تفسير النسفي - ج ٣

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٦

(إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٥١)

٤٦ ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا) امتنعوا عن قبول الإيمان ترفعا وتكبرا (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبرين مترفعين.

٤٧ ـ (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) البشر يكون واحدا وجمعا ، ومثل وغير يوصف بهما الاثنان والجمع والمذكر والمؤنث (وَقَوْمُهُما) أي بنو إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) خاضعون مطيعون ، وكلّ من دان لملك فهو عابد له عند العرب.

٤٨ ـ (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) بالغرق.

٤٩ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى) أي قوم موسى (الْكِتابَ) التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) يعملون بشرائعها ومواعظها.

٥٠ ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) تدلّ على قدرتنا على ما نشاء ، لأنه خلق من غير نطفة ، ووحّد لأن الأعجوبة فيهما واحدة ، أو المراد وجعلنا ابن مريم آية وأمّه آية فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها (وَآوَيْناهُما) جعلنا مأواهما أي منزلهما (إِلى رَبْوَةٍ) شامي وعاصم ، ربوة غيرهما ، أي أرض مرتفعة وهي بيت المقدس ، أو دمشق ، أو الرملة ، أو مصر (ذاتِ قَرارٍ) مستقرّ من أرض مستوية منبسطة ، أو ذات ثمار وماء ، يعني أنه لأجل الثمار يستقرّ فيها ساكنوها (وَمَعِينٍ) وماء ظاهر جار على وجه الأرض ، وهو مفعول ، أي مدرك بالعين لظهوره ، من عانه إذا أدركه بعينه ، لأنه نفّاع لظهوره وجريه ، من الماعون وهي المنفعة.

٥١ ـ (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) هذا النداء والخطاب ليسا على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرقين في أزمنة مختلفة ، وإنما المعنى الإعلام بأنّ كلّ رسول في زمانه نودي بذلك ووصّي به ليعتقد السامع أنّ أمرا نودي له جميع الرسل ووصّوا به حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه ، أو هو خطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام بفضله وقيامه مقام الكل في زمانه ، وكان يأكل من الغنائم ، أو لعيسى عليه‌السلام لاتصال الآية بذكره ، وكان يأكل من غزل أمه ، وهو أطيب الطيبات ، والمراد بالطيبات ما حلّ ، والأمر للتكليف ، أو ما يستطاب ويستلذّ ، والأمر للترفيه والإباحة (وَاعْمَلُوا صالِحاً) موافقا للشريعة (إِنِّي

١٨١

وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٦)

(بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) فأجازيكم على أعمالكم.

٥٢ ـ (وَإِنَّ هذِهِ) كوفي على الاستئناف ، وأن حجازي وبصري بمعنى ولأن ، أي فاتقون لأن هذه ، أو معطوف على ما قبله ، أي بما تعملون عليم وبأن هذه ، أو تقديره واعلموا أنّ هذه (أُمَّتُكُمْ) أي ملّتكم وشريعتكم التي أنتم عليها (أُمَّةً واحِدَةً) صلة واحدة وهي شريعة الإسلام ، وانتصاب أمة على الحال ، والمعنى وإنّ الدّين دين واحد وهو الإسلام ، ومثله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (١) (وَأَنَا رَبُّكُمْ) وحدي (فَاتَّقُونِ) فخافوا عقابي في مخالفتكم أمري.

٥٣ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) تقطّع بمعنى قطّع أي قطّعوا أمر دينهم (زُبُراً) جمع زبور أي كتبا مختلفة ، يعني جعلوا دينهم أديانا ، وقيل تفرقوا في دينهم فرقا كلّ فرقة تنتحل كتابا ، وعن الحسن قطّعوا كتاب الله قطعا وحرّفوه ، وقرىء زبرا جمع زبرة أي قطعا (كُلُّ حِزْبٍ) كلّ فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطّعين دينهم (بِما لَدَيْهِمْ) من الكتاب والدّين أو من الهوى والرأي (فَرِحُونَ) مسرورون معتقدون أنهم على الحق.

٥٤ ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) جهالتهم وغفلتهم (حَتَّى حِينٍ) أي إلى أن يقتلوا (٢) أو يموتوا.

٥٥ ـ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) ما بمعنى الذي ، وخبر أنّ :

٥٦ ـ (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) والعائد من خبر أنّ إلى اسمها محذوف أي نسارع لهم به ، والمعنى أنّ هذا الإمداد ليس إلا استدراجا لهم إلى المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعاجلة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم ، وهذه الآية حجّة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون إنّ الله لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين ، وقد أخبر أنّ ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) بل استدراك لقوله أيحسبون ، أي أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى

__________________

(١) آل عمران ، ٣ / ١٩.

(٢) في (ز) يقتلون.

١٨٢

(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) (٦٤)

يتأملوا في ذلك أنه استدراج أو مسارعة في الخير. ثم بيّن ذكر أوليائه فقال :

٥٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي خائفون.

٥٨ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي بكتب الله كلّها لا يفرّقون بين كتبه كالذين تقطّعوا أمرهم بينهم ، وهم أهل الكتاب.

٥٩ ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) كمشركي العرب.

٦٠ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا) أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات ، وقرىء يأتون ما أتوا بالقصر ، أي يفعلون ما فعلوا (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) خائفة أن لا تقبل منهم لتقصيرهم (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) الجمهور على أنّ التقدير لأنهم ، وخبر إنّ الذين :

٦١ ـ (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يرغبون في الطاعات فيبادرونها (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات ، أو لأجلها سبقوا الناس.

٦٢ ـ (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي طاقتها ، يعني أنّ الذي وصف به الصالحون غير خارج عن حدّ الوسع والطاقة ، وكذلك كلّ ما كلّفه عباده ، وهو ردّ على من جوّز تكليف ما لا يطاق (وَلَدَيْنا كِتابٌ) أي اللوح ، أو صحيفة الأعمال (يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا يقرأون منه يوم القيامة إلا ما هو صدق وعدل لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحد بزيادة عقاب أو نقصان ثواب أو بتكليف ما لا وسع له به.

٦٣ ـ (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) بل قلوب الكفرة في غفلة غامرة لها مما عليه هؤلاء الموصوفون من المؤمنين (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي ولهم أعمال خبيثة متجاوزة متخطية لذلك ، أي لما وصف به المؤمنون (هُمْ لَها عامِلُونَ) وعليها مقيمون لا يفطمون عنها حتى يأخذهم الله بالعذاب.

٦٤ ـ (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) متنعّميهم (بِالْعَذابِ) عذاب الدنيا ، وهو القحط

١٨٣

(لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٠)

سبع سنين حين دعا عليهم النبيّ عليه الصلاة والسلام ، أو قتلهم يوم بدر ، وحتى هي التي يبتدأ بعدها الكلام ، والكلام الجملة الشرطية (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) يصرخون استغاثة ، والجؤار الصراخ باستغاثة فيقال لهم :

٦٥ ـ (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) فإنّ الجؤار غير نافع لكم (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) أي من جهتنا لا يلحقكم نصر ومعونة.

٦٦ ـ (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي القرآن (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) ترجعون القهقرى ، والنكوص أن يرجع القهقرى ، وهو أقبح مشية لأنه لا يرى ما وراءه.

٦٧ ـ (مُسْتَكْبِرِينَ) متكبرين على المسلمين ، حال من تنكصون (بِهِ) بالبيت ، أو بالحرم ، لأنهم يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم ، والذي سوّغ هذا الإضمار شهرتهم بالاستكبار بالبيت ، أو بآياتي لأنها في معنى كتابي ، ومعنى استكبارهم بالقرآن تكذيبهم به استكبارا. ضمّن مستكبرين معنى مكذبين فعدّي تعديته ، أو يتعلق الباء بقوله (سامِراً) تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه ، وكانوا يجتمعون حول البيت يسمرون ، وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته شعرا وسحرا ، والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع ، وقرىء سمّارا ، أو بقوله (تَهْجُرُونَ) هو من الهجر الهذيان ، تهجرون نافع من أهجر في منطقه إذا أفحش.

٦٨ ـ (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) أفلم يتدبروا القرآن ليعلموا أنه الحقّ المبين فيصدّقوا به وبمن جاء به (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) بل أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ، فلذلك أنكروه واستبدعوه.

٦٩ ـ (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) محمدا بالصدق والأمانة ، ووفور العقل وصحة النسب ، وحسن الأخلاق ، أي عرفوه بهذه الصفات (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) بغيا وحسدا.

٧٠ ـ (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) جنون وليس كذلك ، لأنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلا وأثقبهم ذهنا (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ) الأبلج والصراط المستقيم ، وبما خالف

١٨٤

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٥)

شهواتهم وأهواءهم ، وهو التوحيد والإسلام ولم يجدوا له مردّا ولا مدفعا فلذلك نسبوه إلى الجنون (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) وفيه دليل على أنّ أقلهم ما كان كارها للحقّ بل كان تاركا للإيمان به أنفة واستنكافا من توبيخ قومه ، وأن يقولوا صبأ وترك دين آبائه كأبي طالب.

٧١ ـ (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُ) أي الله (أَهْواءَهُمْ) فيما يعتقدون من الآلهة (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) كما قال : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١) (وَمَنْ فِيهِنَ) خصّ العقلاء بالذكر لأنّ غيرهم تبع (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) بالكتاب الذي هو ذكرهم ، أي وعظهم ، أو شرفهم ، لأنّ الرسول منهم والقرآن بلغتهم ، أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) (٢) الآية (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) بسوء اختيارهم.

٧٢ ـ (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) حجازي وبصري وعاصم ، خرجا فخرج شامي ، خراجا فخراج عليّ وحمزة ، وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك ، وإلى كلّ عامل من أجرته وجعله ، والخرج أخصّ من الخراج تقول خراج القرية وخرج الكردة (٣) ، فزيادة اللفظ لزيادة المعنى ، ولذا حسنت القراءة الأولى يعني أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق ، فالكثير من الخالق خير (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أفضل المعطين.

٧٣ ـ (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو دين الإسلام فحقيق أن يستجيبوا لك.

٧٤ ـ (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) لعادلون عن هذا الصراط المذكور ، وهو الصراط المستقيم.

٧٥ ـ (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) لما أخذهم الله بالسنين حتى أكلوا

__________________

(١) الأنبياء ، ٢١ / ٢٢.

(٢) الصافات ، ٣٧ / ١٦٨.

(٣) في (ز) الكوفة ، والكردة : المزرعة (انظر القاموس ١ / ٣٣٣ و ٢ / ٢٦).

١٨٥

(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٧٨)

العلهز (١) ، جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : أنشدك الله والرّحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال : (بلى) ، فقال : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع (٢) ، فنزلت الآية ، والمعنى لو كشف الله عنهم هذا الضّرّ وهو القحط الذي أصابهم برحمته لهم ووجدوا الخصب (لَلَجُّوا) أي لتمادوا (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يترددون يعني لعادوا إلى ما كانوا عليه من الاستكبار وعداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين ولذهب عنهم هذا التملّق بين يديه.

٧٦ ـ (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) استشهد على ذلك بأنّا أخذناهم أولا بالسيوف ، وبما جرى عليهم يوم بدر من قتل صناديدهم وأسرهم فما وجدت بعد ذلك منهم استكانة ، أي خضوع ولا تضرع ، وقوله وما يتضرعون عبارة عن دوام حالهم ، أي وهم على ذلك بعد ، ولذا لم يقل وما تضرعوا ، ووزن استكان استفعل من الكون ، أي انتقل من كون إلى كون ، كما قيل استحال إذا انتقل من حال إلى حال.

٧٧ ـ (حَتَّى إِذا فَتَحْنا) فتّحنا يزيد (عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) أي باب الجوع الذي هو أشدّ من الأسر والقتل (إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) متحيّرون آيسون من كلّ خير ، وجاء أعتاهم وأشدّهم شكيمة في العناد ليستعطفك ، أو محنّاهم بكلّ محنة من القتل والجوع ، فما رئي فيهم لين مقادة وهم كذلك حتى إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون ، كقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) (٣).

٧٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) خصّها بالذكر لأنها يتعلّق بها من المنافع الدينية والدنيوية ما لا يتعلّق بغيرها (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي تشكرون شكرا قليلا ، وما مزيدة للتأكيد بمعنى حقا ، والمعنى إنكم لم تعرفوا عظم هذه النعم

__________________

(١) العلهز : القراد الضخم وهو ما تمعط من الوبر والصوف أو نفايته (القاموس ١ / ٣٢٦) وطعام من الدم والوبر كان يتخذ في المجاعة (القاموس ٢ / ١٨٤).

(٢) البيهقي في الدلائل.

(٣) الروم ، ٣٠ / ١٢.

١٨٦

(وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (٨١) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٨٥)

وضيّعتموها عن (١) مواضعها ، فلم تعملوا أبصاركم وأسماعكم في آيات الله وأفعاله ، ولم تستدلّوا بقلوبكم ، فتعرفوا المنعم ولم تشركوا به شيئا (٢).

٧٩ ـ (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) خلقكم وبثّكم بالتناسل (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) تجمعون يوم القيامة بعد تفرّقكم.

٨٠ ـ (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي يحيي النّسم بالإنشاء ويميتها بالإفناء (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي مجيء أحدهما عقيب الآخر ، أو اختلافهما في الظلمة والنور ، أو في الزيادة والقصور (٣) ، وهو مختصّ به ولا يقدر على تصريفهما غيره (أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتعرفوا قدرتنا على البعث ، أو فتستدلوا بالصنع على الصانع فتؤمنوا.

٨١ ـ (بَلْ قالُوا) أي أهل مكة (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) أي الكفار قبلهم. ثم بيّن ما قالوا بقوله :

٨٢ ـ (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) متنا نافع وحمزة وعلي وحفص.

٨٣ ـ (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا) أي البعث (مِنْ قَبْلُ) مجيء محمد (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) جمع أسطار جمع سطر وهي ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له ، وجمع أسطورة أوفق.

ثم أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بإقامة الحجة على المشركين ، بقوله :

٨٤ ـ (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فإنهم :

٨٥ ـ (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) لأنهم مقرّون بأنه الخالق ، فإذا قالوا (قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)

__________________

(١) في (ز) ووضعتموها غير.

(٢) في (ز) ولم تشكروا له شيئا.

(٣) في (ز) والنقصان.

١٨٧

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٩١)

فتعلموا أنّ من فطر الأرض ومن فيها كان قادرا على إعادة الخلق ، وكان حقيقا بأن لا يشرك به بعض خلقه في الربوبية. أفلا تذكرون بالتخفيف حمزة وعلي وحفص ، وبالتشديد غيرهم.

٨٦ ـ ٨٧ ـ (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافونه فلا تشركوا به ، أو أفلا تتقون في جحودكم قدرته على البعث مع اعترافكم بقدرته على خلق هذه الأشياء.

٨٨ ـ (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) الملكوت الملك والواو والتاء للمبالغة فتنبىء عن عظم الملك (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أجرت فلانا على فلان إذا أغثته منه ومنعته ، يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث أحد منه أحدا.

٨٩ ـ (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) تخدعون عن الحقّ ، أو عن توحيده وطاعته ، والخادع هو الشيطان والهوى ، الأول لله بالإجماع إذ السؤال لمن وكذا الثاني والثالث عند غير أهل البصرة على المعنى لأنك إذا قلت من ربّ هذا؟ فمعناه : لمن هذا ، فيجاب : لفلان ، كقول الشاعر :

إذا قيل من ربّ المزالف والقرى

وربّ الجياد الجرد قيل لخالد

أي لمن المزالف ، ومن قرأ بحذفه فعلى الظاهر ، لأنك إذا قلت من ربّ هذا؟ فجوابه فلان.

٩٠ ـ (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) بأنّ نسبة الولد إليه محال والشرك باطل (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (١) ودعائهم الشريك ثم أكّد كذبهم بقوله :

٩١ ـ (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) لأنه منزّه عن النوع والجنس ، وولد الرجل

__________________

(١) البقرة ، ٢ / ١١٦. يونس ، ١٠ / ٦٨. الكهف ، ١٨ / ٤.

١٨٨

(عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) (٩٥)

من جنسه (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) وليس معه شريك في الألوهية (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) لانفرد كلّ واحد من الآلهة بالذي خلقه واستبدّ به ، ولتميّز ملك كلّ واحد منهم عن الآخر (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ولغلب بعضهم بعضا ، كما ترون حال ملوك الدنيا ، ممالكهم متمايزة وهم متغالبون ، وحين لم تروا أثرا لتمايز الممالك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كلّ شيء ، ولا يقال إذا لا تدخل إلّا على كلام هو جزاء وجواب وههنا وقع لذهب جزاء وجوابا ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل لأنّ الشرط محذوف وتقديره ولو كان معه آلهة لدلالة وما كان معه من إله عليه ، وهو جواب لمن حاجّه من المشركين (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من الأنداد والأولاد.

٩٢ ـ (عالِمِ) بالجرّ صفة لله ، وبالرفع مدني وكوفي غير حفص خبر مبتدأ محذوف (الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) السرّ والعلانية (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) من الأصنام وغيرها.

٩٣ ـ (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) ما والنون مؤكدتان ، أي إن كان لا بدّ من أن ترينّي ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة.

٩٤ ـ (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي فلا تجعلني قرينا لهم ولا تعذبني بعذابهم ، عن الحسن رضي الله عنه : أخبره الله أنّ له في أمته نقمة ولم يخبره (١) وقتها فأمر أن يدعو هذا الدعاء ، ويجوز أن يسأل النبيّ المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربّه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما علم أنه لا يفعله إظهارا للعبودية وتواضعا لربّه ، واستغفاره عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلسه سبعين مرة لذلك ، والفاء في فلا لجواب الشرط ، وربّ اعتراض بينهما للتأكيد.

٩٥ ـ (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) كانوا ينكرون الموعد بالعذاب ويضحكون منه ، فقيل لهم : إنّ الله قادر على إنجاز ما وعد إنّ تأملتم فما وجه هذا الإنكار.

__________________

(١) زاد في (ز) متى.

١٨٩

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٠٠)

٩٦ ـ (ادْفَعْ بِالَّتِي) بالخصلة التي (هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) هو أبلغ من أن يقال بالحسنة السيئة لما فيه من التفضيل ، كأنه قال ادفع بالحسنى السيئة ، والمعنى اصفح عن إساءتهم ومقابلتها بما أمكن من الإحسان ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي شهادة أن لا إله إلّا الله والسيئة : الشرك ، أو الفحش بالسلام ، أو المنكر بالموعظة ، وقيل هي منسوخة بآية السيف ، وقيل محكمة إذ المداراة محثوث عليها ما لم تؤدّ إلى ثلم دين (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) من الشرك ، أو بوصفهم لك وسوء ذكرهم فسنجازيهم (١) عليه.

٩٧ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) من وساوسهم ونخساتهم ، والهمز : النخس ، والهمزات جمع المرة منه (٢) ، ومنه مهماز الرائض ، والمعنى أنّ الشياطين يحثّون الناس على المعاصي كما تهمز الراضّة الدواب حثّا لها على المشي.

٩٨ ـ (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أمر بالتعوذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربّه المكرر لندائه وبالتعوّذ من أن يحضروه أصلا ، أو عند تلاوة القرآن ، أو عند النزع.

٩٩ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) حتى تتعلق بيصفون ، أي لا يزالون يشركون إلى وقت مجيء الموت ، أو لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت ، وما بينهما مذكور على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستنزله عن الحلم ويغريه على الانتصار منهم (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) أي ردوني إلى الدنيا ، خاطب الله بلفظ الجمع للتعظيم كخطاب الملوك.

١٠٠ ـ (لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) في الموضع الذي تركت وهو الدنيا ، لأنه ترك الدنيا وصار إلى العقبى ، قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولكن ليتدارك ما فرّط. لعلّي ساكنة الياء كوفيّ وسهل ويعقوب (كَلَّا) ردع

__________________

(١) في (ز) فنجازيهم.

(٢) في (ظ) و (ز) جمع الهمزة.

١٩٠

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) (١٠٤)

عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد (إِنَّها كَلِمَةٌ) المراد بالكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض ، وهو قوله : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت (هُوَ قائِلُها) لا محالة لا يخلّيها ولا يسكت عنها لاستيلاء الحسرة والندم عليه (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أي أمامهم ، والضمير للجماعة (بَرْزَخٌ) حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لم يرد أنهم يرجعون يوم البعث وإنما هو إقناط كلّي لمّا علم أن لا رجوع بعد البعث إلّا إلى الآخرة.

١٠١ ـ (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) قيل إنها النفخة الثانية (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ) وبالإدغام أبو عمرو لاجتماع المثلين وإن كانا من كلمتين ، يعني يقع التقاطع بينهم حيث يتفرّقون مثابين ومعاقبين ، ولا يكون التواصل بينهم بالأنساب إذ يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه ، وإنما يكون بالأعمال (وَلا يَتَساءَلُونَ) سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا ، لأنّ كلّا مشغول عن سؤال صاحبه بحاله ، ولا تناقض بين هذا وبين قوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (١) فللقيامة مواطن ففي موطن يشتدّ عليهم الخوف فلا يتساءلون ، وفي موطن يفيقون فيتساءلون.

١٠٢ ـ (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) جمع موزون ، وهي الموزونات من الأعمال الصالحة التي لها وزن وقدر عند الله تعالى من قوله : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٢) (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

١٠٣ ـ (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بالسيئات ، والمراد الكفار (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) غبنوها (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) بدل من خسروا أنفسهم ، ولا محلّ للبدل والمبدل منه ، لأنّ الصلة لا محلّ لها ، أو خبر بعد خبر لأولئك ، أو خبر مبتدأ محذوف.

١٠٤ ـ (تَلْفَحُ) أي تحرق (وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) عابسون ، فيقال لهم :

__________________

(١) الصافات ، ٣٧ / ٢٧. الطور ، ٥٢ / ٢٥.

(٢) الكهف ، ١٨ / ١٠٥.

١٩١

(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (١١٠)

١٠٥ ـ (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي) أي القرآن (تُتْلى عَلَيْكُمْ) في الدنيا (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) وتزعمون أنها ليست من الله تعالى.

١٠٦ ـ (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا) ملكتنا (شِقْوَتُنا) شقاوتنا حمزة وعليّ وكلاهما مصدر ، أي شقينا بأعمالنا السيئة التي عملناها ، وقول أهل التأويل غلب علينا ما كتب علينا من الشقاوة لا يصحّ ، لأنه إنما يكتب ما يفعل العبد وما يعلم أنه يختاره ولا يكتب غير الذي علم أنه يختاره فلا يكون مغلوبا ومضطرّا في الفعل ، وهذا لأنهم إنما يقولون ذلك القول اعتذارا لما كان منهم من التفريط في أمره فلا يجمل أن يطلبوا لأنفسهم عذرا فيما كان منهم (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) عن الحقّ والصواب.

١٠٧ ـ (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) (١) من النار (فَإِنْ عُدْنا) إلى الكفر والتكذيب (فَإِنَّا ظالِمُونَ) لأنفسنا.

١٠٨ ـ (قالَ اخْسَؤُا فِيها) اسكتوا سكوت ذلّة وهوان (وَلا تُكَلِّمُونِ) في رفع العذاب عنكم ، فإنه لا يرفع ولا يخفّف ، قيل : هو آخر كلام يتكلمون به ثم لا كلام بعد ذلك إلا الشهيق والزفير ، أن يحضروني ، ارجعوني ، ولا تكلموني بالياء في الوصل والوقف يعقوب ، وغيره بلا ياء.

١٠٩ ـ (إِنَّهُ) إن الأمر والشأن (كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

١١٠ ـ (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) مفعول ثان وبالضمّ مدني وحمزة وعليّ ، وكلاهما مصدر سخر كالسّخر إلّا أنّ في ياء النسبة مبالغة ، قيل هم الصحابة رضي الله عنهم ، وقيل أهل الصّفّة خاصة ، ومعناه اتخذتموهم هزؤا وتشاغلتم بهم ساخرين (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ) بتشاغلكم بهم على تلك الصّفة (ذِكْرِي) فتركتموه ، أي كان التشاغل بهم سببا لنسيانكم ذكري (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) استهزاء بهم.

__________________

(١) في (ز) أي من النار.

١٩٢

(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (١١٦)

١١١ ـ (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) بصبرهم (أَنَّهُمْ) أي لأنهم (هُمُ الْفائِزُونَ) ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ، أي جزيتهم اليوم فوزهم ، لأنّ جزى يتعدّى إلى اثنين (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً) (١) إنهم حمزة وعليّ على الاستئناف ، أي إنهم هم الفائزون لا أنتم.

١١٢ ـ (قالَ) أي الله ، أو المأمور بسؤالهم من الملائكة. قل مكي وحمزة وعليّ أمر لمالك أن يسألهم (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ) في الدنيا (عَدَدَ سِنِينَ) أي كم عدد سنين لبثتم ، فكم نصب بلبثتم وعدد بكم (٢).

١١٣ ـ (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) استقصروا مدة لبثهم في الدنيا بالإضافة إلى خلودهم ، ولما هم فيه من عذابها ، ولأن الممتحن يستطيل أيام محنته ويستقصر ما مرّ عليه من أيام الدّعة (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) أي الحسّاب ، أو الملائكة الذين يعدّون أعمار العباد وأعمالهم ، فسل بلا همز مكي وعليّ.

١١٤ ـ (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي ما لبثتم إلّا زمنا قليلا ، أو لبثا قليلا (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صدّقهم الله تعالى في تقالّهم لسني لبثهم في الدنيا ، ووبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها. قل إن حمزة وعليّ.

١١٥ ـ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) حال أي عابثين ، أو مفعول له أي للعبث (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) وبفتح التاء وكسر الجيم حمزة وعليّ ويعقوب ، وهو معطوف على أنما خلقناكم ، أو على عبثا أي للعبث ولنترككم غير مرجوعين ، بل خلقناكم للتكليف ، ثم للرجوع من دار التكليف إلى دار الجزاء ، فنثيب المحسن ونعاقب المسيء.

١١٦ ـ (فَتَعالَى اللهُ) عن أن يخلق عبثا (الْمَلِكُ الْحَقُ) الذي يحقّ له الملك لأنّ كلّ شيء منه وإليه ، أو الثابت الذي لا يزول ولا يزول ملكه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُ

__________________

(١) الإنسان ، ٧٦ / ١٢.

(٢) في (ز) وعدد تمييز.

١٩٣

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١١٨)

(الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) وصف العرش بالكرم لأنّ الرحمة تنزل منه ، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين ، وقرىء شاذا برفع الكريم صفة للربّ تعالى.

١١٧ ـ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ) أي لا حجة (لَهُ بِهِ) اعتراض بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحقّ بالإحسان منه فإنّ الله مثيبه ، أو صفة لازمة جيء بها للتوكيد كقولك يطير بجناحيه لا أن يكون في الآلهة ما يجوز أن يقوم عليه برهان (فَإِنَّما حِسابُهُ) أي جزاؤه ، وهذا جزاء الشرط (عِنْدَ رَبِّهِ) أي فهو يجازيه لا محالة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) جعل فاتحة السورة قد أفلح المؤمنون وخاتمتها إنه لا يفلح الكافرون فشتان ما بين الفاتحة والخاتمة. ثم علّمنا سؤال المغفرة والرحمة بقوله :

١١٨ ـ (وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) ثم قال (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) لأنّ رحمته إذا أدركت أحدا أغنته عن رحمة غيره ورحمة غيره لا تغنيه عن رحمته.

١٩٤

سورة النور

مدنية وهي أربع وستون آيات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢)

١ ـ (سُورَةٌ) خبر مبتدأ محذوف أي هذه سورة (أَنْزَلْناها) صفة لها ، وقرأ طلحة سورة ، على زيدا ضربته ، أو على اتل سورة ، والسورة الجامعة لجمل آيات بفاتحة لها وخاتمة ، واشتقاقها من سور المدينة (وَفَرَضْناها) أي فرضنا أحكامها التي فيها. وأصل الفرض القطع أي جعلناها مقطوعا بها. وبالتشديد مكي وأبو عمرو للمبالغة في الإيجاب وتوكيده ، أو لأن فيها فرائض شتى أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) أي دلائل واضحات (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) لكي تتعظوا. وبتخفيف الذال حمزة وعليّ وخلف وحفص ، ثم فصّل أحكامها فقال :

٢ ـ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) رفعهما على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي جلدهما ، أو الخبر فاجلدوا ، ودخلت الفاء لكون الألف واللام بمعنى الذي ، وتضمينه معنى الشرط ، وتقديره التي زنت والذي زنى فاجلدوهما ، كما تقول من زنى : فاجلدوه. وكقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ) وقرأ عيسى بن عمر (١) بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر

__________________

(١) عيسى بن عمر ، الثقفي بالولاء ، من أئمة اللغة وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء وأول من هذب النحو ورتبه توفي عام ١٤٩ ه‍ (الأعلام ٥ / ١٠٦).

١٩٥

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣)

وهو أحسن من سورة أنزلناها لأجل الأمر (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) الجلد ضرب الجلد ، وفيه إشارة إلى أنه لا يبالغ ليصل الألم إلى اللحم ، والخطاب للأئمة ، لأنّ إقامة الحدّ من الدين ، وهي على الكلّ إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم ، وهذا حكم حرّ ليس بمحصن ، إذ حكم المحصن الرجم ، وشرائط إحصان الرجم الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والتزوّج بنكاح صحيح والدخول وهذا دليل على أنّ التغريب غير مشروع ، لأنّ الفاء إنما يدخل على الجزاء وهو اسم للكافي ، والتغريب المروي منسوخ بالآية ، كما نسخ الحبس والأذى في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) (١) وقوله (فَآذُوهُما) (٢) بهذه الآية (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) أي رحمة ، والفتح لغة وهي قراءة مكي ، وقيل الرأفة في دفع المكروه والرحمة في إيصال المحبوب ، والمعنى أنّ الواجب على المؤمنين أن يتصلّبوا في دين الله ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده فيعطلوا الحدود أو يخفّفوا الضرب (فِي دِينِ اللهِ) أي في طاعة الله ، أو حكمه (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه ، وجواب الشرط مضمر أي فاجلدوا ولا تعطّلوا الحدّ (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) وليحضر موضع حدّهما ، وتسميته عذابا دليل على أنه عقوبة (طائِفَةٌ) فرقة يمكن أن تكون حلقة ليعتبروا وانزجر هو (٣) ، وأقلّها ثلاثة أو أربعة ، وهي صفة غالبة كأنها الجماعة الحافّة حول شيء ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أربعة إلى أربعين رجلا (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) من المصدقين بالله.

٣ ـ (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب في خبيثة من شكله أو في مشركة ، والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أو المشركين ، فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح ، والإيمان قرين العفاف والتحصّن ، وهو نظير قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (٤) وقيل : كان نكاح الزانية محرما

__________________

(١) النساء ، ٤ / ١٥.

(٢) النساء ، ٤ / ١٦.

(٣) وانزجر هو : أي الزاني.

(٤) تأتي لا حقا الآية ٢٦.

١٩٦

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤)

في أول الإسلام ثم نسخ بقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (١) وقيل المراد بالنكاح الوطء ، لأن غير الزاني يستقذر الزانية ولا يشتهيها ، وهو صحيح لكنه يفضي (٢) إلى قولك الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان ، وسئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمن زنى بامرأة ثم تزوجها فقال : (أوله سفاح وآخره نكاح) (٣) ومعنى الجملة الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر ، ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفّاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان ، وقدّمت الزانية على الزاني أولا (٤) لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكّنه لم يطمع ولم يتمكّن ، فلما كانت أصلا وأولا (٥) في ذلك بدىء بذكرها ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه ، لأنه الخاطب ومنه مبدأ (٦) الطلب ، وقرىء لا ينكح بالجزم على النهي ، وفي المرفوع أيضا معنى النهي ولكن أبلغ وآكد ، ويجوز أن يكون خبرا محضا على معنى أنّ عادتهم (٧) جارية على ذلك وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصوّن عنها (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسّب بالزنا أو لما فيه من التشبيه بالفسّاق ، وحضور مواقع التهمة ، والتسبب بسوء القالة فيه والغيبة ، ومجالسة الخطّائين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب.

٤ ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) وبكسر الصاد عليّ ، أي يقذفون بالزنا الحرائر والعفائف المسلمات المكلّفات ، والقذف يكون بالزنا وبغيره ، والمراد هنا قذفهن بالزنا ، بأن يقول يا زانية لذكر المحصنات عقيب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي ثم لم يأتوا بأربعة شهود يشهدون على الزنا ، لأن القذف بغير الزنا بأن يقول يا فاسق يا آكل الربا يكفي فيه شاهدان وعليه التعزير ، وشروط إحصان القذف الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والعفة عن الزنا ، والمحصن

__________________

(١) تأتي لاحقا الآية ٣٢.

(٢) في (ز) يؤدي.

(٣) كنز العمال ١٦ / ٤٥٦٥٧.

(٤) زاد في (ز) ثم قدم عليها ثانيا.

(٥) ليست في (ز) وأولا.

(٦) في (ز) بدء.

(٧) في (ز) عادتهما.

١٩٧

(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (٨)

كالمحصنة في وجوب حدّ القذف (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) إن كان القاذف حرا ، ونصب ثمانين نصب المصادر كما نصب مائة جلدة. وجلدة نصب على التمييز (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) نكّر شهادة في موضع النفي ، فتعم كلّ شهادة ، وردّ الشهادة من الحدّ عندنا ، ويتعلق باستيفاء الحدّ أو بعضه على ما عرف ، وعند الشافعي رحمه‌الله تعالى يتعلق ردّ شهادته بنفس القذف ، فعندنا جزاء الشرط الذي هو الرمي الجلد وردّ الشهادة على التأبيد وهو مدة حياتهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) كلام مستأنف غير داخل في حيز جزاء الشرط كأنه حكاية حال الرامين عند الله تعالى بعد انقضاء الجملة الشرطية.

٥ ـ وقوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي القذف (وَأَصْلَحُوا) أحوالهم ، استثناء من الفاسقين ويدلّ عليه (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يغفر ذنوبهم ويرحمهم ، وحقّ الاستثناء أن يكون منصوبا عندنا ، لأنه عن موجب ، وعند من جعل الاستثناء متعلقا بالجملة الثانية أن يكون مجرورا بدلا من هم في لهم.

ولمّا ذكر حكم قذف الأجنبيات بيّن حكم قذف الزوجات فقال :

٦ ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) أي يقذفون زوجاتهم بالزنا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) أي لم يكن لهم على تصديق قولهم من يشهد لهم به (إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) يرتفع على البدل من شهداء (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ) بالرفع كوفي غير أبي بكر على أنه خبر والمبتدأ فشهادة أحدهم ، وغيرهم بالنصب لأنه في حكم المصدر بالإضافة إلى المصدر ، والعامل فيه المصدر الذي هو فشهادة أحدهم ، وعلى هذا خبره محذوف تقديره فواجب شهادة أحدهم أربع (شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رماها به ، الزنا.

٧ ـ (وَالْخامِسَةُ) لا خلاف في رفع الخامسة هنا في المشهور ، والتقدير والشهادة الخامسة (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) فهي مبتدأ وخبر (إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فيما رماها به من الزنا.

٨ ـ (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) ويدفع عنها الحبس ، وفاعل يدرأ (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ

١٩٨

وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠)

(شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ) إنّ الزوج (لَمِنَ الْكاذِبِينَ) فيما رماني به من الزنا.

٩ ـ (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ) أي الزوج (مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رماني به من الزنا ، ونصب حفص الخامسة عطفا على أربع شهادات ، وغيره رفعها بالابتداء ، وأنّ غضب الله خبره ، وخفّف نافع أن لعنة الله وأن غضب الله بكسر الضاد وهما في حكم المثقّلة ، وأن غضب الله سهل ويعقوب ، وخصّ (١) الغضب في جانبها لأنّ النساء يستعملن اللعن كثيرا كما ورد به الحديث ، فربما يجترئن على الإقدام لكثرة جري اللعن على ألسنتهن وسقوط وقعه (٢) عن قلوبهنّ ، فذكر الغضب في جانبهنّ ليكون رادعا لهنّ ، والأصل أنّ اللعان عندنا شهادات مؤكدات بالأيمان مقرونة باللّعن قائمة مقام حدّ القذف في حقّه ومقام حدّ الزنا في حقّها ، لأن الله تعالى سماه شهادة ، فإذا قذف الزوج زوجته بالزنا ، وهما من أهل الشهادة صحّ اللعان بينهما ، وإذا التعنا كما بيّن في «النهر» (٣) لا تقع الفرقة حتى يفرّق القاضي بينهما ، وعند زفر (٤) رحمه‌الله تقع بتلاعنهما والفرقة تطليقة بائنة ، وعند أبي يوسف وزفر والشافعي تحريم مؤبد ، ونزلت آية اللعان في هلال بن أمية أو عويمر (٥) حيث قال : وجدت على بطن امرأتي خولة (٦) شريك بن سحماء (٧) ، فكذّبته ، فلاعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما.

١٠ ـ (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) تفضّله (عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) نعمته (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) جواب لو لا محذوف أي لفضحكم أو لعاجلكم بالعقوبة.

__________________

(١) في (ز) وحفص وجعل.

(٢) في (ز) وقوعه.

(٣) النهر : غالب الظن ، هو النهر الماد مختصر البحر المحيط في التفسير ، الاثنان لأثير الدين أبو حيان الأندلسي وهو من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات ولد في إحدى جهات غرناطة عام ٦٥٤ ه‍ وتنقل إلى أن أقام في القاهرة وتوفي فيها بعد أن كف بصره عام ٧٤٥ ه‍ (الأعلام ٧ / ١٥٢).

(٤) زفر : هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري من تميم ، أبو الهذيل ، فقيه كبير من أصحاب الإمام أبي حنيفة ولد عام ١١٠ ومات عام ١٥٨ ه‍ (الأعلام ٣ / ٤٥).

(٥) لم أجد له ترجمة.

(٦) خولة : زوجة هلال بن أمية.

(٧) شريك بن سحماء وهي أمه واسم أبيه عبده بن معتب العجلاني (الإصابة ٣ / ٢٠٦).

١٩٩

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١)

١١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وأصله الأفك وهو القلب ، لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد ما أفك به على عائشة رضي الله عنها ، قالت عائشة : فقدت عقدا في غزوة بني المصطلق (١) ، فتخلفت ، ولم يعرف خلوّ الهودج لخفتي ، فلما ارتحلوا أناخ لي صفوان بن المعطل (٢) بعيره وساقه حتى أتاهم بعد ما نزلوا ، فهلك فيّ من هلك ، فاعتللت شهرا ، وكان عليه الصلاة والسلام يسأل (كيف أنت) ولا أرى منه لطفا كنت أراه ، حتى عثرت خالة أبي أمّ مسطح (٣) ، فقالت : تعس مسطح ، فأنكرت عليها فأخبرتني بالإفك ، فلما سمعت ازددت مرضا وبتّ عند أبويّ لا يرقأ لي دمع وما أكتحل بنوم ، وهما يظنان أن الدمع فالق كبدي ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : (ابشري يا حميراء فقد أنزل الله براءتك) فقلت : بحمد الله لا بحمدك (٤) (عُصْبَةٌ) جماعة من العشرة إلى الأربعين ، واعصوصبوا اجتمعوا ، وهم عبد الله بن أبي رأس النفاق وزيد بن رفاعة (٥) وحسان بن ثابت (٦) ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش (٧) ومن ساعدهم (مِنْكُمْ) من جماعة المسلمين ، وهم ظنوا أنّ الإفك وقع من الكفار دون من كان من المؤمنين (لا

__________________

(١) غزوة بني المصطلق : قيل وقعت في شعبان سنة ست عند ابن إسحاق وفي سنة أربع عند موسى بن عقبة وفي شعبان سنة خمس عند ابن سعد ، والمصطلق لقب جذيمة بن سعد بن عمرو سمي لحسن صوته وكان أول من غنى من خزاعة وقيل هو جزيمة بن كعب من خزاعة وقيل خزيمة بن سعد بن عمرو وسعد هو المصطلق (الأنساب ـ ٥ / ٣١٢ ـ عيون الأثر ٢ / ١٣٣ ـ القاموس ٣ / ٢٥٤).

(٢) صفان بن المعطل السلمي ثم الذكواني كان على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع ، قتل شهيدا في خلافة معاوية (عيون الأثر ٢ / ١٢٩ و ١٣٣).

(٣) أم مسطح ابنة أبي رهم بن عبد مناف أمها بنت صخر بن عامر ، خالة أبي بكر الصديق ، ومسطح لقب عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، شهد بدرا (عيون الأثر ٢ / ١٢٨ ـ ١٣٥).

(٤) حديث الإفك رواه الشيخان وغيرهما.

(٥) زيد بن رفاعة بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري الأوسي ، صحابي ، عم قتادة بن النعمان (الأعلام ٥ / ١٨٩ ـ ترجمة قتادة).

(٦) حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري ، أبو الوليد ، صحابي ، شاعر النبي عليه‌السلام ولد نحو ٣٤ ق. ه وتوفي ٥٤ ه‍ (الأعلام ٢ / ١٧٥).

(٧) حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب ، كانت من المبايعات وشهدت أحدا فكانت تسقي العطشى وتحمل الجرحى وتداويهم (أسد الغابة ٥ / ٤٢٨).

٢٠٠