اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

بحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء كما تقول : المال في الكيس بخلاف قولك : المال على الكيس ، فإنه لا يدل على الحصر ، وعدم الوصول دلالة الوعاء ، وأما «وجعلنا» فهو من إخبار الله تعالى فلا يحتاج إلى مبالغة (١).

وتقدم تفسير الأكنة والوقر (٢).

وقرأ طلحة بن مصرف وقر (٣) ـ بكسر الواو ـ وتقدّم الفرق بينهما.

قوله : (مِمَّا تَدْعُونا) من في «ممّا» وفي (وَمِنْ بَيْنِنا) لابتداء الغاية والمعنى أن الحجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ، فلو لم تأت «من» لكان المعنى أن حجابا حاصل وسط الجهتين. والمقصود المبالغة بالتباين المفرط ، فلذلك جيء بمن (٤) قاله الزمخشري. وقال أبو البقاء : هو محصول على المعنى ؛ لأن المعنى في أكنة محجوبة عن سماع ما تدعونا إليه. ولا يجوز أن يكون نعتا لأكنّة ؛ لأن الأكنة الأغشية ، وليست الأغشية مما تدعونا (٥) إليه (٦).

فصل

وقالوا يعني المشركين قلوبنا في أكنة أغطية ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية جمع غطاء ، والكنان هو الذي يجعل فيه السهام ، والمعنى لا نفقه ما تقول ، وفي آذاننا وقر أي صمم فلا نسمع ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ومن بيننا وبينك حجاب ، خلاف في الدين ، فلا نوافقك على ما تقول فاعمل أنت على دينك إنّا عاملون على ديننا (٧).

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩)

__________________

(١) بتصرف من البحر المحيط ٧ / ٤٨٤ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨١٧.

(٢) يشير إلى قوله : «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» [الأنعام : ٢٥] وبين هناك أن الكنان هو الوعاء الجامع ، والغطاء الساتر ، والوقر هو الثقل في الأذن ، والوقر بكسر الواو الحمل للحمار والبغل. بتصرف من اللباب ميكروفيلم.

(٣) من القراءة الشاذة غير المتواترة ذكرها صاحب الكشاف ٣ / ٤٤٢ ، ومختصر ابن خالويه ١٣٣ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٣.

(٤) الكشاف ٣ / ٤٤٢ ، ٤٤٣.

(٥) في ب تدعون تحريف.

(٦) التبيان ١١٢٣.

(٧) البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٠٥.

١٠١

وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١٢)

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) قرأ ابن وثاب والأعمش : «قال» فعلا ماضيا خبرا عن الرسول (١). والرسم يحتملهما. وقد تقدم مثل هذا في الأنبياء (٢) وآخر المؤمنين (٣). وقرأ الأعمش والنّخعيّ يوحي بكسر (٤) الحاء ؛ أي الله تعالى ، والمعنى إنّما أنا بشر مثلكم أي كواحد منكم لولا الوحي ما دعوتكم (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ علّمه الله التواضع.

قوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) عدّي بإلى ؛ لتضمنه معنى توجّهوا والمعنى وجّهوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تميلوا عن سبيله (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من ذنوبكم (٥).

قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : الذين لا يقولون لا إله إلا الله ، وهي زكاة الأنفس. والمعنى لا يطهّرون أنفسهم من الشّرك بالتوحيد ، وهو مأخوذ من قوله : «ونفس وما زكّاها». وقال الحسن وقتادة : لا يقرّون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجبا ، وكان يقال : الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك. وقال الضحاك ومقاتل : لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون ، وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٦).

فصل

احتج من قال : إن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام بهذه الآية ، فقالوا : إنه تعالى توعدهم بأمرين :

أحدهما : كونهم مشركين.

والثاني : لا يؤتون الزكاة ، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين تأثير عظيم في حق وصول الوعيد ، وذلك يدل على أن لعدم ايتاء الزكاة من المشرك تأثير عظيم في زيادة الوعيد وهو المطلوب (٧).

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٤ والإتحاف ٣٨٠ ، والكشاف ٣ / ٤٤٤.

(٢) يريد قوله : «قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ» [الأنبياء : ١١٢] وقراءة الماضي هي قراءة حفص والباقون قل.

(٣) قوله : «قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ» [المؤمنون : ١١٢] ، وانظر اللباب ٦ / ١١٨ ب.

(٤) شاذة غير متواترة مختصر ابن خالويه ١٣٣.

(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤٨٤.

(٦) ذكر هذه الأقوال أبو حيان في مرجعه السابق والبغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٠٤.

(٧) الرازي ٢٧ / ١٠٠.

١٠٢

فصل

احتج بعضهم على أن مانع الزكاة كافر بهذه الآية فقال : إن الله تعالى لما ذكر هذه الصفة ذكر قبلها ما يوجب الكفر وهو قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) وذكر بعدها ما يوجب الكفر وهو قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) فلو لم يكن منع الزكاة كفرا لكان ذكره فيما بين الصفتين (١) الموجبتين للكفر قبيحا ؛ لأن الكلام إنما يكون فصيحا إذا كانت المناسبة مرعية بين أجزائه ، ثم أكدوا ذلك بأن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حكم بكفر مانعي الزكاة (٢). قال ابن الخطيب : والجواب أنه ثبت بالدليل أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، وهما حاصلان عند عدم إيتاء الزكاة ، فلم يلزم حصول الكفر بسبب عدم إيتاء الزكاة والله أعلم(٣).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ غير مقطوع (٤) ، من قولك : مننت الحبل أي قطعته ، ومنه قولهم : «قد منّه السّفر» أي قطعه (٥) وأنشدوا :

٤٣٥٢ ـ فضل الجواد على الخيل البطاء فلا

يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا (٦)

وقال مقاتل : غير منقوص ، ومنه المنون لأنه ينقص منة الإنسان وقوته ، وأنشدوا لذي الإصبع العدواني :

٤٣٥٣ ـ إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق

على الصّديق ولا خيري بممنون (٧)

وقيل : غير ممنون به عليهم ؛ لأن عطاء الله لا يمنّ به إنما يمنّ المخلوق. وقال مجاهد : غير محسوب وقال السّدّيّ : نزلت هذه الآية في المرضى والزّمنى والهزمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه (٨).

روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن العبد إذا

__________________

(١) كذا في الرازي وفي النسختين الوصفين الموجبين.

(٢ و ٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٠٠.

(٤) نقله البغوي في تفسيره ٦ / ١٠٤.

(٥) نقله صاحب اللسان (منن) ٤٢٧٧.

(٦) من البسيط لزهير بن أبي سلمى من قصيدة في مدح هرم بن سنان ، ويروى : الجياد بدل الجواد والبطاء البطيئة ، والنزق الخفيف الطائش ، والممنون المقطوع يقول : إن فضله على غيره مثل فضل الجياد على الخيل البطاء. وشاهده : أن الممنون بمعنى المقطوع وانظر اللسان بطأ ٢٩٩ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٥ والدر المصون ٤ / ٧١٩ ، والقرطبي ١٥ / ٣٤١ ، وديوانه ٤٩.

(٧) من البسيط كسابقه وشاهده كسابقه أيضا في أن الممنون معناه المقطوع والغلق ـ بالتحريك ـ ما يغلق به الباب من الرّتاج ونحوه. ويروى : ولا زادي بممنون ، ويروى : (عن الصّديق) بدل (على الصديق) وانظر القرطبي ١٥ / ٣٤١ ، والبحر ٧ / ٤٨٥ ، وديوان الحماسة البصرية ١ / ٢٢٤ ، والدر المصون ٤ / ٧١٨ ، وديوان المفضليات ٤٢٢ و ٣٢٧ وفتح القدير ٤ / ٥٠٦ هو وما قبله.

(٨) البغوي ٦ / ١٠٥ والقرطبي ١٥ / ٣٤١ و ٣٤٢ والخازن ٦ / ١٠٤.

١٠٣

كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض ، قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو اكفته إليّ (١).

قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) الآية قرأ ابن كثير أينكم لتكفرون ـ بهمزة وبعدها ياء محققة ساكنة بلا مد ـ والباقون ممدودا مشدد النون (٢). وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي كيف تكفرون بالله ، وكيف يجوز جعل هذه الأنداد الخسيسة أندادا لله مع أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، وهما يوم الأحد ويوم الاثنين ، وتمم بقية مصالحها في يومين آخرين وخلق السماوات بأسرها في يومين آخرين ، فمن قدر على خلق هذه الأشياء العظيمة كيف يعقل الكفر به ، وإنكار قدرته على الحشر والنّشر (٣)؟

فإن قيل : من استدل بشيء على إثبات شيء فذلك الشيء المستدل به يجب أن يكون مسلما عند الخصم حتى يصح الاستدلال به ، وكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أمر لا يمكن إثباته بالعقل المحض إنا يمكن إثباته بالسمع ووحي الأنبياء والكفار كانوا منازعين في الوحي والنبوة ، فلا يعقل تقرير المقدمة عليهم ، وإذا امتنع تقريرها عليهم امتنع الاستدلال بها على فساد مذاهبهم.

فالجواب : إثبات كون السماوات والأرض مخلوقة بالعقل ممكن ، وإذا أمكن ذلك أمكن الاستدلال به على وجود الإله القادر القاهر العظيم. وحينئذ يقال : الكافر كيف يعقل التسوية بين الإله الموصوف بهذه القدرة القادرة (٤) وبين الصّنم الذي هو جماد لا يضرّ ولا ينفع في المعبودية (٥) والإلهية؟ بقي أن يقال : فحينئذ لا يبقى في الاستدلال بكونه تعالى خالقا للأرض في يومين أثر. قال ابن الخطيب : بل له أثر في هذا الباب ، وذلك أن التورية مشتملة على هذا المعنى ، فكان ذلك في غاية الشهرة بين أهل الكتاب فكفار مكة كانوا يعتقدون في أهل الكتاب أنهم أصحاب العلوم ، والظاهر أنهم كانوا قد سمعوا من أهل الكتاب هذه المعاني فاعتقدوا كونها حقا ، وإذا كان الأمر كذلك حسن أن يقال لهم : إن الإله الموصوف بالقدرة على خلق هذه الأشياء العظيمة في هذه المدة اللطيفة كيف يليق بالعقل جعل الخشب المنجور والحجر المنحوت شريكا له في المعبودية والإلهية؟! فبهذا التقدير حسن الاستدلال (٦).

قوله : (وَتَجْعَلُونَ لَهُ) عطف على «لتكفرون» (٧) فهو داخل في حيز الاستفهام وقوله: (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي ذلك الموجود الذي علمت من صفته وقدرته أن خلق

__________________

(١) أورده أحمد في المسند ٢ / ٢٠٣ كما أخرجه البغوي في المرجع السابق عن ابن عمر أيضا.

(٢) الإتحاف ٣٨٠ والنشر ٢ / ٣٦٦ وهي قراءة عشرية متواترة.

(٣) قاله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٠٣.

(٤) في ب القاهرة.

(٥) في ب العبودية.

(٦) الرازي ٢٧ / ١٠٢.

(٧) في ب أتكفرون بالهمزة والتصحيح من أ.

١٠٤

الأرض في يومين (هو (١) رب العالمين وخالقهم ومبدعهم فكيف أثبتم له أندادا من الخشب والحجر؟ ثم إنه تعالى لما أخبر عن كونه خالقا للأرض في يومين) ثم أخبر أنه أتى بثلاثة أنواع من الصّنع العجيب والفعل البديع بعد ذلك ، فالأول قوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) وهذا مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الموصول ، للفصل بينهما بأجنبي ، وهو قوله : (وَتَجْعَلُونَ) فإنه معطوف على قوله : «لتكفرون» (٢) كما تقدم. والمراد بالرواسي الجبال.

فإن قيل : ما الفائدة في قوله : «من فوقها» ولم يقتصر على قوله (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) كما اقتصر على قوله (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) [المرسلات : ٢٧] وقوله (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) [الأنبياء : ٣١] وقوله : (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) [الرعد : ٣].

فالجواب : أنه تعالى لو جعل فيها رواسي من تحتها لأوهم ذلك أن تلك الأساطين التّحتانيّة هي التي أمسكت هذه الأرض الثقيلة عن النزول ، ولكنه تعالى قال : خلقت هذه الجبال الثقال فوق الأرض ليرى الإنسان بعينه أنّ الأرض والجبال أثقال وكلها مفتقرة إلى ممسك وحافظ وما ذاك الحافظ المدبّر إلا الله سبحانه وتعالى (٣).

النوع الثاني : قوله (وَبارَكَ فِيها) أي في الأرض بما خلق من البحار والأنهار والأشجار والثمار. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يريد شقّ الأنهار ، وخلق الجبال وخلق الأشجار والنار ، وخلق أصناف الحيوانات ، وكل ما يحتاج إليه من الخيرات.

النوع الثالث : قوله (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) قيل : المعنى وقدر فيها أقوات أهلها ومعايشهم وما يصلحهم وقال محمد بن كعب : قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان. وقال مجاهد : وقدر فيها أقواتها من المطر. وعلى هذا فالأقوات للأرض لا للسكان ، والمعنى أن الله عزوجل قدر لكل أرض حظّها من المطر (٤). وقيل (٥) المراد من إضافة القوت إلى الأرض كونها متولدة في تلك الأرض وحادثة فيها ؛ لأن النحاة قالوا في حسن الإضافة أدنى سبب فالشيء قد يضاف إلى فاعله تارة ، وإلى محله أخرى ، فقوله (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أي قدر الأقوات التي يختص حدوثها بها ، وذلك لأنه تعالى جعل كل بلدة معدنا لنوع آخر من الأشياء المطلوبة بمعنى أن أهل هذه البلدة يحتاجون إلى الأشياء المتولدة في ذلك البلد وبالعكس فصار هذا المعنى سببا لرغبة الناس في التجارات واكتساب الأموال.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة للمقام من الرازي المصدر السابق.

(٢) بالمعنى من التبيان للعكبري ١٠٢٣ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧١٩.

(٣) الرازي ٢٧ / ١٠٢.

(٤) السابق وانظر البغوي والخازن ٦ / ١٠٥ والجامع للإمام القرطبي ١٥ / ٣٤٢ ، ٣٤٣.

(٥) هذا هو رأي الإمام الرازي في التفسير الكبير المرجع السابق.

١٠٥

قوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) تقديره : في تمام أربعة أيام باليومين المتقدمين. قال الزجاج : في تتمّة أربعة أيام (١) ، يريد بالتتمة اليومين. وقال الزمخشري : في أربعة أيام فلذلك (٢) المدة خلق الله الأرض وما فيها كأنه قال : كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان. قال شهاب الدين : وهذا كقولك : بنيت بيتي في يوم وأكملته في يومين أي بالأول (٣). وقال أبو البقاء : أي في تمام أربعة أيام ، ولولا هذا التقدير لكانت الأيام ثمانية يومان في الأول ، وهو قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ويومان في الآخر وهو قوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وأربعة في الوسط وهو قوله (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)(٤).

فإن قيل : إنه تعالى لما ذكر خلق الأرض في يومين ، فلو ذكر أنه خلق هذه الأنواع الثلاثة الباقية في يومين آخرين كان أبعد عن الشّبهة وعن الغلط فلم ترك التصريح وذكر الكلام المجمل؟

فالجواب : أن قوله (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً) فيه فائدة زائدة على ما إذا قال : خلقت هذه الثلاثة في يومين ؛ لأنه لو قال : خلقت هذه الأشياء في يومين لم يفد هذا الكلام كون اليومين مستغرقين بتلك الأعمال ؛ لأنه قد يقال : عملت هذا العمل في يومين مع أن اليومين ما كانا مستغرقين بذلك العمل ، أمّا لما ذكر خلق الأرض ، وخلق هذه الأشياء ثم قال : في أربعة أيام سواء دلّ على أن هذه الأيام الأربعة صارت مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ولا نقصان (٥).

قوله : «سواء» العامة على النصب ، وفيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي استوت قاله مكي (٦) وأبو البقاء(٧).

الثاني : أنه حال من «ها» في أقواتها ، أو من «ها» في «فيها» العائدة على الأرض أو من الأرض قاله أبو البقاء (٨) وفيه نظر لأن المعنى إنما هو وصف الأيام بأنها سواء ، لا وصف الأرض بذلك وعلى هذا جاء التفسير (٩).

ويدل على ذلك قراءة سواء ـ بالجر ـ صفة للمضاف ، أو المضاف إليه ، وقال قتادة والسّدي سواء معناها سواء لمن سأل عن الأمر ، واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده كما قال تعالى. إلا أن ابن زيد وجماعة قالوا شيئا يقرب من المعنى الذي

__________________

(١) قاله في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨١.

(٢) في الكشاف فذلكة وكذا نقل عنه صاحب الدر المصون ٤ / ٧١٩ وكذلك البحر المحيط ٧ / ٤٨٥.

(٣) الدر المصون ٤ / ٧١٩.

(٤) التبيان ١١٢٣.

(٥) الرازي ٢٧ / ١٠٣.

(٦) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٠.

(٧ و ٨) التبيان ١١٢٤.

(٩) نقله السمين في إعرابه ٤ / ٧١٩.

١٠٦

ذكره أبو البقاء فإنهم قالوا معناه مستو مهيّأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر ، فعبر بالسائلين عن الطالبين (١). وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد : سواء بالخفض (٢) على ما تقدم (٣). وأبو جعفر بالرفع (٤) وفيه وجهان :

أحدهما : أنه على خبر ابتداء مضمر ، أي هي سواء ، لا يزيد ولا ينقص ، وقال مكّي : هو مرفوع بالابتداء وخبره للسائلين (٥) ؛ وفيه نظر ، من حيث الابتداء بنكرة من غير مسوّغ. ثم قال : بمعنى مستويات لمن سأل فقال : في كم خلقت (٦)؟ وقيل : للسائلين لجميع السائلين لأنهم يسألون الرزق وغيره من عند الله تعالى (٧).

قوله «للسائلين» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه متعلق بسواء بمعنى مستويات للسائلين (٨).

الثاني : أنه متعلق بقدّر ، أي قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين لها (٩) المحتاجين

المقتاتين.

الثالث : أن يتعلق بمحذوف ، كأنه قيل : هذا الحصر لأجل من سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها (١٠)؟.

قوله (تعالى) (١١) : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) أي عمد إلى خلق السماء(١٢). قال ابن الخطيب : من قولهم : استوى إلى مكان كذا إذا توجّه إليه توجّها لا يلتفت معه إلى عمل آخر وهو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج. ونظيره قولهم : استقام إليه وامتدّ إليه ، قال تعالى : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) [فصلت : ٦] والمعنى : ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماوات بعد خلق الأرض وما فيها (١٣) من صارف يصرفه عن

__________________

(١) في ب الظالمين وهو خطأ. وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٦.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٨٦ والتبيان ١١٢٤ وهي قراءة عشرية متواترة انظر الإتحاف ٣٨٠ ، والنشر لابن الجزري ٢ / ٣٦٦ وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٣ / ١٢ و ١٣ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٨١.

(٣) نعت للأربعة.

(٤) متواترة عشرية أيضا وانظر المرجعين السابقين والكشاف ٣ / ٤٤٤ ومختصر ابن خالويه ١٣٢.

(٥) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٠.

(٦) السابق.

(٧) وهو قول أهل المعاني القرطبي ١٥ / ٣٤٣.

(٨) الدر المصون ٤ / ٧٢٠.

(٩) في ب بها.

(١٠) قال بهذين الوجهين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٤.

(١١) زيادة من أ.

(١٢) قاله البغويّ في معالم التنزيل ٦ / ١٠٥.

(١٣) في تفسيره : وما فيها من غير صارف وانظر الرازي ٢٧ / ١٠٤ ، وانظر لسان العرب (سوا) ٢١٦٤ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٨١ ، وغريب القرآن ٣٨٨ ، وانظر بإفاضة في اللسان المرجع السابق.

١٠٧

ذلك. والدّخان : هو ما ارتفع عن لهب النار (١). ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها وقياس جمعه في القلة أدخنة وفي الكثرة دخيان ، نحو : غراب وأغربة وغربان وشذوا في جمعه على : دواخن (٢) ، قيل : هو جمع داخنة تقديرا على سبيل الإسناد المجازيّ ، ومثله عثان وعواثن (٣).

وقوله : و (هِيَ دُخانٌ) من باب التشبيه الصّوري ؛ لأن صورتها صورة الدّخان في رأي العين (٤).

فصل

قال المفسرون : هذا الدخان بخار الماء ، وذلك أن عرش الرحمن كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض ، كما قال تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧]. ثم إن الله تعالى أحدث في ذلك الماء اضطرابا فأزبد (٥) وارتفع ، وخرج منه دخان فأما الزّبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة وأحدث منه الأرض ، وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السّموات.

فإن قيل : قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) يشعر بأن تخليق السماء حصل بعد تخليق الأرض (٦) ، وقوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] يشعر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء وذلك يوجب التناقض!

فالجواب : المشهور أن يقال : إنه تعالى خلق الأرض أولا ، ثم خلق بعده السماء ، ثم بعد أن خلق السماء دحى (٧) الأرض ، وبهذه الطريق يزول التناقض. قال ابن الخطيب : وهذا الجواب عندي مشكل من وجوه (٨) :

الأول : أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، ثم إنه في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ، وهذه الأحوال لا يمكن إدخالها في الوجود ، إلا بعد أن صارت الأرض منبسطة ثم إنه تعالى قال بعد ذلك : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) فهذا

__________________

(١) اللسان (دخن) ١٣٤٤ ، وانظر معنى الاستواء السابق في الكشاف أيضا ٣ / ٤٤٥.

(٢) حيث إن فعال يكسر على أفعلة في القلة وفي الكثرة على فعلان وهو مفاد قول إمام النحاة في الكتاب ٣ / ٦٠٣.

(٣) العثان والعثن الدواخن والجمع عواثن على غير قياس ... والعواثن والدواخن لا يعرف لهما نظير اللسان (عثن) ٢٨١٠ وانظر «ليس» لابن خالويه ١١.

(٤) الدر المصون ٤ / ٧٢٠.

(٥) أي حصل له رغوة أو كثر. انظر اللسان «زبد» ١٨٠٣.

(٦) في ب يشعر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء بالعكس من أ.

(٧) الدحو : البسط ، دحا الأرض يدحوها دحوا : بسطها وقال شمر : دحا الأرض : أوسعها انظر اللسان دحا ١٣٣٨.

(٨) انظر تفسير الإمام الفخر الرازي مع تغيير طفيف في الأسلوب ٢٧ / ١٠٤ و ١٠٥.

١٠٨

يقتضي أنه تعالى خلق السماء بعد خلق الأرض ، وبعد أن جعلها مدحوّة وحينئذ يعود السؤال.

الثاني : أنه ورد أنّ الدلائل الهندسية دلّت على أن الأرض كرة في أول حدوثها إن قلنا : إنها كرة ، والآن بقيت كرة أيضا فهي منذ خلقت كأنها مدحوّة ، وإن قلنا : إنها غير كرة ثم جعلت كرة فيلزم أن يقال : إنها كانت مدحوّة قبل ذلك ، ثم أزيل عنها هذه الصفة وذلك باطل.

الثالث : أن الأرض جسم في غاية العظم والجسم الذي يكون كذلك فإنه من أول دخوله في الوجود يكون مدحوّا ، فالقول بأنها كانت غير مدحوة ثم صارت مدحوة قول باطل. والذي جاء في كتب التواريخ أن الأرض خلقت من موضع الصّخرة ببيت المقدس فهو كلام مشكل لأنه إذا كان المراد أنها على عظمها خلقت من ذلك الموضع ثم خلق بقية أجزائها ، وأضيفت إلى تلك الأجزاء التي خلقت أولا فهذا يكون اعترافا بأن تخليق الأرض وقع متأخرا عن تخليق السماء.

الرابع : أنه لما حصل تخليق ذات الأرض في يومين ، وتخليق سائر الأشياء الموجودة في الأرض في يومين وتخليق السماوات في يومين آخرين كان مجموع ذلك ستة أيام ، فإذا حصل دحو الأرض بعد ذلك فقد حصل هذا الدحو في زمان آخر بعد الأيام الستة فحينئذ يقع تخليق السماوات والأرض في أكثر من ستة أيام وذلك باطل.

الخامس : أنه لا نزاع في أن قوله تعالى بعد هذه الآية : «ثمّ قال (لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) كناية عن إيجاد السماوات والأرض ، فلو تقدم إيجاد السماوات لكان قوله تعالى: (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) يقتضي إيجاد الموجودات وأنه محال باطل. هذا تمام البحث عن هذا الجواب (١).

ونقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أنه قال : خلق السماء قبل الأرض ، وتأول قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ثم كان قد استوى إلى السماء وهي دخان قبل أن يخلق الأرض ، فأضمر فيه كان كما قال تعالى (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٧٧] معناه إن يكن سرق ، وقال تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] (والمعنى (٢)) فكان قد جاءها ، هذا ما نقله الواحدي قال ابن الخطيب وهذا عندي ضعيف ، لأن تقدير الكلام ثمّ كان قد استوى إلى السماء. هذا جمع ين الضدين لأن كلمة «ثمّ» تقتضي التأخير ، وكلمة «كان» تقتضي التقديم ، والجمع بينهما يفيد التناقض ، وإنما يجوز تأويل كلام الله بما لا يؤدي إلى وقوع التناقض (٣) والركاكة فيه. والمختار عندي أن يقال : خلق السماء مقدم على خلق الأرض ، وتأويل الآية أن

__________________

(١) السابق.

(٢) سقط من ب.

(٣) المرجع السابق.

١٠٩

يقال (١) : الخلق ليس عبارة عن التكوين والإيجاد ، والدليل عليه قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] فلو كان الخلق عبارة عن الإيجاد والتكوين لصار تقدير الآية أوجده من تراب ، ثم قال له كن فيكون وهذا محال فثبت أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين ، بل هو عبارة عن التقدير ، والتقدير في حق الله هو كلمته بأن سيوجده. وإذا ثبت هذا فنقول قوله : خلق الأرض في يومين معناه أنه قضى بحدوثه في يومين ، وقضاء الله أنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله بحدوث الأرض في يومين قد تقدم على إحداث السّماء وحينئذ يزول السؤال (٢).

قوله : «ثمّ قال (لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). وقرأ العامة «ائتيا» أمرا من الإتيان (قالَتا أَتَيْنا) منه أيضا. وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد «آتيا» قالتا آتينا ـ بالمد فيهما (٣) ـ وفيه وجهان :

أحدهما : من المؤاتاة وهي الموافقة ، أي ليوافق كل منكما الأخرى لما يليق بها. وإليه ذهب الرازي (٤) والزّمخشريّ (٥) ، فوزن «آتيا» فاعلا ، كقاتلا ، و «آتينا» وزنه فاعلنا كقاتلنا.

والثاني : أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء ، فوزن «آتيا» أفعلا كأكرما ، ووزن «آتينا» أفعلنا كأكرمنا. فعلى الأول يكون قد حذف مفعولا ، وعلى الثاني قد حذف مفعولين ؛ إذ التقدير: أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما ، قالتا أعطيناه الطاعة (٦). وقد منع أبو الفضل الرازي الوجه الثاني فقال : آتينا بالمدّ على فاعلنا من المؤاتاة بمعنى سارعنا ، على حذف المفعول به ، ولا يكون من الإيتاء الذي هو الإعطاء لبعد حذف مفعوليه (٧).

قال شهاب الدين : وهذا هو الذي منع الزمخشري (٨) أن يجعله من الإيتاء. قوله : (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) مصدران في موضع الحال ، أي طائعتين أو مكرهتين (٩).

وقرأ الأعمش «كرها» بالضم (١٠) ، وتقدم الكلام على ذلك في النساء (١١). قوله :

__________________

(١) في ب أن نقول.

(٢) المرجع السابق.

(٣) قراءة شاذة غير متواترة ، رغم أنها جائزة لغة ، وقد ذكرها أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٤٥ ، والقرطبي في الجامع ١٥ / ٣٤٤ ، والسمين في الدر ٤ / ٧٢٠.

(٤) المراد به الإمام الفخر صاحب التفسير الكبير الذي يكثر المؤلف من النقل عنه والذي يكثر هو الآخر من النقل من الزمخشري انظر الرازي ٢٧ / ١٠٦ فقد قال : ومعنى الإتيان الحصول والوقوع على وفق المراد.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ٤٤٦.

(٦) الدر المصون ٤ / ٧٢١.

(٧) بالمعنى من البحر المحيط ٧ / ٤٨٧.

(٨) الدر المصون المرجع السابق.

(٩) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٦.

(١٠) ذكر تلك القراءة أبو حيان في البحر ٧ / ٤٨٧.

(١١) يشير إلى قوله : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً» [النساء : ١٩].

١١٠

«قالتا» أي قالت السماء والأرض ، وقال ابن عطية : (رحمة الله عليه) (١) أراد الفرقتين المذكورتين (٢) ، جعل السماوات سماء والأرضين أرضا كقوله :

٤٣٥٤ ـ ألم يحزنك أنّ حبال قومي

وقومك قد تباينتا انقطاعا (٣)

عبر عنهما «بتباينتا». قال أبو حيان وليس كما ذكر لأنه لم يتقدم إلا ذكر الأرض مفردة والسماء مفردة فلذلك حسن التعبير بالتثنية.

وأما البيت فكأنه قال : حبلي قومي وقومك ، وأنث في تباينتا على المعنى ؛ لأنه عنى بالحبال المودة (٤). قوله : «طائعين» في مجيئه مجيء جمع المذكورين العقلاء وجهان :

أحدهما : أن المراد يأتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم ، فلذلك غلّب العقلاء على غيرهم ، وهو رأي الكسائيّ.

والثاني : أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما ، والأمر لهما جمعهما كجمعهم ، كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)(٥) وهل هذه المحاورة حقيقية أو مجازا وإذا كانت مجازا فهل هو تمثيل أو تخييل؟ خلاف (٦).

فصل

ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى أمر السماء والأرض بالإيمان فأطاعوه وهذا ليس بمستبعد كما أن الله تعالى أنطق الجبال مع داود ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] وأنطق الأيدي والأرجل ، فقال : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤] وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) وإذا كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله تعالى في ذات السماوات والأرض حياة وعقلا ثم يوجه التكليف عليهما؟ ويؤكد هذا وجوه :

الأول : أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره ، إلا إن منع منه مانع ، فههنا لا مانع.

__________________

(١) زيادة من أ.

(٢) البحر المحيط المرجع السابق.

(٣) من تمام الوافر للقطامي وهو من الاستعطاف والتوسل.

وشاهده : «تباينتا» حيث جعل حبال قومه وحبال قومها كل جماعة ، وثنى هذا بقوله تباينتا أي الجماعتان ولو أراد جمع التكسير أو لفظ الجمعية لقال تباينت وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٧ والدر المصون ٤ / ٧٢١ ، وديوانه ٣٧.

(٤) بالمعنى من البحر المرجع السابق.

(٥) يوسف ٤. وانظر الرأيين في معاني الفراء ٣ / ١٣ والثاني في بيان ابن الأنباري ٢ / ٣٣٧ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٨١.

(٦) هناك من قال بالحقيقة وهناك من قال بالتخييل انظر الكشاف ٣ / ٤٥ والقرطبي ١٥ / ٣٤٤.

١١١

الثاني : أنه تعالى جمعهما جمع العقلاء فقال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).

الثالث : قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) وهذا يدل على كونها عارفة بالله ، عالمة بتوجه تكليف الله تعالى.

وأجاب ابن الخطيب عن هذا القول : بأن المراد من قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) الإثبات إلى الوجود والحدوث والحصول ، فعلى هذا التقدير فحال (١) توجه (٢) هذا الأمر كانت السماوات والأرض معدومة ، إذ لو كانت موجودة فذلك لا يجوز ، فثبت أن حال توجه هذا الأمر عليها كانت معدومة ، وإذا كانت معدومة لم تكن فاهمة ، ولا عارفة للخطاب ، فلم يجز توجّه الأمر عليها (٣).

فصل (٤)

روى مجاهد وطاوس عن ابن عباس أنه قال : قال الله للسماوات والأرض أخرجا ما فيكما من المنافع ومصالح العباد ، أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقّقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعا ، وإلا ألجأتكما إلى ذلك (حتى) (٥) تفعلا (ه) (٦) فنقول : فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله : أتينا طائعين حدوثهما في ذاتهما ، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعا فيهما ، وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وذلك يدل على أن حدوث السماء إنما حصل بعد قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)(٧).

فصل

اعلم أن المقصود من هذا الكلام إظهار كمال القدرة ، والتقدير ائتيا شئتما ذلك أو أبيتما كما يقول الجبار لمن تحت يده : لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، ولتفعلنّه طوعا أو كرها.

وقيل : إنّه تعالى ذكر السماء والأرض ، ثم ذكر الطوع والكره فوجب أن ينصرف الطوع إلى السماء والكره إلى الأرض ، وتخصص السماء بالطوع لوجوه :

أحدها : أن السماء في دوام حركتها على نهج واحد لا يختلف تشبه حيوانا مطيعا لله عزوجل بخلاف الأرض فإنها مختلفة الأحوال ، تارة تكون ساكنة ، وتارة تضطرب.

وثانيها : أن الموجود في السماء ليس إلا الطاعة ، قال تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ

__________________

(١) كذا في الرازي وفي ب محال تحريف.

(٢) كذا في النسختين توجه مصدرا لتوجّه وفي الرازي : توجيه.

(٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٠٨.

(٤) في ب وقيل بدل من «فصل».

(٥) سقط من أالأصل.

(٦) كذلك زيادة من ب وانظر معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٠٦.

(٧) الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٠٨ وهو رأي له.

١١٢

وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [النحل : ٥٠]. وأما أهل الأرض فليس كذلك.

وثالثها : أن السماء موصوفة بكمال الحال ، وقيل : إنها أفضل الألوان وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير ومكانها أفضل الأمكنة ، وهو العلو ، وسكانها أفضل الأجرام ، وهي (١) الكواكب المنيرة بخلاف الأرض فإنها مكان الظلمة والكثافة ، واختلاف الأحوال وتغيير الذات والصفات فلا جرم عبر عن تكوين السماء بالطوع وعن تكوين الأرض بالكره (٢).

قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ). في نصب «سبع» أربعة أوجه :

أحدها : أنه مفعول ثان «لقضاهن» ؛ لأنه ضمن معنى صيرهن بقضائه سبع سماوات(٣).

الثاني : أنه منصوب على الحال من مفعول «فقضاهن» أي قضاهن معدودة (٤) ، وقضى بمعنى «صنع» (٥) كقول أبي ذؤيب :

٤٣٥٥ ـ وعليهما مسرودتان قضاهما

داود أو صنع السوابغ تبع (٦)

أي صنعها.

الثالث : أنه تمييز ؛ قال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميرا مبهما مفسرا بسبع سماوات على التمييز (٧) يعني بقوله «مبهما» ، أنه لا يعود على السماء ، لا من حيث اللفظ ، ولا من حيث المعنى بخلاف كونه حالا أو مفعولا ثانيا.

الرابع : أنه بدل من «هن» في «فقضاهن» قاله مكي (٨) ، وقال أيضا : السماء ، تذكر وتؤنث ، وعلى التأنيث جاء القرآن ، ولو جاء على التذكير لقيل : سبعة سماوات (٩). وقد تقدم تحقيق تذكيره وتأنيثه في أوائل البقرة (١٠).

__________________

(١) في الرازي : «وأجرامها أفضل الأجرام وهي الكواكب المتلألئة».

(٢) الرازي ٢٧ / ١٠٦.

(٣) قاله السمين في الدر ٤ / ٧٢٢.

(٤) السابق.

(٥) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٨١ و ٣٨٢.

(٦) من تمام الكامل لأبي ذؤيب كما أخبر. والشاهد : قضاهما بمعنى صنعهما. ومسرودتان صفة لموصوف محذوف أي درعان مسرودتان ، والبيت في معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٨٢ وفتح القدير ٤ / ٥٠٨ ، ومجمع البيان ٧ / ٥٩٦ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٨ و ٥٩ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٨ والمعاني الكبير ٢ / ١٠٣٩ وغريب القرآن ٣٨٨ وتأويل المشكل ٣٤٢ واللسان قضى وديوان المفضليات ٥٠٠ و ٨٨١ وديوان الهذليين ١ / ١٩.

(٧) الكشاف ٣ / ٤٤٧.

(٨) مشكل إعراب القرآن له ٢ / ٢٧٠.

(٩) السابق ٢ / ٢٧٠ و ٢٧١.

(١٠) يشير إلى قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» [البقرة : ٢٩].

١١٣

فصل

قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والإثنين ، وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السماوات وما فيها في يوم الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة.

فإن قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل ، وذلك إنما يحصل بطلوع الشمس وغروبها ، وقبل حدوث السماوات والشمس والقمر كيف يعقل حصوم اليوم؟

فالجواب : معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدرا بيوم (١). وقضاء الشيء إتمامه (٢) والفراغ منه.

قوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها). قال عطاء عن ابن عباس (٣) رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار ، وجبال البرد ، وما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة ، قال السدي : ولله في كل سماء بيت يحج إليه ويطوف به الملائكة ، كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة.

قوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وهي النيرات التي خلقها في السماوات ، وخص كل واحد بضوء معين ، وسر معين وطبيعة معينة لا يعرفها إلا الله تعالى.

قوله : «وحفظا» في نصبه وجهان :

الأول : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظا (٤).

والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى ؛ فإن التقدير : خلقنا الكواكب زينة وحفظا (٥) ، قال أبو حيان «وهو تكلف وعدول عن السهل البين» (٦).

__________________

(١) انظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١٠٧ والكشاف بإجمال ٣ / ٤٤٧.

(٢) اللسان قضى ٣٦٦٥.

(٣) هذه الأقوال ذكراها العلامة البغوي في «معالم التنزيل» ٦ / ١٠٦ ، وكذلك الخازن في «لباب التأويل» السابق ، والقرطبي ١٥ / ٣٤٥ وانظر أيضا الرازي ٢٧ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٨٨.

(٤) قاله العكبري في التبيان ١٠٢٤ والأخفش في المعاني ٦٨١ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٢ ، والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧ ، والسمين في الدر ٤ / ٧٢٢ ونقله في إعراب القرآن ٤ / ٥٢ والمغني ٤٧٩.

(٥) قال بهذا الوجه كسابقه العكبري والكشاف والسمين المراجع السابقة.

(٦) بالمعنى من البحر فإنه قال : «ولا حاجة إلى هذا التقدير الثاني وتكلفه مع ظهور الأول وسهولته» البحر ٧ / ٤٨٨.

١١٤

فصل

المعنى وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع ، ثم قال : «ذلك» أي الذي ذكر من صنعة «العزيز» في ملكه «العليم» بخلقه فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة ، والعليم إشارة إلى كمال العلم (١).

قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(١٥)

قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) هذا التفات من خطابهم بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ) إلى الغيبة لفعلهم الإعراض ، أعرض عن خطابهم وهو تناسب حسن ، والمعنى أن الحجة قد تمت على أكمل الوجوه ، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذ علاج في حقهم إلا إنزال العذاب عليهم ، فلهذا قال : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ، أي هلاكا مثل هلاكهم ، والإنذار التخويف.

قال المبرد : الصاعقة المرة المهلكة لأي شيء كان (٢). وقرأ الجمهور : صاعقة مثل صاعقة بالألف فيهما. وابن الزبير (٣) والنخعي والسلمي وابن محيصن : صعقة مثل صعقة محذوف الألف وسكون العين (٤). وتقدم الكلام في ذلك في أوائل البقرة (٥). يقال : صعقته الصاعقة فصعق. وهذا مما جاء فيه فعلته بالفتح ففعل بالكسر. ومثله : جذعته فجذع (٦). قال الزمخشري : والصعقة المرة من الصعق (٧).

قوله : (إِذْ جاءَتْهُمُ) فيه أوجه :

أحدها : أنه ظرف «لأنذرتكم» ، نحو : لقيتك إذ كان كذا (٨).

الثاني : أنه منصوب بصاعقه ، لأنها بمعنى العذاب (٩) ، أي أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم (١٠).

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١٠٦.

(٢) الرازي ٢٧ / ١٠٨.

(٣) عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أبو بكر القرشي الأسدي الصحابي وردت الروآية عنه في حروف القرآن مات مقتولا سنة ٧٣ انظر طبقات القراء ١ / ٤١٩.

(٤) من الشواذ غير المتواترات نقلها ابن خالويه في المختصر ١٣٣ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧.

(٥) يقصد قوله : «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصَّاعِقَةُ» [البقرة : ٥٥].

(٦ و ٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧.

(٨) التبيان ١١٢٤.

(٩) البحر المحيط ٧ / ٤٨٩.

(١٠) في ب رسله.

١١٥

الثالث : أنه صفة لصاعقة الأولى.

الرابع : أنه حال من «صاعقة» الثانية ، قالهما أبو البقاء (١). وفيه (٢) نظر إذ الظاهر أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق كما تقدم تفسيرها ، ولا يقع الزمان صفة لها ، ولا حالا عنها ، وتأويلها بمعنى العذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة ، وإنما جعلها وصفا للأولى ، لأنها نكرة ، وحالا من الثانية لأنها معرفة لإضافتها إلى علم ، ولو جعلها حالا من الأولى لأنها تخصصت بالإضافة لجاز. فتعود الأوجه خمسة.

قوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الظاهر أن الضميرين عائدان على عاد وثمود (٣). وقيل : الضمير في «خلفهم» يعود (٤) على الرسل واستبعد هذا من حيث المعنى ؛ إذ يصير التقدير : جاءتهم الرسل من خلف الرسل أي من خلف أنفسهم ، وقد يجاب عنه بأنه من باب : درهم ونصفه ، أي ومن خلف رسل آخرين (٥).

قوله : «أن لا (تَعْبُدُوا) يجوز في «أن» ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون المخففة من (٦) الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة النهيية بعدها خبر ، كذا أعربه أبو حيان وفيه نظر من وجهين :

أحدهما : أن المخففة (من الثقيلة) لا يقع بعدها فعل إلا من أفعال اليقين.

والثاني : أن الخبر في باب إن وأخواتها لا يكون طلبا ، فإن ورد منه شيء أول ، ولذلك تأولوا :

٤٣٥٦ ـ إن الذين قتلتم أمس(٧)سيدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (٨)

وقوله :

٤٣٥٧ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة

إن الرياضة لا تنصبك للشيب (٩)

__________________

(١) التبيان المرجع السابق.

(٢) الدر المصون ٤ / ٧٢٣.

(٣) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧ والبغوي ٦ / ١٠٦.

(٤) نقله أبو زكريا الفراء في معاني القرآن ٣ / ١٣.

(٥) قال بهذا الاعتراض والجواب أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٤٨٨ ، ونقله عنه تلميذه الشهاب السمين في الدر المصون ٤ / ٧٢٣ ، ٧٢٤.

(٦) أحد قولي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٨ وأحد أقوال البحر المحيط لأبي حيان أيضا ٧ / ٤٨٩.

(٧) في ب بالأمس.

(٨) من البسيط لأبي مكعت. وشاهده : «لا تحسبوا» جملة نهيية طلبية مؤلة بالخبر ، حيث هي واقعة خبرا لإن المخففة من الثقيلة على إضمار القول. وقد تقدم.

(٩) من البسيط كسابقه وهو للجميع بن منقذ ، وشاهده : «لا تنصبك» فهذه جملة طلبية ليست خبرا لإن ولكنها مدخول عليها بقول مضمر هو الخبر وقد تقدم.

١١٦

على إضمار القول.

الثاني : أنها الناصبة للمضارع ، والجملة النهيية بعدها صلتها وصلت بالنهي كما توصل بالأمر في كتبت إليه بأن قم (١).

وقد مر في وصلها بالأمر إشكال يأتي مثله في النهي.

الثالث : أن تكون مفسرة لمجيئهم (٢) ؛ لأنه يتضمن قولا ، و «لا» في هذه الأوجه كلها ناهية ، ويجوز أن تكون نافية على الوجه الثاني ، ويكون الفعل منصوبا بأن بعد لا النافية ، فإن لا النافية لا تمنع العامل أن يعمل فيما بعدها ، نحو : جئت بلا زيد ، ولم يذكر الحوفي غيره (٣).

قوله : (لَوْ شاءَ) قدر الزمخشري مفعول شاء لو شاء إرسال الرسل لأنزل ملائكة (٤). قال أبو حيان تتبعت القرآن وكلام العرب ، فلم أجد حذف مفعول شاء الواقع بعد لو إلا من جنس جوابها ، نحو (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] أي لو شاء (الله) جمعهم على الهدى لجمعهم عليه. (و (٥)) (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) [الواقعة : ٦٥] و (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠] و (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ) [يونس : ٩٩] و (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) [الأنعام : ١١٢] و (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ) [النحل : ٣٥] ، وقال الشاعر (ـ رحمه‌الله عليه (٦) ـ) :

٤٣٥٨ ـ فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد

ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد (٧)

وقال الآخر :

٤٣٥٩ ـ واللذ لو شاء لكنت صخرا

أو جبلا أشم مشمخرا (٨)

__________________

(١) هو أحد أقوال أبي حيان فيه انظر البحر ٧ / ٤٨٩ وعلى هذا فهي مؤلة مع ما بعدها بمصدر مجرور بحرف جر محذوف والتقدير : بعدم عبادتهم.

(٢) الكشاف ٣ / ٤٤٨ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٩.

(٣) المرجع الأخير السابق.

(٤) الكشاف المرجع السابق.

(٥) زيادة للسياق.

(٦) زيادة من أ.

(٧) من الطويل لطرفة بن العبد ويروى صدره :

أرى كل ذي جد ينوء بجده

 ............

والشاهد : أن مفعول شاء الواقع بعد لو مقدر من جنس جوابها كما قرر بذلك أبو حيان والتقدير :

فلو شاء ربي كوني ........... كنت

وانظر ديوان طرفة ٣٦ والسبع الطوال ٢٠٩ و ٢١٠ ، والبحر المحيط ٧ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٤ / ٧٢٥.

(٨) من الرجز وهو مجهول ويروى :

والذ لو شاء لكانت برا

وكانت أي الدنيا ، والبر مقابل البحر ، والأشم المرتفع ، والمشئمخر : العالي المتطاول. وشاهده : أن ـ

١١٧

قال : فعلى ما تقدم لا يكون المحذوف ما قدره الزمخشري ، وإنما التقدير : لو شاء ربنا إنزال ملائكة بالرسالة منه إلى الإنس لأنزلهم بها إليهم وهذا أبلغ في (١) الامتناع من إرسال البشر إذ علقوا ذلك بإنزال الملائكة وهو لم يشأ ذلك فكيف يشاء ذلك في البشر (٢).

قال شهاب الدين : وتقدير أبي القاسم أوقع معنى وأخلص من إيقاع الظاهر موقع المضمر ؛ إذ يصير التقدير «لو شاء إنزال ملائكة لأنزل ملائكة» (٣).

قوله : (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) هذا خطاب لهود وصالح وغيرهم من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وغلب المخاطب على الغائب نحو : أنت وزيد تقومان. و «ما» يجوز أن تكون موصولة بمعنى «الذي» ، وعائدها «به» ، وأن تكون مصدرية ، أي بإرسالكم فعلى هذا يكون «به» يعود على ذلك المصدر المؤل ، ويكون من باب التأكيد ، كأنه قيل : كافرون بإرسالكم به(٤).

فصل

معنى جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ، أي إن الرسل المبعوثين إليهم أتوهم من كل جانب ، وأتوا بجميع وجوه الدلالات ، فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض ، كما حكى الله تعالى عن الشيطان : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) [الأعراف : ١٧] أي من كل جهة. وقيل : المعنى أن الرسل جاءتهم من قبلهم أي أرسلوا إلى آبائهم ، ومن خلفهم يعني الذين أرسلوا إليهم.

فإن قيل : كيف يمكن وصفهم بأنهم جاؤ؟!.

فالجواب : قد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما ، وبجميع الرسل ، وبهذا التقدير: فكأن جميع الرسل قد جاؤهم وأمروهم بالتوحيد ونفي الشرك ، فقالوا : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) وجعلوا عدم إنزال الملائكة دليلا على تكذيب الرسل ، والمعنى أنه تعالى لو شاء إرسال الرسل إلى البشر لجعل رسله ملائكة ؛ لأن الملائكة أفضى إلى المقصود من بعثة البشر. ثم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ، وتقدم الجواب عن هذه الشبهة في سورة الأنعام.

واعلم أن قولهم : أرسلتم به ، ليس إقرارا بأن أولئك الأنبياء رسل وإنما ذكروه حكاية لكلام الرسل أو على سبيل الاستهزاء ، كما قال فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧].

__________________

ـ جواب لو مقدر من جنس الجواب تقديره : لو شاء كوني وقد تقدم ويستشهد النحاة بالبيت على حذف ياء الذي تخفيفا وكسر ما قبلها لغة لبعض العرب.

(١) في ب من.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٤٩٠.

(٣) الدر المصون ٤ / ٧٢٥.

(٤) المرجعان السابقان.

١١٨

فصل

روي أن أبا جهل ـ لعنه الله ـ قال في ملأ من قريش : التبس علينا أمر محمد ، فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والسحر والكهانة وكلمه ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عيينة بن حصن : والله لقد علمت الشعر والسحر والكهانة ، وعلمت من ذلك علما ولا يخفى علي ، فأتاه ، فقال يا محمد : أنت خير أم هاشم؟ أتت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فلم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء فكنت رئيسنا ، وإن أردت الباءة زوجناك أعز نسوة تختارهن من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستعين به على ذلك ، ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ساكت ، فلما فرغ ، قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفرغت؟ قال : نعم. قال : فاسمع ثم إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تعوذ ثم قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) إلى أن بلغ قوله : فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فأمسك عيينة على فيه وناشده بالرحم إلا ما سكت ، ثم رجع إلى أهله ، فلم يخرج إلى قريش ، فلما احتبس عنهم قالوا : ما نرى عيينة إلا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا : يا عيينة ، ما حبسك عنا ، إلا أنك قد صبأت إلى محمد ، وأعجبك طعامه ، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب وأقسم لا يكلم محمدا أبدا ، ثم قال : «والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ، ولكني قصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة ولما بلغ صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه ، وناشدته بالرحم حتى سكت ، لقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل العذاب.

قوله تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) قيل : هذا الاستكبار إظهار العجب والتّيه وعدم الالتفات إلى الغير. وقيل : الاستعلاء على الناس واستخدامهم. ثم ذكر تعالى سبب ذلك الاستكبار وهو قولهم : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) وكانوا ذوي أجسام طوال ، وقوة شديدة. ثم إنه تعالى ذكر ما يدل على أنهم لا يجوز لهم أن يغتروا بشدة قوتهم فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وإن كانت الزيادة في القوة توجب كون الناقص في طاعة الكامل فيجب عليهم الانقياد لله تعالى والخضوع لأوامره ونواهيه.

فإن قيل : صيغة أفعل التفضيل إنما تجري بين شيئين لأحدهما نسبة إلى الآخر لكن قدرة العبد متناهية ، وقدرة الله لا نهاية لها والمتناهي لا نسبة لها (١) إلى غير المتناهي فما معنى قوله : «أنّ الله أشدّ منهم قوة»؟.

__________________

(١) كذا في أوفي ب والرازي له وهو الأصح.

١١٩

فالجواب : هذا ورد على قانون قولنا : الله أكبر (١) ، ثم قال : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) والمعنى أنهم يعرفون أنها حق ولكنهم يجحدونها كما يجحد المودع الوديعة (٢).

واعلم أنّ نظم الكلام أن يقال : أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون ، وأما قولهم : من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة (٣) اعتراض وقع في البين (٤) لتقرير السبب الداعي لهم إلى الاستكبار.

قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١٩)

قوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) الصّرصر : الريح الشديدة ، فقيل : هي الباردة من الصّرّ وهو البرد (٥) ، وقيل : هي الشديدة السّموم (٦) ، وقيل : هي المصوّتة (٧) من صرّ الباب أي سمع صريره. والصّرّة : الصّيحة ومنه : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) [الذارايات : ٢٩] قال ابن قتيبة «صرصر» يجوز أن يكون من الصّرّ وهو البرد ، وأن يكون من صرّ الباب ، وأن يكون من الصّرّة ومنه : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ)(٨) [الذاريات : ٢٩].

وقال الراغب : صرصر لفظه من الصّر وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقيد (٩).

قوله : في أيّام نحسات قرأ الكوفيون وابن عامر بكسر الحاء والباقون بسكونها (١٠).

__________________

(١) أي أن أفعل ليست للتفضيل فهو هنا بمعنى كبير كالبيت المشهور : «وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن بأعجلهم .... البيت».

(٢) قاله الرازي ٢٧ / ١١٢ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٩.

(٣) من لفظ «بين» الظرفية.

(٤) الرّازي السابق.

(٥) نقله القرطبيّ عن عكرمة وسعيد بن جبير.

(٦) نقله أيضا عن مجاهد وانظر القرطبي ٥ / ٣٤٩ والبحر ٧ / ٤٩٠.

(٧) هذا قول أبي عبيدة في المجاز ٢ / ١٩٧.

(٨) لم أجد هذا بعينه لابن قتيبة في الغريب أو تأويل المشكل ومما وجدته عنه أنه فسر الصّر بالبرد والصرة بالصيحة وهنا الصرصر بالشديدة وانظر غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٩ و ٤٢١ و ٣٨٨ ، وانظر أيضا اللسان صرر ، ومعاني القرآن للزّجاج ٤ / ٣٨٢.

(٩) مفردات القرآن ٢٧٩.

(١٠) من القراءة المتواترة وذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٧٦ ، وابن الجزري في النشر ٢ / ٣٦٦ وتقريبه ١٧٠.

١٢٠