تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(الْمَلائِكَةُ) ليخبرونا بنبوة محمد ، أو رسلا بدلا من رسالته.

(اسْتَكْبَرُوا) باقتراحهم رؤية ربهم ونزول الملائكة ، أو بإنكارهم إرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم.

(عَتَوْا) تجبرا ، أو عصيانا ، أو سرفا في الظلم ، أو غلوا في القول ، أو شدة الكفر ، نزلت في عبد الله بن أبي أمية ومكرز بن حفص في جماعة من قريش قالوا : لو لا أنزل علينا الملائكة ، أو نرى ربنا.

(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢].

(يَوْمَ يَرَوْنَ) يوم الموت ، أو القيامة. (لا بُشْرى) للمجرمين بالجنة. (وَيَقُولُونَ) الملائكة للكفار ، أو الكفار لأنفسهم.

(حِجْراً مَحْجُوراً) معاذ الله أن تكون لكم البشرى ، أو حراما محرما أن تكون لكم البشرى ، أو منعنا أن يصل إلينا شيء من الخير.

(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣].

(وَقَدِمْنا) عمدنا.

(مِنْ عَمَلٍ) خير فأحبطناه بالكفر ، أو عمل صالح لا يراد به وجه الله.

(هَباءً) رهج الدواب غبار يسطع من تحت حوافرها ، أو كالغبار يكون في شعاع الشمس إذا طلعت في كوة ، أو ما ذرته الريح من أرواق الشجر ، أو الماء المهراق ، أو الرماد.

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤].

(وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) المستقر في الجنة ، والمقيل دونها ، أو عبّر به عن الدعة وإن لم يقيلوا ، أو مقيلهم الجنة على الأسرة مع الحور ، ومقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين ، أو يفرغ من حسابهم وقت القائلة وهو نصف النهار.

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].

(بِالْغَمامِ) المعهود لأنه لا يبقى بعد انشقاق السماء ، أو غمام أبيض يكون في السماء ينزله الله تعالى على الأنبياء فيشقق السماء فيخرج منها.

(وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) ليبشروا المؤمن بالجنة والكافر بالنار ، أو ليكون مع كل نفس سائق وشهيد.

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) [الفرقان : ٢٧].

٢١

(الظَّالِمُ) قيل عقبة بن أبي معيط.

(سَبِيلاً) طريقا إلى النجاة أو بطاعة الله ، أو وسيلة عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكون صلة إليه.

(يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) [الفرقان : ٢٨].

(فُلاناً) لا يثنى ولا يجمع. وهو هنا الشيطان ، أو أبي بن خلف ، أو أمية بن خلف كان خليلا لعقبة وكان عقبة يغشى مجلس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أمية بلغني أنك صبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت فقال : وجهي من وجهك حرام حتى تأتيه فتتفل في وجهه وتبرأ منه ، فأتاه عقبة وتفل في وجهه وتبرأ منه فاشتد ذلك على الرسول صلّى الله عليه سلم فنزلت

(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان : ٣٠].

(مَهْجُوراً) أعرضوا عنه ، أو قالوا : فيه هجرا وقبيحا ، أو جعلوه هجرا من الكلام وهو ما لا فائدة فيه كالبعث والهذيان.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان : ٣٢].

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قريش ، أو اليهود : هلا نزل القرآن جملة واحدة كالتوراة.

(لِنُثَبِّتَ) لنشجع به قلبك ؛ لأنه معجزة تدل على صدقك ، أو أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك ؛ لأنه أمي لا يقرأ فنزل مفرقا ليكون أثبت في فؤاده وأعلق بقلبه ، أو ليثبت فؤاده باتصال الوحي فلا يصير بانقطاعه مستوحشا.

(وَرَتَّلْناهُ) رسلناه شيئا بعد شيء ، أو فرقناه ، أو فصلناه ، أو فسرناه ، أو بيناه.

(وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨].

(الرَّسِّ) المعدن ، أو قرية من قرى اليمامة يقال : لها الفلج من ثمود ، أو ما بين نجران واليمن إلى حضرموت ، أو بئر بأذربيجان ، أو بأنطاكية الشام قتل بها صاحب ياسين ، أو كل بئر لم تطو فهي رس. وأصحابها قوم شعيب ، أو قوم رسو نبيهم في بئر ، أو قوم نزلوا على بئر وكانوا يعبدون الأوثان فلا يظفرون بأحد يخالف دينهم إلا قتلوه ورسّوه فيها وكان الرسل بالشام ، أو قوم أكلوا نبيهم.

(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) [الفرقان : ٤٠].

(الْقَرْيَةِ) سدوم.

(مَطَرَ السَّوْءِ) الحجارة. (يَرَوْنَها) يعتبرون بها. (لا يَرْجُونَ) لا يخافون بعثا.

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣].

٢٢

(مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قوم كانوا يعبدون ما يستحسنونه من الحجارة فإذا رأوا أحسن منه عبدوه وتركوا الأول ، أو الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئا عبده ، أو التابع هواه في كل ما دعاه إليه.

(وَكِيلاً) ناصرا ، أو حفيظا ، أو كفيلا أو مسيطرا.

(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) [الفرقان : ٤٥].

(مَدَّ) بسط.

(الظِّلَّ) الليل يظل الأرض يدبر بطلوع الشمس ويقبل بغروبها ، أو ظلال النهار بما حجب عن شعاع الشمس ، والظل ما قبل الزوال والفيء بعده ، أو الظل : قبل طلوع الشمس والفيء بعد طلوعها.

(ساكِناً) دائما. (دَلِيلاً) برهانا على الظل ، أو تاليا يتبعه حتى يأتي عليه كله.

(ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) [الفرقان : ٤٦].

(قَبَضْناهُ) قبضنا الظل بطلوع الشمس ، أو بغروبها.

(يَسِيراً) سريعا ، أو سهلا ، أو خفيا.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) [الفرقان : ٤٧].

(لِباساً) غطاء كاللباس. (سُباتاً) راحة لقطع العمل فيه ، أو لأنه مسبوت فيه كالميت لا يعقل. (نُشُوراً) باليقظة كالنشور بالبعث ، أو ينتشر فيه للمعاش.

(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [الفرقان : ٤٨].

(الرِّياحَ) قال أبي بن كعب (١) : كل شيء من ذكر الرياح في القرآن فهو رحمة وكل شيء من الريح فهو عذاب ، قيل لأن الرياح جمع وهي الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح ، والعذاب ريح واحدة ، وهي الدّبور ؛ لأنها لا تلقح.

(نَشْراً) تنشر السحاب ليمطر ، أو تحيي الخلق كما يحيون بالنشور.

(بُشْراً) لتبشيرها بالمطر ، أو لأنهم يستبشرون بالمطر. (رَحْمَتِهِ) بالمطر.

__________________

(١) هو أبى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصارى أبو المنذر وأبو الطفيل سيد القراء ، كان من أصحاب العقبة الثانية ، وشهد بدرا والمشاهد كلها. انظر ترجمته : الإصابة (١ / ٢٧ ، ترجمة ٣٢).

٢٣

(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) [الفرقان : ٤٩].

(بَلْدَةً مَيْتاً) لا عمارة بها ولا زرع وإحياؤها إنبات زرعها وشجرها.

(وَأَناسِيَّ) جمع إنسان ، أو جمع إنسي.

(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) [الفرقان : ٥٠].

(صَرَّفْناهُ) الفرقان ، أو المطر. قسمة بينهم فلا يدوم على مكان فيهلك ، ولا ينقطع عن آخر فيفسد ، أو يصرفه في كل عام من مكان إلى مكان ، قال ابن عباس. رضي الله تعالى عنهما : ليس عام بأمطر من عام ولكن الله تعالى يصرفه بين عباده.

(كُفُوراً) قولهم : مطرنا بالأنواء.

(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) [الفرقان : ٥٢].

(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) في تعظيم آلهتهم ، أو موادعتهم.

(وَجاهِدْهُمْ بِهِ) بالقرآن أو الإسلام.

(كَبِيراً) بالسيف ، أو الغلظة.

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٥٣].

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أرسل أحدهما في الآخر ، أو خلاهما مرجت الشيء خليته ، ومرج الوالي الناس تركهم ، ومرجت الدابة تركتها ترعى ، فهما بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو بحر العذب وبحر الملح.

(فُراتٌ) عذب أو أعذب العذب. (أُجاجٌ) ملح ، أو أملح الملح ، أو مر ، أو حار متوهج من تأجج النار.

(بَرْزَخاً) حاجزا من اليبس ، أو التخوم ، أو الأجل ما بين الدنيا والآخرة.

(وَحِجْراً) مانعا أن يختلط العذب بالمالح.

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان : ٥٤].

(نَسَباً) كل من ناسب بولد أو والد وكل شيء أضيف إلى آخر ليعرف به فهو يناسبه.

(وَصِهْراً) الرضاع ، أو المناكح ، أو النسب ما لا يحل نكاحه من قريب وغيره والصهر ما يحل نكاحه من قريب وغيره ، أصل الصهر الملاصقة ، أو الاختلاط لاختلاط الناس بها.

٢٤

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) [الفرقان : ٥٥].

(عَلى رَبِّهِ) أولياء ربه. (ظَهِيراً) عونا ، أو الكافر هين على الله ، ظهر فلان بحاجتي استهان بها ، منه (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) [هود : ٩٢] قيل نزلت : في أبي جهل.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً) [الفرقان : ٦٠].

(قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) لم تكن العرب تعرف هذا الاسم لله تعالى فلما دعوا إلى السجود له بهذا الاسم سألوا عنه مسألة الجاهل ، أو لأن مسيلمة يسمى بالرحمان فلما سمعوه في القرآن ظنوه مسيلمة فأنكروا السجود له ، أو ورد في قوم لا يعرفون الصانع ولا يقرون فلما دعوا إلى السجود أزدادوا نفورا على نفورهم وإلا فالعرب كانت تعرف الرحمن قبل ذلك.

(تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) [الفرقان : ٦١].

(بُرُوجاً) نجوما عظاما أو قصورا فيها الحرس ، أو مواضع الكواكب ، أو منازل الشمس.

(سِراجاً) الشمس. سرجا : النجوم ، وسمى الشمس سراجا لاقتران نورها بالحرارة كالسراج ، وسمى القمر بالنور لعدم ذلك فيه.

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) [الفرقان : ٦٢].

(خِلْفَةً) ما فات في أحدهما قضي في الآخر ، أو يختلفان ببياض أحدهما وسواد الآخر ، أو يخلف كل واحد منهما الآخر بالتعاقب.

(يَذَّكَّرَ) يصلي بالليل صلاة النهار ، وبالنهار صلاة الليل.

(شُكُوراً) النافلة بعد الفرض قيل نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه.

(وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣].

(هَوْناً) علماء حلماء ، أو أعفاء أتقياء ، أو بالسكينة والوقار ، أو متواضعين غير متكبرين.

(الْجاهِلُونَ) الكفار ، أو السفهاء. (سَلاماً) سدادا ، أو طلبا للمسالمة ، أو وعليك السّلام.

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) [الفرقان : ٦٥].

٢٥

(غَراماً) غراما ملازما ، والغريم لملازمته ، أو شديدا وشدة المحنة غرام ، أو ثقيلا. مغرمون : مثقلون ، أو أغرموا بنعيم الدنيا عذاب النار.

(وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) [الفرقان : ٦٧].

(يُسْرِفُوا) النفقة في المعاصي ، أو لم يكثروا حتى يقول الناس قد أسرفوا ، أو لا يأكلون الطعام لإرادة النعيم ولا يلبسون الثياب للجمال وهم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. كانت قلوبهم كقلب رجل واحد ، أو لم ينفقوا نفقة في غير حقها.

(يَقْتُرُوا) يمنعوا حق الله ، أو لا يجيعهم ولا يعريهم ، أو لم يمسكوا عن طاعة الله تعالى ، أو لم يقتصروا في الحق. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من منع في حق فقد أقتر ومن أعطى في غير حق فقد أسرف».

(قَواماً) عدلا ، أو إخراج شطر الأموال في الطاعة ، أو ينفق في الطاعة ويكف عن محارم الله تعالى. والقوام بالفتح الاستقامة والعدل ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر.

(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨].

(إِلَّا بِالْحَقِّ) كفر بعد الإيمان ، أو زنا بعد أحصان ، أو قتل نفس بغير نفس.

(أَثاماً) عقوبة ، أو جزاء ، أو اسم واد في جهنم.

(يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) [الفرقان : ٦٩].

(يُضاعَفْ) عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو يجمع له بين عقوبات الكبائر التي فعلها ، أو استدامة العذاب بالخلود.

(إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان : ٧٠].

(مَنْ تابَ) من الزنا. (وَآمَنَ) من الشرك وعمل صالحا بعد السيئات.

(حَسَناتٍ) يبدلون في الدنيا بالشرك إيمانا وبالزنا إحصانا ، وذكر الله تعالى بعد نسيانه وطاعته بعد عصيانه ، أو في الآخرة من غلبت سيئاته حسناته بدلت سيئاته حسنات ، أو يبدل عقاب سيئاته إذا تاب منها بثواب حسناته التي انتقل إليها.

(غَفُوراً) لما سبق على التوبة.

(رَحِيماً) بعدها. لما قتل وحشي (١) حمزة كتب إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. هل لي من توبة

__________________

(١) هو وحشى بن حرب الحبشى مولى بنى نوفل ، وهو قاتل حمزة قتله يوم أحد ، ثم أسلم وقدم على

٢٦

فإن الله تعالى أنزل بمكة إياسي من كل خير. (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ ..) الآية [الفرقان : ٦٨] وأن وحشيا قد زنا وأشرك وقتل النفس فأنزل الله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ) من الزنا وآمن بعد الشرك وعمل صالحا بعد السيئات الآية. فكتب بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه فقال : هذا شرط شديد ولعلي لا أبقى بعد التوبة حتى أعمل صالحا. فكتب إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هل من شيء أوسع من هذا. فنزلت (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ..) الآية [النساء : ٤٨] فكتب بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى وحشي فقال : إني أخاف أن لا أكون من مشيئة الله فنزل في وحشي وأصحابه (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ..) الآية [الزمر : ٥٣] فبعث بها إلى وحشي فأتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم.

(وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢].

(الزُّورَ) الشرك بالله ، أو أعياد أهل الذمة وهو الشعانين ، أو الغناء ، أو مجالس الخنا ، أو لعب كان الجاهلية ، أو الكذب ، أو مجلس كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشتم فيه.

(بِاللَّغْوِ) كان المشركون إذا سبوهم وأذوهم أعرضوا عنهم وإذا ذكروا النكاح كفوا عنه ، ويكنون عن الفروج إذا ذكروها ، أو إذا مروا بإفك المشركين أنكروه ، أو المعاصي كلها ومرورهم بها.

(كِراماً) تركها والإعراض عنها.

(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [الفرقان : ٧٣].

(لَمْ يَخِرُّوا) لم يقيموا ، أو لم يتغافلوا.

(صُمًّا وَعُمْياناً) لكنهم سمعوا الوعظ وأبصروا الرشد.

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤].

(مِنْ أَزْواجِنا) اجعل أزواجنا وذريتنا قرة أعين أو ارزقنا من أزواجنا أولادا ومن ذريتنا أعقابا ، وقرة العين : أن تصادف العين ما يرضيها فتقر على النظر إليه دون غيره ، أو القر البرد معناه برّد الله دمعها ، دمع السرور بارد ، ودمع الحزن حار ، وضد قرة العين سخنة العين.

(قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أهل طاعة تقر أعيننا في الدنيا بصلاحهم وفي الآخرة بالجنة.

(إِماماً) أئمة هدى يهتدى بنا ، أو نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، أو أمثالا ، أو

__________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع وفد أهل الطائف ، كما شارك في قتل مسيلمة. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (٦ / ٦٠١ ، ترجمة ٩١١٥).

٢٧

قادة إلى الجنة ، أو رضا.

(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) [الفرقان : ٧٥].

(الْغُرْفَةَ) الجنة ، أو أعلى منازل الجنة. (صَبَرُوا) على الطاعة ، أو عن شهوات الدنيا.

(تَحِيَّةً) بقاء دائما ، أو ملكا عظيما.

(وَسَلاماً) جميع السلامة والخير ، أو يحيي بعضهم بعضا بالسلام.

(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) [الفرقان : ٧٧].

(ما يَعْبَؤُا) ما يصنع ، أو ما يبالي بكم.

(دُعاؤُكُمْ) عبادتكم له وإيمانكم به ، أو لو لا دعاؤه لكم إلى الطاعة.

(لِزاماً) القتل ببدر أو عذاب القيامة ، أو الموت ، أو لزوم الحجة لهم في الآخرة على تكذيبهم في الدنيا. وأظهر الوجوه أن اللزام الجزاء للزومه.

سورة الشعراء (١)

(طسم) [الشعراء : ١].

(طسم) اسم الله تعالى أقسم به جوابه (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ) [الشعراء : ٤] ، أو اسم للقرآن ، أو من الفواتح التي افتتح بها كتابه ، أو حروف من أسماء الله تعالى وصفاته مقطعة الطاء من طول ، أو طاهر ، والسين من قدوس أو سميع ، أو سلام. والميم من مجيد ، أو رحيم أو ملك.

(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣].

(باخِعٌ) قاتل أو مخرج ، والبخع القتل.

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤].

(آيَةً) ما عظم من الأمور القاهرة ، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة.

(أَعْناقُهُمْ) لا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية ، أو أراد أصحاب الأعناق ، أو الأعناق الرؤساء ، أو العنق الجماعة من الناس ، أتاني عنق من الناس أي جماعة.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [الشعراء : ٧].

__________________

(١) سميت سورة الشعراء بذلك لأن الله تعالى ذكر فيها أخبار الشعراء ، وذلك للرد على المشركين في زعمهم أن محمد كان شاعرا ، وأن ما جاء به من قبيل الشعر فرد الله عليهم ذلك الكذب والبهتان بقوله وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ وبذلك ظهر الحق وبان ، وهي سورة مكية ما عدا الآية (١٩٧) ومن الآية رقم (٢٢٤) إلى آخر السورة فمدنية. ، وقد نزلت بعد سورة الواقعة ، وسورة الشعراء عالجت أصول الدين من التوحيد والرسالة والبعث شأنها شأن سائر السور المكية التي تهتم بجانب العقيدة وأصول الإيمان.

٢٨

(زَوْجٍ) نوع معه قرينه من أبيض وأحمر وحلو وحامض.

(كَرِيمٍ) حسن ، أو مما يأكل الناس والأنعام ، أو النافع المحمود ، أو الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم قاله الشعبي ، (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧].

(وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) [الشعراء : ١٣].

(وَيَضِيقُ صَدْرِي) لتكذيبهم ، أو للضعف عن إبلاغ الرسالة.

(وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) من مهابته ، أو للعقدة التي كانت به.

(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤].

(وَلَهُمْ عَلَيَّ) عندي ذنب ، أو عقوبة ذنب هو قتل النفس.

(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦].

(رَسُولُ) بمعنى رسولا ، أو كل واحد منا رسول ، أو إنا رسالة ومنه :

وما أرسلتهم برسول

(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء : ١٨].

(وَلَبِثْتَ فِينا) لأنه كان لقيطا في داره.

«لبث فيهم ثلاثين سنة» وغاب عنهم عشر سنين ، ثم دعاه ثلاثين سنة ، وعاش بعد غرقه خمسين سنة. ذكر ذلك امتنانا عليه.

(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الشعراء : ١٩].

(فَعْلَتَكَ) قتل النفس.

(مِنَ الْكافِرِينَ) أي على ديننا الذي تقول أنه كفر ، أو من الكافرين لإحساني إليك.

(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠].

(الضَّالِّينَ) الجاهلين لأنه لم يعلم أنها تبلغ النفس ، أو من الضالين عن النبوة ، أو من الناسين كقوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) [البقرة : ٢٨٢].

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٢٢].

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ) اتخاذك بني إسرائيل عبيدا قد أحبط نعمتك التي تمن عليّ بها ، أو لما ظلمت بني إسرائيل ولم تظلمني اعتددت بذلك نعمة تمن بها عليّ ، أو لم يكن لفرعون على موسى نعمة وإنما رباه بنو إسرائيل بأمر فرعون لاستبعاده لهم فأبطل موسى نعمته لبطلان استرقاقه ، أو أنفق فرعون على تربية موسى من أموال بني إسرائيل التي أخذها منهم لما استعبدهم فأبطل موسى نعمته وأبطل منته لأنها أموال بني إسرائيل لا أموال فرعون ، والتعبيد الحبس والإذلال والاسترقاق لما فيه من الذل.

٢٩

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الشعراء : ٣٢].

(ثُعْبانٌ) الحية الذكر ، أو أعظم الحيات ، أو أعظم الحيات الصفر شعر العنق.

(مُبِينٌ) أنها ثعبان ، أو أنها آية وبرهان ، قيل كان اجتماعهم بالإسكندرية. قيل كان السحرة اثني عشر ألفا ، أو ستة عشر ألفا.

(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) [الشعراء : ٣٥].

(تَأْمُرُونَ) تشيرون.

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) [الشعراء : ٣٦].

(أَرْجِهْ) أخره ، أو أحبسه. ولم يأمروا بقتله لأنهم رأوا منه ما بهر عقولهم فخافوا الهلاك من قبله ، أو صرفوا عن ذلك تأييدا للدين وعصمة لموسى عليه الصلاة والسّلام ، أو خافوا أن يفتن الناس بما شاهدوا منه ورجوا أن يغلبه السحرة.

(إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء : ٥٤].

(لَشِرْذِمَةٌ) سفلة الناس ، أو العصبة الباقية من عصب كبيرة ؛ شرذمة كل شيء بقيته القليلة ، والقميص إذا أخلق شراذم ، وما قطع من فضول النعال حتى تحذي شراذم. وكان عدد بني إسرائيل لما قال ذلك ستمائة ألف وتسعين ألفا ، أو ستمائة وعشرين ألفا لا يعدون ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره ، أو ستمائة ألف مقاتل ، أو خمسمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل واستقل هذا العدد لكثرة من قتل منهم ، أو لكثرة من معه ، كان على مقدمته مامان في ألف ألف وتسعمائة ألف حصان أشهب ليس فيها أنثى ، أو كانوا سبعة ألاف ألف.

(وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) [الشعراء : ٥٥].

(لَغائِظُونَ) لأنهم استعاروا حلي القبط وذهبوا به مغايظة لهم ، أو لقتلهم أبكارهم وهربهم منهم ، أو بخلاصهم من رقهم واستخدامهم.

(وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) [الشعراء : ٥٦].

(حاذِرُونَ) وحاذرون واحد ، أو الحذر الخائف والحاذر المستعد أو الحذر المطبوع على الحذر والحاذر فاعل الحذر ، أو الحذر المتيقظ والحاذر آخذ السلاح لأن السلاح حذر.

(وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الشعراء : ٥٨].

(وَكُنُوزٍ) الخزائن ، أو الدفائن ، أو الأنهار.

(وَمَقامٍ كَرِيمٍ) المنابر ، أو مجالس الأمراء ، أو المنازل الحسان ، أو مرابط الخيل لتفرد الزعماء بارتباطها عدة وزينة.

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) [الشعراء : ٦٠].

٣٠

(مُشْرِقِينَ) حين أشرقت الشمس بالشعاع ، أو أشرقت الأرض بالضياء ، أو ناحية الشرق شرقت الشمس : طلعت وأشرقت : أضاءت. وتأخر فرعون وقومه عنهم لاشتغالهم بدفن أبكارهم لأن الوباء تلك الليلة وقع فيهم ، أو لأن سحابة أظلتهم فخافوها حتى أصبحوا فانقشعت عنهم.

(فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١].

(لَمُدْرَكُونَ) ملحوقون لأنهم رأوا فرعون وراءهم والبحر أمامهم.

(قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢].

(كَلَّا) زجر وردع.

(سَيَهْدِينِ) إلى الطريق ، أو سيكفيني.

(فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء : ٦٣].

(فَانْفَلَقَ) أثني عشر طريقا لكل سبط طريق عرض كل طريق فرسخان وكان ذلك ضحوة النهار يوم الاثنين عاشر المحرم بعد أربع ساعات من النهار. والبحر بحر النيل ما بين أيلة ومصر ، وقطعوه في ساعتين فصار ست ساعات.

(كَالطَّوْدِ) كالجبل.

(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) [الشعراء : ٦٤].

(وَأَزْلَفْنا) قربنا فرعون وقومه إلى البحر ، أو جمعنا فرعون وقومه في البحر.

(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨].

(خَلَقَنِي) بنعمته.

(فَهُوَ يَهْدِينِ) لطاعته ، أو خلقني لطاعته فهو يهدين لجنته.

(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [الشعراء : ٨٣].

(حُكْماً) لبّا ، أو علما ، أو نبوة ، أو القرآن. (بِالصَّالِحِينَ) الأنبياء والمؤمنين.

(وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤].

(لِسانَ صِدْقٍ) ثناء حسنا من الأمم كلها ، أو أن يؤمن به أهل كل ملة ، أو يجعل من ولده من يقوم بالحق بعده.

(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٨٦].

(لِأَبِي) كان يسر الإيمان ويظهر الكفر فيصح اسغفاره له. والأظهر أنه كان كافرا في الباطن أيضا فسأل أن يغفر له في الدنيا ولا يعاقبه فيها أو يغفر له جنايته عليه التي تسقط بعفوه.

٣١

(إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء : ٨٩].

(سَلِيمٍ) من الشك ، أو الشرك ، أو المعاصي ، أو مخلص ، أو ناصح لله تعالى في خلقه.

(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) [الشعراء : ٩٤].

(فَكُبْكِبُوا) جمعوا في النار ، أو طرحوا فيها على وجوههم ، أو نكسوا فيها على رؤوسهم ، أو قلب بعضهم على بعض. (هُمْ) يعني الآلهه.

(وَالْغاوُونَ) المشركون ، أو الشياطين.

(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) [الشعراء : ٩٥].

(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) أعوانه من الجن أو أتباعه من الإنس.

(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) [الشعراء : ١٠٠].

(شافِعِينَ) من الملائكة ، أو الناس.

(وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء : ١٠١].

(حَمِيمٍ) شفيق ، أو قريب نسيب ، حم الشيء قرب والحمى لتقريبها من الأجل. قال الشاعر :

لعل لبنى اليوم حم لقاؤها

ببعض بلاد إنّ ما حم واقع

أو سمي القريب حميما من الحمية لأنه يحمى لغضب صاحبه ، ذهبت يومئذ مودة الصديق ورقة الحميم.

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء : ١١١].

(الْأَرْذَلُونَ) الذي يسألون ولا يقنعون ، أو المتكبرون ، أو السفلة ، أو الحاكة ، أو الأساكفة.

(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦].

(الْمَرْجُومِينَ) بالحجارة ، أو بالشتم ، أو القتل.

(فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ١١٨].

(فَافْتَحْ) فاقض ولم يدع عليهم إلا بعد ما قيل له (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦].

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ) [الشعراء : ١٢٨].

(رِيعٍ) طريق ، أو الثنية الصغيرة ، أو السوق ، أو الفج بين الجبلين ، أو الجبال ، أو المكان المشرف من الأرض.

٣٢

(آيَةً) بنيانا ، أو أعلاما ، أو أبراج الحمام.

(تَعْبَثُونَ) باللهو واللعب ، أو عبث العشارين بأموال من يمرّ بهم.

(وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) [الشعراء : ١٢٩].

(مَصانِعَ) قصورا مشيدة ، أو مآخذ الماء تحت الأرض ، أو أبراج الحمام. (لَعَلَّكُمْ) كأنكم تخلدون وهي كذلك في بعض القراءات.

(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء : ١٣٠].

(جَبَّارِينَ) أقوياء ، أو بضرب السياط ، أو القتل بالسيف في غير حق ، أو القتل على الغضب.

(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٣٧].

(خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) دينهم أو كذبهم ، أو عادتهم ، أو كان الأولون يموتون فلا يبعثون ولا يحاسبون.

(وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) [الشعراء : ١٤٨].

(هَضِيمٌ) رطب لين ، أو المذنّب من الرطب ، أو ما لا نوى له ، أو المتهشم المتفتت ، أو الملاصق بعضه ببعض ، أو الطلع حين يتفرق ويخضر أو اليانع النضيج ، أو المكتنز قبل أن ينشق عنه القشر ، أو الرخو ، أو اللطيف ، والطلع من الطلوع وهو الظهور ، ومنه طلعت الشمس والقمر.

(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) [الشعراء : ١٤٩].

(فارِهِينَ) شرهين أو معجبين ، أو آمنين ، أو فرحين ، أو بطرين أشرين ، أو متخيرين (فارِهِينَ) كيسين ، أو حاذقين من فراهة الصنعة ، أو قادرين ، أو جمع فاره وهو المرح.

(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) [الشعراء : ١٥٣].

(الْمُسَحَّرِينَ) المسحورين ، أو الساحرين ، أو المخلوقين ، أو المخدوعين ، أو الذي ليس له شيء ولا ملك ، أو ممن له سحر وهو الرئة ، أو ممن يأكل ويشرب.

(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الشعراء : ١٨٢].

(بِالْقِسْطاسِ) القبان ، أو الحديد ، أو المعيار ، أو الميزان ، أو العدل بالرومية ، أو بالعربية من القسط وهو العدل.

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [الشعراء : ١٨٣].

(وَلا تَعْثَوْا) لا تمشوا فيها بالمعاصي ، أو بالظلم.

(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٨٤].

٣٣

(وَالْجِبِلَّةَ) الخليقة. قال امرؤ القيس :

والموت أكبر حادث

مما يمر على الجبلة

(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الشعراء : ١٨٧].

(كِسَفاً) جانبا ، أو قطعا ، أو عذبا.

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٣].

(الرُّوحُ الْأَمِينُ) جبريل عليه‌السلام.

(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥].

(عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) لسان جرهم ، أو قريش.

(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) [الشعراء : ١٩٦].

(وَإِنَّهُ) ذكر القرآن ، أو ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفته ، أو ذكر دينه وصفة أمته.

(لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب.

(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) [الشعراء : ٢٠٠].

(سَلَكْناهُ) أدخلنا الشرك ، أو التكذيب ، أو القسوة في قلوب المجرمين.

(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء : ٢١٢].

(عَنِ السَّمْعِ) عن سمع القرآن لمصروفون ، أو عن فهمه وإن سمعوه ، أو عن العمل به وإن فهموه.

(الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) [الشعراء : ٢١٨].

(حِينَ تَقُومُ) في الصلاة ، أو من فراشك ومجلسك ، أو قائما وجالسا وعلى حالتك ، أو حين تخلو عبّر بالقيام عن الخلوة لوصوله إليها بالقيام عن ضدها.

(وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء : ٢١٩].

(فِي السَّاجِدِينَ) من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا ، أو تقلبك في سجود صلاتك وركوعها ، أو ترى بقلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك ، أو تصرفك في الناس ، أو تقلب ذكرك وصفتك على ألسنة الأنبياء قبلك ، أو حين تقوم إلى الصلاة منفردا وتقلبك في الساجدين إذا صليت جماعة ، قاله قتادة.

(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [الشعراء : ٢٢٤].

(وَالشُّعَراءُ) يعني الذين إذا غضبوا سبّوا ، وإذا قالوا كذبوا. (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الشياطين ، أو المشركون ، أو السفهاء ، أو الرواة.

٣٤

(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) [الشعراء : ٢٢٥].

(وادٍ يَهِيمُونَ) في كل فن من الكلام يأخذون ، أو في كل لغو يخوضون ، أو يمدحون قوما بباطل ، ويذمون قوما بباطل ، والهائم المخالف في القصد ، أو المجاوز للحد.

(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) [الشعراء : ٢٢٦].

(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) من كذب في شعرهم بمدح ، أو ذم ، أو تشبيه ، أو تشبيب.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فإنه لا يتبعهم الغاوون ، ولا يقولون ما لا يفعلون.

ولما نزلت : (وَالشُّعَراءُ) جاء عبد الله بن رواحة (١) وكعب من مالك (٢) وكنا عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالا هلكنا يا رسول الله فنزلت (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا.) فقرأها عليهم ، وقال : أنتم هم.

(وَذَكَرُوا اللهَ) في شعرهم ، أو في كلامهم. (وَانْتَصَرُوا) بردهم على المشركين ما هجوا به المسلمين.

(مُنْقَلَبٍ) مصير يصيرون إليه من النار والعذاب ، والمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه ، والمرجع العود من حال هو عليها إلى حال كان فيها.

سورة النمل (٣)

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) [النمل : ١].

__________________

(١) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصارى الخزرجى الشاعر المشهور ، يكنى أبا محمد ، ويقال كنيته أبو رواحة ، ويقال أبو عمرو ، من السابقين الأولين من الأنصار وكان أحد النقباء ليلة العقبة وشهد بدرا وما بعدها. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (٤ / ٨٢ ، ترجمة ٤٦٧٩).

(٢) هو كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة أبو عبد الله الأنصاري السلمي ، ويقال أبو بشير ، ويقال أبو عبد الرحمن ، شهد أحدا وما بعدها ، وتخلف في تبوك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم. انظر ترجمته : الإصابة في تمييز الصحابة (٥ / ٦١٠ ، ترجمة ٧٤٣٨).

(٣) سورة النمل ، سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة الشعراء ، ذكرت السورة قصة سيدنا سليمان وبلقيس ملكة سبأ ، كذلك اهتمت السورة بالحديث عن أصول العقيدة التوحيد والرسالة والبعث ، وهي إحدى سور ثلاث نزلت متتالية ووضعت في المصحف متتالية ، وهي الشعراء والنمل والقصص ، ويكاد يكون منهاجها واحدا في سلوك مسلك العظة والعبرة عن طريق قصص الغابرين.

٣٥

(تِلْكَ) أي هذه آيات القرآن وآيات الكتاب والإشارة بتلك عائد إلى السورة ، أو إلى الحروف التي هي (طس) المبين حلاله وحرامه وأمره ونهيه ووعده ووعيده.

(هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [النمل : ٢].

(هُدىً) إلى الجنة.

(وَبُشْرى) بالثواب ، أو هدى من الضلالة وبشرى بالجنة.

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [النمل : ٣].

(يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) المفروضة باستيفاء فروضها وسننها ، أو بالمحافظة على مواقيتها.

(الزَّكاةَ) زكاة المال ، أو زكاة الفطر ، أو طاعة الله تعالى والإخلاص ، أو تطهير أجسادهم من دنس المعاصي.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل : ٤].

(يَعْمَهُونَ) يترددون ، أو يتمادون ، أو يلعبون ، أو يتحيرون.

(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦].

(لَتُلَقَّى) لتأخذ ، أو لتؤتى ، أو لتلقن ، أو لتلقف.

(حَكِيمٍ) في أمره. (عَلِيمٍ) بخلقه.

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [النمل : ٧].

(آنَسْتُ) رأيت ، أو أحسست ، الإيناس : الإحساس من جهة يؤنس بها. (بِخَبَرٍ) بخبر الطريق لأنه كان ضلها ، أو سأخبركم عنها بعلم. (بِشِهابٍ) الشعاع المضيء ومنه شهب السماء.

(قَبَسٍ) قطعة من نار ، اقتبس النار أخذ قطعة منها ، واقتبس العلم لاستضاءته به كما يستضيء بالنار.

(لَعَلَّكُمْ) لكي تصطلوا من البرد وكان شتاء.

(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [النمل : ٨].

(جاءَها) جاء النور الذي ظنه نارا وقف قريبا منها فوجدها تخرج من شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق ، لا تزداد النار إلا تضرما ولا تزاد الشجرة إلا خضرة وحسنا.

(بُورِكَ) قدس ، أو تبارك ، أو البركة في النار. النّار نار فيها نور ، أو نور لا نار فيه عند الجمهور.

٣٦

(مَنْ فِي النَّارِ) من : صلة تقديره بوركت النار ، أو بورك النور الذي في النار ، أو بورك الله الذي في النور أو الملائكة ، أو الشجرة لأن النار اشتعلت فيها وهي خضراء لا تحترق.

(وَمَنْ حَوْلَها) الملائكة ، أو موسى عليه الصلاة والسّلام.

(وَسُبْحانَ اللهِ) من كلام الله تعالى لموسى ، أو قاله موسى لما سمع الكلام وفزع استعانة بالله تعالى وتنزيها له ، وسمع موسى كلام الله تعالى من السماء عند الشجرة وحكى النقاش أن الله تعالى خلق في الشجرة كلاما حتى خرج منه فسمعه موسى عليه الصلاة والسّلام ولا خبر فيما ذكره من ذلك. قال وهب لم يمس موسى عليه الصلاة والسّلام امرأة بعد ما كلمه ربه.

(وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ١٠].

(جَانٌّ) الحية الصغيرة سميت بذلك لاختفائها واستتارها ، أو الشيطان لأنهم يشبهون كل ما استهولوه بالشياطين لقوله : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [الصافات : ٦٥] وقد كان انقلابها إلى أعظم الحيات وهي الثعبان. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ولما توجه إلى مدين أعطاه العصا ملك من الملائكة.

(وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يرجع ، أو لم ينتظر ، أو لم يلتفت.

(لا يَخافُ لَدَيَّ) أي لا يخافون في الموضع الذي يوحى إليهم فيه وإلا فهم أخوف الخلق لله تعالى.

(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النمل : ١١].

(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) من غير المرسلين فيكون الاستثناء منقطعا ، أو أراد آدم ظلم نفسه بأكل الشجرة ، أو يخافون مما كان منهم قبل النبوة كقتل موسى للقبطي ، أو يخافون من الصغائر بعد النبوة لأنهم غير معصومين منها.

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) [النمل : ١٥].

(عِلْماً) فهما ، أو قضاء ، أو علم الدين ، أو منطق الطير ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو صنعة الكيمياء. وهو شاذ.

(فَضَّلَنا) بالنبوة ، أو الملك ، أو العلم.

(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل : ١٦].

٣٧

(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ) نبوة داود وملكه ، أو سخر له الشياطين والرياح ، أو استخلفه في حياته على بني إسرائيل فسمي ذلك وراثة ، وكان لداود تسعة عشر ابنا.

(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) [النمل : ١٧].

(يُوزَعُونَ) يساقون ، أو يدفعون ، أو يدفع أخراهم ويوقف أولاهم ، أو يسحبون ، أو يجمعون ، أو يحبسون ، أو يمنعون ، وزعه عن الظلم : منعه منه ، وقالوا لا بد للسلطان من وزعه : أي من يمنع الناس عنه ، وقال عثمان : ما وزع الله بالسلطان أكثر مما وزع بالقرآن ، والمراد بهذا المنع أن يرد أولهم على آخرهم ليجتمعوا ولا يتفرقوا.

(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [النمل : ١٨].

(وادِ النَّمْلِ) بالشام ، وكان للنملة جناحان فعلم منطقها لأنها من الطير ولو لا ذلك لما علمه ، قاله الشعبي.

(يَحْطِمَنَّكُمْ) يهلكنكم. (وَهُمْ) والنمل. (لا يَشْعُرُونَ) بسليمان وجنوده ، أو وسليمان وجنوده لا يشعرون بهلاك النمل ، قيل سمع كلامها من ثلاثة أميال حملته الريح إليه. وسميت نملة لتنملها ، وهو كثرة حركتها وقلة قرارها.

(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل : ١٩].

(فَتَبَسَّمَ) من حذرها بالمبادرة أو من ثنائها عليه ، أو من إستبقائها النمل قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما! فوقف سليمان وجنوده حتى دخل النمل مساكنه.

(أَوْزِعْنِي) ألهمني ، أو اجعلني ، أو حرضني.

(أَنْ أَشْكُرَ) سبب شكره علمه بمنطق الطير حتى فهم قولها أو حمل الريح صوتها إليه حتى سمعه من ثلاثة أميال فأمكنه الكف.

(صالِحاً) شكر ما أنعم عليه به.

(بِرَحْمَتِكَ) بنبوتك ، أو بمعونتك التي أنعمت بها عليّ.

(فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.) الأنبياء ، أو الجنة التي هي دار الأولياء.

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) [النمل : ٢٠].

(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) كان إذا سافر أظله الطير من الشمس ، فلما غاب الهدهد أتت الشمس من مكانه وكانت الأرض للهدهد كالزجاج يرى ما تحتها فيدل على مواضع الماء حتى تحفر.

٣٨

(أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أي انتقل عن مكانه ، أو غاب.

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [النمل : ٢١].

(لَأُعَذِّبَنَّهُ) بنتف ريشه حتى لا يمتنع من شيء ، أو بإحواجه إلى جنسه ، أو بجعله مع أضداده.

(بِسُلْطانٍ) حجة بيّنة أو عذر ظاهر.

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢].

(أَحَطْتُ) بلغت ، أو علمت ، أو اطلعت ، والإحاطة : العلم بالشيء من جميع جهاته.

(سَبَإٍ) مدينة بالمين يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء ثلاث ليالي ، أو حيّ من اليمن سموا باسم أمهم ، أو سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن سبأ فقال : «هو رجل ولد له عشرة أولاد باليمن منه ستة وبالشام أربعة فأما اليمانيون ؛ فمذحج وحمير وكندة وأنمار والأزد والأشعريون.

وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان» (١) وقيل هو سبأ بن يعرب بن قحطان سمي سبأ لأنه أول من سبى.

(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) [النمل : ٢٣].

(امْرَأَةً) بلقيس بنت شراحيل أو شرحبيل بن مالك بن الريان وأمها جنية (٢).

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) في أرضها ، أو من أنواع الدنيا كلها.

(عَرْشٌ) سرير ، أو كرسي ، أو مجلس ، أو ملك.

(عَظِيمٌ) كريم ، أو حسن الصنعة ، أو كان ذهبا مسترا بالديباج والحرير قوائمه لؤلؤ وجوهر. وكان يخدمها ستمائة امرأة ، وأهل مشورتها ثلاثمائة واثنا عشر رجلا ؛ كل رجل على عشرة آلاف رجل.

(أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) [النمل : ٢٥].

(الْخَبْءَ) غيب السماوات والأرض ، أو خبء السماوات المطر وخبء الأرض :

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٤ / ٣٤ ، رقم ٣٩٨٨) ، والترمذى (٥ / ٣٦١ ، رقم ٣٢٢٢) ، والطبراني (١٨ / ٣٢٣ ، رقم ٨٣٤) ، والحاكم (٢ / ٤٦٠ ، رقم ٣٥٨٦).

(٢) كما ورد في الحديث الضعيف «أحد أبوى بلقيس كان جنيا» أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٥ / ١٦٥٣ ، رقم ١٠٩٦) ، وابن عساكر (٦٩ / ٦٧) ، وابن عدى (٣ / ٣٦٩ ، ترجمة ٨٠٥ سعيد بن بشير).

٣٩

النبات ، والخبء المخبوء وصفه بالمصدر ، والخبء في اللغة ما غاب واستتر.

(أَلَّا يَسْجُدُوا) من قول الله ، أمر خلقه بالسجود أو من قول الهدهد تقديره يا هؤلاء اسجدوا.

(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) [النمل : ٢٨].

(ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) كن قريبا منهم ، أو تقديره : فألقه إليهم فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم. أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وجعل يدور في بهوها ، فقالت : ما رأيت خيرا منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها ، أو ألقاه على صدرها وهي نائمة.

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) [النمل : ٢٩].

(كَرِيمٌ) لحسن ما فيه ، أو مختوم ، أو لكرم صاحبه وأنه ملك ، أو لتسخيره الهدهد لحمله.

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠]

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) [هود : ٤١] كتب بسم الله فلما نزلت (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الأسراء : ١١٠] كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ..) الآية كتب بسم الله الرحمن الرحيم.

(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) [النمل : ٣١].

(أَلَّا تَعْلُوا) لا تخافوا ، أو لا تتكبروا ، أو لا تمتنعوا.

(مُسْلِمِينَ) مستسلمين ، أو موحدين ، أو مخلصين ، أو طائعين.

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) [النمل : ٣٢].

(أَفْتُونِي) أشيروا عليّ. (قاطِعَةً) ممضية. (تَشْهَدُونِ) تشيروا ، أو تحضروا.

(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) [النمل : ٣٣].

(قُوَّةٍ) عدد وعدة.

(بَأْسٍ) شجاعة وآلة تفويضا منهم الأمر إليها ، أو إجابة منهم إلى قتاله.

(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل : ٣٤].

(دَخَلُوا قَرْيَةً) أخذوها عنوة. (أَفْسَدُوها) أخربوها. (أَذِلَّةً) بالسيف ، أو الاستعباد.

(وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ.) من قول الله إنهم يفسدون القرى ، أو قالت بلقيس وكذلك يفعل

٤٠