باب لا التبرئة ، ومبحث حروف النداء فى المقصد الثالث.
الخامس : اذا حذف احد المتضائفين يقال لتلك الاضافة : المقدرة ، لان الاضافة نسبة قائمة بالطرفين ، فاذا كان احدهما مقدرا فالاضافة ايضا مقدرة ، وفى قبالها الاضافة الظاهرة ، وهى فيما ذكر الطرفان ، وقد مر ذكر الحذف فى الفصل التاسع والعاشر والحادى عشر ، ويكثر حذف ياء المتكلم اذا وقعت مضافا اليها ، ومر فى الفصل السابع وياتى ذكرها فى باب الضمائر من مبحث النكرة والمعرفة.
السادس : يجوز اضافة الجمع الى المثنى ويراد به المثنى ان امن اللبس ، وهذا افصح لئلا يجتمع المثنيان ، نحو قوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) ـ ٦٦ / ٤ ، ومن المعلوم ان لكل واحدة منهما قلبا واحدا ، فالمراد قلبا كما ، وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ـ ٥ / ٣٨ ، والمراد يديهما ، والقرينة بيان الشارع ، وكذا يجوز اضافة المفرد اليه وارادة المثنى نحو قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ـ ٤ / ١١ ، كما يجوز على الاصل ، نحو قولك لابويك : حفظ الله رأسيكما وطيب قلبيكما.
السابع : اذا اضيف اسم الى الجملة يكتسب التخصيص لا محالة ، نحو (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ـ ٣ / ١٠٦ ، وياتى ذكر الجملة المضاف اليها فى مبحث الجمل.
الثامن : قد يضاف العلم ، وياتى ذكره فى مبحث المعارف ، ولا يضاف غير العلم من المعارف ابدا ، الا الوصف المحلى بال على ما مر بيانه فى الفصل السابق.
التاسع : لا يضاف الاسم الى مرادفه ، فلا يقال : ليث الاسد ، انسان البشر ، لان المضاف يتقيد بالمضاف اليه من جهة المعنى ، والمعنى الواحد لا يتقيد بنفسه ، فان رايت من ذلك شيئا فالاعتبار متعدد ، وياتى من ذلك شىء فى باب العلم.
العاشر : المشهور ان المضاف اليه ما مر ذكره ، وهو المجرور بالاسم الداخل عليه ، ولكن ابن الحاجب فى الكافية تبعا لسيبويه جعله اعم حيث قال : والمضاف اليه كل اسم نسب اليه شىء بواسطة حرف جر لفظا او تقديرا ، والمنصوب بنزع الخافض يشمله
ايضا هذا الحد ، ولا باس به نظرا الى اللغة لان الاضافة فى اللغة هى النسبة ، وكل مجرور قد نسب اليه معنى اسمى او فعلى ، بل هذا حال كل جزء من الكلام ، والفصل المميز هو قوله : بواسطة حرف جر لفظا او تقديرا ، ولا يخفى ان هذا الحد لا يشمل المضاف اليه بالاضافة اللفظية ، اذ ليس اضافة الوصف الى معموله بتقدير حرف الجر ، اللهم الا ان يقال : يقدر لام التقوية ، فان قولك : ضارب زيد بمنزله ضارب لزيد ، ولكن لا يتاتى هذا فى اضافة الوصف الى الفاعل ، نحو زيد قائم الاب.
الفصل الرابع عشر
فى اضافات غريبة اختلفوا فيها.
الاول اضافة المسمى الى الاسم ، نحو سعيد كرز ، شهر رجب ، يوم الخميس ، علم الحساب ، عيد الفطر ، حبل الوريد ، شجر الزقوم ، كوكب الزهرة ، ارض البطحاء وامثال ذلك ، ومرادهم منها ان المضاف اليه اسم للمضاف وهما شىء واحد ، فالمراد من شهر رجب مثلا : شهر مسمى برجب وكذا غيره.
الثانى اضافة المؤكد الى المؤكد ، وهى نحو اضافة الزمان الى اذ المقطوعة عما تضاف اليه ، كيومئذ ونظائرها ، فان اذ تاكيد ليوم لانهما زمان واحد للجملة المحذوفة ، وقيل من ذلك قول الشاعر :
فقلت انجوا عنها نجا الجلد انّه |
|
٥٩٩ سير ضيكما منها سنام وغاربه |
الثالث اضافة الاسم المعتبر الى الملغى وبالعكس ، والمراد بالملغى ما ان حذف لم يختل المعنى كما فى هذه الابيات.
ولو بلغت عوّى السماء قبيلة |
|
٦٠٠ لزادت عليها نهشل وتعلّت |
اقام ببغداد العراق وشوقه |
|
٦٠١ لاهل دمشق الشام شوق مبرّح |
الى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما |
|
٦٠٢ ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
ما هاج شوقك من هديل حمامة |
|
٦٠٣ تدعو على فنن الغصون حماما |
الرابع اضافة الموصوف الى الصفة ، نحو مسجد الجامع ، دار الاخرة ، جانب الغربى ، صلاة الاولى ، حب الحصيد ، اذن خير ، علم اليقين ، فان الموصوف والصفة شىء واحد ، وتقدير الكلام : مسجد يوصف بالجامع ، وكذا غيره.
الخامس اضافة الموصوف نائبا عن الصفة كما فى البيتين.
علا زيدنا يوم النقا راس زيدكم |
|
٦٠٤ بابيض ماضى الشفرتين يمانى |
يا زيد زيد اليعملات الذّبّل |
|
٦٠٥ وزيد دارىّ الفلاة المجهل |
ثم قال فريق : ان هذه الاضافات معنوية اذ ليست من اضافة الوصف الى معموله ، وقال فريق : انها لفظية ، اذهى فى تقدير الانفصال ، لان المعنى لا يستقيم الا بتكلف التقديرات المذكورة ، وقال ابن مالك على ما نقل السيد شارح الصمدية : انها واسطة بينهما مع قوله بالتاويل كما صرح به فى الفيته بقوله.
ولا يضاف اسم لما به اتّحد |
|
٦٠٦ معنى فاوّل موهما اذا ورد |
اقول : القسم الخامس من قبيل اضافة العلم ، وياتى بيانها فى المبحث الخامس ، والاضافة فى البواقى بمعنى من ، فراجع ، فالحق هو القول الاول ، ولا حاجة الى تكلف تلك التقديرات.
تنبيه
حصل من جميع ما ذكرنا ان الاضافة قسمان : مفيدة التعريف ومفيدة التخصيص ، ولا واسطة بينهما ، واضافة الوصف الى معموله ليست الا مفيدة التخصيص ، ولا يقدر فيها حرف بين المضاف والمضاف اليه ، ولا باس ان قدرت لام التقوية ، فان قولك : انا ناصرك وانا ناصر لك واحد وسائغ استعمالهما ، وغير ذلك من الاضافات يفيد التخصيص ان كان المضاف اليه نكرة ، ويفيد التعريف ان كان معرفة الا ان يكون المضاف متوغلا فى الابهام كغير ومثل فلا يتعرف ، ولكن يتخصص ، وتقدير الحرف فى اضافة غير الوصف لا ينحصر فى من وفى واللام ، بل امكن ان يقدر
غيرها بالمناسبة ، نحو قولك : سماؤنا شفيفة وسماؤكم كدرة ، اى السماء علينا والسماء عليكم ، فانظر.
الفصل الخامس عشر
فى اضافة كلمة ذو وفروعها ، فان لها وجوها وخصائص لا يخلو ذكرها من الفائدة.
الوجه الاول اضافتها الى المصدر ، وهذا استعمالها الشائع الكثير ، نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ ٢ / ٢٨٠ ، (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ـ ٦٥ / ٢ ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) ـ ٢٧ / ٦٠ ،
الوجه الثانى اضافتها الى اسم الذات ، نحو قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) ـ ٨٥ / ١٥ ، (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ـ ٦ / ١٤٦ ، (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) ـ ٦٨ / ١٤ ، (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) ـ ٢٢ / ٢ ، (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ـ ٥٤ / ١٣.
ومن القسمين ما يكون موصوفه مبهما ، نحو قوله تعالى ، (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ـ ٨ / ١ ، اى اصلحوا خصالا وحوادث صاحبة لبينونتكم ، اى التى اوجبت تفرقتكم ، فالبين مصدر ، وامكن ان يكون ظرفا ، كما فى (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) ـ ١٨ / ٧٨ ، فالتقدير : اصلحوا خصالا وحوادث هى صاحبة لتفرقتكم واقعة بينكم ، والوجه الاول اولى ، ونحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٥ / ٧ ، اى عليم بعقائد ونيات صاحبة لصدوركم.
الوجه الثالث اضافتها الى اسماء الزمان ، نحو جاءنا ذا يوم ، وكنت عنده ذات ليلة ، وتماشينا ذا صباح ، وخرجنا ذا مساء ، وامثال ذلك ومنه قول الشاعر.
عزمت على اقامة ذى صباح |
|
٦٠٧ لا مرما يسوّد من يسود |
الوجه الرابع اضافتها الى اسماء المكان ، نحو قوله تعالى : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا
طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) ـ ١٨ / ١٧ ـ ١٨ ، ونحو جلست ذات ورائهم.
قال بعضهم : ان كلمة ذا وذات فى هذين القسمين زائدة ، جئ بها لغرض التصريح والتاكيد ، فان نقلبهم ذات اليمين مثلا ، اى نقلبهم يمينا ، وقيل : انها اقيمت مقام الظرف واعربت باعرابه ، وهى صفة له اضيفت الى اسم ذلك الظرف ، والتقدير : جاءنا زمانا صاحبا لاسم صباح ، ونقلبهم جهة صاحبة لاسم اليمين ، وهكذا ، وهذا لا ينافى غرض التصريح والتاكيد ، مع ان الزيادة والتقدير كلاهما خلاف الاصل ، فلابد فى امثال هذه المواضع رعاية الاولى منهما.
الوجه الخامس اضافتها الى اسماء يكون زيادتها لنكتة كما فى هذه الابيات.
اليكم ذوى آل النبىّ تطلّعت |
|
٦٠٨ نوازع من قلبى ظماء والبب |
فكذّبوها بما قالت فصبّحهم |
|
٦٠٩ ذو آل حسّان يزجى الموت والشرعا |
اذا ما كنت مثل ذوى عدىّ |
|
٦١٠ ودينار فقام علىّ ناعىّ |
وقيل فى هذا القسم بالزيادة وذلك التقدير ايضا ، فان معنى اليكم ذوى آل النبى ، اى اليكم يا اصحاب هذا الاسم والعنوان ، فان المتكلم يشير باضافة هذه الكلمة الى خصوصية لهم بالمضاف اليه.
الوجه السادس اضافتها الى مرة وفروعها ، نحو قولك : زرته ذات مرة ، وفى هذا الاسلوب صفة لمفعول مطلق محذوف ، اى زيارة صاحبة لمرة ، وهذا مفعول مطلق عددى وزيادة ذات يفيد التاكيد والتصريح.
الوجه السابع اضافتها فى قولهم : اذهب بذى تسلم وكذا سائر صيغ المضارع بهذه المادة ، فقيل : اضيفت الى الاسم لان الجملة فى تاويل المصدر ، والتقدير : اذهب بصاحب السلامة ، وقيل : كلمة ذى موصولة ، والتقدير : اذهب بالشان الذى تسلم معه ، وقيل : اسم اشارة ، والتقدير : اذهب بهذه الحالة مشيرا الى ما عليه من السلامة ، ثم يقول مستانفا تسلم لغرض التاكيد ، وقيل : انه بمعنى وقت ، اى اذهب
فى وقت تسلم فيه ، والجملة على التقادير دعاء ، كالمتعارف اليوم من قولهم : بالسلامة او مع السلامة.
الوجه الثامن اضافتها فى الاعلام ، نحو ذو النون ، ذو الكفل ، ذو القرنين ، ذو المعالى ، ذو الرياستين ، فانها كانت فى الاصل من الوجه الاول او الثانى ، ثم صارت اعلاما.
ـ فى الكافى عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، الا انّ الله يحبّ بغاة العلم.
المبحث الثانى
فى معانى حروف الجر ، ويقال لها الحروف الجارة ، وحروف الخفض وحروف الاضافة وحروف النقل ، لا نهاتجر وتخفض وتضيف وتنقل معانى متعلقاتها الى الاسماء التى بعدها ، وهى عشرون ، جمعها ابن مالك فى هذين البيتين.
هاك حروف الجرّ وهى من الى |
|
حتّى خلا حاشا عدا فى عن على |
مذ منذ ربّ اللّام كى واو وتا |
|
والكاف والبا ولعلّ ومتى |
ونحن نذكرها فى فصول
الفصل الاول
فى معانى الباء ، وهى تاتى لاربعة عشر معنى :
المعنى الاول : الالصاق ، قيل : وهو معنى لا يفارقها ، ولهذا اقتصر عليه سيبويه ، ولم يذكر لها معنى غيره.
اقول : الالصاق معنى واسع يوجد فى غير الباء ، سواء ااريد به الحسى ام غير الحسى ، والتعدية من انواع الالصاق ، وفى كثير من الحروف يوجد مع معنى آخر.
ومعنى الالصاق وحده فى الباء نحو قوله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ
ـ ٤٣ / ٤٣ ، والباء المتعلقة بالايمان والكفر وما يؤدى معناهما ايضا للالصاق ، وكقول الشاعر :
سقى الله ارضا لو ظفرت بتربها |
|
٦١١ كحلت بها من شدّة الشوق اجفانى |
والباء فى نحو مررت بزيد للالصاق المجازى لان جسم المار يلصق بمكان يقرب من الممرور به لا به نفسه ، وكذا ان استعمل مع على فللاستعلاء المجازى لان المار يستعلى على مكان كذلك ، وهذه المادة استعملت مع كلا الحرفين.
المعنى الثانى : التعدية ، وتسمى باء النقل ، نحو قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ـ ٢ / ١٧ ، (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) ـ ٢٣ / ٢٠ ، وقرئ من باب الافعال فالباء للتاكيد ، وجاء انبت لازما ايضا ، كقول الشاعر :
رايت ذوى الحاجات حول بيوتهم |
|
٦١٢ قطينا لها حتّى اذا انبت البقل |
المعنى الثالث : الاستعانة ، نحو قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ، (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) ـ ١١ / ٨٨ ، (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ) ـ ٧ / ١٢٨ ، ولا يلزم التكرار ، لان ما فى الفعل استعانة المستعينين ، والباء تفيد استعانة المستعان ، وهذه المادة تتعدى ايضا بنفسه ، نحو قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ـ ١ / ٥.
قالوا : كل باء داخلة على آلة الفعل فهى للاستعانة نحو كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم ، وسافرت بالطيارة ، وقطعت بالسكين وفتحت الباب بالمفتاح ، ورصدت الكواكب بالمنظار.
اقول : الاولى ان تكون السببية لان الطبع يا بى ان يقول الانسان : جعلت القلم معينى للكتابة ، ولان الاستعانة طلب العون والطلب الحقيقى انما هو من ذى الشعور ، اللهم الا ان يراد به المجاز.
واما قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ـ ٢ / ٤٥ ، ان اريد بهما العبادتان فالباء سببية ، اى استعينوا الله بسبب هاتين العبادتين ، وان اريد بهما رجلان فالباء للاستعانة.
المعنى الرابع : السببية ، نحو قوله تعالى : (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) ـ ٢ / ٥٤ ، (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) ـ ٢٩ / ٤٠ ، (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) ـ ٩٦ / ٣ ـ ٤ ، (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ـ ٢ / ٢٥١ ، ومنه قولهم : لقيت بزيد الاسد ، اى لقيت الاسد بسبب لقائى زيدا ، ومنه ما فى هذه الابيات.
قد سقيت آبالهم بالنار |
|
٦١٣ والنار قد تشفى من الاوار |
جزى الله الشدائد كلّ خير |
|
٦١٤ عرفت بها عدوّى من صديقى |
انّما ينكر الديانة قوم |
|
٦١٥ هم بما ينكرونه اشقياء |
المعنى الخامس : المصاحبة ويقال المعية ايضا ، نحو قوله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) ـ ١١ / ٤٨ ، (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ـ ٥ / ٦١ ،(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ـ ١٥ / ٩٨ ، ونحو ذكر السجود : سبحان ربى الاعلى وبحمده ، اى ومع حمده اسبحه ، ونحو قولك : بعت الفرس بسرجه ، واشتريت اللحم بعظمه ، اذهب بالسلامة ، وسافر بالرفيق ، ويدفن الشهيد بثيابه.
المعنى السادس : الظرفية ، نحو قوله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) ـ ٥٤ / ٣٤ ، اى فى سحر ، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ) ـ ٣ / ١٢٣ ، (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) ـ ٣٧ / ١٣٧ ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) ـ ٢٨ / ٤٤ ، (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) ـ ٩٠ / ٢ ، (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) ـ ٨٩ / ٩ ، (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ـ ٨٩ / ١٤ ، (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ـ ٨١ / ٢٣ ، والظرفية محسوسة وغير محسوسة ، وياتى بيانهما فى حرف فى.
المعنى السابع : المقابلة ، ويقال لها المعاوضة والمبادلة ، نحو قوله تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ١٦ / ٣٢ ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) ـ ٧٦ / ١٢ ، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٥٢ / ١٩ ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ـ ٩ / ١١١ ، (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) ـ ١٢ / ٢٠ ، ونحو اشتريت هذا الثوب بدرهم ، وبعت هذا الكتاب بدرهمين.
المعنى الثامن : البدلية ، والفرق بينها وبين المبادلة انها بين شيئين لاثينن والبدلية بين شيئين لواحد ، نحو قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) ـ ٢ / ١٧٥ ، (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) ـ ٣ / ١٧٧ ، وكما فى هذين البيتين.
فليت لى بهم قوما اذا ركبوا |
|
٦١٦ شنّوا الاغارة فرسانا وركبانا |
انّ الّذين اشتروا دنيا بآخرة |
|
٦١٧ وشقوة بنعيم ساء ما فعلوا |
والباء بهذا المعنى تطرد مع مادة الفدية والبدل ، نحو قوله تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ،) ـ ٧٠ / ١١ ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ـ ٢ / ١٠٨ ، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) ـ ٢ / ٦١ ، ومن ذلك قولهم : بابى انت وامى ، اى انت مفدىّ بابى وامى ، وهذه الجملة تستعمل كناية عن كمال المحبة.
المعنى التاسع : المجاوزة ، اى بمعنى عن ، نحو قوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) ـ ٢٥ / ٥٩ ، اى فاسال خبيرا عن الله تعالى وصفاته ، لان السؤال الاستخبارى يتعدى الى المفعول الثانى بعن ، نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) ـ ٣٣ / ٢٠ ، وكقول الشاعر :
فان تسالونى بالنساء فانّنى |
|
٦١٨ بصير بادواء النساء طبيب |
واما الباء فى قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) ـ ٧٠ / ١ ، فليست بمعنى عن ، بل زيدت للتاكيد ، لان السؤال طلبى ، وهو يتعدى الى المفعول الثانى بنفسه ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ـ ٣٣ / ٥٣ ، والتقدير : سال سائل الله عذابا واقعا ، لانه اشارة الى القول المنقول فى سورة الانفال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا
بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٨ / ٣٢.
ولم ير الباء بمعنى عن متعلقة بغير السؤال ، وقيل : ان الباء المتعلقة بمادة الغرور ايضا بمعنى عن ، نحو قوله تعالى : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ـ ٥٧ / ١٤ ، اى خدعكم الشيطان واغفلكم عن الله ، والظاهر انها سببية ، اى خدعكم الشيطان ونال منكم ما اراد بسبب قوله لكم ان الله كريم فافعل ما شئت من المعاصى.
وقيل : ان الباء فى قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ـ ٥٧ / ١٢ ، بمعنى عن والظاهر انها بمعنى فى ، وقيل كذلك فى قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) ـ ٢٥ / ٢٥ ، بقرينة نظيرها فى قوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) ـ ٥٠ / ٤٤.
اقول : ان القياس بينهما باطل ، لان بالغمام فى الآية الاولى ليس بمنزلة عنهم فى الآية الثانية ، اذ التقدير : يوم تشقق السماء عن الملائكة فينزلون ويوم تشقق الارض عن الناس فيخرجون سراعا ، والباء بمعنى مع ، والغمام بمعنى السحاب الابيض الرقيق ، وبمعنى الكوكب ، وفى احاديثنا : ان الغمام فى هذه الآية استعارة لامير المؤمنين عليهالسلام فانه حاكم باذن الله يوم القيامة بين العباد كما نطقت بذلك روايات كثيرة ، ويمكن ان يكون الباء بمعنى فى بقرينة قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ـ ٢ / ٢١٠ ، فالمعنى : يوم تشقق السماء عن الملائكة فينزلون الى الارض حالكونهم مع الغمام او فى الغمام ، واما لزوم الغمام لنزول الملائكة وعدمه وكيف يركبون عليه فمحل بيانه كتاب التفسير.
المعنى العاشر : انتهاء الغاية ، اى بمعنى الى ، نحو قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ـ ١٢ / ١٠٠ ، لان الاحسان يتعدى بالى ، كقوله تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) ـ ٢٨ / ٧٧ ، ولا باس بان يقال : ان الباء ايضا للتعدية ، لان الفعل الواحد يمكن ان يتعدى بحروف متعددة كما مر بيانه فى مبحث تعدى الفعل
لزومه فى المقصد الاول ، او يكون فى الفعل تضمين معنى اللطف.
المعنى الحادى عشر : الاستعلاء ، اى بمعنى على ، نحو قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ـ ٣ / ٧٥ ، لان الامن يتعدى الى المفعول الثانى بعلى ، نحو قوله تعالى : قال : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) ـ ١٢ / ٦٤ ، وامكن ان يكون فى الفعل تضمين ، اى ان تامنه على دينار ثم تطالبه به ، والباء باعتبار معنى المطالبة ، وبمعنى على بلا كلام قول الشاعر :
اربّ يبول الثعلبان برأسه |
|
٦١٩ لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب |
المعنى الثانى عشر : معنى من ، نحو قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) ـ ٧٦ / ٦ ، لان الشرب يتعدى بمن ، نحو قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) ـ ٢ / ٢٤٩ ، ويحتمل التضمين ، اى عينا يشرب منها ويفرح بها عباد الله ، والباء باعتبار معنى الفرح ، ومنه قول الشاعر :
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت |
|
٦٢٠ متى لجج خضر لهنّ نئيج |
والشرب والاكل يتعديان الى الماكول والمشروب بنفسهما فان عدى بمن فهى للتبعيض ان كان مدخولها ماكولا او مشروبا ، كقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) ـ ٢ / ٦٠ ، وان كان مدخولها ظرفا لهما فهى للابتداء ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) ـ ٧٦ / ٥ ، (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) ـ ٢٤ / ٦١ ، والتى للتبعيض ايضا ما فى آية الوضوء والتيمم : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ـ ٥ / ٦ ، (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) ـ ٤ / ٤٣ ، اى امسحوا بعض رؤوسكم وارجلكم ووجوهكم وايديكم ، فلذا يكتفى بمسح بعضها ، ولو لا معنى التبعيض لكان الباء زائدة لان المسح يتعدى بنفسه.
وقال ابن هشام فى المغنى : والظاهر ان الباء فيهن للالصاق ، اقول : ان الالصاق لا ينافى التبعيض لانه يجتمع مع المعانى الاخرى ، والتبعيض هنا مراد
قطعا ، مع ان الالصاق يفهم من نفس المسح ، لانه اخص منه فلا حاجة لافادة معناه الى الباء ، واما قوله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ـ ٣٨ / ٣٣ ، فيحتمل التبعيض ، ويحتمل ان يكون فى الكلام قلب ، اى فطفق يمسح السوق والاعناق بيده او بالسيف على اختلاف التفسير.
المعنى الثالث عشر : القسم ، وياتى فى مبحث ادوات القسم فى المقصد الثالث.
المعنى الرابع عشر : التاكيد ، وياتى فى خاتمة الكتاب.
الفصل الثانى
فى معانى من ، وهى ستة.
المعنى الاول : الابتداء ، فيكون مدخولها مبدا مكانا او زمانا او غيرهما للفعل الذى تعلقت به ، وعلامتها وقوع الى بعدها داخلة على شىء آخر هو منتهى ذلك الفعل سواء اذكرت ام لا ، وان لم تقع بعدها الى تسمى بالنشوية ، ويطلق عليها الابتدائية ايضا ، وياتى ذكرها.
نحو قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ـ ١٧ / ١ ، (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) ـ ٩ / ١٠٨ ، اى من اليوم الاول الى هذا اليوم ، (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ـ ٢٧ / ٣٠ ، اى من سليمان الى ، (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) ـ ٥٧ / ٤ ، اى ما يخرج منها الى فوق الارض ، وما ينزل من السماء الى الارض ، (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ـ ٨٥ / ١١ ، اى الى منتهى مجراها ، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ـ ٦٢ / ٨ ، اى تفرون منه الى الحياة بزعمكم ، (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ٦٦ / ١١ ، اى الى حيث لا يصل الىّ اذاهم ، وفى الحديث عن النبى صلّى الله عليه
وآله : على وليكم من بعدى ، اى ولايته عليكم من ابتداء الزمان الذى بعدى الى ان يكون بينكم ، وفى الرواية : مطرنا من الجمعة الى الجمعة ، وكقول الشاعر :
تخيّرن من ازمان يوم حليمة |
|
٦٢١ الى اليوم قد جرّبن كلّ التجارب |
المعنى الثانى : التبعيض ، وعلامتها صحة وقوع بعض مكانها ، نحو قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) ـ ٢ / ٢٥٣ ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ـ ٢ / ٢٥٤ ، (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ـ ٣ / ٩٢ ، وفى قراءة ابن مسعود : حتى تنفقوا بعض ما تحبون ، وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ـ ٦٧ / ١٥ ، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ ـ ٦٩ / ٤٩ ،
المعنى الثالث : البدلية ، وعلامتها صحة وقوع البدل مكانها ، نحو قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ـ ٩ / ٣٨ ، (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) ـ ٤٣ / ٦٠ ، (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ـ ٣ / ١٠ ، وفى الدعاء : يا من يكفى من كل شىء ولا يكفى منه شىء ، لا مانع لما اعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ ، وكقول الشاعر :
اخذوا المخاض من الفصيل غلبّة |
|
٦٢٢ ظلما ويكتب للامير افيلا |
قال ابن هشام فى المغنى : وانكر قوم مجئ من للبدل ، فقالوا : ان التقدير فى ارضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، اى بدلا من الاخرة ، والمفيد للبدلية متعلقها المحذوف ، واما هى فللابتداء ، وكذا الباقى ، ولم يجب ابن هشام بشئ.
اقول : لو انفتح هذا الباب لم يبق لحرف جر موضع ، لان الحرف لا يدل بنفسه الا على الربط والنسبة ، واما نوع النسبة من المعانى المذكورة فانما يستفاد من المتعلقات والمدخولات ، ولذلك قالوا : ان الحرف لا يستقل بالمعنى ، فمعنى البدلية يفهم من الحرف الرابط بين الدنيا والآخرة ، ولا حاجة الى تقدير لفظ بدل ، وان جئ بلفظ البدل فلا حاجة الى الحرف المفيد لمعنى البدل ، فيقال : ارضيتم بالحياة
الدنيا بدل الآخرة ، فيالله ، ما اولع هولاء القوم بالحذف والتقدير حتى فى كلام الله تعالى بلا تحاش عن شىء ولا وجه موجب.
المعنى الرابع : التبيين ، بمعنى ان مدخولها يبين ما هو مبهم بحسب الذات او الجنس.
مثال الاول قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) ـ ٣٥ / ٢ ، فان ما من الاسماء المبهمة ، ومثلها مهما ، نحو قوله تعالى : (قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ـ ٧ / ١٣٢ ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) ـ ٢ / ١٠٦ ، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٧ / ٨٢ ، (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) ـ ٦٥ / ١٢.
مثال الثانى قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ـ ١٨ / ٣١ ، من الاولى للتبعيض ، والشاهد فى الاخيرين ، (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ـ ٢٢ / ٣٠ ، وما بعد من هذه فى حكم التمييز ، راجع مبحث التمييز فى المقصد الاول.
المعنى الخامس التاكيد ، وياتى فى خاتمة الكتاب.
المعنى السادس التعليل ، وياتى بيانه فى مبحث حروف التعليل فى المقصد الثالث.
وهنا مسالتان
المسالة الاولى
قد دارت على السنة الطلبة من النشوية ، وهى ما يكون مدخولها مبدءا ومنشا لما تتعلق به بنوع من انواع المبدئية ، ولا تقع الى فى مقابلها ، ويطلق عليها الابتدائية ايضا ، بل اطلاق النشوية عليها من مستحدثات المتاخرين ، ولها مواضع
نذكرها.
١ ـ ما يتعلق بمادة الخلق وما بمعناه نحو قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) ـ ١٦ / ٤ ، (خَلَقَ مِنْها زَوْجَها) ـ ٤ / ١ ، (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) ـ ٢٤ / ٤٥ ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) ـ ٣٠ / ٢٠ ، (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) ـ ١١ / ٦١ ، (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ـ ٦ / ٩٨ ، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ـ ٧ / ١٨٩ ، (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)ـ ١٦ / ٧٢.
٢ ـ ما يتعلق بمادة النداء ، نحو قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) ـ ٢٨ / ٣٠.
٣ ـ ما يتعلق بمادة العلم وما بمعناه نحو قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) ـ ٢ / ٢٢٠ ، اى تمايز كل منهما من وجود الآخر ، ومثله (يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ـ ٣ / ١٧٩ ، (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ١٢ / ٨٦ ، (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) ـ ٢٥ / ١٢ ،
٤ ـ ما يقع خبر المبتدا ، نحو قوله تعالى : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) ـ ٢٧ / ٤٠ ، (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) ـ ٨٣ / ٢٧ ، (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ـ ٦٩ / ٣٥ ـ ٣٦.
٥ ـ ما يتعلق بافعل التفضيل ، نحو قوله تعالى : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ـ ٤٣ / ٣٢ ، اى يبتدا خيرية الرحمة من غاية خيرية ما يجمعون وتتجاوز عنها.
قال ابن مالك : ليست من هذه للابتداء ، ولو كانت لصح وقوع الى بعدها ، ولا يصح ، بل هى بمعنى عن ، وقال ابن هشام : لو كانت بمعنى عن لصح وقوع عن مكانها ، ولا يصح.
اقول : من النشوية لا يقع فى قبالها الى ، والمعنيان اى الابتداء والمجاوزة موجودان هنا كسائر المواضع ، وياتى عن قريب بيان ذلك ، وكل من الرجلين ادرك
ما غفل عنه الآخر فتنازعا.
٦ ـ ما يتعلق بمادة الاخذ ، نحو قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ـ ٧ / ١٧٢ ، (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ـ ٣٣ / ٧ ، (لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ ٤ / ١٤٤.
قال ابن مالك : من فى اخذته من زيد بمعنى عن ، وقال ابن هشام : الظاهر انها للابتداء ، اقول : كلاهما قالا حقا ولكن كل منهما غفل عما ادرك الآخر ، وبيان ذلك ان المجاوزة على قسمين ، احدهما يجتمع مع الابتداء ، بل لاابتداء الا ومعه مجاوزة باعتبار ، ولذا اشتبه على كثير منهم فاخذوا من فى بعض الموارد بمعنى عن واخذوا عن فى بعض الموارد بمعنى من ، مع ان كلا منهما واجد لكلا المعنيين فى جميع تلك الموارد ، وياتى بيان ذلك فى معانى عن.
ثم ان من النشوية ليست محصورة فيما ذكرنا ، بل تجدها فى كثير من المواضع المختلفة ، فان ملاكها ان تفيد معنى البدائة ولا تقع الى فى قبالها ، نحو قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ـ ١٣ / ١١ ، اى حفظهم ناش من امره تعالى ، ولا حاجة الى ان يقال : ان من فى هذه الآية بمعنى الباء ، وان قلنا فهو حق ايضا.
المسالة الثانية
من الاساليب الغريبة ما فى رواية ابن عباس : ان رسول الله كان مما يقول لاصحابه : من راى منكم رؤيا فليقصها اعبرها له ، ورواية براء بن عازب : كنا اذا صلينا خلف رسول الله مما نحب ان نكون عن يمينه ، ورواية ابن عباس : كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة اذا نزل عليه الوحى وكان مما يحرك لسانه وشفتيه ، ورواية ابى موسى : كان النبى كثيرا مما يرفع راسه الى السماء ، ورواية سمرة بن جندب : كان رسول الله مما يكثر ان يقول لاصحابه : هل راى احد منكم رؤيا ، وما فى البيتين.
الف الصفون فما يزال كانّه |
|
٦٢٣ ممّا يقوم على الثلاث كسيرا |
وانّا لممّا نضرب الكبش ضربة |
|
٦٢٤ على راسه تلقى اللسان من الفم |
ثم قال قوم : ان مما فى هذا الاسلوب بمعنى ربما ، وقال ابن هشام فى المغنى فى حرف من بعد البيت الثانى : الظاهر ان من ابتدائية وما مصدرية ، وانهم جعلوا كانهم خلقوا من الضرب ، مثل (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ـ ٢١ / ٣٧.
اقول : حاصل كلامه ان من نشوية ، وهى متعلقة فى جميع هذه الموارد بخلق المقدر ، والمضارع بعدها فى تاويل المصدر ، وجئ الكلام بهذا الاسلوب لافادة المبالغة كزيد عدل ، وان حذف مما لم يختل المعنى ، ولكن يفوت معنى المبالغة ، وهذا معنى ظاهر فى هذا الاسلوب ، ولكن لا يبعد ان يكون ما موصولة ومن للتبعيض ، والتقدير فى البيت الاخير مثلا : وانا لمن الذين نضرب الكبش الخ ، ولا باس باستعمال ما لذوى العقول لانه سائغ ، ولا باتيان ضمير المتكلم للموصول لانه واقع كما فى البيتين.
انا الّذى سمّتنى امّى حيدرة |
|
٦٢٥ ضرغام آجام وليث قسورة |
وانا الّذى قتلت بكرا بالقنا |
|
٦٢٦ وتركت تغلب غير ذات سنام |
الفصل الثالث
فى معنى الى وهو الانتهاء المقابل للابتداء الذى هو احد معانى من ، نحو قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ـ ٣٦ / ٥١ ، وفى الحديث : اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ، وفى الاكثر يكون مقابله مطويا فى الكلام ، نحو قوله تعالى : (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٤٦ / ٣٠ ، اى من الباطل ومن طريق غير مستقيم ، (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ـ ٢٠ / ٨٦ ، اى من الطور ، (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ـ ٣٧ / ٩٩ ، اى من عندكم ، و (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ ٤٢ / ٣ ، اى من عنده يوحى اليك الخ ،
(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ـ ٢ / ١٨٧ ، اى من الفجر ، (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ـ ٢ / ٢٨٠ ، اى من عسرته ، (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ـ ٤٢ / ٥٣ ، اى من الله الى الله ، (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) ـ ٤٢ / ١٠ ، اى من عندكم الى الله ، (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) ـ ١٠ / ٧٥ ، اى بعثنا من عندنا ، وليس من بعدهم مبدء البعث ، بل هو زمان البعث.
ثم يستعمل الى للتعدية ، ولم يذكر القوم هذا المعنى لها ، مع انهم اخذوا لفظ الى فى حد التعدية ، اذ عرفوها بانها مجاوزة اثر الفاعل الى المفعول به ، وهذا المعنى ظاهر فى مواضع كثيرة ، ولا ينافيه معنى الانتهاء ، بل هو لازم معنى التعدية ، كما ان الالصاق لازم معانى الباء.
منها مادة الهدى ، فانها تتعدى الى المفعول الثانى بالى كما تتعدى اليه بنفسها ، نحو قوله تعالى : (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٥ / ١٦ ، ولا يمكن ان يقال : انها زائدة ، وهذه المادة تتعدى باللام مكان الى نحو قوله تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ـ ٢٤ / ٣٥.
منها مادة التوفية ، نحو قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) ـ ١١ / ١٥ ، كما تتعدى بنفسها ايضا ، نحو قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ٤٦ / ١٩.
منها مادة الركون وما بمعناه ، نحو قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) ـ ١١ / ١١٣ ، (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) ـ ٦٨ / ٣٢.
منها مادة النظر وما بمعناه ، نحو قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) ـ ٢٠ / ٥٨ ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) ـ ١٤ / ٢٨ ، وفى غير هذه المواضع ايضا جاءت للتعدية ، ولعلهم لم يذكروا هذا المعنى لها اكتفاء عنه بمعنى الانتهاء.
ثم اعلم انه ليس لالى معنى غير الانتهاء والتعدية ، ونقل ابن هشام عن
القوم فى المغنى لها معانى اخرى ، ولكنها مؤوله الى التضمين او غيره ، وهى.
١ ـ : المعية ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ـ ٣ / ٥٢ ، قيل : اى من انصارى مع الله ، وليس كذلك ، بل التقدير : من انصارى قربة الى الله ، (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ـ ،) ٢ / ١٤ ، قيل :
اى واذا خلوا مع شياطينهم ، والتقدير : واذا انتهوا الى شياطينهم فى الخلوة ، (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ـ ٥ / ٦ ، قيل : اى مع المرافق ، اذ يجب غسل المرفق ، فان كان الى بمعنى الانتهاء لزم خروجه عن حكم الغسل ، لان ما بعد الى غاية خارجة ، بخلاف حتى فان ما بعدها غاية داخلة ، وليس كذلك ، لان الى تستعمل كحتى ايضا ، نحو (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ـ ١٧ / ١ ، فان النبى صلىاللهعليهوآله دخل ليلة الاسراء فى المسجد الاقصى وصلى فيه ، ونحو قولك : قرات القرآن من اوله الى آخره.
٢ ـ : معنى اللام ، اى الاختصاص ، ومثلوا بقوله تعالى : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) ـ ٢٧ / ٣٣ ، والتقدير : والامر ينته اليك ولا يتجاوز عن رايك ، وبقولهم : احمد اليك الله سبحانه ، والتقدير : احمده سبحانه موجها اليك كلامى ، مع ان كون الى بمعنى اللام فى هذا الكلام لا يخلو من شائبة الشرك.
٣ ـ : التبيين ، قالوا : وهى المبينة لفاعلية مجرورها بعد صيغة التعجب او اسم التفضيل من مادة الحب او البغض او ما بمعناهما ، نحو (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ـ ١٢ / ٣٣ ، كما ان اللام تبين مفعولية مجرورها ، نحو ابى احب لى من امى ، ولا باس به ، ولكن الكلام لا يخلو من معنى الانتهاء ايضا.
٤ ـ : معنى عند ومثلوا بقول الشاعر :
ام لا سبيل الى الشباب وذكره |
|
٦٢٧ اشهى الىّ من الرحيق السلسل |
٥ ـ : معنى من ، اى الابتداء ، ومثلوا بقول الشاعر :
تقول وقد عاليت بالكور فوقها |
|
٦٢٨ ايسقى فلا يروى الىّ ابن احمرا |