معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

وكان ابن عباس يحتجّ على ذلك بأن يقول : لا يكون الاستنساخ إلا من أصل. وفائدة كتب الحفظة الاحتجاج عليهم فى الآخرة ، كما صح أنّ بعض العباد ينكر كتبها عليه ، فينطق الله جوارحه بتصديقهم.

وفى الحديث : إن الحفظة تصعد بعمل العبد ، ويقابلونه باللوح المحفوظ ، فيجدونه سواء ، وتكتب عليه سيئة فلا يجدونها فيخجلون من ذلك ، ويقول الله : قد بلغت ندامة قلبه واستغفاره إلى قبل صعودكما ، فذلك قوله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت.

(نقبوا فِي الْبِلادِ (١)) ؛ أى طافوا فيها ؛ وأصله دخولها من أنقابها ، ومن التنقيب عن الأمر ، بمعنى البحث عنه.

(نجم (٢)) : مشتق من التنجيم ، وهو جنس ، واختلف ما المراد بقوله : والنجم ؛ فقيل :

هو الثريا ؛ لأنه غلب عليها التسمية بالنجم. ومعنى هوى غرب أو انتثر يوم القيامة.

الثانى (٣) أنه جنس النجم. ومعنى هوى انقضّ برجم الشياطين.

وقيل : إنه من نجوم القرآن ، وهوى على هذا معناه نزل.

وأما النّجم الثّاقب (٤) فهو من أسمائه عليه الصلاة والسلام.

وقيل : زحل ؛ لأنه أرفع النجوم ؛ إذ هو فى السماء السابعة.

__________________

(١) ق : ٣٦

(٢) النجم : ١

(٣) كأنه عد قوله : الثريا ـ الأول.

(٤) الطارق : ٣

٥٨١

(نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (١)) : قد قدمنا أن النذير هو المخبر ، والمراد به القرآن. والنّذر الأولى : من نوعها وصفتها.

(النَّجْمُ وَالشَّجَرُ (٢)) : قال ابن عباس : هو النبات الذى لا ساق له ، كالبقول. والشجر : الذى له ساق. وقيل : النجم : جنس نجوم السماء.

والسجود عبارة عن التذلّل والانقياد. وقيل سجود النجم غروبه ، وسجود الشجر بظلّه [١٩٩ ب].

(نَضَّاخَتانِ (٣)) ؛ أى يفوران بالماء. والمراد بهما العينان الجاريتان.

وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين أدنى من أوصاف الجنتين السابقتين ؛ لأنه قال فيهما (٤) : (عَيْنانِ تَجْرِيانِ). وقال فى الأخريين : (عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ). والجرى أشد من النضخ. وقال (٥) : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ). وقال هناك (٦) : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ).

وكذلك صفات الحور هنا أبلغ من صفاتها هناك ؛ وكذلك صفات البسط.

ويفسّر ذلك قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما.

(النَّشْأَةَ الْأُولى (٧)) : هذه الحياة ، والنشأة الأخرى البعث من القبور.

والمقصود بذكرها التنبيه على أنّ الله قادر على أن يبعثهم ؛ ففيها تهديد واحتجاج على البعث.

__________________

(١) النجم : ٥٦

(٢) الرحمن : ٦

(٣) الرحمن : ٦٦

(٤) الرحمن : ٥٠

(٥) الرحمن : ٥٢

(٦) الرحمن : ٦٨

(٧) الواقعة : ٦٢

٥٨٢

(نَجْوى (١)) : سرار ؛ كقوله تعالى (٢) : (إِذْ هُمْ نَجْوى) ؛ أى متناجون.

ومنه (٣) : (لا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). ((٤) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ).

(نَصُوحاً (٥)) ؛ أى خالصة ، من قولهم ، عسل ناصح : إذا خلص من الشمع.

قال عمر بن الخطاب : التوبة النصوح هى أن يتوب من الذّنب ، ثم لا يعود إليه أبدا ، ولا يريد أن يعود.

وقيل : هى أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت ، كتوبة الثلاثة الذين خلّفوا.

وقال الزمخشرى (٦) : وصفت التوبة بالنّصح على الإسناد المجازى ، والنصح فى الحقيقة صفة التائبين ؛ وهى أن ينصحوا بالتوبة.

وهى واجبة على كل مكلف بالكتاب والسنة والإجماع.

وفرائضها ثلاثة : الندم على الذنب من حيث عصى به ذو الجلال ، لا من حيث أضرّ ببدن أو مال. والإقلاع عن الذّنب فى أول أوقات الإمكان من غير تأخير ولا توان. والنية ألّا يعود إليه أبدا ومهما قضى عليه بالذنب أحدث عزما مجددا.

وآدابها ثلاثة : الاعتراف بالذنب مقرونا بالانكسار. والإكثار من التضرع والاستغفار. والإكثار من الحسنات.

ومراتبها سبع : فتوبة الكفار من الكفر. وتوبة المخلصين من الذنوب الكبائر. وتوبة العدول من الصغائر. وتوبة العابدين من الفترات. وتوبة

__________________

(١) المجادلة : ٧

(٢) الإسراء : ٤٧

(٣) المجادلة : ٩

(٤) المجادلة : ١٠

(٥) التحريم : ٨

(٦) الكشاف : ٢ ـ ٤٧٢

٥٨٣

السالكين من علل القلوب والآفات. وتوبة أهل الورع من الشبهات. وتوبة أهل المشاهدة من الغفلات.

والبواعث على التوبة سبعة : خوف العقاب. ورجاء الثّواب. والخجل من الحساب. ومحبّة الحبيب. ومراقبة الرقيب. وتعظيم المقام. وشكر الإنعام.

(نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ (١)) : النفر ما بين الثلاث إلى العشرة. وروى أنهم كانوا سبعة ، وكانوا كلّهم ذكرانا ؛ لأن النفر الرجال دون النساء ؛ وكانوا من أهل نصيبين. وقيل : من أهل الجزيرة.

وقد قدمنا أنه رآهم النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستعدّ لهم ، واجتمع معهم.

وقيل : إنه لم يرهم ، ولم يعلم باستماعهم ، حتى أعلمه الله بذلك ، ولعلها قضايا مختلفة ، وقد وردت فى ذلك أحاديث مضطربة.

وسبب اجتماعهم أنهم لما طردوا عن استراق السمع من السماء برجم النجوم قالوا : ما هذا إلّا لأمر حدث ؛ فطافوا فى الأرض ينظرون ما أوجب ذلك ، حتى سمعوا قراءته صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صلاة الفجر فى سوق عكاظ ؛ فاستمعوا إليه ، وآمنوا به.

(ناشِئَةَ اللَّيْلِ (٢)) : قال ابن عباس : ناشئة الليل : قليل الليل ـ بالحبشة.

وقيل ساعاته كلّهن. وقيل : ما بين المغرب والعشاء. وقيل : القيام أول الليل بعد العشاء. وقيل : النفس الناشئة بالليل ؛ أى تنشأ من مضجعها ، وتقوم للصلاة. وقيل : الجماعة الناشئة الذين يقومون للصلاة. وقيل : العبادة الناشئة

__________________

(١) الجن : ١

(٢) المزمل : ٦

٥٨٤

بالليل. وقيل : الناشئة القيام بعد النوم. فمن قام أوّل الليل من قبل أن ينام فلا يقال له : ناشئة.

(ناظِرَةٌ (١)) : بالظاء من النظر ، ومنه (٢) : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) ناظرة. وبالضاد من التنعم ، ومنه (٣) : ناضرة. وأما (٤) : نظرة إلى ميسرة ـ فمعناه التأخير إلى حال اليسر.

وهذه الآية نصّ فى رؤية مولانا جلّ وعز فى الدار الآخرة ، وهو مذهب أهل السنة ، خلافا للمعتزلة. وتأوّلوا ناظرة بمعنى منتظرة ؛ وهذا باطل ؛ لأن نظر بمعنى [٢٠٠ ا] انتظر يتعدّى بغير حرف جر ، تقول نظرتك بمعنى انتظرتك. وأما المتعدى بإلى فهو من نظر العين. ومنه قوله (٥) : ومنهم من ينظر إليك. وقال بعضهم : (إِلى) هنا ليست بحرف جر ، وإنما هى واحد الآلاء بمعنى النعم ؛ وهذا تكلف فى غاية البعد. وتأوّله الزمخشرى (٦) بأن معناه كقول الناس : فلان ناظر إلى فلان إذا كان يرتجيه ، ويتعلّق به. وهذا بعيد.

وقد جاءت أحاديث صحيحة فى النظر إلى الله صريحة لا تحتمل التأويل ؛ فهى تفسير للآية ، ولو لم تكن جائزة لم يسألها نبى الله موسى فى قوله (٧) : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ).

(نَخِرَةً (٨)) ، وناخرة بمعنى بالية متفتّتة ، واستعظم الكفار رجوعهم فى الآخرة بعد مصيرهم إلى هذا الوصف ، ولم ينظروا فى خلقتهم الأولى من العدم.

(نَمارِقُ (٩)) : وسائد ، واحدها نمرقة (١٠) ونمرقة.

__________________

(١) القيامة : ٢٣

(٢) القيامة : ٢٣

(٣) القيامة : ٢٢

(٤) البقرة : ٢٨٠

(٥) يونس : ٤٣

(٦) الكشاف : ٢ ـ ٥٠٩

(٧) الأعراف : ١٤٣

(٨) النازعات : ١١

(٩) الغاشية : ١٥

(١٠) فى القاموس : النمرقة مثلثة.

٥٨٥

(نجدين (١)) ؛ أى طريقى الخير والشر ، فهو كقوله (٢) : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ؛ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

(ناقَةَ اللهِ (٣)) : منصوب بفعل مضمر ، تقديره : احذروا ناقة الله ؛ أو احفظوا. والمراد بها ناقة صالح عليه‌السلام.

(نسفعا بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (٤)) ؛ أى لنحرقنّها بالنار ؛ من قولك : سفعته النار ، أو من الجذب والقبض على الشيء. والآية فى أبى جهل ؛ أو عده الله إن لم ينته عن كفره وطغيانه أن يأخذ بناصيته ، وهى مقدّم الرأس ، فيلقى فى النار. وهذا كقوله تعالى (٥) : (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ).

وأكد لنسفعا باللام والنون الخفيفة ، وكتبت فى المصحف بالألف مراعاة للوقف عليها. ويظهر لى أنّ الوعيد نفّذ عليه يوم بدر ، حين قتل ، وأخذ بناصيته ، وجرّ إلى القليب.

ووصف ناصيته بالكذب تجوّزا ، والكاذب الخاطئ فى الحقيقة صاحبها ، والخاطئ الذى يفعل الذنب متعمدا. والمخطئ الذى يفعله من غير قصد.

(نَقْعاً (٦)) : يعنى أنّ الإبل حرّكن الغبار عند مشيهنّ.

(نفاثات (٧)) : النفث : شبه النفخ دون تفل وريق. قاله ابن عطية. وقال الزمخشرى (٨) : هو النفخ مع ريق. وهذا النفث ضرب من السحر ؛ وهو أن ينفث على عقد تعقد فى خيط أو نحوه على اسم المسحور ، فيضره ذلك.

__________________

(١) البلد : ١٠

(٢) الإنسان : ٣

(٣) الشمس : ١٣

(٤) العلق : ١٥ ، ١٦

(٥) الرحمن : ٤١

(٦) العاديات : ٤

(٧) الفلق : ٤

(٨) الكشاف : ٢ ـ ٥٦٨

٥٨٦

وحكى ابن عطية أنه حدّثه ثقة أنه رأى ببلاد المغرب خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان ـ وهى أولاد الإبل ، فمنعت ذلك رضاع أمهاتها ، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع فى الحين.

قال الزمخشرى (١) : إن فى الاستعاذة من النفثة ثلاثة أوجه : أحدها أن يستعاذ من مثل عملهن ، وهو السحر ومن إثمهن فى ذلك.

والآخر (٢) أن يستعاذ من خداعهن الناس ومن خبثهن.

والثالث أن يستعاذ مما يصيبه الله من الشر عند نفثهن.

والنفاثات بناء مبالغة ، والموصوف محذوف ، تقديره النساء النفاثات ، أو الجماعات النفاثات ، أو النفوس النفاثات. والأول أصح ؛ لأنه روى أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودى ، وكنّ ساحرات سحرن وأبوهن سيدنا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعقدن له إحدى عشر عقدة ، فأنزل الله تعالى المعوّذتين إحدى عشرة آية بعدد العقد ، وشفا الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فإن قيل : لم عرف النفاثات بالألف واللام ، ونكّر ما قبله ، وهو غاسق وما بعده وهو حاسد ، مع أن الجميع مستعاذ منه؟

فالجواب أنه عرف النفاثات ليفيد العموم ؛ لأن كل نفاثة شريرة ، بخلاف الفاسق والحاسد فإن شرّهما فى بعض دون بعض.

(نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (٣)) : هذا من اعتراف الملائكة والتزام التسبيح. والتقدير : نسبح ملتبسين بحمدك ؛ فهو فى موضع الحال. ويحتمل

__________________

(١) الكشاف : ٢ ـ ٥٦٨

(٢) فى الكشاف : والثانى ، وهو الصواب.

(٣) البقرة : ٣٠

٥٨٧

أن يكون الكاف فى قوله (لَكَ) مفعولا ، ودخلت عليها اللام ، كقولك : ضربت لزيد ، أو أن يكون المفعول محذوفا ؛ أى نقدّسك على معنى ننزّهك ؛ أو نعظمك وتكون اللام فى لك للتعليل ؛ أى لأجلك ، أو يكون التقدير نقدس أنفسنا أى نطهرها لك.

فإن قلت : الملائكة معصومون مطهّرون [٢٠٠ ب] من الرذائل ، فما معنى هذا الاعتراض فى قولهم (١) : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)؟

والجواب أنه ليس فيها اعتراض ولا افتخار ولا منّة بإظهارهم للتسبيح ، وإنما حملهم على هذا القول أنّ الله أعلمهم أن يستخلف فى الأرض من يعصيه ، فاستبعدوا ذلك.

وقيل : كان فى الأرض جنّ ، فأفسدوا ؛ فبعث الله إليهم ملائكة فقتلتهم ، فقاست الملائكة بنى آدم عليهم.

(نُسُكٍ (٢)) : ذبائح. واحدها نسيكة.

(نُنْشِزُها (٣)) ـ بالراء : نحييها ، وبالزاى : نرفعها للأحياء ، مأخوذ من النشز ، وهو المكان المرتفع العالى.

(نُمْلِي لَهُمْ (٤)) ؛ أى نطيل لهم المدة ، فليس فيه خير لهم ، إنما هو استدراج ليكتسبوا الآثام.

(نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ (٥)) : وعد بغفران ذنوب هذه الأمة إذا اجتنبوا الكبائر.

__________________

(١) البقرة : ٣٠

(٢) البقرة : ١٩٦

(٣) البقرة : ٢٥٩

(٤) آل عمران : ١٧٨

(٥) النساء : ٣١

٥٨٨

(نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا (١)) : يعنى من الأجر والحسنات. وقيل من الميراث. ويردّه لفظ الاكتساب.

وسببها أنّ النساء قلن : ليتنا استوينا مع الرجال فى الميراث وشاركناهم فى الغزو؟ فنزلت نهيا عن ذلك ؛ لأن فى تمنيهن ردّا على حكم الشريعة ، فيدخل فى النهى تمنى مخالفة الأحكام الشرعية كلها.

(نُشُوزاً (٢)) ، بالزاى ، له معنيان : شر بين الرجل والمرأة وارتفاع ، ومنه (٣) : (انْشُزُوا) ؛ أى قوموا من المكان ، قال تعالى (٤) : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ...). الآية يفهم منها أنّ الإعراض أخفّ من النشوز. وقوله (٥) : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ) ؛ أى معصيتهنّ وتعاليهنّ عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج.

(نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (٦)) ؛ أى نشويهم. والضمير عائد على الذين كفروا. وقيل : تبدّل لهم جلود بعد جلود أخرى دون نفوسهم ، هى المعذبة. وقيل تبديل الجلود تغيير صفاتها بالنار. وقيل الجلود السرابيل ، وهو بعيد.

(نصب (٧)) ـ بضم الصاد ، مفرده نصاب : حجارة كان أهل الجاهلية يعظّمونها ويذبحون عليها. وليست بالأصنام ؛ لأن الأصنام مصوّرة ، والنصب غير مصورة. وهى الأنصاب. والنصب ـ بفتح الصاد : العناء والتعب. وقول أيوب : ((٨) مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) ؛ أى ببلاء وشر.

__________________

(١) النساء : ٣٢

(٢) النساء : ١٢٨

(٣) المجادلة : ١١

(٤) النساء : ١٢٨

(٥) النساء : ٣٤

(٦) النساء : ٥٦

(٧) المائدة : ٣

(٨) ص : ٤١

٥٨٩

(نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا (١)) ؛ أى نرجع من الهدى إلى الضلال. وأصله الرجوع على العقب فى المشى ، ثم استعير فى المعانى. وهذه الجملة معطوفة على ((٢) أَنَدْعُوا) ؛ والهمزة فيه للإنكار والتوبيخ. وقيل لكل من لم يظفر بما يريد.

(نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ (٣)) ؛ أى نبعدك عما جزى لقومك من الوصول إلى قعر البحر.

وقيل : نلقيك على نجوة من الأرض ؛ أى على موضع مرتفع.

والباء فى ببدنك للمصاحبة ، والمراد به الجسد دون الروح. وقيل : بدرعك ، وكان الدرع من ذهب ، يعرف بها. والمحذوف فى موضع الحال.

(نُغادِرْ (٤)) : نترك ، يقال : غادرنى كذا ، وأغدرته إذا خلّفته. ومنه سمى الغدير ؛ لأنه ما تخلّفه السيول.

(نُكْراً (٥)) ؛ أى منكرا ، وهو أبلغ من قوله (٦) : (إِمْراً). ويجوز ضم الكاف وإسكانها.

(نُفِخَ فِي الصُّورِ (٧)) ؛ وهو القرن الذى ينفخ فيه إسرافيل يوم القيامة ، كما جاء فى الحديث : إنه على صورة جناح النحل ، وينفخ فيه إسرافيل نفختين : إحداهما للصعق ، والأخرى للقيام من القبور.

(نُزُلاً (٨)) : ما يبسّر للضيف والقادم عند نزوله. والمعنى أن لهم جهنم بدل النزل ، كما أن الجنة نزل فى قوله (٩) : (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً).

__________________

(١) الأنعام : ٧١

(٢) الآية نفسها.

(٣) يونس : ٩٢

(٤) الكهف : ٤٧

(٥) الكهف : ٧٤

(٦) فى الآية (٧١) قبلها :

لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً.

(٧) الكهف : ٩٩

(٨) الكهف : ١٠٢

(٩) الكهف : ١٠٧

٥٩٠

ويحتمل أن يكون النزل من النزول.

(نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١)) : الآية فى كفار العرب لقوله : كفروا بآيات ربهم ولقائه. وقيل فى الرهبان يتعبدون ويظنّون أنّ عبادتهم تنفعهم ، وهى لا تقبل منهم.

(نهى (٢)) : عقول ، واحدتها نهية.

(نُعِيدُكُمْ (٣)) ؛ أى بالدفن.

(نُخْرِجُكُمْ (٤)) ؛ أى بالبعث.

(نحرقنه (٥)) ؛ أى بالنار ، أو نبرده بالمبارد ، على من قرأه بفتح النون وضم الراء. وقد حمل بعضهم قراءة الجماعة على أنها من هذا المعنى ؛ لأن الذهب لا يفنى بالإحراق بالنار.

والصحيح أنّ المقصود بإحراقه بالنار إفساد صورته ، فيصحّ حمل قراءة الجماعة عليه.

(نُكِسُوا (٦) عَلى رُؤُسِهِمْ) [٢٠١ ا] : استعارة لانقلابهم برجوعهم عن الاعتراف بالحق إلى الباطل ، يقال نكس فلان : إذا سقط من مكان وارتفعت رجلاه ، ونكس المريض إذا خرج من مرض ثم عاد إلى مثله.

والضمير يعود على قوم إبراهيم لمّا وجدوا الفأس معلّقا فى عنق كبير أصنامهم فسألوه ، فقال : فعله كبيرهم هذا ... الآية.

(نُشُوراً (٧)) ؛ أى الحياة بعد الموت. ومنه : وإليه النّشور.

__________________

(١) الكهف : ١٠٣

(٢) طه : ٥٤

(٣) طه : ٥٥

(٤) طه : ٥٥

(٥) طه : ٩٧

(٦) الأنبياء : ٦٥

(٧) الفرقان : ٣

٥٩١

(نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً (١)) : هذا ردّ على قريش من اعتذارهم فى تخطّف الناس لهم أن آمنوا. والمعنى أنّ الحرم لا تتعرض له العرب بقتال ، ولا يمكّن الله أحدا من إهلاك أهله ؛ فقد كانت العرب تغير بعضها على بعض ، وأهل مكة آمنون من ذلك.

(نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ (٢)) : هذا من قول الله لأهل النار القائلين : ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنّا نعمل. وهو قول أهل الطبقة الخامسة ؛ لأنه صح أن أهل «الأولى» يقولون : يا حنّان يا منّان ؛ وهم العصاة من هذه الأمة ، «والثانية» تقول : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالّين ، «والثالثة» تنادى : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، «والرابعة» تنادى : ربّنا أخّرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ، «والسادسة» تقول : ادع لنا ربّك يخفّف عنا يوما من العذاب ، «والسابعة» تنادى : يا مالك ، ليقض علينا ربّك. فيجاوب كلّ أحد بما يليق به ؛ فهؤلاء قال لهم : أو لم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكر ، وجاءكم النّذير. وهو نبيّنا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل : الشيب ؛ لأنه نذير بالموت. والأوّل أظهر.

وقد اطلع بعضهم يوما فى المرآة ، فرأى الشّيب فى لحيته ، فاعتزل أهله وماله حتى لحق بالله.

وقد اختلف فى حد التعمير ، كم هو؟ وقد قدمنا أنه سبعون سنة للحديث. وقيل البلوغ. والأول أرجح.

(نُحاسٌ (٣)) : دخان. وقيل هو الصّفر يذاب ويصبّ على رءوس

__________________

(١) القصص : ٥٧

(٢) فاطر : ٣٧

(٣) الرحمن : ٣٥ ، والآية : يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.

٥٩٢

أهل الموقف. وقرئ نحاس ـ بالرفع عطف على (شُواظٌ). وبالخفض عطف على نار.

(ن (١)) : حرف من حروف الهجاء. وحكى الكرمانى فى العجائب أن معناه اصنع ما شئت. وقيل : إنه من حرف الرحمن ؛ فإن حروف الرحمن فى الم وحم ون. وقيل : إن (ن) هنا يراد به الحوت. وزعموا أنه الحوت الأعظم الذى عليه الأرضون السبع. وهذا لا يصحّ ، على أن النون بمعنى الحوت معروف فى اللغة ، ومنه ذو النّون. وقيل : إن ن هنا يراد به الدواة. وهذا غير معروف فى اللغة ؛ ويبطل قول من قال إنه الحوت أو الدواة بأنه إن كان كذلك لكان معربا بالرفع أو النصب أو الخفض ، ولكان فى آخره تنوين ، فكونه موقوفا دليل على أنه حرف هجاء ؛ نحو : الم ، وغيره من حروف الهجاء الموقوفة.

(نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٢)) : يعنى النفخ فى الصّور. ويحتمل أن يريد النفخة الأولى ، أو الثانية.

(نُسِفَتْ (٣)) : ذهب بها كلها بسرعة.

(النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٤)) : فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن التزويج بمعنى التنويع ؛ لأن الأزواج هى الأنواع ؛ فالمعنى جعل الكافر مع الكافر ، والمؤمن مع المؤمن. والآخر (٥) زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم مع الحور العين. والثالث زوجت الأرواح والأجساد ؛ أى ردّت إليها بعد البعث.

والأول هو الراجح ؛ لأنه مروىّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن عمر بن الخطاب وابن عباس.

__________________

(١) القلم : ١

(٢) المدثر : ٨

(٣) المرسلات : ١٠

(٤) التكوير : ٧

(٥) كان حقه : والثانى.

٥٩٣

(نِحْلَةً (١)) ؛ أى عطية منكم لهن ، أو عطية من الله. وقيل معنى نحلة شرعة وديانة ؛ وانتصابه على المصدر من معنى آتوهنّ ، أو على الحال من ضمير المخاطبين.

والمراد بهذا أنّ المهور هبة من الله تعالى للنساء والنفقة عليهن ؛ وسببه ـ على ما قيل ـ أن حواء لما أصاب آدم التعب فى الحرث أخذت قبضة من الزرع وزرعته ، فنبت شعيرا ؛ فلما رأت تغيّر أفعالها وظهور نكالها اغتمت ، فقال : اغتممت لأجلنا ساعة لأرفع قدرك بأن أكلف الرجال همّ النفقة عليك وعلى بناتك ، وامتحنهنّ بالمهر والنفقة عليكن ؛ فمن اغتمّت لأجله ساعة أنجاه من الغمّ دهرا طويلا ، فكيف من اغتم من خوف قطيعته سبعين سنة أو أكثر ، كيف لا ينجيه منها.

(نَسْياً مَنْسِيًّا (٢)) ؛ بفتح النون وكسرها : هو الشيء الحقير الذى إذا [٢٠١ ب] ألقى لم يلتفت إليه.

(النّون) : على أوجه : اسم ، وهى ضمير النسوة ؛ نحو : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ).

(وحرف ؛ وهى نوعان : نون التوكيد ، وهى خفيفة وثقيلة ؛ نحو : ليسجننّ وليكونا. ولنسفعا. وقطّعن أيديهن. ولم تقع الخفيفة فى القرآن إلا فى هذين الموضعين ، وثالث فى قراءة شاذة ، وهى : فإذا جاء وعد الآخرة لنسوء وجوهكم. ورابع فى قراءة الحسن : ألقيا فى جهنّم ؛ ذكره ابن جنى فى المحتسب (٣).

__________________

(١) النساء : ٤

(٢) مريم : ٢٣

(٣) المحتسب : ٢ ـ ١٥ ، ٢٨٤

٥٩٤

ونون الوقاية ، وتلحق ياء المتكلم المنصوبة بفعل : فاعبدنى. ليحزننى. أو حرف ، نحو : يا ليتنى كنت معهم. إنى أنا الله.

والمجرورة بلدن ، نحو : من لدنّى عذرا. أو من أو عن ؛ نحو : ما أغنى عنى. وألقيت عليك محبة منى.

(التّنوين) : نون تثبت لفظا لا خطّا. وأقسامه كثيرة :

تنوين التمكين ، وهو اللّاحق للأسماء المعربة ، نحو : هدى ورحمة. وإلى عاد أخاهم هودا. إنا أرسلنا نوحا.

وتنوين التنكير ؛ وهو اللاحق لأسماء الأفعال ، فرقا بين معرفتها ونكرتها ، نحو التنوين اللاحق لأفّ فى قراءة من نوّنه ، وهيهات فى قراءة من نوّنها.

وتنوين المقابلة ؛ وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم ، نحو : مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات.

وتنوين العوض ؛ إما عن حرف آخر ؛ نحو : فاعل المعتل ، نحو : والفجر وليال. ومن فوقهم غواش. أو عن اسم مضاف إليه فى كلّ وبعض وأى ، نحو : كلّ فى فلك. فضلنا بعضهم على بعض. أيّا مّا تدعوا (١).

أو عن الجملة المضاف إليها إذ ، نحو : وأنتم حينئذ تنظرون ؛ أى حين إذا بلغت الروح الحلقوم.

وإذا على ما تقدم عن شيخنا ، ومن نحا نحوه : وإنكم إذا لمن المقرّبين ؛ أى إذا غلبتم.

__________________

(١) الإسراء : ١١٠

٥٩٥

وتنوين الفواصل الذى يسمى فى غير القرآن الترنّم ، بدلا من حرف الإطلاق ؛ ويكون فى الاسم والفعل والحرف. وخرّج عليه الزمخشرى وغيره : قواريرا. والليل إذا يسر (١). كلا سيكفرون ؛ بتنوين الثلاثة.

(نَعَمْ) : حرف جواب ، فتكون تصديقا للمخبر ، ووعدا للطالب ، وإعلاما للمستخبر. وإبدال عينها حاء وكسرها وإتباع النون لها فى الكسر لغات قرئ بها.

(نِعْمَ) : فعل لإنشاء المدح لا يتصرف.

__________________

(١) الفجر : ٤

٥٩٦

حرف الصاد المهملة

(صالِحُ عليه‌السلام) : قال وهب : هو ابن عبيد بن هاير بن ثمود بن حائر ابن سام بن نوح ، بعث إلى قومه حين راهق الحلم ، وكان رجلا أحمر إلى البياض ، سبط الشعر ، فلبث فيهم أربعين سنة.

وقال نوف البكالى : صالح من العرب لما أهلك الله عادا عمرت ثمودا بعدها ، فبعث الله صالحا غلاما شابّا ، فدعاهم إلى الله حتى شمط وكبر ، ولم يكن بين نوح وإبراهيم نبىء إلا هود وصالح ؛ أخرجهما فى المستدرك.

وقال ابن حجر وغيره : القرآن يدلّ على أنّ ثمودا كان بعد عاد ، كما كان عاد بعد قوم نوح.

وقال الثعلبي ـ ونقله عنه النووى فى تهذيبه ومن خطه نقلت : هو صالح ابن عبيد بن آسف (١) بن ماشج (٢) بن عبيد بن هاذر (٣) بن ثمود بن عاد ابن عوض بن آدم بن سام بن نوح ، بعثه الله إلى قومه وكانوا عربا منازلهم بين الحجاز والشام ، فأقام فيهم عشرين سنة ، وأقام بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

(صَلاةِ) : تأتى على أوجه :

الصلوات الخمس : يقيمون الصلاة. وصلاة العصر : تحبسونهما من بعد الصلاة. وصلاة الجمعة : إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة. والجنازة : ولا تصلّ

__________________

(١) فى ب : أسيف. وارجع إلى المحبر : ٣٨٥ ، والطبرى (١ ـ ٢٢٦).

(٢) فى الطبرى : ماسخ.

(٣) فى الطبرى : خادر. ونسبه فى المحبر : صالح بن آسف بن كما شح بن أروم بن ثمود.

٥٩٧

على أحد منهم. والدعاء : وصلّ عليهم. والدين : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ). والقراءة : ولا تجهر بصلاتك. والرحمة والاستغفار : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). ومواضع الصلاة : وصلوات ومساجد. قال الجواليقى (١) : هى بالعبرانية كنائس اليهود ؛ وأصلها صلوتا.

(صيب (٢)) : المطر. وأصله صيوب ، ووزنه فيعل ؛ وهو مشتق من قولك : صاب يصوب. وقوله : أو كصيّب من السماء ، فهو عطف على الذى استوقد. والتقدير أو كصاحب صيّب. وأو للتنويع ؛ لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين. وفى قوله : من السماء ـ إشارة [٢٠٢ ا] إلى قوته وشدة انصبابه.

قال ابن مسعود : إن رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر ، وأيقنا بالهلاك ، فعزما على الإيمان ، ورجعا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله ما نزل بهما مثلا للمنافقين.

وقيل المعنى : تشبيه المنافقين فى حيرتهم فى الدين وفى خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق ؛ ؛ فضلّ عن الطريق ، وخاف الهلاك. وهذا التشبيه على الجملة.

وقيل : إن التشبيه على التفصيل ؛ فالمطر مثل القرآن أو الإسلام ، والظلمات مثل لما فيه من البراهين الواضحة.

فإن قيل : لم قال : رعد وبرق بالإفراد ، ولم يجمعهما كما جمع ظلمات؟

فالجواب أنّ الرعد والبرق مصدران ، والمصدر لا يجمع. ويحتمل أن يكونا اسمين ، وترك جمعهما لأنهما فى الأصل مصدران.

__________________

(١) المعرب : ٢١١ ، وفيه : وصلوات : هى كنائس اليهود ، وهى بالعبرانية صلوتا.

(٢) البقرة : ١٩

٥٩٨

(صواعق (١)) : جمع صاعقة ، وهى كلّ عذاب مهلك. ومنه (٢) : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) ؛ أى من أجل الصواعق. قال ابن مسعود : كانوا يجعلون أصابعهم فى آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فى مجلسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فهو على هذا حقيقة فى المنافقين ، والصواعق على هذا ما يكرهونه من القرآن ، والموت هو ما يتحقق فوته ؛ فهما مجازان.

وقيل : إنه راجع إلى أصحاب المطر المشبّه بهم ، فهو حقيقة فيهم. والصواعق على هذا حقيقة ، وهى التى تكون مع المطر من شدة الرعد ونزول قطعة نار ؛ والموت أيضا حقيقة.

وقيل : إنه راجع إلى المنافقين على وجه التشبيه لهم فى خوفهم ، بمن جعل أصابعه فى آذانه من شدة الخوف من المطر والرعد؟

فإن قيل : لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم؟ والأنامل هى التى تجعل فى الأذن؟

فالجواب أن ذكر الأصابع أبلغ ، لأنها أعظم من الأنامل ؛ ولذلك جمعها مع أنّ الذى يجعل فى الأذن السبابة خاصة.

(صابئين (٣)) : خارجين من دين إلى دين. يقال : صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين آخر ، وصبأت النجوم خرجت من مطالعها ، وصبأ نابه : خرج.

قال قتادة : الأديان ستة ، واحد للرحمن ، وخمسة للشيطان. الصائبون يعبدون الملائكة ، ويصلّون إلى القبلة ، ويقرءون الزّبور. والمجوس يعبدون الشمس والقمر. والذين أشركوا يعبدون الأوثان. واليهود والنصارى معلوم دينهما.

__________________

(١) البقرة : ١٩

(٢) البقرة : ١٩

(٣) البقرة : ٦٢

٥٩٩

(صَفْراءُ (١)) : من الصّفرة المعروفة ، ومنه (٢) : «جمالات صفر». وقيل سودا. وهو بعيد. والظاهر صفراء كلها. وقيل : القرن والظّلف فقط ؛ وهو بعيد.

(الصَّفا وَالْمَرْوَةَ (٣)) : جبلان صغيران بمكة السعى بينهما واجب عند مالك والشافعى رضى الله عنهما.

فإن قلت : لم جىء فى الآية بلفظ يقتضى الإباحة ، وهو قوله (٤) : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)؟

والجواب أن بعض الصحابة امتنعوا من السعى بينهما ؛ لأنه كان فى الجاهلية صنم ، يقال له إساف ، وعلى المروة صنم يقال له نائلة ، فخافوا أن يكون السعى بينهما تعظيما للصنمين ، فرفع الله ما وقع فى نفوسهم من ذلك.

فإن قلت : من أين يؤخذ وجوب السعى؟

فالجواب أنه واجب بالسنة ؛ لقول عائشة : أوجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السعى بين الصفا والمروة ، وليس لأحد تركه.

وقيل : إن الوجوب يؤخذ من قوله (٥) : (شَعائِرِ اللهِ). وهذا ضعيف ؛ لأن شعائر الله منها واجبة ، ومنها مندوبة. وقد أخذ بعضهم من الآية ندب السعى بينهما.

(الصَّلاةِ الْوُسْطى (٦)) : على القول بأنها الظهر أو الجمعة ؛ لأنها فى وسط النهار ، أو لفضلها ؛ من الوسط وهى الخيار. وسمّيت وسطى لتوسّطها فى عدد

__________________

(١) البقرة : ٦٩

(٢) المرسلات : ٢٣

(٣) البقرة : ١٥٨

(٤) البقرة : ١٥٨

(٥) البقرة : ١٥٨

(٦) البقرة : ٢٣٨

٦٠٠