مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي
الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢
ونقل عن الشافعي جوازه ، ثمّ احتجّ على المنع بإجماع الفرقة وأخبارهم. (١)
وقال أيضا في موضع آخر من المبسوط في أوّل فصل الشجاج (٢) وفي الخلاف : إذا قطع فاقد الإصبع يدا تامّة أخذت منه دية الإصبع ، واحتجّ عليه في الخلاف بالإجماع (٣) ، وفي موضع آخر من المبسوط في الفصل المذكور بعد ذلك بنحو أربع ورقات : تجزى إن كان ذلك خلقة أو بآفة من الله ، أمّا لو استحقّ ديتها لم تجز ديته ، بل تلزمه دية الإصبع. (٤)
ومن كتاب الديات ادّعى في الخلاف الإجماع على أنّ في قلع السنّ السوداء ثلث ديتها (٥) ، وذهب في النهاية إلى أنّ فيها ربع الدية (٦) ، وقال في الخلاف أيضا أنّ في الجفن الأعلى ثلثي الدية وفي الأسفل الثلث ، واحتجّ عليه بالإجماع والأخبار (٧) . وقال في النهاية في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصف (٨) ، وقال في المبسوط : وفي كلّ واحد من الأجفان ربع الدية. (٩)
وفي الخلاف في دية الخصيتين : أنّ في اليمنى الثلث ، وفي اليسرى الثلثين محتجّا بالإجماع والأخبار (١٠) . وفي المبسوط والنهاية أنّ في كلّ واحدة النصف. (١١) وإذا قتل القاتل عمدا قودا هل تجب الكفّارة في ماله ؟ قال في الخلاف : نعم محتجّا بالإجماع والأخبار (١٢) ، وقال في المبسوط : لا تجب. (١٣)
__________________
(١) الخلاف ، ج ٥ ، ص ١٥٨ ، المسألة ١٦.
(٢) المبسوط ، ج ٧ ، ص ٧٩. وذهب فيه إلى التخيير للمجنيّ عليه بين العفو على مال ، وله دية خمسون من الإبل ، وبين أن يقتصّ ، فيأخذ يدا ناقصة إصبع قصاصا ويأخذ دية الأصبع المفقودة ، ثمّ قال : فيه خلاف ، وقوّى أنّه ليس للمجنيّ عليه دية الأصبع إلّا أن يكون قد أخذ ديتها فيلزمه ذلك.
(٣) الخلاف ، ج ٥ ، ص ١٩٣ ، المسألة ٦٠. وفيه أيضا قال بالتخيير.
(٤) المبسوط ، ج ٧ ، ص ٨٥. ولا يخفى أنّ الشيخ ينقل ما نسب إليه الشهيد إلى بعض.
(٥) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، المسألة ٤٦.
(٦) النهاية ، ص ٧٦٧ ـ ٧٦٨.
(٧) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، المسألة ٢٤.
(٨) النهاية ، ص ٧٦٤.
(٩) المبسوط ، ج ٧ ، ص ١٣٠.
(١٠) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٢٥٩ ، المسألة ٦٩.
(١١) المبسوط ، ج ٩ ، ص ١٥٢ ؛ النهاية ، ص ٧٦٩.
(١٢) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٣٢٢ ، المسألة ٦.
(١٣) المبسوط ، ج ٧ ، ص ٢٤٦.
وقال في الخلاف : لا يدخل الآباء والأولاد في العقل محتجّا بالإجماع (١) ، وقال في النهاية : يدخلون فيه. (٢)
انتهى كلام الشهيد الثاني قدسسره. (٣)
ومن هذا الباب أيضا دعوى الشيخ إجماع الطائفة على العمل بأخبار الآحاد (٤) ، ودعوى المرتضى الإجماع على عدم العمل بها. (٥)
ومن هذا القسم دعوى الشيخ عليّ الإجماع وقال : إنّه لا نعرف خلافا في أنّ السورة لا تسقط عند ضيق الوقت (٦) ، مع أنّ المحقّق في المعتبر والعلّامة في المنتهى ادّعيا الإجماع على السقوط. (٧)
وفي كلام ابن زهرة في الغنية أيضا من هذا كثير ؛ لأنّه ادّعى الإجماع على أكثر الأحكام والمسائل التي ذكرها هناك ، مع وقوع الخلاف في كثير منها ، بل في أكثرها.
ونحو ذلك اتّفق في كلام ابن إدريس وغيرهم من الفضلاء المحقّقين.
وهذا هو السبب الباعث للتأويلات السابقة وأمثالها ، وهو على كلّ حال موجب لضعف الاعتماد على دعوى الإجماع.
ولقد كنت أردت أن أجمع كتابا يشتمل على المسائل الإجماعيّة والمسائل التي ادّعى فيها الإجماع ، وتخيّلت أنّه أهمّ وأنفع من جميع المسائل الخلافيّة المذكورة في المختلف ؛ لأنّ معرفة كون المسألة إجماعيّة تقتضي الاعتماد والجزم بها ، ومعرفة كونها
__________________
(١) الخلاف ، ج ٥ ، ص ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، المسألة ٩٨.
(٢) النهاية ، ص ٧٣٧.
(٣) رسالة في مخالفة الشيخ الطوسي رحمهالله لإجماعات نفسه ( رسائل الشهيد الثاني ) ج ٢ ، ص ٨٤٧ ـ ٨٥٧.
(٤) ادعاه في كتاب : العدّة في اصول الفقه ، ج ١ ، ص ١٢٦.
(٥) ادعاه في جوابات المسائل الموصليات الثالثة ( رسائل الشريف المرتضى المجموعة الاولى ) ص ٢٠٣.
(٦) قال في حاشية المختصر النافع ( حياة المحقّق الكركي وآثاره ) ج ٧ ، ص ١٥٩ : لا أعلم لأحد تصريحا بسقوط السورة للضيق ، بل التصريح بخلافه موجود في التذكرة في باب الوقت.
(٧) المعتبر ، ج ٢ ، ص ١٧١ ؛ منتهى المطلب ، ج ٥ ، ص ٥٧.
خلافيّة تقتضي التردّد والتوقّف فيها ، ثمّ عدلت عن تأليف كتاب المذكور لضعف الاعتماد على الإجماع المنقول ، لمّا رأيت من اضطراب أمره ، وعدم ثبوت حجّيّته ، وكثرة التعارض فيه.
وقد عرفت ما اعتذر لهم به الشهيد في الذكرى من الوجوه التي أكثرها بعيد (١) ، ولكن يصار إليها للضرورة ، ولأنّه أقرب إلى حسن الظنّ بهم وأنسب بجلالتهم.
والأقرب من تلك الوجوه هو الأخير ، وهو الثامن من معاني الإجماع.
وقد وقع لأفاضل المحقّقين أيضا نحو هذه الدعوى ، كما يقولون كثيرا : هذه المسألة لا نصّ فيها أصلا ، ثمّ إذا تتبّعنا نجد لها نصّا.
وكذلك يقولون : إنّ دليل هذه المسألة منحصر في حديث واحد أو حديثين مثلا ، أو يقولون : إنّ سند هذه الرواية ضعيف في كتب الحديث ، أو لم نظفر لها بسند وإنّما نقلوها بطريق الإرسال ، ونحو ذلك ممّا هو كثير ، مع ظهور الخلاف بحيث لا يشكّ فيه.
وذلك لكونه شهادة على نفي غير محصور غالبا ، وغلبة السهو والنسيان كان على (٢) طبيعة الإنسان ، حاشا من عصمه الله سبحانه من أنبيائه وحججه ، والله المسئول أن يسامحهم وإيّانا من كلّ هفوة ، ويجزيهم عنّا كلّ خير ، فقد سهلوا لنا الطريق ، وحقّقوا لنا المشكلات ؛ والله الموفّق للصواب.
الفصل السابع
في وجه حصول الخلاف مع دعوى الإجماع في كثير من المسائل
أقول : الوجه في ذلك قد صار ظاهرا بعد ما تقدّم ، وحاصله وجوه اثنا عشر :
الأوّل : عدم علم المخالف بالإجماع ، كما أنّ مدّعي الإجماع كثيرا يخفى عنه الخلاف.
__________________
(١) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٥١.
(٢) ب : ـ على.
الثاني : عدم الاعتماد على دعوى الإجماع ؛ لما عرفت من كثرة التعارض فيه ، ولا يوثق بتحقّقه (١) إلّا نادرا.
الثالث : عدم قيام الدليل على حجّيّة الإجماع المنقول بخبر الواحد.
الرابع : عدم العلم بدخول الإمام عليهالسلام في جملة المجمعين ، ومع عدم العلم بذلك لا يمكن الاعتماد عليه ؛ لما مضى ويأتي إن شاء الله (٢) .
الخامس : ظهور مخالف عنده لم يعلم به مدّعي الإجماع.
السادس : عدم اطّلاعه على سند الإجماع ، واعتقاده أنّه لا بدّ له من سند معتمد كما هو الحقّ.
السابع : اطّلاعه على نصّ أقوى من سند الإجماع باعتبار الترجيحات المرويّة عنهم عليهمالسلام ، مع عدم تحقّق دخول الإمام ، أو مع قوله بهما (٣) بأن يوجد نصوص توافق (٤) القولين.
الثامن : كون المخالف أخباريّا ووقوع الإجماع من الاصوليّين ، فإنّه لم يعتبر (٥) عنده كما علم.
التاسع : كون المخالف اصوليّا والإجماع من الأخباريّين كما مرّ.
العاشر : اطّلاعه على كون الإجماع المدّعى مجازيّا بمعنى الشهرة.
الحادي عشر : اطّلاعه على أنّه بمعنى الإجماع على النقل ، مع عدم الإجماع على نقل معارضه أيضا ورجحانه عنده.
الثاني عشر : كون زمان المخالف متأخّرا عن زمان دعوى الإجماع أو متقدّما عليه.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ المعتمد هو الإجماع بالمعنى الذي ذكرناه سابقا ، ومع عدمه يرجع إلى النصوص الثابتة ، ومع التعارض يعمل بالمرجّحات المنصوصة عنهم ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) الف ، ب : تحقّقه.
(٢) الف ، ب : ـ إن شاء الله.
(٣) الف : لهما.
(٤) الف : يوافق.
(٥) الف ، ب : لا يعتبر.
الفصل الثامن
في كيفية العمل بالإجماع مع تعارض دعواه ، أو حصول الخلاف معه
الإجماع إمّا أن يكون من الأقسام المعتبرة السابقة ، أو لا ؛ فإن كان الثاني فلا عمل به أصلا ، سواء عارضه إجماع آخر ، أو حصل معه خلاف ، أو لم يحصل شيء من ذلك ؛ وإن كان الأوّل ، فإمّا أن يكون من ضروريّات الدين ، أو من ضروريّات المذهب ، أو لا يكون واحدا منها.
فالأوّل والثاني يمتنع حصول إجماع آخر في مقابلهما ، بل يمتنع عادة دعوى إجماع يخالفها ، وإن اتّفق خلاف أو قول أو خبر يعارضهما فذلك شاذّ نادر ، معلوم أنّه لا يعتبر ، كما ورد في الأحاديث التي تتضمّن العمل بالأحاديث المختلفة.
وإن كان القسم الثالث ، فإذا تعارض إجماعان معتبران ، فإن كان أحدهما له سند ظاهر مرويّ عنهم عليهمالسلام فهو المعتبر خاصّة عملا بذلك النصّ ، وإلّا فإنّ فرض اعتبارهما يقتضي أنّ كلّ واحد منهما دالّ على وجود نصّ عن الأئمّة يوافقه ، فيجب العمل فيه بالترجيحات المنصوصة عنهم عليهمالسلام.
والذي يستفاد من تتبّع الأحاديث المعتبرة أنّه يجب ترجيح أحد الخبرين المختلفين على الآخر بوجه من وجوه اثني عشر. (١)
الأوّل : مخالفة التقيّة وموافقة معارضه لها ، فإنّه يتعلّق العمل بما يخالف التقيّة وترك ما يوافق مذهب العامّة.
وهذا عند المحدّث الماهر هو أقوى وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة ؛ لما علم بالتتبّع أنّ سبب الاختلاف إنّما (٢) هو التقيّة غالبا إن لم يكن كلّيا.
__________________
(١) ويعبّر عنها بالمرجّحات المنصوصة. انظر تفصيلها في الوافية في اصول الفقه ، ص ٣٢٤ ـ ٣٢٥.
(٢) الف : ـ إنّما.
ويفهم من هنا جواز استعلام مذاهب العامّة في المسألة التي فيها أخبار مختلفة ، إمّا بسؤال (١) علمائهم ، أو الرجوع إلى كتبهم ، فإذا علم بمذهبهم (٢) عمل بخلافه.
الثاني : مخالفة أشهر مذاهب العامّة إن كانوا مختلفين في تلك المسألة.
ووجه ذلك ـ بعد النصّ في حديث عمر بن حنظلة وغيره ـ هو أنّ التقيّة لمّا كانت سببها الخوف ودفع المفسدة ، كانت واردة بحسب شدّة الخوف وقوّة المفسدة ، وذلك في الطرف المذكور ، وخلافه قليل نادر. ولذلك وردت أكثر أحاديث التقيّة موافقة لمذهب (٣) أبي حنيفة ؛ لأنّه كان أشهر مذاهب العامّة في أكثر أوقات ظهور الأئمّة عليهمالسلام.
الثالث : كون راوي أحد الحديثين أعدل من راوي الآخر ، أو كون أحد الراويين (٤) عدلا والآخر غير عدل.
الرابع : كون راوي أحدهما فقيها خاصّة ، أو أفقه من راوي الآخر.
الخامس : كون أحدهما خاصّة صادقا في الحديث ، أو أصدق من راوي الآخر.
السادس : كون أحدهما خاصّة ورعا ، أو أورع من راوي الآخر.
والظاهر أنّ هذا معتبر في كلّ راو من الرواة ، فيرجّح أحد الحديثين المختلفين على الآخر بكلّ واحد من هذه الوجوه الأربعة في كلّ مرتبة من المراتب.
ولا يخفى أنّ هذا مع حصول الشكّ في ثبوت نقل الحديث عن المعصوم ، أمّا مع وجود القرائن المفيدة للعلم فيشكل الاعتماد على ذلك ، ولهذا قال بعض المحقّقين : إنّ ذلك إنّما هو قبل تدوين الأحاديث في الكتب والشهادة بصحّتها ، فضلا عن الإجماع عليها ، أو الشهادة بنقلها عن الكتب المعتمدة الصحيحة المجمع عليها ، كالكتب الأربعة ونحوها التي نصّ مؤلّفوها على نقلها من تلك الاصول. وهذا التخصيص يمكن أن يستفاد من حديث عمر بن حنظلة ؛ إذ هو ظاهر في أنّ الحديثين
__________________
(١) الف ، ب : لسؤال.
(٢) الف ، ب : مذهبهم.
(٣) الف : بمذهب.
(٤) م : الروايتين.
غير موجودين في كتاب معتمد.
السابع : موافقة الإجماع على التفصيل السابق في الصور التي يمكن فيها ، فإنّ الحديث الموافق له يتعيّن العمل به وإن خالفه ما لم يوافق إجماعهم.
الثامن : موافقة الشهرة ، فإنّه يرجّح بها الخبر على ما خالفه وإن وافق قولا شاذّا نادرا ؛ للأمر بتركه في الحديث المشار إليه.
التاسع : موافقة الحديث للقرآن كما تقدّم ، ولكن بملاحظة الأحاديث الواردة في أنّه لا يجوز العمل في تفسير القرآن إلّا بنصّ منهم (١) عليهمالسلام يتعيّن تخصيص هذه الأخبار بأنّ المراد منها ما وافق الواضحات والمحكمات من القرآن ، فأمّا ما يحتمل الاحتمالات الكثيرة أو احتمالين ، فلا يمكن الترجيح بموافقته. وهو يفهم من بعض الأخبار مع قرينة التصريحات المذكورة.
العاشر : موافقة السنّة الثابتة ، فإنّه إذا ورد حديث يوافقه حديث آخر أو أكثر ، تعيّن العمل بما له موافق ، سواء كان عن الرسول صلىاللهعليهوآله أو عن الأئمّة ؛ ولذلك تراهم يعملون بأكثر القسمين من الأخبار ، ويؤوّلون الأقلّ غالبا ، وذلك هو الموافق لحكمة أهل العصمة إذا أرادوا ترجيح أحد الطرفين.
الحادي عشر : كثرة رواة أحد الحديثين بالنسبة إلى الآخر.
وهذا قريب ممّا قبله ، وربما يرجع إلى الشهرة ، فإنّها قد تكون في النقل ، وقد تكون في العمل.
الثاني عشر : كون أحد الحديثين متأخّرا في التاريخ عن الآخر ، فإنّ المتأخّر أرجح.
وهذا ليس على إطلاقه ، فإنّه روي أنّ إمام كلّ زمان أعرف بزمانه وبحكمه ، ولا يخفى أنّ ذلك لا يبقى طول العهد وامتداد الدهر ، ولذلك خلت عن هذا المرجّح أكثر الأحاديث المعتبرة.
__________________
(١) الف ، ب : عنهم.
ويظهر بالتأمّل أنّه راجع إلى اعتبار التقيّة وعدمها ، وبالجملة المرجّحات السابقة أرجح منه بمراتب.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه إذا لم يمكن الترجيح بشيء ممّا ذكر ، فالأولى موافقة الاحتياط ؛ للأمر به في أحاديث كثيرة ، وهو آخر الترجيحات الواردة. وقد ورد أنّه يعمل به بعد العجز عن المرجّحات المذكورة كلّها ، وهو يقتضي التوقّف في الفتوى والإتيان بما يتردّد بين الوجوب والاستحباب ، أو بينه وبين الإباحة والكراهة ، وترك ما يتردّد بين التحريم وغيره.
وهذا مذهب جماعة من الأصحاب ، وذهب بعضهم إلى التخيير عند العجز عن الترجيح ، وهو مذهب جماعة.
وقد فصّل بعض المحقّقين من المتأخّرين (١) بحمل أحاديث التوقّف والاحتياط (٢) على ما كان من حقوق الناس كالدين والميراث والزكاة والخمس والكفّارة ونحوها ، وحمل أحاديث التخيير على العبادات المحضة كالصلاة ونحوها.
وهذا التفصيل في غاية الجودة ، بل يتعيّن المصير إليه ؛ لأنّ حديث عمر بن حنظلة الذي تضمّن الأمر بالتوقّف والاحتياط موضوعه الدين والميراث.
وقد روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى (٣) القائم ، فتردّ إليه » .
وعن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ؟ قال : « لا تعمل بواحد منهما حتّى يأتي (٤) صاحبك فتسأله عنه » . قال : قلت : لا بدّ أن نعمل بأحدهما ، قال : « خذ بما فيه خلاف العامّة » .
__________________
(١) بعض المتأخّرين من المحقّقين.
(٢) الف ، ب : أو الاحتياط.
(٣) ب : حتّى تلقى.
(٤) في المصدر : حتّى تلقى.
وعن الحسن بن جهم ، عن الرضا عليهالسلام قال : قلت : تجيئني (١) الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : « ما جاءكم عنّا اعرضوه على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا ، فإن كان ذلك يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا » . قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، فلم نعلم الحقّ ، قال : « إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » . (٢)
وفي جواب مكاتبة عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليهالسلام : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة : هل يجب عليه أن يكبّر ، فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ، ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد ؟
[ فكتب ] في الجواب عن ذلك : « حديثان : أمّا أحدهما : فإنّه إذا انتقل من حالة إلى اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الحديث الآخر : فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا » . (٣)
وروى الشيخ بسنده عن عليّ بن مهزيار قال : قرأت في كتاب إلى أبي الحسن عليهالسلام :
اختلف أصحابنا في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم أن لا تصلّهما إلّا على الأرض ، فوقّع عليهالسلام : « موسّع عليك بأيّة عملت » . (٤)
أقول : فهذان الحديثان مع حديث عمر بن حنظلة قرينتان على التفصيل ، لكن عدم وجود شيء من المرجّحات في الحديثين المختلفين أمر ذكره بعض الرواة على وجه الفرض والتقدير ، ولا وقوع له ، كما ذكره الطبرسي في كتاب الاحتجاج ، والاعتبار
__________________
(١) الف : يجيء. ب : يجيئني. وفي المصدر : تجيئنا.
(٢) الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٢٢ ، ح ٣٣٣٧٣ و٣٣٣٧٤ و٣٣٣٧٥.
(٣) الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٠٣ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٦٢ ، ح ٨١٩٢.
(٤) تهذيب الأحكام ، ج ٣ ، ص ٢٢٨ ، ح ٥٨٣ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ٨٩ ، ح ٤٥٨٧.
والتتبّع وحكمة أهل العصمة تحكم بما ذكره (١)
ويتعيّن هنا أن نذكر هنا (٢) بعض الأحاديث الدالّة على المرجّحات المذكورة على وجه التبرّك ، ونقتصر منها على اثني عشر ليتمّ التبرّك :
الأوّل : ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في باب اختلاف الحديث عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة ، أيحلّ ذلك ؟
قال : « من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له به فإنّما يأخذ سحتا وإن كان حقّا ثابتا له ؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد امروا أن يكفروا به ؛ قال الله تعالى : ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ. ﴾(٣)
قلت : فكيف يصنعان ؟
قال : « ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم الله ، وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله ، وهو على حدّ الشرك بالله » .
قلت : فإن كان كلّ واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟
قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر » .
قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضّل واحد منهما على صاحبه ؟
__________________
(١) الف : بما ذكر.
(٢) ب : ـ هنا.
(٣) النساء (٤) : ٦٠.
قال : فقال : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من (١) أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه. وإنّما الامور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله صلىاللهعليهوآله ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم » .
قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ؟
قال : « ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة ، فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة » .
قلت : جعلت فداك ، إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ ؟
قال : « ما خالف العامّة ففيه الرشاد » .
قلت : جعلت فداك ، فإن وافقهما الخبران جميعا ؟
قال : « ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم ، فيترك ، ويؤخذ بالآخر » .
قلت : فإن وافق حكّامهم الخبران جميعا ؟
قال : « إذا كان كذلك ، فارجه حتّى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » . (٢)
أقول : هذا الحديث الشريف وحده كاف في هذا الباب ، كافل بإزالة الشكّ والارتياب ، صريح في صحّة طريقة الأخباريّين دون طريقة الاصوليّين ؛ لتضمّنه وجوب الرجوع إلى رواة الحديث فيما رووه من الأحكام عنهم عليهمالسلام ، وعدم إشعاره
__________________
(١) هكذا في « م » والكافي. وفي الف ، ب : بين. وفي الوسائل : عند.
(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٨ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١ ، ص ٣٤ ، ح ١٥ ، وفيه قطعة من الحديث ؛ وج ٢٧ ، ص ١٠٧ ، ح ٣٣٣٣٤.
باشتراط الملكة التي اعتبروها في المجتهد (١) أصلا.
ورواته كلّهم في غاية الثقة والجلالة ، وإن كانوا لم يصرّحوا بتوثيق عمر بن حنظلة ، فقد وثّقه الشهيد الثاني في دراية الحديث عملا بحديث الوقت (٢) ، وقول راويه : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا لا يكذب علينا » . (٣)
وقد اعترضه الشيخ حسن بضعف سند حديث الوقت (٤) .
وهو واضح السقوط على طريقة الأخباريّين ؛ لظهور القرائن الآتية إن شاء الله تعالى.
ولا يلزم الدور ؛ لأنّ الاصوليّين قد قبلوا هذا الحديث حتّى سمّوه مقبولة عمر بن حنظلة ووثّقوا راويه (٥) ، على أنّ الأدلّة في المقامين كثيرة جدّا ، وقد تضمّن الحديث أكثر المرجّحات المنصوصة ، وفيه إشارة إلى تلازم كثير منها غالبا فلا تغفل.
وقريب من هذا الحديث ما نقله محمّد بن عليّ بن جمهور الأحسائي في كتاب غوالي اللئالي قال : روى العلّامة مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال : سألت الباقر عليهالسلام فقلت : يأتينا عنكم الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نأخذ ؟
قال : « يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر » .
فقلت : يا سيّدي ، إنّهما مشهوران مرويّان مأثوران عنكم.
فقال عليهالسلام : « خذ بما يقول أعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك » .
فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان ثقتان.
فقال : « انظر إلى ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه ، وخذ بما خالفهم فإنّ الحقّ
__________________
(١) حيث اعتبروا في المجتهد ملكة الاستنباط. انظر عوائد الأيّام ، ص ٥٤٧ ؛ وهداية المسترشدين ، ج ٣ ، ص ٦٢٢.
(٢) شرح البداية في علم الدراية ، ص ٤٧.
(٣) الكافي ، ج ٣ ، ص ٢٧٥ باب وقت الظهر والعصر ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٤ ، ص ١٣٢ ، ح ٤٧٢٠.
(٤) منتقى الجمان ، ج ١ ، ص ١٩.
(٥) عبّر عنها بالمقبولة الميرزا القمّي في قوانين الاصول ، ص ٣٠٤ ؛ والنراقي في عوائد الأيّام ، ص ٥٣٤ و٥٣٩ و٥٥٢ و٦٩٠ و٨٢٨ ؛ والاصفهاني في هداية المسترشدين ، ج ٣ ، ص ٤٤١. ولا يخفى أنّه لم يرد توثيق صريح لعمر بن حنظلة إلّا من الشهيد الثاني في الدراية.
فيما خالفهم » (١) .
فقلت : ربّما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع ؟
فقال : « إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » .
فقلت : إنّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له ، فكيف أصنع ؟
فقال : « إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ، وتدع الآخر » . (٢)
وفي رواية أنّه عليهالسلام قال : « إذن فأرجه حتّى تلقى إمامك ، فتسأله » . (٣)
الثاني : ما رواه الكليني أيضا في الباب المذكور عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن نصر الخثعمي قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « من عرف أنّا لا نقول إلّا حقّا فليكتف بما يعلم منّا ، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه » . (٤)
الثالث : ما رواه في باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا ؛ فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه » . (٥)
ورواه الشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في رسالة له ، عن محمّد وعليّ ابني عليّ بن عبد الصمد ، عن أبيهما ، عن أبي البركات عليّ بن الحسين ، عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن
__________________
(١) الف ، ب : ـ فإنّ الحقّ فيما خالفهم.
(٢) عوالي اللآلي ، ج ٤ ، ص ١٣٣ ، ح ٢٢٩ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٤٥ ، ح ٥٧ ، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.
(٣) عوالي اللآلي ، ج ٤ ، ص ١٣٣ ، ح ٢٣٠ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٤٥ ، ح ٥٧.
(٤) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٥ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٦ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٧ ، ح ٣٣٣٣٦.
(٥) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٨ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ١ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٩ ، ح ٣٣٣٤٣.
جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام. (١)
الرابع : ما رواه فيه عن محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان ، عن ابن أبي يعفور قال : وحدّثني حسين بن أبي العلاء (٢) أنّه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به ؟
قال : « إذا ورد عليكم حديث ، فوجدتم له شاهدا (٣) من كتاب الله [ أو من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله (٤)] وإلّا فالذي جاءكم به أولى به » . (٥)
الخامس : ما رواه فيه عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أيّوب بن الحرّ قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكلّ حديث لم يوافق كتاب الله فهو زخرف » . (٦)
السادس : ما رواه فيه عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أيّوب بن راشد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ما لم يوافق من الحديث
__________________
(١) هذه الرسالة مفقودة في عصرنا ، رواه عنها المصنّف في وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٩ ، ح ٣٣٣٦٨ ؛ والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ٢٥٧ ، ح ٣٣٤.
(٢) قال العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج ١ ، ص ٢٢٨ : « قوله : حدّثني حسين بن أبي العلاء ، هذا الكلام يحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون كلام عليّ بن الحكم ، يقول : حدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه ، أي الحسين حضر ابن أبي يعفور في المجلس الذي سمع منه أبان. الثاني : أن يكون كلام أبان بأن يكون الحسين حدّثه أنّه كان حاضرا في مجلس سؤال ابن أبي يعفور عنه عليهالسلام. الثالث : أن يكون أيضا من كلام أبان وحدّثه الحسين أنّ ابن أبي يعفور حضر مجلس السؤال عنه عليهالسلام وكان السائل غيره ، ولعلّ الأوسط أظهر » .
(٣) الف ، ب : + آخر.
(٤) قال العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٢٨ : « جزاء الشرط محذوف ، أي فاقبلوه » .
(٥) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٢ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٠ ، ح ٣٣٣٤٤.
(٦) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٣ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١١ ، ح ٣٣٣٤٧.
القرآن فهو زخرف » . (١)
السابع : ما رواه أيضا فيه عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « خطب النبيّ صلىاللهعليهوآله بمنى فقال : أيّها الناس ، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله » . (٢)
الثامن : ما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار عن أبيه ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عبد الله المسمعي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن الرضا عليهالسلام أنّه سأل عن الحديثين المختلفين فقال : « اعرضوهما على كتاب الله ، فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاتّبعوا ما وافق سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فاتّبعوا ما وافق أمره ونهيه ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الآخر خلافه فذلك رخصة ، فما عافه رسول الله وكرهه ولم يحرمه ، وذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوه إلينا ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » . (٣)
التاسع : ما رواه الكليني في باب اختلاف الحديث عن عليّ ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بالأخذ به ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع به ؟ قال : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في
__________________
(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٠ ، ح ٣٣٣٤٥.
(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٩ ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ، ح ٥ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١١ ، ح ٣٣٣٤٨.
(٣) عيون أخبار الرضا ، ج ٢ ، ص ٢٣ ، باب ما جاء في الحديثين المختلفين ، ح ٤٥ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٣ ، ح ٣٣٣٥٤ مع اختلاف يسير في اللفظ.
سعة حتّى يلقاه » .
قال الكليني : وفي رواية اخرى : « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك » . (١)
العاشر : ما رواه أيضا فيه عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « أ رأيتك لو حدّثتك بحديث العام ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ ؟ » قال : كنت آخذ بالأخير ، فقال : « رحمك الله » . (٢)
الحادي عشر : ما رواه أيضا فيه عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس ، عن داود بن فرقد ، عن المعلّى بن خنيس قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ ؟ قال : « خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله » . قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إنّا [ والله ] لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم » .
قال الكليني : وفي رواية اخرى : « خذوا بالأحدث » . (٣)
الثاني عشر : ما رواه رئيس الطائفة في الاستبصار في باب الخلع بإسناده عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن الحسن بن أيّوب (٤) ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ما سمعت منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه » . (٥)
__________________
(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٦ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٧ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٨ ، ح ٣٣٣٣٨ و٣٣٣٣٩.
(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٨ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٨ ، ح ٣٣٣٤٠.
(٣) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ٩ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٩ ، ح ٣٣٣٤١ و٣٣٣٤٢.
(٤) كذا ، وفي الاستبصار والتهذيب : الحسن بن أيّوب ؛ بدل : عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن الحسن بن أيّوب.
(٥) الاستبصار ، ج ٣ ، ص ٣١٨ ، ح ١١٣٠ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ٨ ، ص ٩٨ ، ح ٣٣٠ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٥ ، ٢٨٦٠٥.
وفي معناه ما رواه الشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندى في رسالة له قال : أخبرنا الشيخان محمّد وعليّ ابنا عليّ بن عبد الصمد ، عن أبيهما ، عن أبي البركات عليّ بن الحسين ، عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : قال الصادق عليهالسلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما الف كتاب الله فذروه ، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامّة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه » . (١)
وبالإسناد عن ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن رجل ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن السري قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم » . (٢)
وعنه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن ابن فضّال الحسن بن الجهم قال : قلت للعبد الصالح عليهالسلام : هل يسعنا فيما يرد علينا منكم إلّا التسليم لكم ؟ فقال : « لا والله ، لا يسعكم إلّا التسليم لنا » .
فقلت : فيروى عن أبي عبد الله عليهالسلام حديث ويروى عنه خلافه ، فبأيّهما نأخذ ؟ قال : « خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه » . (٣)
وعنه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « ما أنتم والله
__________________
(١) رسالة قطب الدين الراوندى مفقودة في عصرنا ، رواه عنها المصنّف في وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ١١٨ ، ٣٣٣٦٢ والعلّامة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٣٥ ، ح ٢٠.
(٢) وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٨ ، ح ٣٣٣٦٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٣٥ ، ح ١٧.
(٣) وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٨ ، ح ٣٣٣٦٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٣٥ ، ح ١٨.
على شيء ممّا هم عليه ، ولا هم على شيء ممّا أنتم عليه فخالفوهم ، فما هم من الحنيفية على شيء » . (١)
وعنه ، عن محمّد بن الحسن ، عن الصفّار عن ، أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبى عمير ، عن داود بن الحصين ، عمّن ذكره ، عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : « والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتّباع غيرنا ، وإنّ من وافقنا خالف عدوّنا ، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منهم » . (٢)
وعنه ، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الله قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : كيف نصنع بالخبرين المختلفين ؟ فقال : « انظروا ما يخالف منهما العامّة فخذوه ، وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه. » (٣)
وفي عيون الأخبار عن محمّد بن علىّ ما جيلويه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد السيّاري ، عن عليّ بن أسباط قال : قلت للرضا عليهالسلام : يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك قال : فقال : « ايت فقيه البلد واستفتيه في أمرك ، فإذا أفتاك بشيء ، فخذ بخلافه ، فإنّ الحقّ في خلافه » . (٤)
ورواه الشيخ في كتاب القضاء من التهذيب. (٥)
أقول : والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّا ولكن لا تخرج (٦) عن المرجّحات المذكورة ؛ والله الموفّق.
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٩ ، ح ٣٣٣٦٥.
(٢) وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١١٩ ، ح ٣٣٣٦٦.
(٣) المصدر ، ح ٣٣٣٦٧.
(٤) عيون أخبار الرضا ، ج ١ ، ص ٢٤٨ ، ح ١٠.
(٥) تهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، ح ٨٢٠. ومن قوله : « وفي معناه ما رواه الشيخ قطب الدين ... » إلى هنا لم يرد في نسخة الف وب.
(٦) الف : لا يخرج.
الفصل التاسع
فيما يعرف به دخول المعصوم في الإجماع
قد عرفت أنّ أصحابنا متّفقون على أنّ الإجماع ليس بحجّة إذا لم يعلم دخول الإمام فيه ؛ فاعلم أنّه يمكن العلم بدخوله في جملة أقوال المجمعين بوجوه :
الأوّل : كون الإجماع على حكم من ضروريّات الدين ، فإنّ العلم بدخوله في ذلك الإجماع ضروريّ لا شكّ فيه أصلا.
الثاني : كون الإجماع على حكم من ضروريّات المذهب ، والعلم بدخوله فيه (١) أيضا ضروريّ لا يشكّ فيه أحد.
الثالث : كون الإجماع في زمن ظهوره مع موافقته عليهالسلام مشافهة بحيث لا يحتمل التقيّة.
الرابع : حصول التواتر بقول المعصوم بوجود حديث متواتر عن أحدهم عليهمالسلام تواترا لفظيا أو معنويا ، وحينئذ لا يمكن وجود معارض له يساويه فضلا عن أن يرجّح عليه ببعض المرجّحات المنصوصة.
الخامس : حصول خبر محفوف بالقرائن الدالّة على العلم بقوله عليهالسلام وأنّه موافق للإجماع.
السادس : كون الإجماع من الأخباريّين ؛ للعلم بأنّهم لا يعتمدون على قول غير المعصوم أصلا ، والتتبّع والتصريحات منهم ومن الاصوليّين دالّة على ذلك ، وهو معلوم قطعا من طريقتهم.
وقد صرّحوا ببطلان الاجتهاد والقياس والاستنباطات الظنّيّة ، وممّن صرّح بذلك الشيخ في كتاب العدّة فقال : وأمّا الاجتهاد والقياس فعندنا باطلان لا يجوز العمل
__________________
(١) الف ، م : ـ فيه.
بهما. (١) وكذلك صرّح المرتضى وغيرهما. (٢)
وأمّا ما ذكره بعض الاصوليّين من أنّه متى حصل الإجماع ، حصل العلم بدخول قول الإمام ، فهو كلام لا دليل عليه ، ولا سند له عقلا ولا نقلا. وقد عرفت سابقا طرفا من الكلام في ذلك.
وقد قال بعض المحقّقين : الحقّ أنّ الاطّلاع على قول الإمام مع غيبة شخصه وخفاء عينه وانقطاع أخباره وأقواله ومكانه في مدّة تقرب من سبعمائة سنة أو أقلّ أو أكثر ، بحيث لم يعلم أنّه في أيّ قطر من أقطار الأرض : مشارقها ومغاربها ، برّها وبحرها ، سهلها وجبلها ، وأنّه ممازج للناس ومخالط ومقابل لهم ، أو منزو عنهم ساكن في أقاصي الأرض وأباعدها ، أو هو في كهف جبل منقطع عن الخلق ، أو هو في بعض الجزائر بحيث لا يصل إليه أحد من الناس ، إلى غير ذلك ممّا لا سبيل إليه ولا دليل عليه ، وهل دعوى ذلك إلّا مجازفة ظاهرة وتعسّف بيّن ؟
ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق الفقهاء والعلماء في عصر من الأعصار على حكم من الأحكام لا يكفي في العلم بدخول الإمام ؛ إذ الذي يحصل العلم به اتّفاق الفقهاء والعلماء من أرباب الفتاوى والتصنيف الذي أخبارهم متواترة وآثارهم متواصلة ، وهم ساكنون في البلاد ، معروفون بالأشخاص والأعيان ، محصورون ، معدودون ، ولا سبيل إلى غير ذلك. ومجرّد ذلك لا يكفي في صحّة الادّعاء المذكورة. انتهى. (٣)
وقريب منه كلام شهيد الثاني في بعض رسائله. (٤)
ومن تأمّل كلامهم وجده مضطربا هنا ، فإنّهم تارة يقولون : لا بدّ من وجود من
__________________
(١) العدّة في اصول الفقه ، ج ١ ، ص ٨.
(٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ، ج ٢ ، ص ٦٦٩ فما بعد ، وانظر الوافية في اصول الفقه ، ص ٢٣٦.
(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٤) رسالة في صلاة الجمعة ( رسائل الشهيد الثاني ) ، ج ١ ، ص ٢٣٤.