمامة.
بل كفّروا القائلين بإمامتهم واستحلوا دماءهم وأموالهم! وزعموا أنّ الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض.
وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان ، واعتلّوا في ذلك بقول الله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً (١)) والمواساة بينهم واجبة في كل ما ملكوه من مال أو فرج أو غير ذلك!
ثمّ قال في موسى عليهالسلام بالربوبية وادّعى لنفسه أنّه نبي (٢)! ووسمّوا بالبشيرية.
__________________
(١) الفرقان : ٥٢.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٤٧٨ ـ ٤٨٠ ، الحديث ٩٠٦ و ٩٠٧ ، وتمامه : ثمّ رُفع خبره إلى هارون أو الخليفة بعده وأ نّه زنديق ، فأخذه وأراد قتله فرغّبه ابن بشير في ما يصنع له لسقي بساتينه ، فاستبقاه ، فصنع له دوالي متتالية وجعل بين ألواحها زيبقاً وعلّقها ، فكانت تعمل بلا عامل! فقرّبه الخليفة وجعل له مرتبة حتّى انكسر منها لوح وخرج الزيبق فتعطلّت ،
ثمّ اختلفت الفِرق فيه :
مرّ الخبر أنّه كان من دعاوي البشيرية المهدوية للكاظم عليهالسلام ، ورووا في ذلك روايات عن أبيه قال فيه : «هو القائم المهدي بعدي! فإن يدَهدَه رأسه من جبل فلا تصدّقوا موته فإنّه صاحبكم القائم»!
وآخرون رووا في ذلك خبراً عن أبيه قال فيه : «إنّ ابني هذا فيه شَبَه من عيسى بن مريم»! فقالوا : بأ نّهم ما قتلوه وما مات ولكن شُبّه عليهم. وآخرون أتمّوا الخبر أنّه قال : «وإن ولد العباس يأخذونه فيحبسونه مرّتين ، فيُقتل في المرة الثانية» فقد قُتل (١).
واعتلّ آخرون بالحديث النبوي المزوّر من قبل بني الحسن للتطبيق على محمّد بن عبد الله الحسني أنّه قال : «... رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» فادّعوا ابناً لعبد الله الأفطح يدعى محمّداً وجّهه إلى اليمن ثمّ تحوّل إلى خراسان فهو حيّ مقيم بها وقد ورث الإمامة من أبيه وهو محمّد بن عبد الله فهو القائم المنتظر! وآخرون قالوا : بل مات وله ولد فالإمامة في ولده!
وآخرون تحيّروا فقالوا : قد روينا أخباراً كثيرة (٢) تدلّ على أنّ الكاظم عليهالسلام
__________________
وظهرت منه الإباحات ، فعذّبه بأنواع العذاب ثمّ قتله. قال البطايني : فما رأيت أحداً قُتل بأسوأ قتلة من محمّد بن بشير! المصدر : ٤٨١ و ٤٨٣ ولما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمّد فهو الإمام بعده! وكان هاشم بن أبي هاشم قد تعلّم منه بعض خوارقه فكان بعده من الدعاة إليه! المصدر : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ و ٤٨٢. وليس في الفرق ولا المقالات والفرق.
(١) فرق الشيعة : ٨٠ ، وفي المقالات والفرق : ٨٩ ـ ٩٠.
(٢) جمعها السيّد على العلوي الموسوي نحو أربعين خبراً بكتاب «نصرة الواقفة» أوردها الطوسي في كتاب الغيبة وردّها : ٤٣ ـ ٦٣.
القائم المهدي ، بحيث لا يجوز لنا تكذيبها ، ومن ناحية أُخرى ورد علينا من خبر وفاته مثل الذي ورد علينا من خبر وفاة الماضين من آبائه ، فهو أيضاً ممّا لا يجوز إنكاره وردّه لتواتره وشهرته ووضوحه ، فعند هذا وقفنا عن الإقرار بحياته وعن إطلاق الموت عليه ، فنحن مقيمون على إمامته حتّى يصحّ لنا مَن بعده. ثمّ صدّقوا روايات أصحابه في إمامة ابنه علي الرضا عليهالسلام وشاهدوا منه أُموراً قطعوا بها بإمامته.
وزعم قوم أنّه لمّا خاف على نفسه القتل منهم خرج من الحبس ولم يره أحدهم ولم يعلموا به ، فادّعوا موته ولبّسوا على الناس برجل آخر مات لديهم فأخرجوه ودفنوه باسمه كذباً ، وإنّما اختفى وغاب. وقال آخرون : إنّه مات ولكنّه القائم برجعته. وقال آخرون : إنّه مات ورجع كما عاد عيسى عليهالسلام وهو مختفٍ ، ثمّ اختلفوا فقال قوم : إنّه له مواضع شتى إلى أوان ظهوره. وقال آخرون : بل هو في موضع ويلقاه ويراه من يوثق به من أصحابه فيعرفونه ويأمرهم وينهاهم. وقال آخرون منهم : هو حيّ وقد استخلف ابنه الرضا وولده بعده وعلى الناس القبول منهم والسمع والطاعة لهم والانتهاء إلى أمرهم ، فهم خلفاؤه واحداً بعد واحد إلى خروجه وظهوره وليسوا بأئمة (١)! فهذه فِرق الواقفة ، والذين قطعوا بموته وإمامة ابنه الرضا عليهالسلام وُسموا لذلك بالقطعية.
في عهد الباقر عليهالسلام لم نعثر على وكلاء له ، وإنّما بدأنا نجدهم على عهد الصادق عليهالسلام في الكوفة بلا ذكر مال وغيره لديهم ، وإنّما نجد ذلك على عهد الكاظم عليهالسلام.
منهم في الكوفة أحمد بن أبي بشر السراج المولى الكوفي ، ومعه آخر
__________________
(١) فرق الشيعة : ٧٩ ـ ٨٢ ، وفي المقالات والفرق : ٨٨ ـ ٩١.
لم يُذكر وكان الكاظم عليهالسلام في الحبس فاجتمع عندهما من الزكوات (كذا) وما يجب عليهم ثلاثون ألف دينار! فاتّخذا بذلك دوراً واشتريا غلّات وعقدوا عقوداً! فلمّا مات موسى عليهالسلام وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته وقالا : إنّه هو القائم فلا يموت! وأذاعاه في الشيعة واعتمدته طائفة منهم (١) وآخر الخبر أنّهما تابا وبعثا بالأموال إلى الرضا عليهالسلام.
ولعلّ ثانيهما هو عثمان بن عيسى الرُؤاسي الكلابي العامري مولاهم الكوفي ، كان وكيل الكاظم عليهالسلام وله ستون سنة وفي يده أموال ، فتوقّف فترة ، ثمّ لمّا سمع بسخط الرضا عليهالسلام عليه تاب إليه وبعث بأمواله إليه (٢).
ومنهم علي بن أبي حمزة البطايني وزياد بن مروان القندي ، وقد أسند الكشي عن يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين قال : مات أبو الحسن الكاظم عليهالسلام وليس من قُوّامه (وكلائه) أحد إلّاوعنده المال الكثير ، فسبّب ذلك جحودهم موته ووقفهم عليه ، كان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار (٣) وعند زياد القندي سبعون ألف دينار (٤) فرّق الكشي بينهما في خبرين ثمّ جمعهما في خبر واحد عنه قال : وأنا لمّا رأيت ذلك وتبيّنت الحقّ وعرفت أمر الرضا عليهالسلام دعوت الناس إليه ، فبعثا إليّ يقولان : كُفّ عن هذا ونضمن لك عشرة آلاف دينار! فقلت لهما : ما كنت لأدع أمر الله والجهاد على كلّ حال!
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٥٩ ، الحديث ٨٧١.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٥٩٧ ، الحديث ١١١٧. وقال : كوفي سكن الحيرة ومات بها ، ونقل خبره الصدوق في علله وعيونه والطوسي في الغيبة وقالوا : كان بمصر ، مصحّفاً!
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٤٠٥ ، الحديث ٧٥٩.
(٤) اختيار معرفة الرجال : ٤٦٧ ، الحديث ٨٨٨.
فأظهرا لي العداوة وناصباني (١) ولعلّه لذلك كان أحمد بن محمّد بن عيسى يقع في يونس اليقطيني ثمّ رأى رؤيا فاستغفر الله من وقيعته فيه كما ذكر الفضل بن شاذان النيشابوري (٢) وكذا كان علي بن حديد المدائني الكوفي ، ولكنّه كان فطحياً وهذا رأيه (٣).
وفي قول يونس اليقطيني : «تبيّنت الحق» دلالة على ما أسنده الكشي عنه قال : إنّه كان يرجو أن يقول له الرضا عليهالسلام إنّ أباه حيّ! فرحل إليه ودخل عليه وحلّفه بحقّ الله ورسوله وحق آبائه وسمّاهم حتّى انتهى إليه أنّه إذا أخبره بحياة أبيه فإنّه لا يُخرج إلى الناس! قال : ثمّ سألته عن أبيه أحيّ أم ميّت؟! فقال عليهالسلام : والله الذي لا إله إلّاهو قد هلك! قلت : هلاك غيبة أو هلاك موت؟ فقال : والله هلاك موت! قلت : جعلت فداك فلعلّك مني في «تقية»؟! قال : سبحان الله! قد والله مات!
قال : وحيث كان هو في المدينة ومات أبوه في بغداد قلت له : فمن أين علمت موته؟
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٩٣ ، الحديث ٩٤٦. وابن بابويه في الإمامة والتبصرة : ٧٥ ، الحديث ٦٦ ، وابنه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٢٧٦ ، الباب ١٧١ ، وفي عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١١٠ ، الباب ٣١ ، وعلّق عليه فيهما قال : لم يكن الإمام ممن يجمع الأموال ، ولم تكن هذه أموال الفقراء ، وإنّما كانت أموالاً يصله بها مواليه إكراماً وبرّاً به منهم ، وقد حصلت في وقت الرشيد فلم يقدر على تفريقها لئلّا يحقّق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد أنّه تحمل له الأموال ليحمل على الخروج عليه ، ولولا ذلك لفرّقها.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٤٩٦ ، الحديث ٩٥٢.
(٣) اختيار معرفة الرجال : ٥٧٠ ، الحديث ١٠٧٨.
قال : جاءني منه (من أمر الإمامة) ما علمت به أنّه قد مات! قلت : فأوصى إليك؟ قال : نعم. قلت : فأنت الإمام؟ قال : نعم (١).
فهو في تبيّنه كان يرجو أن يكون الواقفون على حقّ وصدق ، مع علمه بقول الرضا عليهالسلام بوفاة أبيه إلّاأ نّه كان يحتمل فيه التقية ، فهي كانت أرضية مساعدة للوقف.
إلّا أنّ يونس اليقطيني كان مستأنساً بيقينه بصدق الرضا عليهالسلام بلا دلائل فلم يطلبها منه.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٩٤ ، الحديث ٩٤٧.
عهد
الإمام الرضا عليهالسلام
محاجة الواقفة والرضا عليهالسلام :
مرّ الخبر عن توقّف لفيف من الشيعة عن الإذعان بمفاد الشياع المفيد للعلم بوفاة بل شهادة الكاظم عليهالسلام ، تبعاً لجمع من وكلائه في الكوفة طمعاً بأمواله لديهم! منهم أحمد بن أبي بشر السرّاج المولى وعلي البطايني مولى الأنصار ومعهم حسين بن أبي سعيد المُكاري الموالي الكوفيون.
وكأنّ الأولين حينما عصاهما يونس اليقطيني وأخذ يكذّبهما ويدعو إلى الرضا عليهالسلام ، رأيا أن يحجّا فيحاجّا الإمام مباشرة عسى ولعلّهما يتشبّثا بشيء ، وحملا معهما الحسين المكاري.
وبدأ البطايني فسأل الإمام : ما فعل أبوك؟ قال : مضى. قال : موتاً؟ قال : نعم. قال : فإلى من عَهد؟ قال : إليّ. قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال : نعم.
فالتفت ابن السرّاج وابن المكاري إلى ابن البطايني وقالا له : إي قد والله أمكنك من نفسه!
فقال الرضا عليهالسلام : ويلكم! وبمَ أمكنت؟ أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : أنا إمام مفترض الطاعة؟! والله ما ذاك عليَّ ، وإنّما قلت ذلك لكم لما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتّت أمركم ، لئلّا يصير سرّكم في يد عدوّكم.
فقال ابن البطايني : لقد أظهرت شيئاً ما كان أحد من آبائك يظهره ولا يتكلم به!
قال عليهالسلام : بلى والله لقد تكلّم به خير آبائي رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين ، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً وقال لهم : إنّي رسول الله إليكم ، وكان أشدّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمّه أبو لهب ، فقال لهم النبيّ : إن خدشني منه خدش فلست بنبيّ! وهذا أوّل ما ابدع لكم من آية النبوة! وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام ، وهذا أوّل ما ابدع لكم من آية الإمامة!
قال ابن البطايني : إنّا رُوينا عن آبائك : أنّ الإمام لا يلي أمره إلّاإمام مثله.
فقال له أبو الحسن عليهالسلام : فأخبرني عن الحسين بن علي عليهالسلام كان إماماً أو غير إمام؟ قال : كان إماماً! قال : فمن ولي أمره؟ قال : علي بن الحسين. قال : وأين كان علي بن الحسين؟ قال : كان بالكوفة محبوساً بيد عبيد الله بن زياد ، خرج وهم لا يعلمون حتّى ولى أمر أبيه ثمّ انصرف.
فقال له أبو الحسن عليهالسلام : إنّ الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه يمكِّن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمّ ينصرف ، وليس في حبس ولا في أسار!
ولم يكن يومئذ للرضا عليهالسلام ولد ، فقال له ابن البطايني : فإنّا روينا أنّ الإمام لا يمضي حتّى يرى عقبه؟
قال عليهالسلام : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا؟ قال : لا. قال : بلى والله لقد رويتم فيه : «إلّاالقائم» وأنتم لا تدرون لِمَ قيل ذلك وما معناه.
قال ابن البطائني : بلى والله إنّ هذا لفي الحديث.
فقال له أبو الحسن عليهالسلام : ويلك كيف اجترأت عليَّ بشيء تدع بعضه؟! ثمّ قال له : يا شيخ اتقِ الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله (١)!
وكأنّ الحسين بن أبي سعيد المكاري هنا أراد استدراك الموقف فقال للرضا عليهالسلام : أسألك عن مسألة؟ قال له : إنك لست من أتباعي ما أخالك تسمع مني ، سل.
فقال له : رجل حضرته الوفاة فقال : ما ملكته قديماً فهو حرّ ، وما لم أملكه قديماً فلا؟
قال الرضا عليهالسلام : ويلك أما تقرأ هذه الآية : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٢)) (والعرجون القديم لا يكون إلّافي ستة أشهر) فما ملك الرجل قبل ستة أشهر فهو قديم ، وما ملك بعد الستة أشهر فليس بقديم.
وكأنّه احتج على الإمام عليهالسلام بما رووه ما ظاهره أنّ القائم أبوه الكاظم ، فقال عليهالسلام : أما علمت أنّ الله «جلّ وعلا» أوحى إلى عمران : أنّي واهب لك ذكراً ، فوهب له مريم ثمّ وهب لمريم عيسى ، فعيسى من مريم ، وأنا وأبي شيء واحد ؛ أنا من أبي وأبي مني.
فقال ابن المكاري : أبَلغ الله بك من قدرك أن تدعي ما ادّعى أبوك؟! فتحت بابك وقعدت للناس تفتيهم! ولم يكن أبوك يفعل هذا. فقال عليهالسلام : ليس عليَّ بأس من هارون! أطفأ الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك!
فهم كانوا يحاولون حمله عليهالسلام على سدّ بابه ولو تلويحاً بشدّة بطش الرشيد ، فلمّا لم يفلحوا في ذلك أخذ البطايني يقول لأتباعه : إنّ أبا الحسن الكاظم سيعود
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٦٣ ، الحديث ٨٨٣.
(٢) يس : ٣٩.
إلى ثمانية أشهر! وانقضت وخسر هنالك المبطلون ؛ وزار الرضا عليهالسلام من أهل الكوفة في العمرة محمّد بن الفضيل الصيرفي فسأله الرضا عليهالسلام عنهم فقال له : جعلت فداك ، إني خلّفت ابن أبي حمزة وابن أبي سعيد وابن مهران من أشدّ أهل الدنيا عداوة لله تعالى! ثمّ قال الإمام في علي البطايني : أما استبان لكم كذبه؟! أليس هو الذي قال : إنّ أبا الحسن عليهالسلام يعود إلى ثمانية أشهر؟!
وكأنّ دعاء الإمام على الحسين بن أبي سعيد بلغهم في الحسين بن مهران البغدادي ، فقال محمد : جعلت فداك ، إنّا نروي أنّك قلت لابن مهران : أذهب الله نور قلبك وأدخل الفقر بيتك! فقال عليهالسلام : فكيف حاله؟ قال : سيدي أشدّ حال! هم مكروبون ببغداد ، ولم يقدر الحسين أن يخرج للعمرة. فسكت عليهالسلام (١).
وأجاب الإمام عن شبهاتهم :
مرّ الخبر عن شبهات الواقفة ، فمنها : ما مرّ آنفاً من جوابه عليهالسلام لمحاجّة ابن المكاري بتمثيله بوعد الله لعمران بعيسى عليهالسلام إذ كان بواسطة لا مباشرة.
ومنه ما أسنده الكشي عن داود بن كثير الرقّي الشامي أنّه إنّما كان يتلجلج في صدره الشك في أمر إمامة الرضا عليهالسلام من حديث سمعه من ذُريح المحاربي قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليهالسلام قال : سابعنا قائمنا إن شاء الله! فرحل إلى الرضا عليهالسلام ودخل عليه وعرضه عليه فقال : صدقت وصدق ذُريح وصدق أبو جعفر عليهالسلام ثمّ قال : يا داود بن أبي خالد! أما والله لولا أن موسى قال للعالم : (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِراً (٢)) ما سأله عن شيء! كذلك أبو جعفر لولا أن قال : إن شاء الله ، لكان كما قال.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٤٠٥ ، الحديث ٧٦٠ ، وانظر نظيره في الغيبة : ٦٩ ، الحديث ٧٤.
(٢) الكهف : ٦٩.