الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦
السلام : « يصبون عليها الماء صباً من وراء الثياب » (١) واستحبّه الشيخ في كتابي الأخبار جمعاً بينهما (٢) ، وروي أنهم يغسلون مواضع الوضوء (٣).
مسألة ١٣٠ : لو كان مع الرجال الاجانب نساء كافرات ، قال علماؤنا : يأمر الرجال المسلمون امرأة من الكفار بالاغتسال ـ إمّا تعبدا ، أو لزوال النجاسة الطارئة ـ ثم يعلمها تغسيل المسلمات ، فتغسلها ، لقول الصادق عليهالسلام عن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ، ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، ومعها نصرانية ورجال مسلمون ، قال : « تغتسل النصرانية ، ثم تغسلها » (٤) وبه قال مكحول مع ذوي أرحامها أيضاً (٥) ، وغسلت امرأة علقمة امرأة نصرانية (٦) ، ومنع أكثر الجمهور من ذلك ، لأنّه عبادة فلا تصح من الكافر ، بل ييممها الرجال (٧).
مسألة ١٣١ : ولا يغسل الرجل إلّا رجل ، أو زوجته ، ذهب إليه العلماء كافة ـ إلّا رواية عن أحمد (٨) ـ قالت عائشة : لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما غسل رسول الله صلىاللهعليهوآله غير نسائه (٩). ووصّى أبو
__________________
١ ـ التهذيب ١ : ٤٤٢ / ١٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٢ / ٧١٢.
٢ ـ التهذيب ١ : ٤٤٢ ذيل الحديث ١٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٧١٢.
٣ ـ التهذيب ١ : ٤٤٣ / ١٤٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٠٣ / ٧١٥.
٤ ـ الكافي ٣ : ١٥٩ / ١٢ ، الفقيه ١ : ٩٥ / ٤٤٠ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ـ ٣٤١ / ٩٩٧.
٥ ـ المغني ٢ : ٣٩٧.
٦ ـ المغني ٢ : ٣٩٧.
٧ ـ المغني ٢ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣ ، المجموع ٥ : ١٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٢.
٨ ـ الشرح الكبير ٢ : ٣١١ ، المجموع ٥ : ١٣٢ و ١٤٩ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٤.
٩ ـ سنن البيهقي ٣ : ٣٨٧ ، سنن ابي داود ٣ : ١٩٧ / ٣١٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٧٠ / ١٤٦٤ ، مسند أحمد ٦ : ٢٦٧.
بكر أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس (١) ، ولقول الصادق عليهالسلام عن الرجل يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت ، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها ، وعن المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت : « لا بأس ، إنّما يفعل ذلك أهل المرأة ، كراهة أن ينظر زوجها إلى شيء يكرهونه » (٢).
فروع :
أ ـ قال في النهاية : تغسله هي أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب ولا يجردنه (٣). وأطلق في غيرها (٤) ، وهو الوجه ، والروايات المانعة (٥) محمولة على الاستحباب ، وكذا ما روي من اشتراط تغسيلها إياه من وراء الثياب (٦).
ب ـ لو طلق رجعيا ثم مات جاز لها أن تغسله ـ وروى المزني عن الشافعي المنع (٧) ـ ولو كان بائنا لم يجز.
ج ـ يجوز لام ولده أن تغسله ـ وهو أحد وجهي الشافعي (٨) ـ لأنّها لو ماتت غسلها فأشبهت الزوجين ، وأوصى زين العابدين عليهالسلام أن تغسله
__________________
١ ـ مصنف ابن ابي شيء بة ٣ : ٢٤٩ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٧.
٢ ـ الكافي ٣ : ١٥٧ / ٢ ، الفقيه ١ : ٨٦ / ٤٠١ ، التهذيب ١ : ٤٣٩ / ١٤١٧ ، الاستبصار ١ : ١٩٨ / ٦٩٨.
٣ ـ النهاية : ٤٢.
٤ ـ الخلاف ١ : ٦٩٩ مسألة ٤٨٦.
٥ ـ التهذيب ١ : ٤٤٠ / ١٤٢١ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ / ٧٠٢.
٦ ـ الكافي ٣ : ١٥٧ / ٤ ، التهذيب ٤٣٩ / ١٤١٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٧ / ٦٩٥.
٧ ـ اُنظر مختصر المزني : ٣٦.
٨ ـ المجموع ٥ : ١٣٧ و ١٤٦ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦.
اُم ولد إذا مات ، فغسلته (١).
وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، وهو الوجه الآخر للشافعي ، لأنّها عتقت بموت فصارت كالأجنبية (٢) ، والعتق بالموت لا يمنع الغُسل كالفرقة به ، وقد ناقض أبو حنيفة بأنها معتدة منه (٣) كما أن الزوجة معتدة منه.
د ـ لو لم تكن الامة اُم ولد احتمل أنها كام الولد ، والمنع لانتقال الملك إلى غيره ، ولم يكن بينهما من الاستمتاع ما تصير به في معنى الزوجات ، وكذا لو طلقها قبل الدخول.
هـ ـ لو كانت الزوجة كافرة ، لم يكن لها غسل زوجها إلّا مع عدم المحارم ، ومنع بعض الجمهور مطلقاًً ، لوجوب النيّة ، وليس الكافر من أهلها (٤).
و ـ لو تعذّر المسلم والزوجة ، جاز أن يغسله بعض محارمه من وراء الثياب ، لقول الصادق عليهالسلام : « إذا مات الرجل مع النساء ، غسلته امرأته ، فإن لم تكن امرأته ، غسلته أولاهن به وتلف على يدها خرقة » (٥) وقال عليهالسلام في الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلّا النساء ، هل تغسله النساء؟ قال : « تغسله امرأته أو ذات محرمه ، ويصب عليه الماء صبا من فوق الثياب » (٦).
__________________
١ ـ التهذيب ١ : ٤٤٤ / ١٤٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٠٠ / ٧٠٤.
٢ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ٧٦ ، المجموع ٥ : ١٣٧ ـ ١٣٨ و ١٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المغني ٢ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٢.
٣ ـ اللباب ٣ : ٨٢ ، بدائع الصنائع ٣ : ٢٠١.
٤ ـ المجموع ٥ : ١٤٥ ، المغني ٢ : ٣٩٥.
٥ ـ التهذيب ١ : ٤٤٤ / ١٤٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٨ / ٦٩٦.
٦ ـ الكافي ٣ : ١٥٧ / ٤ التهذيب ١ : ٤٣٩ / ١٤١٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٦٩٥.
ز ـ لو مات ولا مسلم هناك ولا ذات رحم ، فإن كان هناك كافر ، أمر بعض النساء المسلمات رجلاً كافراً بالاغتسال ، وعلّمنه غسل أهل الإسلام ، ثم يغسله كذلك ، لقول الصادق عليهالسلام في مسلم مات وليس معه رجل مسلم ، ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ، قال : « يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر » (١) ومنع الجمهور من ذلك (٢).
وإن لم يكن معه أحد من الكفار ، قال علماؤنا : يدفن من غير غسل ، ولا تيمم ، لأنّ النظر إليه حرام ، وبه قال الاوزاعي (٣).
وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ولا يغسل ـ وبه قال مالك ، وأبو حنيفة ـ لأنّ في غسله النظر إلى من ليس له بمحرم (٤) ، والثاني : يغسّل من فوق الثوب ويصب الماء من تحته ، ويمر الغاسل يده عليه وعلى يده خرقة ، وبه قال النخعي (٥) ، وعن أحمد روايتان كالوجهين (٦).
ح ـ لو غسله الكافر لتعذر المسلم وذات الرحم ، أو غسلت الكافرة المسلمة ، ثم وجد مسلم أو مسلمة ، فالوجه إعادة الغُسل ما لم يدفن ، لأنّه ساغ للضرورة وقد زالت ، ولم تحصل الطهارة.
ط ـ لو كان الميت خنثى مشكلاً ، فإن كان صغيراً ، فللرجال والنساء
__________________
١ ـ الكافي ٣ : ١٥٩ / ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ / ٩٩٧.
٢ ـ المغني ٢ : ٣٩٧ ، فتح العزيز ٥ : ١١٤ ، بُلغة السالك ١ : ١٩٤.
٣ ـ المجموع ٥ : ١٥٢.
٤ ـ الشرح الصغير ١ : ١٩٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧١ ، المجموع ٥ : ١٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤.
٥ ـ المجموع ٥ : ١٤١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦.
٦ ـ المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤.
غسله ، وإن كان كبيراً ، فإن كان له ذو رحم محرم من الرجال أو النساء غسله ، وإن لم يكن فالوجه دفنه من غير غسل.
وللشافعي وجهان ، أحدهما : ييمَّم ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ والثاني : يُغَسَّل (٢). ومن يُغَسِّل؟ للشافعية وجوه :
أ ـ يشترى من تركته جارية تغسله ، فإن لم تكن تركة فمن بيت المال ، وهو خطأ لأنّتفاء الملك عنه ، إذ الميت لا يملك شيئاً ، ولا استصحاب هنا.
ب ـ هو في حق الرجال كالمرأة ، وفي حق النساء كالرجل.
ج ـ الأظهر أنّه يجوز للرجال والنساء غسله استصحاباً لما كان في الصغر ، وهو خطأ لأنّتفاء المقتضي في الصغر وهو انتفاء الشهوة (٣).
مسألة ١٣٢ : إذا ازدحم جماعة يصلحون للغسل ، فإن كان الميت رجلاً فأولاهم به أولاهم بالميراث ، ولو كان هناك رجال أباعد ومحارم من النساء ، جاز لهن تولي غسله ـ قاله في المبسوط (٤) ـ فإن لم يكن محارم فكالأجنبيات.
وقال الشافعي : يترتبون في الغُسل كالصلاة ، الاب ثم الجد ، ثم الابن ، [ ثم ابن الابن ) (٥) ثم الاخ ، ثم ابنه ، ثم العم ، ثم ابنه (٦) ، وهل تقدم زوجته على هؤلاء؟ له وجهان : التقدم لأنّ لها النظر إلى عورته
__________________
١ ـ المجموع ٥ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤.
٢ ـ المجموع ٥ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ٧٣.
٣ ـ المجموع ٥ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ٧٣.
٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥.
٥ ـ الزيادة من المصدر.
٦ ـ المجموع ٥ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٨ ، الوجيز ١ : ٧٣.
بخلاف القرابات ، فكانت أولى (١).
وإن كان الميت امرأة ، فالزوج عندنا أولى من كلّ أحد في جميع أحكامها من الغُسل وغيره ، سواء كان الغير رجلاً أو امرأة قريباً أو بعيداً.
وللشافعي في أولوية الزوج على النساء والقرابات من الرجال وجهان : التقديم ، لأنّه ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، وأظهرهما : تقديمهن عليه ، لأنّ الاُنثى أليق بالأنّثى.
وتقديمه على الرجال الأقارب لأنّهم جميعاً ذكور ، وهو ينظر إلى ما لا ينظرون إليه ، ووجه تقديمهم أن النكاح ينتهي بالموت ، وسبب المحرمية باقٍ (٢).
وإن لم يكن هناك زوجة ولا رجل ، فإن كان لها فيهن رحم محرم ـ بمعنى أنّه لو كان رجلاً لم يحل له نكاحها كأمها وجدتها وبنتها ـ فهي أولى من كلّ أحد ، ويترتبن ترتب الارث ، فإن كان فيهن ذات رحم لا محرم كبنت العمة فهي أولى من الاجنبيات.
وإن كان هناك رجال بلا نساء ، فإن كان لها فيهم محرم ، فهو أولى ، وإن لم يكن محرم فكالأجنبي ، فإن اجتمع رجال ونساء من القرابات فالنساء أولى ، لأنّهن أعرف وأوسع في باب النظر إليهن.
وجميع ما ذكرناه من التقديم مشروط بالاسلام ، فالكافر كالمعدوم ، حتى يقدم المسلم الأجنبي على القريب المشرك ، ولو سلم من له التقدمه الغُسل لغيره ، فله القيام به بشرط اتحاد الجنس.
مسألة ١٣٣ : لا يغسل الرجل أجنبية ، ولا المرأة أجنبياً ، وهو قول أكثر
__________________
١ ـ المجموع ٥ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٨.
٢ ـ المجموع ٥ : ١٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٨ ، الوجيز ١ : ٧٣.
العلماء ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، وحماد ، ومالك ، وأصحاب الرأي ، وابن المنذر ، والشافعي في أحد الوجهين ، وأحمد في إحدى الروايتين لتحريم النظر ، وفي الاُخرى : يغسل من فوق القميص (١) ، وهو قول الحسن ، ومكحول ، والشافعي في الآخر (٢) وقد تقدم.
مسألة ١٣٤ : أجمع العلماء على أن للنساء غسل الطفل مجرداً من ثيابه وإن كان أجنبياً ، اختياراً واضطراراً ، لأنّ المرأة تربيه ولا تنفك عن الاطلاع على عورته لكن اختلفوا في تقديره ، فلعلمائنا قولان ، قال الشيخ : تغسل ابن ثلاث سنين (٣) ، وهو أولى ، لقول أبي عبد الله عليهالسلام وقد قيل له : حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال : « إلى ثلاث سنين » (٤) ولأنّه وفاق.
وقال المفيد وسلار : يغسل ابن خمس سنين مجردا ، وإن كان أكبر صبت الماء عليه صبا (٥).
وقال الحسن : إذا كان فطيماً أو فوقه. وقال الأوزاعي : ابن أربع أو خمس. وقال أصحاب الرأي : الذي لم يتكلم (٦) ، وقال أحمد : دون سبع سنين ، لأنّه لا عورة له (٧).
__________________
١ ـ بُلغة السالك ١ : ١٩٤ ، المجموع ٥ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤ ، الإنصاف ٢ : ٤٨٣.
٢ ـ المجموع ٥ : ١٥١ ، فتح العزيز ٥ : ١٢٦ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤ ، الإنصاف ٢ : ٤٨٣.
٣ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٧٦.
٤ ـ الكافي ٣ : ١٦٠ / ١ ، الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣١ ، التهذيب ١ : ٣٤١ / ٩٩٨.
٥ ـ المقنعة : ١٣ ، المراسم : ٥٠.
٦ ـ المجموع ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣ ، المغني ٢ : ٣٩٦.
٧ ـ الإنصاف ٢ : ٤٨١ ، المغني ٢ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٣.
مسألة ١٣٥ : وكذا للرجل غسل الصبية إجماعاً منّا ، لكن اختلف علماؤنا ، فالشيخان جوّزا بنت ثلاث سنين مجردة ، فإن كانت أكبر غسلوها في ثيابها (١) ، وقال الصدوق : إنّ كانت بنت خمس سنين تدفن ولا تغسل ، وإن كانت أقل غسلت (٢) ، لرواية محمد بن يحيى (٣) ، وهي مرسلة ، والأول أقرب كالصبي.
وقال الثوري : تغسل المرأة الصبي ، والرجل الصبية ، وغسل أبو قلابة بنتاً له ، وسوغه الحسن ، وكرهه أحمد ، والزهري (٤).
مسألة ١٣٦ : الصبي إذا غسل الميت ، فإن كان مميزاً فالوجه الجواز ، لأنّه تصح طهارته ، فصح أن يطهر غيره كالكبير ، ويحتمل المنع ، لأنّه ليس من أهل التكليف ، ويصح أن يغسل المحرم الحلال وبالعكس ، لأنّ كلّ واحد منهما تصح طهارته وغسله ، فكان له أن يطهر غيره.
البحث الثالث : المحل.
مسألة ١٣٧ : يجب غسل كلّ مسلم للأمر به ، ولا يجب تغسيل الكافر ، ذمياً كان أو حربياً ، مرتداً كان أو أصلياً ، قريباً كان أو بعيداً ، ولا يجوز ذلك ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال مالك ، وأحمد في رواية (٥) ـ لأنّتفاء التطهير عنه ، ولأنّه لا يُصَلّى عليه ، ولا يدعى له ، فلم يكن له (٦) غسله.
__________________
١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٧٦ ، المقنعة : ١٣.
٢ ـ المقنع : ١٩.
٣ ـ الفقيه ١ : ٩٤ / ٤٣٢.
٤ ـ المغني ٢ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٤.
٥ ـ بُلغة السالك ١ : ١٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ، المغني ٢ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٥ ، المجموع ٥ : ١٥٣.
٦ ـ الضمير في ( له ) يقصد به الغاسل.
وقال الشافعي : يجوز له غسل قريبه الكافر ـ وهو رواية عن أحمد (١) ـ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمر علياً عليهالسلام بمواراة أبيه (٢) ، ولأن غسله من المعروف ، فيدخل تحت قوله : ( وصاحبهما في الدنيا معروف ) (٣) والجواب أن أبا طالب مات مسلماً ، وقد اشتهر النقل بذلك (٤) ، والغسل من اُمور الآخرة.
فروع :
أ ـ لو ماتت الذمّيّة تحت المسلم لن يغسلها ، وقال الشافعي : له أن يغسلها لأنّ النكاح كالقرابة (٥).
ب ـ أولاد المشركين يجرون مجرى آبائهم في عدم التغسيل ، كما أن أولاد المسلمين كآبائهم في وجوبه.
ج ـ قال المفيد : لا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفاً في الولاية ، ولا يصلّي عليه ، إلّا أن تدعوه ضرورة فيغسله غسل أهل الخلاف (٦).
د ـ ولد الزنا يغسل ، وبه قال الشيخ (٧) ، ومن قال من أصحابنا بكفره (٨)
__________________
١ ـ المجموع ٥ : ١٤٢ ، الاُم ١ : ٢٦٦ ، المهذب ١ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٣١٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٧.
٢ ـ سنن النسائي ٤ : ٧٩ ، مسند أحمد ١ : ٩٧ و ١٠٣ و ١٣١ ، سنن ابي داود ٣ : ٢١٤ / ٣٢١٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٨ ، مصنف ابن ابي شيء بة ٣ : ٣٤٧.
٣ ـ سورة لقمان : ١٥.
٤ ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١٤ : ٧١ ، السيرة النبوية لزيني دحلأنّ ١ : ٤٣ ـ ٤٩ ، تاريخ ابن كثير ٢ : ١٢٣ ، خزانة الأدب للبغدادي ٢ : ٧٦.
٥ ـ المجموع ٥ : ١٤٤.
٦ ـ المقنعة : ١٣.
٧ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨٢.
٨ ـ هو ابن إدريس في السرائر : ٨١ و ١٨٣ و ٢٤١ و ٢٨٧.
منع من غسله.
مسألة ١٣٨ : ويجب تغسيل أموات المسلمين من الكبار والصغار ، حتى السقط إذا استكمل أربعة أشهر ـ وبه قال سعيد بن المسيب ، وابن سيرين ، واسحاق ، وأحمد (١) ـ لأنّه مات بعد حياته فيجب غسله ، لما روى الجمهور أن الملائكة غسلت آدم عليهالسلام ، وقالوا لولده : هذه سنة موتاكم (٢).
ومن طريق الخاصة ما رواه أحمد بن محمد عمن ذكره ، قال : إذا اتم للسقط أربعة أشهر غسل (٣).
وقال أبو حنيفة ، ومالك : يدرج في خرقة ويدفن إلّا أن يستهل لأنّه لم يثبت له حكم الحياة ، ولا يرث ولا يورث ، والإرث منتف لعدم العلم بحياته حال موت مورثه (٤) ، وللشافعي كالمذهبين (٥).
فروع :
أ ـ لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ، ولف في خرقة ودفن ، وهو مذهب العلماء كافة ، إلّا ابن سيرين فإنه قال : يُصَلّى عليه (٦).
__________________
١ ـ المغني ٢ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٣.
٢ ـ مسند أحمد ٥ : ١٣٦.
٣ ـ التهذيب ١ : ٣٢٨ / ٩٦٠.
٤ ـ المغني ٢ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٠٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٩٣.
٥ ـ المجموع ٥ : ٢٥٥ ، المغني ٢ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٣.
٦ ـ المغني ٢ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٣.
ب ـ لو وجد ميّت لا يعلم أمسلم هو أم كافر ، نظر إلى العلامات كالختان ، فإن لم تكن عليه علامة ، وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه ، وإلّا فلا.
ج ـ صدر الميت كالميت في أحكامه كلها ، وفي وجوب تحنيطه إشكال ينشأ من اختصاصه بالمساجد ، ومن الحكم بالمساواة.
وغير الصدر ، إن كان فيه عظم ، غسل ، ولف في خرقة ، ودفن ، قال سلار : ويحنط (١) ـ وهو حسن (٢) إن كان أحد المساجد وجوباً ، وإلّا فلا ـ وإلّا لفّ من غير غسل ودفن.
د ـ لو ابينت قطعة من حي وفيها عظم ، قيل : تدفن من غير غسل ، لأنّها من جملة لا تغسل (٣) ونمنع التعليل ، لأنّ القطعة ميتة ، وكل ميّت يغسل ، والجملة تغسل لو ماتت.
مسألة ١٣٩ : الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أهل العلم إلّا الحسن ، وسعيد بن المسيب ، فإنهما أوجبا غسله ، لأنّه ما مات ميّت إلّا جنب (٤). وفعل النبيّ صلىاللهعليهوآله أحق بالاتباع ، وقد أمر بدفن شهداء احد ، وقال : ( زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيمة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) (٥) وقال الصادق عليهالسلام : « الذي يقتل في سبيل الله يدفن في
__________________
١ ـ المراسم : ٤٦.
٢ ـ في نسخة ( ش ) : حق.
٣ ـ قال به المحقق في المعتبر : ٨٦.
٤ ـ المجموع ٥ : ٢٦٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٧ ، الكفاية ٢ : ١٠٤ ، المغني ٢ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٨ ، سبل السلام ٢ : ٥٤٨.
٥ ـ مسند أحمد ٥ : ٤٣١ ، سنن النسائي ٤ : ٧٨ ، سنن البيهقي ٤ : ١١ و ٩ : ١٦٤ ـ ١٦٥ و ١٧٠ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٣٠ / ٤٥٦٣.
ثيابه ولا يغسل إلّا أن يدركه المسلمون وبه رمق ، ثم يموت بعد ، فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ، ولكنه صلّى عليه » (١).
فروع :
أ ـ لو كان الشهيد جنباً ، قال الشيخ : لم يغسل (٢) ، وبه قال مالك (٣) ، لعموم الخبر في الشهداء (٤) ، وقال ابن الجنيد والمرتضى : يغسل (٥) ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٨) ، وللشافعي كالمذهبين (٧) ، لأنّ حنظلة بن الراهب قتل يوم احد (٨) ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : ( ما شأن حنظلة ، فإني رأيت الملائكة تغسله ) فقالوا : إنّه جامع ثم سمع الهيعة (٩) فخرج إلى القتال (١٠).
__________________
١ ـ الكافي ٣ : ٢١٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ٣٣٢ / ٩٧٣.
٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨٢.
٣ ـ المغني ٢ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٩ ، بُلغة السالك ١ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٧.
٤ ـ سنن النسائي ٤ : ٧٨ ، مسند أحمد ٥ : ٤٣١ ، الجامع الصغير ٢ : ٣٠ / ٤٥٦٣.
٥ ـ حكى قولهما المحقق في المعتبر : ٨٤.
٦ ـ المغني ٢ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٤ ، اللباب ١ : ١٣٤.
٧ ـ المجموع ٥ : ٢٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٧ ، الوجيز ١ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٩.
٨ ـ احد : جبل من جبال المدينة على بعد ميلين أو ثلاثة منها ، واتفقت غزوة احد فيها ، وذلك في سنة ثلاث من الهجرة لسبع خلون من شوال وقيل للنصف منه ، وكانت راية رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، واختص بحسن البلاء فيها والصبر وثبوت القدم ، عندما زلت من غيره الاقدام. راجع السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ٦٤ ، السيرة الحلبية ٢ : ٢١٦ ، المغازي للواقدي ١ : ١٩٩ ، تاريخ الطبري ٢ : ٤٩٩ ، الإرشاد للمفيد : ٤٣.
٩ ـ الهيعة والهائعة : الصوت تفزع منه وتخافه من عدو. القاموس المحيط ٣ : ١٠١ « هيع ».
١٠ ـ المستدرك الحاكم ٣ : ٢٠٤ ، سنن البيهقي ٤ : ١٥ ، اسد الغابة ٢ : ٥٩ ، الاصابة ١ : ٣٦١ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ٧٩.
ب ـ لو طهرت المرأة من حيض ، أو نفاس ، ثم استشهدت لم تغسل للعموم (١). وقال أحمد : تغسل كالجنب ، ولو قتلت في الحيض ، أو النفاس ، سقط الغُسل عنده ، لأنّ الطُهر منهما شرط فيه (٢).
ج ـ المرأة كالرجل ، والعبد كالحر ، والصبي كالبالغ وإن كان رضيعا ـ وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وأبو ثور ، وابن المنذر (٣) ـ لأنّه مسلم قتل في معركة والمشركين فكان كالبالغ ، ولأنّه كان في قتلى احد وبدر (٤) أطفال كحارثة بن النعمان ، وعمر بن أبي وقاص ، ولم ينقل أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله غسلهم ، وفي يوم الطف (٥) قتل ولد رضيع للحسين عليهالسلام ولم يغسله ، وقال أبو حنيفة : لا يثبت حكم الشهادة
__________________
١ ـ مسند أحمد ٥ : ٤٣١ ، سنن النسائي ٤ : ٧٨ ، سنن البيهقي ٤ : ١١ و ٩ : ١٦٤ ـ ١٦٥ و ١٧٠ ، الجامع الصغير ٢ : ٣٠ / ٤٥٦٣ ، الكافي ٣ : ٢١٠ ـ ٢١٢ / ١ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٩٧ / ٤٤٦ و ٤٤٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ـ ٢١٤ / ٧٥٣.
٢ ـ المغني ٢ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٢٩.
٣ ـ المجموع ٥ : ٢٦٦ ، المغني ٢ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٤ ، شرح العناية ٢ : ١٠٧.
٤ ـ بدر : اسم بئر كانت لرجل يدعى بدراً ، وفيها دارت رحى أول حرب خاضها المسلمون ، وذلك في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه ، على رأس تسعة عشر شهراً من هجرته صلىاللهعليهوآله . السيرة النبوية لابن كثير ٢ : ٣٨٠ ، السيرة النبوية لابن هشام ٢ : ٢٥٧ ، تاريخ الطبري ٢ : ٤٢١ ، الإرشاد للمفيد : ٣٨.
٥ ـ يوم الطف : هو عاشر محرم الحرام من سنة احدى وستين يوم استشهاد سيد الشهداء الامام الحسين عليهالسلام على يد الاراذل الامويين من الشجرة الملعونة. كشف الغمة ٢ : ٤٥ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٨٤ ، ترجمة الامام الحسين عليهالسلام من تاريخ ابن عساكر : ١٦٥ ، تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٠ ، اعلام الورى : ٢٢٠ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٤٦ ، الاحتجاج : ٣٠١ ، مقتل الحسين للخوارزمي ٢ : ٣٢.
لغير البالغ ، لأنّه ليس من أهل القتال (١). ويبطل بالمرأة.
د ـ شرط الشيخان في سقوط غسل الشهيد ، أن يقتل بين يدي إمام عادل في نصرته ، أو من نصبّه (٢).
ويحتمل اشتراط تسويغ القتال ، فقد يجب القتال ، وإن لم يكن الامام موجودا ، لقولهم عليهمالسلام : « إغسل كلّ الموتى إلّا من قتل بين الصفين » (٣).
هـ ـ كلّ مقتول في غير المعركة يغسل ، ويكفن ، ويحنط ، ويُصلّى عليه ، وإن قتل ظلما ، أو دون ماله ، أو نفسه ، أو أهله ، ذهب إليه علماونا أجمع ـ وبه قال الحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد في رواية (٤) ـ لقول الصادق عليهالسلام : « إغسل كلّ الموتى ، إلّا من قتل بين الصفين » (٥).
وقال الشعبي ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في رواية : لا يغسل (٦) ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوآله : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) (٧).
و ـ النفساء تغسل ، وتكفن ، ويُصلّى عليها ، وهو مذهب العلماء
__________________
١ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٤ ، شرح العناية ٢ : ١٠٧ ، المجموع ٥ : ٢٦٦ ، المغني ٢ : ٤٠٠.
٢ ـ المقنعة : ١٢ ، المبسوط للطوسي ١ : ١٨١.
٣ ـ الكافي ٣ : ٢١٣ / ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ ، والرواية فيها موقوفة.
٤ ـ المغني ٢ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢ ، بُلغة السالك ١ : ٢٠٤ ، المجموع ٥ : ٣٦٨ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٤.
٥ ـ الكافي ٣ : ٢١٣ / ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣ والرواية فيها موقوفة.
٦ ـ المغني ٢ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٧ ـ صحيح البخاري ٣ : ١٧٩ ، صحيح مسلم ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ٢٢٦ ، سنن النسائي ٧ : ١١٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٦١ / ٢٥٨٠ ، سنن ابي داود ٤ : ٢٤٦ / ٤٧٧٢ ، سنن الترمذي ٤ : ٢٨ ـ ٣٠ / ١٤١٨ ـ ١٤٢١ ، مسند أحمد ١ : ١٨٧ و ١٨٩ و ١٩٠ ، الفقيه ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٨.
كافة ، إلّا الحسن قال : لا يُصَلّى عليها لأنّها شهيدة (١) ، وفعل النبيّ صلىاللهعليهوآله بخلافه ، فإنه صلّى على امرأة ماتت في نفاسها (٢) وتسميتها شهيدة للمبالغة في عظم ثوابها.
ز ـ المطعون والمبطون والغريق ، والمهدوم عليه يغسلون بالإجماع ، وتسميتهم شهداء باعتبار الفضيلة.
ح ـ لا فرق في الشهيد بين من قتل بالحديد ، والخشب ، والصدم ، واللطم باليد أو الرجل ، عملاً بإطلاق اللفظ.
ط ـ لو عاد عليه سلاحه فقتله ، فهو كالمقتول بأيدي العدو ، لأنّه قتل بين الصفين ، وقال رجل من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله : أغرنا على حي من جهينة ، فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأ فأصاب نفسه بالسيف ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( أخوكم يا معشر المسلمين ) فابتدر الناس ، فوجدوه قد مات ، فلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله بثيابه ، ودمائه ، وصلّى عليه ، فقالوا : يا رسول الله أشهيد هو؟ قال : ( نعم ، وأنا له شهيد ) (٣).
ي ـ لو وجد غريقاً أو محترقاً في حال القتال ، أو ميتاً لا أثر فيه ، قال الشيخ : لا يغسل (٤) ـ وبه قال الشافعي (٥) ـ لاحتمال أنّه مات بسبب من أسباب القتال.
__________________
١ ـ المغني ٢ : ٤٠٣.
٢ ـ صحيح البخاري ٢ : ١١١ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٦٤ / ٩٦٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٠٩ / ٣١٩٥ مسند أحمد ٥ : ١٩ ، سنن النسائي ٤ : ٧٢.
٣ ـ سنن ابي داود ٣ : ٢١ / ٢٥٣٩.
٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨٢.
٥ ـ المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٢.
وقال ابن الجنيد : يغسل (١) ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لوجوب الغُسل في الأصل ، وقول الشيخ جيد.
يا ـ قال الشافعي : القتال الذي يثبت به حكم الشهادة هو أن يقتل المسلم في معترك المشركين بسبب من أسباب قتالهم ، مثل أن يقتله المشركون ، أو يحمل على قوم منهم فيتردى في بئر أو يقع من جبل ، أو يسقط من فرسه ، أو يرفسه فرس غيره ، أو يرجع سهم نفسه عليه فيقتله (٣) ، وهو جيد.
فإن انكشف الصف عن مقتول من المسلمين ، لم يغسل وإن لم يكن به أثر ، وقال أبو حنيفة وأحمد : إن لم يكن أثر غسل (٤) ، قال أبو حنيفة : فإن كان دمه يخرج من عينه أو اذنه لم يغسل ، وإن كان يخرج من أنفه أو ذكره أو دبره غسل (٥).
يب ـ لو نقل من المعركة وبه رمق ، أو انقضى الحرب وبه رمق ، غسل ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (٦) ـ سواء أكل أو لا ، وصى أو لم يوص ، للأصل الدال على وجوب الغُسل ، وقال الصادق عليهالسلام : « الشهيد
__________________
١ ـ حكاه المحقق في المعتبر : ٨٤.
٢ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥١.
٣ ـ الاُم ١ : ٢٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٥٠ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠١ ، المجموع ٥ : ٢٦١ و ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٢ ، السراج الوهاج : ١١٠.
٤ ـ اللباب ١ : ١٣٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥١ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٠٤ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٠ ، زاد المستقنع : ٢٢ ـ ٢٣ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٢.
٥ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥١ ـ ٥٢ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ١٣٣ ، الجامع الصغير : ١١٩.
٦ ـ الاُم : ٢٦٨ ، المجموع ٥ : ٢٦١ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ٣٥٠ ، الوجيز ١ : ٧٥ ، المغني ٢ : ٤٠٠.
إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلي عليه ، وإن لم يكن به رمق دفن في أثوابه»(١).
وقال مالك : لا اعتبار بتقضي الحرب ، بل بأن يأكل ، أو يشرب ، أو يبقى يومين أو ثلاثة ، فيغسل حينئذ (٢).
وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا خرج عن صفة القتل وصار إلى حال الدنيا نقص بذلك حكم الشهادة ، مثل أن يأكل أو يشرب ، أو يوصي ، فأما غير ذلك فلم يخرج بذلك عن صفة القتلى ، لأنّ القتيل قد يبقى فيه النفس ، ومعنى الشهادة حاصل في حقه (٣) ، وليس بجيد ، لأنّه مات بعد تقضي الحرب ، فلم يثبت له حكم الشهادة ، كما لو أوصى.
مسألة ١٤٠ : إذا قتل أهل البغي أحدا من أهل العدل ، فهو شهيد ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال أبو حنيفة (٤) ، لأنّ علياً عليهالسلام لم يغسل من قتل معه (٥) ، وأوصى عمار أن لا يغسل ، وقال : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم (٦) ، وأوصى أصحاب الجمل إنا مستشهدون غداً ، فلا تنزعوا عنا ثوباً ولا تغسلوا عنا دماً (٧).
__________________
١ ـ الكافي ٣ : ٢١١ / ٣ ، الفقيه ١ : ٩٧ / ٤٤٦ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧١ ، الاستبصار ١ : ٢١٤ / ٧٥٧.
٢ ـ المدونة الكبرى ١ : ١٨٣ ، القوانين الفقهية : ٩٣ ، المغني ٢ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٥.
٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥١ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢١ ، اللباب ١ : ١٣٤ ، المغني ٢ : ٤٠١.
٤ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٢٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٠٣ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٢ ـ ١٥٣ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٥ ـ المغني ٢ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٦ ـ مصنف ابن ابي شيء بة ٣ : ٢٥٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٠.
٧ ـ مصنف ابن ابي شيء بة ٣ : ٢٥٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٠.
وقال مالك : يغسل (١) ، وللشافعي كالقولين (٢) ، وعن أحمد روايتان (٣) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر غسلت ابنها عبد الله بن الزبير (٤) ، وليس بجيد ، لأنّه اخذ وصلب فهو كالمقتول ظلما ، وليس بشهيد في المعركة.
أما الباغي فللشيخ قولان ، في المبسوط والخلاف : لا يغسل ، ولا يكفن ، ولا يُصَلّى عليه ، سواء مات في المعركة أو لا ، واستدل بأنه كافر (٥) ـ وبه قال أبو حنيفة (٦) ـ لأنّهم جماعة ليس لهم منعة وقوة باينوا أهل الحق بدار وقتال ، فلا يغسلون ، ولا يُصَلّى عليهم كأهل دارالحرب.
وقال في سير الخلاف : يغسل ويُصلّى عليه (٧) ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد (٨) ـ لقوله عليهالسلام : ( صلوا على من قال لا إله إلّا الله ) (٩) ولأنّه مسلم قتل بحق ، فأشبه الزاني.
مسألة ١٤١ : أهل القافلة إذا قتلهم اللصوص غسلوا وكفنوا وصلي عليهم
__________________
١ ـ المدونة الكبرى ١ : ١٨٤ ، تفسير القرطبي ٤ : ٢٧٢ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٣ ـ ١٥٤.
٢ ـ الوجيز ١ : ٧٥ ، المجموع ٥ : ٢٦١ و ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٢ ، السراج الوهاج : ١١٠ ، مغني المحتاج ١ : ٣٥٠ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٣ ـ المغني ٢ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٤ ـ سنن البيهقي ٤ : ١٧.
٥ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨٢ ، الخلاف ١ : ٧١٤ مسألة ٥٢٤.
٦ ـ اللباب ١ : ١٣٥ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٤.
٧ ـ الخلاف : كتاب البغاة مسألة ١٣.
٨ ـ المجموع ٥ : ٢٦١ و ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٣٩ ، المغني ٢ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٩ ـ سنن الدارقطني ٢ : ٥٦ / ٣ و ٤. مجمع الزوائد ٢ : ٦٧ ، الجامع الصغير ٢ : ٩٨ / ٥٠٣٠.
ودفنو ـ وبه قال مالك ، وأحمد ، وللشافعي قولان (١) ـ للعموم (٢).
وقال أبو حنيفة : من قتل ظلماً بحديد فإنه لا يغسل كالشهيد ، ومن قتل بمثقل غسل (٣). وهو خطأ لأنّ علياً عليهالسلام قتل بحديد ، وكذا عمر ، وغسلاً (٤).
ولو قتل اللص وقاطع الطريق ، غسل وكفن وصلي عليه ودفن ، لأنّ الفسق لا يمنع هذه الاحكام.
مسألة ١٤٢ : قال الشيخان : من وجب عليه القود أو الرجم ، امر بالاغتسال والتحنط ، ثم يقام عليه الحد ويدفن (٥) ، ووافقهما الصدوق ، وزاد تقديم الكفن أيضاً (٦) ، لأنّ الصادق عليهالسلام قال : « المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ، ويُصلّى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك ، يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ويُصلّى عليه » (٧).
وقال الشافعي : المقتول قصاصاً ، أو رجماً ، يغسل ويُصلّى عليه (٨) ، والظاهر أن مراده بعد موته.
__________________
١ ـ الاُم ١ : ٢٦٨ ، المجموع ٥ : ٢٦٢ ، المدونة الكبرى ١ : ١٨٤ ، المغني ٢ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٣٣٢.
٢ ـ الكافي ٣ : ٢١٣ / ٧ ، التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ / ٧٥٣.
٣ ـ المبسوط للسرخسي ٢ : ٥٢ ، المجموع ٥ : ٢٦٧ ، فتح العزيز ٥ : ١٥٥ ، الميزان ١ : ٢٠٩.
٤ ـ اُنظر المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٣١٢ ، كشف الغمة ١ : ٤٢٩ ، الكامل في التاريخ. ٣ : ٥٠ ، تاريخ الخميس ٢ : ٢٤٩ ، الطبقات الكبرى ٣ : ٣٣٧ ، تاريخ الطبري ٤ : ١٩١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٦ و ١٧.
٥ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨١ ، المقنعة : ١٣.
٦ ـ المقنع : ٢٠.
٧ ـ الكافي ٣ : ٢١٤ ـ ٢١٥ / ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ / ٤٤٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٤ / ٩٧٨.
٨ ـ الاُم ١ : ٢٦٨ ، الوجيز ١ : ٧٥ ، المجموع ٥ : ٢٦٢ و ٢٦٧.
فروع :
أ ـ لا يجب غسله ثانياً ، ولكن يُصَلّى عليه إذا كان مسلماً.
ب ـ لو مسّه بعد القتل ، لم يجب عليه الغُسل ، لأنّه مغتسل وقد طهر به ، وإلّا انتفت فائدته ، وتقديم الغسل يمنع من تجدد النجاسة بالموت ، لتحقق الطهارة به.
ج ـ الشهيد لا يجب بمسه الغُسل ، لطهارته.
د ـ لو اغتسل المقتول قوداً ، فمات قبل القتل ، وجب الغُسل عليه وعلى لامسه.
مسألة ١٤٣ : المحرم كالمحل ، إلّا أنّه لا يقرب الكافور والطيب في غسل ولا حنوط ، ولا يمنع من المخيط ، ولا من تغطية الرأس والرجلين ، قاله الشيخان (١) وأكثر علمائنا (٢) لقوله عليهالسلام : ( لا تقربوه طيباً ، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا ) (٣)
ومن طريق الخاصة ، ما رواه محمد بن مسلم ، عن الباقر والصادق عليهماالسلام ، قال : سألتهما عن المحرم كيف يصنع به إذا مات؟ قال : « يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير أنّه لا يقرب طيباً » (٤).
__________________
١ ـ المبسوط للطوسي ١ : ١٨٠ ، المقنعة : ١٢.
٢ ـ منهم : سلار في المراسم : ٥٠ ، وابن إدريس في السرائر ٣٣ ، والمحقق في المعتبر ٨٨ ـ ٨٩.
٣ ـ صحيح البخاي ٢ : ٩٦ ، مسند أحمد ١ : ٣٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ و ١٩٦ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٩ / ٣٢٤١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٩٥ / ٢٦٤.
٤ ـ التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥.