مع الخطيب ! فى خطوطه العريضة - المقدمة

مع الخطيب ! فى خطوطه العريضة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٤
الصفحات: ١٩٤

١

بِسمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمِ

« مقدمة الطبع »

كتبت هذا النقد بعد ما انتشر كتاب «الخطوط العريضة» بطبعته الاولى سنة ١٣٨٠ ، ثم رأيت ان الاولى فى هذا العصر ـ الذى تواترت فيه الكوارث والفتن على المسلمين ـ ترك نشره ، فخفت ان يكون التعرض للجواب ايضاً سبباً للشقاق ، والضعف ، والفشل ، والتفرقة المنهى عنها ، فذكرت قوله تعالى : ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى احسن. وقوله تعالى : ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. وقوله تعالى : واذا مروا باللغو مروا كراماً.

فقلت فى نفسى دع الخطيب ومن يحذو حذوه يكتب ، ويتقول على الشيعة ، ويفترى عليهم كل ما يريد. فالله سبحانه يقول : ما يلفظ من قول الالديه رقيب عتيد.

فالحرى بناوبكل مسلم غيور على دينه ، وامته ترك هذه المناقشات المنيرة والظروف والاحوال على ما يشاهد فى العالم الاسلامى ، فالفتن والكوارث قد احاطت بنامن كل جانب. وجحافل الالحاد بكل افكاره ومبادئه الشرقية والغربية ، والاستعمار الصهيونى ، والصليبى ـ اخذت تحاربنا وبلا هوادة مستعملة كافة الاساليب الخداعة ، والمخططات الهدامة.

٢

فهم الان ومنذ زمن قريب يغزوننا في عقر دارنا. يهتكون حرماتنا ، ويخربون مساجدنا ، ويسعون لهدم جميع آثار الاسلام ، و ـ صروح الفضيلة ، والشرف والاخلاق الكريمة التى اشادتها رسالة نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم.

فالاسلام مهدد من جانب الاستعمار ، ومهدد من جانب الصهيونية ومن جانب المبشرين الصليبين ، مهدد من جانب المجوسية. مهدد من جانب الشيوعية. مهدد من جانب الصحف والمجلات الاجيرة لاشاعة الخلاعة والدعارة ، مهدد من جانب النعرات القومية. مهدد من جانب ما يسمى بالعلمانية ، مهدد ... ومهدد ... ومهدد ...

فهاهى ذى حرمات الله مساجدنا في فلسطين تهتك ، وتدنس بكل وسائل اللهو ، والخلاعة والمجون.

وها هو ذا المسجد الاقصى المبارك الذى اضرمت فيه اسرائيل نيران حقدها الدفين على الاسلام والمسلمين ، واعلنت بحرقه نواياها الصهيونية الخبيثة.

وهذه فلسطيننا الحبيبة ما زالت تئن تحت نير احتلال العدو وتوجه منها فى كل يوم الاعتداءات الاسرائيلية نحو الاراضى الاسلامية المحيطة بها.

وهذه مآت الالوف من اخواننا المسلمين المشردين من ابناء فلسطين ما برحوا لاجئين ، يعيشون فى المخيمات ، ويقاسون انواعاً من الحرمان والاضطهاد.

فيا اخى ما قيمة كتاب (الخطوط العريضة) ونحن فى هذه الاحوال الدقيقة الحرجة؟ وما فائدة هذه الاقلام للاسلام والمسلمين؟ ومن ينتفع

٣

بمثل هذه النشريات غير اعداء الدين؟ ، وهل وراء ذلك غير اليد الصهيونية الاستعمارية الاثيمة؟

واجبنا والظروف والاحوال هذه. هو الجهاد ، والتضحية فى سبيل الله بنفوسنا ، واموالنا والسنتنا لتكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

واجبنا سيّما القادة ، والعلماء ، والكتاب ، والاثرياء ، وذوى القدرة ان نبذل كل امكانيا تنا لتحرير الاراضى المغتصبة ، ومقدساتنا فى القدس العزيز ، وان نتسلح بسلاح الايمان ، والاعتصام بحبل الله ، والاتحاد. وان ندعوا المسلمين الى التحابب والتوادد ، لا ان نشتغل بالبحث عن المفاضلة بين الصحابة ، والخلافات المذهبية ، ونجعل ذلك سبباً للجفوة والبغضاء ، ونوقد ناراً أخمدتها الازمنة والدهور ، ونحيى احقاداً اماتتها الشدائد.

فمن امر الامور علينا ، ومما يملاء القلوب حسرة هوان يرى فريق من المسلمين ـ فى رحاب الحرمين الشريفين ، وفى اعظم مؤتمر الاسلامى سنّوى كرم الله به هذه الامة ، ويؤمّه المسلمون من جميع الاصقاع والاقطار ـ جعلوا همهم تفريق كلمة الامة والدعوة الى التباغض والتقاطع ، والتنافر. بينما كان من الواجب عليهم ان يوجهوا هذا المؤتمر الاسلامى العظيم الى معالجة ما ابتلى به المسلمون جميعاً من دعايات الالحاد ، والكفر. فيتخذوا الاساليب الناجحة لدفع هذه النعرات الضالة المضلة ، وان يستنهضوا بهذه الجموع الحاشدة ـ التى جائت من كل فج عميق ليذكروا اسم الله ، وليطوفوا بالبيت العتيق ـ الامم الاسلامية فى شرق الارض وغربها للجهاد والنضال. والعمل لكل ما يحقق النصر ، ورفع

٤

الظلامة التى حاقت باولى القبلتين.

اذا لم نتفهم هذه الحقيقة البسيطة فكيف نتوقع ان يعود الينا مجدنا الذاهب لنعيش كماعاش آباؤنا الذين اكرمهم الله فالّف بين قلوبهم فاصبحوا بنعمة الله اخواناً.

فصاروا في جميع الارض حراً

وصرنا في اما كننا عبيداً

ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.

نعم انى تركت نشر هذا النقد ، واوكلت امر الخطيب ، وما اتى به من البهتان الى يوم الجزاء. يوم يحكم الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون.

ولكن لما كان هو والايادى الاثيمة التى كانت ولا تزال وراء هذه النشريات لم يقتنعوا بطبعته الاولى فكرروا طبعه ثانياً في جدة وثالثاً ورابعاً في الديار الشاميّة ، وخامساً فى القاهرة سنة ١٣٨٨ وترجم الى اللغة الاوردية كانهم عثروا على كنز مخفى يجب نشره ، اوعلى صحيفة علم لم يطلع عليها احد.

ثم كرر طبعه للمرة السادسة محرفاً ، ووزع مجاناً فى هذه السنة ١٣٨٩ فى الموسم ، وفى ارض التوحيد ، وفى المملكة العربية التى يدعو عاهلها المسلمين الى الاتحاد والانفاق والوحدة الاسلامية بين الحجاج الوافدين الى بيت الله الحرام ليحملوا هذه الدعوة الممزقة المفرقة الى بلادهم ويثيروا نار الفتن الدامية بين المسلمين حتى يهدد كياننا من الداخل ، ويتشجّع اعداؤنا علينا من الخارج.

فلعن الله الاستعمار ، والصليبية ، والصهيونية ، ولا اخالك تظن ان اىّ عمل يرتكز على اثارة العصبيات المذهبية بين المسلمين كهذا العمل

٥

عملا بسيطاً يقدم عليه لمذهبه. فما وراء هذه النشريات يا اخى الّا يد الاستعمار ، والصهاينة ، وليس المنفق على هذه الدعايات الّا اعداء الاسلام من اسرائيل وحلفائها.

فلهذا طلب منى جمع من الاذكياء الخبراء بما وراء مثل هذه الكتابات نشر هذا النقد لئلا يقع بعض من لا معرفة له بعقائد الفرق فى مكايد هذه الاقلام ، ويعرف ان ما فى كتاب « الخطوط العريضة » اما بهتان محض ، وافتراء بحت ، او ما ليس الالتزام به منافياً لاصول الاسلام ، وما عليه السلف ، والخلف خصوصاً اذا كان عن التأول والاجتهاد. فاجبتهم الى مسئولهم متوكلا على الله تعالى.

ولو كنا نحن الشيعة واهل السنة نعيش فى نفس العصور التى نشبت فيها الخلافات اى عصور ما بعد الفترة التى لحق النبى صلى الله عليه واله وسلم فيها بالرفيق الاعلى حيث ذهبت السيدة فاطمة والامام ، وسائر بنى هاشم ، وشيعتهم مذهبهم وذهب غيرهم مذهباً آخر ، وحيث وقعت الفتن الشديدة بعد مقتل عثمان ومفتتح خلافة الامام على ـ بين المسلمين لكانت لهذه المناقشات ثمرة عملية لانه لابد لنا آنئذ من ان نلتحق اما بالامام ، او بمعاوية ، واما بسيدنا الحسين سيد شباب اهل الجنة او بيزيد بن معاوية.

واما فى هذا العصر فليس ما يراه شيعة اهل البيت او اهل السنة الاعقيدة محضة ادى اجتهادهم اليها ، وليس بينهما من شىء الاخلافات جزئية فى بعض الفروع الفقهية ليست الا كالخلافات الواقعة بين المذاهب الاربعة ، واختلاف الفقهاء والمجتهدي ليس بعزيز.

ولا يخفى عليك

انى فى هذا الكتاب استهدفت الحقيقة والتاريخ بروح موضوعية

٦

مجردة عن كل تعصب ، وانحياز. فمن الانصاف لقارى الكريم الذى ينشد الحقيقة ايضاً الا يتسرع الى الحكم حتى يشبع الكتاب راسة واستيعاباً وحتى يتجرد عن كل تعصب مقيت ، وله بعد ذلك ان يحكم له او ان يحكم عليه ، وعند ذلك فالاختلاف والاتفاق قيمة علمية ، وبينة قائمة مادام الرائد هو الانصاف ، والحق هو المنشود.

٢٩ ذى الحجة ـ ١٣٨٩

المؤلف ـ ايران ـ قم المقدسة ـ

٧
٨

٩

١٠