اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

أشهرهما : أنه جمع سلفة كغرفة وغرف (١). والسّلفة الأمّة.

وقيل : الأصل سلفا بضمتين ، وإنّما أبدل من الضمة فتحة (٢).

وقوله : «مثلا» إما مفعول ثان إن كانت بمعنى صير ، وإلّا حالا (٣). قال الفراء (٤) والزجاج (٥) : جعلناهم متفرقين ليتعظ بهم الآخرون ، وهم كفار أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمعنى ومثلا للآخرين أي عظة لمن بقي بعدهم وعبرة.

قال أبو علي الفارسي : المثل واحد يراد به الجمع ، ومن ثم عطف على سلف والدليل على وقوعه (على) أكثر من واحد قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٧٥]. فأدخل تحت المثل شيئين (٦) وقيل : المعنى سلفا لكفار هذه الأمة إلى النار ، ومثلا لمن يجيء بعدهم.

قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(٦٥)

قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) اعلم أنه تعالى ذكر أنواعا كثيرة من كفراناتهم ، فأولها : قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً).

وثانيها : قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً).

وثالثها : قوله : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ).

ورابعها : قوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

__________________

(١) ذكره الزجاج في المرجع السابق وأبو البقاء في التبيان ١١٤١.

(٢) للتخفيف انظر هذين الوجهين كليهما في المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٧٩٥.

(٣) المرجعين السابقين.

(٤) قال الفراء كأن واحدته سلفة من الناس أي قطعة من الناس مثل أمة فهو قد فسر السّلف بضم السين واللام انظر معاني الفراء ٣ / ٣٦.

(٥) فسرها بفتح اللام والسين قال : جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون معاني الزجاج ٤ / ٤١٦.

(٦) انظر في هذا الرازي ٢٧ / ٢٢٠.

٢٨١

وخامسها : هذه الآية. وليس في لفظها ما يدل على أن ذلك المثل أي شيء كان والمفسرون ذكروا فيه وجوها :

أشهرها : قال ابن عباس وأكثر المفسرين : نزلت الآية في مجادلة عبد الله بن الزّبعرى مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في شأن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما نزل قول الله عزوجل : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] كما تقدم في سورة الأنبياء.

والمعنى : ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلا ، وجادل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعبادة النصارى إياه «إذا قومك» من قريش «منه» أي من هذا المثل «يصدّون» أي يرتفع لهم ضجيج فرحا بسبب ما رأوا من سكوت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإنه قد جرت العادة بأن أحد الخصمين إذا انقطع ، أظهر الخصم الثاني الفرح والضّجيج.

وقيل : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إلها لأنفسهم قالت كفار قريش : إن محمدا يريد أن يجعل نفسه لنا إلها كما جعل النصارى المسيح إلها لأنفسهم فعند هذا قالوا : (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) فعند ذلك قالوا : إن محمدا يدعونا لعبادة نفسه وآباؤنا زعموا أنه يجب عبادة هذه الأصنام وإذا كان لا بد من عبادة أحد هذين فعبادة الأصنام أولى ؛ لأن آباءنا وأسلافنا أجمعوا على ذلك ، وأما محمد فإنه متهم في أمرنا بعبادته. ثم إنه تعالى لم يقل : إن عبادة المسيح طريق حسن ، بل هو كلام باطل ، وأن عيسى ليس إلا عبدا أنعمنا عليه فزالت شبهتهم في قولهم : إن محمدا يريد أن يأمرنا بعبادة نفسه (١).

وقيل : إن الكفار لما رأوا النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبد النصارى عيسى فآلهتنا خير من عيسى فعبدوا الملائكة (٢).

قوله : «يصدّون» قرأ نافع وابن عامر والكسائي يصدون ـ بضم الصاد ـ والباقون بكسرها ، فقيل : هما بمعنى واحد. وهو الصحيح واللفظ ، يقال : صدّ يصدّ ويصدّ كعكف يعكف ويعكف وعرش يعرش ويعرش (٣).

قال ابن عباس (رضي الله عنهما) (٤) يضجرون. وقال سعيد بن المسيب :

__________________

(١) وانظر في هذا تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٠ و ٢٢١ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ١٠٣.

(٢) المرجع السابق وانظر معاني الزجاج ٤ / ٤١٦.

(٣) وقراءة الكسر أكثر كما قال الزجاج : ويقرأ يصدون بضم الصاد والكسر أكثر ومعناهما جميعا يضجّون. ويجوز أن يكون معنى المضمومة يعرضون. وانظر معاني الفراء ٣ / ٣٦ و ٣٧ وإبراز المعاني ٦٨٠ والكشاف ٣ / ٤٩٣ ومجاز القرآن ٢ / ٢٠٥ وغريب القرآن ٤٤٠ وهي قراءة متواترة. انظر الكشف لمكي ٢ / ٢٦٠ والسبعة ٥٨٧.

(٤) زيادة من أ.

٢٨٢

يصيحون. وقال الضحاك : يعجّون. وقال قتادة : يجزعون ، وقال القرظيّ (١) : يضجرون. وقيل : الضّم من الصّدود (٢) وهو الإعراض وقد أنكر ابن عبّاس الضم ، وقد روي له عن علي ـ رضي الله عنه ـ. وهذا والله أعلم ـ قبل بلوغه تواتره (٣).

قوله تعالى : (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ) قرأ أهل الكوفة بتحقيق الهمزة الثانية والباقون (٤) بتسهيلها بين بين. ولم يدخل أحد من القراء الذين من قاعدتهم الفصل بين الهمزتين بألف ألفا كراهة لتوالي أربع متشابهات. وأبدل الجميع الهمزة الثانية ألفا ، ولا بد من زيادة بيان ، وذلك أن آلهة جمع إله كعماد ، وأعمدة ، فالأصل أألهة ، بهمزتين الأولى زائدة ، والثانية فاء الكلمة ، وقعت الثانية ساكنة بعد مفتوحة فوجب قلبها ألفا «كآمن (٥) وبابه (٦)» ، ثم دخلت همزة الاستفهام على الكل فالتقى همزتان في اللفظ ، الأولى للاستفهام ، والثانية همزة «أفعلة» فالكوفيون لم يعتدوا باجتماعهما ، فأبقوهما على ما لهما ، وغيرهم استثقل فخفف الثانية بالتسهيل بين بين ، والثالثة ألف محضة لم تغير البتّة (٧). وأكثر أهل العصر يقرأون هذا الحرف بهمزة واحدة بعدها ألف على لفظ الخبر ولم يقرأ به أحد من السبعة فيما علمنا إلا أنه قد روي أن ورشا قرأ كذلك في رواية أبي الأزهر (٨) وهي تحتمل الاستفهام كالعامة. وإنما حذف أداة الاستفهام لدلالة أم عليها ، وهو كثير (٩). ويحتمل أنه قرأة خبرا محضا وحينئذ تكون أم منقطعة تقدر ببل (١٠) والهمزة وأما الجماعة فهي عندهم متصلة (١١). فقوله : «أم هو» على قراءة العامة عطف على (آلِهَتُنا خَيْرٌ) وهو من عطف المفردات ، والتقدير : أآلهتنا أم هو خير؟ أي أيهما خير؟ وعلى قراءة ورش يكون هو

__________________

(١) في النسختين القرطبي وهو خطأ مكرر كالعادة. والأصح ما أثبت أعلى وهو الإمام محمد بن كعب القرظيّ. وانظر هذه الأقوال في القرطبي ١٦ / ١٠٣.

(٢) وهو قول قطرب المرجع السابق.

(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٥.

(٤) وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ورويس. وانظر الإتحاف ٣٨٦ ، والسبعة ٥٨٧ وإبراز المعاني ٦٨٠.

(٥) فأصله أأمن.

(٦) إيمان وأوثر ونحوهما.

(٧) انظر هذا في الكشف ٢ / ٢٦٠ و ٢٦١ وشرح الشافية للإمام الرضي ٣ / ٥٣ و ٥٤.

(٨) هو عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة أبو الأزهر العتقي المصريّ صاحب الإمام مالك راو مشهور بالقراءة متصدر ثقة ، أخذ القراءة عرضا عن ورش مات في رجب ٢٣١ انظر غاية النهاية لابن الجزري ١ / ٣٨٩ وقد ذكر هذه القراءة ابن مجاهد في السبعة عن أحمد بن صالح عن قالون عن نافع كما نقل : وقال أحمد بن صالح : بلغني عن ورش أنه كان يقرأها بغير استفهام.

انظر السبعة ٥٨٨.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٩٣.

(١٠) البحر المحيط ٨ / ٢٥ والدر المصون ٤ / ٧٩٦.

(١١) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٥٤ والمرجع السابق.

٢٨٣

مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره : بل أهو خير. وليست «أم» حينئذ عاطفة (١).

فصل

قال قتادة معنى قوله : «أم هو» يعنون محمدا فنعبده ونترك آلهتنا. وقال السدي وابن زيد: أم هو يعني عيسى قالوا يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير ، والملائكة في النار (٢) ، قال الله تعالى : (ما ضَرَبُوهُ) يعني هذا المثل : «لك إلّا جدلا» أي خصومة بالباطل ، فقد علموا أن المراد من قوله : (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] هؤلاء الأصنام (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) مبالغون في الخصومة. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» ثم قرأ : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٣).

قوله : «جدلا» مفعول من أجله ، أي لأجل الجدل والمراء ، لا لإظهار الحق ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال أي إلا مجادلين (٤). وقرأ ابن مقسم : جدالا (٥) والوجهان جاريان فيه. والظاهر أن الضمير في «هو» لعيسى كغيره من الضمائر. وقيل : هو للنبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبكلّ قال به المفسرون كما تقدم (٦).

فصل

تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية ، والآيات الكثيرة دالة على مدح الجدل فالتوفيق بينهما أن تصرف الآيات الدالة على مدح الجدل إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق وتصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل.

قوله (تعالى) (٧) : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ) أي ما هو يعني عيسى «إلّا عبد» كسائر العبيد (أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) حيث جعلناه آية ، بأن خلقناه من غير ذكر كما خلقنا آدم ، وشرفناه بالنبوّة (٨)(وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) أي آية وغيره (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خلقه من غير أب (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) أي لو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم

__________________

(١) السابق.

(٢) القرطبي ١٦ / ١٠٤.

(٣) رواه الترمذي في صحيحه عن أبي أمامة. وانظر أيضا القرطبي ١٦ / ١٠٤.

(٤) ذكر هذين الوجهين في الكشاف ٣ / ٤٩٣ و ٤٩٤.

(٥) من القراءة الشاذة. البحر المحيط ٨ / ٢٥ والقرطبي السابق وأيضا شواذ القرآن ٢١٨.

(٦) كما سبق منذ قليل والدر المصون ٤ / ٧٩٧.

(٧) زيادة من أ.

(٨) انظر كل هذا في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٧ / ٢٢٢.

٢٨٤

ملائكة (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي يكونون خلفا منكم (١) يعمرون الأرض ، ويعبدونني ويطيعوني(٢). وقيل : يخلف بعضهم بعضا (٣).

قوله : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) في من هذه أقوال :

أحدها : أنها بمعنى بدل أي لجعلنا بدلكم كما تقدم (٤) في التفسير ، ومنه أيضا (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] أي بدلها. وأنشد (ـ رحمة (٥) الله عليه) ـ :

٤٤١٥ ـ أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة

ظلما ويكتب للأمير إفالا (٦)

وقال آخر :

٤٤١٦ ـ جارية لم تأكل المرقّقا

ولم تذق من البقول الفستقا (٧)

والثاني : وهو المشهور : أنها تبعيضية. وتأويل الآية لولدنا منكم يا رجال ملائكة في الأرض يخلفونكم كما تخلفكم أولادكم ، كما ولدنا عيسى من أنثى دون ذكر. ذكره الزمخشري (٨).

والثالث : أنها تبعيضية قال أبو البقاء وقيل : المعنى لحوّلنا بعضكم ملائكة (٩).

قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ) المشهور أن الضمير «لعيسى» يعني نزوله آخر الزمان ، وقيل : الضمير للقرآن ، أي فيه علم الساعة وأهوالها ، أو هو علامة على قربها ومنه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ومنه : «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» (١٠). والعامة على «علم» مصدرا جعل علما مبالغة ، لمّا كان به يحصل العلم ، أو

__________________

(١) وهو رأي السدي.

(٢) وهو رأي مجاهد رضي الله عن الجميع.

(٣) انظر هذا في القرطبي ١٦ / ١٠٥ ، وبالأخير قال الإمام الزجاج في معانيه ٤ / ٤١٧.

(٤) ذكره السمين في الدر المصون ٤ / ٧٩٧ والزجاج في معاني القرآن ٤ / ٤١٧ ونقله القرطبي عن الأزهري في الجامع ١٦ / ١٠٥.

(٥) زيادة من أ.

(٦) أوردت النسختان إفالا ، وليس كذلك البيت في ديوان الراعي والبيت له من تام الكامل من قصيدة طويلة يخاطب بها عبد الملك بن مروان. والمخاض : الحوامل من النّوق واحدها خلفة من غير لفظها ، والفصيل ولد الناقة عند فطامه. والغلبة مصدر بمعنى الغلبة ، والأفيل الصغير من الإبل ، وسمي بذلك لأفوله أي لغيبته بينهما. ومعناه أن عمال الزكاة يأخذون النوق ويحرمون صغارها ومع ذلك يخبرون الأمير بأنهم لم يأخذوا من أصحاب الأموال إلا الإفال من الإبل. وقد تقدم.

(٧) من الرجز وينسب لأبي نخيلة وشاهده كسابقه في مجيء من بمعنى البدل وقد تقدم.

(٨) الكشاف ٣ / ٤٩٤.

(٩) انظر التبيان ١١٤١ ولم ينسبه.

(١٠) ذكره البخاري ٣ / ٢١٢ عن سهل بن سعد.

٢٨٥

لما كان شرطا يعلم به ذلك أطلق عليه علم. وابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك الغفاريّ (١) وزيد بن علي لعلم ـ ، بفتح العين والفاء ـ أي لشرط وعلامة. وقرأ أبو نضرة (٢) وعكرمة كذلك إلا أنّهما عرّفا باللام فقرآ للعلم أي للعلامة المعروفة (٣).

فصل

معنى الآية أن نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم بها قربها ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عادلا يكسر الصّليب ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، وتهلك في زمانه الملل كلّها إلّا الإسلام» (٤). ويروى : أنه ينزل على ثنيّة بالأرض المقدسة يقال لها أفيق (٥) ، وبيده حربة ، وعليه ممصّرتان (٦) ، وشعر رأسه دهين يقتل الدّجّال ، ويأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر ـ وروي في صلاة الصبح ـ فيتأخر الإمام فيتقدمه عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويصلي خلفه على شريعة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم يقتل الخنازير ، ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ويقتل النّصارى إلا من آمن به (٧).

قوله : (فَلا تَمْتَرُنَّ) من المرية وهي الشك أي لا تشكّنّ فيها. قال ابن عباس (رضي الله عنهما (٨)) لا تكذبوا بها «واتّبعوني» على التوحيد «هذا» الذي أنا عليه (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ) لا يصرفنكم «الشّيطان» عن دين الله (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) قد بانت عداوته لكم لأجل أنه أخرج أبويكم من الجنة ، ونزع عنهما لباس النور.

قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) وهي النبوة. وقيل : معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله

__________________

(١) هو غزوان الغفاري أبو مالك الكوفي عن البراء بن عازب وابن عباس وعنه سلمة بن كهيل والسدي وانظر خلاصة الكمال ٣٠٦ ، وانظر القراءة في الإتحاف ٣٨٦ ومختصر ابن خالويه ١٣٥ والكشاف ٣ / ٤٩٤ ومعاني الفراء ٣ / ٣٧.

(٢) هو المنذر بن مالك بن العوقة وهم بطن من عبد قيس وتوفي في ولاية عمر بن هبيرة ، وصلى عليه الحسن البصري انظر المعارف لابن قتيبة ٤٤٩.

(٣) انظر مختصر ابن خالويه والكشاف السابقين وهي شاذة غير متواترة.

(٤) هو في صحيح البخاري ٢ / ٢٧ عن ابن المسيب عن أبي هريرة.

(٥) هو في مكان بالقدس الشريف نفسه.

(٦) الممصّر من الثياب التي فيها صفرة خفيفة.

(٧) ذكره الثعلبي والزمخشري من حديث أبي هريرة ولم أجده في الصّحيح انظر الكشاف ٣ / ٤٩٤ والقرطبي ١٦ / ١٠٦ والرازي ٢٧ / ٢٢.

(٨) سقط من (ب).

٢٨٦

(وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أحكام التوراة (١).

قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى. قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه (٢).

وقيل : كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التكاليف ، واتفقوا على أشياء فجاء عيسى ليبين لهم الحقّ في تلك المسائل الخلافية (٣).

قال ابن الخطيب : وبالجملة فالحكمة معناها أصول الدين ، وبعض الذي يختلفون فيه معناه فروع الدين (٤).

فإن قيل : لم لم يبيّن لهم كلّ الذي يختلفون فيه؟

فالجواب : لأن الناس قد اختلفوا في أشياء لا حاجة لهم إلى معرفتها فلا يجب على الرسول بيانها. ولما بين لهم الأصول والفروع قال : (فَاتَّقُوا اللهَ) من الكفر والإعراض عن دينه «وأطيعوه» فيما أبلغة إليكم من التكاليف ، (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ، فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) أي الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم الملكانيّة (٥) واليعقوبية (٦) والنسطورية (٧) ، وقيل : اليهود والنصارى (٨)(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وهو وعيد يوم الأحزاب.

فإن قيل : الضمير في قوله : «بينهم» إلى من يرجع؟

فالجواب : إلى الذين خاطبهم عيسى في قوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) وهم قومه.

قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ)(٧٣)

قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) أي أنها تأتيهم لا محالة ، فكأنهم

__________________

(١) القرطبي المرجع السابق.

(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٨.

(٣) وهو رأي الإمام الرازي ٢٧ / ٢٢٣.

(٤) قاله في مرجعه السابق.

(٥) قالوا : ثالث ثلاثة.

(٦) قالوا : هو الله.

(٧) قالوا : هو ابن الله وانظر هذا الرأي الفرقيّ في القرطبي ١٦ / ١٠٩ وهو منسوب لمقاتل والكلبي.

(٨) قاله مجاهد والسدي. المرجع السابق.

٢٨٧

ينظرونها. فقوله (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل من الساعة. والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة. وقوله : «بغتة» فجأة.

فإن قيل : قوله بغتة يفيد ما يفيد قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فما فائدته؟

فالجواب : يجوز أن تأتيهم بغتة وهم يعرفونه بسبب أنّهم يشاهدونه» (١).

قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ) مبتدأ وخبره «عدوّ» والتنوين في «يومئذ» عوض عن جملة ، تقديره : يومئذ تأتيهم السّاعة. والعامل في يومئذ : تأتيهم السّاعة (٢) والعامل في «يومئذ» لفظ «عدو» (٣) أي عداوتهم في ذلك اليوم.

فصل

معنى الآية الأخلاء على المعصية في الدنيا يومئذ أي يوم القيامة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) يعني المتحابين في الله على طاعة الله وهم الموحدون الذين يخالّ بعضهم بعضا على الإيمان والتقوى فإن خلتهم لا تصير عداوة.

روى أبو ثور (٤) عن معمر (٥) عن قتادة عن أبي إسحاق (٦) أنّ عليّا (رضي الله عنه) (٧) قال : في الآية خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك يا رب ، فلا تضلّه بعدي ، واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني ، فإذا مات خليله المؤمن جمع (الله) بينهما فيقول (الله تعالى) : ليثن أحدكما على صاحبه فيقول : (يا رب) (٨) نعم الأخ ، ونعم الخليل ، ونعم الصاحب. قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب إن فلانا كان ينهاني عن ذاتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر ، وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول : بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب (٩).

__________________

(١) انظر هذا في تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٣.

(٢) قال بهذا كله السمين في الدر المصون ٤ / ٧٧٩.

(٣) السابق وبه قال صاحب الكشاف قبل ٣ / ٤٩٥.

(٤) الأودي الحداني حبيب بن أبي مليكة ، روى عن ابن مسعود ، وعنه : الشعبي وثقه ابن حبان ، وانظر الخلاصة ٤٤٦.

(٥) معمر بن راشد الأزدي مولى مولاهم عبد السلام بن عبد القدوس أبو عروة البصري ثم اليماني أحد الاعلام عن الزهري وهمام بن منبه وعنه أيوب والثوري مات سنة ١٥٣ انظر خلاصة الكمال ٣٨٤.

(٦) هو الثعلبي وقد ترجم له.

(٧) زيادة من أ.

(٨) ما بين الأقواس زيادة لتوضيح السياق كما في القرطبي.

(٩) انظر القرطبي ١٦ / ١٠٩ و ١١٠.

٢٨٨

قوله «يا عبادي» قرأ أبو بكر عن عاصم : «يا عبادي لا خوف» بفتح الياء. والأخوان وابن كثير وحفص بحذفها وصلا ووقفا (١). والباقون بإثباتها ساكنة. وقرأ العامة : لا خوف بالرفع والتنوين إما مبتدأ وإما اسما لها وهو قليل. وابن محيصن دون تنوين على حذف مضاف وانتظاره أي لا خوف شيء (٢). والحسن وابن أبي إسحاق بالفتح على لا التبرئة (٣) ، وهي عندهم أبلغ.

فصل

قد تقدم أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين المطيعين المتقين. وفيه أنواع كثيرة توجب الفرح :

أولها : أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطة.

وثانيها : أنه تعالى وصفهم بالعبودية من غير واسطة ، وهذا تشريف عظيم ، بدليل أنه تعالى لما أراد تشريف محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليلة المعراج قال : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) [الإسراء : ١].

وثالثها : قوله : (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فنفى عنهم الحزن بسبب فوت الدنيا الماضية (٤).

قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) يجوز أن يكون نعتا لعبادي ، أو بدلا منه ، أو عطف بيان لله ، أو مقطوعا منصوبا بفعل أي أعني الذين آمنوا.

أو مرفوعا بالابتداء وخبره مضمر ، تقديره يقال لهم : ادخلوا (٥).

فصل

قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة نادي مناد : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم. فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم فيقال : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) فينكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم فيمر حسابهم على أحسن الوجوه ثم يقال لهم :

__________________

(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٣٧ والسبعة ٥٨٨ والإتحاف ٣٨٦ وهي قراءة متواترة.

(٢) ذكرها أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٢٦.

(٣) انظر المرجع السابق ، والإتحاف ٣٨٦.

(٤) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٥.

(٥) قال بهذه الأوجه كلها السمين في الدر المصون ٤ / ٧٧٩ ، وبالأول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٥ وأبو حيان في البحر ٨ / ٢٥ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٩ ونقله القرطبي ١٦ / ١١١ كما نقل الأخير وزاد قال : وقيل : «الَّذِينَ آمَنُوا» خبر لمبتدأ محذوف أو ابتداء وخبره محذوف تقديره : هم الذين آمنوا أو الذين آمنوا يقال لهم : ادخلوا الجنة. انظر الجامع ١٦ / ١١١.

٢٨٩

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) تسرّون وتنعمون والحبرة المبالغة في الإكرام على أحسن الوجوه (١) وتقدم تفسيره في سورة الروم.

قوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ).

قوله : (يُطافُ عَلَيْهِمْ) قبله محذوف أي يدخلون (و) يطاف (٢). والصّحاف جمع صحفة كجفنة وجفان ؛ قال الجوهريّ : الصحفة كالقصعة (٣). وقال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ، ثم القصعة تشبع العشرة ، ثم الصحفة تشبع الخمسة ، ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة (ثم الصحيفة تشبع الرجل) (٤). والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف. وأمال الكسائي ـ في رواية (٥) ـ بصحاف من ذهب.

«وأكواب» جمع كوب ، وهو إناء مستدير مدوّر الرأس لا عرى له (٦). وقيل : هو كالإبريق إلا أنه لا عروة له (٧). وقيل : إنه ما لا خرطوم (٨) له. وقيل : إنه لا خرطوم له ولا عروة(٩) معا. قال الجواليقي : ليتمكن الشارب من أين شاء ، فإن العروة تمنع من ذلك (١٠) ، وقال عديّ :

٤٤١٧ ـ متّكئا تصفق أبوابه

يطوف عليه العبد بالكوب (١١)

والتقدير : وأكواب من ذهب. فقوله : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) إشارة إلى المطعوم ، وقوله : «وأكواب» إشارة إلى المشروب. ثم إنه تعالى لما ذكر التفصيل ذكر بيانا كليا فقال : (وَفِيها ما) تشتهي (الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) أي في الجنة.

__________________

(١) قاله الرازي ٢٧ / ٢٢٥.

(٢) انظر التبيان ١١٤١ قال : «تقدير الكلام : يدخلون فيطاف فحذف لفهم المعنى».

(٣) انظر صحاح الجوهري ٤ / ١٣٨٤ صحف.

(٤) زيادة من القرطبي على نص الكسائي. وانظر اللسان صحف (١٤٠٥) والقرطبي ١٦ / ١١٣ بتصحيح لفظ مئكلة وليس مكيلة.

(٥) وهي رواية أبي الحارث عنه انظر مختصر ابن خالويه ١٣٧.

(٦) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤١٩ والمعاني ٣ / ٣٧.

(٧) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٧٩٩.

(٨) هو رأي أبي عبيدة في مجاز القرآن ٢ / ٢٠٦.

(٩) نقله القرطبي في تفسيره ١٦ / ١١٤.

(١٠) نقله تلميذه ابن الجوزي ، زاد المسير ٧ / ٣٢٨.

(١١) من بحر السريع وورد في الفراء : يسقى ورواية اللسان يسعى ، وصفق وأصفق من الأضداد بمعنى الغلق والفتح والمراد في البيت الفتح. وانظر القرطبي ١٦ / ١١٤ ومعاني الفراء ٣ / ٣٧ ومجاز القرآن ٣ / ٢٠٦ واللسان صفق ٢٤٦٥ وكوب ٣٩٥١ والدر المصون ٤ / ٨٠٠.

٢٩٠

قوله : (ما) تشتهي (الْأَنْفُسُ) قرأ نافع وابن عامر وحفص تشتهيه (١) بإثبات العائد على الموصول ، كقوله : ك (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ) [البقرة : ٢٧٥]. والباقون بحذفه كقوله : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١]. وهذه القراءة شبيهة بقوله: (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) [يس : ٣٥]. وقد تقدم في يس. وهذه الهاء في هذه السورة رسمت في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها (٢).

وقد وقع لأبي عبد الله الفاسي (٣) شارح القصيدة (٤) وهم فسبق قلمه فكتب والهاء منه محذوفة في مصاحف المدينة والشام ثابتة في غيرهما (٥) أراد أن يكتب ثابتة في مصاحف المدينة والشام محذوفة من غيرهما فعكس. وفي مصحف عبد الله : تشتهيه الأنفس وتلذّه الأعين بالهاء فيهما (٦).

فصل

روي أن رجلا قال يا رسول الله (هل) في الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل فقال : إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يركبك فرسا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت. فقال أعرابي يا رسول الله : أفي الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل فقال يا أعرابي : إن أدخلك الله الجنّة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذّت عينك (٧).

قوله (تعالى) (٨) : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) قد تقدم الكلام في معنى وراثة الجنة عند قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) [المؤمنون : ١٠ ـ ١١] ولما ذكر الطعام والشراب ذكر الفاكهة فقال : (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) جاء في الحديث : «لا ينزع رجل من الجنّة من ثمرة إلّا نبتت مكانها مثلاها» (٩). واعلم أنه تعالى لما بعث محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أولا إلى العرب ثم إلى العالمين ، وكانت العرب في ضيق شديد بسبب المأكول ، والمشروب والفاكهة ، فلهذا ذكر الله تعالى هذه المعاني

__________________

(١) السبعة ٥٨٨.

(٢) قاله أبو زكريا الفراء في معاني القرآن ٣ / ٣٧.

(٣) محمد بن عبد السلام العربي ابن يوسف فقيه مقرىء ، عارف بالعربية ، شرح لامية الأفعال لابن مالك مات سنة ١٢١٤ ه‍ ، الأعلام ٧ / ٧٧ و ١٠ / ٢٠٦.

(٤) هي قصيدة الشاطبية وتسمى حرز الأماني للإمام أبي القاسم بن فيرة بن خلف الرعيني الأندلسي الشافعيّ الضرير وانظر لطائف الإشارات ١ / ٨٩.

(٥) انظر الدر المصون ٤ / ٨٠٠ واللآلىء الفريدة في شرح القصيدة : ٣٧٣.

(٦) معاني القرآن للفراء ٣ / ٣٧.

(٧) بالمعنى من الدر المنثور ٧ / ٣٩٢ فقد أخرجه ابن أبي شيبة وابن مردويه عن بريدة وانظر القرطبي ١٦ / ١١٤.

(٨) مزيد من أ.

(٩) بالمعنى من الدر المنثور للسيوطي ٧ / ٣٩٢ بإخراج ابن أبي شيبة عن عمر بن قيس.

٢٩١

مرة بعد أخرى تكميلا لرغباتهم ، وتقوية لدواعيهم. و «من» في قوله : (مِنْها تَأْكُلُونَ) تبعيضية (١) ، أو ابتدائية (٢). وقدم الجار لأجل الفاصلة.

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠)

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) لما ذكر الوعد أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن. واحتج القاضي على القطع بوعيد الفساق بهذه الآية فقال : لفظ المجرم يتناول الكافر والفاسق ، فوجب كون الكل في عذاب جهنم.

وقوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ، و «خالدون» بدل على الخلود. والجواب : أن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من لفظ المجرم ههنا الكافر. فأما قبل الآية فقوله : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. الّذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين. وهذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكان مسلما ، فإنه يدخل تحت قوله : (يا) عبادي (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله وآياته وأسلم فوجب أن يدخل تحت ذلك الوعد ، وأن يخرج من هذا الوعيد. لكن وأما بعد الآية فقوله تعالى : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) والمراد بالحقّ ههنا إما الإسلام وإما القرآن ، والرجل المسلم لا يكره الإسلام ولا القرآن. فثبت أن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من المجرمين الكفار. والله أعلم (٣).

قوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) جملة حالية وكذلك (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(٤) وقرأ عبد الله : «وهم فيها» (٥) أي في النار لدلالة العذاب عليها. واعلم أنه قد تقدم أن الخلود عبارة عن طول المكث ، ولا يفيد الدوام.

وقوله : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أي لا يخفف فلا ينقص من قولهم : فترت عنه الحمّى إذا سكنت ونقص حرّها (٦).

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٦.

(٢) قاله السمين في الدر المصون ٤ / ٨٠٠.

(٣) انظر هذا في تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٦.

(٤) الدر المصون السابق.

(٥) قراءة شاذة غير متواترة ذكرها الفراء في معاني القرآن ٣ / ٣٧.

(٦) اللسان فتر (٣٣٤٠ و ٣٣٤١).

٢٩٢

وقوله : (وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) والمبلس هو اليائس الساكت سكوت يائس من فرج (١). عن الضحاك : يعقل المجرم في تابوت من نار ، ثم يقفل عليه فيبقى خالدا لا يرى ولا يرى.

قوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) العامة على الياء خبرا لكان ، و «هم» إما فصل (٢) ، وإمّا توكيد (٣) ، وقرأ عبد الله (٤) وأبو زيد (٥) النحويان : الظّالمون (٦) على أنه مبتدأ و «الظالمون» خبره والجملة خبر كان. وهي لغة تميم (٧).

قال أبو زيد : سمعتهم يقرأون : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠] بالرفع (٨). وقال قيس بن ذريح (الشاعر) (٩) :

٤٤١٨ ـ تحنّ إلى ليلى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر (١٠)

برفع «أقدر» و «أنت» فصل أو توكيد.

قال سيبويه : بلغنا أن رؤبة كان يقول : أظنّ زيدا هو خير منك (١١) يعني بالرفع.

فصل

احتج القاضي بقوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) فقال : إن كان خلق

__________________

(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣١٩.

(٢) وكونه فصلا أو عمادا صحيح ، فالأول تسمية للبصرة والثاني للكوفة وسمي فصلا ، لأنه فصل بين التابع والخبر وعمادا لأنه يعتمد عليه معنى الكلام وفائدته التوكيد ، ولهذا قال بعضهم : إنه لا يجامع التوكيد فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل. وفيه كلام ذكره ابن هشام في مغنيه ٤٩٣ ـ ٤٩٨.

(٣) وقال بهذا السمين ٤ / ٨٠١.

(٤) هو أبو بحر عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ البصري كان أول من علل النحو انظر غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزريّ ١ / ٤١٠ وقد مات هذا الرجل سنة ١١٧ ه‍. وانظر أيضا إنباه الرواة ٢ / ١٠٤.

(٥) هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد ، روى القراءة عن المفضل عن عاصم ، وكان من جلّة أصحاب أبي عمرو من أعيان أهل النحو واللغة مات سنة ٢١٥ ه‍. وانظر غاية النهاية ١ / ٣٠٥.

(٦) ذكرها ابن خالويه في مختصره (١٣٦) وذكرها القرطبي إجازة نحوية ولم يذكره قراءة.

(٧) أخبر بذلك أبو عمرو الجرمي أن لغة تميم جعل ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ويرفعون ما بعده على الخبر انظر البحر المحيط ٨ / ٢٢.

(٨) انظر المرجع السابق ، والكتاب ٢ / ٣٩٢.

(٩) زيادة من أالأصل.

(١٠) من الطويل له وقد روي ـ كما في الكتاب تبكي بدل تحنّ ، والملا ـ مقصورا ـ الصّحراء وهو يتحسر على طلاقه لليلى وكان مفتونا ومشغوفا بها. والشاهد : أنت أقدر بفصل الضمير ورفعه وما بعده على الخبر على لغة تميم. وانظر الديوان ٣٣ والكتاب ٣ / ٢٩٢ ، وابن يعيش ٣ / ١١٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٧ والدر المصون ٤ / ٨٠٢ واللسان (ملا) ٤٢٧٣.

(١١) الكتاب ٢ / ٣٩٢.

٢٩٣

فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفاه بقوله : (وَما ظَلَمْناهُمْ (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ)؟وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه؟ أو ليس لو أثبتناه لهم كان لا يزيد عما يقوله القوم؟ فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزوجل بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معا فلم يكن ذلك ظلما من الله تعالى : قلنا (١) : عندكم القدرة على الظلم موجبة للظلم ، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى ، وكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج من أن يكون ظلما لهم ، وذلك محال ، لأن من يكون ظالما في فعله إذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون ذلك أحق فيقال للقاضي : قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعيّنة لأحد الطرفين؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إن وقع لا لمرجّح ، لزم نفي الصانع ، وإن افتقر إلى مرجّح عاد التقسيم الأول ، وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله تعالى في العبد ، وحينئذ يلزمك ما ألزمته علينا. وإن كانت تلك القدرة متعينة لأحد الطرفين فحينئذ يلزمك ما أوردته علينا. قال ابن الخطيب : وليس الرجل من يرى (وجه) (٢) الاستدلال فيذكره إنما الرجل من (٣) ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده ، فإن رآه واردا على مذهبه بعينه لم يذكره (٤).

قوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ) العامة من غير ترخيم. وعليّ بن أبي طالب ، وعبد الله بن وثّاب والأعمش يا مال «مرخّما» (٥) على لغة من ينتظر المحذوف. قيل لابن عباس : إن ابن مسعود قرأ : «ونادوا يا مال» فقال : ما أشغل أهل النار بالترخيم ، وأجيب عنه : بأنه إنما حسن الترخيم لأنهم بلغوا من الضعف والنحافة إلى حيث لا يمكن أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها(٦). وقرأ أبو السّرار الغنويّ : يا مال مبنيّا على الضم على لغة من لا ينوي (٧).

فصل

روى ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٨) ـ أن أهل النار يدعون مالكا خازن النار يقولون : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ليمتنا ربك فنستريح فيجيئهم مالك بعد ألف سنة (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) مقيمون في العذاب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص يجيئهم بعد أربعين سنة وعن غيره مائة سنة (٩).

__________________

(١) هذا رد من الرازي على القاضي.

(٢) سقط من ب.

(٣) في ب ممن.

(٤) انظر هذا كله في تفسير الرازي ٢٧ / ٢٢٧.

(٥) ذكرها أبو الفتح بن جني في المحتسب ٢ / ٢٥٧ قال : هذا المذهب المألوف في الترخيم إلا أن فيه في هذا الموضع سرّا جديدا ، وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفت قواهم وذلّت أنفسكم وصغر كلامهم فكان من مواضع الاختصار ضرورة عليه ووقوفا دون تجاوزه.

(٦) الرازي ٢٧ / ٢٢.

(٧) الكشاف ٣ / ٤٩٩ وابن خالويه ١٣٦.

(٨) زيادة من أ.

(٩) القرطبي ١٦ / ١١٧.

٢٩٤

فصل

اختلفوا في أن قولهم : يا مالك ليقضي علينا ربك على أي الوجوه طلبوه؟ فقال بعضهم : على التمني. وقال آخرون : على وجه الاستغاثة ، وإلا (١) فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم من ذلك العقاب. وقيل : لا يبعد أن يقال : إنهم لشدة ما هم فيه نسوا تلك المسألة تذكره (٢) على وجه الطلب. ثم إنه تعالى بين أن مالكا يقول لهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) وليس في القرآن متى أجابهم ، هل أجابهم في الحال أو بعد ذلك بمدة؟ ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك ما هو كالعلة لذلك الجواب فقال : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) والمراد نفرتهم عن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن القرآن ، وشدّة بغضهم لقبول الدين الحق.

فإن قيل : كيف قال : (وَنادَوْا يا مالِكُ) بعد ما وصفهم بالإبلاس؟

فالجواب : أنها أزمنة متطاولة ، وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكنون أوقاتا لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتا لشدة ما بهم. روي أنه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون : ادعوا مالكا فيدعون يا مالك ليقضي علينا ربّك.

ولما ذكر الله تعالى كيفية عذابهم في الآخرة ، ذكر بعده كيفية مكرهم ، وفساد باطنهم في الدنيا فقال : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) أي أحكموا (٣) أمرا في المكر برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعني مشركي مكة (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) محكمون أمرا في مجازاتهم أي مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى : (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) [الطور : ٤٢]. قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر في دار الندوة وقد تقدم في قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ...) [الأنفال : ٣٠] الآية (٤). قوله : (أَمْ أَبْرَمُوا) أم منقطعة. والإبرام الإتقان وأصله في الفتل يقال : أبرم الحيل ، أي أتقن فتله وهو الفتل الثاني ، والأول يقال له : سحيل (٥) قال زهير :

٤٤١٩ ـ لعمري لنعم السّيّدان وجدتّما

على كلّ حال من سحيل ومبرم (٦)

قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) السر ما حدث الرجل به

__________________

(١) كذا في الرازي وفي ب فإنهم.

(٢) في ب والرازي : فذكروه.

(٣) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ٤٤٠ وأبو عبيدة في مجازه ٢ / ٢٠٦.

(٤) انظر في هذا الماضي تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ٢٢٧ و ٢٢٨.

(٥) انظر مادتي برم وسحل من اللسان ٢٦٩ و ١٩٥٧ وانظر أيضا معاني القرآن للزجاج ٤ / ٤٢٠.

(٦) من الطويل من معلقته المشهورة وهو يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف والمعنى فيه على الاستعارة. والشاهد : من سحيل ومبرم فإن الشاعر يقصد معنى آخر واستعار هذين اللفظين المحسوسين وانظر السبع الطوال ٢٦٠ والهمع ٢ / ٤٢ والخزانة ٣ / ٣ و ٢٠ و ٩ / ٣٨٧ وشرح المعلقات السبع للزوزني والسراج المنير ٣ / ٧٥ والقرطبي ١٦ / ١١٨ والدر المصون ٤ / ٨٠٢ والديوان ١٤.

٢٩٥

نفسه أو غيره في مكان والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم «بلى» نسمع ذلك «و» نعلم «رسلنا» أي الحفظة (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) أي يكتبون عليهم جميع أحوالهم.

قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٨٩)

قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ). قوله (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ) قيل : هي شرطية على بابها ، واختلف في تأويله ، فقيل : إن صح ذلك فأنا أول من يعبده ، لكنه لم يصح ألبتة بالدليل القاطع ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان المعلق بها محالا مثلها. فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. ذكره الزمخشري (١).

وقيل : إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحّدين لله ، المكذبين لهذا القول(٢).

واعلم أن هذا التأويل فيه نظر ، سواء أثبتوا لله ولدا ، أو لم يثبتوا له ، فالرسول منكر لذلك الولد ، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكرا لذلك الولد ، فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثرا في كون الرسول منكرا للولد. وهذا التأويل قاله الواحدي (٣).

وقيل : العابدين بمعنى الأنفين ، من عبد يعبد إذا اشتدّ أنفه فهو عبد وعابد (٤) ، ويؤيده قراءة السّلميّ واليمانيّ : العبدين دون ألف (٥). وحكى الخليل (٦) قراءة غريبة وهي

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٤٩٧ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٠٢.

(٢) وهذا رأي الواحدي فيما نقله الرازي في تفسيره عنه قال : «والأقوى أن يقال : المعنى إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحدين لله المكذبين لقولكم». انظر الرازي ٢٧ / ٢٣١.

(٣) المرجع السابق.

(٤) الكشاف ٣ / ٤٩٧ ، وغريب القرآن للسجستاني ٢٢٥ ، والرازي السابق.

(٥) نقلها ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٥٧ قال : معناه والله أعلم أول الآنفين يقال : عبدت من الأمر أعبد عبدا أي أنفت. وحكاه أبو عبيدة في المجاز ٢ / ٢٠٧ وقد أنكر هذه القراءة الإمام أبو منصور الأزهريّ في التهذيب ٢ / ٢٣٨.

(٦) فيما نقله عنه أبو حيان في البحر المحيط ٨ / ٢٨ ولم أجدها في معجمه العين ولا فيما نقلت عنه.

٢٩٦

العبدين بسكون الباء وهي تخفيف قراءة السلمي ، فأصلها بالكسر.

قال ابن عرفة : يقال : عبد بالكسر ـ يعبد ـ بالفتح ـ فهو عبد. وقلّ ما يقال : عابد والقرآن لا يجيء على القليل أو الشاذ (١) يعني تخريج من قال : إن العابدين بمعنى الأنفين (٢) لا يصح ، ثم قال كقول مجاهد (٣). وقال الفرزدق :

٤٤٢٠ ـ أولئك آبائي فجئني بمثلهم

وأعبد أن أهجو كليبا بدارم (٤)

وقال آخر :

٤٤٢١ ـ متى ما يشأ ذو الودّ يصرم خليله

ويعبد عليه لا محالة ظالما (٥)

قال ابن الخطيب : وهذا التعليق أيضا فاسد ؛ لأن هذه الأنفة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل (٦).

وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين ، يقال : عبدني حقّي (٧) ، أي جحدنيه. وقال أبو حاتم : العبد ـ بكسر الباء ـ الشديد الغضب (٨) ، وهو معنى حسن ، أي إن كان له ولد على زعمكم فأنا أول من يغضب لذلك.

وقيل : «إن» نافية ؛ أي ما كان ثم أخبر بقوله : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية (٩). ومنع مكي أن تكون نافية. قال : «لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت ، وهذا محال» (١٠). ورد عليه بأن

__________________

(١) البحر المحيط ٨ / ٢٨ والقرطبي ١٦ / ١٢٠.

(٢) وهو ابن عباس انظر المحتسب ٢ / ٢٥٨.

(٣) يعني أول من عبده وحده على أنه لا ولد له انظر القرطبي المرجع السابق.

(٤) ورد البيت بروايات مختلفة فالرواية الأعلى هي رواية أبي حيان في البحر ٨ / ٢٨ والدر المصون ٤ / ٨٠٣ وهو من الطويل له وفي رواية القرطبي: أولئك أجلاس ، و : أولئك ناس إن هجوني هجوتهم .. وأعبد أن يهجى كليب ، وفي المجاز : أولئك قوم إن هجوني وأعبد أن أهجو عبيدا. ورواية اللسان كالمجاز وفي المحتسب تهجى كليب والبيت على اختلاف تلك الروايات ليس بالديوان بالمرة. وشاهده : أن أعبد بمعنى آنف وانظر المجاز ٢ / ٢٠٦ والقرطبي ١٦ / ١٢٠ والدر المصون ٤ / ٨٠٣ واللسان (عبد) والمحتسب ٢ / ٢٥٨ والمفضليات ٥٠٢.

(٥) من الطويل للمرقش الأصغر ، من قصيدة له رواه صاحب المفضليات ٥٠٢ وانظر الدر المصون ٤ / ٨٠٤ ، والطبري ٢٥ / ٦١. والشاهد : يعبد فإن معناها يغضب.

(٦) التفسير الكبير له ٢٧ / ٢٣١.

(٧) قال : «أي الكافرين بذلك ، والجاحدين لما قلتم وهي عبد يعبد عبدا» المجاز ٢ / ٢٠٧.

(٨) البحر المحيط ٨ / ٢٨.

(٩) نقل هذا القول وأقوالا أخر ابن جني في المحتسب ٢ / ٢٥٨ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١٢١٩ عن الحسن والسدي وابن عباس وانظر البيان ٢ / ٣٥٥.

(١٠) لم أعثر لمكي على هذا القول الذي أتى به المؤلف الذي نقله عن أبي حيان ، فقد جعل مكي «ما» ـ

٢٩٧

«كان» قد تدل على الدوام. كقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) إلى ما لا يحصى (١). والصحيح من مذاهب النحاة أنها لا تدل على الانقطاع والقائل بذلك يقول ما لم تكن قرينة كالآيات المذكورة (٢).

وروي عن عبد الله بن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٣) ـ أن المعنى ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك ، جعل «إن» بمعنى الجحد ، وقال السدي معناه : ولو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك ولكن لا ولد له (٤). وتقدم الخلاف في قراءتي «ولد» و «ولد» في مريم (٥). ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي عما يقولون من الكذب وذلك أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته ، وكلّ ما كان كذلك فهو لا يقبل التّجزيء بوجه من الوجوه ، والولد عبارة أن ينفصل عن الشيء جزء فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله ، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتّجزيء والتبعيض ، وإذا كان ذلك محالا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد.

ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي يخوضوا في باطلهم ، ويلعبوا في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يعني يوم القيامة. والمقصود منه التهديد ، يعني قد ذكرت الحجة على فساد ما ذكروا ، فلم يلتفتوا إليها ، لأجل استغراقهم في طلب المال والجاه ، والرياسة ، فاتركهم في ذلك الباطل ، واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود (٦).

قوله : «يلاقوا» قراءة العامة من الملاقاة. وابن محيصن ويروى عن أبي عمرو «يلقوا» من «لقي» (٧). قوله (تعالى) (٨) : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) «في السماء» متعلق

__________________

ـ نافية ، والعابدين من العبادة وإنما هذا الذي نقله المؤلف للطبريّ انظر المشكل ٢ / ٢٨٤ وجامع البيان ٢٥ / ٦١.

(١) البحر ٨ / ٣٨ و ٣٩.

(٢) انظر الدر المصون ٤ / ٨٠٤.

(٣) زيادة من أ.

(٤) انظر القرطبي ١٦ / ١١٩.

(٥) يقصد قوله : «ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ» ٣٥ منها فقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح اللام والواو إلا في نوح فقرأها بالضم ، ونافع وعاصم وابن عامر بالفتح مفردا كأسد في كل القرآن وحمزة والكسائي بضم الواو وسكون اللام جمعا كأسد ، وانظر في هذا السبعة لابن مجاهد ٢١٤ وإبراز المعاني ٥٨٥ والإتحاف ٣٠١.

(٦) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٣١.

(٧) ذكرها أبو حيان وابن خالويه عن أبي جعفر وابن محيصن فقط انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩ ومختصر ابن خالويه ١٣٦ وبيدو أن هذه القراءة من الشواذ فلم أجدها في المتواتر عن أبي عمرو قراءة ونسبة إلا في الدر المصون ٤ / ٨٠٤ بضبط من أعلى بالتاء ، بينما قال أبو حيان في البحر : «وعبيد بن عقيل عن أبي عمرو يلقوا».

(٨) زيادة من ب.

٢٩٨

ب «إله» لأنه بمعنى معبود في السماء معبود في الأرض ، وحينئذ فيقال : (إنّ) (١) الصلة لا تكون إلا جملة ، أو ما (٢) في تقديرها وهو (٣) الظرف وعديله (٤). ولا شيء منها هنا.

والجواب : أن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه ، ولأن المحذوف هو العائد ، تقديره : وهو الّذي هو في السّماء إله ، وهو في الأرض إله ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول ، فإن الجار متعلق «بإله» ومثله : ما أنا بالّذي قائل لك سوءا (٥) وقال أبو حيان : وحسنه طوله بالعطف عليه كما حسن في قولهم : «قائل لك شيئا» طوله بالمعمول (٦).

قال شهاب الدين : حصوله في الآية ، وفيما حكاه سواء ، فإن الصلة طالت بالمعمول في كليهما والعطف أمر زائد على ذلك ، فهو زيادة في تحسين الحذف (٧). ولا يجوز أن يكون الجارّ خبرا مقدما و «إله» مبتدأ مؤخرا ، لئلا تعرى الجملة من رابط ؛ إذ يصير نظي ر «جاء الّذي في الدّار زيد» فإن جعلت الجار صلة ، وفيه ضمير عائد على الموصول وجعلت «إله» بدلا منه ، فقال أبو البقاء : «جاء على ضعفه ؛ لأن الغرض الكلي إثبات الإلهية ، لا كونه في السماوات والأرض فكان يفسد أيضا من وجه آخر ، وهو قوله : (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ؛ لأنه معطوف على ما قبله ، وإذا لم يقدر ما ذكرنا صار منقطعا عنه ، وكان المعنى أنه في الأرض إله». انتهى (٨).

وقال أبو علي : نظرت فيما يرتفع به «إله» فوجدت ارتفاعه يصح بأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هو الّذي في السماء هو إله (٩). وقال أبو حيان : ويجوز أن تكون الصلة الجار والمجرور ، والمعنى أنه فيهما بإلهيّته ، وربوبيّته ؛ إذ يستحيل حمله على الاستقرار (١٠) ، وقرأ عمر ، وعليّ ، وعبد الله في جماعة وهو الذي في (١١) السماء الله ضمّن العلم أيضا معنى المشتق فيتعلق به الجار ومثله : هو حاتم في طيّيء. أي الجواد فيهم. ومثله : فرعون العذاب (١٢).

__________________

(١) لفظ «إنّ» أيضا زيادة من نسخة ب.

(٢) في ب وما في.

(٣) وفيها : وهي.

(٤) مساويه وهو الجار والمجرور.

(٥) أخذ المؤلف هذا الكلام عن الدر المصون ٤ / ٨٠٤ ، ٨٠٥ ، الذي أخذه هو الآخر عن الكشاف للزمخشري ٣ / ٤٩٨ مجملا ، فقد قال : «والراجع إلى الموصول محذوف لطول الكلام كقولهم ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وزاده طولا أن المعطوف داخل في حيز الصلة».

(٦) البحر المحيط ٨ / ٢٩.

(٧) الدر المصون ٤ / ٨٠٥.

(٨) التبيان لأبي البقاء العكبري ١١٤٢ وانظر الدر المصون السابق والكشاف ٣ / ٣٩٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٩.

(٩) تفسير الرازي ٢٧ / ٢٣٢ والقرطبي ١٦ / ١٢١.

(١٠) البحر المحيط ٨ / ٢٩.

(١١) ذكرها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٩٧ و ٤٩٨ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٢١ ومختصر ابن خالويه ١٣٦ وهي شاذة غير متواترة.

(١٢) نقله عن الزمخشري بتصرف فقال : «ضمن اسمه تعالى معنى وصف فلذلك غلف به الظرف في ـ

٢٩٩

فصل

قال ابن الخطيب : وهذه الآية من أدل الدلائل على أنه تعالى غير مستقر في السماء لأنه تعالى بين في هذه الآية أن نسبته بإلهية السماء كنسبته إلى الأرض ، فلما كان إلها للأرض مع أنه غير مستقر فيها فكذلك وجب أن يكون إلها للسماء مع أنه لا يكون مستقرا فيها.

فإن قيل : أيّ تعلق لهذا الكلام بنفي الولد عن الله عزوجل؟

فالجواب : تعلّقه به أنه تعالى خلق عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بمحض كن فيكون من غير واسطة النطفة والأب (١) فكأنه قيل : إن كان هذا القدر (٢) لا يوجب كون عيسى ولدا لله عزوجل ؛ لأن هذا المعنى حاصل في تخليق السماوات والأرض مع انتفاء حصول الولد به هناك. ثم قال : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) الحكيم في تدبير خلقه العليم بمصالحهم. وقد تقدم في سورة الأنعام أن كونه حكيما عليما ينافي حصول الولد له.

قوله : «تبارك» إما أن يكون مشتقا من وجوب البقاء ، وإما من كثرة الخير ، وعلى التقديرين فكل واحد من الوجهين ينافي كون عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ واجب البقاء والدوام ؛ لأنه حدث بعد أن لم يكن ثم عند النصارى أنه قتل ومات ومن كان كذلك لم يكن بينه وبين الباقي الأزلي الدائم مجانسة ومشابهة فامتنع كونه ولدا له ، وإن كان المراد بالبركة كثرة الخيرات مثل كونه خالقا للسماوات والأرض وما بينهما فعيسى لم يكن خالقا لهما مع أن اليهود عندهم أخذوه وقتلوه وصلبوه ، والذي هذا صفته كيف يكون ولدا لمن كان خالقا للسّموات والأرض وما بينهما؟ ثم قال : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) والمقصود منه التنبيه على أن كل من كان كاملا في الذات ، والعلم ، والقدرة على الوصف المشروح فإنه يمتنع (٣) أن يكون ولده في العجز وعدم القدرة عن أحوال العالم (٤) بالحد الذي وصفته النصارى به (٥).

قوله : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قرأ الأخوان ، وابن كثير بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق (٦) وهو في كلاهما مبني للمفعول. وقرىء بالخطاب مبنيا للفاعل (٧).

__________________

ـ قوله : في السّماء وفي الأرض ، كما تقول حاتم في طيىء ، حاتم في تغلب». الكشاف ٣ / ٤٩٧.

(١) في النسختين والآن والتصويب من الرازي.

(٢) كذا في الرازي وفي ب القيد.

(٣) في ب ممتنع بلفظ الاسمية.

(٤) كذا في النسختين وفي الرازي : وعدم الوقوف على أحوال العالم على الحد الذي وصفه ...

(٥) انظر تفسير الرازي ٢٧ / ٢٣٢.

(٦) من متواتر القراءات ذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٨٩ والبناء في الإتحاف ٣٨٧ ، والكشاف ٢ / ٢٦٢.

(٧) لم ينسبها صاحب البحر ٨ / ٢٩ ونسبها صاحب الإتحاف إلى يعقوب ٣٨٧ وكذلك نسبها ابن الجزري في النشر إليه. انظر النشر ٢ / ٣٧٠ فهي إذن من المتواتر.

٣٠٠