من المقصد الثانى.
٧ ـ فى مقام الحال ، نحو قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ـ ٨ / ٥ ، وياتى ذكر الحال فى المبحث الرابع عشر.
٨ ـ فى مقام النعت لاسم الذات ، نحو رايت رجلا انه من صناديد القوم ، وذلك لما قلنا فى الخبر عن اسم الذات.
٩ ـ بعد القول على المفعولية ، نحو قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ) ـ ١٩ / ٣٠ ، وياتى تفصيله فى مبحث الجمل فى المقصد الثانى.
١٠ ـ فى مقام التابعية لواحدة من المذكورات ، ومبحث التوابع فى آخر المقصد الثانى ، وفى غير هذه المواضع يجب فتح همزتها او يجوز الوجهان ، وياتى الان تفصيله.
٢ ـ انّ
وهى كاختها تفيد تاكيد الاسناد ، ولها احكام.
الحكم الاول
انها مع معموليها جملة فى الصورة ومفردة فى تركيب الكلام لانها مع مدخولها فى تاويل المصدر المضاف ، فيقع فاعلا ونائبا عنه ومبتدا وخبرا ومفعولا وغير ذلك ،.
١ ـ مثال الفاعل قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) ـ ٢٩ / ٥١ ، والتاويل انزالنا عليك الكتاب ، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ـ ٩ / ١١٤ ، ومن هذا القبيل ما وقع بعد لو نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) ـ ٢ / ١٠٣ ، والتاويل : ولو ثبت ايمانهم وتقويهم ، وياتى ذكر لو فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث.
٢ ـ مثال المفعول قوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٢ / ٢٥٩ ، (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) ـ ٦ / ٨١ ،.
٣ ـ مثال نائب الفاعل قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ،) وهكذا آيات سورة الجن المعطوفة عليها ، (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ـ ٢١ / ١٠٨ ،.
٤ ـ مثال المبتدا قوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ـ ٣٧ / ١٤٣ ، ما بعد لو لا مبتدا محذوف الخبر ، وياتى ذكر لو لا فى مبحث ادوات الشرط فى المقصد الثالث ، ومن آياته (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ـ ٤١ / ٣٩ ،.
٥ ـ مثال الخبر وذلك اذا لم يكن المبتدا اسم ذات كما ذكرنا من قبل ، قوله تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ـ ٣ / ٨٧ ، (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها ، وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ) ـ ٢٤ / ٧ و ٩ ، على بعض القراءات.
٦ ـ مثال المجرور بالاسم وشرطه ان لا يكون مما يجب اضافته الى الجملة كاذ وحيث واذا ، والا يجب كسر ان بعده كما ياتى بيان ذلك فى مبحث الاضافة ومبحث الجمل فى المقصد الثانى ، ومثال ما نحن فيه قوله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ـ ٥١ / ٢٣ ، اى مثل نطقكم ، ولفظة ما توسطت بين المضاف والمضاف اليه للتوكيد ، وفى هذه الآية من التاكيدات ما قلما يوجد فى غيرها.
٧ ـ مثال المجرور بالحرف المذكور قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ـ ٢ / ٢٧٥ ، (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ـ ٣ / ٥٢.
٨ ـ مثال المجرور بالحرف المقدر قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) ـ ٣ / ١٨ ، اى شهد بوحدانيته فى الالوهية
الخ واختلفوا فى ان المحل بعد نزع الخافض منصوب او مجرور ، والمشهور هو الاول ، وياتى تفصيل ذلك فى الفصل الخامس من المبحث العشرين.
٩ ـ مثال التابع لواحد منها قوله تعالى : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ـ ٢ / ٤٧ ، اى وتفضيلى اياكم ، وهو عطف على نعمتى ، (إِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) ٨ / ٧ ، اى كونها لكم ، وهو بدل عن احدى.
مواضع جواز الوجهين
اعلم ان هذا الحرف ان وقع فيما يجب ان تقع الجملة فيه وجب كسر همزتها كما مر ، وان وقع فيما يجب ان يقع المفرد فيه وجب فتح همزتها لتؤول مع مدخولها بالمفرد ، وذلك هذه المواضع المذكورة وان وقع فيما يجوز فيه الوجهان جاز الوجهان ، وذلك فى مواضع.
١ ـ ان يقع بعد فاء الجزاء ، نحو قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٦ / ٥٤ ، قرئ بالوجهين ، وعلى الفتح فالتاويل : فغفرانه ورحمته شاملان للتائب المصلح ، وانه من عمل الخ عطف بيان للرحمة ، واحكام الشرط والجزاء تاتى فى المبحث الرابع من المقصد الثالث.
٢ ـ ان يقع فى موضع التعليل ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) ـ ٥٢ / ٢٨ ، قرئ بالوجهين ، وياتى تفصيل ذلك فى المبحث الثانى عشر من المقصد الثالث.
٣ ـ ان يكون صالحا للاستيناف ولان يكون معمولا لما قبله ، نحو قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ـ ٤٣ / ٣٩ ، قرئ بالوجهين ، فهو على الفتح فاعل لن ينفعكم ، وعلى الكسر جملة مستأنفة ، وفاعل الفعل تمنيكم المفهوم من الآية السابقة ، ونظيرها كثير فى الايات ، غير انه لم يقرا بالوجهين
فى جميعها.
٤ ـ ان تقع بعد حتى ، فان كانت جارة نحو عرفت امورك حتى انك فاضل ، فهى بعدها مفتوحة الهمزة ، وان كانت ابتدائية نحو مرض زيد حتى ان قومه لا يرجونه ، فهى بعدها مكسورة الهمزة.
٥ ـ ان تقع بعد اما ، فان كانت استفتاحية كالا فهمزة ان بعدها مكسورة ، اذ وقعت فى الابتداء ، كقول على عليهالسلام فى معاوية : اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل رحب البلعوم مندحق البطن ، وان كانت بمعنى حقا فهى مفتوحة ، نحو اما انك مؤمن ، اى حق حقا عندى ايمانك وحق بمعنى ثبت ، وفى كتب النحو ههنا من جهة الاعراب والتركيب اشياء يكون الطلبة فى غنى عنها.
٦ ـ ان تكون صالحا للعطف على المفرد وعلى الجملة فعلى الاول تفتح حتى تصير مفردا ، وعلى الثانى تكسر ، كقوله تعالى : خطابا لادم : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) ـ ٣٠ / ١١٩ ، ان عطفت انك لا تظما على ان لك فتكسر ، وان عطفت على الا تجوع فتفتح ، وقد قرئ بالوجهين.
٧ ـ ان تقع بعد لا جرم ، نحو قوله تعالى : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ـ ١٦ / ٦٢ ، وكلمة لا جرم وقعت فى خمس آيات ، ولم ينقل قراءة الكسر فيها ، ولكن المشهور جواز الوجهين ، اما وجه الفتح فان جرم فعل بمعنى ثبت يفيد التاكيد كالقسم ، وكلمة لا تنفى مضمون ما قبلها ، وليست داخلة على جزم كلا التى فى لا اقسم ، وان المفتوحة بعدها فاعله ، وتقدير الكلام فى الآية : لا يكون لهم الحسنى ثبت ان لهم النار ، واما وجه الكسر فياتى فى المبحث الرابع عشر من المقصد الثالث.
ثم قد علمت ان الجملة المصدرة بان اذا وقعت خبرا عن اسم الذات وجب كسر ان ، واذا وقعت خبرا عن اسم الحدث وجب فتحها ، ولكن جاءت مفتوحة فى هذه الآية وهى خبر عن اسم الذات : (اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ـ ٨ / ١٤ ، فان
ما موصولة وحقيقتها الغنيمة الحاصلة ، والذى يسهل الخطب ان المبتدا والخبر كليهما فى تاويل المصدر ، والتقدير : حصول الغنيمة هو حصول خمسه لله ، وفى هذا اشارة الى ان الخمس من اول الامر لا يصير ملكا لاحد ، فوجوب الكسر فيما لم يكن المبتدا فى تاويل المصدر.
الحكم الثانى
قد تخفف ان كاختها ، فيهمل عملها وتدخل على الفعلية ايضا ، فتشبه ان الناصبة التى تدخل على المضارع ، وياتى ذكر الفروق بينهما فى المبحث الحادى عشر من المقصد الثالث.
تنبيه
قد قلنا انها اذا خففت لم تعمل ، ولكن جاء فى الشعر عملها للضرورة كما فى هذه الابيات.
لقد علم الضيف والمرملون ٥٨ |
|
اذا اغبرّ افق وهبّت شمالا |
بانك ربيع وغيث مريع ٥٩ |
|
وانك هناك تكون الثمالا |
فلو انك فى يوم الرخاء سالتنى ٦٠ |
|
طلاقك لم ابخل وانت صديق |
وقاس ابن مالك تبعا لبعض نحاة البصرة على ما فى هذه الابيات وقال : ان تخفف لا يبطل عملها بل اسمها ضمير شان محذوف وما وقع بعدها من جملة اسمية او فعلية خبرها ، وقياسه باطل جدا ، لانه قياس كلى على جزئى وقع للضرورة ، على انها مع ما بعدها كائنا ما كان يؤول بالمفرد فما معنى تقدير ضمير الشان حتى يصير ما بعدها جملة اسمية ، والتقدير خلاف الاصل لا يصار اليه الا اذا اختل معنى الكلام لولاه.
الحكم الثالث
تلحق بها ما الكافة فتكفها عن العمل وتدخل على الفعلية ايضا كقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ـ ٥٧ / ٢٠ ، (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ـ ٨ / ٢٨ ، (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ـ ٢١ / ١٠٨ ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) ـ ٢٨ / ٥٠.
الحكم الرابع
اذا عطف على اسمها جاز فى المعطوف النصب والرفع كما فى اختها كقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ـ ٩ / ٣ ، قرئ رسوله بالنصب والرفع ، وقول الشاعر :
والّا فاعلموا انّا وانتم ٦١ |
|
بغاة ما بقينا فى شقاق |
٣ ـ كانّ
وهى للتشبيه ، ومعنى التشبيه نسبة المشاركة بين الشيئين فى معنى ، نحو كان المؤمن جبل راسخ فى الثبات والوقار ، فالمؤمن مشبّه ، وجبل راسخ مشبّه به ، ويقال لهما : طرفا التشبيه وكان اداة التشبيه والثبات والوقار وجه التشبيه وجهة الاشتراك ، والتشبيه باب واسع فى علم البيان ، نذكر هنا طرفا منه ذكر فى كتب النحو ، واعلم انه اما تشبيه ذات بذات او تشبيه حال بحال فهنا فصلان.
الفصل الاول
فى تشبيه الذات بالذات.
نحو قوله تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ـ ٣٧ / ٦٥ ، به طلع شجرة الزقوم برؤس الشياطين فى قبح المنظر ، (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) ـ ٥٥ / ٥٨ ، اى حور الجنة فى صفاء اللون والتلألؤ ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ـ ٥٤ / ٢٠ ،
اى قوم عاد فى طول القامة وعظم الجثة ، (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) ـ ٥٤ / ٧ ، فى الكثرة ، وما فى هذه الابيات.
كانّ برذون ابا عصام ٦٢ |
|
زيد حمار دقّ باللجام |
كانّ صغرى وكبرى من فقاقعها ٦٣ |
|
حصباء درّ على ارض من الذهب |
كانّ مثار النقع فوق رؤوسنا ٦٤ |
|
واسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
كانّ وقد اتى حول كميل ٦٥ |
|
اثافيها حمامات مثول |
كانّى من اخبار انّ ولم يجز ٦٦ |
|
له احد فى النحو ان يتقدّما |
الفصل الثانى
فى تشبيه الحال ، وكثيرا ما يكون تشبيه حال العدم بالوجود او بالعكس ونذكر له من الايات وغيرها امثله.
١ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٣١ / ٧ ، شبه سماعهم بعدم السماع ووجود قوة السمع بعدمها فى عدم التذكر والاتعاظ بآيات الله.
٢ ـ (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ـ ٤٦ / ٣٥ ، شبه لبثهم فى الدنيا مدة بلبثهم ساعة فى عدم انتفاعهم باعمارهم لاخرتهم.
٣ ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ـ ٨ / ٦ ، شبه حالهم عند الجدال فى الحق بالسوق الى الموت فى كراهة الاقبال اليه.
٤ ـ (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) ـ ٧٠ / ٤٣ ، شبه حالهم عند الخروج من القبور يوم القيامة بالذهاب الى علم منصوب فى التوجه اليه ، فانهم يتوجهون الى موضع يدعون اليه.
٥ ـ قول النبى لعلى عليهماالسلام : كانى بك وقد انبعث اشقاها يضرب على راسك ضربة تخضب بها لحيتك ، شبه حال غيابه عن تلك الواقعة
بحال حضوره عنده فى تحقق الالم والاذى له ، فلذا اخذه البكاء عند ذكره ذلك ، والباء بمعنى مع ، وقد انبعث الخ حال من مجرور الباء.
٦ ـ قول الشاعر يرثى ميتا.
كانّى بك تنحطّ الى اللّحد وتنغطّ ٦٧ |
|
وقد اسلمك الرهط الى اضيق من سمّ |
٧ ـ قولهم : كانك بالشمس وقد طلعت ، شبه حاله مع عدم طلوع الشمس بحاله مع طلوعها فى تحسره على فوت ما ياتى به قبل طلوعها من الفرائض او النوافل.
٨ ـ كانك بالشتاء مقبل ، شبه حاله فى غير الشتاء بحاله فى الشتاء فى تلبسه بثياب الشتاء او غير ذلك مما هو من لوازم الشتاء.
٩ ـ كانك بالفرج آت ، شبه حاله مع عدم الفرج بحاله مع وجود الفرج فى اظهار السرور والرضا.
١٠ ـ كانك بالدنيا لم تكن وبالاخرة لم تزل ، اى حال كونك فى الدنيا كحال عدمك فيها فى عدم التوجه والتعلق بامورها ، وحال عدمك فى الاخرة كحال وجودك فيها فى التلذد بذكرها والفرح بنعيمها ، وهذا حال المؤمن الموقن بالاخرة.
١١ ـ ومثله قول على عليهالسلام : رحم الله امرا تفكر فاعتبر فاعتبر وابصر ، فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكان ما هو كائن من الاخرة عما قليل لم يزل.
١٢ ـ ومن هذا القبيل ما يكون خبرها فعلا او مشتقا ، نحو كان زيدا يقوم او قائم ، اى عدم قيامه شبيه بالقيام فى ظهور آثار القيام ، كانك جاهل ، اى حال علمك شبيه حال جهلك فى ظهور آثار الجهل ، ونحو كانك لم تعهد ، اى حال عهدك كحال عدم عهدك فى عدم المبالاة بالوفاء ، وهكذا قس على ما ذكر ما لم يذكر.
اعلم : ان الكوفيين قالوا : كان فى هذا النوع من التشبيه تفيد التقريب ، اى تقريب حال بحال ، وفيه معنى التحقيق ايضا فان المتكلم يقول : ان وجه الشبه متحقق
فى حال العدم كما هو متحقق فى حال الوجود ، لان الاكثر فى هذا النوع تشبيه حال العدم بحال الوجود او العكس كما يشاهد فى الامثلة.
اقول : ان معنى التقريب والتحقيق ان كان فانه يفهم من فحوى الكلام لا انها مفاد كان ، نعم فى موارد قليلة لم يرد المتكلم التشبيه ، بل اراد التحقيق ، اى تصوير الامر فى ذهن السامع ، من دون ان يحكم به على سبيل القطع والتاكيد فياتى بلفظة كان لئلا يراه المخاطب مدعيا فينبعث على رده ، كقوله تعالى حكاية عن قوم موسى فى امر قارون : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) ـ ٢٨ / ٨٢ ، وكقول على عليهالسلام فى وصيته لابنه الحسن عليهالسلام : وكانك عن قليل قد صرت كاحدهم (الماضين) فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ، وفى موضع آخر : رويدا يسفر الظلام كان قد وردت الاظعان ، وكما فى هذه الابيات.
وى كان من يكن له نشب يح ٦٨ |
|
بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ |
كانّنى حين امسى لا تكلّمنى ٦٩ |
|
متيّم يشته ما ليس موجودا |
فاصبح بطن مكّة مقشعرّا ٧٠ |
|
كانّ الارض ليس بها هشام |
واما احكام كان فامور
١ ـ انها تخفف كاختيها ، وقد مر بعض الامثلة من الايات ، وتدخل على الفعلية ايضا كما فى هذه الابيات.
كانّ لم يكن بين الحجون الى الصفا ٧١ |
|
انيس ولم يسمر بمكّة سامر |
كان لم يكونوا حمى يتّقى ٧٢ |
|
اذ الناس اذ ذاك من عزّبزّا |
كان لم يمت حىّ سواك ولم تقم ٧٣ |
|
على احد الّا عليك النوائح |
٢ ـ تلحق بها ما الكافة وتدخل على الفعلية ايضا ، وفيما مر من الآيات بعض الامثلة وفى هذا الشعر على الجملة الاسمية.
كانّما المرّيخ والمشترى ٧٤ |
|
قدّامه فى شامخ الرفعة |
منصرف باللّيل عن دعوة ٧٥ |
|
قد اسرجت قدّامه شمعة |
٣ ـ نصبت معموليها وعملت مخففة فى هذين البيتين.
كانّ اذنيه اذا تشوّفا ٧٦ |
|
قادمة او قلما محرّفا |
ويوما توافينا بوجه مقسّم ٧٧ |
|
كان ظبية تعطو الى وارق السلم |
٤ ـ قالوا : لا يجوز العطف على محل اسم كان كلعل وليت بخلاف ان وان ولكن ، فان وجد فى كلامهم فهو المتبع.
٥ ـ يفصل بين كان ومعموليها وبين معموليها الظرف وغيره ، ويتقدم خبرها على اسمها ان كان ظرفا ، ومر بعض الامثلة ، ومنها قوله تعالى : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) ـ ٣١ / ٧ ، وما فى هذه الابيات.
كانّ سبيئة من بيت راس ٧٨ |
|
يكون مزاجها عسل وماء |
يوما يظلّ به الحرباء مصطخدا ٧٩ |
|
كانّ ضاحيه بالشمس مبلول |
فلمّا تفرّقنا كانّى ومالكا ٨٠ |
|
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا |
٤ ـ لكنّ
وهى للاستدراك ، وهو رفع ما يحتمل خلجانه فى ذهن السامع من كلام سمعه ، كقولك : جاء زيد ، فخلج فى ذهن السامع ان عمرا ايضا جاء لانهما صديقان قلما يفترقان ، فتقول : لكن عمرا لم يجئ ، وهى من حروف العطف ياتى ذكرها فى المبحث الاول من المقصد الثالث.
٥ ـ ليت
وهى للتمنى ، وهو اظهار الحب والهوى لما يراه خيرا وحسنا لنفسه او لغيره ، فالقائل : ليت لى مالا ، يتصور المال ويقدره فى ذهنه ويراه خيرا وحسنا لنفسه و
لمن يتعلق به ، ثم يسلك ما فى ذهنه فى قالب اللفظ ، ومن القوالب لهذا المعنى الجملة المصدرة بليت ، وتستعمل فى ممتنع الوقوع ومستبعد الوقوع ، واكثر استعمالها مع الفعل الماضى الذى لا مطمع فيه ، كقوله تعالى : (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) ـ ١٩ / ٢٣ ، (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ـ ٧٨ / ٤٠ ، (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ـ ٢٨ / ٧٩ ، وهذا من مستبعد الوقوع وكقول الشاعر.
فيا ليت الشباب يعود يوما ٨١ |
|
فاخبره بما فعل المشيب |
احكامها
١ ـ يحذف خبرها قياسا ويقدر من افعال العموم اذا كان اسمها شعرى ، نحو ليت شعرى اين استقرت بك النوى ، اى ليت معرفتى بمكانك حاصل ، فالمصدر مضاف الى فاعله ، والجملة الاستفهامية مفعولته ، وحاصل خبر ليت ، ومن ذلك ما فى هذه الابيات.
ليت شعرى عن خليلى ما الّذى ٨٢ |
|
غاله فى الحبّ حتّى ودعه |
يا ليت شعرى والمنى لا تنفع ٨٣ |
|
هل اغدون يوما وشملى مجمع |
الاليت شعرى هل يرى الناس ما ارى ٨٤ |
|
من الامر او يبدو لهم ما بدا ليا |
بدا لى انّ الناس تفنى نفوسهم ٨٥ |
|
واموالهم لمّا ارى الدهر فانيا |
٢ ـ تقترن بها ما ، فلا تزيلها عن الاختصاص بالاسم ، ويجوز حينئذ اعمالها واهمالها كما فى هذين البيتين.
يا ليتما امّنا شالت نعامتها ٨٦ |
|
ايما الى جنّة ايما الى نار |
قالت الا ليتما هذا الحمام لنا ٨٧ |
|
الى حمامتنا او نصفه فقد |
٣ ـ يجوز تقدم خبرها على اسمها ومعموله عليه ان كان ظرفا كما فى قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) ـ ٢٨ / ٧٩ ، وكما فى هذين
البيتين.
فليت لى بهم قوما اذا ركبوا ٨٨ |
|
شنّوا الاغارة فرسانا وركبانا |
فليتك يوم الملتقى ترينّنى ٨٩ |
|
لكى تعلمى انّى امرؤ بك هائم |
٤ ـ لا فرق فى ليت بين ان يكون ما يتمنى قبل زمان التكلم او معه او بعده لان الكلام لصرف اظهار الحب والهوى ، نحو قوله تعالى : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) ـ ٨٩ / ٢٤ ، هذا قبل زمان التكلم ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) ـ ٣٦ / ٢٦ ، هذا مع زمان التكلم ، (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا) ـ ٦ / ٢٧ ، هذا بعد زمان التكلم.
٥ ـ جاءت ليت فى هذه الابيات خارجة عن القاعدة.
فليت دفعت الهمّ عنّى ساعة ٩٠ |
|
فبتنا على ما خيّلت ناعمى بال |
فليت كفافا كان خيرك كلّه ٩١ |
|
وشرّك عنّى ما ارتوى الماء مرتو |
يا ليت انّا ضمّنا سفينة ٩٢ |
|
حتّى يعود الوصل كيّنونة |
اذ كنت فى وادى العقيق راتعا ٩٣ |
|
يا ليت ايّام الصبا رواجعا |
مرّت بنا سحرا طير فقلت لها ٩٤ |
|
طوباك يا ليتنى ايّاك طوباك |
ليت شعرى مسافر بن ابى عم ٩٥ |
|
رو وليت يقولها المحزون |
ليت وهل ينفع شيئا ليت ٩٦ |
|
ليت شبابا بوع فاشتريت |
٦ ـ لعلّ
وهى للترجى او الاشفاق ، والترجى هو توقع المرجو ، والاشفاق هو توقع المخوف ، والتوقع هو انتظار وقوع الشئ ، ويلزمهما الاردة والكراهة لما يقع ، والكلام معها يدل على الطلب ، غير انه ليس صريحا فيه كالامر والنهى ، وبهذا الاعتبار جاءت فى كلام الله تعالى ، والا فهو منزه عن حقيقة الانتظار ، وبهذا البيان لا افتقار الى توجيهات ذكرت فى كتب التفاسير وغيرها ، واما ليت فانها لصرف اظهار الهوى ، فلذا ما جاءت فى كتابه تعالى الا حكاية عن غيره.
مثالها للترجى قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ـ ٢ / ٢١ ، (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ـ ٢ / ٥٣ ، (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢ / ٢١٩ ، (اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ـ ٣ / ٢٠٠.
مثالها للاشفاق : قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ـ ٢١ / ١١١ ، وقرا الحسن عليهالسلام هذه الآية لمعاوية واصحابه بعد الصلح ، وقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) ـ ١٨ / ٦ ،.
وهنا امور
الاول ـ ان الترجى والاشقاق انما هما فى الممكن الذى لم يقع ، واما فى الممتنع او الممكن الذى وقع وتحقق فلا معنى لهما ، فعلى هذا وقع الاشكال فى موارد نذكرها ونحلها.
١ ـ قوله تعالى حكاية عن فرعون لعنه الله : (قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) ـ ٤٠ / ٣٦ ، فان بلوغ اسباب السماوات كان ممتنعا لفرعون وهو يعلم ، ولكنه دلس وموه الامر على اصحابه ليعتقد البسطاء انه قادر على ذلك ، وكم له من نظير فى كبراء اهل الدنيا مع البسطاء المغرورين.
٢ ـ قول الشاعر :
اعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ٩٧ |
|
اضاءت لك النار الحمار المقيّدا |
٣ ـ وفى الحديث : وما يدريك لعل الله اطلع على اهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد عفرت لكم ، اطلاعه تعالى عليهم وقوله لهم : اعملوا الخ غير معلوم لهم ، فالترجى باعتبار حصول العلم لهم فيما يستقبل ، فليس الترجى فى الواقع المنقضى ، ومعنى اعملوا ما شئتم : اعملوا ما شئتم من الخير فانكم مغفور لكم يقبل طاعاتكم وخيراتكم.
الثانى ـ قال الحريرى على ما نقل ابن هشام : امتنع ان يكون ما فى حيز لعل فعلا ماضيا ، كانه حسب ان الما ضى يدل على ما وقع وترجى ما وقع ممتنع ، وجوابه ان ترجى ما يعلم وقوعه ممتنع كما بينا ، وصيغة الماضى لا تختص بما وقع بل يستعمل لما ياتى كما فى هذا البيت.
وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ٩٨ |
|
لعلّ منايانا تحوّلن ابؤسا |
الثالث ـ فى لعل عشر لغات مشهورة مذكورة فى كتب اللغة ، اشهرها لعل ، ومضى امثلتها ، وعل بحذف لامها الاولى كما فى هذه الابيات.
يقول اناس علّ مجنون عامر ٩٩ |
|
يروم سلوّا قلت انّى لما بيا |
لا تهين الفقير علّك ان ١٠٠ |
|
تركع يوما والدهر قد رفعه |
فقلت عساها نار كاس وعلّها ١٠١ |
|
تشكّى فآتى نحوها فاعودها |
الرابع ـ حذف خبرها ووقع التخلف فيها عن القواعد فى هذه الابيات.
اتونى فقالوا يا جميل تبدّلت ١٠٢ |
|
بثينة ابدالا فقلت لعلّها |
اذا عثرت بى قلت علّك وانته ١٠٣ |
|
الى باب ابواب الوليد كلالها |
علّ صروف الدهر او دولاتها ١٠٤ |
|
يدلننا اللّمّة من لمّاتها |
فقلتادع اخرى وارفع الصوت ثانيا ١٠٥ |
|
لعلّ ابى المغوار منك قريب |
لعلّ الله يمكننى عليها ١٠٦ |
|
جهارا من زهير او اسيد |
لعلّك يوما ان تلمّ ملمّة ١٠٧ |
|
عليك من اللّائى يدعنك اجدعا |
ولست بلوّام على الامر بعد ما ١٠٨ |
|
يفوت ولكن علّ ان اتقدّما |
تانّ ولا تعجل بلومك صاحبا ١٠٩ |
|
لعلّ لها عذر وانت تلوم |
الخامس ـ قال ابن هشام فى المغنى : الثانى من معانى لعل : التعليل ، اثبته جماعة منهم الاخفش والكسائى ، وحملوا عليه : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ـ ٢٠ / ٤٤ ، ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء ويصرفه للمخاطبين ، اى اذهبا على رجائكما.
اقول : فما يقولون فى امثال قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فى اكثر
من ستين موضعا خطابا الى المسلم والكافر ، (وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فى اكثر من اربعين موضعا غيابا عن المسلم والكافر مع ان الكلام على قولهم يصير اخبارا ، اى لانه يتذكر او يخشى مع ان فرعون لم يتذكر ولم يخش الى ان هلك ، فكيف يخبر تعالى بوقوع ما لن يقع ، واما المعنى الاخر فلا داعى لصرف الكلام عن ظاهره مع امكان حمله على ظاهره.
فالحق ما قلنا من ان وقوع لعل فى كلامه تعالى باعتبار لازم معنى التوقع ، اى الارادة والكراهة ، كما هو الشان فى كل مفهوم ينسب اليه تعالى ولا يليق بجنابه كالرضا والسخط وغيرهما وموضع شرح هذا المطلب فى غير هذا الفن من كتب الكلام والتفسير.
السادس ـ وقال : الثالث من معانيها : الاستفهام ، اثبته الكوفيون ، ولهذا علق به الفعل فى نحو (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ـ ٦٥ / ١ ، ونحو (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ـ ٨٠ / ٣ ،.
اقول : معنى الكلام على كونها للاستفهام : لا تدرى ايها المطلق زوجتك للعدة هل يحدث الله بعد الطلاق امرا من الوداد بينكما حتى ترجع ام لا ، ولا تدرى ايها العابس هل هو يتزكى ام لا.
وذهب بعضهم الى التوجيه هكذا : لا تدرى ايها المطلق ما قدره الله لك ، كن على رجاء ان يحدث الله بعد الطلاق امرا ينفعك ، وما يدريك ايها العابس ما قدره الله له كن على رجاء ان يتزكى ذلك الرجل ، وهذا كله صرف الكلام عن ظاهره بلا موجب ، فالحق هنا ايضا ما قلنا ، اى لا تدرى ارادته ، وما يدريك ارادته ، واما حديث التعليق فراجع الى الاعراب ، وياتى فى مبحث افعال القلوب.
ان قلت : كيف يكون ارادته تعالى لفعل نفسه فى قوله : لعل الله يحدث الخ ، قلت : ارادته فى مثل (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشريعية ، فانه تعالى يفهم بهذا الكلام بدلالة الالتزام انه يريد منكم التقوى ويحبها ، واما مدلوله المطابقى اى معنى الترجى
فهو تعالى منزه عنه بدلائل العقل والنقل ، وفى مثل لعل الله يحدث تكوينية ، فانه يفهم به انه قادر على ذلك ، ان شاء فعل.
ثم انه لا ينافى ما قلنا ان يقال : ان استعمال لعل فى كلامه تعالى يدل ايضا بالالتزام على ارادة الرجاء من المخاطبين كما ذهب اليه بعضهم فى توجيه الآيتين ، ولكنه لا يختص بهما ، وكذا لا ينافى القول بان لعل فى كلامه تعالى للاشعار بامكان وقوع مدخولها.
فى الكافى عن امير المؤمنين عليهالسلام ، قال : يا طالب العلم انّ للعالم ثلاث علامات : العلم والحلم والصمت وللمتكلّف ثلاث علامات ينازع من فوقه بالمعصية ويظلم من دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة.
المبحث الثالث
فى النوع الثانى من النواسخ. وهو كان واخواتها ، وهى افعال تدخل على المبتدا والخبر فترفع المبتدا ويسمى اسمها وترفع الخبر ويسمى خبرها ، ولا يقال لهما المبتدا والخبر بعد دخولها ، ويقال لمرفوع هذه الافعال شبيه الفاعل ولمنصوبها شبيه المفعول ، وتسمى بالافعال الناقصة ، اذ لا تصير مع المرفوع وحده كلاما تاما مفيدا يصح السكوت عليه ، بل لا بد ان يقع بعدها جملة اسمية ، وفائدة هذه الافعال تقييد الخبر بمعناها.
١ ـ كان
وهى ام الباب ، ومصدره الكون والكيان والكينونة ، ومعنى الكون هو الثبوت ، وهو نظير انّ يفيد تاكيد الاسناد مع زيادة هى النسبة التحقيقة ان كان ماضيا والتلبسية ان كان مضارعا والطلبية ان كان امرا او نهيا ، فان قولك : كان حامد فاتحا بمنزلة ان حامدا فتح ، ويكون حميد عالما بمنزلة ان حميدا يعلم ، واذا كان الخبر فعلا نحو كان فتح ويكون يعلم فلفطة كان لصرف افادة التاكيد لان نسبة التحقق والتلبس يعلم من الخبر.
احكامها
١ ـ تتصرف فى صيغ الثلاثى المجرد الا اسم المفعول لانها غير متعدية ، ولها بعض صيغ الثلاثى المزيد.
٢ ـ تحذف مع معموليها ، كقول الشاعر.
قالت بنات العمّ يا سلمى وان ١١٠ |
|
كان فقيرا معدما قالت وان |
وقولهم : افعل هذا اما لا فالتقدير : افعل هذا ان كنت لا تفعل ذلك ، جئ بما الزائدة بعد ان الشرطية بعد حذف الفعل ، وادغم النون فى الميم.
٣ ـ تحذف مع اسمها ويبقى خبرها ، وذلك كثير بعد ان ولو ، كما فى هذه الابيات.
لا تقربنّ الدهر آل مطرّف ١١١ |
|
ان ظالما ابدا وان مظلوما |
قد قيل ما قيل ان صدقا وان كذبا ١١٢ |
|
فما اعتذارك من قول اذا قيلا |
لا يأمن الدهر ذو بغى ولو ملكا ١١٣ |
|
جنوده ضاق عنها السهل والجبل |
علمتك منّانا فلست بآمل ١١٤ |
|
نداك ولو ظمآن غرثان عاريا |
وقولهم : الناس مجزيون باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر ، اى ان كان عملهم خيرا فجزاءهم خير ، وان كان عملهم شرا فجزاءهم شر ، ويجوز فيهما النصب والرفع وعكس الاول ، فالتقدير : ان كان عملهم خيرا فيجزون خيرا وان كان عملهم شرا فيجزون شرا ، وان كان فى عملهم خير فجزاءهم خير وان كان فى عملهم شر فجزاءهم شر ، وان كان فى عملهم خير فيجزون خيرا وان كان فى عملهم شر فيجزون شرا ، والاول احسن الوجوه.
٤ ـ تحذف مع خبرها ويبقى اسمها وذلك قليل ، ومثاله الوجه الثالث والرابع من الاوجه الاربعة التى مرت آنفا فى قولهم : الناس مجزيون الخ.
٥ ـ تحذف ويبقى اسمها وخبرها ، وذلك ايضا قليل كقول الشاعر.
ابا خراشة امّا انت ذا نفر ١١٥ |
|
فانّ قومى لم تاكلهم الضبع |
٦ ـ يجوز حذف لام الفعل من مضارعها اذا كان مجز وما بالسكون ولم يكن
بعده ضمير متصل ، كقوله تعالى : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ـ ١٩ / ٢٠ ، (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ـ ٤٠ / ٢٨ ، (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ـ ٧٤ / ٤٢ ـ ٤٤ ، وكما فى هذه الابيات.
فان لم تك المرآة ابدت وسامة ١١٦ |
|
فقد ابدت المرآة جبهة ضيغم |
اذا لم تك الحاجات من همّة الفتى ١١٧ |
|
فليس بمغن عنك عقد الرتائم |
الم اك جاركم ويكون بينى ١١٨ |
|
وبينكم المودّة والاخاء |
٧ ـ تستعمل تامة بمعنى نفس الثبوت والوجود ، والفرق بين التامة والناقصة ان التامة كون شىء ، والناقصة كون شىء شيئا ، كقوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣ / ٥٩ ، والقول بان التقدير : كن موجودا فيكون موجودا خطأ لان الكون هو الوجود فيلزم التكرار ، ومثله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ـ ٣٦ / ٨٢ ، وكقول الشاعر :
ما كان من بشر الّا وميتته ١١٩ |
|
محتومة لكن الاجال تختلف |
٨ ـ تكون زائدة بخلاف سائر الافعال كما فى هذه الابيات.
انت تكون ماجد نييل ١٢٠ |
|
اذا تهبّ شمال بليل |
فى غرف الجنّة العليا الّتى وجبت ١٢١ |
|
لهم هناك بسعى كان مشكور |
جياد بنى ابى بكر تسامى ١٢٢ |
|
على كان المسوّمة العراب |
٩ ـ الوصف والمصدر من كان يعملان عملها ، ولكنه قليل كما فى البيتين.
وما كلّ من يبدى البشاشة كائنا ١٢٣ |
|
اخاك اذا لم تلفه لك منجدا |
ببذل وحلم ساد فى قومه الفتى ١٢٤ |
|
وكونك ايّاه عليك يسير |
١٠ ـ من الاساليب الشائعة قولهم : كائنا من كان وكائنا ما كان ، ويوتى بهذا الاسلوب لتعميم ما ذكر قبله ، نحو اعط الفقير كائنا من كان ، ويسال العبد يوم القيامة كائنا من كان ، ويجزى العبد على عمله كائنا ما كان ، وكل شىء هالك كائنا ما كان الا وجهه.
وتركيبه ان كائنا حال للمذكور قبله ، فيه ضميره هو اسمه ، وما او من بعده منصوب على الخبرية ، وهو بمعنى اى شخص او اى شى ، وكان تامة مشتملة على ضمير يرجع الى من او ما وهو فاعله ، والفعل والفاعل جملة هى صفة لمن او ما.
٢ ـ صار
ومصدرها الصير والمصير والصيرورة ، وهو بمعنى التحول والانتقال من حال او وضع او مكان الى آخر ، ولمعنى الانتقال يصدر خبرها كثيرا بالى نحو قوله تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ـ ٤٢ / ٥٣ ، (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ٢ / ٢٨٥ ، والمصير مصدر ميمى اى صيرورة الخلايق ، واما فى قوله تعالى : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٩ / ٧٣ ، اسم مكان ، وكقول على عليهالسلام فى الاموات : وصاروا الى مصائر الغايات ، وقوله الاخر فيهم : الم يكونوا اربابا فى اقطار الارضين ، وملوكا على رقاب العالمين فانظروا الى ما صاروا اليه فى آخر امورهم.
ومثالها بالخبر الفعلى او الاسمى بدون الى او مع حرف جر آخر قول على عليهالسلام : فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فىّ مع الاول منهم حتى صرت اقرن الى هذه النظائر ، فيا عجبا للدهر اذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى ولم تكن له كسابقتى ، وقوله فى المحتضر : فصار بين اهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه وخرجت الروح من جسده فصار جيفة بين اهله ، وقوله فى ذم الدنيا واهلها : من عظمت الدنيا فى عينه وكبر موقعها من قلبه آثرها على الله تعالى فانقطع اليها وصار عبدا لها ، وقوله فى وصف المتقين : فخرج من صفة العمى ومشاركة اهل الهوى وصار من مفاتيح ابواب الهدى ومغاليق ابواب الردى ، اما رايتم الذين ياملون بعيدا وصارت اموالهم للوارثين وازواجهم لقوم آخرين ، وقوله الاخر : الكلام فى وثاقك ما لم تتكلم به فاذا تكلمت به صرت فى وثاقه وهذا الفعل ككان متصرف فى صيغ الثلاثى المجرد غير اسم المفعول وبعض المزيد الثلاثى.