الشيخ جعفر السبحاني
المترجم: الشيخ جعفر الهادي
الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٨
ألف : تَبيين مفاهيمِ القُرآن الكَريم وحلّ مُعضلاته ، وبيان مقاصده ، وهذا هو من أبرز وظائف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقول عنها القرآن الكريم : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١).
ب : بيانُ الأحكام الشرعية ، فقد كانَ هذا العَمَل من وظائفِ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث كان يقوم بذلك عن طريق تلاوة الآيات المتضمنة للأَحكام حيناً وعن طريق السّنة حيناً آخر.
ثمَّ إنّ بَيان الأحكام من جانب النبيّ تم بصورةٍ تدريجيّة ، ومتزامناً مع وقوع حوادثَ جديدةٍ ، وظهورِ احتياجات حديثة في حياة الأُمّة ، ومثل هذا الأمر يقتضي بطبيعته أن تستمر هذه الوظيفةُ ، لعدم انحصار الحاجات بما حدث في عصره صلىاللهعليهوآلهوسلم ، هذا من جانب. ومن جانب آخر لا يتجاوز عددُ الأحاديث الّتي وَصَلت إلينا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حول الأحكام (٥٠٠) حديث (٢) ولا شك أنّ هذا القدر من الأحاديث الفقهية لا تسدُّ حاجة الأُمّة المتنامِية ، ولا توصلُها إلى مرحلة (الاكتفاءِ الذاتيّ) في مجال التقنين.
ج : حيث إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان محوراً للحق ، وكان بتعليماته ، يمنع من تطرّق أيّ انحرافٍ ، وتسرّبِ أيّ اعوجاجٍ في عقائد الأُمّة ، لهذا لم يحدث أيُّ تفرّقٍ عقائديّ ، وأي تشتُّتٍ مذهبيّ في عَصره أو لم يكن هناك أَرضية لظهور ذلك.
__________________
(١). النحل / ٤٤.
(٢). الوحي المحمدي ص ٢١٢ ، الطبعة السادسة.
د : الإجابة على الأَسئلةِ الدينيّة والاعتقادية ، فقد كان هذا العملُ هو الآخر من وظائف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الهامَّة.
ه : إقامةُ القِسطِ والعَدل والأمن العامّ الشامل في المجتمع الإسلاميِّ ، وظيفة أُخرى من وظائف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
و : حِفظُ الثغور ، والحدُود ، والثروة الإسلاميّة تجاه الأعداء هو أيضاً من مسئوليات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووظائفه.
إنّ الوظيفتين الأخيرتين وإن أمكن القيام بهما من قِبَل الخليفة الذي تختارهُ الأُمّة ، لكن من المُسَلَّم والقطعيّ أنّ القيامَ بالوظائِفِ السّابقة (وهي بيانُ مَفاهيمِ القرآنِ الكريمِ الخفيّة ، الغامِضَةِ ، وبيانُ أحكامِ الشَّرع و.. و...) يَحتاج إلى قائد واعٍ خبيرٍ ، يكون موضعَ عناية الله الخاصّة ، كما يكون في عِلمِهِ صنوَ النبيّ ونظيرهُ ، أيْ أن يكون حاملاً للعلومِ النَّبَويّة ومَصُوناً من كل خطأ وزلل ، ومعصوماً من كلّ ذنبٍ وخطلٍ ، ليستطيع القيامَ بالوظائف الجسيمة المذكورة ، وليملأَ الفراغ الذي أحدثه غيابُ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بسبب وفاته ، في الظروف الزاخرة بالأحداث الحُلوة والمرَّة ، وبالوقائع الحرجة.
إنّ من البديهيّ أنّ تَشخيصَ مثلِ هذا الشخصِ ، والمعرفة به لإيكال منصب القيادة إليه ، خارجٌ عن حدود عِلمِ الأُمّةِ ونِطاق معرِفتها ، ولا يمكن أن يتُمَّ بغير رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبالأمر الإِلهيّ وتعيينهما إيّاه.
ومنَ الواضح أيضاً أنّ تَحقُّق الأهداف المذكورةِ رهنُ حماية النّاس ، واستجابتهم وإطاعتهم للقائد المعيَّن ، بواسطةِ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومجرّدُ التعيين الإلهيّ والنصّ النبويّ على الخليفة لا يكفي لِتحقّقِ الأهداف والوظائف
السالِفة. (إذ لا رَأيَ لِمَنْ لا يُطاع).
وهذا جارٍ حتّى في القرآن الكريم والنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسِه ، فإنّهما ما لم يُطاعا لا تتحقّق أهدافهما.
إنّ الحَوادِثَ السّلْبِيَّةَ ، وتشتّتَ كلمة المسلمين الذي حَدَثَ بعد وفاة رسولِ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن بسبب أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقُم بوظيفته الحكيمة (والعياذ بالله) ، ولا لأجل أنّه لم يُعرِض على المسلمين أُطروحةً موضوعية وحكيمة لإدارة الأُمّة من بعده ، أو أنّ أُطروحتَه كانت أُطروحةً ناقصة ، بل حدث ما حدث مِنَ المشاكل الألِيمة بِسبب أنّ بعضَ أفراد الأُمّة رجَّحُوا نَظَرَهم على نَظَر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقدّموا مَصالحهم الشخصية على تنصيص الله ورسولهِ وتعيينِهما.
ولم يكنْ هذا هو المورد الوحيد الذي حدثت فيه مثلُ هذه الواقعة في التاريخ بل لذلك نظائرُ عديدة في تاريخ الإسلام. (١)
الأصلُ الثّاني والتِسعون : لُزُوم عِصمَةِ الإمام
أثبتنا في الأصْل السّابق أنّ الامام والخليفة ليس قائداً عاديّاً ، يقدر على إدارة دفّة البلاد اقتصادياً ، وسياسيّاً ، وحفظ ثغور البلاد الإسلامية تجاه الأعداء فقط ، بل ثمّت وظائف أُخرى يجب أن يقومَ بها مضافاً إلى الوظائف المذكُورة. وقد أشرنا إليها في الأصل السابق.
__________________
(١). راجع كتاب «النَّصّ والاجتهاد» تأليف العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
إنّ القيام بِهذه الوَظائف الخطيرة مثل تفسير القرآن الكَريم ، وبَيان الأحكام الشرعيّة ، والإجابة على أسئلة الناس الاعتقادية ، والحيلولة دون تسرّب الانحراف إلى العقيدة ، والتحريف إلى الشريعة ، رهنُ علمٍ واسعٍ ، لا يخطئ ولا يتطرّق إليه الاشتباهُ ، والأشخاص العاديّون إذا تَوَلَّوا هذه الأُمور لن يكونوا في مأمنٍ عن الخطأ والزللِ.
على أنّه يجب أن نَعلمَ بأنّ العصمة لا تساوي النبوّة ، ولا تلازمُها ولا تستلزمها ، لأنّه ربما يكونُ الشخص معصوماً عن الخطأ ولكن لا يتمتع بمقام النبوة أي لا يكون نبياً.
وأوضحُ نموذجٍ لذلك السيدةُ مريم العذراء التي مرّت الإشارةُ إلى أدلّة عصمتها ، عند الحديث عن عصمة الأنبياءِ والرسُل. (١)
ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى التحليل والاستدلال العقلي السابق ـ أُموراً تدلُّ على عصمةِ الإمام نذكر هنا بعضها :
١. تعلّق إرادةِ الله القطعيّة والحتمية بطهارة أهل البيت عن «الرجس» كما قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).
إنّ دَلالَة هذه الآية على عِصمة أهل البيت عليهمالسلام تكونُ على النحو التالي : إنّ تعلّق إرادة الله الخاصّة بطهارة أهل البيت من أي نوعٍ من
__________________
(١). راجع كتاب الإلهيّات ، تأليف صاحب هذه الرسالة : ٢ / ١٤٦ ـ ١٩٨.
(٢). الأحزاب / ٣٣.
أنواع الرّجس يلازمُ عصمَتهم مِن الذنوب والمعاصي ، لأنّ المقصودَ مِن تطهيرهم من «الرّجس» في الآية هو تطهيرهم من أيّ نوعٍ مِن أنواع القذارة الفِكرية والرُّوحِيَّة ، والعَمَليّة التي من أبرزها المعاصي والذنوب.
وحيث إنّ هذه الإرادة تعلّقَتْ بأفراد مخصوصين لا بجميع الأفراد ، فإنّها تَختَلِف عن إرادة التطهير التي تعَلّقت بالجميع بدونِ استثناءٍ.
إن إرادةَ التَّطهير التي تَشملُ عامّة المسلمين إرادةٌ تشريعيةٌ (١) وما أكثر الموارد الّتي تتخلّف فيها هذه الإرادةُ ، ولا تتحقق بسبب تمرّد الأشخاص ، وعدم إطاعتهم للأوامر والنواهي الشرعية في حين أنّ هذه الإرادة إرادةٌ تكوينيّةٌ لا يتخلّف فيها المرادُ والمتعلَّقُ (وهو العصمة عن الذَّنب والمعصية) عنها أبداً.
والجدير بالذكر أن تعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة بعصمة أهل البيت عليهمالسلام لا توجبُ سَلب الاختيار والحريّة عنهم تماماً كما لا يوجب تعلّق الإرادة التكوينية الإلهيّة بعصمة الأنبياء سلبَ الاختيار والحرية عن الأنبياء أيضاً (وقد جاءَ تفصيل هذا الموضوع في كتب العقائد).
٢. إنّ أئمة أهل البيت عليهمالسلام يمثِّلون بحكم حديث الثقلين الذي قال فيه رسولُ الله : «إني تاركٌ فيكمُ الثَّقَلَين كتابَ الله وعترتي» عِدلَ القرآن الكريم ، يعني أنّه كما يكون القرآنُ الكريمُ مصوناً من أيّ لونٍ من ألوانِ
__________________
(١). (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة / ٦).
الخطأ والاشتباه ، كذلك يكون أئمة أهلِ البَيت مصونين من أيّ لونٍ من ألوانِ الخطأ الفكري ، والعملي ، ومعصومين من أيّ نوعٍ من أنواعِ الزّلَل والخَطَل.
وهذا المطلب واضحٌ تمامَ الوضوح ، إذا أمعنّا في العبارات التي جاءت في ذيلِ الحَديث المذكور.
ألف : «ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً».
ب : «إنَّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ».
لأنّ ما يكون التمسُّكُ به موجباً للهداية وأنه لا يفترق عن القرآن (المصون والمعصوم) مَصُونٌ ومعصومٌ هو كذلك.
٣. لقد شَبَّهَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أهلَ بيته بسفينةِ نوح التي ينجو من الغرق من رَكِبها ويغرق في الأمواج من تخلّف عنها ، إذ قال : «إنّما مَثَلُ أهل بَيْتي كَسَفينَةِ نُوْحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَنْ تخلَّفَ عَنها غَرِقَ» (١).
بالنَظَر إلى هذه الأدلّة الّتي بيّنها بصورةٍ موجزةٍ تكونُ عصمة أهل البيت واضحةً ، وحقيقةً مبرهَناً عليها.
ومن الجدير بالذِّكر أنّ الأدلّة النَّقليّة على عِصمة أهل البَيت عليهمالسلام لا تنحصر في ما ذكرناه.
__________________
(١). مستدرك الحاكم : ٢ / ١٥١ ، والخصائص الكبرى للسيوطي : ٢ / ٢٦٦.
الأصلُ الثالثُ والتسعون : الأئمّة الاثنا عشر
إنّ معرفةَ الإمام تُمكِنُ مِن طريقين :
ألف : نَصُّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على إمامة شخصٍ خاصٍ.
ب : نَصُّ الإمام المعصومِ السابِق على الإمام اللاحِق.
إنّ إمامة الأئمة الاثني عَشَر ثَبَتت من خلال الطَّريقين المذكورَين معاً أي عن طريق نصّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حسب الرّوايات المروِيّة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا المجال. وكذا عن طريق الأئمة عليهمالسلام ، حيث نصّ الإمامُ السابق على الإمام اللاحق.
ونحن رِعايةً للاختصار نوردُ هنا حديثاً واحداً في هذا الصَّعيد (١) تفيد أنّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكتف بنَصب عليّ عليهالسلام ، بل ذكّر بأنّه سَيخلفهُ صلىاللهعليهوآلهوسلم اثنا عشر إماماً تتحقّق بهم عزةُ الإسلام إذ قال : «لا يَزالُ الدّين مَنِيعاً إلى اثنَيْ عَشَر خَلِيفةٌ».
وقد وَرَدت هذه الأحاديث الدالة على وجود اثني عشر خليفة في أوثق صحاح أهل السنة أيضاً. (٢)
__________________
(١)
. للاطلاع على بقيّة الأحاديث في هذا المجال يراجع كتب الحديث مثل أُصول الكافي ، كفاية الأثر ، إثبات الهداة ، ومنتخب الأثر ، وغيرها.
(٢). صحيح البخاري ، ٩ / ٨١ ، باب الاستخلاف ؛ وصحيح مسلم ٦ / ٣ ، كتاب الامارة ؛ ومسند أحمد ٥ / ٨٦ ـ ١٠٨ ؛ ومستدرك الحاكم ٣ / ٨١.
ومن المُسلَّم أنّ هؤلاء الخُلَفاء الاثني عشر الذين تتوقّف عليهم عزّة الإسلام ومنعتهُ ومضاؤه ، لا تنطبق صفاتهم إلّا على أئمة الشيعةِ الاثني عَشَر إذ لم تكن تلك الأَوصاف تتوفر في الخلفاء الأُمويين ولا العباسيين قط.
وأئمة الشيعة الاثنا عشر هم :
١. أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب (المولود قبل البعثة بعشر سنوات والمستشهَد عام ٤٠ هجري) والمدفون في النجف الأشرف.
٢. الإمامُ الحسَنُ بن علي (المجتبى) (٣ ـ ٥٠ ه ق) المدفونُ في البقيع بالمدينة.
٣. الإمامُ الحسين بن علي سيدُ الشهداء (٤ ـ ٦١ ه ق) المدفون في كربلاء.
٤. الإمامُ عليُّ بن الحسينُ بن علي زينُ العابدين (٣٨ ـ ٩٤ ه ق) المدفون في البقيع.
٥. الإمامُ محمدُ بن علي باقرُ العلوم (٥٧ ـ ١١٤ ه ق) المدفون في البقيع.
٦. الإمامُ جعفرُ بنُ محمد الصادقُ (٨٣ ـ ١٤٨ ه ق) المدفونُ في البقيع.
٧. الإمامُ موسى بنُ جعفر الكاظمُ (١٢٨ ـ ١٨٣ ه. ق) المدفونُ في الكاظمية قرب بغداد.
٨. الإمامُ عليُّ بن موسى الرضا (١٤٨ ـ ٢٠٣ ه. ق) المدفونُ في خراسان بإيران.
٩. الإمامُ محمدُ بن علي الجوادُ (١٩٥ ـ ٢٢٠ ه ق) المدفونُ في الكاظمية.
١٠. الإمامُ عليُّ بن محمد الهادي (٢١٢ ـ ٢٥٤ ه ق) المدفونُ في سامراء بشمال بغداد.
١١. الإمامُ الحسنُ بنُ علي العسكريُ (٢٣٣ ـ ٢٦٠ ه. ق) المدفونُ في سامراء.
١٢. الإمامُ محمدُ بنُ الحسن المعروف بالمهديِّ ، والحجة ـ عجَّل الله فرجَه الشريف ـ وهو الإمامُ الثاني عشر ، وهو حيٌّ حتى يظهر بأمر الله (طبقاً للوعودِ الواردةِ في القرآنِ في سورة النور / ٥٤ ، وسورة التوبة / ٣٣ وسورة الفتح / ٢٨ وسورة الصف / ٩) ويقيم الحكومة الإِلهيّة على كلّ الكرةِ الأرضِيّةِ (١).
ولقد جاءَت تفاصيلُ حياة أئمةِ الشيعة الاثني عشر في كتب التاريخ والسيرة وحيث إِنّ الإمام الثاني عشر لا يزال حيّاً ، ويتولّى منصبَ الإمامة بإرادةِ الله تعالى ، لهذا سنَذكر نقاطاً حولَ هذا الإمام فيما بعد.
__________________
(١). قد وقع بعض الاختلاف في تواريخ وفيات ومواليد بعض الأئمة وقد اخترنا احدها ، كما انّ التاريخ يثبت انّ أغلب هؤلاء الأئمة قضوا شهداء.
الأصلُ الرابع والتسعُون : مودّة أهل البيت عليهمالسلام
إنّ محبَّةَ أهلِ البَيت عليهمالسلام من الأُمور الّتي أكَّد عليها القرآنُ والسنَّة كما قالَ تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).
والمقصودُ من «القُربى» هم أقرباءُ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقرينة أن طالِبَ هذا الأَمر هو النبيُّ نفسه.
إنّ محبّة أهلِ البَيت وموادَّتهم ـ مضافاً إلى كونها كمالاً كبيراً ـ تسبّب في أن يحاولَ الشخصُ المحبُّ أن يجعل نفسَه مشابِهاً للمحبوب ، ويقتدي به في كَسب الفضائِل ، والاجتناب عن الرَّذائل.
ولقد جاء في الأحاديث المتواترةِ الصادرةِ عن النبيّ الأكرمِ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّ محبة أهلِ البَيت علامةُ الإيمان ، وبغضَهم علامةُ النّفاقِ والكفر ، وأنّ من أحبّهم فقد أحبَّ الله والنبيّ ، وأنّ مَن عاداهم فقد عادى اللهَ ورسولَه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١). الشورى / ٢٣.
الإمامُ الثاني عشر
الغَيبة والظهور
إنّ الحَديثَ حولَ كلّ واحدٍ من هؤلاء الأئمةِ الاثني عشر خارجٌ عن نِطاق هذه الرّسالة المختصرة ، وإنّما تجدر الإشارة إلى مسألة أُخرى وهي : مسألة الاعتقاد بوجود إمام العَصْر الذي يقضي أيامَ حياته خَلف ستار الغيبة ، ريثما يأذنُ الله له بالظهور فيملأ الأرضَ قسطاً وعَدلاً بعد أن مُلِئتْ ظُلماً وجَوراً ، ويقيمَ حكومَة الله على المعمورة جمعاء ، وفيما يلي بعضُ النقاط حول هذه المسألة.
الأصلُ الخامسُ والتسعون : ظهور مصلح عالمي في آخر الزمان
إنّ ظهورَ رجلٍ من أهل بَيت الرّسالة لإقامة حكومة الله العادلة العالَميّة في مُستقبل الحياةِ البَشريّة (بَعد أن تُملأَ الأرضُ ظلماً وجَوراً) مِن مُسَلَّماتِ العقائِدِ الإسلامية التي اتّفقَ عليها جمهورُ المُسْلمين ، ونقلوا في هذا المجال أحاديث بَلَغَتْ حَدَّ التواتر.
فهناك ـ طبق بعض إحصاءات أهلِ التحقيقِ من العُلَماء ـ حوالي ٦٥٧ حديثاً حول هذه المسألة نذكر منها حديثاً واحداً رواه «أحمدُ بن حنبل» في مسنده :
قالَ النَبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيْا إلّا يومٌ واحِدٌ لَطَوَّل اللهُ ذلك اليومَ حَتّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلؤُها عَدْلاً وقِسطاً كما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً». (١)
وعلى هذا الأساس يكونُ قيامُ رَجُلٍ من أهلِ البيت النَّبَويّ وظهورُهُ في آخِر الزمان موضعَ اتفاقٍ بين المسلمين شيعةً وسنةً.
الأصلُ السادسُ والتِسعونَ : المصلح العالمي هو الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ
لقد جاءَت خصوصياتُ هذا المصلِحِ العالَميّ في الرّوايات الإسلامية نَقَلها الفريقان ، وهي على النحو التالي :
١. أنّه من أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ٣٨٩ رواية.
٢. أنّه من أولاد الإمام علي عليهالسلام ٢١٤ رواية.
٣. أنّه من أولاد فاطمة الزهراء عليهاالسلام ١٩٢ رواية.
٤. أنّه تاسع وُلد الحسين عليهالسلام ١٤٨ رواية.
__________________
(١). مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٩٩ و ٣ / ١٧ و ٧٠.
٥. أنّه من أولاد الإمام علي بن الحسين عليهالسلام ١٨٥ رواية.
٦. أنّه ابن الإمام الحسن العسكري ١٤٦ رواية.
٧. أنّه الثاني عشر من أئِمة أهل البيت ١٣٦ رواية.
٨. الرّوايات التي تتحدّث عن ولادته ٢١٤ رواية.
٩. الرّوايات التي تقول : إنّه يعمّر طويلاً ، ٣١٨ رواية.
١٠. الرّوايات التي تقول : إنّ غيبته ستكون طويلة ، ٩١ رواية.
١١. الرّوايات التي تقول : إنّ الإسلام سيصير عالمياً عند ظهوره ، ٢٧ رواية.
١٢. الرّوايات التي تقول : إنّ الأرض ستُملأُ عَدلاً وقِسطاً عند ظهوره ، ١٣٢ رواية.
وعلى هذا الأساس فإنّ وجود مثل هذا المصلح العالمي في مستقبل البَشَرية أمر مقطوعٌ به ومسلَّمٌ من حيث الرّوايات والأحاديث الإسلامية بحيث لا يمكن الشكّ أو التشكيك فيه.
وأما ما وَقَعَ الخلافُ فيه فهو ولادته ، وأنّه هل وُلِدَ هذا الرَّجُل من أُمّه ولا يزال منذُ ولادَته حَيّاً ، أم أنّه سيولد في المستقبل؟
يذهب الشيعة وفريقٌ من أهل التحقيق من أهل السُّنّة إلى الرأي الأوّل ، فيعتقدون بأنّ الإمامَ المهديّ وُلدِ من أُمّه (نرجس) عام ٢٥٥ ه وهو لا يزال حَيّاً إلى هذا اليوم.
وذهَبَ فريقٌ من أهلِ السّنة إلى أنّه سيُولَد فيما بعد.
وحيث إنّنا نحن الشيعة نعتقدُ بأنّ الإمامَ المهديَّ عليهالسلام وُلِدَ عام ٢٥٥ هجرية ، وهو لا يزال على قيد الحياة إلى هذه الساعة ، لهذا لا بدّ من أن نذكّر بنقاط حول غيبته وطول عمره في هذه الرسالة في حدود ما يسعُه هذا المختصرُ.
الأصلُ السابعُ والتسعون : الإمام المهدي وليّ إلهيّ غائب عن الأنظار
إنّ أولياءَ اللهِ ـ حَسْب نَظَر القرآن ـ على نوعين :
وَليٌّ ظاهرٌ يعرفُه الناسُ.
ووَليٌّ غائبٌ عن أنظارِ الناس لا يعرفُه أحدٌ منهم ، وإن كان يعيشُ بينَهم ، ويعرفُ هو أحوالَهُمْ وأخبارهم.
وقد ذكر في سورة الكَهف كلا النوعين من الأولياء في مكانٍ واحدٍ أحدهما «موسى بن عمران» والآخر مصاحبُهُ ورفيقهُ المؤقّت ، الذي صحِبَه في سَفَره البرّي والبَحْري ، ويُعْرَف بالخِضر.
إنّ هذا الوليّ الإلهيَّ كانَ بِحَيْث لم يعرفُه مصاحِبهُ ومرافِقُه النبيُّ موسى وإنّما صاحَبَه ورافقه بتعليمٍ وأَمرٍ من الله ، واستفاد من عِلمه خلال مرافَقَته إيّاه كما يقول تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً* قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ
رُشْداً) (١).
ثمّ إنّ القرآنَ الكريم يُقَدّم شرحاً مفصّلاً عمّا فَعَله هذا الوليُّ الإلهيّ من أعمال مفيدة ، ذلك الذي لم يكن أحدٌ حتى النبي موسى عليهالسلام يَعرفهُ ، ولكن كانوا يَستفيدون من آثار وجوده المبارك ومن أفعاله المفيدة (٢).
إنَّ الإمامَ المهديّ عَجَّل الله فَرَجَه الشَّريفَ على غرارِ مرافق موسى عليهالسلام ، وليٌّ غيرُ معروف للنّاس مع أنّه في نفس الوقت منشأ لآثار طيبة للأُمّة. أي لا يعرفهُ أحَدٌ منهم مع أنّهم يَستَفيدون مِن بركات وجودهِ الشريف.
وبهذا لا تكونُ غيبةُ الإمام المهديّ عجّل الله فرجَه الشريفَ بمعنى الانفصال عن المجتمع ، بل هو ـ كما جاءَ في روايات المعصومين عليهمالسلام كذلك مثل «الشّمس خَلفَ السّحاب لا تُرى عينُها ، ولكنها تبعَث الدفءَ والنورَ إلى الأرض وساكِنِيها» (٣).
هذا مضافاً إلى أنّ فريقاً من الأبرار والطيّبين الأتقياء الذين كانوا يَتمتّعون باللياقة والأهليّة للتشرّف بِلقاءِ الإمام المهديّ قد رأوه وَالتَقَوْا به واستفادوا مِن إرشاداته ، وعُلُومِه ، واسْتفادَ الآخرون من هذا الطريق ، من آثارهِ المباركة وبركات وجوده الشريف.
__________________
(١). الكهف / ٦٥ ـ ٦٦.
(٢). راجع سورة الكهف ، الآيات ٧١ ـ ٨٢.
(٣). كمال الدين ، للشيخ الصدوق ، الباب ٤٥ ، الحديث ٤ ، ص ٤٨٥.
الأصلُ الثامنُ والتسعون : وكلاء الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ
إنّ الطَّريقة المتعارَفة والمَعْمُول بها بين البشر ـ ماضياً وحاضراً ـ هو أنّ الحاكمَ والقائد يقوم ببعض الأعمال بنفسه مباشرةً ، ويقومُ بالبعض الآخر وكلاؤُهُ ونوّابه.
صحيح أنّ عِلَلاً مختَلِفَة تَسَبَّبت في غيبة الإمامِ المَهْدي عجّل الله فَرَجَه الشريف فحُرِمت البشريةُ من الاستفادة المباشرة من ذلك الإمام ولكنه ولحسن الحظ لم يُغلَقْ بابُ الاستفادة من وُكَلائه ونوّابه ـ وهم الفقهاء العُدول الأتقياء ـ في وجه أتباعه ، ومريديه.
فالفقهاء والمجتهدون الأجلّة كانوا ولا يَزالون نُوّابَ الإمامِ المهديّ الذين أوكَلَ أمرَ بَيان الأُمورِ الشرعية والحكوميَّة وإدارة شئون المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة إليهم.
هذا مع العلم بأنّ حرمان الأُمّة الإسلامية من آثار حضور الإمام المهدي كان لعلل وظروف خاصة جَعَلت غيبتَه أمراً لا مناص منه.
الأصلُ التاسعُ والتسعون : غيبة بعض الأنبياء والأولياء في الأُمم السابقة
إنّ علّة غَيبة الإمام المَهديّ عَجّل الله فرجَه الشريفُ هي من الأسرار الإلهيّة التي لا نستطِع الوقوف على حقيقتها وكنهها ، كما أنّ لهذه الغَيبة المؤقتة نظائر في حياة أولياء الله السابقين والامم السابقة.
فقد غابَ النبيُّ موسى الكليمُ عليهالسلام عن أُمّته أربعين يوماً ، وقضى كلَّ هذه المدة في الميقات (١).
وغاب السيدُ المسيح عليهالسلام بمشيئة الله عن أنظار أُمّته ، فلم يقدر أعداؤُه على قَتْله ، والقضاء عليه (٢).
وغاب النبيُّ يونس عليهالسلام عن قومه مدّةً من الزَمان (٣).
إذن فليست غيبةُ الإمام المهدي عليهالسلام عن أنظار الناس بدعاً من الأَمر كما لا يصحّ أن تَقَعَ هذه الغَيبة مهما طالت ذريعةً لإنكار أصل وجودِ المهديّ عليهالسلام.
وأساساً إنّ كلَّ ما يثبُتُ عن طريق النقل المتواتر ، ولكن لا يقدر الإنسان على التحقّق منه ، ومشاهدته لا يجوز له أن ينكره أو يتردّد في القبول به ما دام رُوِيَ ونُقِلَ بالتّواتر الموجب للاطمئنان ، لأنّ قِسماً من الأحكام الإلهيّة التي هي من مسلّمات الدين الإسلاميّ وضروريّاته سيتعرَّض للتردِيد والإنكار إذا تجاهَلْنا هذه القاعدةَ العقلائيةَ الصائبةَ ، وهذا الأمر العرفي المعقول جداً.
وغيبةُ الإمام المهديّ عجل الله فرجَه الشريف ليس بمستثنىً من هذه القاعدة ، وعَدَم الاطلاع على سِرّها أو أسرارها الحقيقية لا يجوزُ الترديدُ فيها ، وإنكارُها.
__________________
(١). لاحظ الأعراف / ١٤٢.
(٢). لاحظ النساء / ١٥٨.
(٣). لاحظ الصافات / ١٤٠.
ومع ذلك فإنّنا يجب أن نقول : إنّه من الممكن إدراك سرّ الغيبة هذه في حدود فكرِنا البشريّ وهذا السّرّ هو ما يلي :
حيث إنّ آخرَ حُجَّةٍ من حجَج الله وآخر إمامٍ من أئِمة أهلِ البيت قد أرادَ اللهُ تعالى أن يُحقّق به الأُمنيةَ الكبرى (وهي بسط العدل والقسط ورفع راية التوحيد على كل ربوع الأرض) وهذه الأُمنية الكبرى وهذا الهدف العظيم لا يمكن أن يَتحقق إلّا بعد مرور ردح من الزمان ، وإلّا بعد تكاملِ العقلِ البَشَريّ وتهيّؤهِ الروحيِّ والنفسِيّ لذلك ، حتى يستقبلَ العالَمُ ـ بشوقٍ ورغبةٍ ـ موكبَ الإمام والمصلح العالميّ ، موكبَ العَدلِ والحريّةِ والسلامِ ، لهذا فإنّ من الطبيعيّ أنّ هذا الإمام لو ظَهَرَ بين النّاس ، وعاشَ بين ظهرانيِّهم قبلَ نُضُوج الأمر ، وحصولِ المقدّمات اللازِمة ، والأرضيّة المناسبة ، كان مَصيرُه ومآلهُ ، مصيرَ من سَبَقه من آبائِه من الأئمةِ الكرامِ البرَرَة (أي الشهادة) ، ولَقُتل عليهالسلام قبل أن يتحقّق ذلك الهدفُ العظيم ، وتلك الأُمنِيّة الكبرى على يديه.
ولقد أُشير إلى هذه الحكمة في بعض الرّوايات الصادِرةِ عن أهل البَيْت عليهمالسلام أيضاً.
فقد رُوي عن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : «إنّ لِلْقائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ».
يقول الراوي : قلتُ : ولِمَ؟
فقالَ الإمامُ الباقر : «يَخافُ (أي القتل)» (١).
__________________
(١). كمال الدين للشيخ الصدوق ، ص ٤٨١ ، الباب ٤٤ ، الحديث ٨.
أي منعاً من أن يُقتَل قبل تحقّق الهدفِ المنتظَرَ مِنه.
وَرُبّما ذُكِرَ وجهٌ آخر لغيبته في بعض الرّوايات وهي اختبارُ النّاس وتمحيصُهم ، وامتحانهم ، يعني أنّ الناس يُختَبَرون في عَصر الغَيبة ، ويمرُّون بالامتحان الإلهيّ ، ويُعرَفُ مدى ثباتهِم على طريق الإيمان ، ومدى استقامَتهِم في طريق الإيمان والعقيدة. (١)
الأصلُ المائة : وجود الإمام المعصوم لطف إلهي في حضوره وغيابه
إنّ البراهينَ الكلاميَّة ترى أنّ وجودَ الإمام المعصوم في المجتمع ، وحضورَه بين الناس لُطفٌ من ألطاف الله الكبرى لكونه سبباً لِهداية الناس.
ومِنَ البديهيّ أنّ النّاسَ إذا رَحَّبوا بهذا المظهر البارِزِ مِن مظاهر اللطفِ الإلهيّ واستقبلوه ، والتفّوا حولَه ، انتفَعوا بآثار وجوده المباركة.
وإلّا حُرِموا من الاستفادة الكامِلَة والانتفاع التامّ من نعمة وجوده الشريف.
وفي هذه الحالة لا يكونُ السبب في هذا الحِرمان إلّا الناس أنفسهم ، لا الله ولا الإمام. (٢)
__________________
(١). راجع بحار الأنوار : ٥٢ / ١٠٢ ، ١١٣ ـ ١١٤ ، باب التمحيص والنهي عن التوقيت.
(٢). وقد أشار المحقّق نصيرُ الدين الطوسيّ إلى هذه الحقيقة في كتابه تجريد الاعتقاد (مبحث الإمامة) حيث قال : وجودُهُ (أي الامام) لُطفٌ وتصرُّفُهُ لُطفٌ آخرَ وغيبته مِنّا.
الأصلُ الواحدُ بعد المائة : الإمام المهدي وطول العمر
لقد وُلِدَ الإمامُ المهديّ عجّل الله فرجَه الشريف عام ٢٥٥ هجرية ، وعلى هذا الأساس يكونُ عُمرُه الآن (عام ١٤١٨ ه) قد تجاوَزَ أحَدَ عشر قرناً.
إنّ الإذعان بهذا العُمُر الطَّويل جداً ، مع أخذ القُدرة الإلهيّة المطلقة بعين الاعتبار ليس أمراً مشكلاً.
وفي الحقيقة إنّ الذين يَعتَبروُن طولَ عُمُر الإمام المهديّ عليهالسلام مشكلةً في طريق الإيمان بوجوده ، ومانعاً من القول بولادته ، يَغْفَلُون عن قدرة الله اللّامتناهية فهم كمن قالَ عنهم سبحانه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١).
هذا مضافاً إلى أنّ في الأُمَم السالِفة معمَّرين كثيرين عاشوا طويلاً ذكرهم القرآن الكريم.
فقد ذكَر أن نوحاً عاشَ في قومه ألفَ سنة إلّا خمسين عاماً (٢).
كما أنّ العِلم البشريّ الحديث يسعى في عَصرِنا إلى أنْ يُحِلّ مشكلة طولِ العُمُرِ ، بالأساليبِ العلميّة ، والصحّية.
وهذا يُفيد أنَّ الإنسان يمكن ـ في نظر العُلَماء ـ أن يَعيشَ طويلاً بعد رَفْع الموانِعِ الّتي تحول دونَ العُمُر الطويل.
إنّ اللهَ قادرٌ على إطالة عُمُر من يُريد إلى يوم القيامة إذا شاء ، أليسَ هو القائل بأن يونس لو لم يكن من المسبّحين لَلَبِث في بَطن الحوتِ إلى
__________________
(١). الأنعام / ٩١.
(٢). لاحظ العنكبوت / ١٤.