السيّدة سكينة

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم

السيّدة سكينة

المؤلف:

السيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأضواء
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

محمد ونكبنا بأسرنا أقبح نكبة وصرفنا عن ولايتنا ، ولم يزل أمرنا يخمل حتى لم يبق لنا اسم على منبر ولا علم في جيش ولا إمارة وصرنا إلى الآن تحت المحن (١) .

وبعد قتل يحيى جلس محمد بن عبد الله يهنأ بقتله وجماعة الهاشميين والطالبيين وحضور ، وسمعهم أبو هاشم الجعفري يهنئونه فقال : أيها الأمير إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله (ص) حياً لكان هو المعزى به فما رد عليه محمد شيئاً ثم خرج أبو هاشم يقول (٢) :

يا بني طاهر كلوه وبيّاً (٣)

إن لحم النبيّ غير مريِّ

إن وتراً يكون طالبه الله

لو تر نجاحه بالحريِّ (٤)

ويحيى هو ابن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وأمه أم الحسين فاطمة بنت الحسين ابن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار (٥) .

كان يحيي ورعاً ديناً كثير البر والمعروف واصلاً لأهل بيته مؤثراً لهم على نفسه عطوفاً على الطالبيات لم تظهر منه زلة ولذا جزعت

____________________

(١) نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج ١ ـ ص ٢٢٣ .

(٢) الطبري ج ١١ ـ ص ٩٠ ، وابن الأثير ج ٧ ـ ص ٤١ ، والبداية ج ١١ ـ ص ٥ ، وفي عمدة الطالب أنها من أبيات .

(٣) في عمدة الطالب ص ٢٦٤ نجف « مريئاً » .

(٤) في عمدة الطالب ومروج الذهب ج ٢ ـ ص ٤١٠ . « بالفوت غير حري » .

(٥) الطبري وابن الأثير والبداية ومقاتل أبي الفرج ووهم المسعودي حيث نسبه إلى إسماعيل بن عبد الله بن جعفر لأن هذا نسب أمه .

٢١
 &

عليه النفوس ورثاه القريب والبعيد (١) خرج بالكوفة ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب سنة ٢٥٠ أيام المستعين ، وكانت الوقعة في ظهر خندق الكوفة حمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فطلب من يقوره فلم يقدم عليه أحد ، حتى من كان في السجن من الذباحين إلا رجل من عمال ( السجن الجديد ) فإنه صنع فيه كما أراد محمد وأرسله إلى سامراء فنصبه إبراهيم بن إسحاق الديزج على باب العامة لحظة وأنزله لكثرة إنكار العامة وأرجعه إلى محمد فلم يقدر أن ينصبه على الجسر لتجمع الناس وإنكارهم فخبأه في بيت سلاح في داره .

٢ ـ حدث أحمد بن إسحاق القميّ وكان وكيلاً بقمّ عن أبي الحسن علي الهادي وأبي محمد الحسن العسكري (ع) : أن الحسين ابن الحسن بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (ع) كان « بقم » يشرب الخمر علانية فاعترته نائبة فقصد بها أحمد بن إسحاق فلم يأذن له فرجع إلى أهله مهموماً منكسراً ولما توجه أحمد ابن إسحاق إلى الحج وبلغ سر من رأى استأذن على أبي محمد العسكري (ع) فلم يأذن له فكبر عليه ، وداخله هم شديد ولم يعلم السبب في ذلك حتى تضرع إليه طويلاً فأذن له وسأله عما أوجب إعراضه ؟ فعرفه الإمام (ع) أن السبب منعه العلوي من الدخول عليه وقد قصده لأمر أهمه فقال ابن إسحاق : لم يكن المنع إلا لأجل أن يتوب عما عليه من المآثم ، فقال الإمام (ع) : صدقت ولكن لا بد من إكرامهم لانتسابهم إلينا فلا تكن يا ابن اسحاق من الخاسرين بالإعراض عمن انتسب إلينا .

____________________

(١) مروج الذهب ج ٣ ـ ص ٤١٠ .

٢٢
 &

ولم يتباعد ابن اسحاق عن نصح الإمام الواقف على الأسرار العارف بمقتضيات الأحوال علماً منه بأن ( إمام الحق ) لا يدعوا إلا إلى حكمة بالغة أو حقيقة راهنة فاحتفظ بهذه الوصية الثمينة حتى إذا رجع من الحج إلى مدينة قم زاره ذلك العلوي فيمن أتاه من الناس فأظهر له ابن اسحاق أمام الحاضرين من التبجيل والاحترام ما أبهره وعجب منه الحاضرين .

فسأله العلوي عن هذا الحال الغريب مع ما شاهده منه من ذي قبل فذكر له ما جرى من الإمام العسكري (ع) معه .

فبكى العلوي وتاب عما كان عليه وصار من المتورعين المتخذين أقوال آبائه الهداة طريقاً مهيعاً في كل أعماله حتى فاجأه الموت ودفن بقم قريباً من مشهد السيدة الطاهرة ( فاطمة ) بنت الإمام الكاظم (١) .

٣ ـ حدث الوزير علي بن عيسى (٢) أن علوياً من أولاد موسى ابن جعفر (ع) كان يأتيه في شهر رمضان فيعطيه خمسة آلاف درهم مؤنة له ولعياله وهذه حالة مع العلويين في هذا الشهر المبارك فاتفق أنه رأى ذلك العلوي في الشتاء سكراناً فندم على ما كان منه معه وعزم على حرمانه ، ولما دخل شهر رمضان أتاه العلوي على عادته

____________________

(١) فضائل السادات ص : ٣٦٢ عن تاريخ قم .

(٢) علي بن عيسى بن داود الجرح في شذرات الذهب ج ٢ ص ٣٣٢ وزر مرات للمقتدر والقاهر وكان محدثاً ديناً خيراً كبير الشأن عاش تسعين سنة توفي ببغداد سنة ٣٩١ ودفن في داره ، ترجمته في معجم الأدباء ج ١٤ ص ٦٨ ، والمنتظم لابن الجوزي ج ٧ ص ٢١٨ سنة ٣٩١ ، والبداية لابن كثير ج ١١ ص ٣٣٠ .

٢٣
 &

فزبره ومنعه وفي تلك الليلة رأى الوزير النبي (ص) مقبلاً على الناس وقد أعرض عنه فقال للنبي (ص) أتعرض عني مع إحساني لأولادك وبري بهم ، فقال له رسول الله (ص) : إنك قطعت جائزتك عن ولدي فلان فأخبره بأنه لم يقطع عنه الجائزة إلا لأجل أن يقلع عن الآثام ، فأجابه النبي : إنك أكرمته لأجله أو لأجلي ؟ قال : لأجلك يا رسول الله ، فقال النبي : هلا سترت عليه لأجلي ؟ قال : الوزير حباً وكرامة .

ولما أصبح حمل إلى العلوي عشرة آلاف درهم وطيب خاطره وقال : إن أعوزك شيء عرفني .

فأبى العلوي أن يأخذ المال حتى يعرف السبب الذي دعاه إلى هذا مع ما صنعه بالأمس ، فقص عليه رؤيا النبي (ص) فعندها بكى العلوي وتاب إلى الله تعالى مما كان عليه ، وقال : إني لا أعود إلى شيء من ذلك ولا أحوج جدي رسول الله أن يحاجك من جهتي (١) .

فرسول الله (ص) والأئمة الهداة (ع) مقيضون لتنبيه الأمة من رقدة الجهل وإنارة سبيل الهدى لهم أحياءً وأمواتاً ، وهذا لطف من المولى سبحانه على هذه الأمة ومنة عليهم بإنقاذهم من مخالب الضلال ، فشرع الطرق الموصلة إلى القرب منه جل شأنه ولم يخصها بأقوال المعصومين وأفعالهم الصادرة منهم حال الحياة ، بل أفاض عليهم عطفه وحنانه بإراءة تلك الأمثال القدسية في حال النوم مع شواهد تصدق ذلك ( الحلم ) ليفوزوا بالرضوان الأكبر .

____________________

(١) دار السلام للنوري ج ١ ـ ص ١٥٩ .

٢٤
 &

٤ ـ وكان لابن عنين الشاعر (١) أمر عجيب مع العلويين فإنه لما توجه إلى مكة ومعه مال وأقمشة خرج عليه بعض بني داود بن الحسن فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه ، فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب صاحب اليمن وكان أخوه الملك الناصر أرسل إليه يطلب منه أن يقيم بالساحل المفتتح من أيدي الإفرنج فزهده ابن عنين في الساحل وحرضه على الأشراف الذين فعلوا به ما فعلوا وأول القصيدة :

أعيت صفات نداك المصقع اللسنا

وجزت في الجود حد الحسن والحسنا

وما تريد بجسم لا حياة له

من خلص الزبد ما أبقى لك اللبنا

ولا تقل ساحل الإفرنج أفتحه

فما يساوي إذا قايسته ( عدنا )

وإن أردت جهاداً فارو سيفك من

قوم أضاعوا فروض الله والسننا

طهِّر بسيفك بيت الله من دنس

ومن خساسة أقوام به وخنا

ولا تقل إنهم أولاد فاطمة

لو أدركوا آل حرب حاربوا الحسنا

فلما قال هذه القصيدة رأى في النوم فاطمة الزهراء (ع) تطوف

____________________

(١) قال ابن كثير في البداية ج ١٣ ـ ص ١٣٧ : هو أبو المحاسن محمد بن نصر الدين بن نصر بن الحسين بن علي بن محمد بن غالب الأنصاري المعروف بابن الشاعر . وفي الحوادث الجامعة ص ٥١ كوفي الأصل دمشقي المولد والمنشأ شاعر مشهور سافر إلى الآفاق في التجارة ومدح الأكابر في كل البلاد ، وكان ظريفاً حسن الأخلاق ذا ثروة توفي بدمشق ووافقه على الوفاة بها ابن كثير وعينها في سنة ٦٣٠ أو سنة ٦٣٣ هجـ ، وفي النجوم الزاهرة ج ٦ ص ١١٣ له مع الطبيب الموفق أسعد الذي أسلم على يد السلطان مهاجاة ، وذكر ابن خلكان ترجمته ، وذكره ابن الدبيثي في المختصر المحتاج إليه ج ١ ص ١٥١ ، وفي نفح الطيب مطبعة الحلبي ج ٧ ص ٣٣٠ إلى ص ٣٤٣ .

٢٥
 &

بالبيت وهي معرضة عنه فتضرع إليها وسألها عن ذنبه فأنشأت (ع) :

حاشا بني فاطمة كلهم

من خسة تعرض أو من خنا

وإنما الأيام في غدرها

وفعلها السوء أساءت بنا

لئن أسا من ولدي واحد

وجهت كل السب عمداً لنا

فتب إلى الله فمن يقترف

ذنباً له يغفر ما قد جنى

وأكرم بعين المصطفى جدهم

ولا تهن من آله أعينا

فكل ما نالك منهم عناً

تلقى به في الحشر منا هنا

وانتبه أبو المحاسن يحفظ هذه الأبيات وقد عافاه الله تعالى من المرض فخرق تلك القصيدة وقال :

عذراً إلى بنت نبيّ الهدى

تصفح عن ذنب مسيء جنى

وتوبة تقبلها من أخي

مقالة توقعه في العنا

والله لو قطعني واحد

منهم بسيف البغي أو بالقنا

لم أر ما يفعله سيئاً

بل أره في الفعل قد أحسنا (١)

هذا حال المعصومين مع من خرج من ذريتهم عن سنن الشريعة واتبع الشهوات ، ولا تفوت النكتة في هذه الوصايا فإن الغرض إنقاذ الذرية من تلك الهلكات بالتوبة من المعاصي والإقلاع

____________________

(١) قال في عمدة الطالب ص ١١٩ ط نجف اختصرت ألفاظ هذه القصيدة وهي مشهورة مذكورة في ديوان ابن عنين ، ورواها الشيخ تاج الدين أبو عبد الله محمد بن معية الحسني وجدي لأمي الشيخ فخر الدين محمد بن الفاضل السعيد زين الدين حسين بن حديد الأسدي كلاهما عن السيد السعيد بهاء الدين داود بن أبي الفتوح عن أبي المحاسن نصر الله بن عنين صاحب الواقعة ، وقد ذكرها البادراوي في كتاب ( الدر النظيم ) وغيره من المصنفين ، وذكرها الزبيدي في تاج العروس ج ٩ ص ٢٨٥ مادة ( عون ) .

٢٦
 &

عن الذنوب مع حفظ الكرامة لهم ، وأما من كان منهم عارفاً بالأمر متبعاً لقانون الإسلام فلا يقاس بسائر الناس بشهادة الإمام الرضا (ع) على ما يحدث عنه سليمان بن جعفر قال : قال علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) أشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا (ع) قلت وما يمنعك من ذلك ؟ قال الإجلال والهيبة واتقي عليه .

ثم إن الرضا (ع) اعتلّ علة خفيفة عاده فيها الناس فلقيت ابن عبيد الله وقلت قد جاءك ما تريد قد اعتل أبو الحسن وعاده الناس فإن رأيت الدخول عليه فاليوم ، فمضى إلى منزل أبي الحسن فلاقاه أبو الحسن الرضا (ع) بكل ما يجب من الإجلال والتعظيم ففرح بذلك علي بن عبيد الله فرحاً شديداً .

ثم إن علي بن عبيد الله مرض وعاده أبو الحسن الرضا (ع) وأنا معه فجلس حتى خرج من كان في البيت ولما خرجنا أخبرتني مولاة لنا أن أم سلمه امرأة علي بن عبيدالله كانت من وراء الستر تنظر إلى أبي الحسن (ع) فلما خرج جاءت وانكبت على الموضع الذي كان جالساً فيه أبو الحسن تقبله وتمسح به ، فقصدت أبا الحسن (ع) وأعلمته بما صنعته أم سلمة فقال (ع) : يا سليمان إن علي بن عبيد الله وامرأته وولده من أهل الجنة ، يا سليمان إن ولد علي وفاطمة (ع) إذا عرفهم الله هذا الأمر لم يكونوا كالناس (١) .

____________________

(١) رجال الكشي ص ٣٦٥ .

٢٧
 &

السيّدة سكينة السيّد عبد الرزّاق المقرّم

٢٨
 &

الخلاصة

لقد وضح مما ذكرناه أن نبي الإسلام أراد بالأمة خيراً حيث أرشدها إلى ما هو الصالح لها ، وفيه الزلفى إلى المهيمن جل شأنه ألا وهو المودة لذريته المستتبعة لعونهم ومساعدتهم على نوائب الدهر وما يحتاجون إليه في هذه الحياة ، وعرفهم بأن هذا المعروف مع آله وقرباه لا يذهب سدى فإنه يوم الجزاء يكون (ص) هو المكافي لكل من أسدي إلى ذريته يداً بيضاء وحينئذ فما ظنك بتلك المجازات الصادرة من أكرم الخليفة وهل يستطيع أحد أن يحدها أو يقف على مداها .

ملك يحتوي ممالك فضل

غير محدودة جهات علاها

لو أعيرت من سلسبيل نداه

كرة النار لاستحالت مياها

ذاك أسخى يداً وأشجع قلباً

وكذا أشجع الورى أسخاها

كم على هذه له من أياد

ليست الشمس غير نار قراها

وله في غد مضيف جنان

لم يحل حسنها ولا حسناها

أين من مكرماته معصرات

دون أدنى نواله أنداها (١)

فالتحدث عما يشين موقف الذرية من الشرع الحنيف يوجب

____________________

(١) من قصيدة ملا كاظم الأزري ( رحمه الله ) .

٢٩
 &

وهنا في مقام ذلك الجلال القدسي الطافح بالعظمة وقد أمر (ص) بإكرام أولاده ، الصالح لله والطالح له .

على أن الأحاديث المسطورة في كتب التاريخ مما يشين مقام الذرية لم يثبت صحة إسنادها ، وإنما جاء بها أناس يحملون أحقاداً محتدمة على المصطفى (ص) طلباً لثارات أشياخهم المودى بهم في بدر وحنين وغيرهما من مغازية مشفوعة بأضغان معتلجة في الصدور على أمير المؤمنين (ع) بما أنه المباشر لإزهاق أولئك الطغام .

لكن الظروف لما لم تسع لهم أن يشينوا سمعة الرسالة عمدوا إلى الوقيعة في آله الأقربين باختلاق نسب مفتعلة ولقنوها الرواة وتلقنتها البسطاء وخفيت على الفطاحل وذوي الفضيلة غير أن الاستضاءة بنور البحث والتنقيب أماطت الستار عن الحقيقة وعرفتنا حال أولئك الرواة وما جاؤوا به من قدح وذم .

ويسجل ابن أبي الحديد في شرح النهج (١) رجالاً كانوا يستميلون دنيا الخلفاء بافتعال أحاديث تبعد العامة عن المعصومين وذويهم . ويقول الخطيب : ضرب المتوكل نصر بن علي ألف سوط لكونه حدث في فضل الحسن والحسين (ع) ولم يكفَّ عنه حتى شهدوا أنه من أهل السنة (٢) .

وقول مقاتل للمنصور الدوانيقي : إن شئت وضعت لك أحاديث في فضل العباس بن عبد المطلب (٣) يؤكد ما عليه الرواة من افتراء الأحاديث إرضاء للخلفاء .

____________________

(١) ج ١ ـ ص ٣٥٨ إلى ص ٣٦٥ .

(٢) تاريخ بغداد ج ١٣ ـ ص ١٦٧ .

(٣) تاريخ بغداد ج ١٣ ـ ٢٨٧ .

٣٠
 &

أنا لا أقول كل أولئك المنتمين إلى نبي الإسلام منزهون عن الوصمات فإن قضية عدم العصمة في غير الأئمة الاثنى عشر تسوغ صدور الشائعة منهم ، لكني أقول إن جل هاتيك المطاعن لم تثبت بطرق صحيحة يكن إليها ، فلا يصح الطعن بأقوام ثبت الصلاح لنوعهم وأمرنا بحبهم وإكبارهم لمكان جدهم الكريم (ص) بمجرد ورود مثل هاتيك الروايات من دون شواهد وقرائن تقوم على صدقها .

مع ما في ذلك من هتك المؤمن بإخراجه عن مستوى الشريعة المطهرة ، والأحاديث تنص على حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً ، وأن الطعن عليه وإيذاءه طعن على الله تعالى في عرشه وحرب لرسوله (ص) (١) .

وفيه من الاغتياب المحرم في قوله تعالى : ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) وصارح الرسول (ص) على منبر الدعوة الإلٰهية بأن الله لا يغفر للمغتاب ، إلا أن يغفر له صاحبه وأن حرمة الغيبة كمن زنى بأمه بين الركن والمقام .

والغيبة كما عليه العلماء من الشيعة والسنة ذكر الشخص بما يكره ، وأي كراهة أعظم من نسبة الشخص المسلم إلى المروق عن الدين ، ولا مبرر غير أحاديث أرسلت في الزبر بلا صحة في إسنادها وقد عرف المنشأ في وضعها واختلاقها .

على أن فيه إشاعة للفاحشة المنهي عنها بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .

____________________

(١) الصدوق في ثواب الأعمال .

٣١
 &

نعم يجوز لمن توفرت عنده القرائن الصحيحة على خروج الشخص عن العدالة والوثاقة فيصفه بذلك بقصد الوقوف على جرحه ليتحرز عن العمل برواياته في الأحكام الشرعية وأما من لم تتوفر عنده القرائن المثبتة للجرح أو توفرت ، ولكن لم يقصد هذه الغاية الثمينة الذي وضع علم الرجال لأجلها وأجهد العلماء أنفسهم في تمييز المجروحين من غيرهم فيحرم شرعاً التعرض له لأنه هتك المؤمن وإيذاؤه بالقول الشائن وإشاعة الفاحشة واغتيابه المحرم كل ذلك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة .

وعلى هذا فما أرسل في الكتب من نسبة المروق عن الحق إلى عبد الله المحض وجماعة الهاشميين رجالاً ونساءً لا يصح نقله لمجهولية رجال الإسناد في جملة الأحاديث وعدم ثبوت التوثيق في جملة أخرى وعدم الاعتماد على كثير ممن أودع تلك الأحاديث في كتابه .

وقد قال الله تعالى : ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (١) .

والفاسق أعم ممن ثبت فسقه أو لم يثبت توثيقه .

ومن العجيب أن أرباب الجوامع الذين احتفظوا بأمثال هذه الأحاديث نراهم لم يعبأوا بما تتضمنه من حكم إلزامي وتكليف شرعي بل لا يحتاطون في اتيانه إذاً فكيف جاز الاعتماد على هذا النقول في جرح الرجل المسلم ونسبته إلى التمرد على قانون الإسلام ، أليس هذا من التساهل في الدين ؟ ( أيها المنصفون ) فيعلم من ذلك أن غرضهم من تأليف قضايا تاريخية وقصص أخبار الماضين على ما دب ودرج .

____________________

(١) سورة الحجرات ، الآية : ٦ .

٣٢
 &

ثم إن السيد الجليل الثقة الثبت رضي الدين علي بن طاووس يحدث في رسالته ( مسكن الفؤاد ) عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه عن شيخه الجليل محمد ابن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن إسحاق بن عمار (١) قال : كتب أبو عبد الله الصادق (ع) إلى عبد الله بن الحسن ـ المثنى ـ حين حمل وأهل بيته يعزيه عما صار إليه ونص الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم إلى الخلف الصالح والذرية الطبية من ولد أخيه وابن عمه ، أما بعد : فإن كنت قد تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، وقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل ما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله عز وجل المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه (ص) : ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ) (٢) وحين يقول : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) (٣) وحين يقول : لنبيه (ص) حين مثل حمزة :

____________________

(١) رجال السند إلى ابن أبي عمير من مشاهير علماء الإمامية وأعيان شيوخ الاجازة ، وأما ابن عمير فهو جليل القدر في الطائفة ثقة ثبت وناهيك بجلالة قدره اعتماد الأصحاب على مراسليه . وأما إسحاق بن عمار فإن كان الصيرفي فهو جليل ثبت ، وإن كان الساباطي فهو موثوق الحديث ، وعلى كل حال فالرواية صحيحة لا وقفة فيها .

(٢) سورة الطور ، الآية : ٤٨ .

(٣) سورة القلم ، الآية : ٤٨ .

٣٣
 &

( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ) (١) فصبر رسول الله (ص) ولم يعاقب ، وحين يقول : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ ) (٢) وحين يقول : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (٣) وحين يقول : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٤) وحين يقول لقمان لابنه : ( وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (٥) وحين يقول موسى لقومه : ( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٦) وحين يقول : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٧) وحين يقول : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (٨) وحين يقول : ( وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ) (٩) وحين يقول : ( وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) (١٠) وأمثال ذلك من القرآن كثير .

واعلم أيا عمي وابن عمي أن الله عز وجل لم يبال بضر

____________________

(١) سورة النحل ، الآية ١٢٦ .

(٢) سورة طه ، الآية ١٣٢ .

(٣) سورة البقرة ، الآيتان ١٥٦ و ١٥٧ .

(٤) سورة الزمر ، الآية ١٠ .

(٥) سورة لقمان ، الآية ١٧ .

(٦) سورة الأعراف ، الآية ١٢٨ .

(٧) سورة العصر ، الآية ٣ .

(٨) سورة البقر ، الآية ١٥٥ .

(٩) سورة الأحزاب ، الآية ٣٥ .

(١٠) سورة يونس ، الآية ١٠٩ .

٣٤
 &

الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحب إليه من الجهد واللأواء مع الصبر ، وأنه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ، ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون ، ولولا ذلك ما قتل يحيى ابن زكريا ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا .

ولولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب لما قام بأمر الله عز وجل ظلماً وعدواناً ، وعمك الحسين بن فاطمة (ص) اضطهاداً وعدواناً .

ولولا ذلك ما قال الله عز وجل في كتابه :

( وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) (١) .

ولولا ذلك ما قال في كتابه :

( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ) (٢) .

ولولا ذلك لما جاء في الحديث :

لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافرين عصابة من حديد فلا يصدع رأسه أبداً .

ولولا ذلك لما جاء في الحديث :

إن الدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة .

____________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ٣٣ .

(٢) سورة المؤمنون ، الآيتان ٥٥ ـ ٥٦ .

٣٥
 &

ولولا ذلك لما جاء في الحديث :

لو أن المؤمن على قمة جبل لبعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه .

ولولا ذلك لما جاء في الحديث :

إذا أحب الله قوماً أو أحب عبداً صب عليه البلاء صباً ، فلا يخرج من غم إلا وقع في غم .

ولولا ذلك لما جاء في الحديث :

ما من جرعتين أحب إلى الله عز وجل أن يجرعها عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها ، ومن جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب .

ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله (ص) يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد .

ولولا ذلك ما بلغنا أن رسول الله (ص) كان إذا خصّ رجلاً بالترحم والاستغفار استشهد .

فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي وإخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عز وجل والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره .

أفرغ الله علينا وعليكم بالصبر وختم لنا ولكم بالسعادة وأنقذكم وإيانا من كل هلكة بحوله وقوته إنه سميع قريب وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته .

قال السيد ابن طاووس في الإقبال : اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله ـ المحض ـ بالعبد الصالح والدعاء عند جانبها له ولبني عمه بالسعادة وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين كانوا عند الصادق (ع) معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين .

٣٦
 &

وما يوجد في الكتب من مفارقتهم للصادق (ع) محتمل للتقية لئلا ينسب إظهارهم في إنكار المنكر إلى الأئمة .

ومما يدل على حسن حالهم ومعرفتهم بالحق ما يرويه خلاد بن عمير الكندي مولى لآل حجر بن عدي قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (ع) فقال : هل لكم علم بآل الحسن الذين خرج بهم مما قبلنا وكان قد اتصل بنا عنهم خبر فلم نحب أن نبدأه به ، فقلنا نرجوا أن يعافيهم الله ، فقال (ع) : وأين هم من العافية ؟ ثم بكى حتى علا صوته .

ثم قال حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين (ع) قالت : سمعت أبي صلوات الله عليه يقول :

يقتل منك أو يصاب منك نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون . وإنه لم يبق من ولدها غيرهم .

قال السيد ابن طاووس وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن (ع) وإنهم مضوا إلى الله جلّ جلاله بشرف المقام والظفر بالسعادة والإكرام .

ولقد كان عبد الله بن الحسن المحض عارفاً بالحجة المهدي الموعود به الذي يقيم العدل والقسط أو أنه غير ابنه محمد وإن تسمى به .

فقد روينا عن جدنا الشيخ الطوسي بإسناده أن أبا عبد الله الصادق (ع) وقف تحت الميزاب يدعو وعن يمينه عبد الله بن الحسن وعن يساره حسن ابن الحسن ومن خلفه جعفر بن الحسن فناداه عباد ابن كثير البصري : يا أبا عبد الله ثلاثاً فلم يجبه ، فقال له : يا جعفر

٣٧
 &

فعندها ، قال : له ما تشاء يا أبا كثير ، فقال : إني وجدت في كتاب لي أن هذه البنية ينقضها رجل حجراً حجراً .

فقال (ع) : كذب كتابك يا أبا كثير .

ولكن كأني به والله أصفر القدمين أحمش الساقين ضخم البطن رقيق العنق ضخم الرأس على هذا الركن ، وأشار بيده إلى الركن اليماني ، يمنع الناس من الطواف حتى يتذعروا منه ثم يبعث الله عزّ وجلّ رجلاً مني ، وأشار إلى صدره ، فيقتله قتل عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد .

فقال عبد الله بن الحسن المثنى : صدق والله أبو عبد الله (ع) حتى صدقوه كلهم ، فهل يصدر مثل هذا الاعتراف إلا ممن يعرف الحق واليقين ، ومطمئن بالحجة المهدي من ولد الحسين (ع) .

كما أن إبراهيم بن عبد الله المحض لم ينكره فقد سأله أخوه يحيى عن المهدي ، هل هو أخوه محمد ؟ فقال إبراهيم : ( المهدي ) عدة من الله تعالى لنبيه (ص) وعده أن يجعل من أهله مهدياً لم يسمعه بعينه ولم يوقت زمانه ، ولكن أخي محمد قام بفريضة عليه لله تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن أراد الله أن يجعله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يمنّ به على من يشاء من عباده ، وإلّا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره .

وكان أخوه محمد بن عبد الله يقول : إني خارج مقتول ثم ذكره عذره في خروجه مع علمه بأنه مقتول .

وهذا كله يكشف عن تمسكهم بطاعة الله وطاعة رسوله والأئمة من آله .

٣٨
 &

روينا ذلك عن جدي أبي جعفر الطوسي .

انتهى الإقبال .

إني لا أرى لأي أحد التوقف في حسن حال هؤلاء العلويين بعدما يقرأ هذه الرسالة المباركة من الإمام جعفر الصادق (ع) إلى بني عمه .

ولم يسمح له التمسك بالعلم الصحيح إلا رفض كل ما جاء من الطعن في هذه الذوات وأمثالهم ممن لم يثبت بالطرق الصحيحة التمرد منهم على الشرع الأقدس .

ومن هؤلاء ما ستقرؤه عن السيدة سكينة (ع) بنت الإمام الشهيد (ع) التي لم تقم أدلة صحيحة على مروقها عن الشريعة واجتنابها طريق الحق .

ومن هنا قال العلامة الحلّي في أجوبة مسائل ابن مهنا ما نصه :

لا يجوز لأحد أن ينسب إلى أحد من الذرية ارتكاب محرم متفق على تحريمه ما لم يثبت بدليل صحيح ، وإسناد النقص إلى الرواة أولى من إسناد النقص إليهم ، اهـ .

وقال العلامة المجلسي في مرآة العقول ج ١ ـ ص ٢٣٢ :

الأنسب عدم التعرض لأحد من أولاد الأئمة إلا بخير إذ لم يثبت الحكم بالتبري منهم ، اهـ .

٣٩
 &

السيّدة سكينة السيّد عبد الرزّاق المقرّم

٤٠