الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧
فلو قال : نصف الدار لك ، أو قال مع ذلك : والنصف الآخر لي ولشريكي وكذّبه الشريك ، فللمقرّ له ثلثا ما في يده ، ولو قال : والنصف الآخر لي ، أو الدار بيني وبينك نصفان ، أخذ نصف ما في يده.
______________________________________________________
فإنما هو شهادة ، ولا يعد إقرارا ، لأنا نقول : الإقرار إخبار عن حق الغير ، ولم يثبت تخصيصه بما في اليد ، وتسميته الإخبار عما في يد الغير شهادة ، والأصل عدم ذلك.
ولو سلمنا فهذا الأمر إنما هو في لفظ الإقرار ، فيتحقق هذا لو قال : أقررت ، أما إذا قال : لفلان كذا الفلاني فإنه إخبار ، إن شئت سميته إقرارا ، وإن شئت شهادة ، وإن شئت وزعته لو تعلق بمختلفين في اليد وعدمها.
قوله : ( فلو قال : نصف الدار لك ، أو قال مع ذلك : والنصف الآخر لي ولشريكي وكذّبه الشريك ، فللمقرّ له ثلثا ما في يده ).
مقتضى قوله : ( أو قال مع ذلك ... ) أنه لا تفاوت بين الصورتين في الحكم المذكور ، وهو كذلك ، لأنّ اليد الثابتة لكل منهما الثابتة شرعا ، إذا ضممتها الإقرار اقتضت ذلك ، وظاهر قوله : ( فللمقر له ثلثا ما في يده ) أنّ ذلك يتفرع على الإشاعة المذكورة ، وليس كذلك. بل المتفرع على الإشاعة تنزيل الإقرار على ما في يديهما ، كما قررناه سابقا.
نعم له مدخل ، حيث أنّ تكذيب الآخر إذا انضم إليه اقتضى ذلك ، وهو كاف في صحة التفريع في الجملة ، ووجه استحقاق المقر له الثلثين ، أنّ الشريك المكذب بزعم المقر ظالم بالربع ، لأنه بمقتضى إخباره إنما يستحق ربعا ، وبيده نصف ، فالربع الذي ظلم بأخذه على حسب الإقرار نسبته إلى المقر وإلى الثالث على حدّ سواء ، إذ لا ترجيح ، فإنه قدر تالف من العين المشتركة ، فيوزع الاستحقاق على ما في يده ، وعلى ما وقع الظلم به ، والثالث بإقرار المقر يستحق النصف ، ويستحق هو الربع ، والنصف ثلثا المجموع ، فيكون للثالث ثلثا ما في يد المقر ، وثلثا ما في يد الشريك ظلما ، وللمقر ثلث كل منهما.
ولو ضمّ إلى المملوك حرا أو خمرا أو خنزيرا صح في المملوك وبطل في الباقي ، ويقسط الثمن على المملوك وعلى الحر لو كان مملوكا ،
______________________________________________________
لا يقال : مقتضى الإشاعة التنزيل على ما في يد كل واحد منهما ، فيكون للثالث بمقتضى الإقرار ربع ما في يد كل من الشريكين ، كما لو صرح فقال : لك نصف ما في يدي ونصف ما في يد شريكي ، فكيف تغير الحكم حتى صار له بيد المقر ثلث الأصل؟
لأنا نقول : لما حصل تكذيب الشريك ، تحقق تلف الربع ، فوجب كونه منهما ، فبمقتضى التكذيب صار الأمر كذلك.
فان قيل : التكذيب لا يقتضي ذلك ، لأنه يقتضي رد ما اقتضاه الإقرار ، وهو استحقاق الثالث نصف ما في يد الشريك ، وذلك ربع ، فكيف يتحقق ضياعه منهما ليلزم ما ذكر؟
قلنا : لما أقر له بنصف ، كان متعلق الإقرار أمرا كليا في يد كل واحد من الشريكين ، فلما رد الشريك إقراره ، كان الرد نافذا في الربع ، الذي هو نصف ما في يده فصار تالفا ، ويمتنع تلف الأمر الكلي ، إذ التلف إنما يتحقق في نفس الأمر ، بحيث يترتب عليه مقتضاه ، للأمر المتعين المتشخص.
ولا شبهة في أنّ العين المشتركة إذا تلف بعضها ، إنما يتلف من الشريكين على نسبته استحقاقهما ، ولما انتفت علاقة الشركة بين الثالث والشريك الثاني برده الإقرار ، انحصرت شركته للمقر ، فيكون التالف منهما موزعا على نسبة استحقاقهما.
إذا عرفت ذلك ، فالمسألة من اثني عشر ، لأنّ فيها نصف سدس ، وهو ثلث الربع ، ومخرجه اثنا عشر ، باعتبار ضرب مخرج المضاف في مخرج المضاف اليه.
قوله : ( وعلى الحر لو كان مملوكا ).
يلزم القائلين في الأول ـ أعني : مشتري المغصوب العالم بالغصب ـ بعدم الرجوع في الثمن عدم الرجوع هنا ، وهو مدخول ، إلا أن يقال : ذلك خرج
وعلى قيمة الخمر عند مستحليه.
ولو باع جملة الثمرة وفيما عشر الصدقة صح فيما يخصّه دون حصة الفقراء ، إلاّ مع الضمان.
______________________________________________________
بالإجماع ، وإطلاق المصنف التقسيط يقتضي الفرق بينه وبين ما هناك ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد طرد الحكم هنا ، وهو بعيد.
قوله : ( وعلى قيمة الخمر عند مستحليه ).
في حواشي شيخنا الشهيد : أنّ التقويم في الحر والعبد بيّن ، وفي الباقي تفصيل ، وهو : إنه إن تساوت قيمة الخل المنضم الى الخمر ، والشاة المنضمة إلى الخنزير عند الملتين ، قوما معا عند أهل الذمة ، وإن كان الخل أرفع قيمة عند المسلمين ، فالظاهر التقويم منفردين ، لاشتمال الاجتماع على غبن البائع ، أو امتناع التقويم ، لأنه إن كان عند أهل الذمة لزم الأول ، وإن كان عند المسلمين فالثاني.
وفي الحقيقة ، ليس لهذا الكلام كثير محصل ، لأنّ الأصل في التقويم اعتباره عند المسلمين ، لأنّ الحكم إنما هو لأهل الإسلام ، فما دام يمكن ذلك وجب المصير اليه ، ولا يعدل عنه الا عند التعذر ، وهو فيما يملك ممكن فتعين اعتباره ، ولا اعتبار بالتساوي وعدمه.
أما ما لا يملك ، فلا بد من الرجوع في تقويمه الى من يرى له قيمة من غير المسلمين للضرورة ، فيقتصر على محلها ، ولا ريب أنه لا يقبل قول الكافر في التقويم ، لاشتراط العدالة فيه ، بل يرجع في ذلك الى قول العدول ، كالذي أسلم عن كفر ، أو المسلم المجاور للكفار.
وقول المصنف : ( عند مستحليه ) لا ينافي ذلك ، لأنه ظرف للقيمة ، لا للتقويم.
قوله : ( إلاّ مع الضمان ).
الظاهر أنّ المراد به : عدم الأداء من غيرها ، ولا يشترط لفظ مخصوص ، نعم لا بد من علم المشتري به لو كان عالما بالزكاة.
ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة مع عدم الضمان لم يصح في نصيبه ، إذ ثمن حصته مجهول على إشكال.
ولو باع اثنان عبدين غير مشتركين صفقة بسط الثمن على القيمتين ، اتّفقتا أو اختلفتا.
______________________________________________________
قوله : ( ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة مع عدم الضمان لم يصح في نصيبه ، إذ ثمن حصته مجهول على إشكال ).
هذا إذا باع أربعين لا أزيد ، فإن باع أزيد ، ولم يبلغ النصاب الثاني فالبطلان ليس إلا لعدم تعيين النصاب ، لأنّ الزائد عفو ، والاشكال يبتني على أنّ الواجب شاة غير معينة ، أو مقدار شائع في النصاب ، ويدل على الأول : الاكتفاء بشاة من غير اعتبار تقويم الجميع ، وأنه لو لم يبق إلا واحدة تعين أخذها من دون اعتبار القيمة.
وعلى الثاني وجوب التقسيط في المراض مع الصحاح ، والإناث مع الذكور ، وسقوط شيء من الفريضة بتلف شيء من النصاب بغير تفريط ، والأصح الثاني.
والجواب عن الأول : أنّ الشارع اكتفى بمسمى الشاة ، تسهيلا على المكلف.
فرع :
هل الخمس كالزكاة؟ ظاهر كلام الأصحاب : ـ أنه لو اشترى مالا ممن لا يخمس لم يجب عليه الخمس ـ العدم ، وينبغي أن يستثني من ذلك ما لو اشترى مال أهل الخلاف ، الذين يخالفون في محل الزكاة أو قدرها ، مع احتمال إطلاق الحكم.
قوله : ( اتفقتا أو اختلفتا ).
حكم الشيخ بالبطلان في المختلفين ، للجهل بالنسبة ، وهو ضعيف.
وللأب والجدّ له ولاية التصرف ما دام الولد غير رشيد ، فان بلغ ورشد زالت ولايتهما عنه ، ولهما أن يتوليا طرفي العقد.
والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه لصغر أو جنون أو فلس أو سفه ، أو الغائب.
______________________________________________________
قوله : ( وللأب والجد له ولاية التصرف ما دام الولد غير رشيد ).
أورد عليه : أن مقتضاه زوال الحكم بحصول الرشد ، وليس كذلك ، لأنه قد يصير رشيدا قبل البلوغ.
وجوابه : أنّ ذلك مدلول عليه بالمفهوم المخالف ، وهو مفهوم الزمان على ما ذكره بعض الأصوليين.
قوله : ( فان بلغ ورشد زالت ولايتهما عنه ).
قيل عليه : لا يصح هذا التفريع ، لأنّ الأول أعم من البلوغ وعدمه.
قلنا : لا يمتنع تفريع الشيء على الشيء ، باعتبار تناوله ما عليه التفريع ، كما في قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (١).
قوله : ( والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه ، لصغر أو جنون ).
بشرط ولايتهما ، مع عدم الأب والجد له في الصغير ، وكذا في المجنون إن اتصل جنونه بحجر الصغر ، بخلاف ما لو بلغ رشيدا ثم جن ، ولا شبهة في أنّ عبارته غير حسنة ، لأنه لم يستوعب من يليه الأب والجد له.
قوله : ( أو سفه ).
بشرط عدم الأب والجد له ، إلا أن يتجدد السفه بعد البلوغ والرشد.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.
والوصي إنما ينفذ تصرفه بعد الموت مع صغر الموصى عليه أو جنونه ، وله أن يقترض مع الملاءة ، وأن يقوّم على نفسه.
والوكيل يمضي تصرفه ما دام الموكّل حيا جائز التصرف ، فلو مات أو جنّ أو أغمي عليه زالت الولاية ، وله أن يتولّى طرفي العقد مع الاعلام على رأي ، وكذا الوصي يتولاهما ،
______________________________________________________
قوله : ( والوصي ـ إلى قوله : ـ أو جنونه ).
بشرط أن لا يكون جنونه متجددا بعد البلوغ والرشد ، وكذا القول في السفه.
قوله : ( وله أن يقترض مع الملاءة ).
اشترط الملاءة ، احتياطا لمال المولى عليه ولا بد من الاشهاد ، ولأنّ فيه تضييعا لحقه ، ولأن الوكيل في قضاء الدين يجب عليه الاشهاد ، فهذا أولى.
وكذا الرهن ، لما قلناه ، فإنه ربما كثرت ديونه ، فلزم الضرب مع الغرماء في حال الفلس أو الموت ، نبه عليه الشهيد في بعض حواشيه.
قوله : ( وأن يقوّم على نفسه ).
بان يوقع العقد الموجب للملك ، ولا بد من الاشهاد ، وكذا الرهن لما سبق.
قوله : ( وله أن يتولّى طرفي العقد مع الاعلام على رأي ).
أي : مع الإعلام بالحال ، والمراد به : الاذن من الموكل ، والخلاف يتحقق في شيئين : في توليه طرفي العقد ، وفي بيعه لنفسه ، وإن كانت العبارة أعم من ذلك ، فانّ اشتراط الإعلام إنما هو في تولية العقد لنفسه ، فلو كان وكيلا لآخر في الشراء ، أمكن أن لا يطرد الخلاف في شرائه لنفسه هنا.
والأصح جواز تولي الطرفين ، إذ مغايرة المتعاقدين يكفي فيها الاعتبار ، وجواز بيعه لنفسه مع الإذن ، ولو بالقرينة الدالة عليه ، كأن يقول : مرادي البيع وحصول الثمن.
وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولّى عليه.
ولو اتفق عقد الوكيلين على الجمع والتفريق في الزمان بطلا ،
______________________________________________________
قوله : ( وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولى عليه ).
لك في قراءة المولى وجهان :
أحدهما : على وزن فعلى ، اسم مفعول من وليته.
والثاني : على وزن مهدي ، من وليه يليه.
وبدون المصلحة يقع فضوليا ، وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى الشهيد ، نقلا عن المصنف بواسطة قطب الدين ، احتمال تنزيل تصرف الولي على خلاف المصلحة منزلة الإتلاف بالاقتراض ، فإن غاية ما فيه أنه إتلاف ، ولا يقصر عن الإتلاف بالاقتراض المحكوم بجوازه ، فان الجميع إتلاف. وليس بشيء ، فإن الاقتراض ناقل الملك ، وإتلاف الإنسان مال نفسه ليس كإتلافه مال الطفل قبل صيرورته مملوكا.
وأيضا فإنّ الإتلاف إذا جاز على وجه مخصوص ، لم يثبت جوازه مطلقا ، كما هو ظاهر ، فان ثبوت جوازه في فرد ، لا يستلزم جوازه في فرد آخر. ولو صح ذلك لم يكن الحكم مقصورا على الأسباب الثابتة شرعا.
قوله : ( ولو اتفق عقد الوكيلين على الجمع والتفريق في الزمان بطلا ).
الجار الأول يتعلق بوكيلين ، فان فعيلا هنا بمعنى مفعول ، فيصح للتعلق به ، ولا يجوز تعلقه بـ ( اتفق ) ، لفساد المعنى. نعم الجار الثاني يتعلق بـ ( اتفق ) ، والتقدير : لو اتفق عقد البيع الصادر من الوكيلين اللذين وكالتهما على الجمع والتفريق : أي تصرف كل منهما مع الآخر ، وبدونه مأذون فيه زمانا ، بان كان زمان أحد العقدين بعينه هو زمان الآخر بطلا على أصح الوجهين ، للتنافي. واحتمال التنصيف ضعيف ، إذ لا مقتضي له. ونسبة كل من العقدين الى مجموع المبيع متساوية ، وهذا هو المراد بقوله : ( ويحتمل التنصيف في الأول ) وإنما أثبت
ولو سبق أحدهما صحّ خاصة ، ويحتمل التنصيف في الأول فيتخيران.
ولو باعاه على شخص ووكيله ، أو على وكيليه دفعة ، فان اتفق الثمن جنسا وقدرا صحّ ، وإلاّ فالأقرب البطلان.
ولو اختلف الخيار ، فالأقرب مساواته لاختلاف الثمن ،
______________________________________________________
لهما التخيير ، لتبعض الصفقة على ذلك التقدير.
قوله : ( ولو سبق أحدهما صح خاصة ).
أي : صح السابق دون اللاحق ، وهو الذي حاوله بقوله : ( خاصة ) ، وفي حواشي الشهيد : إنّ هذا حيث يكون وكيلا عن الموكل الأول ، فلو كان وكيلا عن المشتري الأول ، ولم يشترط قصد عين الموكل ، صح الثاني أيضا.
ومعنى هذا : أنه إذا كان الموقع للعقد الثاني وكيلا عن المشتري الأول ، ولم يقصد معينا ـ لأنا لم نشرطه في الصحة ـ كان العقدان لشخص واحد ، فيصحان إذا حصل الاتفاق الآتي ذكره.
واعلم أنّ السبق يتحقق بكمال القبول ، فمتى سبق قبول أحد العقدين فهو السابق ، بخلاف الإيجاب ، لأنّ انتقال الملك يترتب على كمال العقد.
قوله : ( فان اتفق الثمن جنسا وقدرا صح ).
لأنه لا مانع من الصحة إلاّ كونهما سببين تامين في انتقال الملك ، ولا امتناع في اجتماعهما ، لأنّ الأسباب الشرعية معرفات للأحكام.
قوله : ( وإلاّ ، فالأقرب البطلان ).
أي : وإن لم يتفق الثمنان في الجنس والقدر ، بان اختلفا في أحدهما ، والظاهر أنه يريد بالاختلاف في الجنس ، ما يشمل الاختلاف في الصفة ، ووجه القرب امتناع الجمع بين العقدين ، ولا ترجيح ، فيبطلان ، وهو الأصح ، ويحتمل التنصيف ـ الذي مر في المسألة السابقة ـ هنا بطريق اولى.
قوله : ( ولو اختلف الخيار فالأقرب مساواته ، لاختلاف الثمن ).
الاختلاف في القدر كشرط الخيار عشرة أيام وخمسة أيام ، ووجه القرب أن
إلاّ أن يجعلاه مشتركا بينهما.
الفصل الثالث : العوضان :
وشرط المعقود عليه : الطهارة فعلا أو قوة ،
______________________________________________________
الخيار نوع ارتفاق ، فان كان للمشتري ، كان بمنزلة النقصان في الثمن ، أو للبائع فهو بمنزلة الزيادة فيه ، ويحتمل عدم المساواة ، لأنه لا يعد مالا ، فلا يختلف به العوضان.
قوله : ( إلا أن يجعلاه مشتركا بينهما ).
اي : اختلاف الخيار مساو لاختلاف الثمن في جميع الأحوال ، إلا في حال جعل الوكيلين الخيار مشتركا بينهما ، والأجود جعل ضمير ( بينهما ) راجعا الى كل من البائع والمشتري ، والضمير في ( يجعلاه ) راجعا الى كل من الوكيلين في العقدين ، لكن لا تتناول العبارة حينئذ ما إذا باعا على شخص ووكيله.
ولو جعلناه راجعا الى المتعاقدين في كل من العقدين ، ليتناول ما ذكرناه ، لبقي رجوع ضمير ( بينهما ) إلى البائع والمشتري لا يخلو من سماجة ، ومع هذا ، فالأصح هنا البطلان أيضا ، لأن اختلاف الخيار بمنزلة اختلاف الثمن ، واشتراكه لا يخرجه عن الاختلاف المذكور ، الموجب لتنافي العقدين وبطلانهما ، وعبارة الشارح ولد المصنف (١) هنا لا تخلو من فساد ، فينبغي التنبيه لها.
قوله : ( وشرط المعقود عليه الطهارة فعلا ، أو قوة ).
أراد بالقوة هنا : كونه بحيث يقبل الطهارة ، كالثوب والماء النجسين ، ولكن يرد عليه الكلب والدهن المتنجس فإنهما غير طاهرين بواحد من الاعتبارين ، ويعتذر له سبق ذكر حكمهما في أول الباب ، فاعتمد على ما سبق.
ولا يرد عليه العصير العنبي بعد الحكم بنجاسته ، فإنه لا يصح بيعه حينئذ على الظاهر ، لأنه عين نجاسة قد أسقط الشارع منفعته ، وإن كان يؤول إلى الطهارة
__________________
(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.
وصلاحية التملك ، فلا يقع العقد على حبة حنطة لقلته.
______________________________________________________
كالخمر إذا أعدت للتخليل.
واعلم أنّ قوله : ( المعقود عليه ) يتناول الثمن والمثمن ، فإن كلا منهما جرى عليه العقد ، وإن كان المتبادر من المعقود عليه المثمن.
قوله : ( وصلاحيته للتملك ).
المتبادر من صلاحية التملك : كونه بحيث يمكن تملكه ، فتندرج فيه مباحات الأصل ، فإنها صالحة للتملك ، ولا يصح بيعها قبل الحيازة ، لكن قوله :( فلا يقع العقد على حبة حنطة ) يدل على أنه يريد : أنّ ما لا يتملك لقلته لا يقع العقد عليه ، فيكون ذكر الصلاحية مستدركا.
ومع ذلك فترد عليه مناقشة ، وهو : أنّ مثل الحبة والحبتين من الحنطة وغيرها لا تدخل في الملك ، وليس بشيء ، فإنها تدخل في الملك ، وتقبل النقل بهبة ونحوها ، ولعله يريد بالتملك : التملك بعقد معاوضة ، فإنها لا تعد مالا عادة ، بحيث يجعل في مقابلها عوض ، ولا يجوز أخذ نحو ذلك غصبا إجماعا.
ويجب رد العين مع بقائها ، ولو تلفت فعند المصنف في التذكرة لا يجب لها شيء (١) ، وفي الدروس يجب رد المثل (٢).
والتحقيق أن نقول : أن اجزاء الملك ـ وإن بلغت القلة ـ مملوكة قطعا ، ولا يجوز لأحد انتزاعها غصبا ، ويجب رد العين ، ومع التلف فالمثل ، لعموم « على اليد ما أخذت » (٣) ، والواجب في المثلي المثل ، ويلزم المصنف أنّ من أتلف على غيره حبات كثيرة منفردات لا يجب عليه شيء.
وبيان الملازمة : أنّ إتلاف كل واحدة على حدة لا يوجب شيئا ، وإذا لم يترتب على تلفها شيء حال التلف ، لا يترتب عليه شيء بعد ذلك ، لعدم
__________________
(١) التذكرة ١ : ٤٦٥.
(٢) الدروس : ٣٣٨.
(٣) مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠.
والمغايرة للمتعاقدين ، فلو باعه نفسه فالأقرب البطلان وإن كان الثمن مؤجلا.
______________________________________________________
المقتضي ، وكذا يلزمه فيمن أتلف مدا من الحنطة لعدة ملاّك لكل واحد حبة ، أن لا يترتب عليه شيء ، لانتفاء المقتضي بالإضافة الى كل واحد.
نعم لا يعد هذا القليل مالا في العادة ، فلا تجري عليه عقود المعاوضات ، لاستدعائها كون المعقود عليه مالا ومتقوما ، ومعلوم أنّ هذه لا تعد مالا ، ولا تعد متقومة في العادة.
وعبارة المصنف هنا تحتمل الأمرين ، فإنّ ظاهرها غير مراد ، لأنّ مقتضاه أنّ الحبة لا تملك ، وليس كذلك ، وإلا لجاز أخذها ، فيجتمع للآخذ في دفعات منها مال جزيل ، وليس لمانع أن يمنع الملازمة ملتزما بأنّ نفي الملك لا ينفي الأولوية الممكن ثبوتها هنا.
قوله : ( والمغايرة للمتعاقدين ، فلو باعه نفسه فالأقرب البطلان ).
هذا هو الأصح ، لاستحالة أن ينتقل العبد الى ملك نفسه ، ولأنّ الحرية شرط التملك ، الذي هو شرط صحة البيع ، وإنما يتحقق الفرض بالبيع فيلزم الدور ، وإنما خص التفريع ببيعه نفسه فيكون مبيعا ، ولم يفرع جعل نفسه ثمنا لامتناع تصور ذلك ، لأنه مملوك لغيره ، فلا يمكن تصرفه بغير إذنه.
قوله : ( وإن كان الثمن مؤجلا ).
حاول بذلك دفع توهم جوازه في هذه الحالة ، ينشأ توهم ذلك من تعليل عدم جواز البيع هنا لعدم ملك الثمن ، ومع وجود الأجل ينبغي ذلك ، لأنه تحرر بالبيع ، فيكون في وقت الحلول مالكا.
كذا قيل : وليس بشيء ، لأنّ عدم ملك الثمن لا دخل له في صحة البيع وفساده ، وإلاّ لامتنع بيع الفقير الذي لا شيء له أصلا ، بل عدم صلاحية الملك هو المانع ، وهو موجود في الحالين ، وإنما أراد رفع توهم من قد تخيل جوازه مع التأجيل ، نظرا الى عدم لزوم أداء الثمن ، لأنّ المانع هو امتناع لزوم الأداء ، لا نفي عدم الأداء.
بخلاف الكتابة.
والانتفاع به ، فلا يصح على ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي ، ولا على ما لا منفعة له كرطوبات الإنسان وشعره وظفره ، عدا اللبن.
والقدرة على التسليم ، فلا يصح بيع الطير في الهواء إذا لم تقض عادته بعوده ، ولا السمك في الماء إلاّ أن يكون محصورا ، ولا الآبق منفردا إلاّ على من هو في يده.
______________________________________________________
قوله : ( بخلاف الكتابة ).
جواب عن سؤال مقدّر قد يورد هنا ، ودفعه بأنّ الكتابة ليست بيعا ، بل عتق على وجه مخصوص ، وثبوت جوازه شرعا بالنص لا يقتضي جواز البيع.
قوله : ( فلا يصح على ما أسقط الشرع منفعته كآلات الملاهي ).
فإنّ لها منفعة مقصودة محرمة ، ويجوز بيع رضاضها ، كما سبق.
قوله : ( ولا على ما لا منفعة له ).
أي : لا منفعة معتدا بها عادة فيه ، وإن كان فيه منفعة لا يعتد بها.
قوله : ( فلا يصح بيع الطير في الهواء ، إذا لم تقض العادة بعوده ).
فان قضت العادة بذلك ـ ككثير من الحمام ونحوه ـ صح البيع ، وكذا يصح جعله ثمنا مع العادة ، ولا يصح لو لم تقض العادة بذلك.
قوله : ( ولا السمك في الماء ، إلا أن يكون محصورا ).
شرط في التذكرة لبيعه شروطا ثلاثة : أن يكون مملوكا ، ومشاهدته ، فيعتبر أن لا يكون هناك مانع من الرؤية ككدورة الماء ونحوها ، وإمكان صيده ، وبدون ذلك لا يجوز (١). وتملك السمكة في البركة المعدة لحيازته ، صرح به في
__________________
(١) التذكرة ١ : ٤٦٦.
والعلم ، فلا يصح بيع المجهول ولا الشراء به.
ولا تكفي المشاهدة في المكيل والموزون والمعدود ، سواء كان عوضا أو ثمنا ، بل لا بدّ من الاعتبار بأحدها.
ولا يكفي الاعتبار بمكيال مجهول ، ولو تعذر وزنه أو كيله أو عدّه ، اعتبر وعاء وأخذ الباقي بحسابه.
وتكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا.
______________________________________________________
التحرير (١) في باب البيع. ولا فرق بين كبير البركة وصغيرها ، فإطلاق عبارة المصنف هنا بيع المحصور غير ظاهر.
ومع ذلك فإن أراد بالمحصور ما يعدّ بسهولة ، فهذا غير شرط لصحة بيع السمك الكثير في البركة الكبيرة بالشروط ، وإن كان في صيده مشقة كما صرح في التذكرة (٢).
ويمكن أن يريد بالمحصور : ما يكون في مكان يمكن ضبطه بالمشاهدة ، ليخرج عنه ما كان في نحو الأجمة ، والنهر الممتد الذي لا ينضبط ما فيه بالمشاهدة.
قوله : ( فلا يصح بيع المجهول ، ولا الشراء به ).
كان ينبغي فيما قبله أن يجعل كلا من الأمرين ، أعني : البيع له ، والشراء به معا سواء.
قوله : ( وتكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا ).
نقل الإجماع على جواز ذلك في التذكرة (٣) ، وحكى في الدروس عن ظاهر الخلاف منع ذلك (٤) ، والأصح الصحة ، لعدم المقتضي لاعتبار الذرع هنا ، إذ لا نقل عن عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٨.
(٢) التذكرة ١ : ٤٧٠.
(٣) التذكرة ١ : ٤٦٧.
(٤) الدروس : ٣٣٧.
ولو عرف أحدهما الكيل أو الوزن وأخبر الآخر صح ، فان نقص أو زاد تخير المغبون.
ولو كان المراد الطعم أو الريح افتقر إلى معرفته بالذوق أو الشم ، ويجوز شراؤه من دونهما بالوصف ، فان طابق صحّ ، وإلاّ تخيّر.
والأقرب صحة بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على الأصل من السلامة ، فإن خرج معيبا فله الأرش إن تصرف ، وإلاّ الأرش أو الرّد ،
______________________________________________________
قوله : ( والأقرب صحة بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على الأصل من السلامة ).
المطعوم حلوا وحامضا ونحوهما ، كالعسل والدبس ، والمشموم بأنواعه ، يجوز اعتمادا على مقتضى طبعه ، إذ هو الأصل ، وتغيره عن مقتضاه خلاف الأصل ، فيكون ذلك جاريا مجرى وصفه ، فينتفى عنه الغرر.
وذكر بعض الأصحاب أن به رواية (١) ، تقتضي الصحة مع التراضي على ذلك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، والعمل به أظهر دليلا ، إذ ليس المراد بالغرر مطلق الجهالة ، وإلا لم يجز بيع الصبرة المرئي بعضها ، ولا البيع بالوصف بل على وجه مخصوص ، ويمنع حصوله هنا.
واعلم أنه ربما فهم من العبارة : أنه لا يشترط مشاهدته أيضا ، والظاهر أنه لا بد من المشاهدة ، لئلا يلزم الغرر ، وعبارات الأصحاب ليس فيها أزيد من بيعه بغير اختبار ولا وصف ، وفي بعضها من غير اختبار فقط ، وهو لا يدل على عدم اعتبار المشاهدة ، فيكون اعتبار المشاهدة مستفادا من عدم جواز بيع المجهول.
وأيضا فإنّ المغتفر هو عدم الاختبار ، بالإضافة إلى الشم والذوق ، وعبارة المختلف (٢) وابن إدريس (٣) تقتضيان اعتبار المشاهدة ، فعبارة ابن إدريس هذه :
__________________
(١) رواها ابن إدريس في السرائر : ٢٣٥.
(٢) المختلف : ٣٨٩.
(٣) السرائر : ٢٣٥.
والأعمى والمبصر سواء.
ولو أدّى اختباره إلى الإفساد كالبطيخ والجوز والبيض جاز بيعه بشرط الصحة ، فإن كسره المشتري فخرج معيبا فله الأرش خاصة إن كان لمكسوره قيمة ، والثمن بأجمعه إن لم يكن كالبيض الفاسد.
______________________________________________________
يمكن أن يقال : بيع عين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون موصوفا ، لأنه غير غائب فيباع بيع خيار الرؤية بالوصف ، فاذن لا بد من شمه وذوقه ، لأنه حاضر مشاهد غير غائب ، وعبارة المختلف قريبة من ذلك.
والحق أنّ المسألة إنما هي في المشاهد دون غيره ، فمن ثم يضعف الغرر ، لعدم الذوق والشم.
وفي التحرير : ولو بيع بشرط السلامة ، من غير اختبار ولا وصف إلى أخره (١) ، وهو مخالف لما هنا ، لأن مقتضى العبارة هنا بيعه مطلقا ، وما هنا موافق لعبارة الأكثر ، ولما نقل من لفظ الرواية.
قوله : ( والأعمى والمبصر سواء ).
خالف سلار في ذلك ، فجوز الرد للأعمى ولو بعد التصرف (٢) ، وليس بظاهر.
قوله : ( ولو أدّى اختباره إلى الإفساد كالبطيخ والجوز ، جاز بيعه بشرط الصحة ).
كما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز بيعه مطلقا ، وهو بمنزلة اشتراط الصحة ، وفي عبارة الشيخ : فابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب (٣) ، فعلى الإطلاق واشتراط الصحة لا بحث ، وعلى البراءة من العيوب يشكل لو خرج كله معيبا ، ولم يكن لمكسوره قيمة كالبيض ، فان مقتضى رجوعه بالثمن كله في الصورة
__________________
(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٩.
(٢) المراسم : ١٨٠.
(٣) النهاية : ٤٠٤.
ويجوز بيع المسك في فاره وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط.
ولا يجوز بيع المباحات بالأصل قبل الحيازة ، والماء والسمك والوحش ، ولا بيع الأرض الخراجية إلاّ تبعا لآثار التصرف ،
______________________________________________________
الاولى ـ لعدم وجود ما يقابله ـ يقتضي بطلان هذا الشرط ، لمنافاته مقتضى العقد ، فإنه لا شيء في مقابل الثمن حينئذ ، فيكون أكل مال بالباطل.
وقد نبه على هذا في الدروس (١) ولعل مراد المصنف بقوله : ( جاز بيعه بشرطه الصحة ) عدم جواز اشتراط البراءة من العيوب ، وإن كان الإطلاق منزلا على الصحة.
واعلم أنه لو احتاج نقله مثلا إلى مؤنة ، فبذلها المشتري ، ثم تبين الفساد ، فالذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع على البائع بها ، لانتفاء المقتضي.
قوله : ( ويجوز بيع المسك في فاره وإن لم يفتق ، وفتقه أحوط ).
المشهور في فاره بهاء غير منقوطة ، وهو الظاهر من عبارات الأصحاب ، والذي صرح به اللغويون فارة المسك بهاء (٢) ، وهي تاء مهموسة (٣) كالفأرة في غيره ، وهو الصواب.
إذا علم هذا فلا حاجة الى فتقه كما قلناه ، قال في الدروس : ويجوز شراء المسك في فاره ، وإن لم يفتق بإدخال خيط فيه ، وفتقه أحوط (٤) ، وعبارته تحتمل أمرين :
أحدهما : إن عدم فتقه يجوز البيع معه بإدخال خيط فيه ، فيكون ذلك قائما مقام اختباره.
والثاني : إنّ فتقه يتحقق بإدخال خيط فيه ، ولا يحتاج الى شقه ، وهو غير واجب ، فيكون في حيز لم ، ولما لم يكن للأول وجه تعين الحمل على الثاني.
__________________
(١) الدروس : ٣٣٧.
(٢) انظر : القاموس المحيط ( فار ) ٢ : ١٠٧ ، ومجمع البحرين ( فار ) ٣ : ٤٣٣.
(٣) أي أنها من حروف الهمس. وفي النسختين الخطبتين والنسخة الحجرية : مهموزة وهو خطأ قطعا.
(٤) الدروس : ٣٣٧.
والأقرب جواز بيع بيوت مكة.
ولو حفر بئرا في أرض مملوكة له أو مباحة ملك ماءها بالوصول إليه ، وكذا لو حفر نهرا فجرى الماء المباح فيه فإنه للحافر خاصة ، وكذا لو حفر فظهر معدن في أرض مباحة أو مملوكة.
ويشترط في الملك التمامية ، فلا يصحّ بيع الوقف ، إلاّ أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه ، ويكون البيع أعود.
______________________________________________________
قوله : ( والأقرب جواز بيع بيوت مكة ).
بناء على أنها فتحت صلحا أو عنوة ، فيكون بيعا تبعا لآثار التصرف ، ويكون الخلاف مع الشيخ القائل : بأن جميعها مسجد (١) ، وهو ضعيف.
قوله : ( فلا يصح بيع الوقف ، إلاّ أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه ، لخلف بين أربابه ، ويكون البيع أعود ).
عبارات الأصحاب في ذلك مختلفة ، وأكثرهم موافق لما هنا ، وفي الإرشاد اعتبر الخراب والخلف معا (٢) ، وبعضهم جعل الخراب سببا برأسه ، وبعضهم اعتبر أمرا زائدا (٣) ، والمعتمد جواز البيع في ثلاثة مواضع :
أحدها : ما إذا خرب واضمحل ، بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا رث ، وجذعه إذا انكسرت.
ثانيها : ما إذا حصل خلف بين أربابه ، يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار (٤).
ويشترى في الموضعين بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان ، ويتولى ذلك الناظر الخاص إن كان ،
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٥٠ مسألة ٣١٥ كتاب البيوع.
(٢) إرشاد الأذهان : ١٣٧.
(٣) منهم : ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٠٣.
(٤) الكافي ٧ : ٣٦ حديث ٣٠ ، الفقيه ٤ : ١٧٨ حديث ٦٢٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ حديث ٥٥٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ حديث ٣٨١.
ولا بيع أم الولد ما دام ولدها حيا ، إلاّ في ثمن رقبتها مع إعسار المولى عنه ، وفي اشتراط موت المولى نظر.
ولا بيع الرهن بدون إذن المرتهن.
______________________________________________________
وإلاّ فالحاكم.
ثالثها : إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، ولم يكن لهم ما يكفيهم من غلة وغيرها ، لرواية جعفر بن حسان عن الصادق عليهالسلام (١).
واعلم أنّ قول المصنف : ( ويكون البيع أعود ) مراده به : اندفاع الخلف بالبيع ، وإلا فلا وجه لجوازه حينئذ.
قوله : ( وفي اشتراط موت المولى نظر ).
الأصح أنه لا يشترط ، لإطلاق الرواية (٢).
فرع (٣) : تباع أم الولد في مواضع :
الأول : إذا كانت أمة لكافر وأسلمت.
الثاني : إذا مات مورثها وليس سواها ، وخلف تركة.
الثالث : إذا أعسر مولاها في ثمن رقبتها.
الرابع : إذا وطأها فاستولدها بعد أن رهنها.
الخامس : إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، وعليه دين على قول (٤).
السادس : إذا قتلت مولاها ، وإذا جنت على غيره على قول (٥).
السابع : إذا مات ولدها.
الثامن : إذا استولد مملوكة الغير ، ثم ملكها.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩ ، وفيه : جعفر بن حيان ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٣٠ ، وفيه : جعفر بن حنان ، التهذيب ٩ : ١٣٣ حديث ٥٦٥ ، الاستبصار ٤ : ٩٩ حديث ٣٨٢.
(٢) الكافي ٦ : ١٩٢ حديث ٢ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ حديث ٨٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١٢ حديث ٣٥.
(٣) في « م » : قوله ، والصحيح ما أثبتناه.
(٤) قاله الشهيد في اللمعة : ١١٢.
(٥) المصدر السابق.
ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه ، ولا يسقط حقّ المجني عليه عن رقبته في العمد ، ويكون في الخطأ التزاما للفداء ،
______________________________________________________
التاسع : في نفقتها.
العاشر : إذا علقت بعد إفلاس المولى ، وثبوت الحجر عليه.
الحادي عشر : إذا كان علوقها من المشتري في مدة خيار البائع.
الثاني عشر : بيعها على من تنعتق عليه.
الثالث عشر : بيعها بشرط العتق.
الرابع عشر : في بيع أم ولد المفلس إذا لم يكن رهنا (١) خلاف.
قوله : ( ويجوز بيع الجاني وإن كان عمدا وعتقه ، ولا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد ).
خالف الشيخ في جواز البيع في الجناية عمدا (٢) ، والوجه الجواز ، لعدم المانع ، والضمير في قوله : ( وإن كان ) يعود إلى الجاني ، أي : وإن كان الجاني قد جنى عمدا ، أو الى الفعل الذي هو الجناية ، أو الى الجناية على حد :
................. |
|
ولا أرض أبقل
إبقالها (٣) |
ومنع المصنف في كتاب العتق من عتقه.
ولعل ما هنا هو الأظهر ، جمعا بين الحقين ، فانّ حق المجني عليه لا يسقط في العتق ، ولا في البيع ، فعلى هذا يقع العتق مراعى ، فان استرقه تبيّن بطلانه ، وإن رضي على مال تبيّن الصحة ، وفي البيع إن استوفى منه واسترقه ، رجع المشتري على البائع إن كان جاهلا ، لا إن كان عالما.
__________________
(١) في « م » : رهنا خ.
(٢) المبسوط ٢ : ١٣٥ ، والخلاف ٢ : ٣١ مسألة ١٩٧ كتاب البيوع.
(٣) قال الجوهري في الصحاح ٤ : ١٦٣٦ « بقل » : أبقلت الأرض : خرج بقلها. قال عامر ابن جوين الطائي :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
ولم يقل أبقلت لأنّ تأنيث الأرض ليس بتأنيث حقيقي.
فيضمن المولى حينئذ أقلّ الأمرين من قيمته وأرش الجناية على رأي ، ثم للمجني عليه خيار الفسخ إن عجز عن أخذ الفداء ، ما لم يجز البيع أولا.
فروع :
أ : لو باع الآبق منضما إلى غيره ولم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع بشيء ، وكان الثمن في مقابلة المنضم.
______________________________________________________
قوله : ( فيضمن المولى حينئذ أقلّ الأمرين من قيمته ، وأرش الجناية ، على رأي ).
هذا أصح ، خلافا للشيخ ، حيث أوجب الأرش مطلقا ، كائنا ما كان (١) ، فإن الأرش لو زاد على القيمة لم يجب سواها ، إذ لا يجني الجاني على أكثر من نفسه.
قوله : ( لو باع الآبق منضما إلى غيره ، ولم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشيء ).
هذا هو المشهور ، وقال السيد المرتضى : لا يشترى وحده ، إلاّ إذا كان يقدر عليه المشتري (٢). ورواية سماعة (٣) تشهد للأول ، وفيها ضعف ، فقول السيد جيد ، واختاره في المختلف (٤) ، وحيث شرطا الضميمة فلا بد أن يكون مما يصح افراده بالبيع ، وإنما لم يرجع على البائع بشيء مع عدم الظفر ، للرواية الصحيحة ، ولانه دخل على ذلك.
قوله : ( وكان (٥) الثمن في مقابلة المنضم ).
هكذا عبارات الأصحاب وعبارة الرواية (٦) ، ويشكل بأن البيع إنما وقع
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٣١ مسألة ١٩٧ كتاب البيوع ، و ٣ : ٩٥ مسألة ٥ كتاب الجنايات.
(٢) الانتصار : ٢٠٩.
(٣) الكافي ٥ : ٢٠٩ حديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ٦٩ ، ١٢٤ حديث ٢٩٦ ، ٥٤٠.
(٤) المختلف : ٣٧٩.
(٥) في « م » : ولو كان ، وما أثبتناه من خطية القواعد ، وهو الصحيح.
(٦) هي رواية سماعة السابقة.