الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧
وبيع النحل مع المشاهدة وإمكان التسليم ، وبيع الماء والتراب والحجارة وإن كثر وجودها.
ويحرم بيع الترياق لاشتماله على الخمر ولحم الأفاعي ، ولا يجوز شربه للتداوي ، إلاّ مع خوف التلف.
______________________________________________________
ضابطه إن شاء الله تعالى.
قوله : ( وبيع النحل مع المشاهدة وإمكان التسليم ).
المراد بالمشاهدة له : من حيث الجملة ، بحيث يعلم قلّته من كثرته ، وترتفع الجهالة عن قدره ، وإن لم يشاهد كل واحدة واحدة ، فلو ستر بعضه ببعض فلم ير ذلك البعض ، لكن شاهد الجملة كفى في صحة البيع ، ولو بيعت في كوّاراتها (١) صح مع المشاهدة ، ويدخل ما فيها من العسل تبعا ، كاللبن في الضرع إذا بيعت الشاة ، وكأساس الحائط مع بيعه ، كذا ذكره المصنف في المنتهى (٢). ولا بد من إمكان التسليم كغيره من المبيعات.
قوله : ( وبيع الماء والتراب ... ).
ولو على الشاطئ ، وحيث يحفر التراب ، لأنهما متمولان.
قوله : ( ويحرم بيع الترياق ).
هو بكسر التاء : مركب معروف يشتمل على الخمر ولحوم الأفاعي ، فيحرم بيعه لذلك ، فانّ هذا المركب لا يعد مالا ، لأن بعضه من الأعيان النجسة والمحرمة فلا يقابل بالمال ، لكن الترياق عند الأطباء قد يخلو من هذين فيجوز بيعه قطعا ، بخلاف ما اشتمل على أحدهما وإن أمكن الانتفاع به في المحلل ، كالطّلاء والضماد الضروري ، لكن لو اضطر إليه فلم يمكن تحصيله إلاّ بعوض ، كان افتداء لا بيعا.
قوله : ( ولا يجوز شربه للتداوي إلاّ مع خوف التلف ).
__________________
(١) قال الجوهري في الصحاح ٢ : ٨١٠ ( كور ) : كوّارة النحل : عسلها في الشمع.
(٢) المنتهى ٢ : ١٠١٧.
أما السمّ من الحشائش والنبات ، فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به ، وإلاّ فلا.
وفي جواز بيع لبن الآدميات نظر ، أقربه الجواز.
ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز جاز مع علم المشتري ، وإلاّ تخير.
الرابع : ما نصّ الشرع على تحريمه عينا : كعمل الصور المجسمة ،
______________________________________________________
لاشتماله على الخمر ، ولا يجوز شربها للتداوي ونحوه ، إنما يجوز عند خوف التلف.
قوله : ( أما السّم من الحشائش والنبات ، فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به ، وإلاّ فلا ).
النبات أعمّ من الحشائش ، لصدقه على ما له ساق ، ولا وجه لتقييد السّم بكونه من الحشائش والنبات ، لأن السم من المعادن أيضا كذلك.
قوله : ( وفي جواز بيع لبن الآدميات نظر ، أقربه الجواز ).
ما قربه أقرب ، لأنه عين طاهرة على الأصح ، ينتفع بها نفعا محللا مقصودا.
قوله : ( ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز جاز مع علم المشتري ، وإلا تخير ).
قيل : لا دخل لهذه المسألة هنا.
قلنا : بل علاقتها توهم كون مثل هذه الدار مما لا ينتفع بها ، فأراد دفع هذا التوهم ، لأنها في حدّ ذاتها ينتفع بها ، وإن تعذر أو تعسّر النفع باعتبار أمر عارضي ، وهو : فقد المسلك ، مع إمكان تحصيله من الجيران بنحو عارية واستئجار. وأراد المصنف بقوله : ( جاز ) اللزوم ، بقرينة قوله : ( وإلاّ تخير ).
قوله : ( الرابع : ما نص الشارع على تحريمه عينا ).
أي : بخصوص عينه لا باعتبار مقصوده.
قوله : ( كعمل الصور المجسمة ).
والغناء وتعليمه واستماعه ، وأجر المغنية ، وقد وردت رخصة في إباحة
______________________________________________________
المتبادر من المجسمة : ما يكون لها جسم يحصل له ظلّ إذا وقع عليه ضوء ، ولا ريب في تحريم هذا القسم إذا كان من صور ذوات الأرواح ، وإن كانت عبارة الكتاب مطلقة.
وهل يحرم غير المجسمة كالمنقوشة على الجدار والورق؟ عمّم التحريم بعض الأصحاب (١) ، وفي بعض الأخبار ما يؤذن بالكراهية (٢) ، ولا ريب أنّ التحريم أحوط ، وهذا فيما له روح ، أما غيره كالشجر ، فيظهر من كلام بعض الأصحاب التحريم ، حيث حرم التماثيل وأطلق (٣). والمعتمد العدم ، والظاهر عدم الفرق فيه بين المجسّم وغيره ، فتكون الأقسام أربعة : أحدها : محرم إجماعا ، وباقي الأقسام :مختلف فيها ، لا كما يوجد في بعض الحواشي (٤).
قوله : ( والغناء ).
هو : ممدود ، والمراد به على ما في الدروس : مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب (٥). وليس مطلق مد الصوت محرما وإن مالت القلوب إليه ، ما لم ينته إلى حيث يكون مطربا بسبب اشتماله على الترجيع المقتضي لذلك ، واستثني من الغناء : الحداء ، وفعل المرأة له في الأعراس بشروطه الآتية ، واستثنى بعضهم مراثي الحسين عليهالسلام كذلك.
قوله : ( وتعليمه ).
وكذا تعلّمه.
قوله : ( وقد وردت رخصة ... ).
__________________
(١) منهم : ابن البراج في المهذب ١ : ٣٤٤ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٠٦.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٨١ حديث ١١٢٢.
(٣) منهم : أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ٢٨١ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٤٤.
(٤) قال السيد العاملي في المفتاح ٤ : ٤٧ : في حاشية الإرشاد وحاشية الميسي. ان الصور خاصة بالحيوان ، وان التمثال يشمل الحيوان والأشجار ، والأكثر لم يفرقوا.
(٥) الدروس : ١٩٠.
أجرها في العرس ، إذا لم تتكلم بالباطل ، ولم تلعب بالملاهي ، ولم يدخل الرجال عليها.
ويحرم أجر النائحة بالباطل ، ويجوز بالحق.
والقمار حرام ، وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالجوز والخاتم ،
______________________________________________________
العمل على الرخصة وموردها ، فلا يرخص في غناء الرجال ، والمراد من عدم دخول الرجال عليها : عدم سماعهم صوتها ـ للقطع بالتحريم ـ وإن لم يدخلوا عليها ، وذلك إذا كانوا أجانب ، ويحتمل العموم لإطلاق النص (١).
وإنما يحرم من الملاهي ما لا يجوز مثله في العرس ، فالدّف الذي لا صنج فيه ولا جلاجل له يجوز لعبها به على الظاهر ، لاستثنائه.
قوله : ( ويحرم أجر النائحة بالباطل ، ويجوز بالحق ).
بشرط عدم آلات اللهو ، وعدم سماع الرجال الأجانب صوتها.
قوله : ( والقمار حرام ).
أي : عمله ، وهو : اللعب بالآلات المعدة له على اختلاف أنواعها ، من الشطرنج والنرد وغير ذلك ، وأصل القمار : الرهن على اللعب بشيء من هذه الأشياء ، وربما أطلق على اللعب بها مطلقا ، ولا ريب في تحريم اللعب بذلك وإن لم يكن رهن ، والاكتساب به ، وبعمل آلاته.
قوله : ( وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالجوز ).
أي : ويحرم ما يؤخذ به كما ذكرنا ، حتى ما يؤخذ بلعب الصبيان بالجوز والخاتم ، فلا يجوز لوليّهم التصرف فيه ، بل ولا تمكينهم من أخذه ، بل يجب عليه دفعه إلى مالكه ، لبقائه على ملكه.
ويمكن أن يكون مراد العبارة : ويحرم القمار حتى لعب الصبيان إلى آخره ،
__________________
(١) الكافي ٥ : ١١٩ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ٩٨ حديث ٣٧٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٨ حديث ١٠٢٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٢ حديث ٢٠٧.
والغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء ، وتدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام ، ومعونة الظالمين في الظلم ،
______________________________________________________
فتكون حتى عاطفة على القمار ، والعبارة على هذا المعنى أدلّ ، إلاّ أنّ إطلاق التحريم على هذا القسم مشكل ، لأن فعل الصبي لا يوصف بالحرمة ولا بغيرها من الأحكام الشرعية ، إلا أن يأوّل : بأنّ تكليف التحريم وغيره في ذلك يتعلق بالوليّ.
قوله : ( والغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء ).
للنهي عنه (١) ، واحترز به عن الغش بما لا يخفى ، كخلط رديء الحنطة بجيدها ، فإنه لا يحرم وإن كره. وأما حال البيع في الفرض الأول فيمكن صحته ، لأن المحرّم هو الغش ، وأما المبيع فإنه عين منتفع بها يعد مالا ، فيصح.
ويمكن الحكم بالبطلان ، لأن المقصود بالبيع هو اللبن ، والجاري عليه هو المشوب ، وفي الذكرى في باب الجماعة ما حاصله : لو نوى الاقتداء بإمام معين على أنه زيد فظهر عمرا ، أنّ في الحكم نظر ، قال : ومثله ما لو قال : بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار ، وجعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف (٢).
قوله : ( وتدليس الماشطة ).
بتحمير الوجه ، وتزيين الخد ، ونقش اليد والرجل ، ووصل الشعر ، ولو أذن الزوج فليس تدليسا.
قوله : ( وتزيين الرجل بالحرام ).
وتزيين المرأة به أيضا كذلك ، كما لو لبس كل منهما زينة الآخر ، وتزين كل منهما كتزيين غيره إياه ، ولعل مراد العبارة ما يشمله ، بأن يكون المراد : تزيين نفسه وتزيين غيره إياه.
قوله : ( ومعونة الظالمين في الظلم ).
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٦٠ باب الغش ، التهذيب ٧ : ١٢ حديث ٥٢ ، ٥٣.
(٢) الذكرى : ٢٧١.
وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة ، ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما ، وأخذ الأجرة عليهما ، وهجاء المؤمنين ،
______________________________________________________
حتى في بري القلم ، لا في غير الظلم.
قوله : ( وحفظ كتب الضلال ).
أي : حفظها في الصدر ، أو حفظها بمعنى : صيانتها عن أسباب التلف ، والظاهر عدم الفرق في كتب الضلال بين كتب الأصول والفروع ، لأن ابتناء فروعها على الأصول الفاسدة. ويجوز إتلاف ما كان موضع الضلال من الكتاب دون غيره ، مع المحافظة على بقاء ما يعدّ مالا من الورق والجلد ، إذا كان من أموال المسلمين أو المنتمين إلى الإسلام ، دون إتلاف الجميع قطعا.
قوله : ( لغير النقض أو الحجّة ).
أي : نقض مسائل الضلال ، أو الحجة على مسائل الحق من كتب الضلال ، وظاهره حصر جواز الحفظ والنسخ في الأمرين ، والحق أن فوائده كثيرة ، فلو أريد : نقل المسائل ، أو الفروع الزائدة ، أو معرفة بعض أصول المسائل ، أو الدلائل ، ونحو ذلك جاز الحفظ والنسخ أيضا ، لمن له أهلية النقض لا مطلقا ، لأن ضعفاء البصيرة لا يؤمن عليهم خلل الاعتقاد.
قوله : ( ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما ... ).
هذان من كتب الضلال ، بل من رؤوسهما لكونهما محرفين ، فكان يغني عنه ما سبق ، وكأنه أراد التنبيه على انهما في أصلهما ما كانا ضلالا ، أو أنّ المنسوخ بعد النسخ يخرج عن كونه حقا.
قوله : ( وهجاء المؤمنين ).
هو بكسر الهاء والمد : ذكر المعايب بالشعر ، وبقيد المؤمنين يفهم عدم تحريم هجاء غيرهم ، وليس ببعيد ، لأن غير المؤمن يجوز لعنه ، فكيف تناول عرضه بما يقتضي إهانته؟!
والغيبة ، والكذب عليهم ، والنميمة ، وسب المؤمنين ، ومدح من يستحق الذم وبالعكس ،
______________________________________________________
قوله : ( والغيبة ).
هي : بكسر الغين المعجمة ، وحدّها على ما في الأخبار : أن يقول المرء في أخيه ما يكرهه ـ لو سمعه ـ مما فيه (١) ، وكذا ما في حكم القول : من الإشارة باليد وغيرها من الجوارح ، أو التحاكي بفعله أو قوله كمشية الأعرج. وقد يكون بالتعريض ، مثل قول القائل : أنا لا أفعل كذا معرضا بمن يفعله ، ولو قال ذلك فيه بحضوره فتحريمه أغلظ ، وإن كان ظاهرهم أنه ليس غيبة.
وضابط الغيبة : كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن والتفكه به ، أو إضحاك الناس منه. فأما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم : كنصيحة المستشير ، والتظلم وسماعه ، والجرح والتعديل ، ورد من ادّعى نسبا ليس له ، والقدح في مقالة أو دعوى باطلة خصوصا في الدين ، وغير ذلك.
ويوجد في كلام بعض الفضلاء : أن من شرطها أن يكون متعلّقها محصورا ، وإلاّ فلا تعد غيبة ، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد مثلا يعد غيبة ، لم يحتسب غيبة.
قوله : ( والكذب عليهم ).
فان الكاذب ملعون ، وعلى المؤمنين أشد ، وعلى الله ورسوله والأئمة عليهمالسلام أعظم. ولو اقتضت المصلحة الكذب وجبت التورية.
قوله : ( وسبّ المؤمنين ).
وذلك بإسناد ما يقتضي نقصه ، مثل الوضيع والناقص ونحو ذلك ، إلاّ لمن يستحق الإهانة ، كما سيجيء في باب القذف.
قوله : ( ومدح من يستحق الذم وبالعكس ).
المراد : مدح من يستحق الذم من الوجه الذي يستحق به الذم ، وكذا
__________________
(١) أمالي الشيخ الطوسي ٢ : ١٥٠.
والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ، وتعلّم السحر وتعليمه.
______________________________________________________
عكسه ، أما إعطاء الشخص الواحد حقه من المدح والذم باعتبار مقتضاهما فإنه يحسن ، ولا يبعد أن يقال بتحريم مدح من يستحق الذم وإن لم يكن من الوجه الذي يستحق به الذم إذا فهم السامع منه كونه ممدوحا ، لما فيه من إيهام الباطل ، وإنما ذكر هذا بخصوصه وإن كان نوعا من الكذب ، لأنه أغلظ من غيره ، ولما في ذم من يستحق المدح من زيادة إيذائه (١).
قوله : ( والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة ).
المراد به : ذكر محاسنها وشدة حبها ونحو ذلك بالشعر ، ويقال : النسيب أيضا ، وانما يحرم بقيود :
أ : كونها معينة معروفة وإن لم يعرفها السامع إذا علم أنه قصد معينة ، لما فيه من هتك عرضها ، أما إذا لم يقصد مخصوصة فلا بأس.
ب : كونها مؤمنة ، فلا يحرم بنساء أهل الحرب ، وأما نساء أهل الذمة فظاهر التقييد بالمؤمنة يقتضي الحلّ ، والظاهر العدم ، لأن النظر إليهنّ بريبة حرام ، فهذا أولى ، ونساء أهل الخلاف أولى بالتحريم ، لأنهن مسلمات.
ج : كونها محرّمة ، أي : في الحال وإن لم يكن مؤبدا ، ولم يذكره المصنف.
فمتى انتفى واحد من الثلاثة لم يحرم ، وإذا شك في حصولها لا يحرم الاستماع ، واما التشبيب بالغلام فحرام على كل حال ، لأنه محض فحش مقرب للمفسدة.
قوله : ( وتعلّم السحر وتعليمه ).
قال في الدروس : إن تعلّمه للاحتراز منه وللفرق بينه وبين المعجز جائز ، وربما وجب (٢). وليس ببعيد إن لم يلزم منه التكلم بمحرم أو فعل ما يحرم.
__________________
(١) هذه الفقرة من ( ومدح من ) الى هنا كانت مقدمة على قوله : ( وسب المؤمنين ... ) ، فرتبناها حسب ما في القواعد.
(٢) الدروس : ٣٢٧ ، وفيه : ... اما علمه ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا ، وربما وجب على الكفاية ليدفع المتنبئ بالسحر.
وهو : كلام يتكلّم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ، والأقرب أنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل ، وعلى كلّ تقدير لو استحلّه قتل.
______________________________________________________
قوله : ( وهو : كلام يتكلم به أو يكتبه ، أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة ).
الرقية بضم الراء : العوذة ، واعلم أن قوله : ( يؤثر في بدن المسحور ) إن كان قيدا في الجميع ، يخرج عن التعريف كثير من أقسام السحر التي لا تحدث شيئا في بدن أو قلب أو عقل ، أو بالأخير ، أعني قوله : ( أو يعمل شيئا ) يخرج عنه السحر بالعمل حيث لا يؤثر في شيء من المذكورات.
ومن السحر : عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها ، وإلقاء البغضاء بينهما ونحو ذلك.
قوله : ( أو يعمل شيئا ... ).
يندرج في ذلك : العقد ، والنفث ، والدخنة ، والتصوير. قال في الدروس : ومن السحر : الاستخدام للجن والملائكة ، والاستنزال للشياطين (١).
قوله : ( والأقرب أنه لا حقيقة له ، وإنما هو تخييل ).
المتبادر إلى الفهم أنّ المراد : كون المفعول المعدود سحرا ـ مثل : عمل الحياة ، وإظهار الطيران ونحو ذلك ـ لا حقيقة له في الواقع ، وإنما يخيل إلى الناظرين كونه واقعا.
والذي يستفاد من عبارة الشارح (٢) والمنتهى (٣) وكلامهم في باب الجنايات ، أن المراد به : أن ترتب شيء في بدن الإنسان وعقله والتفريق بين المرء وزوجه ونحو ذلك من الأمور المطلوبة بالسحر لا حقيقة لها ، وهو المفهوم من
__________________
(١) الدروس : ٣٢٧.
(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٧.
(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٤.
ويجوز حلّ السحر بشيء من القرآن أو الذكر أو الأقسام ، لا بشيء منه.
______________________________________________________
قولهم : لا تأثير للسحر.
والأول أوجه ، لأن تأثر الإنسان بالسحر غير موقوف على أنّ له حقيقة موجودة في الواقع ، لأن الأمور المخيلة ربما أثّرت بتوسط الوهم ، فان فعل الوهم أمر مقطوع به.
والحق : عدم القطع بأن له حقيقة أو لا حقيقة له ، والدلائل التي ذكروها من الجانبين لا دلالة فيها ، فان قوله تعالى ( يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ) (١) دال على ثبوت السحر ، وتخيل السعي لا على تخيل حقيقة السحر ، ومع ذلك فهذا لا يدل على أن جميع أفراد السحر ، إنما يحصل بها التخيل ، وقوله تعالى ( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ ) (٢) لا دلالة فيه أيضا ، لأن المراد من الإذن ليس هو الترخيص قطعا ، إذ لا معنى له في هذا المقام ، بل المراد منه : العلم والاطلاع ، كما يتبادر إلى الفهم ، ولا يضر كونه مجازا مع القرينة ، ومع ذلك فلا يدل على أنه لا حقيقة له ، وبناء الفقهاء [ في ] (٣) ثبوت القصاص على أنّ للسحر حقيقة غير ظاهر ، لجواز حدوث شيء في بدن الإنسان بسبب التخيل بتوسط الوهم ، فما قرّبه المصنف غير واضح.
ولا استبعاد في أن يكون لبعض أفراده حقيقة ووجود ، فانّا نرى عقد الشخص عن زوجته يمنعه من وطئها منعا ظاهرا ، وحينئذ فلو قتل إنسانا بسحره مقرّا بذلك قتلناه به ، إذ لا أقل من أن يكون ذلك بتسبّبه إلى فعل الوهم فيه ذلك.
قوله : ( ويجوز حل السحر ... ).
الأقسام : بفتح الهمزة جمع قسم ، ولا تمتنع قراءته بكسرها ، على أنه
__________________
(١) طه : ٦٦.
(٢) البقرة : ١٠٢.
(٣) لم ترد في « م » ووردت في الحجري وأثبتناها للسياق.
وتعلّم الكهانة حرام ، والكاهن : هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار ، ويقتل ما لم يتب.
والتنجيم حرام ، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال ، أو لها مدخل فيه.
______________________________________________________
مصدر أقسم.
قوله : ( وتعلم الكهانة ).
الظاهر أنها بكسر الكاف ، قال في الصحاح : يقال : كهن يكهن كهانة ، مثل : كتب يكتب كتابة ، إذا تكهن. وإذا أردت أنّه صار كاهنا قلت : كهن بالضم ، كهانة بالفتح (١).
قوله : ( والكاهن : هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار ).
رئيّ بوزن كميّ ، وهو : التابع للإنسان يتراءى له ، أي : هو موضع رأيه ، وقد تكسر راؤه اتباعا لما بعدها. قال ابن الأثير في النهاية : يقال للتابع من الجن :رئيّ بوزن كميّ ، وهو فعيل أو فعول ، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه ، [ أو ] (٢) هو من الرّأي ، من قولهم : فلان رئيّ قومه ، إذا كان صاحب رأيهم ، وقد تكسر راؤه لاتباعها ما بعدها (٣). ومثله قال في الفائق (٤).
قوله : ( والتنجيم حرام وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال أو لها مدخل فيه ).
قوله : ( مع اعتقاد تأثيرها ) قيد في التنجيم وتعلم النجوم ، والمراد من التنجيم : الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية التي مرجعها إلى القياس والتخمين ، فان كون الحركة معينة والاتصال
__________________
(١) الصحاح ( كهن ) ٦ : ٢١٩١.
(٢) في نسخة « م » والحجري : ( أي ) ، وما أثبتناه من النهاية ، وهو الصحيح.
(٣) النهاية ٢ : ١٧٨.
(٤) الفائق ٢ : ٢٢.
والشعبذة حرام ، وهي : الحركات السريعة جدا ، بحيث يخفى على الحسّ الفرق بين الشيء وشبهه ، لسرعة انتقاله من الشيء إلى شبهه.
______________________________________________________
المعين سببا لوجود ذلك ، إنما يرجع المنجمون فيه الى مشاهدتهم وجود مثله عند وجود مثلهما ، وذلك لا يوجب العلم بسببيتهما له ، لجواز وجود أمور أخرى لها مدخل في سببيّته لم تحصل الإحاطة بها ، فإنّ القوة البشرية لا سبيل لها إلى ضبطها ، ولهذا كان كذب المنجمين وخطؤهم أكثريّا. وقد ورد من صاحب الشرع النهي عن تعلم النجوم بأبلغ وجوهه ، حتى قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بحر أو بر ، فإنها تدعو إلى الكهانة ، [ و ] (١) المنجم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار » (٢).
إذا تقرر ذلك فاعلم : أن التنجيم ـ مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية ولو على جهة المدخلية ـ حرام ، وكذا تعلّم النجوم على هذا الوجه ، بل هذا الاعتقاد كفر في نفسه ، نعوذ بالله منه.
أما التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرز من الكذب فإنه جائز ، فقد ثبت كراهية التزوج وسفر الحج والقمر في العقرب ، وذلك من هذا القبيل. نعم هو مكروه ، لأنه ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد ، وقد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادة ، وتحريم الأجرة وعدمه تابع للفعل.
وحكى في الدروس عن بعض الأصحاب القول بتحريمه ، لما فيه من التعرض للمحظور ، ولأن أحكامه [ تخمينية ] (٣) لا تخلو من الكذب ، وأما علم الهيئة فلا كراهة فيه ، بل ربما كان مستحبا ، لما فيه من الاطّلاع على عظم قدرة الله تعالى ، ولا يحرم الرّمل إذا لم يقطع فيه بالمطابقة ، لأن ذلك غير مقطوع به ، فلا
__________________
(١) الواو لم ترد في « م » والحجري ، وأثبتناها من نهج البلاغة ، وهو الصحيح.
(٢) نهج البلاغة ـ تحقيق صبحي الصالح ـ : ١٠٥ خطبة ٧٩ ، وفيه : « إياكم وتعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر أو بحر ، فإنها تدعو إلى الكهانة. ».
(٣) في « م » : تخيلية ، وما أثبتناه من الدروس ، وهو الأصح.
والقيافة حرام.
ويحرم بيع المصحف ، بل يباع الجلد والورق ، ولو اشتراه الكافر فالأقرب البطلان ، ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن.
وتحرم السرقة والخيانة وبيعهما ، ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلاّ أن يقيم البينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله.
______________________________________________________
يجوز اعتقاده ، وإنما يجوز إذا عدّه قالا ، وقد كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يحب الفال ويكره الطيرة (١) (٢).
قوله : ( والقيافة حرام ).
وهي : إلحاق الأنساب بما يزعم أنه يعلمه من العلامات ، أو إلحاق الآثار إذا رتّب عليه محرّما ، أو جزم بنسبه من زعم علمه بكونه أثره.
قوله : ( ويحرم بيع المصحف ... ).
للنصوص في الكتاب والسنة (٣).
قوله : ( ولو اشتراه الكافر فالأقرب البطلان ).
هذا أصح ، لانتفاء الصلاحية في أحد أركان البيع فيفسد ، وقيل : يصح ويؤمر ببيعه (٤).
قوله : ( ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلاّ أن يقيم بينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله ).
هذا قول الشيخ (٥) ، معوّلا على ما رواه أبو عمرو السراج ، عن أبي عبد الله
__________________
(١) الدروس : ٣٢٧.
(٢) راجع سفينة البحار ٢ : ١٠٢ ، وحياة الحيوان الكبرى للدميري ٢ : ٩٨.
(٣) الكافي ٥ : ١٢١ باب بيع المصاحف ، التهذيب ٦ : ٣٦٥ حديث ١٠٤٩ ، ١٠٥١.
(٤) قال العاملي في المفتاح ٤ : ٨٣ : ولم أجد القائل بصحة البيع وإجباره على بيعه ، نعم قد قيل ذلك في العبد المسلم فتأمل ، ولعل الفرق ان القرآن أعظم حرمة.
(٥) النهاية : ٤٠١.
ولو اشترى به جارية أو ضيعة ، فإن كان بالعين بطل البيع ، وإلاّ حلّ له وطء الجارية وعليه وزر المال.
ولو حجّ به مع وجوب الحج بدونه برئت ذمته ، إلاّ في الهدي إذا ابتاعه بالعين المغصوبة ، أما لو اشتراه في الذمة جاز.
ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب ، أو على الدابة المغصوبة بطلا.
______________________________________________________
عليهالسلام (١) ، وقال ابن إدريس : الضمان ثابت على كل حال بعد ثبوت كونها سرقة ، ولكن الرجوع على بائعها مشروط بثبوت كونه بائعا وعدم علمه بكونها سرقة (٢) ، ونزّل كلام الشيخ على ذلك ، وحسّنه المصنف في المنتهى (٣).
وتحرير المسألة : أنّ المراد من ضمانها إن كان : ردّها إلى مالكها ، فلا كلام في وجوب ردّها على كل حال ، سواء علم بكونها سرقة أولا ، وإن كان المراد : ضمان قيمتها إذا تلفت وكانت قيمية ، فكذلك ، وليس له الرجوع بها ، لأن التلف في يده وهو مضمون ، وإن كان المراد : رجوعه بالثمن ، فمع بقاء العين يرجع ، سواء كان عالما أو جاهلا ، ومع تلفها يرجع بعوضها إذا لم يكن عالما بالحال.
وأما ما يتبع العين من المنافع التي استوفاها من لبن ونحوه ، ففي رجوعه بها مع الجهل قولان ، أصحهما الرجوع معه لا مع العلم ، وكذا القول في الأجرة.
قوله : ( وعليه وزر المال ).
أي : ضمانه والإثم.
قوله : ( ولو حج به مع وجوب الحج بدونه برئت ذمته ، إلاّ في الهدي إذا ابتاعه بالعين المغصوبة ... ).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٢٩ حديث ٧.
(٢) السرائر : ٢٣٣.
(٣) المنتهى ٢ : ١٠١٥.
والتطفيف حرام في الكيل والوزن ، ويحرم الرّشا في الحكم وإن حكم على باذله بحق أو باطل.
الخامس : ما يجب على الإنسان فعله يحرم الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، نعم لو أخذ الأجر على المستحب منه فالأقرب جوازه.
______________________________________________________
إنما قيد بوجوب الحج بدونه ، لانتفاء أصل الوجوب بدون ذلك ، إذ المغصوب لا تتحقق معه الاستطاعة ، فلا يحصل به وجوب الحج ، فلا يسقط فعل وجوب الحج بالاستطاعة المتجددة ، وإنما لا تبرأ ذمته من الهدي إذا اشتراه بعين المغصوب ، لانه نسك وعبادة ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد ، ومثله الطواف والسعي في الثوب المغصوب ، أما الإحرام فيه فلا ، لأن لبس الثوبين ليس شرطا فيه ، وعلى القول باشتراطه يتجه الفساد.
قوله : ( ويحرم الرّشا في الحكم ... ).
أجمع أهل الإسلام على تحريم الرّشا في الحكم ، سواء حكم بحق أو باطل ، للباذل أو عليه ، وفي الأخبار عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم : انه الكفر بالله عز وجل وبرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
قوله : ( ما يجب على الإنسان فعله يحرم الأجر عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، نعم لو أخذ الأجرة على المستحب منها فالأقرب جوازه ).
أي : من هذه الأمور ، كتكفين القدر المندوب ، وحفر ما زاد على الواجب ، للأصل ، ولأنه فعل سائغ ، فجاز أخذ الأجرة عليه كالحج والصلاة. وقال ابن
__________________
(١) الكافي ٧ : ٤٠٩ حديث ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ حديث ٥٢٦.
وتحرم الأجرة على الأذان وعلى القضاء ، ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.
______________________________________________________
البراج : لا يجوز لإطلاق النهي (١) ، وعن المرتضى : جواز الأجرة على الواجب ، بناء على اختصاص الوجوب بالولي (٢).
قوله : ( وتحرم الأجرة على الأذان وعلى القضاء ).
أمّا الأذان ، ففي بعض الأخبار ما يقتضي تحريمه (٣) ، وللإجماع ، ولا فرق في التحريم بين أخذ ذلك من أهل البلد أو المحلة ومن السلطان ، وهل يحرم بذلك أذانه؟ قال ابن البراج : يحرم (٤) ، ووجّهه المصنف في المختلف بأنّ الأذان على هذا الوجه غير مشروع فيكون بدعة (٥).
وأما القضاء ، فللنص (٦) ، والإجماع ، ولا فرق بين أخذ الأجرة من المتحاكمين أو من السلطان أو أهل البلد ، عادلا كان أو جائرا ، سواء كان المأخوذ بالإجارة أو الجعالة أو الصلح ، وأطلق بعض الأصحاب جواز الأخذ (٧) ، والمصنف في المختلف قال : إن تعين القضاء عليه ، إما بتعيين الامام عليهالسلام ، أو بفقد غيره ، أو بكونه الأفضل وكان متمكّنا لم يجز الأجر عليه ، وإن لم يتعين ،
__________________
(١) المهذب ١ : ٣٤٥ ، وعبارته مطلقه.
وقال فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٤٠٨ : أطلق ابن البراج القول بالتحريم لعموم النهي عن أخذ أجرة التغسيل ، وهو يشمل الواجب والمندوب. وفي المفتاح ٤ : ٩٥ : ... ثم ان حكاية جامع المقاصد والمسالك عن القاضي غير صحيحة حيث قالا : وخلافا لابن البراج ، والموجود من كلامه في المختلف انما هو الإطلاق كما حكى في الإيضاح. راجع المختلف : ٣٤٢ في نقله عبارة ابن البراج.
(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٤ : ٩٢.
(٣) الفقيه ٣ : ١٠٩ حديث ٤٦١ ، التهذيب ٢ : ٢٨٣ حديث ١١١٩ ، و ٦ : ٣٧٦ حديث ١٠٩٩ ، الاستبصار ٣ : ٦٥ حديث ٢١٥.
(٤) المهذب ١ : ٣٤٥.
(٥) المختلف : ٣٤٢.
(٦) الكافي ٧ : ٤٠٩ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٢ حديث ٥٢٧.
(٧) منهم : المفيد في المقنعة : ٩٠.
ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك ، ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وأدائها.
خاتمة تشتمل على أحكام :
أ : تلقي الركبان مكروه على رأي ،
______________________________________________________
أو كان محتاجا فالأقرب الكراهة (١). هذا لفظه ، فان أراد بالأجرة المأخوذة : ما يعمّ المتحاكمين فمشكل ، لأنه رشوة ، وكذا إن أراد : عدم الأخذ من بيت المال مع التعيّن مطلقا ، والأقوى المنع مطلقا ، إلاّ من بيت المال خاصة ، فيتقيد بالحاجة.
قوله : ( ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح ).
إنما يجوز إذا كان وكيلا لأحد الزوجين أو لهما ، فيتولى الصيغة ويكون وكيلا بجعل ، أما إلقاء الصيغة على المتعاقدين فلا يجوز أخذ الأجرة عليه إجماعا ، لأنه من الواجبات الكفائية ، وكذا باقي العقود.
قوله : ( والخطبة في الإملاك ).
الخطبة بالضم : ما اشتمل على حمد الله والصلاة على رسوله وآله صلوات الله عليهم ، والإملاك بكسر الهمزة : التزويج ، والزوج مملك بفتح اللاّم. وأما الخطبة بكسر الخاء : فهو طلب المرأة من وليّها ونحوه.
قوله : ( وتحرم الأجرة على الإمامة والشهادة ... ).
المراد : إمامة الناس في الصلوات من غير فرق بين الواجبة والمندوبة ، ويجوز الارتزاق من بيت المال. وأمّا الشهادة تحمّلا وإقامة ، فلأنها من الواجبات إما العينية أو الكفائية.
قوله : ( خاتمة تشتمل على أحكام : الأول : تلقي الركبان مكروه على رأي ).
هي : جمع ركب ، والأصح التحريم ، لثبوت النهي في النصوص (٢).
__________________
(١) المختلف : ٣٤٢.
(٢) الكافي ٥ : ١٦٨ حديث ١ ، ٢ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٨ حديث ٦٩٦ ، ٦٩٧ ، ٦٩٩.
وهو : الخروج إلى الرّكب القاصد إلى بلد للشراء منهم من غير شعور منهم بسعر البلد ، وينعقد.
ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون على الفور على رأي ، ولا فرق بين الشراء منهم والبيع عليهم.
______________________________________________________
قوله : ( وهو : الخروج إلى الرّكب القاصد إلى بلد للشراء منهم ، من غير شعور منهم بسعر البلد ).
لا يخفى أنّه ليس المراد بالخروج مطلقه ، بل ما كان أربعة فراسخ فما دون ، لما سنذكره ، وكذا القول في التقييد بالشراء منهم ، فانّ الحكم يعمّ البيع عليهم والشراء منهم كما سنذكره ، وهل يعم التلقي الصلح وغير ذلك من العقود المملكة؟ لا أعلم فيه تصريحا لأحد بشيء ، والتعليل يقتضي التحريم.
قوله : ( وينعقد ).
هذا قول أكثر علماء الإسلام ، فإن النهي عن وصف خارج عن أركان البيع.
قوله : ( ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون ).
المراد به : ما لا يتغابن به في العادة ، أي : لا يتسامح بمثله ، والخيار للبائع إن اشتري منهم ، وللمشتري إن باع عليهم.
قوله : ( على الفور على رأي ).
اقتصارا على مقدار الضرورة في مخالفة لزوم البيع ، والاستصحاب يقتضي (١) عدم الفورية ، والأول أولى ، لأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة ، وإلاّ لم ينتفع بعمومه.
قوله : ( ولا فرق بين الشراء منهم ، والبيع عليهم ).
أي : في الأحكام كلها.
__________________
(١) وردت في « م » بعد ( يقتضي ) كلمة ( لزوم ) وحذفناها لعدم مناسبتها المقام.
ولا يكره لو وقع اتّفاقا ، ولا إذا كان الخروج لغير المعاملة ، وحدّه أربعة فراسخ ، فان زاد لم يكن تلقيا.
والنجش حرام ، وهو : الزيادة لزيادة من واطاه البائع ، ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون على الفور على رأي.
______________________________________________________
قوله : ( ولا يكره لو وقع اتفاقا ، ولا إذا كان الخروج لغير المعاملة ).
نفي الكراهة هنا ملحوظ فيه أنه مختار المصنف في أصل المسألة.
قوله : ( والنجش حرام ).
بالإجماع ، وهو : بالنون المفتوحة والجيم الساكنة.
قوله : ( وهو : الزيادة لزيادة من وواطاه البائع ).
ليس هذا التعريف بجيد ، لأن النجش هو : الفعل الذي تحصل به الزيادة في المثمن لا نفس الزيادة ، فإنّها لا تحرم قطعا ، بل التعريف الصحيح : أنّه الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها ، بمواطاة البائع له على ذلك لإيقاع غيره ، وهو :غش وخداع ، وحقه أن تحرم الزيادة لذلك ، وإن لم تكن بمواطاة البائع للغش والخداع.
وهل المواطاة على ترك الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل مثلها؟ لا أعلم فيه شيئا ، والأصل العدم ، نعم يثبت الخيار لو ظهر غبن.
قوله : ( ومع الغبن الفاحش يتخير المغبون ).
لا فرق في ثبوت الخيار مع الغبن ، بين أن يكون النجش بمواطاة البائع ، أو لم يكن ، وكذا لو قال البائع : أعطيت في هذه السلعة كذا فصدّقه المشتري ، فانّ له الخيار ولا يأثم البائع ، إلاّ أن يكون كاذبا.
قوله : ( على الفور ... ).
الحكم كما سبق.
ب : يحرم الاحتكار على رأي ، وهو : حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ،
______________________________________________________
قوله : ( يحرم الاحتكار على رأي ).
هذا مذهب الصدوق في البيع (١) وابن البراج (٢) ، وهو الأصح ، لقوله عليهالسلام : « المحتكر ملعون » (٣). وذهب الشيخ في المبسوط (٤) والمفيد (٥) [ إلى ] (٦) أنه مكروه ، وهو أحد قولي أبي الصّلاح في الكافي (٧) ، لقول الصادق عليهالسلام : « يكره أن يحتكر الطعام » (٨) الحديث ، وجوابه : القول بالموجب ، لأن المكروه أحد معاني الحرام ، وقد دلّ استحقاق اللعن على التحريم ، وكذا قوله عليهالسلام في السند الصحيح : « لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ » (٩) فانّ المفهوم من الخاطئ فاعل المحرّم.
قوله : ( وهو : حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ).
في رواية : « والزيت » (١٠) ، ولا بأس بها ، ولا يتحقق الاحتكار في غير ذلك ، نعم لو اضطرّ الناس إلى ما سواها كان الحكم كما في المخمصة ، وما دام لا يبلغ حد الضرورة فلا يحرم ولا إثم.
__________________
(١) المقنع : ١٢٥.
(٢) المهذب ١ : ٣٤٦.
(٣) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٥١ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٤.
(٤) المبسوط ٢ : ١٩٥.
(٥) المقنعة : ٩٦.
(٦) لم ترد في « م » والحجري ، وأثبتناها لعدم استقامة العبارة بدونها.
(٧) الكافي في الفقه : ٢٨٣.
(٨) الكافي ٥ : ١٦٥ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٠ حديث ٧٠٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٥ حديث ٤١١.
(٩) الفقيه ٣ : ١٦٩ حديث ٧٤٩ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠١ ، الاستبصار ٣ : ١١٤ حديث ٤٠٣.
(١٠) الكافي ٥ : ١٦٤ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٦٨ حديث ٧٤٤ ، التهذيب ٧ : ١٥٩ حديث ٧٠٤.