حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

المهدي المنتظر بالوحي من الله تعالى ، مع الأمر بالتبشير به وإعلان هذه الحقيقة الغيبية القادمة لا محالة.

١٤١

الفصل الثاني :

المهدي المنتظر من آل محمد

ومن عترته أهل بيته

وبالتحديد من ولده

كون المهدي المنتظر من عتره النبي أهل بيته الطاهرين حقيقة مطلقة من الحقائق الدينية المحدودة جداً التي أجمعت عليها الأمة بشقيها : « أهل بيت النبوة وشيعتهم والخلفاء التاريخيون وشيعتهم أهل السنة » فالكل متفق على أن المهدي المنتظر من صلب علي بن أبي طالب ، ومن أحفاد فاطمة بنت النبي ، وأنه من ذرية النبي وحفيده ، وقد تواترت صحة الأحاديث النبوية عند الجميع ، والتي بينت للمسلمين أن الله قد جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذرية خاتم الأنبياء محمد من صلب على ابن عمه ونسل اينته البتول فاطمة ، والمسلمون يرسلون هذه المعلومة إرسال المسلمات ، فطالما ردد الرسول أمام قدامى المسلمين والطلقاء معاً هذا ابني الحسن ، أو هذا ابني الحسين ، أو هذان ابناي ولا خلاف بين اثنين من المسلمين ، بما فيهم الخلفاء الثلاثة الأول ، معاوية وبنو أمية ، بنو العباس وشيعهم بأن علياً وفاطمة والحسن والحسين هم آل محمد ، وهم أهل بيته ، أو على الأقل هم من الآل والأهل!!

١ ـ وأهل بيت النبوة مجمعون على أن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم الله تعالى لقيادة الأمة طوال

١٤٢

عصر ما بعد النبوة ، ولكن ظروفاً قاهرة قد حالت بينهم وبين ممارسة حقهم بقيادة الأمة ، فكان كل واحد منهم هو الإمام الشرعي للأمة المختار من الله سبحانه وتعالى والمعلن عن إمامته من رسول الله ، ولكن الخليفة المتغلب في زمن كل إمام حال بينه وبين ممارسة حقه الشرعي ، بإمامة الأمة وقيادتها ومرجعها ، وكل إمام من الأئمة الإحدى عشر قد تبعته الفئة القليلة المؤمنة وسلمت بإمامته ، ولكنها كانت فئة مستضعفة ، وغير قادرة على مواجهة الأكثرية الساحقة التي وقفت مع الخليفة المتغلب طمعاً بما في يده من المال والجاه والنفوذ والسلطة.

واقتضيت حكمة الله تعالى أن يكون الثاني عشر : « المهدي المنتظر نمط ، حياة ومنهج مختلف عن نمط ومنهج الأئمة الإحدى عشر الذين سبقوه ».

فكل واحد من الأئمة الأحدى عشر السابقين كان معروفاً ، للخاصة والعامة من المسلمين ، وكان مشهوراً بينهم ، تعرفه العرب ويعرفه العجم ، ويعرفه المحل والمحرم معاً ، ولا يخفى واقعه وأمله على أحد من الخاصة والعامة ، فكل واحد من الخلفاء الثلاثة الأول كان يعلم علم اليقين بأن علياً بن أبي طالب أول الأئمة الشرعيين كان : « يطمع بالخلافة » ، ويعتفد أنه أولى بها من الخلفاء الثلاثة الأُول ، وكان يشارك الخلفاء الثلاثة بهذا العلم اليقيني ، خاصة القوم وعامتهم ، قدامى المسلمين وطلقاؤهم وأحداثهم. ولما مات الإمام علي ، وآلت الإمامة إلى الإمام الحسن كان الخليفة المتغلب وكافة أفراد رعيته يعلمون علم اليفين بآمال الحسن وواقعه ، وهكذا كانت الأحوال مع الحسين ، وعلى بن الحسين ومحمد الباقر ، وجعفر الصادق ، وموسى الكاظم ، وعلى الرضا ، وفي عهد الإمام على الرضا قرر الخليفة المتغلب المامون أن يعترف وبالحق الشرعي وأن يتنازل بمحض اختياره للإمام الشرعي المعاصر له وهو الرضا ، وتلك حالة فريدة في التاريخ الإسلامي ولم تتكرر ، وتعاقب ظهور الأئمة حتى بلغوا إحدى عشر إماماً ، وكان الناس في زمن كل واحد منهم يعلمون أن هذا الرجل الإمام من أهل بيت النبوة ، وأنه من ذرية النبي ، وكانوا يعلمون أنه على الأقل « يدعى » الإمامة ، والخلافة الشرعية عن النبي.

وكان الخليفة المعاصر لأي واحد من الأئمة الأحدى عشر يعلم علم اليقين

١٤٣

بأن هذا الإمام : « أو مدعي الإمامية » طامع بالخلافة ، ومعتقد أنه أولى بها من الخليفة المتغلب ، لذلک کان کل خليفة متغلب يتوجس خيفة من الإمام الشرعي المعاصر له ، فيضيق عليه ، ويحط من قدره ، ويتصنع عدم الاکتراث به ، وکثيراً ما کانت تملک الوساوس والمخاوف الخليفة المتغلب ، ولا يطيق إمام زمانه ، فيتآمر مع حاشيته ويقتلون خفية أو بالسم إمام الزمان.

أما الإمام الثاني عشر وهو الإمام المهدي : « محمد بن الحسن » فقد اختلف أمره ونهجه وإسلوبه ونمط حياته ، عن الأئمة الأحد عشر السابقين ، فقبل ولادته بفترة انتشرت شائعات على نطاق واسع مفادها أن ملک بني العباس سيزول علي يد رجل من آل محمد يقال له المهدي ، لذلک کانت کلمة المهدي أشد خطراً وثقلا ًعلى أسماع الدولة العباسية وأرکانها من کلمات الکفر ، والإلحاد ، والشيطنة فجندت الدولة مخابراتها وأجهزتها السرية للتحري والبحث عن هذا المهدي ، هذه الحملة اضطرت الإمام الوالد الحسن العسکري أن يخفي نبأ ولادة ابنه ، وأن لا يذکر اسم المولود ألا للخلص من أتباعه ، حيث أفضى لهم باسم ابنه ، وأنه الإمام من بعده الوارث لعلمي النبوة والکتاب ، وانتقل الإمام الحادي عشر إلى جوار ربه وآلت الإمامة إلى الصبي محمد بن الحسن : « المهدي المنتظر » وکان عمره خمس سنين ، وعرفت الدولة العباسية وکافة أرکانها بأن الإمام الحادي عشر الحسن العسکري قد مات ، وأن عمادة أهل بيت النبوة قد آلت إلي ابنه الصبي : « محمد بن الحسن المهدي المنتظر » بدليل أن أرکان الدولة العباسية ورجالات بني هاشم قد حضروا الإعداد لجنازة الإمام الحادي عشر ، ولم يتقدم أحد منهم لإمامة الناس بصلاة الجنازة إنما تقدم الإمام الصبي ، وإمّ الجميع دون اعتراض من أحد وسط دهشة الجميع ، وتسليمهم بإن هذا الصبي هو عميد وسيد أهل بيت النبوة والقائم مقام أبيه السيد الذي انتقل إلي جوار ربه. بعد انتهاء مراسم العزاء اختفى الإمام الصبي عن الأنظار تماماً ، ولم يعد يراه أحد ، وکان يعرف أمور أولياء أهل بيت النبوة ، ويتصرف بالأموال التي تجبى إليه بواسطة أربعة سفراء أجمع أهل بيت النبوة وشيعتهم المخلصة علي صحة سفارتهم.

وتسمي هذه الغيبة بالغيبة الصغرى ، وبعد موت آخر السفراء بدأت الغيبة

١٤٤

الکبري ، وجاء في عدة أخبار أنه يحضر المواسم سنوياً فيرى الناس ويعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه ، وأنه بوقت يطول أو يقصر سيظهر حتماً لإنجاز المهمة التاريخية التي أناط الله به إنجازها.

٢ ـ أما الخلفاء التاريخيون وشيعتهم أهل السنة فيقرون أن الأئمة الأحد عشر هم الذين تعاقبوا علي عمادة أهل بيت النبوة طوال التاريخ ، وکل واحد منهم في زمانه کان عميد أهل البيت ، وشيخ آل محمد في زمانه ، وأنه لم يجرؤ أحد على الادعاء بأنه عميد أهل بيت النبوة ، أو شيخ آل محمد في زمن أي واحد من الأحد عشر ، وهم يقرون أيضاً ويجمعون علي أن الرسول قد بين بأن الخلفاء أو الأمراء أو النقباء من بعده اثني عشر!! ولکنهم لا يعترفون بأن الرسول قد عني أو قصد بالاثني عشر أئمة أو عمداء أو شيوخ آل محمد بل عني وقصد الخلفاء المتغلبين على الخلافة ، والذين مارسوا سلطات الخلافة ومهامها ممارسة فعلية ، وهم متفقون على أربعة وهم الخلفاء الأربعة الأُول ، أما الثمانية الآخرون فهنالک آراء شخصية واجتهادات لا حصر لها ولا سند لها لا من عقل ولا من دين ولا من منطق ، ومن المستبعد جداً على المدى المنظور على الأقل أن تقر شيعة الخلفاء بأن الأثني عشر الذين عناهم رسول الله وقصدهم هم عمداء أهل بيت النبوة ، لأنهم لو فعلوا ذلک لانهار التاريخ السياسي الإسلامي بعد وفاة النبي علي صانعيه ، ولسحبوا بساط الشرعية عن التاريخ السياسي لدولة الخلافة ولأدانوا أنفسهم دون حاجة لقضاء يعلن الأدانة ، والإنسان بطبيعته يفر من الأدانة ولا يتقبلها راضياً!!

ولکن شيعة الخلفاء : « أهل السنة » يقرون أن الاثني عشر أولهم علي وآخرهم محمد بن الحسن المهدي ، هم عمداء أهل بيت النبوة أو شيوخ أو وجهاء آل محمد کل واحد منهم في زمانه.

وأبعد من ذلک فهم يقرون بولادة الأمام محمد بن الحسن ، وبعضهم يصرح بأنه المهدي المنتظر بالفعل. قال ابن الأثير الجرزي في كتابه الکامل في التاريخ ج‍ ٧ ص ٢٧٤ آخر حوادث سنة ٢٦٠ وفيها : « توفي محمد العلوي العسکري وهو أحد الأئمة الاثني عشر علي مذهب الإمامية ، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المهدي ».

١٤٥

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان ج‍ ٤ ص ١٧٦ / ٥٦٢ : « أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله ثاني عشر الأئمة الاثنى عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة ، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ثم نقل عن المؤرخ الرحالة ابن الأزرقي أنه قال في تاريخ ميافارقين أن الحجة المذكور ولد بتاريخ.

قال الذهبي في كتابه العبر وفيها : « أي سنة ٢٥٦ ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة ، وتلقبه بالمهدي ، والمنتظر وتلقبه بصاحب الزمان وهو خاتم الاثنى عشر. [ راجع العبر في خبر من غبر للذهبي » ج‍ ٣ ص ٢١ ].

وقال الذهبي في تاريخ دول الإسلام ج‍ ٥ حوادث ووفيات ٢٥١ ـ ٢٦٠ ص ١١٣ ـ ١٥٩ عن الإمام الحسن العسكري : « وهو والد منتظر الرافضة ، توفي إلى رضوان الله في سامراء ودفن إلى جانب والده ، وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة » ...

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج‍ ١٣ ص ١١٩ الترجمة رقم ٦٠ « المنتظر الشريف محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني خاتمه الاثنى عشر سيداً ».

قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ج‍ ٦ ص ٨٠ في ترجمة الإمام المهدي المنتظر : « محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم آخر الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية ولد في ... »

وأشار علماء الأنساب من أهل السنة إلى ولادة المهدي منهم أبو نصير البخاري في سر السلسلة العلوية ص ٣٩ وهو من إعلام القرن الرابع الهجري والعرى النسابة المشهور وهو من أعلام القرن الخامس : « المجدي في أنساب

١٤٦

الطالبيين ص ١٣٠ ، والفخر الرازي الشافعي قال في كتابه : « الشجرة المباركة في أنساب الطالبية ص ٧٨ ـ ٧٩ » ، وأما الحسن العسكري فله ابنان وبنتان أما الابنان فأحدهما صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ... وقال ابن عنبه في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : « الإمام أبو محمد الحسن العسكري ، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية ، وهو القائم المنتظر عندهم » ص ١٩٩ من عمدة الطالب. وقال في الفصول الفخرية ص ١٣٤ ـ ١٣٥ عن الإمام الحسن العسكري وهو الحادي عشر من الأئمة الاثنى عشر وهو والد محمد المهدي ثاني عشرهم ، وإلى هذا المعنى أشار الصنعاني في كتابه : « روضة الألباب لمعرفة الأنساب ص ١٠٥ ، والسويدي في كتابه سبائك الذهب. [ راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص ١١٩ ـ ١٢٠ ].

والخلاصة أن شيعة الخلفاء التاريخيين « أهل السنة » موقنون بأن المهدي المنتظر من آل محمد ومن عترته أهل بيته ، وبالتحديد من ذرية النبي ومن نسل فاطمة ابنته ، ومن صلب علي بن أبي طالب ، وقد تولد هذا اليقين عندهم لصحة وتواتر الأحاديث النبوية الناطقة به ، وقد توصلوا بالمنطق إلى أن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو الإمام المهدي بالضرورة ، وصرح بعضهم بذلك ، ولولا خشيتهم من انهيار قناعاتهم التاريخية ، ومن أن يسحب بساط الشرعية من تحت أساسات دولة الخلافة التاريخية ، وأعلن بعضهم علناً بأن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة وهو محمد بن الحسن ، ومنهم محي الدين بن العربي المتوفى ٦٣٨ كما ذكر ذلك في الفتوحات المكية. [ راجع اليواقيت والجواهر للشعراني ج‍ ٢ ص ١٤٣ ، ومحمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج‍ ٢ ص ٧٩ باب ١٢ ، وابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص ص ٣٦٣ ، والكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان ص ٥٢١ باب ٢٥ ، وابن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة ص ٢٨٧ ـ ٣٠٠ ، والفضل بن روزبهان في كتابه « إبطال الباطل ». [ راجع دلائل الصدق للمظفر ج‍ ٢ ص ٥٧٤ ـ ٥٧٥ ، ومحمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق في كتابه

١٤٧

الأئمة الاثنى عشر ص ١١٧ ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج‍ ٣ ص ١١٤ آخر الباب ٧٩ ].

نماذج من الأحاديث النبوية

الدالة على أن المهدي المنتظر من ذرية النبي ،

ومن نسل فاطمة وصلب علي بن أبي طالب

١ ـ قال رسول الله بعد أن تحدث عن الفتن من بعده : « ... ثم تكون فتنة كلما قيل انقضت تمادت ، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ، ولا مسلم إلا حكته حتى يخرج رجل من عترتي ». [ راجع ابن حماد ص ١٠ ، وأحمد بن حنبل ج‍ ٢ ص ١٣٣ ، وأبو داود ، وحلية الأولياء ج‍ ٥ ص ١٥٨ ، وكنز العمال ج‍ ١٤ ص ٢٦٩. وراجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ٨١ ـ ٨٣ ].

٢ ـ تحدث الرسول عن بلاء يصيب الأمة حتى لا يجد الرجل ملجا يلجأ إليه من الظلم ، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطاً ، كما ملئتم ظلماً وجوراً ... [ راجع عبد الرزاق ج‍ ١١ ص ٣٧١ ، وابن حماد ص ٩٩ ، والترمذي على في الدر المنثور ، والطبراني على الصواعق المحرقة والحاكم ج‍ ٤ ص ٤٦٥ ، وتذكرة القرطبي ص ٧٠٠ ، وتذكرة الحفاظ ج‍ ٣ ص ٨٣٨ ، والحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٦٥ ، والدر المنثور ج‍ ٦ ص ٥٨ ، وانظر بقية المراجع في « معجم أحاديث المهدي ج‍ ١ ص ٨٣ ـ ٨٦ ].

٣ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان ... [ راجع ابن حماد ص ١٠ ابن أبي شيبة ج‍ ١٥ ص ١٩٦ ح ١٩٤٨٥ ، وأحمد بن حنبل ج‍ ٣ ص ٨٠ ، والبداية والنهاية ج‍ ٦ ص ٢٤٧ ، ومجمع الزوائد ج‍ ٧ ص ٣١٤ ، والدر المنثور ج‍ ٦ ص ٥٨ ، انظر بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ٩٧ ـ ٩٨ ].

٤ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ... ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي » ... [ راجع أحمد بن حنبل ح ٣ ص ٣٦ ، وابن خزيمة ، وابن حبان ج‍ ٨ ص ٢٩٠ ـ

١٤٨

٢٩١ ، والحاكم ج‍ ٤ ص ٥٥٧ ، ومقدمة ابن خلدون ص ٢٥٠ فقرة ٥٣ عن الحاكم ، وتجد بقية المراجع في معجم « أحاديث الإمام المهدي » ج‍ ١ ص ١٠٤ ـ ١٠٥ ].

٥ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي » ... [ راجع البزار ج‍ ١ ص ٢٨١ ، وابن حنبل ج‍ ١ ص ٣٧٦ ، والترمذي ج‍ ٤ ص ٥٠٥ حديث ٢٢٣١ ، والبدء والتاريخ ج‍ ٢ ص ١٨٠ ، والطبراني في الكبير ج‍ ١ ص ١٦٥ ، راجع بقية المراجع في ج‍ ١ ص ١٠٦ ـ ١٠٨ من معجم « أحاديث الإمام المهدي » ].

٦ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ». [ راجع أبو يعلى ج‍ ٢ ص ٣٦٧ ، وابن حبان ج‍ ٨ ص ٢٩١ ، ومجمع الزوائد ج‍ ٧ ص ٣١٤ ، والدر المنثور ج‍ ٦ ص ٥٧ ، وكنز العمال ج‍ ١٤ ص ٢٧٠ ح ٣٨٦٩٠ ، راجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ].

٧ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي » ... [ راجع تذكرة الخواص ص ٣٦٣ ، وعقد الدرر ص ٣٢ ، ومنهاج السنة لابن تيمية ج‍ ٤ ص ٢١١ ، بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١١٣ ـ ١١٤ ].

٨ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن المهدي من عترتي من أهل بيتي .. [ راجع إثبات الهداة ج‍ ٣ ص ٥٠٢ ، والبحار ج‍ ٥١ ص ٧٤ ، ومنتخب الأثر ص ١٦٩ ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٤ ].

٩ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدري » ... [ راجع أحمد بن حنبل على ما في ينابيع المودة ، وابن ماجة على ما في غاية المرام ، والطبراني على ما في بيان الشافعي ، راجع معجم أحاديث الأمام المهدي ج‍ ١ ص ١٣٠ ـ ١٣٤ تجد عشرات المراجع لهذا الحديث ].

١٠ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي حق وهو من ولد فاطمة ». [ راجع ابن شيبة

١٤٩

علي ما في سنن ابن ماجة ، وتاريخ البخاري ج‍ ٣ ص ٣٤٦ ، وصحيح مسلم على ما في إسعاف الراغبين ، أبو داود ج‍ ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٤ ، وابن ماجه ج‍ ٢ ص ١٣٦٨ ب ٣٤ ح ٤٠٨٦ ، والطبراني في الكبير ج‍ ٢٣ ص ٢٦٧ ، وميزان الاعتدال ج‍ ٢ ص ٨٧ ، وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٣٦ ـ ١٣٩ تجد أكثر من أربعين مرجعاً ]!

١١ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي » فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله : من أي ولدك؟ قال النبي : « من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين ». [ راجع الطبراني في الأوسط ، وأربعون أبي نعيم ، وعقد الدرر ص ٢٤ ، وذخائر العقبى للطبراني ص ١٣٦ ـ ١٣٧ ، وراجع معجم أحاديث المهدي المنتظر ج‍ ١ ص ١٤٢ ـ ١٤٣ ].

١٢ ـ ومثله قوله لفاطمة : « المهدي من ولدك ». [ راجع مقاتل الطلبيين ج‍ ١ ص ٩٧ ، والحاكم ، وتهذيب ابن عساكر ج‍ ٦ ص ٢٦ ، ودخائر العقبى ج‍ ١٢ ص ١٠٥ ، راجع بقية المراجع في المعجم ج‍ ١ ص ١٤٣ ـ ١٤٤ ].

١٣ ـ ومثله قوله لفاطمة : « نبينا خير الأنبياء وهو أبوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ... ومنّا سبطا هذه الامة الحسن والحسين وهما ابناك ومنا المهدي ... ومنّا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة ». [ راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٤٥ ـ ١٤٧ ، وعلى سبيل المثال مناقب الخوارزمي ص ٦ ، وبيان الشافعي ص ٤٨٥ ، وذخائر العقبى ص ٤٤ ، عن الطبراني ، ومجمع الزوائد ج‍ ٩ ص ١٦٦ ].

وهناك العشرات من الأحاديث النبوية التي تدور حول ذات المضمون ، ويمكن لمن أراد الوقوف عليها وعلى مراجعها أن يراجع : « معجم أحاديث الإمام المهدي » ج‍ ١ ص ١٥٠ وما بعدها.

١٥٠

الفصل الثالث :

الخلط وتمييع النصوص

ومحاولات صرف هذا الشرف عن أهل البيت

عندما خص الله نبيه محمداً الهاشمي بالنبوة والرسالة جنّ جنون بطون قريش فحسدت الهاشميين شرف النبوة ، فوحدت صفوفها تحت راية الشرك وعقدت العزم على صرف شرف النبوة عن بني هاشم. فتصدت للنبي وقاومته بشراسة طوال مدة ال‍ ١٥ سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة ، وتأمرت على قتله مرات متعددة ، وحاصرته وبني هاشم وقاطعتهم ، وبعد الهجرة جيشت الجيوش واستْعدَتْ العرب ، وشنت حروبها العدوانية على النبي طوال ثماني سنوات ، ولما أحيط بها ، واستنفذت سهامها وتكسرت سيوفها ورماحها في حربها للنبي ، استسلمت واضطرت مكرهة لإعلان إسلامها وللاعتراف بالنبوة الهاشمية.

وعندما اختار الله تعالى أهل بيت النبوة ثقلاً آخر ، وقيادة ، مرجعية للأمة من بعد النبي ، وصدع النبي بما أوحى إليه ، وأعلن الاختيار الإلهي ، جن جنون بطون قريش لانها كرهت أن يجمع الهاشميون المُلك والنبوة ، على حد تعبير الخليفة عمر بن الخطاب ، فصممت أن تصرف شرف المُلك عن الهاشميين فوحدت صفوفها ، ولكن تحت خيمة الإسلام هذه المرة وانتظرت موت النبي بفارغ الصبر لتصرف شرف الملك عن آل محمد ولتستولي بالكثرة والقوة والتغلب على الملك الذي تمخضت عنه النبوة ، وعندما قعد النبي على فراش المرض ، أحست البطون بأنه ميت ، عندئذٍ أظهرت نواياها ، وشرعت بتنفيذ مخططها الرامي إلى

١٥١

الاستيلاء على ملك النبوة بالكثرة والتغلب ، ونقض الترتيبات الإلهية وصرف شرف الملك عن أهل البيت ، فقالت البطون للنبي مواجهة : أنت تهجر ، ولا حاجة لنا بكتابك ، ولا بوصيتك لأن القرآن يغنينا عنك!! وقد وثقنا ذلك. ومات النبي وهو كسير الخاطر ، واستولت البطون على المُلك. ومن ذلك التاريخ وشبح الجريمة يلاحقها ، وصار أهل بيت النبوة هاجساً وصارت الخلافة ملكاً لمن غلب ، وسخر الغالب إمكانيات دولة الخلافة ومواردها وإعلامها لقلب الحقائق ، وإثبات أنه صاحب الحق الشرعي بالخلافة وآل محمد وأهل بيته ينازعونه حقه ، ويسعون لتفريق الأمة وشق عصا الطاعة بطلبهم ما ليس لهم!!!!!

كان لا بد من استحضار هذه المقدمة لفهم العقلية الحاكمة التي وضعت المناهج التربوية والتعليمية ، والتي منعت رواية وكتابة أحاديث الرسول قرابة مائة عام ، وبعد المائة عام أذنت برواية وكتابة الأحاديث النبوية ، في مناخ الدولة المعادي لأهل بيت النبوة ، وتحت إشراف أو مراقبة أركان دولة الخلافة الذين تدخلوا واشتركوا بهذا العداء.

محاولات صرف شرف المهدية عن أهل البيت

لما اكتشف علماء الحديث الأعلام من أهل السنة هذا الكم الهائل من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن حتمية ظهور المهدي المنتظر ، وأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة ، ومن صلب علي بن أبي طالب ، ومن ولد فاطمة بنت النبي ، فوجئت دولة الخلافة ، وفوجىء أركانها تماماً ، وقدروا أن المهدي المنتظر الذي تتحدث الأحاديث النبوية عن دعم إلهي ، مطلق له سيكشف ذات يوم كل شيء ، وسيضع النقاط على الحروف ، وسيطلع العالم على هول الظلم الذي لحق بالإسلام ، وأهل بيت النبوة ، وسيقلب التاريخ كله رأساً على عقب.

لذلك وبواسطة أوليائهم وضعوا خطة ذات أربع شعب لمواجهة سيل الأحاديث الصحيحة والمتواترة المتعلقة بالمهدي المنتظر ، بعد أن قطعوا وتيقنوا بأنه من أهل بيت النبوة ومن أحفاد النبي الذين شردوهم وطاردوهم وقتلوهم تقتيلاً ، عبر التاريخ وكان قصدهم من هذه الخطة :

١٥٢

١ ـ أن يخلطوا الحق بالباطل وتلك صناعة أتقنوها ومهروا بها.

٢ ـ أن يحصنوا الرعية من تأثير هذه الأحاديث أو أن يتحكموا بتأثيرها على الرعية.

٣ ـ محاولة يائسة لصرف هذا الشرف الشامخ عن أهل بيت النبوة.

١ ـ الشعبة الأولي من المخطط

الادعاء بأنه لا مهدي إلا عيسى ابن مريم

بنفس الوسائل التي تستخرج فيها الأحاديث استخرجوا حديثاً يحصر « المهدي بعيسى ابن مريم » ، وقد أخرج هذا الحديث ابن ماجة في سننه ج‍ ٢ ص ١٣٤٠ ح ٤٠٣٩ ، وابن ماجة نفسه كان قد أخرج حديث : « المهدي حق وهو من ولد فاطمة » ج‍ ٢ ص ١٣٦٨ ح ٤٠٨٦ ، والحديث الأخير صحيح ومتواتر. وحديث لا مهدي إلا عيسى هو الحديث الوحيد الذي ينفي أن يكون المهدي من أهل البيت أو من غيرهم ، ويحصره حصراً بعيسى ابن مريم ، وقد عالجنا وأثبتنا فساد هذا الحديث وبطلانه في الباب الثاني من هذا الكتاب.

٢ ـ الشعبة الثانية من المخطط

الادعاء بأن المهدي رجل من الأمة

وقد أخرجوا حديثاً جاء فيه : « يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي ، ينزل الله له البركة من السماء ، وتخرج له الأرض بركتها ، يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت جوراً » ... [ راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٣٤ ـ ١٣٦ ، وهذا الحديث أيضاً هو الوحيد الذي يجعل المهدي رجلاً من الأمة ]!!!

٣ ـ الشعبة الثالثة من المخطط

الادعاء بأن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن

وليس من ولد الحسين كما يجمع أهل البيت!!

روى أبو داود في سننه ج‍ ٤ ص ١٠٨ ح ٤٢٩٠ قول علي بن أبي طالب : « إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم

١٥٣

يُشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلْق يملأ الأرض عدلاً » ...

والمدهش أيضاً بأن هذا هو الحديث الوحيد الذي يجعل المهدي من ولد الإمام الحسن!!! وجاء في كتاب : « المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي » إصدار مركز الرسالة ص ٦٢ ، وما فوق أن هذا الحديث باطل من سبعة وجوه :

١ ـ اختلاف النقل عن أبي داود فقد نقل الجزري الشافعي في كتابه : أَسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب ص ١٦٥ ـ ١٦٨ كلمة « الحسين » بدلاً من كلمة الحسن.

٢ ـ إن سند الحديث منقطع حيث أن السبيعي لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن طريق على ، كما صرح بذلك المنذري « مختصر سنن أبي داود للمنذري ج‍ ٦ ص ١٦٢ ح ٤١٢١.

٣ ـ إن سنده مجهول : « حيث قال : « حُدثت عن هارون بن المغيرة ، ولا يعلم من الذي حدثه ».

٤ ـ أن الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي عن الإمام موسى بن جعفر وفيه اسم الحسين بدلاً من الحسن.

٥ ـ إنه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأن المهدي من ولد الحسين.

٦ ـ احتمال التصحيف في الاسم من الحسين إلى الحسن.

٧ ـ يحتمل وضع الحديث لأن بعض أنصار محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط الذي قتل ١٤٥ في زمن المنصور العباسي كانوا يظنون بأنه المهدي.

٨ ـ وعلى فرض أنه حديث فإنه مجرد خبر لا قيمة له أمام الصحيح والمتواتر.

٤ ـ المهدي ليس من أهل بيت النبوة ولا من ذرية النبي

إنما هو من ولد العباس!!

بدليل : ١ ـ الأحاديث المتعلقة بالرايات السود المقبلة من خراسان ، والتي ذكرت بأن فيها خليفة الله المهدي. [ راجع مسند أحمد ج‍ ٥ ص ٢٧٧ ، وسنن

١٥٤

ابن ماجة ج‍ ٢ ص ١٢٣٦ ح ٤٠٨٢ ، وما رواه الترمذي في ج‍ ٤ ص ٥٣ ح ٢٢٦٩ ، وهي أحاديث مجملة وقد ضعفها ابن القيم في المنار المنيف ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ].

٢ ـ وجود أحاديث تخبر بأن المهدي : « من ولد العباس عمي ». [ أورده السيوطي في الجامع الصغير ج‍ ٢ ص ٦٧٢ ، وقال حديث ضعيف ، وقال المناوي الشافعي في فيض القدير ، رواه الدار قطني في الأفراد ، وقال ابن الجوزي فيه محمد بن الوليد المقري ، قال ابن عدي : يضع الحديث ويصله ، ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون ، وقال ابن أبي معسر هو كذاب ، وقال السمهودي ، ما بعده وما قبله أصح منه ، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد وضاع ، راجع فيض القدير شرح الجامع الصغير ج‍ ٦ ص ٢٧٨ ح ٩٢٤٢. وضعفه السيوطي في الحاوي ج‍ ٢ ص ٨٥ وابن حجر في صواعقه ص ١٦٦ ، والصبان في إسعاف الراغبين ص ١٥١ ، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون ص ٥٦٣ ].

ومثله حديث ابن عمر الذي رواه ابن الوردي في فريدة العجائب ص ١٩٩ وهو مرسل عن مرسل عن ابن عمر وموقوف عليه فلا حجة فيه ، فضلاً عن أنه لم يصرح باسمه المهدي.

ومثله حديث أم الفضل سنة ١٣٥ لك لولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي ، وهذا الحديث وارد في تاريخ بغداد ج‍ ١ ص ٦٣ ، وتاريخ دمشق ج‍ ٤ ص ١٧٨ لابن عساكر. قال الذهبي في ميزان الاعتدال ج‍ ١ ص ٩٧ : أن أحمد بن راشد هو الذي اختلقة بجهل ، راجع المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي ص ٥٢ ـ ٥٥.

وما يثير الدهشة أن المهدي العباسي المتوفى سنة ١٦٩ ـ كانت دولته دولة للنساء. قال الطبري في تاريخه ج‍ ٣ ص ٤٦٦ أن الخيزران زوجة الخليفة المهدي تدخلت في شؤون الدولة في زمنه وأنها استولت على زمام الأمور في عهد ابنه الهادي. ثم إن المهدي العباسي نفسه لم يدع بأنه المهدي المنتظر الذي عناه الرسول ، ولم تتحقق في زمنه أي علامة من العلامات المرادفة لظهور المهدي ، ولا ساد العالم ولا انتشر الرخاء في عهده ، إنما كانت هنالك طبقة مترفة تشرف

١٥٥

على الموت من التخمة ، وأكثرية ساحقة معدمة تكاد أن تموت من الجوع ، وهذا يتعارض بالكمال مع مضامين الأحاديث النبوية التي وصفت المهدي وصفاً دقيقاً ، وتحدثت عن ظهوره ، ووصفت عهده الراشد وحال الدين والمسلمين فيه.

١٥٦

الفصل الرابع :

الجذور التاريخية لهذا المخطط

الخلط والتمييع ومحاولة صرف هذا الشرف عن أهل بيت النبوة

بعد موت النبي مباشرة وعندما اشتد الجدل والصراع على الخلافة بين قيادة بطون قريش ومن والاها من جهة ، وبين علي بن أبي طالب الإمام الشرعي وابنة النبي الزهراء وسبطي النبي الحسن والحسين ومن والاهم من جهة أخرى ، عرضت قيادة البطون على العباس بن عبد المطلب عم النبي أن تجعل له ولعقبه شيئاً من هذا الأمر : « أي الخلافة » مقابل أن يتخلى عن دعمه لأهل بيت النبوة وأن يقف مع البطون ، وقدرت قيادة البطون أن انحياز العباس لجانبها يشكل ضربة فنية ومعنوية قاصمة لأهل بيت النبوة وادعائهم بالحق بقيادة الأمة!! لأنها تكون بهذه الحالة قد ضربت عم النبي بابن عم النبي الآخر وبابنة النبي وسبطيه فتتصدع وحدة البطن الهاشمي وتتهدم كافة حجج أهل البيت ، ويشب الصراع بين آل محمد وآل أبي طالب من جهة ، وبين آل العباس من جهة أخرى ، وتتحول قيادة البطون إلى قاضٍ وخصم معاً ، تتفرج على هذا الصراع ، واكتشف العباس مضامين وأهداف قيادة بطون قريش من هذا العرض ، فرفضه رفضاً قاطعاً وبإباء ، ورد عليهم بحزم ورجولة ، وقد حاول الخليفة الثاني ، والثالث ومعاوية أن يجتذبوا إلى جانبهم عبد الله بن العباس خاصة ، والعباسيين عامة ، لذات الغرض لينافس عبد الله الحسن والحسين بعد أن أخفقوا بأن يجعلوا العباس ينافس الإمام على ، ويبدو أن

١٥٧

تلك المحاولات قد نجحت إلى حد ما. صحيح أن العباسيين لم يقفوا ضد علي وضد الحسن والحسين ، ولكنهم لم يقفوا معهم أيضاً ، لقد قرر العباسيون أن يعملوا لصالحهم الخاص ، وقدروا أن عملهم لصالحهم الخاص لن يؤتي أكله ولن يثمر ، ما دام سبطا النبي الحسن والحسين أحياء!! لأنه ليس بإمكان أي عباسي أن يدانيهما بالشرف والقربى والمكانة. لقد قرر عبد الله بن العباس أن يعتزل وأن يتخلى عن الإمام علي ، والإمام أحوج ما يكون إليه ، لقد كانت فعلة عبد الله جرحاً نازفاً في قلب الإمام ، تحمل آلامه العميقة في صمت وبلا إعلام. ومع الإمام الحسن قد عهد لعبيد الله بن العباس بقيادة أول جيش يشكله ومع أن معاوية هو القاتل عملياً لطفلي عبيد الله ، إلا أن عبيد الله لم يجد حرجاً ولا فضاضة عندما استمال ثلثي الجيش الذي سلمه الإمام الحسن قيادة وانضم إلى معاوية عدو آبائه وأجداده وأحد قادة قدامى المحاربين ضد الله ورسوله!! فكانت فعلة عبيد الله الضربة المعنوية القاتلة التي أصابت من الحسن ومعسكره مقتلاً يصعب علاجه!! فإذا كان عبيد الله ابن عم النبي ينضم لمعسكر معاوية طمعاً بما عنده من دنيا ، فما الذي يجبر أَعرابياً لا دين له على البقاء في طاعة الإمام الحسن!! إنها من ضربات قيادة البطون ومن ثمرة ثقافاتها ، لأن قيادة البطون وثقافتها المعادية لآل محمد تعرف بالتجربة المقاتل تماماً!!

إنه ليس من المستبعد أن يتولى أعداء أهل بيت النبوة الذين أشربوا الثقافة المعادية لأهل بيت النبوة وضع عدة أحاديث تبين أن المهدي المنتظر الذي بشر به الرسول من ذرية العباس عم النبي ، وليس من أهل البيت كما يزعمون!! والعقد نفسه يتمثل باستعداء العباسيين على أهل البيت وعزل أهل بيت النبوة عن الأمة ، ومحاولة صرف هذا الشرف عنهم ، خاصة وأن كافة الأحاديث النبوية قد رويت وكتبت في عهد بني العباس ، وأن رواة هذه الأحاديث الذين جمعوا يخضعون للحكم العباسي ، وما هي مصلحة بني العباس بنفي هذا الشرف عنهم ، إن مجرد الزعم بأن المهدي من بني العباس يشكل دعماً لنظامهم ، وتثبيتاً لأركان ملكهم!! ثم ما هو الفرق بينهم وبين آل أبي طالب!! أليس العباس عم النبي كأبي طالب!!!

١٥٨

وليس من المستبعد أيضاً بأن النبي عندما أخبر الأمة بما كان وما هو كائن ، أن يكون قد قال للعباس بأن ذرية العباس ستستولي على الخلافة بالقوة يوماً ما ، وأن من جملة ملوكهم أو خلفائهم رجال يلقبون أحدهم بالسفاح والآخر بالمنصور ، والثالث بالمهدي. مصطلح المهدي مجرد لقب لُقّب به وعرف به ، وهذا اللقب لا يجعل منه المهدي الذي بشر به الرسول فإذا سميت ابنك أو أحد الملوك بالمهدي فهل يصبح بموجب هذه التسمية المهدي الذي بشر به رسول الله؟!

ومن المؤكد أن العباسيين كانت لهم دولة ، وكانت لهذه الدولة أجهزتها السرية المكلفة بدعم النظام والمحافظة عليه بالأساليب الخفية ، كما تفعل الدول اليوم ، ومن الجائز أن تكون الدولة قد استغلت إخبار الرسول للعباس ، بما هو كائن فطورت هذا الحديث واختلقت توابعه!! مع أن كافة الأحاديث المتعلقة بمهدي العباسيين ساقطة بكل الموازين التي أوجدها علماء الحديث ، ومعارضة لأحاديث المهدي المنتظر الصحيحة والمتواترة عندهم.

وليس من المستبعد أن تكون أحاديث مهدي العباسيين ، ومهدي الأمة المجهول ، أو نفي فكرة المهدي عن الجميع وقصرها على عيسى ابن مريم من اختلاق الأمويين وأوليائهم لنفس الغايات والأهداف التي أشرنا إليها وتفصيل ذلك :

أن الخلفاء الثلاثة الأُول كانوا قد منعوا كتابه ورواية الأحاديث النبوية ، وأحرقوا المكتوب منها ، ورفعوا شعار « حسبنا كتاب الله » ، ولم يأذنوا برواية إلا ما يتفق مع توجهاتهم وسياساتهم.

وعندما آلت الخلافة إلى علي بن أبي طالب بدأ نشر الحديث بأسلوب المناشدة والاستشهاد بقدامى المحاربين من الصحابة ، وأوشكت الأمور أن تتضح ، وكاد الحبل أن يفلت من بناة دولة الخلافة وأوليائهم ، ولكن في بداية الطريق برز معاوية بن أبي سفيان وإلي الشام ، وأحد مؤسسي نظام الخلافة ، وأبرز أركان دولة الخلفاء الثلاثة الأُول ، وعندما غلب معاوية أمة محمد واستولى بالقوة على منصب الخلافة ، قاد بنفسه حملة کبرى لرواية وكتابة أحاديث الرسول

١٥٩

المتعلقة « بلافضائل فقط » فأصدر سلسلة من المراسيم الملكية إلى كافة ولاته وأمرائه وعماله أمرهم فيها :

١ ـ بأن يرووا فضائل الخلفاء الثلاثة الأُول وأن يركزّوا تركيزاً خاصاً على فضائل الخليفة الثالث ، وبعد ذلك يروون فضائل الصحابة.

٢ ـ أن لا يتركوا فضيلة لعلي بن أبي طالب أو أحد من أهل البيت إلا ويضعوا فضيلة لأحد من الصحابة تنقضها وتشابهها. [ راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج‍ ٣ ص ٥٩٥. وما فوق نقلاً عن المدائني في كتابة الأحداث : « تحقيق حسن تميم » ] وأمر معاوية الولاة والعمال والأمراء بأن يقربوا الرواة ويجزلوا لهم العطايا والإقطاعات. وفجأة انشقت الأرض عن آلاف الرواة الذين رووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لا أصل لها ، والتي اختلقت لإرغام أنوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه ، ولما تحقق لمعاوية ما أراد ، وقدّر أن فضائل أهل بيت النبوة قد ضاعت ، أو فقدت قيمتها ، وأن مكانتهم الدينية قد تلاشت تماماً أمر معاوية بتدريس هذه المرويات في المدارس والجامعات والمعاهد ، وفرض على العامة والخاصة تعلمها وحفظها ، ودامت الحال حتى أواخر عهد الأمويين وبعد سقوط الدولة الأموية ، ورفع الحظر والمنع عن رواية وكتابة أحاديث الرسول في بداية العهد العباسي نقل علماء الحديث كافة الروايات التي تمخضت عنها حملة معاوية ، والتي احتضنتها الدولة الأموية وعممتها ، وهي روايات متقنة من حيث الشكل لأنها قد وضعت تحت إشراف دولة ومن الممكن جداً بل ونكاد أن نقطع ، بأن « لا مهدي إلا عيسى ، والمهدي من ولد العباس ، والمهدي رجل من الأمة » ، كانت من هندسة معاوية وولاته وروُاته لأنها تتفق مع المراسيم الملكية التي أصدرها في بداية عهده ، وتخدم ذات الغاية : « لا تتركوا فضيلة لأبي تراب أو لأحد من أهل بيته إلا وتـأتوني بمناقض لها من الصحابة وكون المهدي من صلب على فضيلة بموازين معاوية ، وحتى تنقض هذه الفضيلة لا بد من نفي فكرة المهدي ، وإلصاقها بشخص آخر ، وليكن عيسى ابن مريم ولما أدرك رجال معاوية أن النفي غير ممكن جعلوا المهدي نكرة من أفراد الأمة ، ولما أدركوا عدم معقولية الفكرة ، جعلوا المهدي من ولد العباس.

١٦٠