الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩
إشكال ينشأ من انتقال الملك عنه ، فيكون الوطؤ قد صادف ملك الغير ، فيكون محرَّماً ، ومن أنّه أبلغ في التمسّك بالمبيع وفسخ البيع من الفسخ.
وللشافعيّة طُرق :
أحدها : إن جعلنا الملك له ، فهو حلال ، وإلاّ فوجهان : الحلّ ؛ لأنّه يتضمّن الفسخ على ما يأتي ، وفي ذلك عود الملك إليه معه أو قُبَيْله.
والثاني : أنّا إن لم نجعل الملك له ، فهو حرام. وإن جعلناه ، فوجهان : التحريم ؛ لضعف الملك.
والثالث : القطع بالحلّ على الإطلاق (١).
والظاهر من هذا كلّه عندهم الحلّ إن جعلنا الملك له ، والتحريم إن لم نجعله له. ولا مهر عليه عندهم بحال.
وأمّا إن وطئ المشتري ، فهو حرام عندهم. أمّا إن لم نثبت الملك له : فظاهر. وأمّا إن أثبتناه ، فهو ضعيف ، كملك المكاتب.
ولا حدّ عليه على الأقوال ؛ لوجود الملك أو شبهته.
وهل يلزمه المهر؟ إن تمّ البيع بينهما ، فلا إن (٢) قلنا : إنّ الملك للمشتري أو موقوف. وإن قلنا : إنّه للبائع ، وجب المهر له.
وعن أبي إسحاق أنّه لا يجب ؛ نظراً إلى المآل (٣).
وإن فسخ البيع ، وجب المهر للبائع إن قلنا : الملك له أو موقوف. وإن قلنا : إنّه للمشتري ، فلا مهر عليه في أصحّ الوجهين.
ولو أولدها ، فالولد حُرٌّ ونسيب على الأقوال.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٤ ، المجموع ٩ : ٢١٦.
(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « وإن ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « الحال » بدل « المآل ». وما أثبتناه هو الصحيح.
وهل يثبت الاستيلاد؟ إن قلنا : الملك للبائع ، فلا.
ثمّ إن تمّ [ البيع ] (١) أو ملكها بعد ذلك ، ففي ثبوته حينئذٍ قولان كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير للشبهة ثمّ ملكها.
وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تمّ البيع ، نفذ الاستيلاد بلا خلاف. وعلى قول الوقف إن تمّ البيع ، ظهر ثبوت الاستيلاد ، وإلاّ فلا. ولو ملكها يوماً ، عاد القولان.
وعلى قولنا : إنّ الملك للمشتري ، ففي ثبوت الاستيلاد الخلافُ المذكور في العتق. فإن لم يثبت في الحال وتمّ البيع ، بانَ ثبوته.
ثمّ رتبوا الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق ، واختلفوا في كيفيّته. قال بعضهم : الاستيلاد أولى بالثبوت. وعَكَسه آخرون. وقيل بالتساوي ؛ لتعارض الجهتين.
والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر.
نعم ، إن جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع ، فللوجه الناظر إلى المآل مأخذ آخر ، وهو القول بأنّ الحمل لا يعرف.
أمّا إذا كان الخيار للمشتري وحده ، فحكم حلّ الوطي كما في حلّ الوطي للبائع إذا كان الخيار له أو لهما. وأمّا البائع فيحرم عليه الوطؤ هنا. ولو وطئ ، فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما قلنا في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع (٢).
إذا تقرّر هذا ، ظهر أنّ المشتري ليس له الوطؤ في مدّة الخيار. فإن
__________________
(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٨ ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٤ ١١٥ ، المجموع ٩ : ٢١٦ ٢١٧.
وطئ ، تعلّق بوطئه أحكام ستّة ، ثلاثة منها لا تختلف باختلاف الأقاويل ، وثلاثة تختلف باختلاف الأقاويل.
فأمّا ما لا يختلف : فسقوط الحدّ ، ونسب الولد ، وحُرّيّته ؛ لأنّ الوطء صادف ملكاً أو شبهةً فدرأ الحدّ فثبت النسب والحُرّيّة.
وأمّا التي تختلف : فالمهر ، وقيمة الولد ، وكونها أُمَّ ولد. فإن أجاز البائع البيعَ وقلنا : الملك يثبت بالعقد أو يكون مراعىً ، فقد صادف الوطؤ الملكَ ، فلا مهر ولا قيمة ولدٍ ، وتصير أُمَّ ولد. وإن قلنا : ينتقل بالبيع وانقطاع الخيار ، فقد وطئ في ملك البائع فيجب المهر.
وفي قيمة الولد وجهان بناءً على القولين في أنّ الحمل هل له حكم؟ إن قلنا به ، وجب ؛ لأنّ العلوق كان في ملك البائع. وإن قلنا : لا حكم له ، لم يجب ؛ لأنّ الوضع في ملك المشتري. وفي الاستيلاد وجهان.
وإن فسخ البائعُ العقدَ ، فإن قلنا : إنّ الملك لا ينتقل بالعقد ، أو قلنا : مراعى ، فقد صادف الوطؤ ملك البائع ، فيجب المهر وقيمة الولد ، ولا تصير أُمَّ ولد ، إلاّ أن ينتقل إلى المشتري بسبب آخر ، فالقولان ، فإن قلنا : إنّ الملك ينتقل إلى المشتري بالعقد ، فالأصحّ أنّه لا يجب المهر.
وقال بعضهم : يجب ؛ لأنّها وإن كانت ملكه إلاّ أنّ حقّ البائع متعلّق بها (١).
وليس بصحيح ؛ لأنّ وطأه صادف ملكه ، ولو كان تعلّق حقّه يوجب المهر لوجب وإن أجاز البائع ؛ لأنّ حقّه كان متعلّقاً بها حال الوطي. وتجب قيمة الولد ؛ لأنّها وضعته في ملك البائع.
وأمّا الاستيلاد : فقال الشافعي : لا يثبت في الحال (٢).
وعلى قول أبي العباس تصير أُمَّ ولد. وبكَمْ يضمنها؟ وجهان ،
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٧.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٧.
أحدهما بالثمن ، والثاني بقيمتها (١).
مسألة ٣٣١ : قد عرفت فيما سبق أنّ خيار المشتري يسقط بوطئه بل وبكلّ تصرّف حصل منه من بيعٍ وغيره.
وللشافعي في سقوط خياره بوطئه وجهان :
أحدهما : لا يسقط ؛ لأنّ وطأه لا يكون اختياراً ، لأنّ الوطء لا يمنع الردّ بالعيب فكذا لا يُبطل خيار الشرط ، كما في الاستخدام.
والثاني : يبطل ؛ لأنّ الوطء لو وُجد من البائع كان دلالةً على اختياره المبيع (٢).
فإذا وُجد قبل العلم بالاختيار ، لم يكن رضا بالمبيع. ولو كان بعد العلم به ، سقط خياره إجماعاً ، ويكون له الأرش عندنا.
قالت الشافعيّة : إذا قلنا : الوطؤ يُسقط خيارَه ، فكذا إذا باعها أو رهنها وأقبضها أو وقفها ، فإنّ ذلك يصحّ ، ويسقط خياره. وإن قلنا : إنّ (٣) الوطء لا يُسقط خياره ، لم يسقط بهذه العقود أيضاً (٤).
مسألة ٣٣٢ : إذا وطئ المشتري في مدّة خيار البائع ولم يعلم به البائع ، لم يسقط خياره ، وبه قال الشافعي (٥).
وإن صارت أُمَّ ولد ، احتمل سقوطه ، وعدمه. ففي أخذه الامّ وجهان :
أحدهما : له ذلك ؛ عملاً بمقتضى أصالة الحقّ الذي كان ثابتاً واستصحابه.
__________________
(١) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٧.
(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٥٥ ٥٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٣.
(٣) كلمة « إنّ » لم ترد في « ق ، ك ».
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٥) المجموع ٩ : ٢٠٤.
والثاني : ليس له ذلك ؛ للنهي عن بيع أُمّهات الأولاد ، فتنتقل إلى القيمة إن اختار الفسخ (١).
وإن كان الوطؤ بعلمه فلم يمنعه ولم ينكره ، فالأقرب : عدم سقوط حقّ البائع ؛ فإنّ السكوت لا يدلّ على الرضا ، كما لو وطئ رجل أمة غيره وهو ساكت ، لم يسقط مهرها عنه ، ولم يجعل سكوت مولاها رضا به ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يسقط خياره ؛ لأنّ إقراره على ذلك يدلّ على رضاه بإنفاذ البيع (٢). وليس بشيء.
وكذا لو سكت عن وطئ أمته ، لا يسقط به المهر.
ولو وطئ بإذنٍ ، حصلت الإجازة ، ولا مهر على المشتري ولا قيمة ولدٍ ، ويثبت الاستيلاد بلا خلاف.
مسألة ٣٣٣ : ولو وطئها البائع في مدّة خياره ، فإنّه يكون فسخاً للبيع ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون مجيزاً للبيع ويطؤها ، بل ذلك دلالة على اختيارها والرضا بفسخ العقد ، وبه قال الشافعي (٣).
وقال المزني : يدلّ على أنّه إذا طلّق إحدى امرأتيه ثمّ وطئ إحداهما ، يكون ذلك رضا بطلاق الأُخرى (٤).
أجاب بعض الشافعيّة بأنّ الطلاق إن كان معيّناً ثمّ أشكل ، لم يكن الوطؤ تعييناً. وإن كان مبهماً ، ففي كون الوطي تعييناً للطلاق في الأُخرى وجهان للشافعيّة :
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣.
(٣) مختصر المزني : ٧٥ ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٢ ، المجموع ٩ : ٢٠٢.
(٤) مختصر المزني : ٧٦.
أحدهما : أنّه يكون تعييناً للطلاق ، فتكون هذه المسألة كمسألة البيع.
والثاني : لا يكون تعييناً للطلاق (١).
والفرق بين هذا وبين وطئ البائع : أنّ النكاح والطلاق لا يقعان بالفعل مع القدرة على القول فكذا اختياره ، بخلاف الملك ، فإنّه يحصل بالفعل كالسبي والاصطياد فكذا استصلاحه جاز أن يحصل بالفعل ، ولهذا منعوا من الرجعة بالفعل (٢).
وأمّا إذا باع جاريةً وأفلس المشتري بالثمن [ و] (٣) ثبت للبائع الرجوع فوطئها ، فهل يكون ذلك فسخاً للبيع؟ للشافعيّة وجهان :
أحدهما : يكون فسخاً ، كما يكون فسخاً في مدّة الخيار.
والثاني : لا يكون فسخاً ؛ لأنّ ملك المشتري مستقرّ ، فلا يزول بالوطي الدالّ على الفسخ ، بخلاف ملك المشتري في مدّة الخيار (٤).
وكذا الوجهان لو اشترى ثوباً بجارية ثمّ وجد بالثوب عيباً فوطئ الجارية ، ففي كونه فسخاً وجهان (٥).
مسألة ٣٣٤ : لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار ، فإن كان قبل القبض ، انفسخ البيع قطعاً. وإن كان بعده ، لم يبطل خيار المشتري ولا البائع ، وتجب القيمة على ما تقدّم.
وقال الشافعي : إن تلف بعد القبض وقلنا : الملك للبائع ، انفسخ البيع ؛ لأنّا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى ، فيستردّ الثمن ، ويغرم للبائع القيمة.
__________________
(١) انظر : المجموع ٩ : ٢٠٣.
(٢) انظر : المجموع ٩ : ٢٠٣.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.
وإن قلنا : الملك للمشتري أو موقوف ، فوجهان أو قولان :
أحدهما : أنّه ينفسخ أيضاً ؛ لحصول الهلاك قبل استقرار العقد.
وأصحّهما : أنّه لا ينفسخ ؛ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض ، ولا أثر لولاية الفسخ ، كما في خيار العيب.
فإن قلنا بالفسخ ، فعلى المشتري القيمة.
قال الجويني : وهنا يقطع باعتبار قيمته يوم التلف ؛ لأنّ الملك قبل ذلك للمشتري ، وإنّما يقدّر انتقاله إليه قبل التلف.
وإن قلنا بعدم الفسخ ، فهل ينقطع الخيار؟ وجهان :
أحدهما : نعم ، كما ينقطع خيار الردّ بالعيب بتلف المبيع.
وأصحّهما : لا ، كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع. ويخالف الردّ بالعيب ؛ لأنّ الضرر هناك يندفع بالأرش.
فإن قلنا بالأوّل ، استقرّ العقد ، ولزم الثمن. وإن قلنا بالثاني ، فإن تمّ العقد ، لزم الثمن ، وإلاّ وجبت القيمة على المشتري ، واستردّ الثمن. فإن تنازعا في تعيين القيمة ، قدّم قول المشتري (١).
ولبعض الشافعيّة طريقة أُخرى هي القطع بعدم الانفساخ وإن قلنا : إنّ الملك للبائع ، وذكروا تفريعاً عليه : أنّه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان الخيار ، فعلى البائع ردّ الثمن ، وعلى المشتري القيمة ؛ لأنّ المبيع تلف على ملك البائع ، فلا يبقى الثمن على ملكه (٢).
قال الجويني : هذا تخليط ظاهر (٣).
مسألة ٣٣٥ : لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار وأتلفه مُتلف
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٩٩ ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٥ ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢٠ ٢٢١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢١.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢١.
قبل انقضائه ، لم ينفسخ البيع ، ولا يبطل الخيار ؛ لأصالتهما.
وقال الشافعي : إن قلنا : الملك للبائع ، انفسخ ، كما في صورة التلف ؛ لأنّ نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن.
وإن قلنا : إنّه للمشتري أو موقوف ، نظر إن أتلفه أجنبيّ ، فيبنى على ما لو تلف إن قلنا : ينفسخ العقد ثَمَّ ، فهذا كإتلاف الأجنبيّ المبيع قبل القبض ، وسيأتي. وإن قلنا : لا ينفسخ وهو الأصحّ فكذا هنا ، وعلى الأجنبيّ القيمة ، والخيار بحاله ، فإن تمّ البيع ، فهي للمشتري ، وإلاّ فللبائع (١).
ولو أتلفه المشتري ، استقرّ الثمن عليه ، فإن أتلفه في يد البائع وجعلنا إتلافه قبضاً ، فهو كما لو تلف في يده.
وإن أتلفه البائع في يد المشتري ، قال بعضهم : يبنى على أنّ إتلافه كإتلاف الأجنبيّ أو كالتالف بآفة سماويّة (٢) ، وسيأتي.
مسألة ٣٣٦ : لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض كما لو اشترى عبدين فمات أحدهما في يده ، سقط الخيار ، وكان له الأرش في عيبهما معاً ، وليس له ردّ الباقي ؛ لأنّ التشقيص عيب.
وقال الشافعيّة : لو مات أحدهما ، ففي الانفساخ فيما تلف الخلافُ السابق ، فإن قلنا بالفسخ ، جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة. وإن لم ينفسخ ، بقي خياره في الباقي إن قلنا : يجوز ردّ أحد العبدين إذا اشتراهما بشرط الخيار ، وإلاّ ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان. وإذا بقي الخيار فيه وفسخ ، ردّه مع قيمة التالف (٣).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢٠.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢٠.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٦ ، المجموع ٩ : ٢٢١.
ولو اشترى عبدين ووجد بهما عيباً ، لم يكن له ردّ أحدهما خاصّة ، بل يردّهما أو يأخذ أرشهما. وكذا لو كان أحدهما معيباً ، فإن مات أحدهما في يده ، لم يكن له ردّ الثاني ؛ لأنّ التشقيص عيب.
وللشافعيّة قولان بناءً على تفريق الصفقة ، فإن قلنا : لا تفرّق ، رجع بأرش العيب. وإن قلنا : تفرّق ، فإنّه يردّه بحصّته من الثمن (١).
وقال بعض الشافعيّة : له فسخ العقد فيهما ثمّ يردّ الباقي وقيمة التالف ويسترجع الثمن (٢).
ولا بأس بهذا القول عندي ، والأصل فيه حديث المصرّاة ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بردّ الشاة وقيمة اللبن التالف (٣).
مسألة ٣٣٧ : لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين ، فقال البائع : قيمته عشرة وقيمة الموجود خمسة ليخصّ التالف ثلثا الثمن ، وعَكَس القولَ المشتري ، فالباقي يمكن تقويمه.
وأمّا التالف فقد اختلف قول الشافعي فيه ، فقال تارةً : القول قول البائع مع يمينه ؛ لأنّ البائع ملك جميع الثمن ، فلا يزيل ملكه إلاّ عن مقدار يعترف به. وقال اخرى : القول قول المشتري ؛ لأنّه بمنزلة الغارم ، لأنّ قيمة التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمه ، فهو بمنزلة المستعير والغاصب (٤).
وقال بعض الشافعيّة : الأوّل أصحّ (٥) ؛ لأنّه بمنزلة المشتري والشفيع ،
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ١٤٤.
(٢) حلية العلماء ٤ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤.
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٢ ٩٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٥ ، ١١ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٠ ، ٣٤٤٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٣ ، ١٢٥١.
(٤) حلية العلماء ٤ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٤.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٣٥.
وإنّ القول قول المشتري وإن كان الغارم الشفيع ؛ لأنّه يريد إزالة ملك المشتري عن الشقص الذي ملكه ، كذا هنا يزيل ملك البائع عن الحقّ.
مسألة ٣٣٨ : لو اشترى عبدين من رجل بألف صفقةً فوجد بأحدهما عيباً ، لم يكن له ردّ المعيب ، بل إمّا أن يردّهما معاً أو يأخذ الأرش.
وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة ، فإن قلنا : الصفقة لا تفرّق ، تخيّر بين ردّ الجميع والترك. وإن قلنا : تفرّق ، فله ردّ الكلّ ، وله ردّ المعيب خاصّة (١).
وقال أبو حنيفة : له إمساك الصحيح وردّ المعيب إذا كان ذلك بعد القبض ، فأمّا قبل القبض فليس له ؛ لأنّ قبل القبض عنده يكون تبعيضاً للصفقة في الإتمام ، وبعد القبض [ يجوز ] (٢) تبعيض الصفقة إلاّ أن يكون ممّا ينقص ؛ لأنّهما عينان ، ولا ضرر في إفراد أحدهما عن الآخر ، وقد وجد سبب الردّ في أحدهما بعد القبض ، فجاز إفراده بالردّ ، كما لو شرط الخيار في أحدهما (٣).
قال الشافعيّة : ما لا يجوز تبعيض الصفقة فيه قبل القبض ، لم يجز بعده كزوجَي خُفّ ومصراعَي باب (٤) ، وكذا قال أبو حنيفة : إذا كان المبيع طعاماً فأكل بعضه ، لم يردّ الباقي (٥) ؛ لأنّه يجري مجرى العقد الواحد ، لأنّ العيب ببعضه عيب بجميعه ، فلم يكن له ، كما لو كان قبل القبض أو كان
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٢ ١٤٣.
(٢) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
(٣) المغني ٤ : ٢٦٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤٤ ، التهذيب ـ للبغوي ٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣.
(٤) التهذيب للبغوي ٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣.
(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩٠.
طعاماً ، وشرط الخيار يستوي فيه قبل القبض وبعده ، ولأنّه هناك رضي به ولو رضي هنا بقبول بعضه ، جاز.
ومن الشافعيّة مَنْ يقول : إنّ خيار الشرط أيضاً مبنيّ على تفريق الصفقة ، فعلى القول بالردّ فإنّه يقوّم الصحيح ويقوّم المعيب ويقسّم الثمن على قدر قيمتهما ، فما يخصّ المعيب يسقط عنه (١).
إذا ثبت هذا ، فلو أراد المشتري ردّ المعيب خاصّةً ورضي البائع ، جاز ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٢).
ولو عرف بالعيب بعد بيع الصحيح ، لم يكن له ردّ الباقي عندنا ـ وهو أصحّ قولي الشافعي (٣) ويرجع بالأرش.
ولو كان المبيع جملةً فظهر فيها عيب بعد أن باع بعضها ، فلا ردّ عندنا ، وله الأرش في الباقي والخارج.
وللشافعي في الباقي وجهان ، أصحّهما : أنّه يرجع ؛ لتعذّر الردّ ، ولا ينتظر (٤) عود الزائل ليردّ الكلّ ، كما لا ينتظر (٥) زوال الحادث. والوجهان جاريان في العبدين إذا باع أحدهما ثمّ عرف العيب ولم نجوّز ردّ الباقي ، هل يرجع بالأرش؟ وأمّا التالف بالبيع فحكمه حكم الكلّ إذا باعه (٦).
مسألة ٣٣٩ : لو اشترى عبداً ثمّ مات المشتري وخلّف وارثين فوجدا به عيباً ، لم يكن لأحدهما ردّ حصّته خاصّة ؛ للتشقيص ، وهو عيب حدث
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٣.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٢.
(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لا ينظر ». والأولى ما أثبتناه من المصدر.
(٥) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لا ينظر ». والأولى ما أثبتناه من المصدر.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٢.
في يد المشتري ، لأنّ الصفقة وقعت متّحدة ، فلا يجب على البائع أخذه ، بل له الأرش خاصّة. ولو اتّفقا على الردّ ، جاز قطعاً ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة (١).
وفيه وجه آخر لهم : أنّه ينفرد ، لأنّه ردّ جميع ما ملك (٢) وليس بجيّد ؛ لما بيّنّا من اتّحاد الصفقة ، ولهذا لو سلّم أحد الابنين نصف الثمن ، لم يلزم البائع تسليم النصف إليه.
مسألة ٣٤٠ : لو اشترى رجلان عبداً من رجل صفقةً واحدة ثمّ وجدا به عيباً قبل أن يتصرّفا ، فالذي نذهب إليه أنّه ليس لهما الافتراق في الردّ والأرش ، بل إمّا أن يردّا معاً ويسترجعا الثمن ، أو يأخذا الأرش معاً ، وليس لأحدهما الردّ وللآخر الأرش وبه قال أبو حنيفة ومالك في رواية ، والشافعي في أحد القولين (٣) لأنّ العبد خرج عن ملك البائع دفعةً كاملاً والآن يعود إليه بعضه ، وبعض الشيء لا يشترى بما يخصّه من الثمن لو بِيع كلّه ، فلو ردّه إليه مشتركاً فقد ردّه ناقصاً ؛ لأنّ الشركة عيب ، فلم يكن له ذلك ، كما لو حدث عنده عيب.
وقال الشافعي في الثاني : له أن يردّ حصّته ويأخذ الآخر الأرش ـ وهو أصحّ قوليه عندهم ، وبه قال أبو يوسف ومحمد ، والرواية الثانية عن مالك ـ لأنّ النصف جميع ما ملكه بالعقد ، فجاز له ردّه بالعيب ، كجميع العبد لو اشتراه واحد (٤).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧.
(٣) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٥٠ ، المغني ٤ : ٢٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٤ : ٢٤٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧.
(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٤٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧ ، المبسوط للسرخسي ١٣ : ٥٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧٩ ، المغني ٤ : ٢٦٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٦.
وليس فيه عندي بُعْدٌ ، وقوّاه الشيخ (١) أيضاً ؛ إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقّصاً ، فالشركة حصلت باختياره ، فلم تمنع من الردّ ، بخلاف العيب.
مسألة ٣٤١ : لو انعكس الفرض فاشترى رجل عبداً من رجلين وخرج معيباً ، فله أن يُفرد نصيب أحدهما بالردّ قطعاً ؛ لأنّ تعدّد البائع يوجب تعدّد العقد. وأيضاً فإنّه لا يتشقّص على المردود عليه ما خرج عن ملكه.
مسألة ٣٤٢ : لو جوّزنا لكلٍّ من المشتريين من الواحد عبداً الانفراد فانفرد أحدهما وطلب الردّ وطلب الآخر الأرشَ ، بطلت الشركة ، ويخلص للممسك ما أمسك وللرادّ ما استردّ ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : أنّ الشركة باقية بينهما فيما أمسكه الممسك واستردّه الرادّ (٢).
وإن منعنا الانفراد ، فلا فرق بين ما ينتقص بالتبعيض وما لا ينتقص ، كالحيوان ، فإنّه ليس لأحدهما أن ينفرد بالردّ والآخر بالأرش.
وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ المانع ضرر التبعيض أو اتّحاد الصفقة (٣).
ولو أراد الممنوع من الردّ الأرشَ ، كان له ذلك ، سواء حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر بعتقه مثلاً وهو معسر أو لا.
وقالت الشافعيّة : إن حصل اليأس من إمكان ردّ نصيب الآخر ، فله أخذ الأرش. وإن لم يحصل ، نظر إن رضي صاحبه بالعيب ، فيبنى على أنّه لو اشترى نصيب صاحبه وضمّه إلى نصيبه وأراد أن يردّ الكلّ ويرجع
__________________
(١) الخلاف ٣ : ١١٠ ، المسألة ١٧٩.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧.
بنصف الثمن ، هل يجبر على قبوله؟ وجهان : إن قلنا : لا ، أخذ الأرش. وإن قلنا : نعم ، فكذلك في أصحّ الوجهين ؛ لأنّه توقّع بعيد.
وإن كان صاحبه غائباً لا يعرف الحال ، ففي الأرش وجهان من جهة الحيلولة الناجزة (١) (٢).
ولو تصرّفا في العبد ، لم يكن لهما الردّ ، وكان لهما الأرش. وكذا لو تصرّف أحدهما خاصّة ، كان لهما الأرش.
أمّا المتصرّف : فبتصرّفه أسقط حقّه من الأرش.
وأمّا الآخر : فلأنّه يبطل ردّه ببطلان ردّ الآخر.
ولو اشترى رجلان عبداً من رجلين ، كان كلّ واحد منهما مشترياً ربع العبد من كلّ واحد من البائعين ، فلكلّ واحد ردّ الربع إلى أحدهما إن جوّزنا الانفراد.
ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة ، كان كلّ واحد منهم مشترياً تُسْع العبد من كلّ واحدٍ من البائعين.
ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين ، فقد اشترى كلّ واحد من كلّ واحد ربع كلّ واحد ، فلكلّ واحد ردّ جميع ما اشترى من كلّ واحد عليه. ولو ردّ ربع أحد العبدين وحده ، ففيه قولا تفريق الصفقة (٣).
ولو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في اخرى إمّا من البائع الأوّل أو من غيره ، فله ردّ أحد البعضين خاصّةً ؛ لتعدّد الصفقة. ولو علم بالعيب
__________________
(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « النادرة » بدل « الناجزة » والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٧ ١٤٨.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٤٨.
بعد العقد الأوّل ولم يمكنه الردّ فاشترى الباقي ، فليس له ردّ الباقي ، وله ردّ الأوّل عند الإمكان.
مسألة ٣٤٣ : إذا أذن البائع للمشتري في التصرّف في مدّة الخيار فتصرَّف ، سقط خيارهما معاً ـ وبه قال الشافعي (١) إذ قد وُجد من كلٍّ منهما دلالة اللزوم وسقوط الخيار.
ثمّ التصرّف إن كان عتقاً ، نفذ ، وبطل خيارهما. وإن كان بيعاً أو هبةً أو وقفاً ، فكذلك عندنا.
وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّه منع من التصرّف بحقّ البائع ، فإذا أذن فيه ، زال المانع ، فصحّ التصرّف. والثاني : لا يصحّ تصرّفه ؛ لأنّه ابتدأ به قبل أن يتمّ ملكه. وعلى الوجهين جميعاً يلزم البيع ويسقط الخيار (٢).
مسألة ٣٤٤ : الخيار عندنا موروث ؛ لأنّه من الحقوق ، كالشفعة والقصاص في جميع أنواعه ، وبه قال الشافعي إلاّ في خيار المجلس ، فإنّه قال في البيوع : إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد ، فالخيار لوارثه. وقال في المكاتب : إذا باع فلم يتفرّقا حتى مات المكاتب ، فقد وجب البيع (٣). وظاهره أنّ الخيار يبطل بموته.
واختلفت الشافعيّة في ذلك على ثلاثة طرق :
__________________
(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٠٣ ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١١٨ ، المجموع ٩ : ٣٠٤.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٦ ٢٠٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٥ ـ ٣١٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٥٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥.
منهم مَنْ قال : إنّ الخيار لا يبطل بموت المكاتب أيضاً. وقوله : « فقد وجب البيع » أراد أنّ البيع لم يبطل بموته ، وإنّما هو باقٍ وإن كانت الكتابة قد انفسخت بموته.
ومنهم مَنْ قال : إنّ موت المكاتب يُسقط الخيار ، وموت غيره من الأحرار لا يُبطله على ظاهر النصّين. والفرق : أنّ السيّد ليس بوارث للمكاتب ، وإنّما يعود المكاتب رقيقاً ، وفسخه السيّد لحقّ الملك ، فلا ينوب منابه في الخيار ، بخلاف الحُرّ.
ومنهم مَنْ قال : إنّهما قولان ، فنقل جواب كلّ واحدة من المسألتين [ إلى (١) ] الأُخرى.
أحد القولين : يبطل خيار المجلس بالموت ؛ لأنّ ما بطل [ بالتفرّق ] (٢) بطل بالموت ، لأنّ الموت يحصل معه التفرّق أزيد ممّا يحصل مع التباعد.
والثاني : لا يبطل ؛ لأنّه خيار ثابت في العقد ، فلم يبطل بالموت ، كخيار الثلاث. ويخالف الموت التفرّق ؛ لأنّ الموت يكون بغير اختياره. ولأنّ بدنه موجود فهو بمنزلة المغمى عليه والمجنون (٣).
قالوا : فإن قلنا : يبطل بالموت ، لزم العقد. وإن قلنا : لا يبطل ، انتقل إلى وارثه.
ثمّ يُنظر إن كان حاضراً مع المتعاقدين ، اعتبر التفرّق ، وقام مقام
__________________
(١) إضافة يقتضيها السياق.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « بالتصرّف ». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٥٧ ٥٨ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٥ ١٠٦.
الميّت في ذلك. وإن لم يكن حاضراً في مجلس العقد ، فإنّه إذا بلغه ، اعتبر مفارقة المجلس الذي هو فيه ، فإن فارقه قبل أن يفسخ ، لزم العقد ، وبطل خياره.
وقال بعض الشافعيّة : له الخيار إذا نظر إلى السلعة ليعرف الحظّ في الإجازة والفسخ (١).
مسألة ٣٤٥ : خيار الشرط موروث لا يبطل بالموت عند علمائنا وبه قال الشافعي ومالك (٢) لأنّه حقّ للميّت ، فانتقل إلى الوارث ، كغيره من الحقوق. ولأنّه خيار ثابت في فسخ معاوضة لا يبطل بالجنون ، فلا يبطل بالموت ، كخيار الردّ بالعيب.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد : يبطل ؛ لأنّها مدّة مضروبة في البيع ، فوجب أن تبطل بالموت ، كالأجل (٣).
والفرق ظاهر ؛ فإنّ محلّ الأجل وهو الذمّة قد بطل. ولأنّ الوارث لا حكم له في تأخير ما يجب على الميّت ؛ لأنّه يكون مرتهناً به ، ويمنعون من التصرّف في التركة ؛ لأنّ صاحب الحقّ لم يرض بذمّة الوارث فلهذا حلّ ، بخلاف مدّة الخيار ؛ لأنّها ضُربت للتروّي وطلب الحظّ ، والوارث
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٧٩ ١٨٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٧ ٢٠٨.
(٢) التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٥ ٣١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣ ، المجموع ٩ : ٢٠٦ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ١٧٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٣ ، ١١٢٩ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٠ ، المغني ٤ : ٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٦.
(٣) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٣ ، ١١٢٩ ، الهداية للمرغيناني ٣ : ٣٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣١٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢١١ ، المغني ٤ : ٧١ ٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٦.
ينتفع بذلك ، فانتقل إليه من الموروث.
تذنيب : الوارث إن كان حاضراً ، ثبت له ما بقي من المدّة. وإن كان غائباً ، فإن بلغه الخبر في مدّة الخيار ، ثبت له الخيار من حين ما علم إلى انقضاء المدّة. وإن بلغه بعد انقضائها ، احتُمل أن يكون له الخيار على الفور ، كخيار الردّ بالعيب ؛ لأنّ مدّته قد سقطت. وسقوطُ الخيار ، وهو الذي عوّل عليه الشيخ (١) ، وهو جيّد ؛ لأنّه لو كان الموروث حيّاً ، لسقط خياره بانقضاء مدّته فكذا الوارث الذي يثبت له ما يثبت لمورّثه على حدّ ما ثبت له.
وللشافعي وجهان ، أحدهما : يكون له ما بقي من المدّة من حين موت مورّثه. والثاني : أنّه على الفور (٢).
مسألة ٣٤٦ : يجوز نقد الثمن في مدّة الخيار من غير كراهية وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٣) لأنّ القبض حكم من أحكام العقد ، فجاز في مدّة الخيار ، كالإجارة.
وقال مالك : يكره ؛ لأنّه يصير في معنى بيع وسلف ؛ لأنّه إذا أنقده الثمن ثمّ تفاسخا ، صار كأنّه أقرضه إيّاه ، فيكون قد اشتمل على بيع وقرض واجتمعا فيه (٤).
__________________
(١) الخلاف ٣ : ٢٨ ، المسألة ٣٨.
(٢) حلية العلماء ٤ : ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٢٠٨.
(٣) مختصر المزني : ٧٦ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢٩ ، المجموع ٩ : ٢٢٣ ، المغني ٤ : ٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٦.
(٤) حلية العلماء ٤ : ٢٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٦٣ ، المغني ٤ : ٧٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٨٦.
وهو غلط ؛ لأنّ القرض لم يثبت أوّلاً ، بل صار في ذمّته بعد الفسخ ، ولا منافاة بين البيع والقرض والسلف.
تذنيب : إذا دفع الثمن في مدّة الخيار ، جاز للمدفوع إليه التصرّف فيه ؛ لأنّه قد ملكه بالعقد ، واستقرّ ملكه عليه بتعيّن الدافع أو بتعيينه في العقد. ومَنَع الشافعي من جواز التصرّف فيه بعد قبضه (١). وليس بشيء.
مسألة ٣٤٧ : إذا تلف المبيع في زمن الخيار ، فإن كان قبل قبض المشتري له ، بطل العقد ؛ لأنّه لو تلف حينئذٍ والبيع لازم ، انفسخ ، فكذا حال جوازه. وإن تلف في يد المشتري ، لم يبطل الخيار ، وكان من ضمان المشتري ؛ لأصالة ثبوت الخيار ، واستصحاب الحال.
واختلفت الشافعيّة هنا ؛ لاختلاف قول الشافعي. قال أبو الطيّب : إنّ الشافعي قال في بعض كتبه : إنّ المبيع ينفسخ ، ويجب على المشتري القيمة. وقال في كتاب الصداق : يلزمه الثمن.
قال : ويحتمل أن يكون المراد بالثمن القيمة. ويحتمل أن يكون المراد به إذا كان الخيار للمشتري وحده وقلنا : إنّ المبيع ينتقل إليه بنفس العقد (٢).
وحكى أبو حامد عن الشافعي أنّ الخيار لا يسقط ، فإن فسخا العقد أو أحدهما ، وجبت القيمة. وإن أمضياه أو سكتا حتى انقضت المدّة ، بني الأمر على الأقوال التي له ، فإن قلنا : ينتقل بالعقد أو يكون مراعىً ، استقرّ عليه الثمن. وإن قلنا : لا ينتقل بالعقد ، أو قلنا : مراعى ، استقرّ الثمن
__________________
(١) الحاوي الكبير ٥ : ٦٣ ، المجموع ٩ : ٢٢٤.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
عليه (١). وإن قلنا : لا ينتقل إلاّ بانقضاء الخيار ، وجبت القيمة ؛ لأنّه تلف وهو ملك البائع (٢).
وقال أبو حامد : يضمن بالثمن ؛ لأنّه مسمّى ثبت بالعقد ، فلا يسقط مع بقاء العقد ، فإنّ القبض إذا وقع ، استقرّ البيع ، وإذا استقرّ ، لم ينفسخ بهلاك المبيع (٣).
قالت الشافعيّة : والطريقة الأُولى أصحّ ؛ لأنّه إذا قلنا : إنّ المبيع في ملك البائع فتلف ، لا يجوز أن ينتقل إلى المشتري بعد تلفه.
وما ذكره من أنّ العقد ثابت فيثبت به المسمّى غير مسلّم ؛ لأنّ العقد ينفسخ لما تعذّر إمضاء أحكامه بتلفه ، وأمّا إذا قلنا : إنّ المبيع في ملك المالك ، فلا يمكنه أن يثبت استقرار العقد بتلفه ؛ لأنّ في ذلك إبطالاً لخيار البائع ، فمتى شاء المشتري أتلفه وأبطل خياره ، ولا يمكن بقاؤه على حكم الخيار ؛ لأنّه إذا لم يتمّ حكم العقد بتلفه فلا يمكن إتمامه فيه بعد تلفه ، كما لا يمكن العقد عليه بعد ذلك (٤).
وأمّا ما ذكره من أنّ العقد يستقرّ به فليس بصحيح ؛ لأنّ القبض لا يستقرّ به العقد مع بقاء الخيار ، ولهذا لا يدخل الخيار في الصرف ؛ لوجوب التقابض فيه.
وعند أبي حنيفة أنّه إن كان الخيار للمشتري وحده ، تمّ العقد. وإن كان للبائع ، انفسخ (٥).
__________________
(١) كذا ورد قوله : « وإن قلنا : لا ينتقل .. استقرّ الثمن عليه » في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٥) انظر : مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٥٣ ، ١١٣٠.