اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

والثاني : أن تكون (١) كررت توكيدا «لآيات» الأولى ، ويكون (فِي خَلْقِكُمْ) معطوفا على «السّموات» كرر معه حرف الجر توكيدا. ونظيره أن تقول : إنّ في بيتك زيدا وفي السّوق زيدا فزيد الثاني توكيد للأول كأنك قلت : إنّ زيدا زيدا في بيتك وفي السّوق. وليس في هذا عطف على معمولي عاملين البتة (٢) وقد وهم أبو البقاء فجعلها من ذلك فقال : آيات لقوم يوقنون بكسر الثانية وفيه وجهان :

أحدهما : أن «إن» مضمرة حذفت لدلالة «إن» الأولى عليها ، وليست «آيات» معطوفة على آيات الأولى ، لما فيه من العطف على معمولي عاملين.

والثاني : أن تكون كررت للتأكيد (٣) ، لأنها من لفظ «آيات» الأولى ، وإعرابها كإعرابها كقولك : إنّ بثوبك دما وبثوب زيد دما ، فدم الثاني مكرر ، لأنك مستغن عن ذكره انتهى (٤).

فقوله : وليست معطوفة على «آيات» الأولى لما فيه من العطف على معمولي عاملين وهم أين (٥) معمول العامل الآخر؟ وكأنه توهم أن «في» ساقطة من قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) أو اختلطت عليه (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) بهذه ، لأن تيك فيها ما يوهم العطف على عاملين(٦). وقد ذكره هو أيضا (٧). وأما الرفع (٨) فمن وجهين أيضا :

أحدهما : أن يكون (فِي خَلْقِكُمْ) خبرا مقدما ، و «آيات» مبتدأ مؤخرا ، وهي جملة معطوفة على جملة مؤكدة بإن.

والثاني : أن تكون معطوفة على «آيات» الأولى اعتبارا بالمحل (٩) عند من يجيز ذلك ، لا سيما عند من يقول : إنه يجوز ذلك بعد الخبر بإجماع (١٠). وأما قوله : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فقد تقدم أنّ الأخوين يقرآن آيات بالكسر وهي تحتاج إلى إيضاح ، فإن الناس تكلموا فيها كثيرا وخرّجوها على أوجه مختلفة ، وبها استدل على

__________________

(١) يقصد آيات الثانية.

(٢) البيان ٢ / ٣٦٣ ، ٣٦٤.

(٣) في التبيان : أن يكون كرر آيات للتوكيد انظر ١١٥٠.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب أي تحريف.

(٦) الدر المصون ٤ / ٨٢٤.

(٧) قال في الثانية : وأجاز قوم أن يكون ذلك من باب العطف على عاملين. انظر التبيان السابق.

(٨) رفع آيات الثانية.

(٩) ذكر هذين الوجهين ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٦٣ والسمين في الدر ٤ / ٨٢٤ و ٨٢٥ وقد ذكر الأول فقط أبو البقاء في التبيان ١١٥٠.

(١٠) نسب أبو حيان هذا إلى أبي الحسن الأخفش ولم أعثر عليه في معاني القرآن عند تعرضه لتلك الآية وانظر البحر ٨ / ٤٣ وانظر في تلك المسألة مغني اللبيب ٢ / ٤٧٤ وانظر أيضا البيان ٢ / ٣٦٣ و ٣٦٤ وشرح الكافية للرضي ١ / ٣٢٤ ، ٣٢٥.

٣٤١

جواز العطف على عاملين (١) قال شهاب الدين : والعطف على عاملين لا يختص بقراءة الأخوين ، بل يجوز أن يستدل عليه أيضا بقراءة الباقين كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى فأما قراءة الأخوين ففيها أوجه :

أحدها : أن يكون (اخْتِلافِ اللَّيْلِ) مجرورا ب «في» مضمرة ، وإنما حذفت لتقدم ذكرها مرتين (٢) وحرف الجر إذا دلّ عليه دليل (جاز (٣) حذفه وأيضا عمله وأنشد الإمام الأستاذ سيبويه :)

٤٤٣٣ ـ ألآن قربّت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٤)

تقديره : وبالأيام ، لتقدم الباء في «بك». ولا يجوز عطفه على الكاف لأنه ليس من مذهبه العطف على الضمير المجرور ، دون إعادة الجارّ (٥) ، فالتقدير في هذه الآية : «وفي اختلاف آيات» ، فآيات على ما تقدم من الوجهين في آيات قبلها العطف أو التأكيد. قالوا : ويدلّ على ذلك قراءة عبد الله (وفي اختلاف) تصريحا بفي (٦). فهذان وجهان.

الثالث : أن يعطف «اختلاف» على المجرور بفي ، وآيات على المنصوب بإن وهذا هو العطف على عاملين ، وتحقيقه على معمولي عاملين ، وذلك أنك عطفت «اختلاف» على «خلق» وهو مجرور بفي فهو معمول عامل ، وعطف «آيات» على اسم إنّ وهو معمول عامل آخر. فقد عطفت بحرف واحد وهو الواو معمولين وهما «اختلاف» و «آيات» على معمولين قبلهما وهما «خلق وآيات».

__________________

(١) البحر المحيط ٨ / ٤٣ والدر المصون ٤ / ٨٢٥.

(٢) السابق وانظر البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٦٣ ، والكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٣) ما بين القوسين كله ساقط من ب وبدله كلمة «شعر».

(٤) من أبيات الكتاب الخمسين المجهولة القائل ، وهو من البسيط وهو في ملحقات ديوان عمرو بن معديكرب ١٨٥ ، والشاهد : «جر الأيام» عطفا على محل الكاف في «بك» على نية تكرار العامل إلّا أنه حذف لتقدم ما يدل عليه وهو اختيار أهل البصرة ومتأخري كثير من النحاة كابن مالك كما سبق ، وانظر الكتاب ٢ / ٣٨٣ ، والإنصاف ٤٦٤ ، وابن يعيش ٣ / ٧٨ و ٧٩ والهمع ١ / ١٢٠ و ٢ / ١٣٩ والمقتضب ٩٦٠ والأشموني ٣ / ١١٥ ، والدر المصون ٤ / ٨٢٥.

(٥) ظاهر عبارته يفيد جواز العطف بدون إعادة الجار ولكن على قلة قال : «ولا يحسن لك أن تقول : مررت بك أنت وزيد ، كما جاء فيما أضمرت في الفعل نحو : قمت أنت وزيد لأن ذلك وإن كان قد أنزل منزلة آخر الفعل فليس من الفعل ولا من تمامه». ويقول أيضا : ومما يقبح أن يشركه المظهر علامة المضمر المجرور ، وذلك قولك : مررت بك وزيد ... فإذا حملنا عدم الحسن والقبح على المنع كان ذلك خاصا بالنثر في الاختيار أما في الشعر فذلك جائز عنده لأنه قال : وقد يجوز في الشعر ، وأنشد شاهدا آخر قبل هذا الذي ذكره المؤلف انظر الكتاب ٢ / ٣٨١ و ٣٨٢.

(٦) انظر المعاني للفراء ٣ / ٤٥.

٣٤٢

ويظاهرها استدل من جوّز ذلك كالأخفش (١). وفي المسألة أربعة مذاهب (٢) ، المنع مطلقا ، وهو مذهب سيبويه ، وجمهور البصريين ، قالوا : لأنه يؤدي إلى إقامة حرف العطف مقام عاملين وهو لا يجوز ؛ لأنه لو جاز في عاملين لجاز في ثلاثة ، ولا قائل به ، ولأن حرف العطف ضعيف ، فلا يقوى أن ينوب عن عاملين ، ولأن القائل يجواز ذلك يستضعفه والأحسن عنده أن لا يجوز ، فلا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله ، ولأنه بمنزلة التّعديتين بمعدّ واحد ، وهو غير جائز (٣).

قال ابن السراج (٤) : العطف على عاملين (٥) خطأ في القياس غير مسموع من العرب ، ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار والتأكيد (٦). قال الرماني (٧) : هو كقولك : إنّ في الدّار زيدا والبيت زيدا ، فهو جائز بالإجماع ، وهذا الوجه الذي ذكره ابن السراج حسن (٨) جدا لا يجوز أن يحمل كتاب الله إلا عليه وقد ثبتت القراءة بالكسر ، ولا يعيب فيها في القرآن على وجه. والعطف على عاملين عيب عند من أجازه ومن لم يجزه فقد تناهى في العيب فلا يجوز حمل هذه الآية على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره (٩). قال شهاب الدين : وهذا الحصر منه غير مسلّم ، فإن في الآية تخريجات أخر على ما ذكره ابن السراج ، يجوز الحمل عليها (١٠). وقال الزجاج (١١) ومثله في الشعر :

٤٤٣٤ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرءا

ونار توقّد باللّيل نارا (١٢)

__________________

(١) انظر البيان ٢ / ٣٦٤ والتسهيل ١٧٨ والدر المصون ٣ / ٨٢٦ وإعراب القرآن للنحاس وينظر في تلك المسألة أيضا ٤ / ١٤٠ و ١٤١.

(٢) الهمع ٢ / ١٣٩ والمغني ٤٨٦ و ٤٨٧.

(٣) انظر في هذا كله الدر المصون ٤ / ٨٢٦.

(٤) محمّد بن السريّ أبو بكر ، نشأ ببغداد ، وأخذ عن المبرد وغيره من مؤلفاته كتاب الأصول في النحو وشرح كتاب سيبويه مات سنة ٣١٦ وانظر إنباه الرواة ٣ / ١٤٥ ، ١٤٩.

(٥) هذا تجوز في التعبير والأصح : معمولي عاملين.

(٦) الدر المصون ٤ / ٨٢٦ وإبراز المعاني ٦٨٣.

(٧) أبو الحسن علي بن عيسى ، أخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد وغيرهم شرح كتاب سيبويه ، وشرح المقتضب للمبرد ، والأصول لابن السراج ، مات سنة ٣٨٤ ه‍ ببغداد انظر نشأة النحو ١٧٢ أو ١٧٣ وإنباه الرواة ٢ / ٢٩٤ ـ ٢٩٦.

(٨) في ب جيّدا.

(٩) انظر إبراز المعاني ٦٨٣ ، والدر المصون ٤ / ٨٢٧.

(١٠) قاله في المرجع السابق.

(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٣١.

(١٢) ينسب لأبي دؤاد جويرية بن الحجّاج وإلى عدي بن زيد ، وإلى جارية الحذافي. وهو من المتقارب ، والشاهد : جر «نار» بالعطف على «امرىء» والأصل : وتحسين كلّ نار توقد نارا فيكون من العطف على معمولي عاملين ؛ لأن نار الثانية معطوفة على «امرءا».

٣٤٣

وأنشد الفارسيّ للفرزدق :

٤٤٣٥ ـ وباشروا رعيها الصّلا بلبانه

وجنبيه حرّ النّار ما يتحرّف (١)

وقول الآخر :

٤٤٣٦ ـ أوصيت من برّة قلبا حرّا

بالكلب خيرا والحماة شرّا (٢)

فأما البيت الأول فظاهره أنه عطف «ونار» على «امرىء» المخفوض «بكل» و «نارا» الثانية على «امرءا» الثاني ، والتقدير : أتحسبين كلّ نار نارا ، فقد عطف على معمولي عاملين.

والبيت الثاني : عطف فيه «وجنبيه» على «بلبانه» وعطف حرّ النار «على الصّلا» والتقدير : وباشر بجنبيه حرّ النّار.

والبيت الثالث : عطف فيه «الحماة» على «الكلب» و «شرّا» على «خيرا» تقديره : وأوصيت بالحماة شرّا (٣).

وسيبويه في جميع ذلك يرى الجر بخافض مقدر ، لكنه عورض بأن إعمال حرف الجر مضمرا ضعيف جدا ، ألا ترى أنه لا يجوز : مررت زيد بخفض «زيد» إلّا في ضرورة كقوله :

٤٤٣٧ ـ إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٤)

يريد : إلى كليب ، وقول الآخر :

٤٤٣٨ ـ .........

تبذّخ فارتقى الأعلام (٥)

__________________

(١) من الطويل وأنشده الفارسي للفرزدق في المسائل العسكرية ١٦٣.

(٢) رجز لأبي النجم العجلي ، وشاهد كسابقه من العطف على معمولي عاملين كما أوضح هو أعلى وانظر الدر المصون ٤ / ٨٢٧ ، وإبراز المعاني ٦٨٣ ، والمسائل العسكرية ١٦٣ ، وانظر أيضا ابن يعيش ٢ / ٩ والمقتضب ٧٢ والتصريح ٢ / ١٧٣ والهمع ١ / ١٧٤ والأشموني ٣ / ١٤٥.

(٣) انظر كل هذا التفصيل والتبيين في الدر المصون ٤ / ٨٢٨.

(٤) من الطويل كسابق سابقه. ويعزى للفرزدق في هجاء نظيره جرير والشاهد : كليب فحذف حرف الجر ، وأبقى عمله إلّا أن ذلك ضرورة شعرية لا يجوز القياس عليها. وانظر الهمع ٢ / ٣٦ ، ٨١ ، والتصريح ١ / ٢١٢ ، والأشموني ٢ / ٩٠ ، ٢٣٣ ، وتمهيد القواعد ٢ / ٥٨٣ و ٥٩٨ وابن عقيل ١٠١ وابن الناظم ٩٦ ، وتوضيح المقاصد ٢ / ٥١ ، وأوضح المسالك ٩٤ ، والمغني ١١ / ٦٤٣ وديوانه ١ / ٤٢٠.

(٥) عجز بيت من الكامل وصدره :

وكريمة من آل قيس ألفته

وهو مجهول قائله. وألفته : أعطيته ألفا ، وتبذّخ : تكبر وعلا. وشاهده كسابقه في إعمال حرف الجر ، وهو محذوف ، إلّا أن ذلك ضرورة شعرية.

٣٤٤

أي إلى الأعلام.

فقد فر من شيء فوقع في أضعف منه ، وأجيب عن ذلك : بأنه لما تقدم ذكر الحرف في اللفظ قويت الدّلالة عليه فكأنه ملفوظ به بخلاف ما أوردتموه في المثال والشّعر.

والمذهب الثاني : التفصيل ، وهو مذهب الأخفش ، وذلك أنه يجوز بشرطين :

أحدهما : أن يكون أحد العاملين جارا ، والثاني (١) : أن يتصل المعطوف بالعاطف أو يفصل «بلا» مثال الأول : الآية الكريمة والأبيات المتقدمة ، ولذلك استصوب المبرد (٢) استشهاده بالآية ومثال الفصل «بلا» قولك : ما في الدّار زيد ولا الحجرة عمرو. فلو فقد الشرطان ، نحو : إنّ زيدا شتم بشرا ، وو الله خالدا (هندا (٣)) أو فقد أحدهما ، نحو : إنّ زيدا ضرب بكرا ، وخالدا بشرا ، فقد نقل ابن مالك (٤) ، الامتناع عن الجميع. وفيه نظر ، لما سيأتي من الخلاف.

الثالث : أنه يجوز بشرط أن يكون أحد العاملين جارّا ، وأن يكون متقدما نحو الآية الكريمة ، فلو لم يتقدم نحو : إنّ زيدا في الدار وعمرو السوق ، لم يجز (٥) ، وكذا لو لم يكن حرف جر كما تقدم تمثيله (٦).

الرابع : الجواز مطلقا ، ويعزى للفراء (٧).

الوجه الرابع من أوجه تخريج القراءة المذكورة : أن ينتصب «آيات» على الاختصاص (٨). قاله الزمخشري ، كما سيأتي. وأما قراءة الرفع (٩) ففيها أوجه :

__________________

(١) في ب والثالث تحريف.

(٢) كلامه في المقتضب يوافق كلام سيبويه في منع العطف على معمولي عاملين قال : «.... وأما الخفض فيمتنع لأنك تعطف بحرف واحد على عاملين ، وهما الباء وليس فكأنك قلت : زيد في الدار والحجرة عمرو فتعطف على (في) والمبتدأ. وكان أبو الحسن الأخفش يجيزه وقد قرأ بعض القراء :«وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ... آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» فعطف على «أن» وعلى «في» وهذا غير جائز عندنا». المقتضب ٤ / ١٩٥ والكامل ١ / ٢٨٧ و ٣ / ٩٩٥.

(٣) سقط من ب.

(٤) قال : «وأجاز الأخفش العطف على عاملين إن كان أحدهما جارا ، واتصل المعطوف بالعاطف ، أو انفصل «بلا» والأصح المنع مطلقا ، وما أوهم الجواز فجره بحرف مدلول عليه بما قبل العاطف.

وانظر التسهيل ١٧٨ والكامل للمبرد ١ / ٢٨٧ و ٣ / ٩٩ وانظر هذا كله في الدر المصون ٤ / ٨٢٨.

(٥) وهو رأي المهدوي فيما نقله عنه ابن هشام في المغني وأجازه ابن هشام قال : «فإن كان الجارّ مؤخرا نحو : زيد في الدار ، والحجرة عمرو ، أو وعمرو في الحجرة ؛ فنقل المهدوي أنه ممتنع إجماعا وليس كذلك ، بل هو جائز عند من ذكرنا». المغني ٤٨٦.

(٦) وانظر المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٨٢٩ والهمع ٢ / ١٣٩.

(٧) وهو رأي الزجاج والكسائي أيضا المغني ٤٨٦.

(٨) الكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٩) رفع «آيات» الثالثة من الآية ٥.

٣٤٥

أحدها : أن يكون الأول. والثاني : ما تقدم في (آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

الثالث : أن تكون المسألة من باب العطف على عاملين ، وذلك أن «اختلاف» عطف على «خلقكم» وهو معمول «لفي» و «آيات» قبلها ، وهي معمولة للابتداء فقد عطف على معمول عاملين في هذه القراءة أيضا (١).

قال الزمخشري : وقرىء : «آيات لقوم يوقنون» بالرفع والنصب على قولك : إنّ زيدا في الدّار وعمرو في السوق أو وعمرا في السّوق (٢). قال : وأما قوله : (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فمن العطف على عاملين سواء نصبت أم رفعت ، فالعاملان في (٣) النصب (إنّ) و (في) ، أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في (اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) والنصب في «آيات» وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و (في) عملت الرفع في «آيات» والجر في «اختلاف» (٤). ثمّ قال في توجيه النصب : والثاني : أن ينتصب على الاختصاص بعد انقضاء المجرور (٥).

والوجه الخامس : أن يرتفع «آيات» على خبر ابتداء مضمر أي هي آيات (٦). وناقشه أبو حيان فقال : ونسبة الجر (٧) والرفع والجر والنصب للواو ليس بصحيح ؛ لأنّ الصحيح من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل (٨). وأيضا ناقش أبو شامة (٩) فقال : فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضا ـ يعني قراءة الرفع ـ عطف على عاملين. وهما حرف «في» والابتداء المقتضي للرفع. ومنهم من لا يطلق هذه العبارة في هذه القراءة ؛ لأن الابتداء ليس بعامل لفظي(١٠).

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٨٢٩.

(٢) في الكشاف : وعمرا في السوق أو وعمرو عكس تلك العبارة التي أمامنا أعلى.

(٣) في الكشاف : إذا نصبت.

(٤) الكشاف ٣ / ٥٠٨. والدر المصون ٤ / ٨٢٩. وانظر في مسألة العطف على معمولي عاملين بتفصيل المغني ٤٨٦ إلى ٤٨٨.

(٥) الكشاف المرجع السابق.

(٦) ذكره الزمخشري في الكشاف أيضا والسمين في الدر المصون ٤ / ٨٢٩.

(٧) في ب ونسبة الخبر تحريف.

(٨) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٣ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨٢٩.

(٩) هو الشيخ عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر أبو محمد ، وأبو القاسم المقدسيّ الدّمشقي ، المقرىء النحوي ، الشيخ الإمام العالم العلامة ، الحافظ المحدث الفقيه المؤرخ ، المعروف بأبي شامة ، أخذ عن السخاوي علم الدين وغيره من المعاصرين ، وأخذ عن غيره من المعاصرين المبرزين العلوم اللسانية والشرعية ، مات مقتولا سنة ٦٦٥ ه‍. انظر غاية النهاية ١ / ٣٧٥ و ٣٦٦ ، ومقدمة كتابه إبراز المعاني ٧ و ٨.

(١٠) انظر إبراز المعاني ٦٨٣ و ٦٨٤ والدر المصون ٤ / ٨٣٠.

٣٤٦

وقرىء : واختلاف ـ بالرفع ـ آية ـ بالرفع ، والتوحيد ـ على الابتداء والخبر (١). وكذلك قرىء : وما يبثّ من دابّة آية بالتوحيد (٢). وقرأ زيد بن عليّ وطلحة وعيسى : وتصريف الرّيح كذا قال أبو حيان (٣). قال شهاب الدين : وقد قرأ بهذه القراءة حمزة والكسائيّ أيضا (٤). وقد تقدم ذلك في سورة البقرة (٥).

فصل

اختلاف الليل والنهار فيه وجوه :

الأول : تبديل النهار بالليل وبالعكس.

الثاني : زيادة طول النهار على طول الليل والعكس.

الثالث : اختلاف مطالع الشمس في أيام السنة.

قوله : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) يعني الرزق (٦) الذي هو سبب أرزاق العباد (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وهذا يدل على وجوب القول بوجود الفاعل المختار من وجوه :

أحدها : إنشاء السحاب وإنزال المطر فيه.

وثانيها : تولد النبات من تلك الحبة الواقعة في الأرض.

وثالثها : تولد الأنواع المختلفة وهي ساق الشجرة ، وأغصانها ، وأوراقها ، وثمارها ، ثم تلك الثمرة منها ما يكون القشر محيطا باللّب ، كالجوز ، واللّوز ، ومنها ما يكون اللّب محيطا بالقشر كالمشمش والخوخ ، ومنها ما يكون خاليا عن القشر كالتّين. فتولد أقسام النبات على كثرة أقسامه وتباينها يدلّ على وجوب القول بوجود الفاعل المختار الحكيم الرحيم.

قوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) هي أقسام كثيرة منها الشرقية ، والغربية ، والشّمالية ، والجنوبية ، ومنها الحارّة ، والباردة ، آيات لقوم يعقلون. واعلم أنه تعالى جمع هذه الدلائل في سورة البقرة فقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي

__________________

(١) من القراءات الشاذة ولم تنسب في الدر المصون المرجع السابق ولا في الكشاف ٣ / ٥٠٩ ولا في البحر المحيط ٨ / ٥٤٣ وعزاها صاحب شواذ القرآن إلى عبيد بن عمير ، وزيد بن علي. انظر شواذ القرآن ٢٢١.

(٢) انظر الكشاف والبحر والدر المصون المرجع السابق.

(٣) البحر ٨ / ٤٣.

(٤) قراءة متواترة انظر السبعة ١٧٣ والاتحاف ٢٨٩.

(٥) من الآية ١٦٤ منها : «وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ» وانظر اللباب ١ / ٢٦١ ب.

(٦) في ب الغيث.

٣٤٧

تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٦٤]. فذكر الله تعالى هذه الأقسام الثمانية من الدلائل ، والتفاوت بين الوصفين من وجوه :

الأول : أنه تعالى قال في سورة البقرة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وقال ههنا : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والصحيح عند أهل السنة : أنّ الخلق غير المخلوق ، فذكر لفظ الخلق في سورة البقرة ، ولم يذكره ههنا تنبيها على أنه لا تفاوت بين أن يفصل السماوات أو خلق السماوات فيكون هذا دليلا على أن الخلق غير المخلوق (١).

الثاني : أنه ذكر هناك ثمانية أنواع من الدلائل ، وذكر ههنا سبعة أنواع من الدلائل ، وأهمل منها الفلك والسحاب ، والسّبب فيه أن مدار حركة الفلك والسحاب على الرياح المختلفة ، فذكر الرياح التي هي كالسبب يغني عن ذكرهما.

الثالث : أنه جمع الكل وذكر لها مقطعا واحدا ، وههنا رتّبها على ثلاثة أنواع ، والغرض منه التنبيه على أنه لا بدّ من إفراد كل واحد منها بنظر تامّ سابق.

الرابع : أنه تعالى ذكر في هذا الموضع ثلاثة مقاطع : أحدها : للمؤمنين ، وثانيها : «يوقنون». وثالثها : «يعقلون».

قال ابن الخطيب : وأظنّ أن سبب هذا الترتيب أن قوله : إن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين (بل أنتم (٢) من طلاب الجزم (٣) واليقين ، فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين) ولا من الموقنين فلا أقلّ أن تكونوا من زمرة العقلاء فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل (٤).

قوله تعالى : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها) يجوز أن تكون «نتلوها» خبرا «لتلك» و (آياتُ اللهِ) ، بدل أو عطف بيان ، ويجوز أن تكون (تِلْكَ آياتُ) مبتدأ وخبرا ، و «نتلوها» حال قال الزمخشري : والعامل ما دل عليه «تلك» من معنى الإشارة ونحوه : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢]. قال أبو حيان : وليس نحوه لأن في «وهذا بعلي» حرف تنبيه ؛ فقيل : العامل في الحال ما دل عليه حرف التنبيه أي تنبّه وأما تلك فليس فيها حرف تنبيه ، (فإذا كان حرف (٥) التنبيه عاملا) بما فيه من معنى التنبيه لأن الحرف قد يعمل في الحال ، فالمعنى تنبّه لزيد في حال شيخه (٦) أو في حال قيامه.

__________________

(١) وانظر الرازي ٢٧ / ٢٥٨ و ٢٥٩.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.

(٣) في الرازي : الحق لا الجزم.

(٤) انظر الرازي ٢٧ / ٢٥٩ و ٢٦٠.

(٥) ما بين القوسين زيادة عما في البحر المحيط.

(٦) في ب : شيخة.

٣٤٨

وقيل : العامل في مثل هذا التركيب فعل محذوف يدل عليه المعنى ، أي انظر إليه في حال شيخه (١) فلا يكون اسم الإشارة عاملا ولا حرف التنبيه إن كان هناك (٢). قال شهاب الدين : بل الآية نحو : هذا بعلي شيخا من حيثيّة (٣) نسبة العمل لاسم الإشارة غاية ما ثمّ أن في الآية الأخرى ما يصلح أن يكون عاملا ، وهذا لا يقدح في التنظير إذا قصدت جهة مشتركة ، وأما إضمار الفعل فهو مشترك في الموضعين عند من يرى ذلك (٤) قال ابن عطية : وفي «نتلوها» حذف مضاف ، أي نتلو شأنها وشرح العبرة فيها ويحتمل أن يريد بآيات الله القرآن المنزل في هذا المعنى ، فلا يكون فيها حذف مضاف (٥).

وقرأ بعضهم : يتلوها بياء الغيبة ، عائدا على الباري تعالى (٦).

قوله : «بالحقّ» حال من الفاعل ، أي ملتبسين بالحق ، أو من المفعول ، أي ملتبسة بالحق. ويجوز أن تكون (الباء) للسببية فتتعلق بنفس «نتلوها» (٧).

قوله : «فبأيّ حديث بعد الله وآياته» قال الزمخشري : أي بعد آيات الله ، فهو كقولك: أعجبني زيد كرمه ، يريدون : كرم زيد. وردّه عليه أبو حيان بأنه ليس مرادا ، بل المراد إعجابان ، وبأنّ فيه إقحاما (٨) للأسماء من غير ضرورة ، قال : وهذا قلب لحقائق النّحو (٩).

وقرأ الحرميّان وأبو عمرو وعاصم ـ في رواية ـ «يؤمنون» بياء الغيبة والباقون بتاء الخطاب(١٠). و «فبأيّ» متعلق به ، قدم لأن له صدر الكلام. واختار أبو عبيد الياء ، لأن فيه غيبة ، وهو قوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، و (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١١).

فإن قيل : في أول الكلام خطاب ، وهو قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) قلنا : الغيبة أقرب إلى الحرف المختلف فيه فكان أولى (١٢).

فصل

ومعنى الآية أن من لم ينتفع بهذه الآيات ، فلا شيء بعده يجوز أن ينتفع به. وهذه

__________________

(١) في ب : شيخة.

(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٣.

(٣) في ب حيث وما هو أعلى موافق لما في الدر المصون لشهاب الدين.

(٤) الدر المصون ٤ / ٣٠ وغالبية النحاة يرون عمل حرف التنبيه واسم الإشارة في الحال وممّن منع ذلك السهيلي. انظر ابن يعيش ٢ / ٥٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٠١ ، والهمع ١ / ٢٤٤ ، والأشموني ٢ / ١٠.

(٥) البحر المحيط ٨ / ٤٣.

(٦) لم تنسب في البحر المحيط ٨ / ٤٣ ولا في الكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٧) الدر المصون ٣ / ٨٣١.

(٨) في النسختين إلحام خطأ.

(٩) البحر المحيط المرجع السابق ٨ / ٤٤.

(١٠) قراءة متواترة انظر السبعة ٥٩٤ و ٥٩٥ والإتحاف ٣٨٩.

(١١) الرازي ٢٧ / ٢٦٠.

(١٢) المرجع السابق.

٣٤٩

الآية تبطل القول بالتقليد ، وتوجب على المكلف التأمل في دلائل دين الله (١).

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)(١١)

قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ...) الآية لما بين الآيات للكفار ، وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بها مع ظهورها فبأي حديث بعدها يؤمنون أتبعه بوعيد عظيم لهم فقال : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) والأفاك الكذاب ، والأثيم المبالغ في اقتراف الإثم ، وهو أن يبقى مصرا على الإنكار ، والاستكبار. قال المفسرون : يعني النّضر بن الحارث ، والآية عامة في من كان موصوفا (٢) بهذه الصفة.

قوله : «يسمع» يجوز أن يكون مستأنفا ، أي هو يسمع ، أو دون إضمار «هو» وأن يكون حالا من الضمير في «أثيم» وأن يكون صفة.

قوله : (تُتْلى عَلَيْهِ) حال من (آياتِ اللهِ)(٣) ، ولا يجيء فيه الخلاف وهو أنه يجوز أن يكون في محل نصب مفعولا ثانيا ؛ لأن شرط ذلك أن يقع بعدها ما لا يسمع نحو : «سمعت زيدا يقرأ» أما إذا وقع بعدها ما يسمع ، نحو : سمعت قراءة زيد يترنّم بها فهي متعدية لواحد فقط ، و «الآيات» مما يسمع (٤).

قوله : «ثمّ يصرّ» قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى «ثم» في قوله : (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً)؟

قلت : كمعناه في قول القائل :

٤٤٣٩ ـ .........

يرى غمرات الموت ثمّ يزورها (٥)

وذلك أن غمرات الموت حقيقة بأن ينجو رائيها بنفسه ، ويطلب الفرار منها ، وأما زورانها والإقدام على مزاولتها فأمر مستبعد ، فمعنى ثم الإيذان بأن فعل المقدم عليها

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٢) السابقين.

(٣) هذه الأوجه الإعرابية ذكرها أبو البقاء في التبيان ١١٥١ ، والسمين في الدر ٤ / ٨٣١.

(٤) الدر المصون المرجع السابق ، والذي عدّها من النواسخ الأخفش والفارسي وابن بابشاذ ، وابن عصفور وابن الصائغ ، وابن أبي الربيع وابن مالك ، انظر الهمع ١ / ١٥٠.

(٥) سبق هذا البيت أنه لجعفر بن علبة الحارثي من الطويل وصدره :

ولا يكشف الغماء إلّا ابن حرّة

وانظر كل ما فيه هنا أعلى بتوضيح من المؤلف نقلا عن الزمخشري ٣ / ٥٠٩ والدر المصون ٤ / ٨٣١.

٣٥٠

بعدما رآها وعاينها شيء يستبعد في العادات والطباع وكذلك آيات الله الواضحة الناطقة بالحق من تليت عليه وسمعها كان مستبعدا في العقول إصراره على الضلاله عندها واستنكاره (١) عن الإيمان بها (٢).

قوله : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا (٣) ، والأصل كأنه لم يسمعها ، والضمير ضمير الشأن ، ومحل الجملة النصب على الحال أي يصير مثل غير السّامع (٤) ثم قال : (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

قوله : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) العامة على فتح العين وكسر اللام خفيفة مبنيا للفاعل. وقتادة ومطر الوراق علّم مبنيا للمفعول مشددا (٥).

قوله : (اتّخذها) الضمير المؤنث فيه وجهان :

أحدهما : أنه عائد على «آياتنا» يعني القرآن.

والثاني : أنه يعود على «شيء» وإن كان مذكرا (٦) ، لأنه بمعنى الآية كقول أبي العتاهية :

٤٤٤٠ ـ نفسي بشيء من الدّنيا معلّقة

الله والقائم المهديّ يقضيها (٧)

لأنه أراد «بشيء» جارية يقال لها : عتبة.

فصل

المعنى ذلك الشيء هزؤ ، إلا أنه تعالى قال : اتّخذها للإشعار بأن هذا الرجل إذا أحسّ بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات المنزلة على محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ، ولم يقتصر على الاستهزاء بذلك الواحد (٨).

قوله : «أولئك» إشارة إلى معنى كل أفّاك أثيم ليدخل فيه جميع الأفّاكين فحمل أوّلا على لفظها فأفرد ، ثم على معناها فجمع ، كقوله : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون : ٥٣].

قوله : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) لما قال : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ) أليم» وصف كيفية ذلك العذاب فقال : من ورائهم جهنم أي أمامهم جهنم لأنهم في الدنيا. قال الزمخشري هي اسم للجهة التي يواجه بها الشخص من خلفه أو من قدّامه (٩). ثم بين أن ما ملكوه في

__________________

(١) في ب واستكباره وهو الموافق لما في الكشاف.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٣) الكشاف المرجع السابق والتبيان ١١٥١ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٩٥.

(٤) قال بهذا الأصل الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ٢٧ / ٢٦١.

(٥) قراءة شاذة انظر مختصر ابن خالويه ١٣٨.

(٦) الكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٧) من البسيط له ، ويروى «يكفيها» بدل يقضيها ، والشاهد : يقضيها فلم يقل : يقضيه ولكنه أنّث وانظر الكشاف ٣ / ٥١٠ وشرح شواهده ٥٦٢ والبحر المحيط ٨ / ٤٤ ، والحماسة البصرية ١ / ٥٥١ والديوان ٣٤٧.

(٨) الرازي ٢٧ / ٢٦١ والكشاف ٣ / ٥٠٩.

(٩) الكشاف ٣ / ٥١٠ واللفظ لفظ الرازي في ٢٧ / ٢٦١ وفي الكشاف : والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص. إلخ .. الكشاف ٣ / ٥١٠.

٣٥١

الدنيا لا ينفعهم فقال : (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أي من الأموال.

قوله : (وَلا مَا اتَّخَذُوا) عطف على ما كسبوا و «ما» فيهما إما مصدرية أو بمعنى الذي أي لا يغني كسبهم ولا اتخّاذهم ، أو الذي كسبوه ولا الذي اتخذوه (١).

فإن قيل : إنه قال قبل هذه الآية : (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ثم قال ههنا : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فما الفرق بينهما؟

فالجواب : كون العذاب مهينا يدلّ على حصول الإهانة مع العذاب وكونه عظيما يدل على كونه بالغا إلى أقصى الغايات في الضّرر (٢).

قوله : «هذا هدى» يعني هذا القرآن هدى أي كامل في كونه هدى من الضلالة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) وقد تقدم الكلام على الرجز الأليم في «سبأ» والرجز أشدّ العذاب لقوله تعالى : (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ٥٩] وقوله : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) [الأعراف : ١٣٤]. وقرىء «أليم» بالجر ، والرفع (٣) ، أما الرفع فتقديره لهم عذاب أليم ، ويكون (المراد) (٤) من الرجز النّجس الذي هو النجاسة ، ومعنى النجاسة فيه قوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] وكأن المعنى لهم عذاب من تجرّع رجس أو (٥) شرب رجس ، فيكون تنبيها للعذاب ، وأما الجر فتقديره لهم عذاب من عذاب أليم ، وإذا كان عذابهم من عذاب أليم كان عذابهم أليما (٦).

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥)

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) بأمره ... (٧) الآية لما ذكر تعالى الاستدلال بكيفية جريان الفلك على وجه البحر ؛ وذلك لا يحصل إلا بتسخير ثلاثة أشياء: أحدها : الرياح التي توافق المراد. وثانيها : خلق وجه الماء على الملاسة التي تجري عليها الفلك. وثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تغرق

__________________

(١) التبيان ١١٥١.

(٢) الرازي المرجع السابق ٢٧ / ٢٦١ و ٢٦٢.

(٣) ذكرها الزمخشري والرازي في تفسيرهما الأول في الكشاف ٣ / ٥١٠ والثاني في التفسير الكبير ٢٧ / ٢٦٢.

(٤) زيادة للسياق.

(٥) في أ«أي» تحريف.

(٦) ذكر هذه التوجيهات الرازي في مرجعه السابق.

(٧) في ب الله الذي سخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ؛ فخلط بين آية الجاثية التي معنا ، وبين آية إبراهيم ٣٢.

٣٥٢

عنه. وهذه الأحوال لا يقدر عليها أحد من البشر ، ولا بدّ من موجود قادر عليها وهو الله سبحانه وتعالى. وقوله (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) إما بالتجارة وإما بالغوص على اللؤلؤ والمرجان ، أو لاستخراج اللّحم الطّريّ (١).

قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي خلقها مسخرة لنا. أي لنفعنا.

قوله : «جميعا» حال من (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أو توكيد (٢). وقد عدها ابن مالك في ألفاظه (٣) و «منه» يجوز أن يتعلق بمحذوف صفة ل «جميعا» وأن يتعلق «بسخّر» أي هو صادر من جهته ومن عنده (٤). وجوّز الزمخشري في «منه» أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أي هنّ جميعا منه ، وأن يكون (وَما فِي الْأَرْضِ) مبتدأ و «منه» خبره (٥). قال أبو حيان : وهذان لا يجوزان إلّا على رأي الأخفش ، من حيث إنّ الحال تقدمت يعني «جميعا» فقدمت على عاملها المعنوي يعني الجار فهي نظير : زيد قائما في الدّار (٦) والعامة على «منه». وابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٧) ـ بكسر الميم وتشديد النون ونصب التاء (٨). جعله مصدرا من : «منّ يمنّ منّة» فانتصبا به عنده على المصدر المؤكد ، إما بعامل مضمر ، وإما بسخّر لأنه بمعناه (٩). قال أبو حاتم : سند (١٠) هذه القراءة إلى ابن عباس مظلم (١١). قال شهاب الدين : قد رويت أيضا عن جماعة جلة غير ابن عباس ، فنقلها ابن خالويه (١٢) عنه وعن عبيد بن عمير ونقلها صاحب اللوامح (١٣) وابن جني (١٤) عن ابن عباس ، وعبد الله بن عمرو والجحدريّ وعبد الله بن عبيد بن عمير (١٥). وقرأ

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢٦٢.

(٢) الدر المصون ٤ / ٨٣٢.

(٣) وشرط إضافتها هي كل وعامة إلى الضمير قال : ومجيئه في الغرض الثاني (وهو التوكيد المعنوي) تابعا لذي أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه مضافا إلى ضميره بلفظ «كل» أو جميع «أو عامة». انظر التسهيل ١٦٤.

(٤) التبيان ١١٥١ ، والكشاف ٣ / ٥١٠.

(٥) المرجع السابق.

(٦) بالمعنى من البحر المحيط ٨ / ٤٥ ، ووجدت في شرح الكافية للعلّامة الرضي : «وأجازه الأخفش بشرط تقدم المبتدأ على الحال نحو : زيد قائما في الدّار ، وذلك بناء على مذهبه من قوة الظرف حتى جاز أن يعمل عنده بلا اعتماد في الظاهر في نحو : في الدّار زيد». شرح الكافية ١ / ٢٠٤.

(٧) زيادة من أ.

(٨) شاذة من الأربع عشر وانظر الإتحاف ٣٩٠ ومختصر ابن خالويه ١٣٨ والمحتسب ٢ / ٢٦٢.

(٩) انظر المحتسب السابق ، والدر المصون ٤ / ٨٣٣.

(١٠) في ب مسند.

(١١) في البحر المحيط ظلم ، والرواية تبعا لصاحب الدر المصون ، انظر الدر المرجع السابق والبحر ٨ / ٤٥.

(١٢) مختصر ابن خالويه ١٣٨.

(١٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٥.

(١٤) المحتسب ٢ / ٢٦٢.

(١٥) عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر أبو هاشم الليثي المكي تابعي ، جليل ، وردت الرواية ـ

٣٥٣

مسلمة (١) بن محارب كذلك إلا أنه رفع التاء جعلها خبر ابتداء مضمر ، أي هي منّة (٢). وقرأ أيضا في رواية أخرى بفتح الميم وتشديد النون و «هاء» كناية مضمومة جعله مصدرا مضافا لضمير الله تعالى (٣). ورفعه من وجهين :

أحدهما : بالفاعلية بسخّر ، أي سخّر لكم هذه الأشياء منّه عليكم (٤).

والثاني : أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أي هو ، أو ذلك (٥) منّه عليكم إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون.

قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) تقدم نظيره في سورة (٦) إبراهيم ، قال ابن عباس : ـ رضي الله عنهما ـ المراد بالّذين آمنوا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يغفروا للّذين لا يرجون أيّام الله يعني عبد الله بن أبيّ ، وذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها : المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء ، فأبطأ عليه ، فلما أتاه ، قال له : ما حسبك؟ فقال (٧) : غلام عمر قعد على طرف البئر ، فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي ، وقرب أبي بكر ، فقال عبد الله بن أبيّ : ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل : سمّن كلبك يأكلك ، فبلغ ذلك عمر ، فاشتمل بسيفه ، يريد التوجه (له) (٨) فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل : إنّ رجلا من بني غفار شتم عمر بن الخطّاب ـ (رضي الله عنه) (٩) ـ بمكّة ، فهم عمر أن يبطش به ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالعفو والتّجاوز ، وروى ميمون بن مهران أن فنحاص اليهوديّ لما نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : ٢٤٥] قال : احتاج ربّ محمّد ، فسمع ذلك عمر ، فاشتمل على سيفه ، وخرج في طلبه فبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليه فردّه. وقال القرظيّ والسّدّيّ : نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أهل مكة كانوا في أذى كثير من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال (١٠).

__________________

ـ عنه في حروف القرآن مات سنة ١١٣ ه‍ انظر غاية النهاية ٢ / ٤٣١ ، وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٣.

(١) هو مسلمة بن عبد الله بن محارب أبو عبد الله الفهري البصري ، النحوي ، له اختيار في القراءة قرأ عليه شهاب الدين بن شرنفة ، وكان من علماء العربية انظر غاية النهاية ٢ / ٢٩٨.

(٢) البحر المحيط ٨ / ٤٥ وهي قراءة شاذة وأوردها أيضا نقلا عن البحر صاحب الدر المصون ٤ / ٨٣٣.

(٣) المحتسب ٢ / ٢٦٢ والدر المصون المرجع السابق.

(٤) هذا توجيه أبي الفتح في مرجعه السابق.

(٥) هذا توجيه أبي حاتم فيما نقله عنه أيضا ابن جني في المرجع السابق وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٣.

(٦) يقصد قوله : «قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ» من الآية ٣١.

(٧) في ب قال.

(٨) سقط من ب.

(٩) زيادة من أ.

(١٠) السابق.

٣٥٤

قال ابن الخطيب : وإنما قالوا بالنسخ ، لأنه يدخل تحت الغفران أن لا يقتلوا ولا يقاتلوا فلما أمروا بالمقاتلة كان نسخا. والأقرب أن يقال : إنه محمول على ترك المنازعة ، وعلى التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية (١) وقوله : (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) قال ابن عباس : لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية (٢) وتقدير تفسير «أيام الله» عند قوله : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [إبراهيم : ٥].

قوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً) قرأ ابن عامر والأخوان : لنجزي (٣) بنون العظمة ، أي لنجزي نحن (٤). وباقي السبعة ليجزي بالياء من تحت مبنيا للفاعل ؛ أي ليجزي الله. وأبو جعفر ـ بخلاف عنه وشيبة وعاصم ـ في رواية ـ كذلك إلا أنه مبني للمفعول هذا مع نصب «قوما» (٥). وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :

أحدها : ضمير المفعول الثاني ، عاد الضمير عليه لدلالة السّياق تقديره : ليجزي هو أي الخير قوما والمفعول الثاني من باب أعطى ، يقوم مقام الفاعل بلا خلاف ، ونظيره : الدّرهم أعطي زيدا (٦).

الثاني : أن القائم مقامه ضمير المصدر المدلول عليه بالفعل ، أي ليجزى الجزاء (٧). وفيه نظر لأنه لا يترك المفعول به ، ويقام المصدر ، لا سيما مع عدم التصريح به.

الثالث : أن القائم مقامه الجار والمجرور (٨) ، وفيه حجة للأخفش والكوفيين حيث يجيزون نيابة غير المفعول به مع وجوده وأنشدوا :

٤٤٤١ ـ .........

لسبّ بذلك الجرو الكلابا (٩)

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٢٦٣.

(٢) السابق.

(٣) في ب ليجزي بالياء وهو غير مراد.

(٤) وهذه قراءة متواترة ذكرها صاحب الكشف في ٢ / ٢٦٨ وانظر أيضا السبعة ٥٩٤ و ٥٩٥ ، والإتحاف ٣٩٠ ومعاني الفراء ٣ / ٤٦.

(٥) انظر هذه القراءة في الإتحاف ومعاني الفراء السابقين وهي من الأربع فوق العشر وقد ذكرها بدون نسبة الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥١١.

(٦) التبيان ١١٥٢ والدر المصون ٤ / ٨٣٤.

(٧) الكشاف ٣ / ٥١١ والبحر المحيط ٨ / ٤٥ ، والبيان ٢ / ٣٦٥ ومعاني الفراء ٣ / ٤٦ ولم يرضه أبو البقاء في التبيان ١١٥٢ قال : «وهو بعيد».

(٨) الدر المصون ٤ / ٨٣٤.

(٩) عجز بيت من الوافر ، نسب لجرير وليس بديوانه وصدره :

فلو ولدت قفيرة جرو كلب

وقفيرة ـ مصغرا ـ أم الفرزدق ـ والجرو ولد السّباع ، ومنها الكلب والمعنى : في الذم والتحقير. والشاهد : لسبّ بذلك حيث ناب الجار والمجرور ، وهو بذلك عن الفاعل مع وجود المفعول وهو «الكلاب» منصوبة ، وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٤ والخصائص ١ / ٣٩٧ وابن يعيش ٧ / ٧٥ ، والهمع ١ / ١٦٢.

٣٥٥

و :

٤٤٤٢ ـ لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا (١)

والبصريون لا يجيزونه.

فصل

المعنى لكي نجازي بالمغفرة قوما يعملون الخير.

فإن قيل : ما الفائدة من تنكير «قوما» مع أن المراد بهم المؤمنون المذكورون في قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا)؟

فالجواب : أن التنكير بدل على تعظيم شأنهم ، كأنه قيل : ليجزي قوما وأيّ قوم قوما من شأنهم الصّفح عن السّيئات ، والتجاوز عن المؤذيات ، وتجرع المكروه ، كأنه قيل : لا تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن. ثم ذكر الحكم العام فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) مثل ضربه الله للكفار الذين كانوا يؤذون الرسول والمؤمنين (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)(١٩)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) يعني التوراة (وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) والمراد بهذه الآية أنه تعالى بين أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد ، والمقصود منه أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدّم. واعلم أن المراد بالكتاب التوراة وأما الحكم ، فقيل : المراد به العلم والحكم.

وقيل : المراد العلم بفصل الحكومات (٢). وقيل : معرفة أحكام الله وهو علم الفقه. وأما

__________________

(١) رجز وهو لرؤية وهو من الأبيات المشهورة في النحو ، وقد ورد الفعل مضبوطا بالفتح فتح الياء «يعن» وعليه فلا شاهد حينئذ. والشاهد : لم يعن بالعلياء فأناب الجار والمجرور وهو بالعلياء مكان الفاعل المحذوف بدليل نصب «سيّدا» وهذا حجة للكوفية والأخفش في نيابة الجار والمجرور مكان الفاعل مع وجود المفعول. قال أبو الفتح في الخصائص : «وأجاز أبو الحسن ضرب الضّرب الشّديد زيدا ، ودفع الدّفع الذي تعرف إلى محمد ، وقتل القتل يوم الجمعة أخاك ، ونحو هذه من المسائل ، ثم قال : وهو جائز في القياس وإن لم يرد به الاستعمال» وانظر الخصائص ١ / ٣٩٧ ، وابن يعيش ٧ / ٧٥ والهمع ٢ / ١٦٢ وانظر البيت أيضا في اللسان (عنا) ٣١٤٦ و ٣١٤٧ والأشموني ٣ / ٦٨ ، والتصريح ١ / ٢٩١ وملحقات ديوان رؤبة ١٧٣.

(٢) في ب الخصومات وهو أقرب.

٣٥٦

النبوة فمعلومة (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الحلالات ، يعني المنّ والسّلوى (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ). قال المفسرون : على عالمي زمانهم. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحبّ إليه منهم (٢).

ثم قال : «وآتيناهم بيّنات من الأمر» قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٣) ـ يعني العلم بمبعث محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وما بين لهم من أمره وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب ، ويكون أنصاره من أهل يثرب. وقيل : المراد بالبيّنات المعجزات القاهرة على صحة نبوتهم والمراد معجزات موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

ثم قال تعالى : (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) وتقدم تفسير هذا في سورة «حم عسق». والمراد من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة ؛ لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف ، وههنا صار مجيء العلم سببا لحصول الاختلاف ؛ وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم ، وإنما مقصودهم طلب الرّياسة والتّقدّم ، فيجوز أنهم علموا ثم عاندوا. ويجوز أن يريد بالعلم الأدلة التي توصل إلى العلم ، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحقّ ، لكنهم اختلفوا وأظهروا النزاع على وجه الحسد ، ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) والمعنى أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا ، فإنها وإن ساوت نعم المحقّ أو زادت عليها ، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوؤه وذلك كالزجر لهم. ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق بغيا وحسدا ، أمر رسوله بأن يعدل عن تلك الطريقة ، وأن يتمسّك بالحقّ وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق فقال : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي جعلناك يا محمد على سنة وطريقة بعد موسى (مِنَ الْأَمْرِ) من الدّين (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) يعني مراد الكافرين وأديانهم الخبيثة. قال الكلبي : إن رؤساء قريش قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو بمكة ارجع إلى دين آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسنّ ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).

قوله : «على شريعة» هو المفعول الثاني لجعلناك والشريعة في الأصل ما يرده الناس من الماء في الأنهار ، ويقال لذلك الموضع شريعة ، والجمع شرائع قال :

٤٤٤٣ ـ وفي الشّرائع من جيلان مقتنص

رثّ الثّياب خفيّ الشّخص منسرب (٥)

__________________

(١) زيادة من أ.

(٢) وانظر في هذا كله الرازي ٢٧ / ٢٦٣ و ٢٦٤ والقرطبي ١٦ / ١٦٢ و ١٦٣.

(٣) زيادة من أ.

(٤) وانظر تفسير الإمام العلّامة الفخر الرازي ٢٧ / ٢٦٥.

(٥) من بحر البسيط ، ولم أعرف قائله وشاهده : أن الشرائع جمع شريعة وهو موضع ومكان المياه وانظر البحر المحيط ٨ / ٣٦ والدر المصون ٤ / ٨٣٥.

٣٥٧

فاستعير ذلك للدين ، لأن العباد يردون ما يحيى (١) به نفوسهم (٢).

قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي إن اتبعت أهواءهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) والمعنى إنك لو ملت إلى أديانهم الباطلة لصرت مستحقا للعذاب ، وهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك (٣) ، وإنّ الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا وأما في الآخرة ، فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب ، وإزالة العقاب ، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم (٤).

قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٦)

قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ) أي هذا القرآن ، جمع خبره باعتبار ما فيه. وقرىء : «هذه» (٥) رجوعا إلى الآيات ولأن القرآن بمعناها كقوله :

٤٤٤٤ ـ .........

سائل بني أسد ما هذه الصّوت؟ (٦)

لأنه بمعنى الصيحة ، والمعنى بصائر للناس ، أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون بها. وتقدم تفسيره في سورة الأعراف (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) هدى من الضلالة ، ورحمة من العذاب لمن اتقى وآمن.

__________________

(١) في ب «يخفى» تحريف.

(٢) وانظر الدر المصون ٤ / ٨٣٥.

(٣) في أعليك والتصحيح من ب.

(٤) الرازي ٢٧ / ٢٦٥ و ٢٦٦.

(٥) قراءة شاذة غير متواترة لم ينسبها صاحب الكشاف والدر المصون انظر الكشاف ٣ / ٥١١ والدر المصون ٤ / ٨٣٥. بينما نسبها صاحب شواذ القرآن إلى اليماني ٢٢١.

(٦) عجز بيت من البسيط لرويشد بن كثير ، صدره :

يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته

والشاهد : الإشارة إلى الصوت بالمؤنث ؛ لأن المراد الصّيحة فجاز ذلك. وانظر الخصائص ٢ / ٤١٦ ، وابن يعيش ٥ / ٩٥ ، والإنصاف ٧٧٣ ، والهمع ٢ / ١٥٧ واللسان (صوت) وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٦٦.

٣٥٨

قوله : (أَمْ حَسِبَ) أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها ، أو بالهمزة وحدها(١) وتقدم تحقيق هذا.

قوله : (كَالَّذِينَ آمَنُوا) هو المفعول الثاني للجعل ، أي أن نجعلهم كائنين كالذين آمنوا أي لا يحسبون ذلك (٢). وقد تقدم في سورة الحج (٣) أنّ الأخوين وحفصا قرأوا هنا : سواء بالنصب والباقون بالرفع (٤). وتقدم الوعد عليه بالكلام هنا فنقول : أما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينتصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما : (كَالَّذِينَ آمَنُوا) ويكون المفعول الثاني للجعل (كَالَّذِينَ آمَنُوا) أي أحسبوا أن نجعلهم مثلهم في حال استواء محياهم ومماتهم؟ ليس الأمر كذلك (٥).

الثاني : أن يكون «سواء» هو المفعول الثاني للجعل. و «كالّذين» في محل نصب على الحال ، أي أن نجعلهم حال كونهم مثلهم سواء. وليس معناه بذاك (٦).

الثالث : أن يكون «سواه» مفعولا ثانيا «لحسب». وهذا الوجه نحا إليه أبو البقاء(٧). قال شهاب الدين : وأظنه غلطا ؛ لما سيظهر لك ، فإنه قال : ويقرأ بالنصب وفيه وجهان:

أحدهما : هو حال من الضمير في «الكاف» أي نجعلهم مثل المؤمنين في هذه الحال (٨).

الثاني : أن يكون مفعولا ثانيا لحسب والكاف حال ، وقد دخل استواء محياهم ومماتهم في الحسبان وعلى هذا الوجه (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) مرفوعان (بسواء) لأنه قد قوي (٩) باعتماده انتهى (١٠).

فقد صرح بأنه مفعول ثان للحسبان ، وهذا لا يصح ألبتّة ، لأن «حسب» وأخواتها إذا وقع بعدها «أنّ» المشددة و «أن» المخففة أو الناصبة سدّت مسدّ المفعولين ، وهنا قد

__________________

(١) قاله صاحب الكشاف ٣ / ٥١١ وصاحب الدر المصون ٤ / ٨٣٥.

(٢) قاله النحاس في إعراب القرآن ٤ / ١٤٥ ، والزمخشري في الكشاف ٣ / ٥١٢ والسمين في الدر ٤ / ٨٣٥.

(٣) عند قوله : «سواء العاكف فيه والباد» من الآية ٢٠٥ وانظر السبعة ٤٣٥ واللباب ٦ / ٢٩٠ ب.

(٤) السبعة ٥٩٥ ومعاني الفراء ٣ / ٣٧.

(٥) قاله السمين في الدر المصون ٤ / ٨٣٥ وجعله أبو حيان منصوبا على الحال ولم يبين صاحب الحال البحر ٨ / ٤٧ بينما حدّد أبو البقاء صاحب الحال فقال : «حال من الضمير في الكاف». بينما ارتأى مكي أن يكون حالا من الهاء والميم في نجعلهم. انظر مشكل الإعراب ٢ / ٢٩٧.

(٦) البحر المحيط ٨ / ٤٧ وحجة ابن خالويه ٣٢٥ والتبيان ١١٥٢.

(٧) المرجع الأخير السابق.

(٨) في ب الحالة.

(٩) في التبيان : «قرىء» تخريف.

(١٠) بالمعنى قليلا من التبيان ١١٥٢.

٣٥٩

وقع بعد الحسبان «أن» الناصبة ، فهي سادّة مسدّ المفعولين فمن أين يكون «سواء» مفعولا ثانيا لحسب؟!

فإن قلت : هذا الذي قلته رأي الجمهور ، سيبويه وغيره ، وأما غيرهم كالأخفش فيدّعي أنها تسد مسدّ واحد (١). وإذا تقرر هذا فقد يجوز أن أبا البقاء ذهب هذا المذهب فأعرب (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) مفعولا أول (ل «حسب (٢)») و «سواء» مفعولا ثانيا.

فالجواب : أن الأخفش صرح بأن المفعول الثاني حينئذ يكون محذوفا ، ولئن سلمنا أنه لا يحذف امتنع من وجه آخر وهو أنه قد رفع به (مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) لأنه بمعنى مستو كما تقدم ، ولا ضمير يرجع من مرفوعه إلى المفعول الأول بل رفع أجنبيّا من المفعول الأول وهو نظير : حسبت قيامك مستويا ذهابك وعدمه (٣).

ومن قرأ بالرفع فيحتمل قراءته وجهين :

أحدهما : أن يكون «سواء» خبرا (٤) مقدما ، و «محياهم» مبتدأ مؤخرا (٥) ، ويكون «سواء» مبتدأ و «محياهم» خبره كذا أعربوه (٦). وفيه نظر تقدم في سورة الحج (٧) ، وهو أنه نكرة لا مسوغ فيها وأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت النكرة خبرا لا مبتدأ (٨).

ثم في هذه الجملة ثلاثة أوجه :

__________________

(١) قال السيوطي في الهمع ١ / ١٥١ ، ١٥٢ «تسد عن المفعولين في هذا الباب «أنّ» المشددة ومعمولاها نحو : ظننت أنّ زيدا قائم ، واعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير ، وإن كانت بتقدير اسم مفرد للطول ، ولجريان الجهر ، والمخبر عنه بالذكر في الصلة ثم لا حذف فيه عند سيبويه وذهب الأخفش والمبرّد إلى أن الخبر محذوف والتقدير : أظنّ زيدا قائم ثابت أو مستقر وكذا يسد عنهما إن وصلتها نحو : أحسب الناس أن يتركوا لتضمن مسند ومسند إليه مصرح بهما في الصلة الثانية».

(٢) سقط من ب.

(٣) انظر الدر المصون ٤ / ٨٣٦.

(٤) في ب «غير» بدل خبر. تحريف وفي أخبر مقدم رفعا والأصح تقعيدا ما أثبته.

(٥) قاله في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٩٦ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٦٥ وأبو البقاء في التبيان ١١٥٢ ومفهوم كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٥١٢.

(٦) قاله النحاس في الإعراب ٤ / ١٤٦ وهو رأي الخليل وسيبويه فيما ذكره النحاس والزجاج. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٣٣.

(٧) في الآية السابقة الذكر وهي : «سواء العاكف فيه والباد».

(٨) هذا إطلاق من المؤلف فكلامه يستثنى منه صورتان الأولى : نحو : كم مالك؟ فإن «كم» مبتدأ وهي نكرة وما بعدها معرفة لأن أكثر ما يقع بعد أسماء الاستفهام النكرة والجمل والظروف ، ويتعين إذ ذاك كون اسم الاستفهام مبتدأ نحو : من قائم؟ ومن قام؟ ومن عندك؟ فحكم على «كم» بالابتداء حملا للأول على الأكثر. الثانية : أفعل التفضيل نحو : خير منك زيد ، وتوجيهه ما تقدم في «كم».

وغير سيبويه يجعل المعرفة في الصورتين المبتدأ جريا على القاعدة. وقال ابن هشام : يتحد عندي جواز الوجهين إعمالا للدليلين. انظر الهمع ١ / ١٠٠.

٣٦٠