الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
ولو مات مَنْ وجب عليه الهدي ، اُخرج من صلب التركة ، لأنّه دَيْنٌ .
مسألة ٦١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر ولم يجد ، كان عليه سبع شياه علىٰ الترتيب عندنا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد (١) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه أتاه رجل فقال : إنّ عليَّ بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها ؟ فأمره النبي صلىاللهعليهوآله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ (٢) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله » (٤) والترتيب علىٰ عدم الوجدان يدلّ علىٰ الترتيب .
وقال أحمد في الرواية الاُخرىٰ : إنّها علىٰ التخيير ؛ لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً ، فكانت أولىٰ (٥) .
ونمنع المعادلة .
إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من سبع شياه ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ للرواية (٦) عن الصادق عليهالسلام . ولو وجب عليه سبع شياه ، لم تجزئه بدنة .
وفرّق أحمد بين وجوب السبع من (٧) جزاء الصيد وبين وجوبها في كفّارة محظورٍ ، فذهب إلىٰ الجواز في الثاني ؛ لأنّ الواجب ما استيسر من
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٩٣ .
(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فذبحهنّ . وما أثبتناه من المصدر .
(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٨ / ٣١٣٦ ، مسند أحمد ١ : ٣١١ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٨٠٠ و ٤٨١ / ١٧١١ .
(٥) المغني ٣ : ٥٩٣ ـ ٥٩٤ .
(٦) المصدر في الهامش (٤) .
(٧) كذا ، والظاهر : في ، بدل من .
الهدي ، وهو شاة أو سُبع بدنة ، وقد كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة (١) . وذهب إلىٰ المنع في الأوّل ؛ لأنّ سبعاً من الغنم أطيب لحماً من البدنة ، فلا يُعدل إلىٰ الأدنىٰ (٢) .
ولو وجب عليه بقرة ، فالأقرب إجزاء بدنة ؛ لأنّها أكثر لحماً وأوفر .
ولو لزمه بدنة في غير النذر وجزاء الصيد ، قال أحمد : تجزئه بقرة ؛ لأنّ جابراً قال : كنّا ننحر البدنة عن سبعة ، فقيل له : والبقرة ؟ فقال : وهل هي إلّا من البُدْن ؟ (٣) (٤) .
والحقّ خلافه .
أمّا النذر : فإن عيّن شيئاً ، انصرف إليه ، وإن أطلق في النيّة واللفظ ، أجزأه أيّهما كان ، وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تتعيّن البدنة ، وهو قول الشافعي (٥) .
البحث الخامس : في الأحكام .
مسألة ٦١٩ : [ قال الشيخ : ] (٦) الهدي إن كان واجباً ، لم يجزئ الواحد إلّا عن واحد حالة الاختيار (٧) . وكذا مع الضرورة علىٰ الأقوىٰ ، وبه قال مالك (٨) .
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥١ و ٩٥٦ / ٣٥٥ .
(٢) المغني ٣ : ٥٩٤ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٣ نحوه .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٥٩٤ .
(٦) زيادة يقتضيها السياق وكما في منتهىٰ المطلب ـ للمصنّف ـ ٢ : ٧٤٨ .
(٧) الخلاف ، كتاب الضحايا ، المسألة ٢٧ .
(٨) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٦٩ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، المغني ٣ : ٥٩٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ .
ويتعيّن الصوم علىٰ الفاقد منهم ؛ للاحتياط ، ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنىٰ إلّا عن واحد » (١) .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر : إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة وعن سبعين (٢) ؛ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : كنّا نتمتّع مع النبي صلىاللهعليهوآله ، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها (٣) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمران ـ في الحسن ـ قال : عزّت البُدْنُ سنة بمنىٰ حتىٰ بلغت البدنة مائة دينار ، فسُئل الباقر عليهالسلام عن ذلك ، فقال : « اشتركوا فيها » قال : قلت : كم ؟ قال : « ما خفّ فهو أفضل » فقال : قلت : عن كم تجزئ ؟ فقال : « عن سبعين » (٤) .
ويحتمل أن يقال : إن ملك واحد الثمن ، وجب عليه أن يهدي عن نفسه ويأمر العاجز عن الثمن وبعضه بالصوم . ولو تمكّن كلّ واحد منهم علىٰ بعض الثمن بحيث يحصل الهدي ، جاز الاشتراك ؛ لأنّه أنفع للفقراء من الصوم .
وقال سوادة القطان للصادق عليهالسلام : إنّ الأضاحي قد عزّت علينا ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا جزوراً فانحروها فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا بقرةً فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا شاةً فاذبحوها فيما بينكم » قلنا : تجزئ عن سبعة ؟ قال :
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ / ٦٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٠ .
(٢) النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٧٢ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٥ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٦ / ٣٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٤ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٤٩٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٨ .
« نعم وعن سبعين » (١) .
وقال الشافعي : يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة ، سواء كان واجباً أو تطوّعاً ، وسواء أراد جميعهم القربة ، أو بعضهم وأراد الباقون اللحم (٢) .
وقال أبو حنيفة : يجوز اشتراك السبعة في البدنة والبقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم ، تطوّعاً كان أو فرضاً ، ولا يجوز إذا لم يُردْ بعضهم القربة (٣) .
والشيخ ـ رحمهالله ـ اشترط في الخلاف اجتماعهم علىٰ قصد التقرّب ، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق ، وسواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا (٤) .
إذا عرفت هذا ، فقد شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « تجزئ البقرة عن خمسة بمنىٰ إذا كانوا أهل خوان واحد » (٥) .
وأمّا التطوّع : فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً .
مسألة ٦٢٠ : الهدي إمّا تطوّع ، كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هدياً
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٧ .
(٢) الأُمّ ٢ : ٢٢٢ ، مختصر المزني : ٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، فتح العزيز ٨ : ٦٥ ـ ٦٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٣١ ـ ١٣٢ و ١٤٤ ، المغني ٣ : ٥٩٤ ـ ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٨ : ٦٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ .
(٤) الخلاف ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، المسألة ٣٤١ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٢ .
بنيّة أنّه ينحره بمنىٰ أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده ، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه ، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره . ولو تلف ، لم يكن عليه شيء .
وإمّا واجب ، وهو قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب بغيرها ، كهدي التمتّع وما وجب بترك واجبٍ أو فعل محظورٍ .
والواجب بالنذر وشبهه قسمان :
أحدهما : أن يطلق النذر ، فيقول : لله عليَّ أن اُهدي بدنة ، مثلاً ، ويكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر .
والثاني : أن يعيّنه ، مثل : لله عليَّ أن اُهدي هذه البدنة ، فيزول ملكه عنها ، وينقطع تصرّفه عنها ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلىٰ المنحر .
ويتعلّق الوجوب بعين المنذور دون ذمّة الناذر ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلىٰ المحلّ ، فإن تلف بغير تفريط أو سُرق ، أو ضلّ كذلك ، فلا ضمان .
وأمّا الواجب المطلق ـ كهدي التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن ـ فإمّا أن يسوقه وينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه عنه إلّا بذبحه ودفعه إلىٰ أهله ، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف ، كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به .
فإن عطب ، تلف من ماله
، وإن عاب ، لم يجزئه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجباً عليه ؛ لشغل ذمّته ، فلا تبرأ إلّا بإيصاله إلىٰ مستحقّه ،
كالمديون إذا حمل الدَّيْن إلىٰ صاحبه فتلف قبل وصوله إليه .
وإمّا أن يعيّن الواجب عليه بالقول ، فيقول : هذا الواجب عليَّ ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه ، ويكون مضموناً عليه ، فإن عطب أو سُرق أو ضلّ ، عاد الواجب إلىٰ ذمّته ، كالمديون إذا باع صاحب الدَّيْن سلعة به فتلفت قبل التسليم ، فإنّ الدَّيْن يعود إلىٰ ذمّته .
وإذا ثبت أنّه يتعيّن بالقول فإنّه يزول ملكه عنه وينقطع تصرّفه ، وعليه أن يسوقه إلىٰ المنحر ، ولا يجوز له بيعه ولا إخراج بدله ، فإن وَصَل نَحَره ، وإلّا سقط التعيين ، ووجب (١) عليه إخراج الذي في ذمّته ، ولا نعلم خلافاً في ذلك كلّه ، إلّا من أبي حنيفة : فإنّه قال : يجوز له إخراج بدله (٢) ؛ لأنّ القصد نفع المساكين .
ويبطل بأنّه يرجع إلىٰ أصله بالإبطال .
وسأل محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ أحدهما عليهماالسلام : عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب ، قال : « إن كان تطوّعاً فليس عليه غيره ، وإن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله » (٣) .
مسألة ٦٢١ : لو ذبح الواجب غير المعيّن فسُرق أو غُصب بعد الذبح ، فالأقرب : الإجزاء ـ وبه قال أحمد والثوري وبعض أصحاب مالك ، وأصحاب الرأي (٤) ـ لأنّه أدّىٰ الواجب عليه ، فبرئ منه ، كما لو فرّقه ؛ لأنّ
__________________
(١) في الطبعة الحجرية : ويجب .
(٢) المغني ٣ : ٥٨٠ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢١٥ / ٧٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٩ / ٩٥٥ .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ .
الواجب هو الذبح ، والتفرقة ليست واجبةً ، لأنّه لو خُلّي بينه وبين الفقراء أجزأه وإن لم يفرّقه عليهم ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوآله لمّا نحر : ( مَنْ شاء فليقتطع ) (١) .
وقال الشافعي : عليه الإعادة ؛ لأنّه لم يوصل الحقّ إلىٰ مستحقّه ، فأشبه ما لو لم يذبحه (٢) .
والفرق ظاهر ؛ فإنّه مع الذبح والتخلية يحصل فعل الواجب ، بخلاف المقيس عليه .
ولو عيّن بالقول الواجبَ غير المعيَّن ، تعيّن ، فإن عطب أو عاب ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم ولم يوجد ، فيرجع الهدي إلىٰ ملكه يصنع به ما شاء من بيع وهبة وأكل وغيرها ـ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي (٣) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : وإذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره بمكانه إن شئت ، واهده إن شئت ، وبِعْه إن شئت وتقوَّ به في هدي آخر (٤) .
ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي ـ الحسنة ـ قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي
__________________
(١) المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٢٢١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥٠ ، مشكل الآثار ٢ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٥٧٥ ـ ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ وفيها : ( اقتطع ) بدل ( فليقتطع ) .
(٢) المجموع ٧ : ٥٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ .
(٣) المجموع ٨ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ ـ ٥٧٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٣٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٤٥ .
(٤) المغني ٣ : ٥٧٦ .
آخر ؟ قال : « يبيعه ويتصدّق بثمنه ويهدي هدياً آخر » (١) .
وقال مالك : يأكل ويُطْعم مَنْ أحبَّ من الأغنياء والفقراء ، ولا يبيع منه شيئاً (٢) .
والأولىٰ ذبحه وذبح ما وجب في ذمّته معاً ، فإن باعه ، تصدّق بثمنه ؛ لرواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هديه ؟ قال : « لا يبيعه ، وإن باعه تصدّق بثمنه وليهد آخر » (٣) .
وأوجب أحمد في رواية ذبحه (٤) .
والأقرب : حمل الرواية علىٰ الاستحباب .
ولو عيّن معيباً عمّا في ذمّته عيباً لا يجزئه ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجبَ السليمُ ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولا يلزمه ذبحه ، بخلاف ما لو عيّن السليم .
إذا عرفت هذا ، فإنّ تعيين الهدي يحصل بقوله : هذا هدي ، أو بإشعاره وتقليده مع نيّة الهدي ، وبه قال الثوري وإسحاق (٥) . ولا يحصل بالشراء مع النيّة ولا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء (٦) .
وقال أبو حنيفة : يجب الهدي ويتعيّن بالشراء مع النيّة (٧) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣٠ .
(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١ بتفاوت يسير .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦ .
(٥ و ٦) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠ .
(٧) المغني ٣ : ٥٧٧ .
وليس بجيّد ؛ لأصالة عدم التعيين .
مسألة ٦٢٢ : لو سُرق الهدي من حرز ، أجزأ عن صاحبه ، وإن أقام بدله فهو أفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل اشترىٰ اُضحية فماتت أو سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شيء » (١) .
ولو عطب الهدي في مكان لا يجد مَنْ يتصدّق عليه فيه ، فلينحره ، وليكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة ؛ لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر علىٰ مَنْ يتصدّق به عليه ولا مَنْ يُعْلمه أنّه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم مَنْ يمرّ به أنّه صدقة » (٢) .
ولأنّ تخليته بغير ذبح تضييع له .
ولو ضلّ الهدي فاشترىٰ مكانه غيره ثم وجد الأوّل ، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء ، فإن ذبح الأوّل ، جاز له بيع الأخير ، وإن ذبح الأخير ، لزمه ذبح الأوّل أيضاً إن كان قد أشعره ، وإن لم يكن أشعره ، جاز له بيعه ـ وبه قال عمر وابنه وابن عباس ومالك والشافعي وإسحاق (٣) ـ لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما ، فبعث إليها ابن الزبير هديين ، فنحَرَتْهما ، ثم عاد الضالّان فنحرَتْهما ، وقالت : هذه سنّة الهدي (٤) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٧٣٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ / ٧٣٦ .
(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٧٨ .
(٤) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٢ / ٢٩ وسنن البيهقي ٥ : ٢٤٤ .
ومن طريق الخاصّة : رواية أبي بصير أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل اشترىٰ كبشاً فهلك منه ، قال : « يشتري مكانه آخر » قلت : [ فإن اشترىٰ مكانه آخر ] (١) ثم وجد الأوّل ؟ قال : « إن كانا جميعاً قائمين فليذبح الأوّل وليبع الأخير ، وإن شاء ذَبَحه ، وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه » (٢) .
وقال أصحاب الرأي : يصنع بالأوّل ما شاء (٣) .
وأمّا نحر الأوّل مع الإشعار : فلرواية الحلبي ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتىٰ يأتي منىٰ فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها وإن كان أشعرها نحرها » (٤) .
مسألة ٦٢٣ : لو غصب شاةً فذبحها عن الواجب عليه ، لم يجزئه ، سواء رضي المالك أو لم يرض ، وسواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه ؛ لأنّه لم يكن ذبحه قربة ، بل كان منهيّاً عنه ، فلا يكون خارجاً عن العهدة به .
وقال أبو حنيفة : يجزئه مع رضىٰ المالك (٥) .
ولو ضلّ الهدي فوجده غيره ، فإن ذَبَحه عن نفسه ، لم يجزئ عن واحد منهما ؛ لعدم النيّة من صاحبه ، ولا يجزئ عنه ولا عن الذابح ؛ لأنّه منهيّ عنه .
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ ـ ٢١٩ / ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ / ٩٦١ .
(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ / ٩٦٢ .
(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ .
وإن ذَبَحه عن صاحبه ، فإن ذَبَحه بمنىٰ ، أجزأ عنه ، وبغيرها لا يجزئ ؛ لرواية منصور بن حازم ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : « إن كان نحره بمنىٰ ، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منىٰ ، لم يجزئ عن صاحبه » (١) .
وينبغي لواجد الضالّ أن يعرّفه ثلاثة أيّام ، فإن عرفه صاحبه ، وإلّا ذَبَحه عنه ؛ لرواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « إذا وجد الرجل هدياً فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث » (٢) .
ولو اشترىٰ هدياً وذبحه فعرفه غيره وذكر أنّه هديه ضلّ عنه ، وأقام بيّنةً بذلك ، كان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما ، أمّا عن صاحبه : فلعدم النيّة منه ومن الذابح ، وأمّا عن المشتري : فلانتفاء ملكه ، ولصاحبه الأرش ؛ للرواية (٣) .
وإذا عيّن هدياً صحيحاً عمّا في ذمّته فهلك ، أو عاب عيباً يمنع الإجزاء بغير تفريط ، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجباً في ذمّته ؛ لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة ، وإنّما تعلّق بالعين ، فسقط بتلفها .
ولو أتلفه أو فرّط فتلف ، قال قوم : يجب مثل المعيّن ؛ لأنّ الزائد تعلّق به حقّ الله تعالىٰ ، فإذا فوّته ، لزمه ضمانه ، كالهدي المعيّن ابتداءً (٤) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٤ .
(٤) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ .
وفيه نظر .
مسألة ٦٢٤ : إذا ولدت الهدية ، وجب نحر ولدها أو ذبحه ، سواء عيّنه ابتداء أو عيّنه بدلاً عن الواجب في ذمّته ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها ، فإذا كان يوم الأضحىٰ ضحّيت بها وولدها عن سبعة » (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » قلت : أشرب من لبنها وأسقي ، قال : « نعم » (٢) .
ولو تلفت المعيّنة ابتداءً أو بتعيينه ، وجب إقامة بدلها ، ووجب ذبح الولد ؛ لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها ، ولم يتبعها في زواله ؛ لأنّه منفصل عنها ، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب ، لم يبطل البيع في الولد .
مسألة ٦٢٥ : يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به ـ وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٣) ـ لما رواه العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ( اركبها بالمعروف إذا ألجِئْت إليها حتىٰ تجد ظهراً ) (٤) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ : ( لَكُمْ
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١ .
(٣) الاُم ٢ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٦١ / ٣٧٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٧ / ١٧٦١ ، سنن النسائي ٥ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٦ .
فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) (١) قال : « إن احتاج إلىٰ ظهرها (٢) ركبها من غير أن يعنف بها ، وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها » (٣) .
وقال أحمد في الرواية الاُخرىٰ : لا يجوز ؛ لتعلّق حقّ الفقراء بها (٤) .
ونمنع عموم التعلّق .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها ولا بولدها ؛ لرواية العامّة عن علي عليهالسلام : « ولا تشرب [ من ] لبنها إلّا ما فضل عن ولدها » (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها » (٦) .
ولأنّ بقاء اللبن في الضرع مضرّ له .
ولو شرب ما يضرّ بالاُم أو بالولد ، ضمن .
ولو كان بقاء الصوف علىٰ ظهرها يضرّ بها ، أزاله ، وتصدّق به علىٰ الفقراء ، وليس له التصرّف فيه ، بخلاف اللبن ؛ لأنّ اللبن لم يكن موجوداً وقت التعيين ، فلا يدخل فيه ، كالركوب وغيره من المنافع .
مسألة ٦٢٦ : هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه ـ وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق ومالك وأحمد وأصحاب الرأي (٧) ـ لقوله
__________________
(١) الحجّ : ٣٣ .
(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : ظهورها . وما أثبتناه من المصدر .
(٣) الكافي ٤ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢ .
(٤) المغني ٣ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣ .
(٥) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧ .
(٦) الكافي ٤ : ٤٩٢ ـ ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢ .
(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦ .
تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (١) .
وما رواه العامّة عن مسلم أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر من كلّ بدنة ببضعة ، فجعلت في قِدْرٍ فأكل هو وعلي عليهالسلام من لحمها وشربا من مرقها (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم كما قال الله تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) » (٤) .
وقال الشافعي : لا يأكل منه ؛ لأنّه هدي وجب بالإحرام ، فلم يجز الأكل منه ، كدم الكفّارة (٥) .
وهو قياس فلا يعارض القرآن ، مع الفرق ؛ فإنّ دم التمتّع دم نسك ، بخلاف الكفّارة .
وينبغي أن يقسّم أثلاثاً : يأكل ثُلثه ، ويهدي ثُلثه ، ويتصدّق علىٰ الفقراء بثُلثه ، ولو أكل دون الثلث جاز .
وقد روىٰ سيف التمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : « إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي ، فقال : إنّي سُقْتُ [ هدياً ] (٦) فكيف أصنع ؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثُلثاً ، وأطعم القانع والمعترّ ثُلثاً ، وأطعم المساكين ثُلثاً » (٧) الحديث .
واختلف علماؤنا في وجوب الأكل واستحبابه ، وعلىٰ الوجوب
__________________
(١) الحجّ : ٣٦ .
(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ .
(٣) الحجّ : ٣٦ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥١ .
(٥) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، المغني ٣ : ٥٨٣ ـ ٥٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١٢٩٠ .
(٦) أضفناها من المصدر .
(٧) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥٣ .
لا يضمن بتركه ، بل بترك الصدقة ؛ لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي .
ولو أخلّ بالإهداء ، فإن كان بسبب أكله ، ضمن ، وإن كان بسبب الصدقة ، فلا .
مسألة ٦٢٧ : لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع ، بإجماع علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) . لأنّ جزاء الصيد بدل ، والنذر جعل لله تعالىٰ ، والكفّارة عقوبة ، وكلّ هذه لا تناسب جواز التناول .
وللرواية : قال الصادق عليهالسلام : « كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [ منه ] (٢) وكلّ هدي من تمام الحجّ فكُلْ » (٣) .
وعن أحمد رواية تناسب مذهبنا ؛ لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة والقران (٤) . ودم القران عندنا غير واجب ، فيجوز الأكل منه ، وهو قول أصحاب الرأي (٥) .
وعن أحمد رواية ثالثة : أنّه لا يأكل من النذر وجزاء الصيد ، ويأكل ممّا سواهما ، وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن البصري وإسحاق (٦) .
وقال ابن أبي موسىٰ : لا يأكل أيضاً من الكفّارة ، ويأكل ممّا سوىٰ هذه الثلاثة (٧) . وهو قول مالك (٨) .
__________________
(١) الاُمّ ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١٢٩٠ .
(٢) أضفناها من المصدر .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ / ٩٦٧ .
(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ .
(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّىٰ ٧ : ٢٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ .
(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، المحلّىٰ ٧ : ٢٧١ .
(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ .
(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّىٰ ٧ : ٢٧١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ .
وأمّا هدي التطوّع : فيستحب الأكل منه إجماعاً ؛ للآية (١) .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أكل هو وعلي عليهالسلام من هديهما (٢) .
ولقول الباقر عليهالسلام : « إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعاً فلا شيء عليه » (٣) .
وينبغي أن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدّق بثلثه ، كهدي التمتّع ، وهو القديم للشافعي ، وله آخر : أنّه يأكل النصف ويتصدّق بالنصف (٤) .
والآية (٥) تقتضي الأكل وإطعام صنفين ، فاستحبّت التسوية .
ولو أكل الجميع في التطوّع ، لم يضمن ، وهو قول بعض الشافعيّة (٦) .
وقال باقيهم : يضمن . واختلفوا ، فقال بعضهم : يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه . وقال بعضهم : يضمن قدر النصف أو الثلث علىٰ الخلاف (٧) .
ولو لم يأكل من التطوّع ، لم يكن به بأس إجماعاً .
ولو أكل ما مُنع من الأكل منه ، ضمنه بمثله لحماً ؛ لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها .
__________________
(١) الحجّ : ٣٦ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٥ / ٧٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ / ٩٧٠ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، وانظر : حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٦ ، والمجموع ٨ : ٤١٥ ، والمغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٨٧ .
(٥) الحجّ : ٣٦ .
(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ .
(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ .
ولو أطعم غنيّاً ممّا له الأكل منه ، كان جائزاً ؛ لأنّه يسوغ له أكله ، فيسوغ له إهداؤه .
ولو باع منه شيئاً أو أتلفه ، ضمنه بمثله ؛ لأنّه ممنوع من ذلك ، كما مُنع من عطيّة الجزّار .
ولو أتلف أجنبي منه شيئاً ، ضمنه بقيمته ؛ لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال ، فلزمته قيمته .
مسألة ٦٢٨ : الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة : دم التمتّع ، قال الله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) ودم الحلق ، وهو مخيّر ، قال الله تعالىٰ : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) وهدي الجزاء علىٰ التخيير ، قال الله تعالىٰ : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) وهدي الإحصار ، قال الله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) ولا بدل له ؛ للأصل .
مسألة ٦٢٩ : قد سلف أنّ ما يُساق في إحرام الحجّ يُذبح أو يُنحر بمنىٰ ، وما يُساق في إحرام العمرة يُنحر أو يُذبح بمكّة ، وما يلزم من فداء يُنحر بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنىٰ إن كان حاجّاً .
وتجب تفرقته علىٰ مساكين الحرم ، وهو مَنْ كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ وغيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه . وكذا الصدقة
__________________
(١ و ٢) البقرة : ١٩٦ .
(٣) المائدة : ٩٥ .
(٤) البقرة : ١٩٦ .
مصرفها مساكين الحرم . أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعاً .
ولو دفع إلىٰ مَنْ ظاهره الفقر فبان غنيّاً ، فالوجه : الإجزاء ، وهو أحد قولي الشافعي (١) .
وما يجوز تفريقه في غير الحرم لا يجوز دفعه إلىٰ فقراء أهل الذمّة ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور (٢) ـ لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه ، كالحربي .
وقال أصحاب الرأي : يجوز (٣) .
ولو نذر هدياً مطلقاً أو معيّناً وأطلق مكانه ، وجب صرفه في فقراء الحرم .
وجوّز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة (٤) .
وهو باطل ؛ لقوله تعالىٰ : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) .
ولأنّ إطلاق النذر ينصرف إلىٰ المعهود شرعاً ، وهو الحرم .
ولو عيّن موضعه غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شيء من أنواع الكفر ، كبيوت البِيَع والكنائس ، جاز ؛ لما رواه العامّة أنّ رجلاً جاء إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال : إنّي نذرت أن أنحر ببُوانة (٦) ، قال : ( أبِها صنمٌ ؟ ) قال : لا ، قال : ( أوفِ بنذرك ) (٧) .
ومن طريق الخاصّة : قول الكاظم عليهالسلام في رجل جعل لله عليه بدنة
__________________
(١ ـ ٣) المغني ٣ : ٥٨٩ .
(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٥ ، المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨١ .
(٥) الحجّ : ٣٣ .
(٦) بُوانة : هضبة وراء يَنبُع ، قريبة من ساحل البحر . معجم البلدان ١ : ٥٠٥ .
(٧) المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٢ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن أبي داود ٣ : ٢٣٨ / ٣٣١٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٦٨٨ / ٢١٣١ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦٦ .
ينحرها بالكوفة في شكره ، فقال : « عليه أن ينحرها حيث جعل الله عليه وإن لم يكن سمّىٰ موضعاً نحرها في فناء الكعبة » (١) .
ولو كان إلىٰ موضع منهيّ عنه ، لم يجب عليه ؛ لأنّه نذر في معصية .
ولو لم يتمكّن من إيصاله إلىٰ المساكين بالحرم ، لم يلزمه إيصاله إليهم . ولو تمكّن من إنفاذه ، وجب .
مسألة ٦٣٠ : يستحب إشعار الإبل بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن ويلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع .
وقال عامّة أهل العلم بمشروعية إشعار الإبل والبقر (٢) أيضاً .
لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : فتلت قلائد هدي النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم أشعرها وقلّدها (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام في كيفية إشعار البُدْن : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن » (٤) .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز الإشعار ؛ لأنّه مُثْلة ، ولاشتماله علىٰ إيلام الحيوان (٥) .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله فَعَله لغرض صحيح ، فأشبه الكي
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٣٩ / ٨٠٦ بتفاوت في اللفظ .
(٢) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ .
(٣) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ ، وصحيح البخاري ٢ : ٢٠٧ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥ بتفاوت يسير .
(٥) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٣١٢ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٩ / ١٧٥٨٦ .
والوسم والفصد ، والغرض عدم اختلاطها بغيرها ، وإباحة المساكين إذا ضلّت ، وامتناع اللصوص منها .
وقال مالك : إن كانت البقرة ذات سنام ، فلا بأس بإشعارها ، وإلّا فلا (١) .
ويستحب تقليد الهدي بأن يُجعل في رقبته نعل قد صلّىٰ فيه ، وهو مشترك بين الإبل والبقر والغنم ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كنت أفتل القلائد للنبي صلىاللهعليهوآله ، فيقلّد الغنم ، ويقيم في أهله حلالاً (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « كان الناس يقلّدون الغنم والبقر ، وإنّما تركه الناس حديثاً » (٤) .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يسنّ تقليد الغنم ، وإلّا لنُقل (٥) . وقد بيّنّا النقل .
إذا عرفت هذا ، فإنّ الإشعار يكون في صفحة السنام من الجانب الأيمن ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور (٦) ـ لما رواه العامّة
__________________
(١) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٣١٣ ، المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ .
(٢) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٦ / ١٧٥٦٣ و ١٧٥٦٤ .
(٣) المغني ٣ : ٥٩١ ، وصحيح البخاري ٢ : ٢٠٨ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٢ .
(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٣٧ ، المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ ، فتح العزيز ٨ : ٩٤ ـ ٩٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٦٠ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٥ / ١٧٥٦٣ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٣ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ و ٣٦٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٩ / ١٧٦٨١ ، المغني ٣ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ .