معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

(كَالْمُهْلِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (١)) : شبّه السماء بالمهل ، وهو دردىّ الزّيت ؛ فى سوادها ، وانكدار أنوارها يوم القيامة ؛ أو هو ما أذيب من الفضة وشبهها ؛ شبّه السماء به فى تلوّنه ، وشبّه الجبال بالعهن وهو الصّوف المصبوغ ألوانا ، فيكون التشبيه فى الانتفاش وفى اختلاف الألوان ؛ لأن الجبال منها سود ومنها بيض.

(كُبَّاراً (٢)) ـ بتشديد الموحدة أبلغ من الكبار بالتخفيف. والكبار المخفف أبلغ من الكبير.

(كَثِيباً مَهِيلاً (٣)) : معناه أن الجبال تصير إذا نسفت يوم القيامة مثل الكثيب ؛ وهو كدس الرمل. والمهيل : الليّن الرّخو نشرته الرياح ؛ ووزنه مفعول.

(كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصى فِرْعَوْنُ [١٣٣ ا] الرَّسُولَ (٤)) : اللام للعهد. والرسول إلى فرعون موسى.

(الْكُبَرِ (٥)) : جمع كبرى. وقال ابن عطية : جمع كبيرة. والأول هو الصحيح ؛ والمراد بها إما جهنم ، أو الآيات والنّذارة (٦).

(كُوِّرَتْ (٧)) : ذهب ضوؤها. وقيل كوّرت كما تكون العمامة. وأخرج ابن أبى جرير عن سعيد بن جبير ، قال : كوّرت (٨) : غوّرت بالفارسية.

__________________

(١) المعارج : ٩

(٢) نوح : ٢٢

(٣) المزمل : ١٤

(٤) المزمل : ١٥ ، ١٦

(٥) المدثر : ٣٥

(٦) النذارة : الإنذار (القاموس).

(٧) التكوير : ١

(٨) المعرب : ٢٨٧

١٨١

(كُشِطَتْ (١)) : أى قشرت كما يقشر جلد الشاة حين تسلخ ، وكشط السماء هو طيّها كطىّ السجلّ ؛ قاله ابن عطية : وقيل معناه كشفت. وهذا أليق بالكشط.

(كنس (٢)) : من قولك كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو موضعه. والمراد بها الدرارى السبعة ؛ لأنها تكنس فى جريها أو فى أبراجها وتخفى بضوء الشمس. وقيل : يعنى بقر الوحش ؛ فالخنّس على هذا من خنس الأنف ، والكنس من سكناها فى كناسها.

(كُفُواً (٣)) : مثلا.

(كَهْلاً (٤)) : هو الذى انتهى شبابه. والمعنى أن عيسى عليه‌السلام يكلّم الناس فى المهد وكهلا.

(أكب) الرجل على وجهه فهو مكب ، وكبّه غيره بغير ألف.

(كِسَفاً (٥)) : بفتح السين ـ جمع كسفة ، وهى القطعة. وقرئ بالإسكان ؛ ومنه قوله (٦) : (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ).

(كِفْلٌ مِنْها (٧)) : أى نصيب ؛ ومنه كفلين من رحمته ؛ أى نصيبين. ومنه الحديث : يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بى ... الحديث. وقد نظم بعض المتأخرين الذين يؤتون أجرهم مرّتين :

__________________

(١) التكوير : ١١

(٢) التكوير : ١٦

(٣) الإخلاص : ٤

(٤) آل عمران : ٤٦

(٥) الإسراء : ٩٢

(٦) سبأ : ٩ ، وقراءة حفص يفتح السين.

(٧) النساء : ٨٥

١٨٢

ثلاث وعشر فى المثبت فضّلوا

أمن يرفع الأخبار قد جاء مطلقا

فأزواج خير المرسلين ومؤمن

من أهل الكتاب اليوم بالحقّ صدّقا

كذا العبد إن ينصح مواليه دائما

ويلزم باب الله بالدّين والتّقى

وذو أمة تأديبها كان محسنا

فصار لها زوجا وقد كان أعتقا

ومجتهد فى الحق صادف رأيه

ومن حاول القرآن بالجهد والشّقا

ومن غسله ثنتين حال وضوئه

وعام يسد الصفّ مهما تفرّقا

ومن يشكر النعماء إن كان ذا غنى

ومن خصّ فى الأرحام فيما تصدّقا

ومن سنّ خيرا ، والجبان إذا رمى

بنفس على الكفّار واقتحم اللّقا

كذلك من صلّى بفرض تيمّم

وبعد وجود الماء عاد وحققا

وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى موسى الأشعرى ، قال : كفلين ضعفين ـ بالحبشية.

١٨٣

(كَيْدَهُنَ (١)) : قد قدمنا أن الكيد من الخلق احتيال ، ومن الله مشيئته أمرا ينزل بالعبد من حيث لا يشعر. وأما قوله تعالى (٢) : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) فمعناه فعلنا له ذلك ؛ لأنه كان فى شرعه أو عادته أن يضرب السارق ، ويضاعف عليه الغرم ، ولكن حكم فى هذه القضية بحكم آل يعقوب.

(كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ (٣)) : يعنى الشهادة بأنّ الأنبياء على الحنيفية. و (مِنَ اللهِ) يتعلق بكتم أو بعنده ، كأنّ المعنى شهادة تخلصت له من الله.

(أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ (٤)) : جمع كنان ، وهو الغطاء. وأن يفقهوه مفعول من أجله ، تقريره كراهة أن يفقهوه ؛ وهذه كلها استعارات فى إضلالهم. وأكنانا فى قوله تعالى (٥) : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) ـ جمع كن ، وهو ما يقى من الحر والبرد والريح وغير ذلك. ويعنى بذلك الغيران (٦) والبيوت المنحوتة فى الجبال.

(كِبْرَهُ (٧)) ـ بفتح الكاف وكسرها لغتان : أى معظمه. وأما قوله تعالى (٨) : (إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) ؛ أى تكبّر. وقوله (٩) : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) ؛ أى الملك. والخطاب لموسى وأخيه عليهما‌السلام ؛ وإنما سمى الملك كبرياء ، لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا.

(كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ (١٠)) : الخطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد غيره. وقيل ذلك

__________________

(١) يوسف : ٣٤

(٢) يوسف : ٧٦

(٣) البقرة : ١٤٠

(٤) الأنعام : ٢٥

(٥) النحل : ٨١

(٦) جمع غار.

(٧) النور : ١١

(٨) غافر : ٥٦

(٩) يونس : ٧٨

(١٠) يونس : ٩٤

١٨٤

كقول القائل لابنه : إن كنت ابني فترنى مع أنه لا يشكّ أنه ابنه ، ولأن من شأن الشك أن يزول بسؤال أهل العلم ، فأمره بسؤالهم

قال ابن عباس : لم يشك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يسأل.

وقال الزمخشرى (١) : ذلك على وجه الفرض والتقدير ؛ أى إن فرضت أن تقع فى شكّ فاسأل. والمنزول عليه القرآن [١٣٣ ب] والشرع بجملته ، وهذا أظهر. وقيل : يعنى ما تقدم من أنّ بنى إسرائيل ما اختلفوا إلّا من بعد ما جاءهم الحق. والذين يقرءون الكتاب هم عبد الله بن سلام ، ومن أسلم من الأحبار ؛ وهذا بعيد ؛ لأن الآية مكية. وإنما أسلم هؤلاء بالمدينة فحمل الآية على الإطلاق أولى.

(كِفاتاً (٢)) : من كفت ، إذا ضمّ وجمع. والمعنى أن الأرض تكفت الأحياء ؛ لأن الكفات اسم لما يضم ويجمع ؛ فكأنه قال جامعة أحياء وأمواتا.

ويجوز أن يكون المعنى تكفتهم أحياء وأمواتا ، فيكون نصبهما على الحال من الضمير ؛ وإنما نكّر أحياء وأمواتا للتفخيم ، ودلالة على كثرتهم ؛ وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة ؛ لأنها مقبرة تضم الموتى.

(كِذَّاباً (٣)) : بالتشديد ، مصدر بمعنى تكذيب. وبالتخفيف بمعنى الكذب أو المكاذبة ، وهى تكذيب بعضهم لبعض.

(الكاف) : حرف جرّ له معان ؛ أشهرها التشبيه ؛ نحو (٤) : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ).

__________________

(١) الكشاف : ١ ـ ٤٣٠

(٢) المرسلات : ٢٥

(٣) النبأ : ٢٨

(٤) الرحمن : ٢٤

١٨٥

والتعليل (١) : (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ). قال الأخفش : أى لأجل إرسالنا (فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ). ((٢) وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) ؛ أى لأجل هدايته إياكم.((٣) وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ؛ أى أعجب لعدم فلاحهم. ((٤) اجْعَلْ كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).

والتأكيد ، وهى الزائدة ؛ وحمل عليه الأكثرون : ((٥) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ؛ أى ليس مثله شىء ، ولو كانت غير زائدة لزم إثبات المثل ؛ وهو محال. والقصد بهذا الكلام نفيه. قال ابن جنّى : وإنما زيدت لتوكيد نفى المثل ؛ لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا. وقال الراغب (٦) : إنما جمع بين الكاف والمثل لتأكيد النفى ، تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف ؛ فنفى بليس الأمرين جميعا. وقال ابن فورك (٧) : ليست زائدة. والمعنى ليس مثله مثل شىء ، وإذا نفيت التماثل عن المثل فلا مثل لله فى الحقيقة (٨).

وقال الشيخ زين الدين بن عبد السلام : مثل يطلق ويراد بها الذات ؛ كقولك : مثلك لا يفعل ؛ أى أنت لا تفعله. كما قال :

ولم أقل مثلك ؛ أعنى به

سواك يا فردا بلا مشبه

وقد قال تعالى (٩) : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا). أى بالذى آمنتم به إياه ؛ لأن إيمانهم لا مثل له ؛ فالتقدير فى الآية ليس كذاته شىء.

__________________

(١) البقرة : ١٥١

(٢) البقرة : ١٩٨

(٣) القصص : ٨٢

(٤) الأعراف : ١٣٨

(٥) الشورى : ١١

(٦) المفردات : ٤٦٢

(٧) هو أبو بكر بن محمد بن الحسن بن فورك الأديب المتكلم الأصولى ، توفى سنة ٤٠٦ ه‍.

(٨) البرهان : ٤ ـ ٣١ ، وفى البرهان : عن الفعل. والمثبت فى الإتقان أيضا.

(٩) البقرة : ١٣٧

١٨٦

وقال الراغب (١) : المثل هاهنا بمعنى الصفة ، ومعناه : ليس كصفته صفة ؛ تنبيها على أنه وإن كان وصف بكثير مما وصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل فى البشر ، وله المثل الأعلى.

تنبيه

ترد الكاف اسما بمعنى مثل ؛ فتكون فى محلّ إعراب ، ويعود عليها الضمير ، قال الزمخشري (٢) : فى قوله (٣) : (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ) ـ إن الضمير فى فيه للكاف فى كهيئة ، أى أنفخ فى ذلك الشيء المماثل [لهيئة الطير](٤) فيصير كسائر الطيور (٥).

مسألة

الكاف فى (ذلِكَ) ونحوه (٦) حرف خطاب لا محل له من الأعراب. وفى إيّاك قيل حرف ، وقيل اسم مضاف إليه. وفى : (أَرَأَيْتَكَ) قيل حرف ، وقيل اسم ، فى محل رفع ، وقيل نصب. والأول أرجح.

(كادَ) : فعل ناقص أتى منه الماضى والمضارع فقط ، له اسم مرفوع وخبر مضارع مجرد من أن (٧) ، ومعناها قارب. فنفيها نفى للمقاربة ، وإثباتها إثبات

__________________

(١) المفردات : ٤٦٣

(٢) الكشاف : ١ ـ ١٤٥

(٣) آل عمران : ٤٩

(٤) من الكشاف.

(٥) فى الكشاف : فيصير طيرا كسائر الطيور.

(٦) فى الإتقان : أى فى اسم الإشارة وفروعه ونحوه.

(٧) هذا فى الأصل. وقال ابن مالك :

ككان كاد وعسى لكن ندر

غير مضارع لهذين خبر

وكونه بدون أن بعد عسى

نزر وكاد الأمر فيه عكسا

١٨٧

للمقاربة. واشتهر على ألسنة كثير أن نفيها إثبات وإثباتها نفى ؛ فقولك : كاد زيد يفعل ـ معناه لم يفعل ، بدليل (١) : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ). وما كاد يفعل ، معناه فعل ، بدليل (٢) : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ).

أخرج ابن أبى حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : كل شىء فى القرآن وإن كادوا وكاد ويكاد فإنه لا يكون أبدا.

وقيل : إنها تفيد الدلالة على وقوع الفعل بعسر. وقيل : نفى الماضى إثبات ؛ بدليل : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ، ونفى المضارع نفى بدليل (٣) : (لَمْ يَكَدْ يَراها) ، مع أنه لم ير شيئا. والصحيح الأول ، وأنها كغيرها ، نفيها نفى وإثباتها إثبات ، فمعنى كاد يفعل قارب الفعل ولم يفعل. وما كاد يفعل ما قارب الفعل ، فضلا عن أن يفعل [١٣٤ ا] ، فنفى الفعل لازم من نفى المقاربة عقلا.

وأما آية (٤) : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) ، فهو إخبار عن حالهم فى أول الأمر ؛ فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها ، وإثبات الفعل إنما فهم من دليل آخر ، وهو قوله : فذبحوها. وأما قوله تعالى (٥) : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ) ـ مع أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يركن لا قليلا ولا كثيرا فإنه مفهوم من جهة أن «لو لا» الامتناعية تقتضى ذلك.

فائدة

ترد كاد بمعنى أراد. ومنه (٦) : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ). و ((٧) أَكادُ أُخْفِيها). وعكسه ، كقوله تعالى (٨) : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) ، أى يكاد.

__________________

(١) الإسراء : ٧٣

(٢) البقرة : ٧١

(٣) النور : ٤٠

(٤) البقرة : ٧١

(٥) الإسراء : ٧٤

(٦) يوسف : ٧٦

(٧) طه : ١٥

(٨) الكهف : ٧٧

١٨٨

(كانَ) : فعل ناقص متصرّف ، يرفع الاسم وينصب الخبر ، معناه فى الأصل المضىّ والانقطاع ، نحو (١) : (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً).

وتأتى بمعنى الدّوام والاستمرار ، نحو : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) ، أى لم نزل كذلك. وعلى هذا المعنى تتخرج جميع الصفات الذاتية المقترنة بكان.

قال أبو بكر الرازى : كان فى القرآن على خمسة أوجه : بمعنى الأزل والأبد ، كقوله : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

وبمعنى المضىّ المنقطع ، وهو الأصل فى معناها ، نحو (٢) : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ).

وبمعنى الحال ؛ نحو : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). ((٣) إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).

وبمعنى الاستقبال ؛ نحو (٤) : (يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً).

وبمعنى صار ؛ نحو (٥) : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).

قلت : أخرج ابن أبى حاتم عن السّدّىّ ، قال : قال عمر بن الخطاب : لو شاء الله لقال : أنتم ، فكنّا كلّنا ، ولكن قال : كنتم فى خاصة أصحاب محمد.

__________________

(١) التوبة : ٦٩

(٢) النمل : ٤٨

(٣) النساء : ١٠٣

(٤) الإنسان : ٧

(٥) البقرة : ٣٤

١٨٩

وترد (كانَ) بمعنى ينبغى ؛ نحو (١) : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها). ((٢) ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا).

وبمعنى حضر أو وجد ؛ نحو (٣) : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ). (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً). (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً).

وترد للتأكيد ؛ وهى الزائدة ، وجعل منه : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(كَأَنْ) ـ بالتشديد : حرف للتشبيه المؤكد ؛ لأن الأكثر على أنه مركّب من كاف التشبيه ، وأن المؤكدة. والأصل فى كأن زيدا أسد ـ إن زيدا كأسد. قدم حرف التشبيه اهتماما به ، ففتحت همزة أن لدخول الجار.

قال حازم : وإنما تستعمل حيث يقوى التشبيه حتى يكاد الرّائى يشك فى أن المشبّه هو المشبّه به ؛ ولذلك قالت بلقيس (٤) : (كَأَنَّهُ هُوَ).

قيل : وترد للظن والشك فيما إذا كان خبرها غير جامد.

وقد تخفّف ؛ نحو (٥) : (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ).

(كَأَيِّنْ) : اسم مركب من كاف التشبيه وأىّ المنونة للتكثير فى العدد ؛ نحو (٦) : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ).

وفيه لغات ؛ منها كائن بوزن بائع (٧) ، وقرأ بها ابن كثير حيث وقعت. وكأيّن بوزن كعيّن ، وقرئ بها. وكأيّن من نبىّ قاتل.

__________________

(١) النمل : ٦٠

(٢) النور : ١٦

(٣) البقرة : ٢٨٠

(٤) النمل : ٤٢

(٥) يونس : ١٢

(٦) آل عمران : ١٤٦

(٧) فى حاشية المغنى (١ ـ ١٥٥) : وعلى زنة اسم الفاعل. وكأين ـ بهمز ساكن بعده ياء مكسورة. وفى ابن قتيبة (٣٩٦) ، والإتقان (٢ ـ ٢١٨) ما أثبتناه أيضا.

١٩٠

وهى مبنيّة لازمة الصدر ، ملازمة للإبهام ، مفتقرة إلى تمييز ؛ وتمييزها مجرور بمن غالبا ـ وقال ابن عصفور : لازما.

(كذا) : لم ترد فى القرآن إلا للإشارة ، نحو (١) : (أَهكَذا عَرْشُكِ).

(كُلٌّ) : اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف هو إليه ، نحو (٢) : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ). والمعرّف المجموع ؛ نحو (٣) : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً). ((٤) كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ). وأجزاء المفرد المعرّف ، نحو (٥) : (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ، بإضافة قلب إلى متكبر ، أى على كل أجزائه. وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب.

وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه :

أحدها ـ أن تكون نعتا لنكرة أو معرفة ، فتدل على كماله ، وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر تماثله لفظا ومعنى ؛ نحو (٦) : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) ، أى بسطا كل البسط ، أى تاما. ((٧) فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ).

ثانيها ـ أن تكون توكيدا لمعرفة ؛ ففائدتها العموم ، وتجب إضافتها إلى ضمير راجع للمؤكد ؛ نحو (٨) : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ). وأجاز الفرّاء والزمخشري قطعها حينئذ عن الإضافة لفظا ، وخرّج عليه قراءة بعضهم : «إنّا كلّا فيها».

ثالثها ـ ألا تكون تابعة ، بل تالية للعوامل ، فتقع مضافة إلى الظاهر ،

__________________

(١) النمل : ٤٢

(٢) آل عمران : ١٨٥

(٣) مريم : ٩٥

(٤) آل عمران : ٩٣

(٥) غافر : ٣٥

(٦) الإسراء : ٢٩

(٧) النساء : ١٢٩

(٨) الحجر : ٣٠ ، ص : ٧٣

١٩١

وغير مضافة ؛ نحو (١) : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). ((٢) وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ).

وحيث أضيفت إلى منكّر وجب فى ضميرها مراعاة معناها ؛ نحو (٣) : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ). ((٤) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ). ((٥) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ). ((٦) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). ((٧) وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ).

أو إلى معرفة جاز مراعاة لفظها فى الإفراد والتذكير ، ومراعاة معناها ، وقد اجتمعا فى قوله (٨) : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً).

أو قطعت فكذلك ؛ نحو (٩) : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ). (١٠) (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ). (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) (١١).

وحيث وقعت فى حيّز النّفى بأن تقدمت عليها أداته أو الفعل المنفى فالمنفى يوجّه إلى الشمول خاصة ، ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض الأفراد. وإن وقع النفى فى حيّزها فهو موجّه إلى كل فرد ، هكذا ذكره البيانيّون.

وقد أشكل على هذه القاعدة (١٢) : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ؛ إذ يقتضى إثبات الحب لمن فيه أحد الوصفين. وأجيب بأن دلالة المفهوم إنما يعوّل عليها عند عدم المعارض ؛ وهو هنا موجود إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا.

__________________

(١) المدثر : ٣٨

(٢) الفرقان : ٣٩

(٣) القمر : ٥٢

(٤) الاسراء : ١٣

(٥) آل عمران : ١٨٥

(٦) المدثر : ٣٨

(٧) الحج : ٢٧

(٨) مريم : ٩٣ ـ ٩٥

(٩) الإسراء : ٨٤

(١٠) العنكبوت : ٤٠

(١١) الأنفال : ٥٤

(١٢) الحديد : ٢٣

١٩٢

مسألة

تتصل «ما» بكلّ ؛ نحو (١) : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) ، وهى مصدرية ، لكنها نابت بصلتها عن ظرف زمان ، كما ينوب عنه المصدر الصريح. والمعنى : كلّ وقت ؛ ولهذا تسمّى «ما» هذه المصدرية الظرفية ؛ أى النائبة عن المصدر ، لا أنها ظرف فى نفسها ؛ و «كل» من (كُلَّما) منصوب على الظرفية بإضافته إلى شىء هو قائم مقامه ، وناصبه الفعل الذى هو جواب فى المعنى.

وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أن كلما للتكرار ؛ قال أبو حيان : وإنما ذلك من عموم ما ، لأن الظرفية مراد بها العموم ، و (كُلِّ) أكدته.

(كلا وكِلْتَا) : اسمان مفردان لفظا مثنّيان معنى مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة واحدة معرّفة دالة على اثنين. قال الراغب (٢) : وهما فى التثنية ككلّ فى الجمع. قال تعالى (٣) : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ؛ (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما).

(كَلَّا) : مركب عند ثعلب من كاف التشبيه ولا النافية (٤) ، شددت لامها لتقوية المعنى ، ولدفع توهّم بقاء معنى الكلمتين.

وقال غيره : بسيطة ؛ فقال سيبويه والأكثرون : حرف معناه الردع والزجر ، لا معنى لها عندهم إلا ذلك ، حتى إنهم أبدا يجيزون الوقف عليها والابتداء بما بعدها ؛ وحتى قال جماعة منهم : متى سمعت (كَلَّا) فى سورة فاحكم

__________________

(١) البقرة : ٢٥

(٢) المفردات : ٤٤١

(٣) الكهف : ٣٣

(٤) المغنى : ١ ـ ١٥٧ ، والاتقان : ٢ ـ ٢٢١ ، وابن قتيبة : ٤٢٢ ، والبرهان : ٤ ـ ٣١٣

١٩٣

بأنها مكية ؛ لأن فيها معنى التهديد والوعيد. وأكثر ما نزل ذلك بمكة ؛ لأن أكثر العتوّ كان بها.

قال ابن هشام (١) : وفيه نظر ؛ لأنه لا يظهر معنى للزجر فى نحو (٢) : (ما شاءَ رَكَّبَكَ. كَلَّا). ((٣) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ؛ كَلَّا). ((٤) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ. كَلَّا). وقولهم : انته عن ترك الإيمان بالتصوير فى أىّ صورة ما شاء الله ، وبالبعث ؛ وعن العجلة بالقرآن تعسّف ؛ إذ لم يتقدم فى الأوليين حكاية نفى ذلك عن أحد ، ولطول الفصل فى الثالثة بين كلا ، وذكر العجلة. وأيضا فإن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق ، ثم نزل (٥) : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) ، فجاءت فى افتتاح الكلام.

ورأى آخرون أن معنى الرّدع والزجر ليس مستمرّا فيها ؛ فزادوا معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها ، ويبتدأ بها. ثم اختلفوا فى تعيين ذلك المعنى ؛ قال الكسائى : تكون بمعنى حقا. وقال أبو حاتم : بمعنى ألا الاستفتاحية. وقال النّضر ابن شميل : حرف جواب بمنزلة أى ونعم ، وحملوا عليه (٦) : (كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ). وقال الفراء وابن سعدان : بمعنى سوف ، حكاه [١٣٥ ا] أبو حيان فى تذكرته. قال مكى : وإذا كانت بمعنى حقا فهى اسم. وقرئ (٧) : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) بالتنوين. ووجّه بأنه مصدر كلّ إذا أعيا ، أى كلوا فى دعواهم ، وانقطعوا ؛ أو من الكلّ وهو الثقل ؛ أى حملوا كلّا.

وجوّز الزمخشري كونه حرف الردع ونوّن كما فى «سلاسلا». وردّه

__________________

(١) فى المغنى : ١ ـ ١٥٧

(٢) الانفطار : ٨

(٣) المطففين : ٦

(٤) القيامة : ١٩

(٥) العلق : ٦

(٦) المدثر : ٣٢ ، ٣٣

(٧) مريم : ٨٢

١٩٤

أبو حيان بأن ذلك إنما صح فى «سلاسلا» ، لأنه اسم أصله التنوين. فرجع به إلى أصله للتناسب.

قال ابن هشام (١) : وليس هذا التوجيه منحصرا عند الزمخشرى فى ذلك ؛ بل جوّز كون التنوين بدلا من حرف الإطلاق المزيد فى رأس الآية ، ثم إنه وصل بنية الوقف.

(كَمْ) : اسم مبنىّ لازم الصدر مبهم مفتقر إلى التمييز.

وترد استفهامية ولم تقع فى القرآن. وخيرية بمعنى كثير ، وإنما تقع غالبا فى مقام الافتخار والمباهاة ، نحو (٢) : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ). ((٣) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها). ((٤) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ).

وعن الكسائى أنّ أصلها كما ، فحذفت الألف مثل بم ولم ، حكاه الزجاج. ورد بأنه لو كان كذلك لكانت مفتوحة الميم.

(كَيْ) : حرف له معنيان :

أحدهما ـ التعليل ؛ نحو (٥) : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ).

والثانى معنى أن المصدرية ، نحو (٦) : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) ، لحلول أن محلها ، ولأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل.

(كَيْفَ) : اسم ترد على وجهين :

__________________

(١) المغنى : ١ ـ ١٥٨

(٢) النجم : ٢٦

(٣) الأعراف : ٤

(٤) الأنبياء : ١١

(٥) الحشر : ٧

(٦) الحديد : ٢٣

١٩٥

الشرط ، وخرّج عليه (١) : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). ((٢) يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ). ((٣) فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ). وجوابها فى ذلك كلّه محذوف ، لدلالة ما قبلها.

والاستفهام ، وهو الغالب ، ويستفهم بها عن حال الشيء لا عن ذاته. قال الراغب (٤) : وإنما يسأل بها عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيه ، ولهذا لا يصح أن يقال (٥) إن الله كيف.

وكلما أخبر الله بلفظ «كيف» عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب ، أو التوبيخ ، نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ). ((٦) كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).

__________________

(١) المائدة : ٦٤

(٢) آل عمران : ٦

(٣) الروم : ٤٨

(٤) المفردات : ٤٤٤

(٥) فى المفردات : فى الله عزوجل كيف ...

(٦) آل عمران : ٨٦

١٩٦

حرف اللام

(لَعَنَهُمُ) : طردهم وأبعدهم. وأما قوله تعالى (١) : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) ، فيراد به الملائكة والمؤمنون. وقيل المخلوقات إلا الثّقلين. وقيل البهائم لما يصيبهم من الجدب بسبب ذنوب بنى آدم.

(لمستم ولامَسْتُمُ) : بمعنى النكاح.

(لغو اليمين) : ساقطه ، وهو : والله ، ولا والله ، الجارى على اللسان من غير قصد ؛ هكذا قال الشافعى. وقال أبو حنيفة : أن يحلف على الشيء يظنه على ما حلف عليه ، ثم يظهر خلافه. وقال ابن عباس : اللغو : الحلف حين الغضب. وقيل : اللغو اليمين على المعصية. والمؤاخذة العقاب. أو وجوب الكفارة. واللّغو أيضا : الشيء المسقط الملقى ؛ تقول : ألقيت الشيء ؛ أى طرحته وأسقطته.

وأما قوله عزوجل (٢) : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) ـ فمعناه الإعراض عن قبيح الكلام ، والاستحياء من الدخول مع أهله ، تنزيها لأنفسهم عن ذلك.

(لبسنا عَلَيْهِمْ (٣)) : أى خلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم وعلى ضعفائهم ؛ فإنهم إذا رأوا الملك فى صورة إنسان قالوا : هذا إنسان ، وليس بملك.

(لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٤)) : قال ابن عباس : المعنى لو أنزلنا

__________________

(١) البقرة : ١٥٩

(٢) الفرقان : ٧٢

(٣) الأنعام : ٩

(٤) الأنعام : ٨

١٩٧

ملكا فكفروا بعد ذلك لعجّل لهم العذاب ، ففي الكلام على هذا حذف. وقضى الأمر على هذا تعجيل أخذهم. وقيل المعنى : لو أنزلنا ملكا لماتوا من هول رؤيته ، فقضاء الأمر على هذا : موتهم.

(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ (١)) : مقطوع مما قبله ، وهو جواب لقسم محذوف. وقيل : هو تفسير للرحمة المذكورة ، تقديره إن يجمعكم ؛ وهذا ضعيف لدخول النون الثقيلة فى غير موضعها ؛ فإنها لا تدخل إلا فى القسم أو فى غير الواجب. وقيل (إِلى) هنا بمعنى فى ، يعنى فى يوم القيامة ؛ وهو ضعيف ، والصحيح أنها للغاية على بابها.

(لَواقِحَ (٢)) : بمعنى ملاقح جمع ملقحة (٣) ؛ [١٣٥ ب] أى تلقح الشجر والسحاب ، كأنها تنتجه. ويقال لواقح حوامل ، جمع لاقح ؛ لأنها تحمل السحاب وتقلبه وتصرفه ، ثم تحلّه فينزل. ومما يوضّح هذا قوله تعالى (٤) : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً) ، أى حملت.

(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) : لو ما : عرض وتحضيض ، والضمير لكفّار قريش ؛ وذلك أنهم طلبوا من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتيهم بالملائكة ، فأخبر الحق بأنهم لو رأوا أعظم آية لقالوا : إنها تحيّل أو سحر.

(٥) (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) : يعنى جهنم. روى أنها سبع طبقات فى كل طبقة باب ؛ فأعلاها للمذنبين من المسلمين. والثانية لليهود. والثالثة للنصارى. والرابعة للصابئين. والخامسة للمجوس. والسادسة للمشركين. والسابعة للمنافقين.

__________________

(١) النساء : ٨٧

(٢) الحجر : ٢٢

(٣) فى القاموس : والملاقح : الفحول ، جمع ملقح ، والإناث التى فى بطونها أولادها ، جمع ملقحة ـ بفتح القاف.

(٤) الأعراف : ٥٧

(٥) الحجر : ٤٤

١٩٨

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (١)) : هذا قسم. والعمر : الحياة. وفيه كرامة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه أقسم بحياته ولم يقسم بحياة غيره.

وقيل : هو من قول الملائكة للوط ؛ وارتفاعه بالابتداء ، وخبره محذوف ، تقديره : لعمرك قسمى. واللام للتوطئة. وسكرتهم : ضلالهم وجهلهم.

(لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٢)) : هذا السؤال المثبت على وجه الحساب ، والسؤال المنفى فى قوله تعالى (٣) : (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ، على وجه الاستفهام المحض ، لأن الله يعلم الأعمال ، فلا يحتاج إلى السؤال عنها.

(لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً (٤)) ، أى لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك من مكة إلّا قليلا. فلما خرج صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهاجرا من مكة لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلا ، وقتلوا بعد ذلك يوم بدر.

(لَيَسْتَفِزُّونَكَ (٥)) : الضمير لقريش ، كانوا قد همّوا أن يخرجوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة ، وذلك قبل الهجرة ، فالأرض هنا يراد بها مكة ، لأنها بلده.

(لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ (٦)) : أى ضعف عذابهما ، لو ركنت إليهم ، ولم يركن إليهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل النبوءة ، فكيف بعدها؟

(لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (٧)) : أى إن شئنا ذهبنا بالقرآن فمحوناه من الصّدور والمصاحف ، وهذه الآية متصلة المعنى بقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ

__________________

(١) الحجر : ٧٢

(٢) الحجر : ٩٢

(٣) الرحمن : ٣٩

(٤) الإسراء : ٧٦

(٥) الإسراء : ٧٦

(٦) الإسراء : ٧٥

(٧) الإسراء : ٨٦

١٩٩

إِلَّا قَلِيلاً (١)) ؛ أى فى قدرتنا أن نذهب بالذى أوحى إليك ، فلا يبقى عندكم شىء من العلم.

(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٢)) : الذى قالوا هذا القول هم أشراف قريش ، طلبوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنواعا من خوارق العادات ، وضروبا من المعجزات ، وهى التى ذكرها الله فى كتابه ؛ وهذه منها.

والينبوع : العين ، قالوا له : إن مكة قليلة الماء ففجّر لنا فيها عينا من ماء. وقيل : إن الذى قال عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة ، وكان ابن عمة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أسلم بعد ذلك.

(لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ (٣)) : معناها لو كان أهل الأرض ملائكة لكان الرسول إليهم ملكا ولكنهم بشر ، فالرسول إليهم بشر من جنسهم.

(لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ (٤)) ، أى لو ملكتم الخزائن لأمسكتم عن العطاء خشية الفقر ، فالمراد بالإنفاق عاقبة الإنفاق ، وهو الفقر. ومفعول «أمسكتم» محذوف.

وقال الزمخشرى (٥) : لا مفعول له ، لأن معناه بخلتم. من قولهم للبخيل : ممسك. ومعنى الآية وصف الإنسان بالشح ، وخوف الفقر ، بخلاف وصف الله تعالى بالجود والغنى.

__________________

(١) فى الآية التى قبلها : ٨٥ من السورة نفسها.

(٢) الإسراء : ٩٠

(٣) الإسراء : ٩٥

(٤) الإسراء : ١٠٠

(٥) الكشاف : ١ ـ ٥٥٩

٢٠٠