السيد عبد الكريم هاشمي نجاد
المترجم: علاء رضائي
الموضوع : علمالنفس والتربية والاجتماع
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦١
بدرجة يطيعون اوامره وينفذون وصاياه الىٰ هذا الحدّ !
فأنظر ـ والكلام لابن سينا ـ الفارق الىٰ ايّ مستوىٰ ! اجل يا بهمنيار ، فلا يمكن الادعاء بما للعظماء كذباً.
الاصدقاء جميعهم : الحقيقة عين ما اشرت إليه.
السبب الحقيقي لنفوذ نبي الاسلام صلىاللهعليهوآله
العقيد : اصدقائي ارجو ان لا تستعجلوا الحكم ، مع ان كلام الشيخ لا يمكن انكاره الى حدّ ما ، فنفوذ الرسول محمد صلىاللهعليهوآله ليس عادياً ، لكني اتصور ان جزءاً من نفوذ قدرة الرسول صلىاللهعليهوآله في الناس الذين عاصروا ذلك العظيم هي الاعمال التي كانوا يرونها منه والتي كانوا يتصورونها معاجز ، في حين ان المعجزة والامر الذي ليس له اسباب وعلل طبيعية وعادية ، مشكوك فيه في عالمنا المعاصر ، والجزء الآخر من نفوذه والذي يرتبط بعصرنا فهو محصور بين المسلمين غير العلماء ، وطبيعي فالنفوذ الىٰ قلوب مثل هذه النماذج من الناس ليس امراً عجيباً أو صعباً.
طالب الطب ، حسن : انا اوافق سيادة العقيد في هذا الرأي.
الشيخ : اشكركم أيُّها السادة ، علىٰ طرحكم ما ترونه موضع اشكال بحرية تامة ودون مجاملات ، وهدفنا من طرح هذه المواضيع هو دراسة الاشكالات التي يراها الاصدقاء في مواجهة الدين الاسلامي المقدس ، والاجابة عليها.
الاصدقاء جميعهم : نحن مسرورون لهذا اللقاء ، وهذا اليوم الذي تعرّفنا فيه عليك لهو من اجمل ايام حياتنا ، فكلامك جميل ، واجوبتك وافية ، كما ان سفرنا يمضي بسرور ونحن مستفيدون من وقتنا.
الشيخ : تتلخص اشكالات سيادة العقيد في ثلاثة محاور :
الأول : ايمان اهل ذلك العصر بالنبي صلىاللهعليهوآله كان بالمعجزة الىٰ حدّ ما.
الثاني : من الصعب اليوم القبول بالمعجزة.
الثالث : نفوذ رسول الاسلام صلىاللهعليهوآله اليوم ، غالباً ما نجده بين غير المتعلمين وغير العلماء.
وسنتكلم في المواضيع الثلاثة ـ ان شاء الله ـ حسب طريقتنا ، اي بشكل مختصر ومفيد.
أمّا الموضوع الأوّل :
خلافاً لما قاله سيادة العقيد ، فأن اغلب اهالي الجزيرة العربية والمسلمون الذين عاصروا الرسول صلىاللهعليهوآله تأثروا بقوانين الاسلام التي جاء بها النبي صلىاللهعليهوآله ( طبعاً بالحد الذي كان المستوىٰ الفكري لذلك العصر يسمح به ) وبالاعجاز القرآني من حيث الفصاحة والبلاغة وكذلك بحياة الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله التي كانت غريبة عنهم ، وليست بسائر المعجزات.
لأنه : إذا كان ايمان العرب بالرسول صلىاللهعليهوآله حدث بالمعاجز فقط ،
كان لابدّ ان يكون تقدم الاسلام وانتشاره سريعاً في السنوات الثلاثة عشرة التي قضاها
الرسول صلىاللهعليهوآله في مكة بعد البعثة ، لان اكبر واعظم معجزاته كانت في مكة ، في حين ان نمو الاسلام في مكة وقياساً للسنوات العشرة التي قضاها الرسول صلىاللهعليهوآله في المدينة يعد لاشيء ، بل اصبحت الحياة له لا تطاق في مكة وهو مهدد بالقتل فيها مما اضطره للخروج منها ليلاً والهجرة الىٰ المدينة بأمر من الله تبارك وتعالىٰ ، اما المدينة فقد استقبلته واحتضنته وعاهدته في الدفاع عنه بكل ما تستطيع ، وقد وفو بعهدهم اليه حقاً ، لكن ما الذي دعىٰ أهل المدينة لاستقبال النبي صلىاللهعليهوآله واحتضانه والدفاع عنه بالغالي والرخيص ؟
لم تكن المعجزات هي التي جعلتهم يقومون بذلك ، لأنهم لم يروا أية معجزة منه يوم تعهدوا له بالدفاع عنه ، بل كان موسم الحج وقد جاؤا الىٰ مكة فسمعوا كلمات القرآن المحيرة ، وسألوا النبي صلىاللهعليهوآله عن الاسلام وقوانينه واحكامه وما يدعوا اليه ، وبعد ان تعرفوا عليه آمنوا به طوعاً ، وسبب افتتانهم به هو ان قبيلتين منهم ( الأوس والخزرج ) كانتا تتقاتلان لقرن من الزمن ، وكانت بينهما دماء ومآسي ، فكم من الشباب قتلوا وكم من النساء ترمّلن وكم من الاطفال تيتموا وكم من الآباء ثكلوا.
كان اهل المدينة قد عانوا الكثير ، كانوا يعيشون حالة من التوحش الكامل ، وقد ملّوا من الجرائم والدماء ، وكان انحطاطهم الاخلاقي بمستوىٰ جعلهم يستشرون ضرورة وجود مصلح وقوانين عادلة تنقذهم من شقائهم ، كانوا بحاجة الىٰ قوة تستبدل البغض والحقد الذي في قلوبهم بالعاطفة والمحبة ، لقد فهموا ان عليهم ايقاف حمامات الدم تلك ونبذ حياة التوحش والظلم والجريمة.
ولكن ، من هو الشخص الذي يقوم بذلك العمل الجبار ويبلغهم تلك الآمال ؟ من هو الرجل الذي يرفع لواء العدل ويجمع هؤلاء المظلومين تحت رايته ؟ وهل يمكن ان يجدوا مثل ذلك الشخص وبتلك المواصفات في بلاد مثل الجزيرة العربية ؟
اجل ، لقد رأىٰ اهل المدينة ذلك الرجل الذي ينشدونه في سفر حجهم وادركوا انه الوحيد الذي يستطيع انهاء وضعهم المأساوي ، ولهذا اجتمعوا حول الرسول صلىاللهعليهوآله ونصروه في الشدائد والمشكلات ، ولماذا لا يفتتنوا بالرسول صلىاللهعليهوآله ؟! ولماذا لايفتدوه بأموالهم وانفسهم ، فرسول الله صلىاللهعليهوآله ما رآه ذو قلب سليم وشاهد صفاته التي لا تجتمع لأحد ، إلّا وخضع امامه واستسلم له ! فأي صخرة صماء ذلك الذي يرىٰ جميع تلك الفضائل : الوفاء والتواضع ، حسن الخلق ، نصرة المظلوم ، الرأفة ، الشجاعة ، الشهامة ، العفو ، الأدب ، الصدق ، الامانة ، عدم الاعتناء بالدنيا ومئات الفضائل الأخرىٰ ، ولا يمتلىء قلبه بحب الرسول صلىاللهعليهوآله ؟! فهل يمكن لبشر عادي ان يكون هكذا ؟
اجل صفاته واخلاقه مع الناس ومع ابنائه وازواجه ومع اتباعه ومع العبيد والصغار و ... الخ هي التي جعلت الناس تفتتن به ويكون له نفوذ في قلوبها ، وليست المعجزات التي جاء بها.
سيرة الرسول صلىاللهعليهوآله المليئة بالفخر
سيادة العقيد ! من أجل أن يتّضح الموضوع بشكل جيد ، ولكي تعرفوا هل معجزات النبي صلىاللهعليهوآله أو اسلوبه اخلاقي هو الذي سخر قلوب اهل زمانه له ، سأضطر الىٰ بحث مختصر حول اخلاق الرسول صلىاللهعليهوآله وفضائله وملكاته الفاضلة.
بلع العلى بكماله |
|
كشف الدجى بجماله |
حسنت جميع خصاله |
|
صلّوا عليه وآله |
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأهل بيته
كان الرسول صلىاللهعليهوآله مبتسم علىٰ
الدوام مع اهل بيته ، ولم يكن فظَّاً غليظاً معهم ، فقد كان يحنو عليهم ويعاملهم برأفة ، كان يحاول جهد الامكان ان لا يغتمّوا ولا يحزنوا ، وكان عادلاً بينهم حتىٰ انه لم يشتكي منه احد مدىٰ
حياته ، يساعدهم في اعمال البيت ، وكان يقول : مساعدة الزوجة في عملها بالبيت صدقة ، ومع ان بعض نساءه كنّ يتجرأن عليه ويعاملنه وكأنه رجل عادي كسائر الرجال وكنّ يؤذينه ويغضبنه ويتعرضنّ عليه ويتدخلن في اعماله ، مع ذلك كان النبي صلىاللهعليهوآله
محافظاً علىٰ عدالته بينهنّ ، ويجب ان لا نتصور ان جميع وسائل الراحل كانت متوفرة لتلك النساء ، لانهنّ نساء امبراطور الاسلام ، أبداً فلا
الرسول صلىاللهعليهوآله كان امبراطوراً ، ولا نساءه كنّ مثل حريم الاباطرة.
فلم يكن لهنّ قصور ولا غلمان وجواري ، وفي بعض الاحيان لم تتوفر لهنّ ابسط ضروريات الحياة ، لكن ثغر النبي صلىاللهعليهوآله الضحوك ووجهه البَشر وقلبه الرحيم العطوف ، كان بلسماً لكل وضنك ذلك العيش.
تقول اُمّ سلمة : احدىٰ نساء النبي :
في ليلة زفافي،حيث دخلت بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله كنت اسكن في غرفة لم يكن فيها الّا قليل من الشعير ومطحنة يدوية ووعاء للعجين وقدر لعمل الخبز وكوز ماء ، فطحنت الشعير وعجنته وصنعت اقراصاً من الخبز ، اكلتها. وهكذا كانت حياة نساء النبي صلىاللهعليهوآله حتىٰ في ليلة زفافهنَّ.
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأبنائه
لا يمكن وصف المحبة والعطف الذي كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يغدقه علىٰ ابناءه ، لقد كان يحب ابناءه واحفاده كثيراً جداً ، كان يجلسهم علىٰ ركبتيه ويداعبهم ويقبل وجوههم ، حتىٰ انه كان يلاعبهم احياناً ، ومحبته لابنته الزهراء عليهاالسلام وابنائها عليهمالسلام معروفة ومشهورة.
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأصدقائه
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأصدقائه ومحبيه ، تشبه معاملته لابنائه ، ولهذا السبب كان الرسول صلىاللهعليهوآله محبوباً عند اصدقائه ، الى حدّ يفوق التصوّر.
وفي حادثة وقعت بعد معركة احد ، كانت مكة قد اعدّتها ودبّرتها ، حيث جاءت مجموعة من الاعراب الىٰ الرسول صلىاللهعليهوآله في المدينة وطلبت ان يذهب معهم جماعة من المسلمين لتبليغ الدين وبيان الاحكام ، فأرسل النبي صلىاللهعليهوآله معهم جماعة من المسلمين برئاسة عاصم بن ثابت ، لكن الأعراب قاموا بقتل المسلمين غيلة إلّا اثنين منهم اسروهم وارسلوهم الىٰ مكة وباعوهم علىٰ المشركين ، وكان زيد بن دثية احد الاسيرين ، فأشتراه صفوان بن اُمية ، لكي يقتله ثأراً لأبيه ، وبعد ان سجنه لفترة ، تقرر ان يُقتل في يوم معين.
وفي ذلك اليوم اجتمع اهل مكة جميعهم ، ليشاهدوا قتل ذلك الشاب المسلم ، انتقاماً لقتلاهم في بدر.
وفي النهاية ، حانت ساعة الاعدام ، فجاءوا ب « زيد » وقد اجتمعت جميع طبقات مكة من كبارها ورؤساء قريش من التجار والمزارعين والنساء والفتيات والاطفال ، اجتمعوا اطرف المشنقة ، في تلك اللحظات التفت أبو سفيان وهو زعيم قريش الىٰ زيد وقال : أتحبُّ ان يكون محمداً مكانك هنا حتىٰ يعدم وترجع انت سالماً الىٰ اهلك ، اقسم عليك بمن تعبد ان تقول الصدق ؟
فأجابه زيد : يا أبا سفيان ، أقسم باللهِ ، أحبُّ ان اُقتل هنا ولا تصيب قدم النبي صلىاللهعليهوآله شوكة فتؤذيه ! إفصاح أبو سفيان بعد تلك الاجابة : لم أرَ احداً اعزّ من محمد عند اصحابه.
أجل ، كان الرسول صلىاللهعليهوآله ودوداً مع اصحابه
للحد الذي جعلهم يهيمون بحبه ، فلم يحملهم في حياته شيئاً ، ومع انه كان القائد وزعيم المسلمين الذي
فتح الجزيرة العربية
واخضع الجميع للاسلام ، لكنه وفي احدىٰ اسفاره ارادوا ان يذبحوا شاة للأكل ، فتعهد كل واحد بعمل ، فقال احدهم : انا أذبحها ، وقال الآخر : انا اسلخها وقال الثالث : أنا اطبخها ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله وانا اجمع الحطب للطبخ. واضح ان العمل الذي تكفّل الرسول صلىاللهعليهوآله به اشقّ من أعمال
الآخرين ، لأنه كان يحتاج الىٰ كمية كبيرة من حطب الصحراء ! لكي تطبخ شاة ، لذلك قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن نجمع الحطب ولا تؤذي نفسك انت. لم يقل المسلمون ذلك مجاملة منهم للرسول
صلىاللهعليهوآله
لأنهم بذلوا كل ما يملكون من اجله ، هؤلاء الناس لا يتحدثوان زيفاً وتملّقاً وانما لم يحبوا ان يتعب الرسول صلىاللهعليهوآله
نفسه. لكن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لهم : اعلم
انكم لا تحبون ان اتعب ، لكني لا اُريد ان افضل علىٰ اصحابي ، والله لا يحب الذين يميزون انفسهم عن الآخرين. وهكذا عندما بنىٰ المسلمون مسجد
المدينة ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
يحمل معهم الحجارة والتراب ، وعندما حفروا الخندق (١) اختص الرسول صلىاللهعليهوآله لنفسه حصة من العمل كسائر المسلمين ، بل انه كان يعمل اكثر من الآخرين. ________________
(١) هو الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد الاعداء في معركة الاحزاب.
اصدقائي !
ألم يكن اهل الجزيرة العربية محقّون في الخضوع لهذا الرجل والافتتنان به ؟! وهل رأيتم رجلاً في العالم يتعامل بهذه الروح السمحة والمحبة للخير مع اتباعه والذين يأتمرون بأوامره وهو في قمة هرم السلطة ؟! هذه التصرفات والمعاملة الاخلاقية لا توجد الّا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله.
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأعدائه
لقد عامل الرسول صلىاللهعليهوآله اعداءه كما كان يعامل اصدقاءه واصحابه ، فأي شخص لم ينتقم بشدة في اليوم الذي يتسلط فيه علىٰ اعدائه وينتصر عليهم ؟! لكن الرسول صلىاللهعليهوآله كان رؤوفاً بأعدائه ، ينظر اليهم بعين العطف ، وكان متسامحاً للحد الذي وصفوه ـ الاعداء ـ بالعظيم والكريم.
ففي غزوة ذات الرقاع ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآله واقفاً الىٰ جانب نهر ، وفجأة جاء سيل وحال بين الرسول صلىاللهعليهوآله وجيش المسلمين ، فرأىٰ احد جنود العدو ان الرسول صلىاللهعليهوآله لوحده وبعيداً عن معسكره ، فجاءه شاهراً سيفه ظاناً ان اللحظة مؤاتية لقتل الرسول ، وقال : يا محمد ، من سينجيك مني ؟
قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : ربي.
ضحك الرجل مستهزءاً ، وهوىٰ بسيفه
بقوة علىٰ الرسول صلىاللهعليهوآله
، لكن الله وقىٰ الرسول صلىاللهعليهوآله
شره ، فوقعت به فرسه قبل ان يضرب ضربته ، ووقع علىٰ الارض ، فوقف الرسول صلىاللهعليهوآله
فوق رأسه وأعاد عليه كلامه ، قال : من سينجيك
مني ؟!
فقال الرجل وعيناه تبرق املاً : جودك وكرمك يامحمد !!
فما هو اساس ذلك الكلام في تلك اللحظات الحرجة ؟ هل قال الرجل كلامه تملّقاً ؟! بالتأكيد ، لم يقله تملّقاً.
لقد رأىٰ الرجل رسول الله صلىاللهعليهوآله شاهراً سيفه فوق رأسه ، وتذكر اللحظات السابقة ، كان والوضح حرجاً بالنسبة له في الظاهر ، لانه لو قام النبي صلىاللهعليهوآله بقتله كان قد فعل ماكان هو يريد فعله قبل لحظات ، الاّ انه لم يوفق لذلك ، والأمل الوحيد لذلك المشرك هو أن الذي يريد قتله ليس انساناً عادياً كسائر الناس بل هو رجل الحق ، كريم بمعنىٰ الكرم ، عفوّ ورؤوف ، لقد تكلّم الرجل المشرك بكلامه استناداً الىٰ تاريخ ذلك الرجل الذي يريد قتله ، فحياته مليئة بالكرم والبذل والعمل الصالح والمحبة ، ولا بدّ أنَّ المشرك تذكر تلك السنة التي اصاب القحط فيها مكة ، فكان ذلك الرجل الذي شهر سيفه الآن عليه ، مثل الأب الرحيم علىٰ ابناءه ، يشتري الطعام بأمواله واموال خديجة ( بعد الاستأذان منها ) ، كان يشتري القمح والشعير والابل ويقدمها الىٰ الضعفاء في مكة واطرافها ، وبذلك نجّاهم من الموت جوعاً.
كان المشرك يعلم ان هذا الرجل يحمل بين
جنبيه قلباً عطوفاً رحيماً ، فكان محقاً بأن يأمل ويرجو في تلك اللحظات الحرجة تماماً ، لذلك قرر الاجابة علىٰ الرسول صلىاللهعليهوآله
بما يعرفه عن ماضيه وعطفه واحسانه ، لكن الوقت كان ضيقاً واللحظة خطرة ، فليس هناك مجال للأسهاب في الكلام ، ولهذا اجاب الرسول صلىاللهعليهوآله
موجزاً ، وقال : « جودك وكرمك يا محمد صلىاللهعليهوآله
» ، أي عظمتك
ومقامك وعفوك ورأفتك
يمكن ان تنجيني. أجل ، لقد فكّر ذلك الرجل بشكل صحيح ، وكان
رجاءه في محله ، لقد انجاه كرم الرسول صلىاللهعليهوآله
لأنه عندما سمع تلك العبارة ، انزل السيف جانباً ، وقال للرجل : انهض واسرع الىٰ جيشك (١). ألا يستطيع هذا الرجل ان يسخر قلوب
الناس بهذه الاخلاق والمكارم الالهية التي هي بذاتها من اكبر المعجزات ؟! هل ان تأثير هذه التصرفات في جذب قلوب الناس اقل من بيان سائر المعجزات ؟ اشرنا من قبل أن اهل مكة شاهدوا اكبر
المعجزات علىٰ مدىٰ ثلاثة عشرة سنة من بداية البعثة ، تلك المعجزات التي لو رآها أي انسان لأعترف بالنبوة والرسالة ، إلّا انهم كانوا اصم من الصخر فلم تؤثر فيهم ولم يؤمنوا بالرسول صلىاللهعليهوآله
، لكن اولئك الناس عندما شاهدوا عفو الرسول صلىاللهعليهوآله
وعطفه عليهم عند فتح مكة لانت قلوبهم وآمنوا بالدين. لقد كان لمعاملة الرسول صلىاللهعليهوآله لهم في ذلك اليوم
اكبر الاثر في اسلامهم ، وهو بنفس الوقت خير دليل علىٰ ما قاله النبي صلىاللهعليهوآله
عن نفسه : ________________أيُّها السادة !
اعجاز النبي صلىاللهعليهوآله
الاخلاقي عند فتح مكة
(١) روضة الكافي ، تأليف ثقة الاسلام الكليني قدسسره
« ادبني ربي فأحسن تأديبي ». كما انه نموذج كامل لأسلوبه الاخلاقي في
التعامل مع اعدائه. دخل النبي صلىاللهعليهوآله
مكة دون قتال ( سوىٰ مقاومة صغيرة من بعض المشركين ابيدت علىٰ يد جيش الاسلام ). ومكّة هي مسقط رأسه التي يهفو إليها
قلبه علىٰ الدوام ، حتىٰ في الليلة التي اراد ان يهاجر فيها الىٰ المدينة ، نظر الىٰ اطرافها بحسرة ، واغرورقت
عيناه بالدموع ، فنزل عليه الامين جبرائيل ووعده من جانب الله بأن يرجعه اليها. وكانت سنوات تمرّ علىٰ ذلك الوعد الالهي ، والرسول صلىاللهعليهوآله ينتظر ، فمضت اشهر وسنين ببطء وحان الوقت الذي ينجز فيه الوعد. * * * عقد النبي صلىاللهعليهوآله
صلحاً مع كفار قريش وأهل مكة في الحديبية ، إلّا ان الكفار لم يعملوا بمفاد الصلح ، فكانت النتيجة ان الرسول صلىاللهعليهوآله عزم علىٰ فتح
مكة بأمر من الله ، وسار نحوا بعشرة آلاف مسلم ، وقد علم اهل مكة من خلال ابي سفيان « الذي ذكرناه تفاصيل لقاءه بالنبي صلىاللهعليهوآله
قرب مكة » بالتعبئة العامة للمسلمين. طوىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله الطريق بين المدينة
ومكة ، حتىٰ وصل الىٰ« ذي طوىٰ » (١).
نظر الىٰ ما حوله ، فوجد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل مستعدون ________________
(١) مكان مشرف علىٰ مكة.
لنصرته وقلوبهم تطفح بالمحبة. فتذكّر يوم هجرته ، ذلك اليوم الذي خرج فيه خائفاً يريد الحفاظ علىٰ نفسه من مكة هذه. لكنه يعود اليها اليوم ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين الشجعان ، فمن الذي منحه تلك القوة ؟!
أهو غير ربّه الذي يدعوه ؟! بالتأكيد لا.
فلا احد يستطيع ان يحببه الىٰ قلوب الناس بهذا الشكل سوىٰ الله القادر والمهيمن ، اذن ، فاليوم هو اليوم الذي وعده به الله ، وقريب ما يتحقق الوعد الالهي.
نعم ، جميع ما حدث كان بنصر الله ، فلماذا لا يسجد له ، لماذا لا يعبده ؟ وكان ان صاح النبي صلىاللهعليهوآله :
« لا إله الّا الله ، وحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، واعزّ جنده ، وهزم الاحزاب وحده ».
وذكر النبي صلىاللهعليهوآله نِعَم الله ، تلك النِعَم التي يعجز عن شكرها ، واتقدت شعلة الحب الالهي في قلبه اكثر من ذي قبل ، يريد ان يسجد لربه ، لكنه لا يزال على ظهر الناقة ، تجسم العشق الالهي ورأفة الله به بحيث لم يستطع الصبر لينزل من علىٰ ظهر الناقة كي يسجد ، فسجد شكراً لله وهو علىٰ الناقة ، ثم رفع رأسه من السجود ، فوقعت عيناه علىٰ مكة ، تلك المدينة التي تتوسطها الكعبة ، حيث بناها جده ابراهيم الخليل عليهالسلام ، موطن آباءه والمكان الذي يهفو اليه قلبه.
جميع تلك الاسباب جعلته يناجي مكة ويظهر لها حبه ، فقال : الله يعلم احبك ، ولو لا ان اهلك اخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت بك بدلاً ، اني لمغتم على مفارقتك.
فلماذا خاطب النبي صلىاللهعليهوآله مكّة بهذا الكلام ؟! وكأنما كان يسمع مسقط رأسه ، أي مكة هذه
، تعاتبه وتقول له : لماذا هجرتني ، وفارقتني ثمان سنوات ، ياحبيب الله ، انا ايضاً أحبك ، فلماذا تركتني الىٰ المدينة التي اخترتها بدلاً مني ، فهل كنت سيئة معك ؟! وبعد أن أتمّ الرسول صلىاللهعليهوآله كلامه ، تحرك من ذي
طوىٰ ودخل الحجون (١)
، فأغتسل هناك وركب ناقته حتىٰ يدخل مكة. اجتمع اهل مكة ووقفوا مع زعماء قريش
ورؤساء القبائل الىٰ جانب الكعبة ، لكي ينظروا دخول النبي صلىاللهعليهوآله
، وكانوا يريدون بذلك أمرين : الأول : رؤية رسول الله صلىاللهعليهوآله. الثاني : معرفة مصيرهم. دخل النبي صلىاللهعليهوآله
مكة واستسلم الحجر الاسود من علىٰ الناقة ، ثم ارتفع صوته صلىاللهعليهوآله
بالتكبير : الله اكبر ... الله اكبر ... فتعالت معه حناجر عشرة آلاف مسلم ...
الله اكبر ... ، كان صوت التكبير يملأ سماء مكة وينعكس في جبالها ، لكن تأثيره في قلوب المشركين كان اشدّ. ________________مكّة في انتظار النبي صلىاللهعليهوآله
(١) محل اقرب الىٰ مكة من ذي طوىٰ.
لقد خاف زعماء قريش من ذلك الصوت ، وكأنما
سمعوا صيحة من السماء ، فأضطربت قلوبهم واخذت تخفق بشدّة. بعد التكبير ، ترجل النبي صلىاللهعليهوآله من الناقة ، ودخل
الكعبة كي يطهرها من رجز الاوثان ، فلا يجدر ببيت بُنيَ فيه الله ان يكون مأوىٰ الاثم ومركز الاصنام ، وكان علىٰ الرسول صلىاللهعليهوآله
ان يطهر البيت من تلك الاصنام والآلهه المصنوعة من الخشب أو الحجر. وقام الرسول صلىاللهعليهوآله بالاطاحة بالاصنام
الواحدة بعد الاُخرىٰ ، بعصاه ، وهو يقول : ( جَاءَ الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (١). ( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ
وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ )
(٢). أجل ، لقد انتهىٰ زمان الاصنام
وعبادتها ، انتهى عصر الانحناء والخضوع امام آلهة صنعت من معدن أو خشب علىٰ هيئة البشر ، لقد حان الوقت الذي يعبد فيه الناس الله سبحانه وتعالىٰ ، ويخرجوا من ذلّ عبادة هذه الاوثان ، الىٰ
عزّ عبادة رب العالمين. وبعد ان فرغ النبي صلىاللهعليهوآله من الاطاحة
بالاوثان ، توجه الىٰ اهل مكة ، فوجدهم قد اصطفوا مثل التماثيل التي صنعت من حجر ، وكأن علىٰ رؤوسهم الطير ، لا يتحركون ولا يحركون ساكناً ، ووجوهم المصفرة تعبر عن اضطرابهم الداخلي ( بعد ان شاهدوا قوة النبي صلىاللهعليهوآله ________________
(١) سورة الاسراء : ٨١.
(٢) سورة سبأ : ٤٩.
تريد الخروج من
حدقاتها من شدة الخوف ، كانوا غارقين في افكارهم ، ويتصورون المصير الذي ينتظرهم ، بعد تلك الحروب التي خاضوها ضد الرسول صلىاللهعليهوآله
والاذية التي آذوه ، لكنهم في نفس الوقت يرجون شيئاً من شخص الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله
، لأن اهل مكة يعرفون جيداً ، ان الرجل الذي دخل مكة اليوم ظافراً منتصراً ، هو محمد صلىاللهعليهوآله
ذو القلب العطوف والرحيم ، محمد صلىاللهعليهوآله
الذي من شيمه العفو عند المقدرة والصفح عمن اساء له ، محمد صلىاللهعليهوآله الذي لا يظلم حتىٰ اعتىٰ اعدائه واقساهم ، محمد صلىاللهعليهوآله ليس كالآخرين الذي
لا يفكرون عند انتصارهم سوىٰ بالانتقام ، فهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالىٰ
في القرآن ، فقال : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
(١) فلماذا لا يرجوا أهل مكة فيه الخير ؟!
ولماذا لا يمتزج خوفهم واضطرابهم بالامل ؟! لقد رأىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله
ذلك الخوف والرجاء في وجوههم ، لكنه اراد ان يسمعه منهم ، فقال لهم : ماذا تقولون وتظنون ؟ فأجابه اهل مكة : نقول خيراً ونظن خيراً
، اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت. كان جواب اهل مكة مزيج من الخوف والامل
، فعبارة « قد قدرت » استخدمت للتعبير عن الخوف ، لكن العبارات التي سبقت ذلك كانت مفعمة بالرجاء لكن كفة الامل والرجاء كانت تفوق احتمال الانتقام. ومن حقِّ أهل مكة ان يأملوا العفو
والمسح من مثل ذلك الرجل العظيم ، ________________
(١) سورة الانبياء : ١٠٧.
لأنه لو كان يريد الانتقام منهم ، لما اعطىٰ أبا سفيان الامان ، وجعل بيته مأمناً لأهل مكة ، فلماذا لا يأملوا بعد ذلك ، في حين ان ابا سفيان في خارج مكة عندما التقىٰ برسول الله صلىاللهعليهوآله وبعد ان شاهد جيش المسلمين وهو واقف مع العباس عمّ النبي صلىاللهعليهوآله ، كان قد سمع سعد بن عباد رئيس قبيلة الخزرج ، يقول بصوت عال :
اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبىٰ الحرمة ، اليوم تذل قريش.
فخاف أبو سفيان بعد سماعة ذلك الكلام ، واخبر الرسول صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا تخف يا ابا سفيان ، سعد مخطيء ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ، اليوم تعزّ قريش.
ألم يكن اهل مكة محقّون في رجائهم ؟ لذلك اجابوا الرسول صلىاللهعليهوآله وقالوا : نقول خيراً ونظن خيراً.
أما النبي صلىاللهعليهوآله ، فعندما سمع جوابهم ذلك ، اغرورقت عيناه المباركة بالدمع ، وعندما رأىٰ ذلك أهل مكة تجلت امام اعينهم جميع اعمالهم السيئة السابقة ، فتذكروا التهم التي كالوها له ، والسباب والرمي بالحجارة والحصار في شعب ابي طالب ومهاجمة بيته ليلاً لقتله واجباره علىٰ ترك وطنه الىٰ يثرب ، ومئات الاعمال الاخرىٰ التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف النادم اليوم ، وشاهدوا ايضاً ذلك الرسول صلىاللهعليهوآله الذي قاسىٰ ماقاساه منهم ، لكنه يقف اليوم ويعاملهم بلطف ورأفة وهو المنتصر والفاتح الذي يستطيع الانتقام.
فالخجل الذي اعتراهم من مواقفهم تلك من
جهة ، والرأفة والحب الذي شاهدوه من النبي صلىاللهعليهوآله
من جهة اخرىٰ ، اهاجتهم وجعلت اصواتهم ترتفع
بالبكاء ، لقد كان
الجميع يذرفون الدموع ، النادمون من سوء اعمالهم ، والمنتصرون الذين عادوا الىٰ وطنهم وحرروا قبلتهم ، حتىٰ النبي صلىاللهعليهوآله كان يذرف الدمع ، وبعد لحظات من تلك الحالة ، قال لهم الرسول صلىاللهعليهوآله : سأقول لكم ما قاله أخي يوسف عليهالسلام
لأخوته الذين غدروا به : ( قَالَ لَا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (١). صحيح انكم لم تنظروا فيّ انكم قومي
وعشيرتي ، فأستبحتم ايذائي والوقوف بوجهي ، ولكن لا تخافوا « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، ولا يحق لاحد ان يتعرض لكم ولأموالكم. وبهذه الكلمات المتقطبة ، خطّ علىٰ
اعمالهم السيئة وغفر لهم اخطاء عشرين سنة بحقه. أي واحدة من معجزات النبي صلىاللهعليهوآله تستطيع ان تسخر
قلوب اعتىٰ الاعداء مثل هذا الحدّ الذي يفوق تصور البشر ؟ ألم يكن هؤلاء الناس ، هم انفسهم الذين شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ عشرين سنة ولم يأمنوا
ولم تتغير نفوسهم ، بل كلما جاءهم الرسول صلىاللهعليهوآله
بمعجزة وآية جديدة ، كانوا يزدادون غضباً وغيضاً وتتحد صفوفهم اكثر في عدائه ، في حين ان العفو العام الذي أعلنه الرسول صلىاللهعليهوآله
وهو في الحقيقة من معجزاته الاخلاقية التي ليس لها ________________اصدقائي الاعزاء !
(١) سورة يوسف : ٩٢.
مثيل ، استطاع ان يحرك عواطفهم ، للحد الذي تعالىٰ فيه صوت البكاء من تلك القلوب القاسية حتىٰ ملأ ارجاء مكة.
النبي صلىاللهعليهوآله لا يدعو بالسوء
وفي معركة اُحد ، بعد ان دحر جيش الاسلام قوىٰ المشركين ، وعلىٰ اثر غفلة المسلمين وعدم اطاعتهم أوامر الرسول صلىاللهعليهوآله ، استفاد جيش المشركين من تلك الفرصة ، وهجم من جديد علىٰ المسلمين ، فكانت نتيجة حملاته المتكررة والشديدة ان فرّ المسلمون الّا الرسول صلىاللهعليهوآله ونفر من المجاهدين الذين صمدوا رغم شدة البلاء ، وقد جرح الرسول صلىاللهعليهوآله وكسر سنّة وكان الخطر محيط به من كل جانب ، في تلك اللحظات ، قال له بعض اصحابه الذين صمدوا معه : ادعو يا رسول الله علىٰ اعدائك بالهلاك. فقال صلىاللهعليهوآله : ما بعثت لذلك ، وانما بعثت لأكون رحمة للعالمين.
اجل هذه النماذج قليلة من معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لأعدائه.
معاملة النبي صلىاللهعليهوآله لغلمانه
المعاملة التي كانت للرسول صلىاللهعليهوآله مع غلمانه ، لا
يوجد مثيل لها الّا في عترته الطاهرة ، فلم يكن يُحسن إليهم فقط ، ويعاملهم كأفراد الاسرة ، بل وصىٰ
المسلمين بهم كثيراً ، فقال : اطعموهم مما تطعمون والبسوهم مما تلبسون. ولم يطلب منهم يوماً القيام بعمل يذلّهم أو يكون لهم عاراً ، ولم يكن يشكل علىٰ
اعمالهم.
يقول أنس الذي لازم النبي صلىاللهعليهوآله سنوات عديدة : خدمت النبي صلىاللهعليهوآله عشرة سنوات ، فلم يزجرني بكلمة ابداً خلال تلك الفترة ، ولم يشكل علىٰ ايّ عمل قمت به لرأفته ، ولم يؤاخذني علىٰ شيء لم افعله أو عمل قصرّت فيه.
ورأفته كانت بحيث يقول أنس : طلب مني النبي صلىاللهعليهوآله يوماً ان انجز له عمل ، لكني شغلت في الطريق بمشاهدة لعب الاطفال ، فمضىٰ علىٰ ذلك وقت كثير ، وانا لازلت انظر الاطفال في لعبهم ، وفجأة رأيت النبي صلىاللهعليهوآله يمسك بقميصي من الخلف ، ويقول لي وهو يبتسم : اذهب الىٰ ما أرسلتك اليه.