السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الثقلين الثقافيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١١٩١
الْأُنْثَيَيْنِ) (١).
فزعمتم أن لا حظّ لي ولا إرث لي من أبي!
أفحكم الله بآية أخرج منها أبي؟!
أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ ـ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! ـ.
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢) ـ انتهى كلام الجوهري ـ.]
احتجاج علي عليهالسلام في فدك
روى المحدثون أنّ عليا عليهالسلام جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله حشد من المهاجرين والأنصار فقال عليهالسلام : يا أبا بكر لم منعت فاطمة نحلتها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ملكتها في حياته؟!
فقال أبو بكر : فدك فيء للمسلمين ، فإن أقامت شهودا أنّ رسول الله أنحلها فلها وإلاّ فليست لها حق فيها.
فقال علي عليهالسلام : يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى؟
قال : لا.
قال عليهالسلام : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، فادّعيت أنا فيه ، من تسأل البينة؟
قال : إيّاك أسأل.
قال عليهالسلام : فما بال فاطمة سألتها البيّنة منها على ما في يديها!
__________________
(١) سورة النساء ، الآية ١١.
(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٠.
وقد ملكته في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده.
فسكت أبو بكر هنيهة ، ثم قال : يا علي! دعنا من كلامك ، فإنّا لا نقوى على حجّتك ، فإن أتيت بشهود عدول ، وإلاّ فهي فيء للمسلمين ، لا حق لك ولا لفاطمة فيها!!
فقال علي عليهالسلام : يا أبا بكر! تقرأ كتاب الله! قال : نعم ، قال عليهالسلام : أخبرني عن قول الله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟
قال : بل فيكم! قال عليهالسلام : فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بفاحشة ـ والعياذ بالله ـ ما كنت صانعا بها؟
قال : أقمت عليها الحدّ كما أقيم على نساء المسلمين!!
قال عليهالسلام : كنت إذا عند الله تعالى من الكافرين!
قال : ولم؟ قال : لأنك رددت شهادة الله بطهارتها وقبلت شهادة الناس عليها!
كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وزعمت أنّها فيء للمسلمين ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : البيّنة على المدّعي ، واليمين على من ادّعي عليه.
فدمدم الناس وأنكروا على أبي بكر ، وقالوا : صدق ـ والله ـ علي.
ردّ الخليفة على فاطمة وعليّ عليهما السّلام
نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١٦ / ٢١٤ ـ ٢١٥ / ط دار إحياء التراث العربي عن أبي بكر الجوهري بإسناده إلى جعفر بن
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.
محمد بن عمارة قال [فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها فصعد المنبر وقال : أيّها الناس! ما هذه الرّعة إلى كل قالة!
أين كانت هذه الأمانيّ في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! ألا من سمع فليقل! ومن شهد فليتكلّم! إنّما هو ثعالة ، شهيده ذنبه ، مربّ لكلّ فتنة ، هو الذي يقول : كرّوها جذعة بعد ما هرمت ، يستعينون بالضعفة ، ويستنصرون بالنساء ، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغيّ ، ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت ولو قلت لبحت ، إنّي ساكت ما تركت.
ثم التفت إلى الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ، وأحق من لزم عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنتم! فقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، ألا إنّي لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منّا.]
ثم نزل ، فانصرفت فاطمة عليهاالسلام إلى منزلها.
بالله عليكم أنصفوا!!
أيليق هذا الكلام البذيء والبيان الرديء لمدّعي خلافة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟! أيجوز لشيخ كان صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يمثل بنت رسول الله وبضعة لحمه ، بالثعلب أو بأمّ طحال الفاجرة؟!
ويمثّل الإمام علي عليهالسلام بذنب الثعلب وهو الذي عظم الله قدره وأكبر شأنه في كتابه وجعله نفس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في آية المباهلة بلا منكر!!
الى متى تغمضون أعينكم وتصمّون آذانكم وتختمون على قلوبكم بالتغافل والتّعصب؟! فتنكرون ضوء الشمس في الضحى وتعيشون في الجهل والعمى!!
افتحوا أعينكم وآذانكم وقلوبكم ، واخرجوا عن الغفلة والتعصب ، وادخلوا مدينة العلم والحكمة من بابها التي فتحها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واعرفوا الحق وتمسكوا به وكونوا احرارا في دينكم ودنياكم!
أيها الحافظ : فلو أنّ قائلا في هذا المجلس يقول بأنّ الحافظ كالثعلب والشيخ عبد السلام ذنبه ، ويقول : أنّ زوجة الحافظ تكون مثل فلانة الفاجرة!!
ما كنت تصنع به؟ أكنت تسكت على تجاسره؟ أم تقول : إنّ كلامه ليس بتجاسر؟!
حتما تحسب كلام القائل بالنسبة أليك سبّا صريحا وشتما وقيحا ، يستحقّ أن تردّه بأخشن جواب! وربما أمرت أتباعك ومحبيك بضربه وتأديبه وتعذيبه وتأنيبه ، والكل يعطونك الحق في ذلك ، إذا .. كيف تريدون منّا أن نصبر على تجاسر أبي بكر وسبه وشتمه لأبينا أمير المؤمنين وجدّتنا فاطمة عليهما السّلام؟ كيف نتحمل من أبي بكر وهو يدّعي خلافة جدّنا النبي فيصعد منبره ويعبّر بتلك التعابير الركيكة عن جدّتنا الزهراء وأبينا أمير المؤمنين ، فيشتمهم ذلك الشتم القبيح ويسبّهم السباب الوقح ، ملوّحا أو مصرّحا؟!
استغراب ابن أبي الحديد (١)
يستغرب ابن أبي الحديد ويتعجّب من جواب أبي بكر ، فلذلك
__________________
(١) أقول : حق لابن أبي الحديد أن يستغرب من ذلك البيان فإن كلّ غيور من المسلمين والمسلمات يستغرب ويتعجّب بل يجب على المؤمنين كافة أن ينكروا على أبي بكر
يقول [قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصريّ ، وقلت له : بمن يعرّض؟ فقال : بل يصرّح. قلت : لو صرّح لم أسألك. فضحك وقال : بعلي بن أبي طالب عليهالسلام. قلت : هذا الكلام كله لعليّ يقوله؟! قال : نعم ، إنّه الملك يا بنيّ! قلت : فما مقالة الأنصار؟ قال : هتفوا بذكر عليّ ، فخاف من اضطراب الأمر عليهم ، فنهاهم.
فسألته عن غريبه ، فقال : أمّا الرّعة بالتخفيف أي : الاستماع والإصغاء ، والقالة : القول ، وثعالة : اسم الثعلب ، علم ممنوع من
__________________
مقاله القبيح وكلامه الوقيح على سيدة نساء العالمين وبعلها سيد الوصيين وأمير المؤمنين ٣ ، كما أنّ السيدة الجليلة أم سلمة أم المؤمنين أنكرت على أبي بكر وردّت عليه ، كما في دلائل الإمامة لابن جرير : ص ٣٩ قالت [ألمثل فاطمة يقال هذا وهي الحوراء بين الأنس ، والأنس للنفس ، ربّيت في حجور أمهات الأنبياء وتداولتها أيدي الملائكة ونمت في المغارس الطاهرات ، نشأت خير منشأ وربيت خير مربى أتزعمون أنّ رسول الله حرّم عليها ميراثه ولم يعلمها ، وقد قال الله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)؟
أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان وأمّ سادة الشبان وعديلة مريم ابنة عمران وحليلة ليث الأقران ، تمّت بأبيها رسالات ربه. فو الله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر ، فيوسدها يمينه ويدثّرها بشماله. رويدا فرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بمرأى لغيّكم وعلى الله تردون ، فواها لكم وسوف تعلمون.
أنسيتم قول رسول الله «أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقوله : إنّي تارك فيكم الثقلين» ما أسرع ما أحدثتم وأعجل ما نكثتم!!
فحرمت أم سلمة عطاءها تلك السنة!!] «المترجم»
الصرف ، مثل : ذؤالة للذئب ، وشهيدة ذنبه ، أي : لا شاهد له على ما يدّعي إلاّ بعضه وجزء منه ... ومربّ : ملازم ، أربّ بالمكان ، وكرّوها جذعة : أعيدوها إلى الحال الأولى ، يعني الفتنة والهرج. وأمّ طحال : امرأة بغيّ في الجاهلية ، يضرب بها المثل فيقال : ازنى من أمّ طحال!!]
لا أدري كيف تسنّى لأبي بكر أن يتكلم بذلك الكلام البذيء؟ وكيف سمحت له نفسه أن يعبّر بذلك التعبير المسيء ويؤذي فاطمة ويغضبها وقد سمع قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أغضبها فقد أغضبني؟!».
وهل بذلك يجاب احتجاج الإمام علي عليهالسلام؟ أشتمه علي وسبّه؟ أم استدلّ له بحكم الله وبالعقل والمنطق؟
ما ضرّه لو قبل الحق وعمل به ، ولا سيما وقد سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول «علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق حيثما دار علي عليهالسلام».
ليت شعري بأي دليل ولما ذا يسبّ عليا وفاطمة ويشتمهما وقد سمع قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهما وفي أبنائهما «أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم؟؟ (١)».
__________________
(١) في مناقب الخطيب الموفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي : ٢٠٦ أخرج بسنده عن يونس بن سليمان التميمي عن زيد بن يثبع قال [سمعت أبا بكر يقول : رأيت رسول الله (ص) خيّم خيمة وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال رسول الله (ص) : يا معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة وحرب لمن حاربهم وولي لمن والاهم وعدو لمن عاداهم ، لا يحبهم الاّ سعيد الجد ، طيب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقيّ الجد رديّ الولادة ، قال : فقال رجل لزيد : يا زيد! أنت سمعت أبا بكر يقول هذا؟ قال : إي وربّ الكعبة!]
وأخرج هذا الحديث عبيد الله الحنفي في كتابه أرجح المطالب : ص ٣٠٩ وقال : أخرجه المحب الطبري الشافعي في الرياض النضرة. «المترجم»
عقاب من سب عليا عليهالسلام
لا شكّ أنّ الله سبحانه يعذّب سابّ عليّ عليهالسلام أشدّ العذاب ، كائنا من كان ، وقد فتح العلاّمة الكنجي الشافعي بابا في كتابه كفاية الطالب وهو الباب العاشر في كفر من سب عليا عليهالسلام ، روى بسنده عن يعقوب ابن جعفر بن سليمان قال: حدثنا أبي عن أبيه قال: كنت مع أبي عبدالله بن العباس وسعيد بن جبير يقوده، فمرّ على صفّة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علياً عليهالسلام ! فقال لسعيد بن جبير ردّني إليهم، فوقف عليهم، فقال: أيكم الساب لله عزوّجل؟ّ! فقالوا: سبحان الله ما فينا أحدٌ سبّ الله، قال: أيّكم السّاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! قالوا: ما فينا أحدٌ سب رسول الله، قال: فأيّكم الساب علي بن أبي طالب؟ فقالوا: أمّا هذا فقد كان!! قال: فأشهد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سمعته أذناي ووعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب : من سبَّك فقد سبّني ومن سبّني فقد سب الله ومن سبّ الله، أكبّه الله على منخريه في النار.
وروى كثير من أعلامكم ومحدّثيكم أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال في عليّ وفاطمة «من آذاهما فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم «من آذى عليا فقد آذاني».
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم «من سبّ عليا فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله (١)».
__________________
(١) أقول : أخرج حديث ابن عباس الذي رواه العلامة الكنجي الشافعي كثير من أعلام العامة منهم : المحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ ص ١٦٦ ، والموفق بن أحمد
__________________
الخطيب الخوارزمي في المناقب ٨١ ، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين / ١٠٥ ، والعلامة ابن المغازلي الشافعي في مناقبه / ٣٩٤ / حديث رقم ٤٤٧.
وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة / ٧٢ / طبع المطبعة الميمنية بمصر قال : (الحديث الثامن عشر) أخرج أحمد والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من سبّ عليا فقد سبّني».]
وقال : (الحديث السادس عشر) أخرج أبو يعلى والبزّار عن سعد بن أبي وقّاص قال [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أذى عليا فقد آذاني».]
والأحاديث في هذا الباب كثيرة بحيث لا منكر لها بين المسلمين ، وقد ورد مثلها في حق فاطمة عليهاالسلام : روى العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودة الحادية عشرة / عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد قال «فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني».
وفي الصواعق / ١١٢ طبع مطبعة الميمنية بمصر الحديث الثالث والعشرون ، أخرج أحمد والحاكم عن مسور أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال «فاطمة بضعتي يغضبني ما يغضبها ويبسطني ما يبسطها». وفي صفحة ١١٤ / الحديث الخامس ، أخرج أحمد والترمذي والحاكم ، عن ابن الزبير أنّ النبي (ص) قال «إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».
وروى في صفحة ١٠٨ / «فاطمة بضعة مني يسرّني ما يسرّها».
وروى القندوزي في ينابيع المودة / الباب الخامس والخمسون ، قال : وفي صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة أنّ رسول الله (ص) قال «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني».
قال : وفي صحيح مسلم «إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها ويسرّني ما
__________________
أسرّها». قال القندوزي : وفي الترمذي ، عن مسور «إنّها بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها». حديث حسن صحيح. وفي الترمذي أيضا عن ابن الزبير :
«انما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها». حديث حسن صحيح.
وفي الترمذي أيضا وابن ماجة ، عن صبيح مولى أم سلمة وزيد بن أرقم قالا [أن رسول الله (ص) قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم».]
قال القندوزي : وفي كنوز الدقائق للمناوي «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها». قال : رواه الديلمي.
وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / ١٤٣ / باب التحذير من بغضهم وسبهم /: عن رسول الله (ص) «من سبّ أهل بيتي فإنما يرتدّ عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ، ومن آذاني في عترتي فقد آذى الله ، إنّ الله حرّم الجنّة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم».
بعد نقل هذه الأحاديث من صحاح أهل السنّة ومسانيدهم ، ألفت نظر القارئ الكريم الى الخبر الذي رواه ابن قتيبة في كتابه المشهور الإمامة والسياسة / ١٤ و ١٥ / طبع مطبعة الأمة بمصر سنة ١٣٢٨ هجرية في عيادة أبي بكر وعمر لفاطمة عليهاالسلام :
[.. فقالت : أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول الله (ص) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟» قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت : فإني أشهد الله وملائكته ، أنّكما اسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (ص) لأشكونّكما إليه.]
الدليل الثاني في ردّ أبي بكر
قلنا بأنّ الدليل الأوّل على ردّ الحديث الذي نقله أبو بكر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، أنه مخالف لنصّ القرآن ، فإنّ الآيات الكريمة صريحة في توريث الأنبياء.
__________________
فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة! ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي عليهالسلام تقول [والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة أصلّيها!!]
ومشهور المحدثين قالوا [أنّ فاطمة ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر] منهم : البخاري في صحيحه / ج ٥ / ٥ باب فرض الخمس / روى عن عائشة .. [فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرة حتى توفيت]. وفي ج ٦ / ١٩٦ / باب غزوة خيبر / عن عائشة : [فوجدت [أي غضبت] فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفّيت.]
ومثله لفظا أو معنى ، في صحيح مسلم : ج ٢ / ٧٢ ، ومسند أحمد : ج ١ / ٦ و ٩ ، وتاريخ الطبري : ج ٣ / ٢٠٢ ، ومشكل الآثار للطحاوي : ج ١ / ٤٨ ، وسنن البيهقي : ج ٦ / ٣٠٠ و ٣٠١ ، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب التاسع والتسعون / في أواخره ، ثم قال : هذا حديث صحيح متّفق على صحّته ، وتاريخ ابن كثير : ج ٥ / صفحة ٢٨٥ وقال في ج ٦ / ٣٣٣ : لم تزل فاطمة تبغضه مدّة حياتها ـ أي تبغض أبا بكر ـ وذكره بلفظ الصحيحين أي عن عائشة.
والديار بكري في تاريخ الخميس : ج ٢ / ١٩٣ ، ورواه عنها أيضا بلفظ الصحيحين ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ٦ / ٤٦ ، وقال في صفحة ٥٠ [والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، وأنها أوصت ألاّ يصليا عليها.]
أقول : والحرّ تكفيه الإشارة. «المترجم»
وأما الدليل الثاني في ردّه : هو أنّنا نعلم بأنّ الإمام علي عليهالسلام هو عيبة علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو الذي قال فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما نقله علماء الفريقين : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وأنا دار الحكمة وعلي بابها ، ومن أراد العلم والحكمة فليأت الباب».
والحديث النبوي الآخر ، الذي اشتهر أيضا بين المحدثين من الفريقين قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليّ أقضاكم».
فكيف يمكن أن يبيّن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حكما خاصّا في الإرث وقاضي دينه وباب علمه ، لا يعلم ذلك؟ ولا سيما الحكم الذي يكون في شأن فاطمة عليهاالسلام وهي زوجة عليّ عليهالسلام وهو وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
فكيف يقبل عقلكم أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يكتم هذا الأمر عن أخصّ الناس إليه وعمّن يخصّهم الحكم ويقوله لأبي بكر الذي لا يرتبط بالموضوع؟! والمفروض أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول ذلك الحكم لوارثه أو وصيّه ، وهذا أمر بديهي يعرفه كل أحد حتى عامة الناس والسوقيين ، فكيف بسيد المرسلين وخاتم النبيين؟!
الشيخ عبد السلام : أما حديث أنا مدينة العلم ، غير مقبول عند محدثينا ، وكذلك لم يثبت عند جمهور علمائنا بأن عليا وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا الأمر غير مقبول ، بل عندنا مردود لما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة (رض) أنه ذكر عندها أنّ رسول الله (ص) أوصى. قالت [ومتى أوصى؟ ومن يقول ذلك؟ إنّه دعا بطست ليبول ، وإنّه بين سحري ونحري ، فانخنث في حجري فمات وما شعرت بموته.]
فكيف يمكن أن يوصى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأحد ويخفى ذلك على أم
المؤمنين عائشة (رض)؟!
قلت : أما نفيك لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فهو تحكّم وتعصّب ، لأنّ كثيرا من أعلامكم ذكروه في كتبهم وإسنادهم وحسّنوه أو صححوه ، منهم :
الثعلبي ، والحاكم النيسابوري ، ومحمد الجزري وابن جرير الطبري والسيوطي والسخاوي والمتقي الهندي والعلاّمة الكنجي ومحمد بن طلحة والقاضي فضل بن روزبهان والمناوي وابن حجر المكي والخطيب الخوارزمي والحافظ القندوزي والحافظ أبو نعيم وشيخ الإسلام الحمويني وابن أبي الحديد المعتزلي والطبراني وسبط ابن الجوزي والنسائي وغيرهم (١).
__________________
(١) من الضروري أن أضع النقاط على الحروف وأذكر مصادر الحديث الشريف :
«أنا مدينة العلم وعلي بابها» بشكل أدق وأوضح ، رواه الحاكم بسنده عن مجاهد عن ابن عباس في مستدرك الصحيحين : ٣ / ١٢٦ وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ورواه بطرق آخر في صفحة ١٢٧ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، والخطيب البغدادي في تاريخه ج ٤ / ٣٤٨ وبطريق آخر في ج ٧ / ١٧٢ وبطريق آخر في ج ١١ / ٤٨ وبطريق رابع في ج ١١ / ٤٩ ثم قال : قال القاسم : سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال : هو صحيح. رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ / ٢٢ وابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٦ / ٣٢٠ وج ٧ / ٤٢٧ ، وفي كنز العمال ج ٦ / ١٥٢ والمناوي في فيض القدير ج ٣ / ٤٦ ، وقال : أخرجه العقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم عن ابن عباس ، ورواه الهيثمي في المجمع ج ٩ / ١١٤ ورواه المتقي في كنز العمال ج ٦ / ١٥٦ قال : أخرجه الطبراني وفي صفحة ٤٠١ حكاه عن ابن جرير وفي صفحة ١٥٦ قال : أخرجه أبو نعيم في المعرفة ، ورواه المناوي أيضا في كنوز الحقائق / ٤٣ قال : أخرجه الديلمي ورواه المحبّ الطبري في الرّياض النضرة
الإمام علي وصي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأما أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اتخذ عليا وصيا لنفسه فهو أمر ثابت للنصوص المتوافرة والروايات المتكاثرة حتى عدّه العلماء من الأمور المتواترة ، ولا ينكره الاّ المعاند الحقود والمتعصب العنيد.
النوّاب : خليفة رسول الله هو الذي ينفّذ وصاياه ، وينظم شئون أهله وزوجاته ، كما أنّ الخلفاء الراشدين كانوا يضمنون لزوجات النبي كلما احتجن وكانوا يتكفّلون بمعاشهن ورزقهن. فلما ذا تخصّصون عليا كرم الله وجهه بالوصاية؟
__________________
ج ٢ / ١٩٣ قال : أخرجه في المصابيح في الحسان ، ورواه ابن حجر في الصواعق / ٧٣ ط المطبعة الميمنية قال : أخرجه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر ، وأخرجه الحاكم والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر ، والترمذي والحاكم عن علي عليهالسلام وأما حديث : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ... الخ أو قال أنا دار الحكمة ... الخ فقد رواه الترمذي في صحيحه ج ٢ / ٢٩٩ وفي تاريخ بغداد ج ١١ / ٢٠٤ بسنده عن ابن عباس ، وفي كنز العمال ج ٦ / ٤٠١ قال : قال الترمذي وابن جرير معا الخ وقال : أخرجه أبو نعيم في الحلية ، ثم قال المتقي : وقال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح بسنده ، وذكره المناوي في فيض القدير في المتن وقال : أخرجه الترمذي ، ثم قال في الشرح : وفي رواية : [أنا مدينة الحكمة وعلي بابها الخ] وقال أيضا في شرح (علي بابها) [أي علي بن أبي طالب عليهالسلام هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة ،] فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها ، وهذه المنقبة ما أعلاها ، ومن زعم أنّ المراد بقوله (ص) : وعلي بابها أنّه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لا يجزيه ، ولا يسمنه ولا يغنيه «انتهى كلام المناوي».
«المترجم»
قلت : نعم .. لا ريب أنّ وصي النبي خليفته ، وقد ذكرت لكم في المجالس السابقة النصوص الواردة في أنّ عليا هو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والآن أذكر لكم النصوص المتظافرة والأحاديث المتوافرة في أنّ عليا عليهالسلام هو وصي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس غيره ، والجدير بالذكر أنّي أنقل هذه الأخبار من كتب أعلامكم وأسناد علمائكم الموثقين لديكم ، فلا يصحّ بعد ذلك أن يقول الشيخ عبد السلام : أنّ خبر تعيين النبي عليا بالوصاية مردود عند علمائنا للخبر المروي عن أم المؤمنين عائشة ، فإنّ الخبر الواحد لا يمكن أن يعارض مجموع الأخبار المقبولة عند الأعلام والمرويّة عن الطرق الموثقة عن الأصحاب الكرام ، فيؤخذ بالجمع ويسقط الواحد.
١ ـ روى الثعلبي في تفسيره وفي كتابه المناقب ، وروى ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب ، والمير علي الهمداني في مودة القربى / المودة السادسة ، كلهم عن عمر بن الخطاب قال [قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما عقد المؤاخاة بين أصحابه ، قال «هذا عليّ أخي في الدنيا والآخرة وخليفتي في أهلي ووصيّي في أمّتي ووارث علمي وقاضي ديني ، ماله مني مالي منه ، نفعه نفعي وضره ضري ، من أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني».]
٢ ـ خصص الحافظ سليمان القندوزي في كتابه ينابيع المودّة بابا في الموضوع وهو : الباب الخامس عشر «في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام وجعله وصيا» هكذا عنونه ، ثم نقل فيه عشرين خبرا ورواية عن طريق الثعلبي وشيخ الاسلام الحمويني والحافظ أبي نعيم ، وأحمد بن حنبل وابن المغازلي والخوارزمي والديلمي ، وأنا أنقل إليكم بعضها :
عن مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أنس بن مالك قال [قلنا لسلمان : سل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن وصيه. فقال سلمان : يا رسول الله من وصيّك؟ فقال «يا سلمان! من وصي موسى؟ فقال : يوشع بن نون ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب».]
هذا الحديث أخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / ٢٦ ، وأخرجه أيضا ابن المغازلي في مناقبه.
٣ ـ وينقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن بريدة قال : [قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «لكل نبي وصي ووارث وإنّ عليا وصيي ووارثي».]
هذا الحديث أخرجه العلاّمة الكنجي أيضا في كتابه كفاية الطالب بسنده عن بريدة عن أبيه ، وبعد نقله قال : هذا حديث حسن ، أخرجه محدّث الشام في تاريخه ، كما أخرجناه سواء.
٤ ـ ونقل عن شيخ الإسلام الحمويني عن أبي ذر قال [قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم [أنا خاتم النبيين ، وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين».]
ونقل عن موفق بن أحمد الخوارزمي أيضا بسنده عن أم سلمة ـ أم المؤمنين ـ قالت [قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله اختار من كل نبيّ وصيا ، وعلي وصيي في عترتي وأهل بيتي وأمتي بعدي».]
٦ ـ ونقل عن مناقب ابن المغازلي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال : قال علي عليهالسلام في بعض خطبه «أيها الناس! أنا إمام البريّة ، ووصي خير الخليقة ، وأبو العترة الطاهرة الهادية ، أنا أخو رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ووصيّه ووليّه وصفيّه وحبيبه ، أنا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجّلين وسيد الوصيين.
حربي حرب الله وسلمي سلم الله وطاعتي طاعة الله وولايتي ولاية الله ، وأتباعي أولياء الله ، وأنصاري أنصار الله».
٧ ـ وروى أيضا ابن المغازلي بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال «انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ ، لم يسجد أحدنا لصنم قط ، فاتّخذني نبيا واتخذ عليا وصيا».
٨ ـ روى المير علي الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى / المودة الرابعة / عن عتبة بن عامر الجهني قال [بايعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على قول : أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا نبيّه وعليا وصيّه فأيّ من الثلاثة تركناه كفرنا الخ.]. ، وبعدها روى عن علي عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال «إنّ الله تعالى جعل لكل نبيّ وصيّا ، جعل شيث وصيّ آدم ، ويوشع وصيّ موسى ، وشمعون وصيّ عيسى ، وعليا وصيّي ، ووصيّي خير الأوصياء الخ».
٩ ـ نقل القندوزي في الباب الخامس عشر من ينابيعه عن أبي نعيم الحافظ أنه روى في حلية الأولياء بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «إن الله عهد إلي في عليّ عهدا وقال عزّ وجلّ : إنّ عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من اطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين. من أحبه أحبّني ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره! فجاء عليّ فبشّرته بذلك ، فقال : يا رسول الله! أنا عبد الله وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشّرني به فالله أولى وأكرم بي. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم قلت : اللهم أجل قلبه واجعله ربيعة الإيمان فقال جل شأنه : قد فعلت به ذلك. ثم قال تعالى : إنّ عليا مستخصّ بشيء من البلاء لم يكن لأحد من أصحابك! فقلت : يا رب ، إنّه أخي ووصيي .. فقال
عزّ وجلّ : إنّ هذا شيء قد سبق في عليّ ، إنّه مبتلى ومبتلى به».
١٠ ـ ونقل القندوزي أيضا في الباب عن مناقب الموفّق بن أحمد الخوارزمي روى بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال [إنّ فاطمة سلام الله عليها أتت في مرض أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم وبكت ، فقال : يا فاطمة! إنّ لكرامة الله إيّاك زوّجك من هو أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ، إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا ، ثم اطّلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى إليّ أن أزوّجه إياك وأتخذه وصيّا»] قال القندوزي : وزاد ابن المغازلي في المناقب [يا فاطمة! إنّا أهل البيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين : منّا أفضل الأنبياء وهو أبوك ، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك ، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء وهو جعفر ابن عمك ، ومنّا سبطان وسيدا شباب أهل الجنة ابناك ، والذي نفسي بيده إنّ مهديّ هذه الأمة يصلّي عيسى بن مريم خلفه وهو من ولدك] قال القندوزي : وزاد الحمويني ، [يملأ عدلا وقسطا بعد ما ملئت جورا وظلما ، يا فاطمة! لا تحزني ولا تبكي فإنّ الله عزّ وجلّ ارحم بك وأرأف عليك منّي وذلك لمكانك وموقعك من قلبي.
قد زوّجك الله زوجا وهو أعظمهم حسبا وأكرمهم نسبا وأرحمهم بالرعيّة وأعدلهم بالسويّة وأبصرهم بالقضيّة] انتهى ما نقله القندوزي (١).
__________________
(١) أذكر للقارىء الكريم مزيدا من مصادر العامة في اتخاذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا وصيا لنفسه ، وذلك لأهميّة الموضوع :
مات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ورأسه في حجر علي عليهالسلام
أمّا ما نقله الشيخ عبد السلام عن عائشة : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مات ورأسه بين سحري ونحري ، فهو مردود عند أهل البيت عليهمالسلام لأنهم رووا إلى حد التواتر وأيّده كثير من أعلامكم أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مات ورأسه في حجر علي يناجيه.
الشيخ عبد السلام : لا أظن أحدا من علمائنا الأعلام ينقل هذا الخبر ويؤيّده ، لأنّه معارض لرواية أم المؤمنين عائشة!
قلت : إذا أحببت أن تعرف حقيقة الأمر وينكشف لك الواقع فراجع :
__________________
١ ـ مستدرك الصحيحين : ج ٣ / ١٧٢.
٢ ـ مجمع الزوائد : ج ٩ / ١١٣ و ١٤٦ و ١٦٥.
٣ ـ ذخائر العقبى : ١٣٥ و ١٣٨.
٤ ـ الرياض النضرة : ج ٢ / ١٧٨.
٥ ـ تهذيب التهذيب : ج ٣ / ١٠٦.
٦ ـ كنز العمال : ج ٦ / ١٥٣ و ١٥٤ و ٣٩٢ و ٣٩٧ وج ٨ / ٢١٥.
٧ ـ كنوز الحقائق : ٤٢ و ١٢١.
٨ ـ حلية الأولياء : ج ١ / ٦٣.
٩ ـ تاريخ بغداد : ج ١١ / ١١٢ وج ١٢ / ٣٠٥.
١٠ ـ كفاية الطالب : الباب الرابع والخمسون.
ثم اعلم إنّ المصادر الموثوقة تحتوي على روايات كثيرة وردت بمعنى الوصاية ، أعرضنا عنها خشية الإطالة. «المترجم»
١ ـ كنز العمال : ج ٤ / ٥٥ وج ٦ / ٣٩٢ و ٤٠٠.
٢ ـ طبقات ابن سعد : ج ٢ / ٥١.
٣ ـ مستدرك الصحيحين للحاكم : ج ٣ / ١٣٩.
٤ ـ وتلخيص الذهبي وسنن ابن أبي شيبة والجامع الكبير للطبراني ومسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ، وحلية الأولياء / ترجمة الإمام علي عليهالسلام ، ومصادر كثيرة أخرى ، رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، عن أم سلمة وعن جابر بن عبد الله الأنصاري وحتى عن عائشة وغيرهم : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حينما قبض كان رأسه في حجر الإمام علي عليهالسلام ، وقد أشار الإمام في نهج البلاغة إلى هذا الأمر حيث يقول عليهالسلام :
[ولقد قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّ رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها على وجهي ، ولقد ولّيت غسله صلىاللهعليهوآلهوسلم والملائكة أعواني] إلى آخر خطبته الشريفة ، ومن أراد أن يطّلع عليها كاملة ويعرف رموزها ومغزاها فليراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٠ / ١٧٩ / ط دار إحياء التراث العربي.
وفي صفحة ٢٦٥ من نفس المجلّد ، قال : ومن كلام له عليهالسلام عند دفن سيّدة النساء فاطمة عليهاالسلام ، كالمناجي به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند قبره : [السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ... إلى أن يقول : فلقد وسدّتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، إلى آخر كلامه (١).]
__________________
(١) من المناسب ذكر الخبر المروي عن عائشة في هذا المجال وهو معارض لما رواه الشيخ عبد السلام من الصحيحين.
روى العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي المتوفّى سنة ٦٥٨ هجرية ،
ولقد أيّد هذا الكلام والمعنى كلّ من شرح نهج البلاغة من ابن أبي الحديد ومن قبله ومن بعده إلى الشيخ محمد عبده.
هذه دلائل كافية لردّ الخبر المروي عن عائشة ، ولا يخفى أنّ عائشة كانت تحمل حقدا وبغضا على الإمام عليّ عليهالسلام بحيث كانت ترى جواز وضع روايات تنفى بها فضائل علي عليهالسلام ومناقبه!!
__________________
في كتابه كفاية الطالب / الباب الثاني والستون قال في أواسطه [أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن الحسن الصالحي ، أخبرنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي ، أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أخبرنا أبو الغنائم بن المأمون ، أخبرنا إمام أهل الحديث أبو الحسن الدارقطني ، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر البجلي ، حدثنا علي بن الحسين بن عبيد بن كعب ، حدثنا إسماعيل بن ريّان ، حدثنا عبد الله بن مسلم الملائي عن أبيه ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود عن عائشة قالت : قال رسول الله (ص) ـ وهو في بيتها لما حضره الموت ـ : ادعوا لي حبيبي! فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه ، ثم قال : ادعوا لي حبيبي! فدعوت له عمر ، فلما نظر إليه وضع رأسه ، ثم قال : ادعوا لي حبيبي! فقلت : ويلكم ادعوا له عليا فو الله ما يريد غيره! فلما رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله منه ، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه]. قال العلامة الكنجي :
هكذا رواه محدث الشام في كتابه كما أخرجناه ، ثم قال : والذي يدلّ على أنّ عليا كان أقرب الناس عهدا برسول الله (ص) عند وفاته ، ما ذكره أبو يعلى الموصلي في مسنده والإمام أحمد في مسنده ، فنقل الخبر بسنده أيضا عن أم سلمة قالت : والذي أحلف به كان علي أقرب الناس عهدا برسول الله (ص) ... إلى آخر الخبر فراجع.
«المترجم»