الشيخ جعفر السبحاني
الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-18-9
الصفحات: ٢٠٨
مطمئنّاً ، أو ظانّاً ، أو شاكّاً .
لا شكّ في ثبوت الخيار في الصورتين الأُوليين ، فالمبتاع فيها ذو خيار بين الفسخ والإمضاء .
كما أنّه لا شكّ في عدم الخيار في الصورة الثالثة والرابعة ، لأنّ المتبادر من حديث « تلقّي الركبان » هو عدم العلم بشهادة قوله : « فإذا أتى السوق فهو بالخيار » كما أنّ المتيقّن من حديث « لا ضرر » هو الضرر الناشئ من جانب الغير لا الناشئ من إقدام المكلّف نفسه على المعاملة الغبنية مع علمه بها .
ومثلهما بناء العقلاء ، لأنّه عندئذٍ أقدم مع العلم بعدم المساواة فلم يكن القيد ( المساواة ) مأخوذاً في المعاملة ، ولا موجوداً في ضميره ، ولا مبنيّاً عليه العقد ، وقد عرفت أنّ أساس الحكم بالخيار هو تقيّد المعاملة لبّاً بالمساواة .
نعم يثبت الخيار في صورة الظنّ بالغبن والشكّ فيه ، لأنّه لم يقدم على المعاملة على وجه الإطلاق ، ولم يرفع يده عن قيد المساواة كما رفع عنه في صورة العلم والاطمئنان ، ولأجل ذلك لو تبيّنت الحال يندم على الإقدام ، بخلاف صورتي العلم والاطمئنان .
ما هو الملاك في القيمة ؟
إذا كان الغبن هو تمليك مال بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر ، يقع الكلام فيما هو الملاك في القيمة ، فهل الملاك هو القيمة حال العقد مطلقاً ، ارتفعت قيمته بعده أم نزلت أو ثبتت ، أو الميزان هو القيمة حال العلم أو الفسخ ؟
والظاهر انّ الميزان
هو قيمة زمان العقد ، لما عرفت من أنّ مبنى الخيار هو
إقدام المشتري على المعاملة مبنيّاً على وجود المساواة بين المثمن والثمن ، والمفروض فقدانه في هذا الظرف ، فيثبت الخيار فيه سواء ارتفع السعر بعده أم لا ، وعلى ذلك بناء العقلاء .
الثاني : كون التفاوت فاحشاً
وهذا هو الذي اتّفقت عليه كلمة الفقهاء ، قال المحقّق : من اشترى شيئاً و لم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به ، كان له الفسخ إذا شاء . (١)
وقال ابن قدامة : المسترسل إذا غبن غبناً يخرج عن العادة ، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد ، وحدّه أبو بكر في التنبيه ، وابن أبي موسى في الإرشاد ، بالثلث ، وهو قول مالك ، لأنّ الثلث كثير ، بدليل قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والثلث كثير » وقيل : بالسدس ، وقيل : ما لا يتغابن الناس به في العادة ، لأنّ ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف . (٢)
ودليل هذا الشرط واضح ، لأنّا لو قلنا بأنّ مدرك الخيار هو حديث « تلقّي الركبان » ، فهو منصرف عن الضرر اليسير بحيث لا يطلق عليه انّه غبن وتضرر ، كما أنّه لو كان المدرك للخيار قاعدة « لا ضرر » فهو مثله ، فلا يطلق على الضرر اليسير ، نعم هو ضرر عقلي وليس بضرر عرفي .
وأمّا إذا قلنا بأنّ مدرك الخيار هو الشرط الضمني وتعاهد المتعاقدين على أنّ الثمن يساوي المثمن في القيمة ، فمن المعلوم أنّ المراد من المساواة هي المساواة
__________________
١ . الجواهر : ٢٣ / ٤٤ ، قسم المتن .
٢ . ابن قدامة : المغني : ٣ / ٥٢٣ . والمراد من « أحمد » إمام مذهبه أحمد بن حنبل ، كما أنّ المقصود من أبي بكر ، هو الخلّال ( المتوفّى٣١٣ هـ ) الذي جمع فتاوى « أحمد » من هنا وهناك ، بعد ما لم يكن له فقه مدوَّن .
العرفية لا الحقيقية ، فلو كان التفاوت يسيراً فلا يعدّ نقضاً للشرط بخلاف ما إذا كان فاحشاً .
وأمّا ما هو المعيار في القلة والكثرة ، فلا شكّ أنّ المرجع هو العرف ، ولا يمكن إعطاء ضابطة كلّية في المقام ، لأنّه يختلف نظر العرف من حيث اختلاف المبيع من جهة العزّة والندرة ، أو الكثرة والوفرة ، ومن حيث الزمان والمكان ، فربما يعدّ التفاوت في عام الجدب والغلاء تفاوتاً يسيراً ، بخلافه في زمان الخصب والرخاء ، كما أنّ ندرة الشيء وعزّته يؤثّر في قضاء العرف في كون التفاوت فاحشاً أو غير فاحش ، فالأولى إرجاع التقدير إلى العرف .
مسقطات خيار الغبن
البحث عن المسقطات فرع كون الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط ، فنقول :
إنّ الحقوق على أقسام :
١ . ما لا يصحّ إسقاطه ولا نقله ، كحقّ الأُبوّة ، وحقّ الولاية للحاكم .
٢ . ما يصحّ إسقاطه ، ولا يصحّ نقله ، كحقّ الغيبة ، أو الشجب ، أو الإهانة ، أو الضرب ، بناء على وجوب إرضاء صاحبه وعدم كفاية التوبة .
٣ . ما يصحّ إسقاطه ونقله ، وينتقل بالموت كحقّ القصاص وحقّ التحجير .
٤ . ما يشكّ في صحّة الإسقاط والنقل ، كحقّ النفقة في الأقارب كالأبوين والأولاد . (١)
__________________
١ . لاحظ للوقوف على الفرق بين الحكم والحق وأقسامه متاجر الشيخ ، قسم البيع ، ص ٧٩ مع تعليقات السيد الطباطبائي ، ص ٥٥ ، فإنّ هذا المبحث من المسائل المهمّة في الفقه الإسلامي ، وقد أُلّف في هذا المضمار رسائل .
ثمّ إنّ المقام من قبيل القسم الثالث ، أي يصحّ نقله وإسقاطه ، وذلك لأنّ طبع الحقّ يقتضي جواز الإسقاط والنقل ، لأنّ ذا الحقّ مالك للأمر ومتسلّط عليه ، وهذا يقتضي كون زمام الأمر بيده من الإبقاء والإسقاط ، ولو منع مورد من الإسقاط فلأحد أمرين :
أ . ورود دليل شرعي مانع عن الإسقاط كما في حقّ الحضانة .
ب . قصور في كيفية الجعل ، كما هو الحال في حقّ التولية في الوقف ، وحقّ الوصاية في الوصية ، فانّ الواقف أو الموصي جعل شخصاً خاصّاً مورداً للحقّ فلا يتعدّى عنه ، وهكذا الولاية فإنّها ثابتة لشخص خاص لأجل مؤهّلات خاصّة توفّرت فيه دون سائر الناس فلا يتعدّى عنه .
وأمّا المقام فالأمران منتفيان فيه ، فليس هناك منع شرعي من الإسقاط والنقل ، كما أنّه ليس هناك قصور في الجعل ، إذ لا يشترط في ثبوت الخيار خصوصية في ذي الخيار سوى الشروط العامة .
وبذلك يُصبح خيار الغبن من الحقوق القابلة للإسقاط .
فإذا ثبت أنّ خيار الغبن من الحقوق القابلة للإسقاط ، يقع الكلام في أنواع مسقطاته ، وهي على أقسام نشير إلى ثلاثة منها عاجلاً ، ثمّ نشير إلى القسم الرابع بعد الفراغ عنها :
الأوّل : الإسقاط في متن العقد .
الثاني : الإسقاط بعد العقد وقبل ظهور الغبن .
الثالث : الإسقاط بعد العقد وبعد ظهور الغبن .
وطبيعة الحال تقتضي البحث فيها بالترتيب ، إلّا انّا آثرنا تقديم البحث في الصورة الثالثة باعتبارها أوضح من الصورة الثانية ، وهي بدورها أوضح من الصورة الأُولى .
الأوّل : الإسقاط بعد العقد وبعد ظهور الغبن
إسقاط الخيار بعد العقد وبعد ظهور الغبن على وجوه :
أ . إسقاط الخيار مع العلم بمقدار الغبن .
ب . إسقاط الخيار مع الجهل بمقدار الغبن ، بأيّ مرتبة كان ، فاحشاً أو أفحش .
ج . إسقاط الخيار بزعم أنّ التفاوت عشرة فظهر مائة .
لا كلام في صحّة الإسقاط في الصورتين الأُوليين ، إنّما الكلام في الصورة الثالثة ، ففي السقوط وجهان :
١ . عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحقّ كما لو أسقط حقّ عرضٍ ، زعم انّه شتم لا يبلغ القذف فتبيّن كونه قذفاً .
٢ . انّ الخيار أمر واحد مسبّب عن مطلق التفاوت الذي لا يُتسامح به ولا تعدّد فيه فيسقط بمجرّد الإسقاط ، وأمّا القذف وما دونه من الشتم فهما حقّان مختلفان ، فلا يكون أحدهما دليلاً على إسقاط الآخر . (١)
والأولى التفصيل بين كون التفاوت داعياً وكونه قيداً ، فإن أسقط الخيار بداعي أنّ التفاوت ربع على وجه لو كان التفاوت أكثر أيضاً لما توقف في الإسقاط ، فحينئذٍ فقد أسقط مطلق الخيار لعدم كون الداعي قيداً ، بخلاف ما لو أسقط الخيار المقيد بكون سببه الربع ، فلا يعدّ دليلاً على سقوط مطلق الخيار ، لأنّ الساقط غير الواقع ، وما ذكر من أنّ الخيار واحد لا يتعدّد وإن كان صحيحاً ، لكن لا يكون دليلاً على صحّة الإسقاط ـ كما عليه المستدلّ ـ بل يجتمع مع بطلانه .
__________________
١ . المتاجر : قسم الخيارات ، ص ٢٣٨ .
هذا كلّه إذا أسقط بلا عوض ، وأمّا إذا أسقط بعوض ، بمعنى انّه صالح الغبن بشيء ، فلا إشكال في سقوط الخيار مع العلم بمرتبة الغبن أو مع الجهل به لكن مع التصريح بعموم المراتب .
وأمّا لو أطلق مع الجهل بمرتبة الغبن ، فإن كان للإطلاق انصراف إلى مرتبة خاصّة من الغبن كما لو صالح على الغبن المحقّق في المتاع المشترى بعشرين ، بدرهم ، فإنّ المتعارف في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فظهر أنّ التفاوت على خلاف المنصرف بأن كان ثمانية عشر ، فيجري فيه ما ذكرناه في البحث السابق من انّه لو كان الغبن المتعارف ( اربعة في العشرين ) داعياً ، تكون المصالحة صحيحة وإلّا فتبطل .
الثاني : الإسقاط بعد العقد وقبل ظهور الغبن
إذا أسقط بعد العقد وقبل ظهور الغبن ، فربما يقال بعدم صحّته وذلك لوجهين :
١ . إنّ إسقاط الخيار على وجه التنجيز يتوقّف على العلم به ، وهو بعدُ مشكوك ، سواء أقلنا بأنّ ظهور الغبن كاشف عنه عقلاً أو محدث وشرط شرعاً ، وإسقاطه على وجه التعليق ينافي الجزم في العقود والإيقاع .
يلاحظ عليه : بأنّا نختار الشقّ الثاني ونقول : إنّ التعليق على ما لا يكون
الإنشاء معلّقاً عليه في الواقع كقدوم الحاج ودخول الشهر يوجب البطلان على المشهور ، وأمّا تعليق العقد على ما هو معلّق عليه واقعاً فليس بمضر ، سواء أتكلّم
به أو لا ، وهذا نظير طلاق مشكوك الزوجية ، وإعتاق مشكوك الرقية ، وإبراء ما احتمل الاشتغال به ، أو الإبراء عن العيوب المحتملة ، فانشاء الإسقاط في الجميع
صحيح ، سواء أكان المنشأ منجّزاً أم معلّقاً ، وعلى ذلك فلا إشكال إذا قال : أسقطت خيار الغبن لو كان هنا غبن أو ظهر .
٢ . انّه إسقاط ما لم يجب حيث إنّه لم يظهر الغبن حتّى يثبت الخيار ، فيكون إسقاطه لما لم يجب .
يلاحظ عليه ـ بعد تسليم كون ظهور الغبن محدثاً للخيار لا كاشفاً عنه ـ : أنّه يكفي في صحّة الإسقاط الاعتباري وجود المقتضي ـ يعني العقود ـ ووجود الأثر ولو بعد تبيّن الخيار ، فيكفي في نظر العقلاء وجود المقتضي والأثر المترقب . (١)
الثالث : الإسقاط في متن العقد
من مسقطات خيار الغبن اشتراط سقوطه في نفس العقد ، ويرد على هذا النوع من الإسقاط ما تقدّم من الإشكالات المذكورة في القسمين السابقين والجواب نفس الجواب .
نعم هنا إشكال خاص يختص بهذا النوع وهو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه الموجب للغرر .
قال الشهيد في « الدروس » : ولو اشترطا رفعه ( خيار الغبن ) أو رفع خيار الرؤية ، فالظاهر بطلان العقد للغرر .
يلاحظ عليه : بأنّ الغرر في الحديث المروي : « نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر » يحتمل أحد معنيين :
١ . الغرر بمعنى الخدعة والحيلة كالتدليس في المبيع .
٢ . الغرر بمعنى الخطر كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ، واشتراء
__________________
١ . وكم له في الفقه من نظير : مثل ضمان الدرك حيث يضمن الأجنبيّ للمشتري ثمن العين إذا ظهرت مستحقة للغير ، مع عدم ثبوت الاستحقاق ، فيقال : إنّ المقتضي للضمان وهو العقد كاف .
صبرة مردّدة بين طن أو أطنان .
وإسقاط الخيار في متن العقد ليس من مصاديق القسم الأوّل ، إنّما الكلام في كونه من مصاديق القسم الثاني ، فنقول :
إنّ البيع المخطور عبارة عن ما إذا كان مجهول الذات كبيع ما في قبضة اليد المردّد بين كونه حجراً أو ذهباً ، أو مجهول الصفات كما إذا علم أنّه ذهب مردد بين عيارات مختلفة ، أو مجهول المقدار كما في مورد الصبرة .
وأمّا البيع مع الجهل بالقيمة الواقعية كما هو الحال في المقام ، فهو على قسمين :
تارة يكون السعر مجهولاً بتاتاً ، كما إذا اشترى شيئاً وأسقط خياره في متن العقد وتردد قيمة الشيء بين دينار وألف دينار فاشتراه بألف دينار .
وأُخرى يكون معلوماً في الجملة ، لكن يكون محتمل الزيادة كما في المقام ويسقط خياره مع الجهل بالقيمة على وجه دقيق ، لكن شمول النبوي لهذا القسم مورد تأمّل ، بل منع ، وإلّا يلزم بطلان أكثر المعاملات التي يحتمل فيها الغبن ، إذ يكون عندئذٍ محكوماً بالبطلان لكونه غرريّاً ولا يصحّحه الخيار ، وإلّا يلزم تجويز كلّ معاملة غررية بالخيار .
إلى هنا تمّ الكلام في الأقسام الثلاثة التي يجمعها كون المسقط أمراً لفظيّاً إمّا في العقد ، أو بعده وقبل ظهوره أو بعده .
بقي الكلام في القسم الرابع الذي يكون المسقط فعلاً من أفعال المغبون ، فهذا هو الذي نتلوه عليك .
الرابع : تصرّف المغبون فيما اشترى بعد علمه بالغبن
قد اشتهر بينهم أنّ
تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة ، وفيما انتقل
عنه فسخ ، وهذه القاعدة معقد الإجماع ، ولو قلنا بحجّيته في المقام يكون تصرّف المغبون مسقطاً للخيار .
لكن المتيقّن منه هو ما إذا تصرّف في المبيع تصرّفاً كاشفاً عن رضاه الشخصي بالمبيع ، أو تصرّف فيه تصرّفاً يدلّ بنوعه على رضا المتصرّف نوعاً بالبيع وإن لم يعلم التزامه الفعلي به .
والدليل على السقوط في هاتين الصورتين عموم التعليل في صحيحة علي بن رئاب ، قال : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام ، فذلك رضا منه فلا شرط ( اي لا خيار ) » . (١)
والمراد من إحداث الحدث هو التصرّف الكاشف عن الرضا الشخصي أو النوعي ، وأمّا إذا تصرّف فيه بعد العلم بالغبن تصرّفاً لا يكشف عن الالتزام الشخصي ولا النوعي ، فالظاهر بقاء الخيار لوجود المقتضي وهو إطلاق أدلّة الخيار ، وعدم المقيّد ، لما عرفت من أنّ التعليل في صحيحة علي بن رئاب منصرف إلى القسمين الأوّلين ، وهذا كما إذا لبس الثوب أو طالع الكتاب ونحو ذلك .
هل خيار الغبن فوري أم لا ؟
نسب إلى المشهور (٢) انّ خيار الغبن فوري ، فلو أهمل في الإعمال بعد الوقوف على الغبن يسقط .
استدلّ له بأنّ الخيار على خلاف الأصل وهو اللزوم ويقتصر فيه على المتيقّن .
__________________
١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .
٢ . الحدائق : ١٩ / ٤٣ .
كما استدلّ على عدم الفورية بأنّ الأصل بقاء الخيار حتّى بعد التساهل في الاعمال .
وكلا الاستدلالين يعربان عن عدم وجود إطلاق في دليل الخيار ، ولأجل ذلك التجأ الأوّل بالأخذ بالقدر المتيقّن ، والثاني إلى استصحاب الخيار ، ولكن الظاهر وجود الإطلاق في بعض أدلّته .
وتكفي في المقام قاعدة لا ضرر ، فانّ ظاهر « لا ضرر ولا ضرار » هو الإخبار عن عدم وجود أيِّ ضرر وضرار في الخارج ، ومن المعلوم أنّ الإخبار ليس على وفق الواقع ، إذ ما أكثرَ الضررَ والضرارَ فيه ، غير أنّ المسوّغ لهذا الإخبار هو عدم تشريع أيّ حكم ضرري في الإسلام بحيث صار ذلك سبباً للإخبار عن عدم أيّ ضرر فيه .
فإذاً الحديث يشير إلى خلو صفحة التشريع من الحكم الضرري ، ومقتضى نفيه على وجه الإطلاق هو نفيه في جميع الأزمنة من غير فرق بين الزمان الأوّل والثاني .
ولازم ذلك بقاء الخيار في الزمان الثاني ، وإلّا لم يصحّ نفي الضرر على وجه الإطلاق .
عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع
لا إشكال في عدم اختصاص خيار الغبن بالبيع ، بل هو ثابت في كلّ معاملة غير مبنيّة على التسامح ، والإجماع وإن كان قاصراً عن إثبات العموم لكن قاعدة لا ضرر وبناء العقلاء غير قاصرين .
نعم لا غبن في الصلح
لأجل رفع النزاع أو احتمال الشغل ، لأنّ بناء
الصلح على المحاباة وعدم المداقّة ، اللّهمّ إلّا إذا كان الاحتمال دائراً بين العشرة والعشرين فيصالح بالأوّل فبان أنّه ألف ، فعند ذلك يتعلّق به الخيار .
* * *
|
التحقيق |
|
هل ظهور الغبن شرط شرعي كحدوث الخيار ، أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد ؟ حقّق لنا هذا الموضوع ولاحظ المتاجر قسم الخيارات ، ص ٢٣٧ وتعليق السيد الطباطبائي ، ص ٤٠ . |
الفصل الرابع
خيار العيب
« العيب » من المفاهيم العرفية التي يقف عليها العرف بصفاء ذهنه ولا يحتاج إلى تعريف ، قال سبحانه حاكياً عن مصاحب موسى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) (١) ولا نحتاج في تفسير الآية إلى تعريف العيب ، وإن أردت صياغة تعريف له ، فلك أن تقول :
إنّ لكلّ شيء حسب الخلقة أو حسب موازين الصنعة ، مقياساً طبيعياً أو صناعياً يشارك فيه أغلب الأفراد ، ويعدُّ فقدان ذلك عيباً ، فالخروج عن المقياس الطبيعي أو الصناعي في الأُمور الطبيعية والصناعية على وجه يوجب رغبة الناس عنه ، عيب ؛ فخرج ما يوجب كثرة الرغبة فيه كالحدة في البصر في العبد ، والإتقان البالغ في المصنوع ، والعبد المختون بين المسلمين .
هذا ما لدينا .
مفهوم « العيب » عند المشهور
عرّفه المشهور بقولهم : كلّما زاد عن الخلقة الأصلية أو نقص عنها ؛ عيناً كان
__________________
١ . الكهف : ٧٩ .
الزائد أو الناقص ، كالإصبع الزائد على الخمس أو الناقصة منها ؛ أو صفة ، فهو عيب .
يلاحظ عليه : بأنّه لا يمكن عدّ كلّ ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الطبيعية عيباً ، وإنّما يعدّ عيباً إذا كان سبباً لرغبة الناس عنه كالثيبوبة ، لا لرغبتهم فيه كالختان بين المسلمين ، فانّ غير المختون معرّض للخطر فكيف يعدّ الختان عيباً ؟ !
فبإضافة ما ذكرنا من القيد ( ما يوجب قلّة الرغبة ) يتقوّم تعريف العيب ـ عند المشهور ـ بأمرين :
١ . خروجه عن مقتضى الخلقة الأصلية .
٢ . كونه سبباً لرغبة الناس عنه .
وهل يشترط ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ أن يكون النقص الخلقي سبباً للنقص المالي ؟ كما عليه الشيخ الأنصاري ؛ وعلى ذلك فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص المالي كالخصاء ونحوه لا يعدّ عيباً .
ولمّا كان مقتضى ذلك عدم الخيار فيما إذا ظهر انّ المبيع خصيّ لكثرة الرغبة فيه لأغراض خاصّة ، حاول الإجابة عنه ، بقوله : إنّ الغالب في أفراد الحيوان لما كان عدمه ، كان إطلاق العقد منزلاً على إقدام المشتري على الشراء مع عدم هذا النقص ، فتكون السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد ، ولا يوجب تخلّفه إلّا خيار تخلّف الشرط لا خيار العيب . (١)
يلاحظ عليه : بأنّه لا يشترط في صدق العيب استلزامه النقصَ المالي وإن كان الغالب كذلك ، لما عرفت من أنّ العيب مفهوم عرفي يوصف به الشيء عند
__________________
١ . المتاجر : قسم الخيارات ، ص ٢٦٦ .
التخلّف عن المقياس المقرّر له حسب الخلقة أو الصناعة ، فإذا تخلّف عنه تخلّفاً موجباً لرغبة الناس عنه ، يعدّ عيباً . وإقبال بعض الأثرياء على شراء ذلك المعيب لغرض خاص لا يخرجه عن كونه معيباً ، فلو اشترى عبداً فبان خصيّاً فللمشتري خيار العيب ، لا خيار الاشتراط .
اقتضاء العقد السلامةَ
ثمّ إنّ الدليل الواضح على الخيار في هذا النوع من العقد هو اقتضاء العقد السلامةَ من غير فرق بين عقد وعقد ، فمقتضى العقد في البيع هو سلامة المبيع ، كما أنّ مقتضاه في الإجارة سلامة العين المستأجرة ، إلى غير ذلك من العقود .
استدلّ على ذلك بالأُمور التالية :
١ . انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح .
يلاحظ عليه : أوّلاً : بمنع الانصراف ، ولذلك لا يجري في الأيمان والنذور والوصايا .
وثانياً : عدم جريانه فيما إذا كان المبيع أو العين المستأجرة أمراً جزئياً خارجيّاً ، لأنّ مجرى الانصراف فيما إذا كان المبيع كلّياً ، والمفروض انّه جزئي .
٢ . إنّ وصف الصحّة قد أخذ شرطاً في العين الخارجية نظير وصف الكمال كمعرفة الكتابة أو غيرها من الصفات الكمالية المشروطة في العين الخارجية ، وإنّما استغني عن ذكر وصف الصحّة لاعتماد المشتري أو المستأجر في وجودها على الأصل ؛ كالعين المرئية سابقاً حيث يعتمد في وجود أصلها وصفاتها على الأصل .
والحاصل : إنّ وزان صفات الصحّة ، كوزان صفات الكمال ، ولما كانت أصالة الصحة أمراً مسلّماً بين المتعاقدين فلا تُذكر في العقد ، بخلاف صفات الكمال فانّها بحاجة إلى الذكر فيه .
يلاحظ عليه : أنّه لو صحّ هذا الوجه يعود خيار العيب إلى خيار تخلّف شرط الصحّة ويعدّ من أقسامه ، مع أنّه أمر مستقل عند الفقهاء .
٣ . إنّ أصالة الصحّة في الأشياء الطبيعية أصل مسلّم بين العقلاء ، التي أخبر عنها الوحي ، كما في قوله : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) . (١)
وقد اتّفق عليها العقلاء من طريق التجربة ، فصارت أصلاً معتمداً بين العقلاء في معاملاتهم وعقودهم ، ومرتكزة للأذهان في مبادلاتهم ومعاوضاتهم ، وإن لم يكن كذلك في غير ذلك المجال كالوصايا والأيمان والنذور ، فلو تخلّف ، لا يُلزم المتخلّف عليه بالوفاء بعهده ( كدفع الثمن ) ، لأنّ الموجود غير المعهود عليه إلّا إذا سمح ورضي بالفاقد واكتفى من المطلوب بالدرجة الوسطى لا القصوى .
وبذلك يظهر الفرق بين خيار شرط الصحّة ، وخيار العيب ، فالأوّل مستند إلى ذكرها في متن العقد ، بخلاف الثاني فهو مستند إلى أصل عقلائي معتبر في المعاوضات .
كما يظهر انّ ذكر شرط الصحّة في متن العقد يحدث خياراً مستقلاً لو بان الخلاف ، لما عرفت من تغاير الملاكين . (٢)
وهذا الوجه من أوضح الأدلّة على وجود الخيار في أمثال هذه العقود .
حكم ظهور العيب
إذا ظهر العيب فالرائج بين العقلاء هو أنّه ليس للمشتري ولا غيره إلّا أمر
__________________
١ . السجدة : ٧ .
٢ . وأمّا ما روي عن يونس الدالّ على أنّ شرط الصحّة لا يفيد سوى التأكيد فليس بحجّة ، لأنّه لم يُسند الرواية إلى المعصوم ، ولعلّه من آرائه الخاصة به . ( لاحظ : الوسائل : ١٢ ، الباب ٦ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ١ ) .
واحد وهو كونه مستحقاً للردّ وأخذ الثمن فقط وليس عندهم وراء ذلك شيء آخر .
وأمّا كونه مخيّراً بين الردّ وأخذ الثمن والإمساك مع الأرش فليس بينهم عنه أثر .
نعم لو لم يتمكن من ردّ المعيب كان له عليه الأرش ، فليس أخذ الأرش في عرض جواز الرد .
نعم لو تراضيا على أخذ الأرش حتّى في صورة التمكّن من الردّ فهو أمر آخر ، إنّما الكلام في أنّه هل للمشتري من بدء ظهور العيب أحد الأمرين بحيث يتمكّن من إجبار البائع على واحد منهما : الردّ وأخذ الثمن ، أو إمساكه وأخذ الأرش ، وانّ زمام الأمر في تعيين أحد الأمرين بيد المشتري ، فهذا ما ليس منه بين العقلاء عين ولا أثر .
ويظهر من الشيخ الطوسي في « المبسوط » أنّ الأرش ليس في عرض الردّ وإنّما يُلتجأ إليه عند عدم التمكّن ، قال : ـ « فيما إذا باع المشتري ، المعيبَ قبل علمه بالعيب » ـ : وأمّا لو باعه قبل العلم بالعيب ثمّ علمه فانّه لا يمكنه الردّ ، لزوال ملكه ولا يجب أيضاً له الأرش ، لأنّه لم ييأس من ردّه ( المشتري الثاني ) على البائع ( المشتري الأوّل ) ، فإن ردّه على المشتري الأوّل واسترجع الثمن فانّ المشتري الأوّل يردّه على البائع أيضاً . (١)
ترى أنّ العبارة ظاهرة في أنّ الأرش يتعيّن حين اليأس من إمكان الردّ لا مطلقاً .
وربّما يظهر ذلك أيضاً من ابن البرّاج فيما اشترى دنانير بدراهم معيّنة : فإذا كان العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو ذهباً خشناً أو تكون
__________________
١ . المبسوط : ٢ / ١٣١ .
السكة فيه مضطربة مخالفة لسكة السلطان ، فذلك عيب ، وهو مخيّر بين الرد واسترجاع الثمن ، وبين الرضا به ، وليس له المطالبة ببدل ، لأنّ العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله . (١)
ترى أنّه ذكر حكم الإبدال ولم يذكر الأرش .
ويظهر ذلك القول من فقهاء السنّة ، فليس عندهم إلّا الردّ وأخذ الثمن ، قال ابن قدامة : إنّه متى علم بالمبيع عيباً ، لم يكن عالماً به ، فله الخيار بين الإمساك والفسخ سواء أكان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم ، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً ، وإثبات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خيار التصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ، ولأنّ مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب . (٢)
ما هو المشهور عند الأصحاب ؟
قد عرفت ما هو الرائج عند العقلاء وبعض الأصحاب ، غير أنّ المشهور عند أصحابنا هو التخيير بين الردّ وأخذ الأرش ، وانّهما في عرض واحد ، وإليك بعض نصوصهم :
قال المفيد : فإن كان المبيع جملة وظهر العيب في بعضه ، كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجده فيه ، وإن شاء ردّ جميع المتاع واسترجع الثمن ، وليس له ردّ المعيب دون سواه . (٣)
وتبعه الشيخ في « النهاية » (٤) ، وسلّار في « المراسم » (٥) وابن حمزة في « الوسيلة » (٦) ، وابن إدريس في « السرائر » . (٧)
__________________
١ . المهذّب : ١ / ٣٦٦ . |
٥ . المراسم : ١٧٥ . |
٢ . المغني : ٤ / ١٧٩ . |
٦ . الوسيلة : ٢٥٦ . |
٣ . المقنعة : ٥٩٧ . |
٧ . السرائر : ٢ / ٢٩٦ . |
٤ . النهاية : ٣٩٢ .
وعلى رأيهم جرى الأصحاب في العصور المتأخرة وهو غير خفيّ على من راجع الشرائع وكتب العلّامة والشهيدين قدّس الله أسرارهم .
الاستدلال على قول المشهور
استدلّ على القول المشهور بوجوه قاصرة نشير إليها :
الأوّل : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » فإنّ الحكم بلزوم العقد مع العيب ضرر بلا كلام ؛ فدفعه يتحقّق بأحد الأمرين : الردّ وأخذ الثمن ، والإمساك مع الأرش .
يلاحظ عليه : أنّ الحديث لا يثبت تمام المقصود ، لأنّ الضرر ـ كما قال : ـ و إن كان يندفع بأخذ الأرش ، يندفع بالردّ وأخذ الثمن ، وأمّا كون الاختيار بيد المشتري في تعيين أحد الأمرين مع عدم رضى البائع إلّا بالردّ فلا يدلّ عليه .
الثاني : ما ورد في الفقه الرضوي ، قال : « فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري فالخيار إليه ، إن شاء ردّها وإن شاء أخذها ، أو ردّ عليه القيمة مع أرش العيب » . (١)
يلاحظ عليه : أنّ الفقه الرضوي لا يصلح للاحتجاج ، لأنّه إمّا رسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق ، أو كتاب الشلمغاني المسمّى باسم « التكليف » ، وإن كان الأظهر هو الأولى ، على أنّ العبارة ليست صريحة فيما عليه المشهور .
الثالث : الروايات الواردة في المقام ، وإليك بيانها :
١ . مرسلة جميل ، عن أحدهما عليهالسلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً ؟ فقال : « إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب » . (٢)
__________________
١ . مستدرك الوسائل : ١٣ ، الباب ١٢ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .
٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ .
يلاحظ على الاستدلال بالحديث بأنّه بصدد التفصيل بين بقاء المبيع على ما هو عليه وعدمه ، فالردّ في الأوّل والأرش في الثاني ، ولا يدلّ على أنّ الإمساك مع الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن مطلقاً ، بل يدلّ على أنّ الأرش عند عدم بقاء العين على ما هو عليها .
٢ . صحيحة ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال علي عليهالسلام : « لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها » . (١)
يلاحظ عليه : بأنّه يدلّ على أنّ التصرّف مانع عن الردّ ويتعيّن الإمساك وأخذ الأرش ، وأين هذا من كون أخذ الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن مطلقاً حتّى فيما إذا لم يكن هنا تصرّف مانع من الردّ ؟ !
٣ . صحيح ميسر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قلت له : رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه درديّاً ، قال : فقال : « إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت لم يردّه ، وإن لم يكن يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه » . (٢)
يلاحظ عليه : أنّه بصدد التفصيل بين علم المشتري بالعين وجهله ، فيردّ في الثاني دون الأوّل ، فأين هذا من الإمساك وأخذ الأرش ، فضلاً عن كونه في عرض الردّ وأخذ الثمن ؟ !
٤ . ما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ علياً عليهالسلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن ، احتكرها حكرة فوجد فيها ربّاً ، فخاصمه إلى علي عليهالسلام ، فقال له علي عليهالسلام : « لك بكيل الرب سمناً » ، فقال له الرجل : إنّما بعته
__________________
١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ١ .
٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ١ .
منك حكرة ، فقال له علي عليهالسلام : « إنّما اشترى منك سمناً ولم يشتر منك ربّاً » . (١)
يلاحظ عليه : بأنّه يدلّ على لزوم تبديل الرب الموجود بالسمن ، وأين هذا من أخذ الأرش ؟ !
٥ . ما رواه عمر بن يزيد ، قال : كنت أنا وعمر بالمدينة ، فباع عمر جراباً هروياً كلّ ثوب بكذا وكذا ، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوباً فيه عيب ، فقال لهم عمر : أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به ، قالوا : لا ولكنّا نأخذ منك قيمة الثوب ، فذكر ذلك عمر لأبي عبد الله عليهالسلام ، فقال : « يلزمه ذلك » . (٢)
يلاحظ عليه : بأنّه أجنبي عن المطلوب ، لأنّ البائع كان مستعدّاً لأن يقبل خصوص الثوب المعيب ويدفع الثمن الذي باع به ، ولكن المشتري كان مصرّاً على دفع القيمة السوقية له إن كان صحيحاً .
فأجاب الإمام عليهالسلام بأنّه يلزم المشتري ما اقترحه البائع ( عمر ) من أخذ الثمن لا القيمة ، لأنّ مقتضى الفسخ ولو في بعض المبيع أخذ الثمن لا القيمة ، وتظهر الفائدة فيما إذا كان الثمن أقلّ من القيمة ، وأين هذا من مسألة أخذ الأرش ؟ !
إلى هنا تبيّن عدم دليل واضح على أنّ أخذ الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن ، وأوّل من تنبّه لذلك المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد ثمّ صاحب الحدائق . (٣)
وبذلك تبيّن أنّ ذا الخيار ليس له إلّا الردّ وأخذ الثمن .
نعم فيما لا يتمكّن من الردّ ينتقل الأمر إلى الأرش .
__________________
١ . الوسائل : ١٢ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العيوب ، الحديث ٣ .
العكّة بالضم : آنية السمن ؛ حكرة : جملة .
٢ . الوسائل : ١٢ ، الباب ١٦ من أبواب الخيار ، الحديث ١ .
٣ . الحدائق : ١٩ / ٣٦ ؛ نقله عن الأردبيلي أيضاً .