الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧
أما الضّال فيمكن حمله على الآبق لثبوت المقتضي ، وهو : تعذر التسليم ، والعدم لوجود المقتضي لصحة البيع ، وهو : العقد ، فعلى الأول يفتقر إلى الضميمة ـ ولو تعذر تسليمه كان الثمن في مقابلة الضميمة ـ وعلى الثاني
______________________________________________________
عليهما معا ، فكيف يكون الثمن في مقابلة أحدهما خاصة؟ فلعل المراد كون الثمن في مقابل الضميمة باعتبار ما حصل للمشتري ، وثبتت عليه يده لا باعتبار الملك.
وتظهر الفائدة لو أعتقه ، ويبعد القول بعدم دخوله في الملك مع صحة جريان المعاوضة عليه ، إذ مقتضى الصحة ترتب الأثر ، والفساد فيه الرجوع بحصته من الثمن ، والقول بدخوله في الملك متين ، والرواية وعبارات الأصحاب منزلة على ضرب من المجاز على معنى كان الثمن في مقابلة الضميمة.
لكن تشكل المسألة بما لو كانت الضميمة من غير مالك الآبق ، فانّ استحقاق صاحب الضميمة جميع الثمن معلوم البطلان ، لما قلناه من أنه خلاف مقتضى المعاوضة ، واستحقاق البعض يقتضي البطلان في الآبق ، وهو خلاف إطلاق النصوص.
ويندفع بعدم الصحة في هذه الصورة من رأس ، لأنّ الضميمة إنما هي لتملك الثمن كله ، وفي الصورة المذكورة يمتنع ذلك فتمتنع الصحة.
قوله : ( أما الضال فيمكن حمله على الآبق ، لثبوت المقتضي ، وهو تعذر التسليم ... ).
المراد : حمله عليه في اعتبار الضميمة ، وليس المراد بالحمل عليه : القياس في لحوقه حكمه ، بل مساواته له في الحكم بالدليل الذي ذكره. ويمكن احتمال آخر ، وهو عدم الصحة مطلقا ، لانتفاء شرط الصحة ، وهو إمكان التسليم ، والحمل على الآبق قياس ، ولم أجد بالاحتمال الثالث تصريحا.
فيمكن أن يقال : اشتراط القدرة على التسليم في الجملة ، لا مطلقا ، وإلا لامتنع مجيء احتمال الصحة هنا مطلقا ، أو مع الضميمة ، للإجماع على اشتراط هذا الشرط.
لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه ، إلاّ مع الاسقاط.
ب : لو باع المغصوب وتعذّر تسليمه لم يصحّ ، ولو قدر المشتري على انتزاعه دون البائع فالأقرب الجواز ، فان عجز تخير.
وكذا لو اشترى ما يتعذّر تسليمه إلاّ بعد مدة ولم يعلم المشتري كان له الخيار.
______________________________________________________
فان قلت : فيلزم جواز بيع ما يتعذر تسليم بعضه.
قلنا : لا ، لأنّ المراد بقولنا : في الجملة ، ما لا ينافي مسألة الآبق والضال حذرا من مخالفة الإجماع ، لا مطلقا.
قوله : ( ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلمه ، إلاّ مع الإسقاط ).
أي : مع إسقاط الضمان المذكور ، فإنه يسقط ، لأنه حقه ، ويضعّف هذا الاحتمال بأنّ اشتراط القدرة على التسليم في الجملة إجماعي ، فكيف يحتج بوجود المقتضي للصحة؟
قوله : ( لو باع المغصوب وتعذر تسليمه ... ).
ظاهر عبارة الشيخ عدم صحة بيع المغصوب ، وإن أمكن تسليمه (١) ، وهو ضعيف.
قوله : ( ولو قدر المشتري على انتزاعه دون البائع ، فالأقرب الجواز ).
هذا أصح ، لوجود المقتضي وهو العقد ، وحصول المطلوب وهو تسليم المشتري المبيع ، فيكون الشرط إمكان تسليم البائع ، أو تسليم المشتري المبيع عادة في الجملة ، ولو لا هذا لامتنع القول بذلك ، لأنه يلزم مخالفة الإجماع.
قوله : ( فان عجز تخيّر ).
أي : فان تجدد عجزه تخير ، لأنه قبل القبض من ضمان البائع.
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٧٣.
ولو باع ما يعجز عن تسليمه شرعا كالمرهون لم يصح ، إلاّ مع إجازة المرتهن.
ج : لو باع شاة من قطيع أو عبدا من عبيد ولم يعين بطل.
ولو قال : بعت صاعا من هذه الصيعان مما تتماثل أجزاؤه صحّ ، ولو قسّم أو فرّق الصيعان وقال : بعتك أحدها لم يصح.
______________________________________________________
قوله : ( ولو باع ما يعجز عن تسليمه شرعا كالمرهون ... ).
قيل : قد ذكرت هذه المسألة ، لسبق ذكر منع بيع الرهن قبل الفروع.
قلنا : لم يبين وقوفه على الإجازة هناك ، وبيّن هنا.
قوله : ( لو باع شاة من قطيع ، أو عبدا من عبيد ، ولم يعين بطل ).
لأنّ المبيع واحد منها غير معين.
قوله : ( ولو قال : بعتك صاعا من هذه الصيعان ، مما تتماثل أجزاؤه صح ، ولو فرّق الصيعان ، وقال : بعتك أحدها لم يصح ).
الفرق بين الصورتين ، أنّ المبيع في الثانية واحد من الصيعان المتميزة المشخصة غير معين ، فيكون بيعه مشتملا على الغرر ، وفي الأولى المبيع أمر كلي غير مشخص ، ولا متميز بنفسه ، ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ويؤخذ به ، مثله ما لو قسّم الأرباع وباع ربعها من غير تعيين ، ولو باع ربعا قبل القسمة صح ونزّل على واحد منها مشاعا لأنه حينئذ أمر كلي.
فإن قلت : المبيع في الأولى أيضا أمر كلي.
قلنا : ليس كذلك ، بل هو واحد من تلك الصيعان المشخصة منهم ، فهو بحسب صورة العبارة يشبه الأمر الكلي ، وبحسب الواقع جزئي غير متعين ولا معلوم.
والمقتضي لهذا المعنى هو تفريق الصيعان ، وجعل كل واحد برأسه ، فصار إطلاق أحدها منزلا على شخصي منها غير معلوم ، فصار كبيع أحد الشياه وأحد العبيد.
ولو أنه قال : بعتك صاعا من هذه ، شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة.
وكذا يبطل لو قال : بعتك هذه العبيد إلاّ واحدا ولم يعيّن ، أو بعتك عبدا على أن تختار من شئت منهم.
ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب يعلمان ذرعانهما صحّ إن قصدا الإشاعة ، وإن قصدا معيّنا بطل.
ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا من معلوم تساوت أجزاؤه أو اختلفت ، كنصف هذه الدار أو هذه الصبرة مع علمها قدرا.
______________________________________________________
قوله : ( وكذا يبطل لو قال : بعتك هذه العبيد إلاّ واحدا ، ولم يعين ).
أي : حال العقد ، وإنما بطل ، لأنّ تجهيل المستثنى يقتضي تجهيل المستثنى منه.
فرع :
لو باعه الأرض إلاّ جريبا من هنا الى حيث ينتهي المزروع بطل ، للجهل بالموضع الذي ينتهي إليه ، وتفاوت الأجزاء ، وللشيخ قول بالجواز ضعيف (١) ، ومثله لو باعه جريبا من هنا الى حيث ينتهي.
قوله : ( ولو باع ذراعا من أرض أو ثوب ، يعلمان ذرعانهما صح إن قصدا الإشاعة ).
الذرعان بضم الذال ، كما ذكره في القاموس (٢) وإنما صح حينئذ ، لأنه كالجزء المعلوم النسبة ، فلذلك اشترط علمهما بقدر الذرعان في كل من الثوب والأرض ، وإنما يصح إذا علم كل منهما بأنّ الآخر قصد الإشاعة.
قوله : ( ويجوز ابتياع جزء معلوم النسبة مشاعا من معلوم ، تساوت أجزاؤه أو اختلفت ).
يعتبر كون الجملة معلومة ، وإلا لزم جهالة المبيع ، ولا فرق بين متساوي
__________________
(١) المبسوط ٢ : ١٥٤ ، الخلاف ٢ : ٤٤ مسألة ٦٤ كتاب البيوع.
(٢) القاموس ( ذرع ) ٣ : ٢٢.
ويصح بيع الصاع من الصبرة وإن كانت مجهولة الصيعان إذا عرف وجود المبيع فيها ، وهل ينزّل على الإشاعة؟ فيه نظر ، فان جعلنا المبيع صاعا من الجملة غير مشاع بقي المبيع ما بقي صاع ، وعلى تقدير الإشاعة يتلف من المبيع بالنسبة.
د : إبهام السلوك كإبهام المبيع ، فلو باع أرضا محفوفة بملكه وشرط
______________________________________________________
الأجزاء ومختلفها في ذلك ، لانتفاء الغرر ، وهذا إنما يكون قبل تقسيم الأجزاء وتميزها ثم بيع جزء منها ، كما قلناه ، إلا أن يقصد الإشاعة في المجموع ، لأنه حينئذ كبيع الجزء من أشياء متعددة. ولا فرق في اشتراط العلم بالجملة حينئذ بين متساوي الأجزاء ومختلفها ، وإلا لم يكن الجزء معلوما.
قوله : ( ويصح بيع الصاع من الصبرة ، وإن كانت مجهولة الصيعان ).
وذلك لأنّ المبيع أمر كلي ، كما قدمناه ، والأجزاء متساوية ، فلا غرر ولا جهالة بجهل صيعانها ، بخلاف ما لو باع النصف ، فإنه مع الجهالة لا يعلم قدره ، فيلزم الغرر.
قوله : ( وهل ينزّل على الإشاعة؟ فيه نظر ).
ينشأ : من احتمال اللفظ كلا منهما ، والحق أنّ عدم الإشاعة هو السابق الى الفهم ، وعليه دلت الرواية (١). وتظهر الفائدة فيما لو تلفت بعض فعلى الإشاعة يتلف بعض المبيع ، وعلى العدم يبقي ما بقي صاع ، فقوله : ( فان جعلنا ... ) بيان لفائدة القولين.
قوله : ( إبهام السلوك كإبهام المبيع ).
أي : فيكون مبطلا ، وذلك لأنّ السلوك الى المبيع من حقوقه ، فابهامه يفضي الى إبهام المبيع ، فإن الأغراض تتفاوت بكون الممر من جهة دون جهة.
__________________
(١) التهذيب ٧ : ١٢٦ حديث ٥٤٩.
الممرّ من جهة معينة صحّ البيع ، وإن أبهم بطل ، وإن قال : بعتكها بحقوقها صحّ ، فيثبت للمشتري السلوك من جميع الجوانب.
______________________________________________________
قوله : ( وإن قال : بعتكها بحقوقها صح ، فيثبت للمشتري السلوك من جميع الجوانب ).
لأنّ إطلاق العقد ينزل على ما يتوقف الانتفاع عليه ، وهو ثبوت الممر ، والجهات كلها متساوية في ذلك ، باعتبار انتفاء ما يدل على استحقاقه من جهة بخصوصها ، فيثبت من الجميع لبطلان الترجيح من غير مرجح. فان قيل : لم [ لم ] (١) يستحق المرور من جهة مخصوصة ، إما بان يجعل التعيين اليه ، أو الى البائع ، لاندفاع الضرورة بذلك؟
قلنا : لأنه لما باعها بحقوقها ، استحق المشتري المرور من جميع الجهات ، التي كان البائع يستحق المرور منها.
ولقائل أن يقول : إنّ البيع بحقوقها يقتضي دخول ما كان حقا لها ، أي :حقا لمالكها باعتبارها ، أما ما كان حقا لمالكها باعتبار ملكه لما حولها ، فلا يعد من حقوقها عادة ، فلا يندرج في حقوقها.
نعم لو تقدم إحياؤها على إحياء ما حولها ، كان المرور إليها من جميع الجوانب معدودا من حقوقها ، بخلاف ما لو كان إحياء ما حولها سابقا على إحيائها ، فإنه لا أحقية.
ويمكن الجواب : بأنّ إحياءها وإن تأخر عما حولها ، لكن استحقاق المرور باعتبارها ثابت في هذه الحالة أيضا ، لأنّ الممر
إليها من ضرورات الانتفاع بها ، وهو ثابت للمالك من جميع الجوانب ، كما لا يخفى.
ولا نعني بكون المرور إليها من جميع الجوانب إلاّ هذا المعنى ، واعلم أنه لو باعها وأطلق يتجه تعيين ما قلناه ، أعني : استحقاق المرور من جميع الجهات ، كما اختاره المصنف في التذكرة (٢).
__________________
(١) لم ترد في « م » ، وأثبتناها من الحجري لاختلال المعنى بدونها.
(٢) التذكرة ١ : ٤٧١.
وإن كانت إلى شارع أو ملك المشتري على إشكال.
هـ : لو باع بحكم أحدهما ، أو ثالث من غير تعيين قدر الثمن أو وصفه بطل ، فيضمن المشتري العين لو قبضها بالمثل ، أو القيمة
______________________________________________________
قوله : ( وإن كانت إلى شارع أو ملك المشتري على إشكال ).
أي : يثبت السلوك من جميع الجوانب وان كانت الى شارع ، أو ملك المشتري ، الى أخره ، ومنشأ الاشكال من ثبوت استحقاق البائع المرور إليها من جميع الجوانب ـ في الصورتين المذكورتين ـ الى ملك المشتري ، فيكون ذلك حقا لها ، فيندرج في البيع.
ومن أنّ المقتضي لكونه حقا لها ، توقف الانتفاع على المرور الذي لا يتحقق إلاّ بذلك. كما قررناه ، وهو في الصورتين متحقق بالشارع وملك المشتري ، فلا دليل يدل على اندراج السلوك من الجوانب في البيع ، فيقتصر فيه على موضع اليقين ، لأنه على خلاف الأصل. والذي ينبغي توقف استحقاق المرور من جميع الجوانب هنا على التعيين وإن كان متجها في صورة وجود ملك المشتري الى جانب المبيع استحقاق المرور مطلقا ، لأنّ المرور في ملك المشتري لم يكن حقا للبائع ، فلا يندرج في حقوقها.
ويمكن أن يقال : هو وإن لم يكن مندرجا في حقوقها فلا يلزم ما ذكر ، لأنّ ذلك إنما عددناه من حقوقها ، لضرورة توقف الانتفاع عليه الذي هو الغرض الأصلي من المبيع ، وفي كل من الصورتين ذلك مندفع.
واعلم أنه لو أطلق البيع ، ولم يقيد بحقوقها ، يجيء الإشكال المذكور في هاتين الصورتين وإن كان هنا أضعف.
قوله : ( لو باع بحكم أحدهما ، أو ثالث من غير تعيين قدر الثمن أو وصفه بطل ، فيضمن المشتري العين لو قبضها بالمثل أو القيمة ).
لأنّ المشتري إنما قبضها ، بناء على أنّ الثمن في مقابلها للبائع ، وقد فات بفساد البيع فيجب ردها ، حذرا من أن يفوت على البائع كل من العوض والمعوض ،
يوم القبض ، أو أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف على الخلاف ،
______________________________________________________
ولأنه رضي بأنها تكون له وتلفها منه في مقابل الثمن ، وقد فات ذلك بفساد البيع ، فيكون تلفها منه بقيمتها.
وربما أشكل بأنه إنما دخل ، على أن تلفها منه بالثمن لا بالقيمة ، فيجب أن يكون اللازم الثمن ، زاد على القيمة أو لا.
ويجاب بأنّ ذلك كان باعتقاد صحة البيع ، فعند فساده يجب رد العين ، فمع فواتها يرجع الى قيمتها أو مثلها.
وعن قطب الدين : أن الحاكم إن كان المشتري فعليه ما حكم به ، إن زاد عن القيمة مع التلف (١) ، وينعكس لو كان البائع الحاكم ، وهو من مثال الاشكال المتقدم ، وجوابه جوابه.
واعلم أنّ الواجب في المثلي المثل بكل حال ، لأنه أقرب الى العين من القيمة باعتبار المشاكلة. ويشكل لو كان المثلي في موضع التسليم كثير القيمة ، وفي موضع دفع العوض قليلها جدا كالماء في المفازة ، وعلى شاطئ الفرات ، فانّ المتجه هنا الانتقال إلى القيمة ، وإلا لزم الضرر العظيم. ولو تعذر المثل في المثلي صير إلى القيمة وقت تعذره.
قوله : ( يوم القبض ... ).
ذكر المصنف قولين وبقي ثالث ، وهو لزوم قيمته يوم التلف كائنة ما كانت ، وهو الأصح ، لأنّ الواجب مع وجود العين ردها ، والانتقال إلى القيمة إنما يكون عند تلفها فيعتبر حينئذ ، لأنه وقت استحقاقه ، وهذا إنما هو في القيمة السوقية ، أما إذا تفاوتت القيمة لتفاوت العين كالهزال تم التلف ، فانّ الواجب الأعلى قطعا لفوات أبعاض العين ، وعليه نبه.
__________________
(١) ذكر السيد العاملي في المفتاح ٤ : ٢٧٩ : ان هذا القول نقله الشهيد في حواشيه.
وعليه أرش النقص والأجرة إن كان ذا اجرة لا تفاوت السعر ، وله الزيادة إن كانت من فعله عينا أو صفة ، وإلا فللبائع وإن كانت منفصلة.
و : تكفي المشاهدة عن الوصف وإن تقدمت بمدة لا تتغير عادة ، ولو احتمل التغيّر صحّ للاستصحاب ، فان ثبت التغيّر تخير المشتري ، والقول قوله لو ادّعاه على إشكال.
______________________________________________________
قوله : ( وعليه أرش النقص [ والأجرة إن كان ذا اجرة ] (١) لا تفاوت السعر ).
أي : عليه أرش النقص ، لما قلناه : من أنّ الناقص من العين ، وليس عليه تفاوت السوق مع بقاء العين قطعا ، وإن نقصت القيمة السوقية للرخص ، لأنّ الواجب هو رد العين.
أما مع التلف ففيه الخلاف السابق ، لأنّ فوات العين يوجب الرجوع الى القيمة ، فتعتبر القيمة العليا حيث كانت مضمونة ، أو قيمة يوم القبض إذ هو وقت الضمان ، أو قيمة يوم التلف على الأصح ، ـ لما قلناه ـ وعليه اجرة الرد إن كان للرد مؤنة للضمان المذكور ، لظاهر « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) ، وكذا في طرف المشتري ، لو كان لرد الثمن مؤنة أيضا.
قوله : ( وله الزيادة إن كانت من فعله عينا أو صفة ).
زيادة العين كالصبغ ونحوه ، والصفة كالصنعة يعلمها العبد ، والنقش في الثوب ونحوه ، فيشتركان بالنسبة.
قوله : ( والقول قوله لو ادعاه على إشكال ).
ينشأ : من احتمال أن يكون كل منهما هو المدعي ، ولعل الأظهر أنه البائع ، لأنّ الأصل عدم وصول حق المشتري اليه ، وبقاء حقه على البائع حتى يعلم المسقط
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد لأن الشرح يقتضيه.
(٢) مسند أحمد ٥ : ٨ ، ١٢ ، ١٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠.
ولا يصح بيع السمك في الآجام وإن ضمّ إليه القصب ، وكذا اللبن في الضرع مع المحلوب منه ، وكذا الجلد والصوف على ظهر النعم وإن
______________________________________________________
فيحلف المشتري ، فإنه في معنى المنكر وإن كان بصورة المدعي ، على أنّ المبيع ليس بالصفة التي اشتراه عليها.
قوله : ( ولا يصح بيع السمك في الآجام ، وإن ضم إليه القصب ).
هي جمع أجمة : وهي غابة القصب ، وهذا حيث لا يكون السمك محصورا مشاهدا ، وللشيخ قول بالجواز ضعيف (١) ، قال المصنف في المختلف : التحقيق أن يقال : المضاف الى السمك إن كان هو المقصود بالبيع ، ويكون السمك تابعا له صح البيع ، وإلا فلا (٢) ، وهذا حسن لكن فيه أعراض عن الأخبار الواردة في ذلك (٣).
قوله : ( وكذا اللبن في الضرع مع المحلوب منه ).
هذا هو المشهور ، وجوزه الشيخ في النهاية (٤) وجماعة (٥) ، والمنع أقوى ، ولو قاطعه على اللبن مدة معلومة بعوض لم يكن بيعا حقيقيا ، بل نوع معاوضة ومراضاة غير لازمة ، بل جائزة ، وفاقا لاختياره في المختلف (٦) ومنع منه ابن إدريس (٧) ، وصحيحة عبد الله بن سنان تشهد للجواز (٨).
قال في الدروس ولو قيل : بجواز الصلح عليها كان حسنا ، فيلزم حينئذ ، وعليه تحمل الرواية (٩).
قوله : ( وكذا الجلد والصوف على ظهر الغنم ).
__________________
(١) النهاية : ٤٠١ ، الخلاف ٢ : ٤٢ مسألة ٤٤ كتاب البيوع.
(٢) المختلف : ٣٨٧.
(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ حديث ١١ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ ، ١٢٦ حديث ٥٤٣ ، ٥٥١.
(٤) النهاية : ٤٠٠.
(٥) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٣ ، ونقله العلامة في المختلف : ٣٨٦ عن القاضي وابن الجنيد وغيرهم.
(٦) المختلف : ٣٨٦.
(٧) السرائر : ٢٣٢.
(٨) الكافي ٥ : ٢٢٤ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ١٢٧ حديث ٥٥٦ ، الاستبصار ٣ : ١٠٣ حديث ٣٦٢.
(٩) الدروس : ٣٣٦.
ضمّ إليهما غيره ، وكذا ما في بطونها ، وكذا لو ضمّها.
ويجوز بيع الصوف على الظهر منفردا على رأي.
______________________________________________________
في بعض النسخ النعم ، وهو أولى ، والمراد : بيعهما معا ، حتى لا ينافي ما يأتي من جواز بيع الصوف على الظهور ، فإن الجهالة من جهة الجلد ، فإنه غير مرئي ولا موصوف.
قوله : ( وكذا ما في بطونها ).
أي : وكذا لا يجوز بيع ما في بطونها وإن ضم اليه غيره ، ولا يخفى ما فيه من التكرار ، باعتبار اندراجه في ضميمة ما قبله ، وباعتبار سبق منع بيع المجهول.
قوله : ( وكذا لو ضمها ).
أي : وكذا لو ضم النوعين معا ، بأن باع كل منهما مع الآخر ، وهو ما في البطون الى الجلد والصوف.
قوله : ( ويجوز بيع الصوف على الظهر منفردا على رأي ).
هذا مذهب المفيد (١) ، وأحد قولي ابن إدريس (٢) ، والمصنف في المختلف (٣) والتذكرة (٤) والتحرير (٥) ، وشرط شيخنا في الدروس في صحته اشتراط جزه في الحال أو بقائه إلى أوان جزه (٦) ، ولا ريب أنه أحوط. والمعتمد الجواز مطلقا ، لانتفاء الغرر ، ولرواية إبراهيم الكرخي (٧).
نعم ينبغي القول بثبوت المطالبة بجزه حالا ، إلا أن يشترط مدة معلومة.
إن قيل : بيعه إلى أوان جزه بيع إلى أجل مجهول.
__________________
(١) المقنعة : ٩٥.
(٢) السرائر : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، وقال بعدم الجواز في ص ٢٣١.
(٣) المختلف : ٣٨٦.
(٤) التذكرة ١ : ٤٦٨.
(٥) تحرير الأحكام ١ : ١٧٨.
(٦) الدروس : ٣٣٦.
(٧) الكافي ٥ : ١٩٤ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ حديث ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ، ١٢٣ حديث ١٩٦ ، ٥٣٩.
وكلّ مجهول مقصود بالبيع لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم ، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا.
ز : رؤية بعض المبيع كافية إن دلّت على الباقي لكونه من جنسه ،
______________________________________________________
قلنا : ليس هذا بيعا إلى أجل ، بل هو بيع حال ، إلا أنّ الأجل عرض له في كمال حال البيع ، فاكتفى فيه بالحوالة على العرف ، فهو كما لو باع الثمرة وشرط بقاءها إلى أوان قطعها ، وسيأتي.
قوله : ( وكل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم ، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا ).
قد صرح بهذا الضابط في المختلف (١) في مسائل ، ومثال ما إذا كان المجهول تابعا : الحمل مع امه ، وإطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة مع بيع دابة أخرى ، إلا أن يقال : التبعية إنما تتحقق مع الأم ، لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها ، ومثله زخرفة جدران البيت.
وقد يستفاد من الضابط ، أنه لا بد من كون المعلوم مقصودا ، ليصح ضم المجهول التابع اليه ، فيشترط ذلك في ضميمة الآبق ، وفي ضميمة الثمرة إذا أريد بيعها بعد ظهورها ، إن شرطنا أحد الأمور التي تأتي ونحو ذلك ، وفي استفادة ذلك من عبارات الأصحاب خفاء ، لأنها مطلقة.
قوله : ( رؤية بعض المبيع كافية إن دلت على الباقي ، لكونه من جنسه ).
أي : إن دلت على ذلك ، لكونه من جنسه ، فمتعلق اللام ( دلت ) والجار والمجرور في حيز ( إن ) : أي إن أفادت رؤيته الدلالة على الباقي بسبب كونه مجانسا له ، فلا يراد : إن سلة العنب تكفي رؤية بعضها ، فإنه من جنس الباقي ، لأنّ رؤيته لا يستفاد منها الدلالة على الباقي ، بسبب كونه من جنسه ، للتفاوت في أجزاء العنب
__________________
(١) المختلف : ٣٨٧.
كظاهر صبرة الحنطة ، ثم إن وجد الباطن بخلافه تخيّر في الفسخ ، ولا تكفي رؤية ظاهر صبرة البطيخ ورأس سلّة العنب والفاكهة.
ولو أراه أنموذجا ، وقال : بعتك من هذا النوع كذا بطل ، لأنه لم يعيّن مالا ولا وصف.
ولو قال : بعتك الحنطة التي في البيت ، وهذا الأنموذج منها صحّ ، إن أدخل الأنموذج لرؤية بعض المبيع ، وإن لم يدخل على إشكال ، ينشأ : من كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال بأن يفقد.
______________________________________________________
والبطيخ في الصنف الواحد تفاوتا تختلف به الأغراض ، بخلاف أجزاء الصنف من الحنطة.
قوله : ( ثم إن وجد الباطن بخلافه تخيّر ).
لأنّ البيع قد صح ، لاندفاع الضرر بالدلالة السابقة ، وثبوت الخيار لتدارك الفائت.
قوله : ( ولو قال : بعتك الحنطة التي في البيت ، وهذا الأنموذج منها صح إن أدخل الأنموذج لرؤية بعض المبيع ).
قد يقال : يرد عليه إمكان تلف الأنموذج ، فلا يكون هناك ما يرجع اليه عند الاشكال.
قوله : ( وإن لم يدخل على إشكال ، ينشأ من كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال بأن يفقد ).
ومن أنّ مشاهدة المثل أبلغ من الوصف. وفيه نظر ، لأنّ الرؤية لا تقتضي العلم بالأوصاف ، لإمكان الغفلة عنها ، بل عدم العلم بها أصلا ، بخلاف ما لو ضبطت باللفظ ، فإنها تصير متعينة حينئذ ، لكن هنا كلامان :
أحدهما : قول المصنف في تعليل كون المبيع غير مرئي ولا موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع اليه عند الإشكال بأن يفقد ، وأراد : فيما لو رأى أعلى صبرة الحنطة ، فإن
ح : لو باع عينا غير مشاهدة افتقر إلى ذكر الجنس والوصف ، فلو قال : بعتك ما في كمّي لم يصح ، ما لم يذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة ، اتحد الوصف أو تعدّد ، ولا يفتقر معهما إلى الرؤية من المتعاقدين ، فلو وصف للبائع أو للمشتري أو لهما صحّ البيع ، فان خرج على الوصف لزم ، وإلاّ تخيّر من لم يشاهده ، ففي طرف الزيادة يتخير البائع ، وفي طرف النقصان المشتري.
ولو اختار صاحب الخيار اللزوم لم يكن للآخر فسخه ، ولو زاد ونقص باعتبارين تخيّرا معا ، سواء بيع بثمن المثل أولا.
______________________________________________________
بيعها صحيح بذلك ، مع إمكان فقد الأعلى ، كأن تحترق مثلا ، فيكون المبيع غير موصوف ، إذ لا يمكن الرجوع اليه عند فقد المرئي ، وحصول الاشكال. والتعليل الصحيح أنّ المبيع غير مرئي ولا موصوف ، ورؤية الأنموذج لا تقوم مقام الوصف ، لما قلناه ، بخلاف ما إذا رأى بعضه ودل على الباقي ، فإنه كالمرئي كله.
الثاني : ما الفرق بين قوله : بعتك من هذا النوع كذا ، وبين أن يبيعه الحنطة التي في البيت برؤية الأنموذج إذا لم يدخله ، حتى جزم في الأول بالبطلان ، وتوقف في الثاني؟ يجب ملاحظة الفرق ، وكأنه غير ظاهر.
قوله : ( لو باع عينا غير مشاهدة ، افتقر إلى ذكر الجنس والوصف ).
يعتبر في الوصف ما يكون رافعا للجهالة ، فيراعى التعرض لأوصاف السلم ، وفي التذكرة ما ينبه على ذلك (١).
قوله : ( ولا يفتقر معهما إلى الرؤية من المتعاقدين ).
أي : مع الجنس والوصف.
قوله : ( ولو زاد ونقص باعتبارين تخيرا ).
كما لو سمن وذهبت عينه.
__________________
(١) التذكرة ١ : ٤٦٧.
ولو رأى بعض الضيعة ووصف له الباقي تخيّر فيها كلّها لو خرجت على الخلاف ، وخيار الرؤية على الفور.
ط : يجوز الإندار للظروف ما يحتمل الزيادة والنقيصة لا ما يزيد ، إلاّ بالتراضي ، ويجوز ضمّ الظرف في البيع من غير
إندار.
ي : لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ممّا يتعامل به وقت الأجل ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو رأى بعض الضيعة ، ووصف له الباقي تخير فيها كلها لو خرجت على الخلاف ).
الضيعة : هي الأرض المعدة للزرع وشبهه ، وإنما كان له الخيار في المجموع خاصة ، حذرا من تبعض الصفة على البائع.
قوله : ( وخيار الرؤية على الفور ).
فيسقط بالتأخير إذا علم به ، ولو جهله فالظاهر بقاؤه ، بخلاف ما لو جهل الفورية ، إذ لا عذر له حينئذ.
قوله : ( يجوز الإندار للظروف ، ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لا ما يزيد إلا بالتراضي ).
الإندار بالدال المهملة : الإسقاط والمراد باحتمال الزيادة والنقيصة : كونه بحيث لا يقطع بأحدهما ، فلا يجوز إندار ما يقطع بزيادته ، أو ما يقطع بنقيصته ، إلا أن يتراضى المتبايعان عليه ، لأنّ في ذلك تضييعا لمال أحدهما قطعا ، بخلاف ما إذا كان برضاهما ، واقتصر المصنف على قوله : ( لا ما يزيد ) لدلالته على النقيصة.
قوله : ( لو باعه بدينار غير درهم نسيئة ، مما يتعامل به وقت الأجل ).
يجب في ( غير ) نصبها ، وجرها غلط ، لأنها استثنائية لا صفة ، و ( نسيئة ) منصوبة ، إما لأنه حال من الدينار ، أو تمييز للنسبة في ( باعه بدينار ) ، والجار متعلق بمحذوف على أنه صفة لدرهم ، ولو أنه جعل صفة للدينار والدرهم معا ، ولأحدهما بالاستقلال على طريق البدل على معنى : بدينار بما يتعامل به وقت الأجل ، أو غير درهم مما يتعامل به كذلك ، أو بدينار غير درهم مما يتعامل به كذلك لكان أشمل ،
أو نقدا مع جهله بالنسبة ، أو بما يتجدّد من النقد بطل ، ولو قدّر الدرهم من الدينار صحّ.
ولو باعه بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار بطل ، مع تعدّد الصرف بالسعر المذكور ، أو جهله.
______________________________________________________
فإنه يعم المسائل كلها ، لكن لا يخفى ما فيه من التكلف ، ولا ريب في البطلان في الصور كلها ، للجهالة.
قوله : ( أو نقدا مع جهله بالنسبة ).
معطوف على نسبة ، أي : أو باعه بدينار غير درهم نقدا ، أي : حالا ، مع جهله بنسبة الدرهم الى الدينار ، إما بجهله لأحدهما المستلزم لجهله بالنسبة ، أو بجهله بمجرد النسبة ، حيث علم كلا منهما على انفراده.
قوله : ( أو بما يتجدد من النقد ).
معطوف على قوله : ( مع جهله ) ، أي : أو باعه بدينار غير درهم حالا ، مما يتجدد من النقد ، أي : يحدث السلطان المعاملة به بين الناس من الدنانير والدراهم.
لكن على هذا المعنى لا يحسن بالمقابلة ، لأنّ مقتضاها أنّ ما يتجدد من النقد هو الثمن ، وإنما هو الدينار إلاّ درهما.
ولو عطف على قوله : ( بدينار غير درهم ) لكانت المسألة خارجة عن مسألة الدينار والدرهم ، وظاهره أن الكلام إنما هو فيها ، فإنّ ذلك تفصيل لما أجمله الشيخ (١). ولا نزاع في أنّ الحكم في الجميع البطلان ، فقوله : ( بطل ) جواب في المسائل كلها.
قوله : ( ولو باعه بعشرين درهما من صرف العشرين بالدينار بطل ، مع تعدد الصرف بالسعر المذكور ، أو جهله ).
أي : لو باعه بعشرين درهما من الدراهم التي اعتيد صرف العشرين منها
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٩٨.
ولو باعه بنصف دينار لزمه شقّ دينار ، ولا يلزمه صحيح إلاّ مع إرادته عرفا.
______________________________________________________
بالدينار المعلوم ، فان كان صرف الدينار بالسعر المذكور ، أعني : ـ بالعشرين متعددا ، كما لو كانت أصناف الفضة متعددة كالخشنة ، والناعمة ، والسوداء والبيضاء ، وكلها تصرف بالسعر المذكور ـ بطل ، لعدم التعيين ، وإن لم يكن متعددا ، لكن جهل المشتري أو أحدهما ما يصرف منه عشرون بدينار بطل أيضا.
ويفهم من قوله : ( مع تعدد الصرف أو جهله ) أنه لو اتحد وعلماه يصح ، وهو ظاهر. والحاصل أنّ مدار الصحة على العلم بالمستثنى والمستثنى منه ، والنسبة بينهما لو اختلف جنسهما ، فيكون إطلاق الشيخ (١) والجماعة البطلان (٢) غير ظاهر.
والظاهر أنهم لا يريدون به إلاّ مع قيام أحد الموانع ، وبهذا تبين حكم الدرهم من الدراهم ، والدينار منها ومن الدنانير.
واعلم أنّ في هذه المسألة صورا : لأنّ البيع : إما أن يكون حالاّ ، أو مؤجلا. وعلى التقديرين إما أن يكون الاستثناء من النقد الحاضر ، أو من المتجدد ، أو من المتعامل به وقت الحلول في المؤجل. وعلى كل تقدير إما أن تكون النسبة معلومة ، أو لا. فالصور عشر ، تظهر بأدنى تأمل.
قوله : ( لزمه شق دينار ).
ولا يلزمه قطعه على الظاهر ، لأنّ فيه تفويتا للغرض ، فإنه لا يجري في المعاملة حينئذ ، بل يلزمه أن يسلمه نصف دينار ، كما يسلم نصف الدار مشاعا ونصف الدابة.
قوله : ( ولا يلزمه صحيح إلا مع إرادته عرفا ).
أي : مع جريانه في العرف كذلك ، فانّ كون المعاملة الجارية في العرف كذلك دليل على إرادته.
__________________
(١) المبسوط ٢ : ٩٨.
(٢) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٥٠.
يا : لو باعه الصبرة كلّ قفيز بدينار وعلما قدرها صحّ ، وإلاّ بطل الجميع.
يب : يجوز استثناء الجزء المعلوم في أحد العوضين ، فيكون الآخر في مقابلة الباقي.
فلو قال : بعتك هذه السلعة بأربعة إلاّ ما يساوي واحدا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة ، والوجه ذلك ، إلاّ أن يعلما سعر اليوم.
______________________________________________________
قوله : ( لو باعه الصبرة كل قفيز بدينار وعلما قدرها صح ، وإلاّ بطل ).
وأطلق الشيخ صحة البيع (١) ، والمصنف صححه مع الجهالة في صاع ، والأصح ما هنا ، لأنّ المبيع هو الصبرة لا الصاع ، وقوله : ( كل قفيز ) بالنصب حال من الصبرة ، وليس بدلا ، لأنّ الصبرة مقصود بيعها ، وإنما هذا بيان لحال مبيعه ، فلا وجه لصحة البيع في قفيز واحد مع الجهالة.
قوله : ( يجوز استثناء الجزء المعلوم من أحد العوضين ).
يعلم من عبارته وتعداد المسائل ، ما كان استثناء في الثمن ، وما كان استثناء في المثمن.
قوله : ( بعتك هذه السلعة بأربعة إلا ما يساوي واحدا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة (٢) ، والوجه ذلك ، إلاّ أن يعلما سعر اليوم ).
لا شبهة في أنّ الإطلاق الواقع في عبارة الشيخ غير جيد ، لكن قول المصنف بالصحة إذا علما سعر اليوم يحتاج الى تنقيح ، فإنه لا بد في الصحة من علمهما بحصة الواحد من سعر اليوم ، فانّ العلم بالسعر لمقدار بمجرده ، لا يقتضي العلم بحصة جزء
__________________
(١) المبسوط ٢ : ١٥٢.
(٢) المبسوط ٢ : ١١٦.
ولو قال : إلاّ ما يخصّ واحدا ، قال : يصحّ في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن.
والأقرب عندي البطلان ، لثبوت الدّور المفضي إلى الجهالة ،
______________________________________________________
ذلك المقدار منه.
ويشترط أيضا أن لا يكون الاستثناء مستغرقا ، فلو كانت السلعة كلها تساوي واحدا بسعر اليوم لبطل ، لاستغراق الاستثناء.
قوله : ( ولو قال : إلا ما يخص واحدا ، قال : يصح في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن (١) ).
الفرق بين ( ما يساوي واحدا ) و ( ما يخص واحدا ) أنّ المساوي باعتبار السعر الواقع بين الناس ، لأنّ المتبادر من المساواة المساواة عرفا ، وما يخص الواحد باعتبار توزيع الثمن على السلعة ، لا بحيث يقابل الأجزاء بالأجزاء ، فإن الاختصاص يتعين بما يقتضيه المقام ، بخلاف مساواة السلعة للثمن ، فإنه مع الإطلاق ينزل على المتعارف.
قوله : ( والأقرب عندي البطلان لثبوت الدور المفضي إلى الجهالة ).
وذلك لأن معرفة المستثنى إنما يتحقق إذا عرف مقدار الجميع ، لما قلناه من أنّ المراد : ما يخص الواحد باعتبار توزيع كل من السلعة والثمن على الآخر ، وذلك إنما يكون مع صحة البيع وانعقاده ليتعين المستثنى ، وصحته إنما تتحقق إذا كان مقدار البيع معلوما ، والعلم به إنما يتحقق إذا علم المستثنى ، وهذا النوع من الدور دور معية لا دور توقف ، فان مقدار المبيع ومقدار المستثنى يعرفان معا.
واعلم أنّ البطلان الذي اختاره المصنف ، إنما يتجه إذا كان المستثنى من السلعة مقدار ما يخص واحدا بعد انعقاد البيع ، ومقابلة أجزاء المبيع بأجزاء الثمن ، فأما إن كان الاستثناء من السلعة لمقدار ما يخص واحدا ، حين مقابلة الثمن لمجموع السلعة قبل انعقاد البيع واستقراره ، فما ذكره الشيخ حق ، فإن أربعة دراهم في مقابل مجموع
__________________
(١) المبسوط ٢ : ١١٦
فان علماه بالجبر والمقابلة أو غيرهما صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن.
______________________________________________________
السلعة تقتضي اختصاص درهم بربعها ، وقد نبه المصنف على ذلك في التذكرة (١). ويعلم إرادة البائع والمشتري لذلك بقولهما.
قوله : ( فان علماه بالجبر والمقابلة أو غيرها ، صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن ).
أي : فان كان كل واحد من البائع والمشتري حين العقد يعلمان مقدار ما صح البيع فيه ، ومقدار المستثنى بطريق الجبر والمقابلة أو غيرها من الطرق ، كالخطأين والأربعة المتناسبة صح البيع ، كما ذكره المصنف ، ولا يكفي لصحة البيع تمكنها من استخراج ذلك بعد العقد ، للجهالة الموجبة للبطلان.
وفي التذكرة : أنه لو باع خمسة أرطال على سعر المائة باثني عشر درهما صح وإن جهل في الحال قدر الثمن ، لأنه مما يعرف بالحساب ، ولا يمكن تطرق الزيادة إليه ولا النقصان ، فينتفي الغرر (٢).
ومثله جوّز فيما لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض على الاختلاف ، بأن ورث من أبيه حصة ومن امه حصة أقل أو أكثر ، وجعل لواحد منهما أحد النصيبين ، وللآخر الباقي فإنه يصح ، وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ، ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ، إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا تضر جهالته بالأجزاء (٣).
ومثله قال : لو قال : بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار ، فان عرف القدر حالة العقد صح ، وإن جهل بطل ، ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالا فالأقوى الصحة ، ويكون له ما يقتضيه الحساب (٤).
فيظهر من كلامه أنه إذا كان المبيع معلوما بالقوة القريبة وإن كان مجهولا بالفعل يصح ، وهو مشكل ، للاشتراك في الغرر.
__________________
(١) التذكرة ١ : ٤٨٧.
(٢) التذكرة ١ : ٤٨٧.
(٣) التذكرة ١ : ٤٨٧.
(٤) التذكرة ١ : ٤٨٧.