الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
وتر من طوافه (١) .
مسألة ٤٨٤ : لو شكّ هل طاف سبعة أو ثمانية ، قطع ولا شيء عليه ؛ لأنّه يتيقّن حصول السبع .
ولأنّ الحلبي سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر سبعة طاف أو ثمانية ، فقال : « أمّا السبع فقد استيقن ، وإنّما وقع وهمه علىٰ الثامن فليصلّ ركعتين » (٢) .
ولو شكّ فلم يدر ستّة طاف أو سبعة أو ثمانية ، فإن كان طواف الفريضة ، أعاد ؛ لأنّه لم يتيقّن حصول السبعة .
ولو طاف أقلّ من سبعة ناسياً ، عاد ، وتمّم طوافه إن كان قد طاف أربعة أشواط ، وإن كان قد طاف دونها ، أعاد من أوّله .
ولو لم يذكر حتىٰ رجع إلىٰ أهله ، أمر مَنْ يطوف عنه سبعة أشواط إن كان قد طاف أقلّ من أربعة ، وإن كان قد طاف أربعة ، تمّمه .
وكذا لو أحدث في طواف الفريضة ، فإن كان قد جاوز النصف ، تطهّر وبنىٰ ، وإن لم يبلغه ، استأنف .
ولو طاف وعلىٰ ثوبه نجاسة عامداً ، أعاد ، ولو كان ناسياً وذكر في أثناء الطواف ، قَطَعه وأزال النجاسة أو نزع الثوب وتمّم طوافه ، ولو لم يذكر حتىٰ فرغ منه ، نزع الثوب أو غسله وصلّىٰ الركعتين ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل يرىٰ في ثوبه الدم وهو في الطواف ، قال : « ينظر الموضع الذي يرىٰ فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتمّ طوافه » (٣) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٧٧ .
(٢) التهذيب ٥ : ١١٤ / ٣٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ .
تذنيب : ولو تحلّل من إحرام العمرة ثم أحرم بالحجّ وطاف وسعىٰ له ثم ذكر أنّه طاف مُحدثاً أحد الطوافين ولم يعلم هل هو طواف عمرة التمتّع أو طواف الحجّ ، قيل : يطوف للحجّ ويسعىٰ له ثم يعتمر بعد ذلك عمرةً مفردة ، ويصير حجّة مفردة ؛ لاحتمال أن يكون في طواف العمرة فيبطل وقد فات وقتها ، وأن يكون للحجّ ، فيعيد ، فلهذا أوجبنا عليه إعادة طواف الحجّ وسعيه والإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ ؛ لبطلان متعته ، قاله بعض العامّة .
والوجه : أنّه يعيد الطوافين ؛ لأنّ العمرة لا تبطل بفوات الطواف .
مسألة ٤٨٥ : المريض لا يسقط عنه الطواف ، فإن تمكّن من الطواف بطهارة ، طيف به إذا لم يتمكّن من المشي أو الركوب ، وإن لم يتمكّن ، انتظر به يوم أو يومان وأزيد مع السعة ، فإن برأ ، طاف بنفسه ، وإلّا طيف عنه ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام طيف به في محمل وهو شديد المرض (١) .
وسأل إسحاقُ بن عمّار ـ في الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام : عن المريض يطاف عنه بالكعبة ، قال : « لا ، ولكن يطاف به » (٢) .
وفي الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، قال : « المريض المغلوب والمغمىٰ عليه يُرمىٰ عنه ويُطاف به » (٣) .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمىٰ عنهما » (٤) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ / ٣٩٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٣٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ / ٧٧٥ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٢٣ / ٤٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٥ / ٧٧٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٤ / ٤٠٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٦ / ٧٨٠ .
وهذا محمول علىٰ أنّ الكسير لا يستمسك الطهارة ، ولو كان يستمسك ، طيف به ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « الكسير يُحمل فيطاف به ، والمبطون يُرمىٰ ويُطاف عنه ويُصلّىٰ عنه » (١) .
ولو مرض في الأثناء ، فإن تمكّن من الإتمام ، أتمّه ، وإلّا انتظر إلىٰ البُرء ثم يُتمّه إن كان قد تجاوز النصف ، وإلّا استأنف . هذا مع سعة الوقت ، فإن ضاق ، طيف به .
مسألة ٤٨٦ : لو حمل مُحرمٌ مُحْرماً وطاف به ونوىٰ كلّ واحد منهما الطواف ، أجزأ عنهما ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لحصول الطواف من كلّ واحد منهما .
ولأنّ حفص بن البختري سأل الصادقَ عليهالسلام : في المرأة تطوف بالصبي وتسعىٰ به هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي ؟ فقال : « نعم » (٣) .
وللشافعي قولان : أحدهما : أنّه يجزئ عن المحمول . والثاني : أنّه يجزئ عن الحامل دون المحمول ؛ لأنّه فعل واحد ، فإذا وقع عن الحامل لم يقع عن المحمول ، لأنّ الفعل الواحد لا يقع عن اثنين (٤) .
ونمنع اتّحاد الفعل ؛ لأنّ اختلاف السبب وتغاير الأمكنة ثابت في حقّ كلّ واحد منهما ، لكن لأحدهما بالذات وليس شرطاً ؛ لأنّه وافقنا علىٰ جواز
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤٠٩ .
(٢) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٢ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ١٢٥ / ٤١١ .
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٢ ـ ١٥٣ ، المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٦ .
الركوب (١) .
وينتقض بالواقف بعرفة إذا حمل غيره ؛ فإنّه وافقنا علىٰ تجويزه (٢) .
مسألة ٤٨٧ : يجوز الكلام بالمباح في الطواف إجماعاً ؛ لما رواه العامّة من قوله عليهالسلام : ( الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم تتكلّمون فيه ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن يقطين ـ في الصحيح ـ عن الرضا عليهالسلام ، قال : سألته عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك ؟ قال : « لا بأس به » (٤) .
ويستحب قراءة القرآن في الطواف ولا يكره عند علمائنا ـ وبه قال عطاء ومجاهد والثوري وابن المبارك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (٥) ـ لما رواه العامّة أنّ عائشة روت أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقول في طوافه : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٦) (٧) وهو من القرآن .
ومن طريق الخاصّة : قول الجواد عليهالسلام : « وطواف الفريضة لا ينبغي أن تتكلّم فيه إلّا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن » (٨) .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، فتح العزيز ٧ : ٣١٥ ، المجموع ٨ : ٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤ .
(٢) لم نجده في مظانّه .
(٣) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ نقلاً عن الترمذي والأثرم ، وفي سنن الترمذي ٣ : ٢٩٣ / ٩٦٠ بتفاوت .
(٤) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٤ .
(٥) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٨ : ٤٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣١ .
(٦) البقرة : ٢٠١ .
(٧) المغني ٣ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١ .
(٨) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ / ٧٨٥ .
وقال مالك : إنّها مكروهة . وهو مروي عن عروة والحسن (١) .
وعن أحمد روايتان (٢) .
ويستحب الدعاء في أثناء الطواف والإكثار من ذكر الله تعالىٰ .
ويجوز له الشرب في الطواف ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله شرب في الطواف (٣) .
ومن طريق الخاصّة : رواية يونس بن يعقوب عن الصادق عليهالسلام : هل نشرب ونحن في الطواف ؟ قال : « نعم » (٤) .
تذنيب : قال الشيخ في الخلاف : الأفضل أن يقال : طواف وطوافان وثلاثة أطواف ، وإن قال : شوطاً وشوطين وثلاثة أشواط ، جاز . وقال الشافعي : أكره ذكر الشوط . وبه قال مجاهد (٥) .
مسألة ٤٨٨ : لا يجوز الطواف وعلىٰ الطائف بُرْطُلَّة (٦) في طواف العمرة ؛ لاشتماله علىٰ تغطية الرأس وهو مُحْرم ، أمّا في طواف الحجّ فإنّه مكروه ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا تطوفنّ بالبيت وعليك بُرْطُلَّة » (٧) .
وقال الصادق عليهالسلام ليزيد بن خليفة : « قد رأيتك تطوف حول الكعبة
__________________
(١) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٣ ، المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١ .
(٢) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠١ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٥ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٤ .
(٥) الخلاف ٢ : ٣٢٢ ، المسألة ١٢٨ ، وانظر : الاُم ٢ : ١٧٦ ، والمجموع ٨ : ٤١ و ٥٥ ، والمنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٨٥ .
(٦) البُرْطُلَّة : قلنسوة . لسان العرب ١١ : ٥١ . « برطل » .
(٧) الكافي ٤ : ٤٢٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٢ .
وعليك بُرْطُلَّة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنّها من زيّ اليهود » (١) .
والشيخ ـ رحمهالله ـ أطلق المنع (٢) ، والتفصيل الذي ذكرناه أجود .
مسألة ٤٨٩ : مَنْ نذر أن يطوف علىٰ أربع ، قال : الشيخ رحمهالله : يجب عليه طوافان : أسبوع ليديه ، واُسبوع لرجليه (٣) ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة نذرت أن تطوف علىٰ أربع ، قال : تطوف اُسبوعاً ليديها واُسبوعاً لرجليها » (٤) .
وفي الطريق ضعف .
وقال ابن إدريس : يبطل النذر ؛ لأنّه غير مشروع ، فلا ينعقد (٥) . وهو حسن .
مسألة ٤٩٠ : طواف الحجّ ركن فيه ، وهو واجب بالإجماع . قال الله تعالىٰ : ( وَلْيَطَّوَّفُوا ) (٦) .
قال ابن عبد البرّ : أجمع العلماء علىٰ أنّ هذه الآية فيه (٧) .
وما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال عن صفيّة لمّا حاضت : ( أحابستنا هي ؟ ) قالوا : يا رسول الله إنّها قد أفاضت يوم النحر ، قال : ( اخرجوا ) (٨) فدلّ علىٰ وجوب الطواف ، وأنّه حابس لمن لم يأت به .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « علىٰ المتمتّع بالعمرة إلىٰ
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٣ .
(٢) النهاية : ٢٤٢ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٩ .
(٣) النهاية : ٢٤٢ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٠ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ ذيل الحديث ٤٤٥ .
(٤) التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٦ ، والكافي ٤ : ٤٣٠ / ١٨ .
(٥) السرائر : ١٣٥ .
(٦) الحجّ : ٢٩ .
(٧ و ٨) المغني ٣ : ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٥ .
الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة » (١) .
ولأنّه أحد النسكين ، فكان الطواف فيه ركناً ، كالعمرة .
إذا عرفت هذا ، فإن أخلّ به عامداً ، بطل حجّه ، وإن أخلّ به ناسياً ، وجب عليه أن يعود ويقضيه ، فإن لم يتمكّن ، استناب فيه .
وقال الشافعي : إن كان قد طاف طواف الوداع ، أجزأ عنه ، وإلّا وجب عليه الرجوع ، ولا تحلّ له النساء حتىٰ يطوفه وإن طال زمانه وخرج وقته (٢) .
إذا ثبت هذا ، فلو نسي طواف النساء ، لم تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت ويأتي به ، ويجوز له أن يستنيب فيه ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل نسي طواف النساء حتىٰ دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت » وقال : « يأمر أن يقضىٰ عنه إن لم يحجّ ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره » (٣) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٩٥ ( باب ما علىٰ المتمتّع من الطواف . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٣٥ / ١٠٤ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٨١ / ٣٨٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٢ ، المجموع ٨ : ٢٢٠ .
(٣) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ .
الفصل الرابع في السعي والتقصير
وفيه مباحث :
الأوّل : في مقدّماته ، وهي عشرة (١) كلّها مندوبة :
الأوّل : الطهارة ، وهي مستحبّة في السعي غير واجبة ، عند علمائنا ـ وهو قول عامّة العلماء (٢) ـ للأصل .
ولما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال لعائشة حين حاضت : ( اقضي ما يقضي الحاجّ غير أن لا تطوفي بالبيت ) (٣) .
وعن عائشة واُمّ سلمة قالتا : إذا طافت المرأة بالبيت وصلّت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة (٤) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علىٰ غير وضوء إلّا الطواف ، فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (٥) .
الثاني : استلام الحجر الأسود قبل السعي إذا صلّى ركعتي الطواف
__________________
(١) عدّد المصنّف ـ قدسسره ـ منها هنا ستّة اُمور .
(٢) المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ .
(٣) صحيح البخاري ١ : ٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ / ١١٩ ، سنن النسائي ١ : ١٨٠ ، مسند أحمد ٦ : ٣٩ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١ .
(٤) المغني ٣ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١ نقلاً عن الأثرم .
(٥) التهذيب ٥ : ١٥٤ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ / ٨٤١ .
إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله فَعَل ذلك (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « فإذا فرغت من الركعتين فائْت الحجر الأسود فقبِّلْه واستلمه أو (٢) أشر إليه فإنّه لا بدّ من ذلك » (٣) .
الثالث : الشرب من ماء زمزم وصبّ الماء علىٰ الجسد من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والدعاء ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلّىٰ ركعتين فليأت زمزم فيستقي منه ذَنُوباً أو ذَنُوبين فليشرب منه وليصبّ علىٰ رأسه وظهره وبطنه ، ويقول حين يشرب : اللهم اجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء وسقم ، ثم يعود إلىٰ الحجر الأسود » (٤) .
وعن الصادق والكاظم عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر » (٥) .
الرابع : الخروج إلىٰ الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود بالسكينة والوقار ، ولا نعلم فيه خلافاً .
روىٰ الشيخ ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : « ثم اخرج إلىٰ الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتىٰ تقطع الوادي ، وعليك السكينة والوقار » (٦) .
الخامس : الصعود علىٰ الصفا إجماعاً ، إلّا مَنْ شذّ ذهب إلىٰ وجوبه ؛
__________________
(١) سنن النسائي ٥ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ .
(٢) في النسخ الخطية والحجرية : و . وما أثبتناه من المصدر .
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ / ٤٧٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ / ٤٧٧ .
(٥) التهذيب ٥ : ١٤٥ / ٤٧٨ .
(٦) التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١ .
فإنّه لا يصحّ السعي حتىٰ يصعد إلىٰ الصفا والمروة بقدر ما يستوفي السعي بينهما ؛ لأنّه لا يمكنه استيفاء ما بينهما إلّا بذلك ، فيجب كوجوب غسل جزء من الرأس وصيام جزء من الليل (١) .
وهو خطأ ؛ لأنّه يمكنه الاستيفاء بأن يجعل عقبه ملاصقاً للصفا وأصابع رجليه ملاصقةً للمروة وبالعكس في الرجوع .
واستحبابه ، لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « فاصعد الصفا حتىٰ تنظر إلىٰ البيت ، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله وأثن عليه » (٢) الحديث .
السادس : حمد الله علىٰ الصفا والثناء عليه واستقبال الكعبة ورفع يديه والدعاء وإطالة الوقوف علىٰ الصفا ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « واحمد الله وأثن عليه واذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك » (٣) الحديث .
قال الصادق عليهالسلام : « وإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقف علىٰ الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلاً » (٤) .
وعن علي بن النعمان ـ رفعه ـ قال : « كان أمير المؤمنين عليهالسلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول » (٥) وذكر الدعاء .
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف علىٰ الصفا » (٦) .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٥ ، المجموع ٨ : ٦٤ ـ ٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦ .
(٢ و ٣) الكافي ٤ : ٤٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٢ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٦ / ٤٨١ .
(٥) الكافي ٤ : ٤٣٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٤٧ / ٤٨٢ .
(٦) التهذيب ٥ : ١٤٧ / ٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٧ .
ولو لم يتمكّن من إطالة الوقوف والدعاء بالمنقول ، دعا بما تيسّر .
قال بعض أصحابنا : كنت في قفاء الكاظم عليهالسلام علىٰ الصفا أو علىٰ المروة وهو لا يزيد علىٰ حرفين : « اللّهم إنّي أسألك حسن الظنّ بك علىٰ كلّ حال ، وصدق النيّة في التوكّل عليك » (١) .
البحث الثاني : في الكيفية .
مسألة ٤٩١ : يجب في السعي النيّة ؛ لأنّه عبادة وقد قال الله تعالىٰ : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٢) .
ولقوله عليهالسلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) (٣) .
وهي شرط فيه يبطل السعي بالإخلال بها عمداً وسهواً .
ويجب فيها تعيين الفعل وأنّه سعي عمرة متمتّع بها أو مفردة أو سعي الحجّ الواجب أو الندب ، حجّة الإسلام أو غيرها ، والتقرّب إلىٰ الله تعالىٰ .
مسألة ٤٩٢ : يجب فيه الترتيب بأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة إجماعاً ـ إلّا من أبي حنيفة (٤) ـ لما رواه العامّة عن جعفر الصادق عليهالسلام عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : وبدأ بالصفا ، وقال : ( ابدؤوا بما بدأ الله تعالىٰ به ) (٥) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٣٣ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٨ .
(٢) البيّنة : ٥ .
(٣) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ .
(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧ ، المجموع ٨ : ٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦ .
(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٨ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢١٦ / ٨٦٢ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٥٤ / ٨١ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٩٣ .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : ابدؤوا بما بدأ الله به ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ) (١) » (٢) .
وقال الصادق عليهالسلام : « تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (٣) .
مسألة ٤٩٣ : يجب أن يسعىٰ بين الصفا والمروة سبعة أشواط يحتسب ذهابه من الصفا إلىٰ المروة شوطاً وعوده من المروة إلىٰ الصفا آخر ، هكذا سبع مرّات ، عند علمائنا أجمع ـ وهو قول عامّة العلماء (٤) ـ لما رواه العامّة عن الصادق عن الباقر عليهماالسلام عن جابر في صفة حجّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : ثم نزل إلىٰ المروة حتىٰ إذا انصبَّت (٥) قدماه رمل في بطن الوادي حتىٰ إذا صعدتا مشىٰ حتىٰ أتىٰ المروة ، ففعل علىٰ المروة كما فعل علىٰ الصفا ، فلمّا كان آخر طوافه علىٰ المروة ، قال : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ) (٦) وهذا يقتضي أنّه آخر طوافه .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ : « طُفْ بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (٧) .
وقال أبو بكر الصيرفي من الشافعية : يحتسب سعيه من الصفا إلىٰ
__________________
(١) البقرة : ١٥٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٤٥ / ٤٨١ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، المجموع ٨ : ٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧ .
(٥) أي : انحدرت . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٣ « نصب » .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ .
(٧) التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧ .
المروة ومنها إلىٰ الصفا شوطاً واحداً (١) .
مسألة ٤٩٤ : يجب السعي بين الصفا والمروة في المسافة التي بينهما ، فلا يجوز الإخلال بشيء منها ، بل يلصق عقبه بالصفا في الابتداء وأصابع رجليه به في العود وبالعكس في المروة . ولا تحلّ له النساء حتىٰ يكمله .
ولا يجب الصعود علىٰ الصفا ولا المروة ـ خلافاً لبعض الشافعية ، وقد تقدّم (٢) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ) (٣) .
قال المفسّرون : أراد بينهما . وهو يصدق وإن لم يصعد عليهما .
ويستحب له أن يسعىٰ ماشياً ، ويجوز الركوب إجماعاً .
ولما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله طاف راكباً بالبيت وبالصفا والمروة (٤) .
ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي ـ الحسنة ـ أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن السعي بين الصفا والمروة علىٰ الدابّة ، قال : « نعم وعلىٰ المحمل » (٥) .
وقال معاوية بن عمّار : سألت الصادقَ عليهالسلام : عن الرجل يسعىٰ بين الصفا والمروة راكباً ، قال : « لا بأس والمشي أفضل » (٦) .
مسألة ٤٩٥ : يستحب أن يمشي من الصفا إلىٰ المنارة ، وأن يُهرول ما بين المنارة وزقاق العطّارين ثم يمشي من زقاق العطّارين إلىٰ المروة ، ولو
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٩ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٧ ، المجموع ٨ : ٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٦ .
(٢) تقدّم في الأمر الخامس من مندوبات السعي في ص ١٣٠ .
(٣) البقرة : ١٥٨ .
(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ١٨٧٩ و ١٨٨٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٠ .
(٥) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ / ٥١١ .
(٦) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ / ٥١٢ .
كان راكباً ، حرّك دابّته في موضع الهرولة إجماعاً .
روىٰ العامّة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله سعىٰ بين الصفا والمروة (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « ثم انحدر ماشياً وعليك السكينة والوقار حتىٰ تأتي المنارة ، وهي طرف المسعىٰ ، واسع ملأ فروجك وقُلْ : بسم الله الله أكبر وصلّىٰ الله علىٰ محمد وآله ، وقُلْ : اللّهم اغفر وارحم واعْفُ عمّا تعلم وأنت الأعزّ الأكرم ، حتىٰ تبلغ المنارة الاُخرىٰ ، وكان المسعىٰ أوسع ممّا هو اليوم ، ولكنّ الناس ضيّقوه ، ثم امش وعليك السكينة والوقار حتىٰ تأتي المروة » (٢) الحديث .
ولأنّ موضع الرمل من وادي محسّر ، فاستحبّ قطعه بالهرولة ، كما يستحب قطع وادي محسّر . ويستحب الدعاء حالة السعي .
ولو ترك الرمل ، لم يكن عليه شيء إجماعاً .
روىٰ العامّة عن ابن عمر ، قال : إن أسْعَ بين الصفا والمروة فقد رأيتُ رسول الله صلىاللهعليهوآله يسعىٰ ، وإن أمْشِ فقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله يمشي وأنا شيخ كبير (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول سعيد الأعرج : سألتُ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل ترك شيئاً من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : « لا شيء عليه » (٤) .
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٧ / ٨٦٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٥ / ٨٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٤٨ / ٤٨٧ .
(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٥ / ٢٩٨٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٩ ، وفي سنن أبي داود ٢ : ١٨٢ / ١٩٠٤ بتقديم وتأخير .
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ٩ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ١٥١ / ٤٩٤ .
وليس علىٰ النساء رمل ولا صعود علىٰ الصفا والمروة ؛ لأنّ ترك ذلك أستر .
ولو نسي الرجل الرمل حتىٰ يجوز موضعه ثم ذكر ، فليرجع القهقرىٰ إلىٰ المكان الذي يرمل فيه .
البحث الثالث : في الأحكام .
مسألة ٤٩٦ : السعي واجب وركن من أركان الحجّ والعمرة يبطلان بالإخلال به عمداً ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عروة ومالك والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (١) ـ لما رواه العامّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : ( اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : رواية الحسن (٣) بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال : سُئل أبو عبد الله عليهالسلام : عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟ فقال : « فريضة » (٤) .
وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليهالسلام : في رجل ترك السعي متعمّداً ، قال : « لا حجّ له » (٥) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤١٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ٤٨ ، تفسير القرطبي ٢ : ١٨٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٥٠ .
(٢) سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٥ / ٨٦ .
(٣) في التهذيب : الحسين .
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٩ / ٤٩٠ .
(٥) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩١ ، وفيهما : « عليه الحجّ من قابل » بدل « لا حجّ له » .
وقال أحمد في الرواية الاُخرىٰ : إنّه مستحب لا يجب بتركه دم . وهو مروي عن ابن الزبير وابن سيرين (١) .
وقال أبو حنيفة : هو واجب وليس بركن إذا تركه وجب عليه دم ـ وهو مذهب الحسن البصري والثوري ـ لقوله تعالىٰ : ( فَلَا جُنَاحَ ) (٢) ورفع الجناح دليل عدم وجوبه (٣) .
وهو غلط ؛ فإنّ رفع الجناح لا يستلزم عدم الوجوب .
ولو ترك السعي ناسياً ، أعاده لا غير ، ولا شيء عليه ، فإن كان قد خرج من مكّة ، عاد للسعي ، فإن لم يتمكّن ، أمر مَنْ يسعىٰ عنه ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » قلت : فإنّه خرج ، قال : « يرجع فيعيد السعي إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة » (٤) .
وسأل زيد الشحّام الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتىٰ يرجع إلىٰ أهله ، فقال : « يطاف عنه » (٥) .
مسألة ٤٩٧ : قد سبق (٦) وجوب ترتيب السعي بأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، فلو عكس فبدأ بالمروة وختم بالصفا ، أعاد السعي ؛ لأنّه لم يأت بالمأمور به علىٰ وجهه ، فيبقىٰ في عهدة التكليف .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤١٠ ، المجموع ٨ : ٧٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥ .
(٢) البقرة : ١٥٨ .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٥٠ ، المغني ٣ : ٤١٠ و ٤١١ ، المجموع ٨ : ٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ١٨٣ .
(٤) التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ / ٨٢٩ .
(٥) التهذيب ٥ : ١٥٠ / ٤٩٣ .
(٦) سبق في المسألة : ٤٩٢ .
وما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعىٰ ويبدأ بالصفا قبل المروة » (١) .
إذا عرفت هذا ، فلو طاف سبعة أشواط وشكّ فيما بدأ به ، فإن كان في آخر السابع علىٰ الصفا ، أعاد السعي من أوّله ؛ لأنّه يكون قد بدأ من المروة .
وقالت العامّة : يسقط الشوط الأوّل ، ويبني علىٰ أنّه بدأ من الصفا ، فيضيف إليه آخر (٢) .
وهو غلط ؛ لما بيّنّا من الأخبار الدالّة علىٰ وجوب البدأة بالصفا ، والإعادة علىٰ مَنْ بدأ بالمروة .
وكذا لو تيقّن عدد الأشواط فيما دون السبعة وشكّ في المبدأ ، فإن كان في المزدوج علىٰ الصفا ، صحّ سعيه ؛ لأنّه يكون قد بدأ به ، وإن كان علىٰ المروة ، أعاد ، وينعكس الحكم مع انعكاس الفرض .
مسألة ٤٩٨ : لو سعىٰ أقلّ من سبعة أشواط ولو خطوةً ، وجب عليه الإتيان بها ، ولا يحلّ له ما يحرم علىٰ المُحْرم قبل الإتيان به ، فإن رجع إلىٰ بلده ، وجب عليه العود مع المكنة وإتمام السعي ؛ لأنّ الموالاة لا تجب فيه إجماعاً .
ولو لم يذكر حتىٰ واقع أهله أو قصّر أو قلّم ، كان عليه دم بقرة وإتمام السعي ؛ لما رواه سعيد بن يسار ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام : رجل متمتّع سعىٰ بين الصفا والمروة ستّة أشواط ثم رجع إلىٰ منزله وهو يرىٰ أنّه
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٥ .
(٢) المغني ٣ : ٤٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢٠ ، المجموع ٨ : ٧٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٠ .
قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحلّ ثم ذكر أنّه سعىٰ ستّة أشواط ، فقال لي : « يحفظ أنّه قد سعىٰ ستّة أشواط ؟ فإن كان يحفظ أنّه قد سعىٰ ستّة أشواط فليعد وليُتمّ شوطاً وليُرق دماً » فقلت : دم ماذا ؟ قال : « بقرة » قال : « وإن لم يكن حفظ أنّه سعىٰ ستّة أشواط فليبتدئ السعي حتىٰ يُكمله سبعة أشواط ثم ليُرق [ دم ] (١) بقرة » (٢) .
ولو لم يُحصّل عدد الأشواط ، استأنف السعي .
مسألة ٤٩٩ : لا يجوز الزيادة علىٰ سبعة أشواط ، فإن زاد عمداً ، استأنف السعي ، وإن كان سهواً ، طرح الزيادة واعتدّ بالسبعة ، وإن شاء أكمل أربعة عشر شوطاً ؛ لأنّها عبادة ذات عدد ، فأبطلتها الزيادة عمداً ، كالصلاة والطواف .
ولقول الكاظم عليهالسلام : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي » (٣) .
ويدلّ علىٰ طرح الزيادة مع السهو : قول الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل سعىٰ بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ فقال : « إن كان خطأً طرح واحداً واعتدّ بسبعة » (٤) .
وعلىٰ جواز إتمام أربعة عشر شوطاً : قول أحدهما عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « وكذلك إذا استيقن أنّه سعىٰ ثمانية أضاف إليها ستّة » (٥) .
مسألة ٥٠٠ : يجوز أن يجلس الإنسان في أثناء السعي للاستراحة
__________________
(١) أضفناها من المصدر .
(٢) التهذيب ٥ : ١٥٣ / ٥٠٤ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ / ٨٣١ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٣٦ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٢ / ٤٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ / ٨٣٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ١٥٣ / ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ / ٨٣٥ .
ـ وهو قول أحمد في إحدىٰ الروايتين (١) ـ لما رواه العامّة : أنّ سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير (٢) سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيّام وكانت ضخمةً (٣) (٤) .
ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة ، يستريح ؟ قال : « نعم إن شاء جلس علىٰ الصفا والمروة وبينهما فيجلس » (٥) .
وقال أحمد في الرواية الاُخرىٰ : لا يجوز . ويجعل الموالاة شرطاً في السعي ؛ قياساً علىٰ الطواف (٦) .
والفرق : أنّ الطواف يتعلّق بالبيت وهو صلاة ، ويشترط له الطهارة والستر ، فيشترط له الموالاة ، كالصلاة ، بخلاف السعي .
وكذا يجوز أن يقطع السعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتمّ ما قطع عليه ؛ لأنّ أبا الحسن عليهالسلام سُئل عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعىٰ ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق فيدعوه إلىٰ الحاجة أو إلىٰ الطعام ، قال : « إن أجابه فلا بأس » (٧) .
وعن أحمد روايتان (٨) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١ .
(٢) في النسخ الخطية والحجرية : عبد الله بن الزبير . وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير وطبقات ابن سعد ٥ : ١٧٨ ، وسير أعلام النبلاء ٤ : ٤٣٢ .
(٣) في النسخ الخطّية والحجرية : صحيحةً . وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير .
(٤) أورده ابنا قدامة عن الأثرم في المغني ٣ : ٤١٨ والشرح الكبير ٣ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ .
(٥) الكافي ٤ : ٤٣٧ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٦ / ٥١٦ .
(٦) المغني ٣ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٢١ .
(٧) التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢٠ .
(٨) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر .