أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٩٢
فعل ذلك لم يرتكب محرّما ، ولا كفّارة عليه ، ويجب عليه القضاء وإتمام اليوم إذا كان فعله من غير مراعاة الفجر ، وإن كان معها فلا قضاء عليه ، بلا خلاف في أكثر تلك الأحكام ، بل على بعضها الإجماع في طائفة من عبارات الأصحاب (١).
ويدلّ على الأول : قوله سبحانه ( حَتّى يَتَبَيَّنَ ) (٢).
ورواية إسحاق : آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشكّ ، قال : « كل حتى لا تشكّ » الحديث (٣).
وموثّقة سماعة : عن رجلين قاما فنظرا الى الفجر ، فقال أحدهما : هو ذا ، وقال الآخر : ما أرى شيئا ، قال : « فليأكل الذي لم يستبن له الفجر » الحديث (٤). مضافا إلى الأصل.
خلافا فيه للخلاف ، فلم يجوّز فعل المفطر مع الشكّ في دخول الفجر (٥) ، قيل : لأدلّة وجوب القضاء ، والأمر بالإمساك في النهار ، الذي هو اسم للنهار الواقعي ، فيجب ولو من باب المقدّمة (٦).
ويردّ بمنع دلالة لزوم القضاء على منع الفعل ، لعدم التلازم بينهما ، ومنع الأمر بالإمساك في النهار الواقعي ، بل فيما تبيّن عند المكلّف أنّه النهار كما مرّ.
__________________
(١) كما في الانتصار : ٦٥ ، الخلاف ٢ : ١٧٥.
(٢) البقرة : ١٨٧.
(٣) التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٦٩ ، الوسائل ١٠ : ١٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٩ ح ١.
(٤) الكافي ٤ : ٩٧ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٨٢ ـ ٣٦٥ ، الوسائل ١٠ : ١١٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٨ ح ١.
(٥) الخلاف ٢ : ١٧٥.
(٦) انظر الرياض ١ : ٣١٢.
ومنه يظهر الجواز مع ظنّ دخول الفجر أيضا ما لم يكن ظنّا معتبرا شرعا ، كأذان الثقة.
نعم ، يجب القضاء في جميع الصور ما لم يراع ، كما يأتي.
ويدلّ على الثاني : الأصل السالم عن المعارض.
وعلى الثالث : المستفيضة ، كحسنة معاوية ، بل صحيحته : آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ، ثمَّ أنظره فأجده قد طلع حين نظرت ، قال : « تتمّ يومك ثمَّ تقضيه ، أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه » (١). ولا يضرّ عدم دلالة قوله « يقضيه » على الوجوب مع دلالة مفهوم آخر الحديث عليه.
وصحيحة الحلبي : عن رجل تسحّر ثمَّ خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، قال : « يتمّ صومه ذلك ثمَّ ليقضه ، فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر » الحديث (٢).
وموثقة سماعة : عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان ، فقال : « إن كان قام فنظر ولم ير الفجر فأكل ثمَّ عاد فنظر فرأى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قد قام فأكل وشرب ثمَّ نظر إلى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قد قام فأكل وشرب ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه وليقض يوما آخر » (٣).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٩٧ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٦٨ بتفاوت ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١٣ ، الوسائل ١٠ : ١١٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٦ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ ـ ٣٧٩ ، الوسائل ١٠ : ١١٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٩٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٢ ـ ٣٦٦ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ ـ ٨١١ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ ـ ٣٧٨ ، الوسائل ١٠ : ١١٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ٣.
ورواية عليّ بن أبي حمزة : عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم ـ في شهر رمضان ـ قال : « يصوم يومه ذلك ويقضي يوما آخر ، وإن كان قضاء لرمضان في شوّال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضي » (١).
إلى غير ذلك ، كصحيحة إبراهيم بن مهزيار (٢) ، ورواية العيص والرضوي الآتيين (٣).
والمذكور في تلك الروايات وإن كان الأكل والشرب والجماع ، إلاّ أنّه يتعدّى إلى غيرها من المفطرات بالإجماع المركّب ، وإطلاقها يشمل ما لو كان الاستصحاب مع ظنّ بقاء الليل أو الشكّ.
وعلى الرابع ـ أي عدم وجوب القضاء مع مراعاة الفجر ـ : صريح الحسنة والموثّقة المتقدّمتين ، وبهما يقيّد إطلاق بعض آخر ، مع أنّ الظاهر منه أيضا عدم المراعاة.
فروع :
أ : المراد بالمراعاة المسقطة للقضاء : هو تفحّصه ونظره بنفسه ، فلو أخلد إلى إخبار الغير أو القرائن ـ كآلات الساعة ونحوها ـ لم يسقط القضاء ، سواء كان المخبر واحدا أو كثيرا ، لإطلاق النصوص.
واستوجه الثانيان وصاحبا المدارك والذخيرة سقوط القضاء إن كان
__________________
(١) الكافي ٤ : ٩٧ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ١١٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٥ ح ٣.
(٢) التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ١٠ : ١١٥ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ٢.
(٣) في ص : ٢٨٥ ، ٢٨٦.
المخبر عدلين ، لكونهما حجّة شرعيّة (١).
وزاد بعض متأخّري المتأخّرين فقال بالاكتفاء بالعدل الواحد (٢) ، للأصل ، لاختصاص بعض الأخبار بإخبار الجارية ، وبعض آخر بصورة عدم إخبار الغير ، ودلالة الاستقراء على الاعتماد على القول الواحد.
ويردّ بمنع كون العدلين حجّة شرعيّة بالإطلاق ، لعدم ما دلّ عليها كذلك ، بل عدم فائدته لو كان أيضا ، لأنّ كونهما حجّة شرعيّة لا ينافي وجوب القضاء معهما.
وأما القول بأنّه يخصّص بإخبار القضاء لو كان ، فغير جيّد ، لأنّ التعارض يكون حينئذ بالعموم من وجه ، فيرجع إلى الأصل.
وممّا ذكر يظهر فساد إطلاق الاعتماد على العدل أيضا ، والاعتماد عليه أو عليهما في بعض الموارد لا يوجب التعدّي ولا يثبت استقراء.
وأمّا دعوى اختصاص الأخبار بصورة عدم إخبار الغير فممنوعة جدّا ، بل يشمله وغيره مفهوما ومنطوقا.
ب : المشهور في كلام الأصحاب (٣) ـ بل قيل : بلا خلاف أجده (٤) ـ تقييد وجوب القضاء مع عدم المراعاة بصورة إمكانها ، فلو لم يتمكّن منها ـ لحبس أو عمى ـ لم يجب عليه القضاء مع تركها ومصادفة المفطر للفجر.
وقيل : إنّ الأحوط القضاء حينئذ (٥).
__________________
(١) الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٢ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٦٥ ، المدارك ٦ : ٩٣ ، الذخيرة : ٥٠١.
(٢) انظر الحدائق ١٣ : ٩٦.
(٣) كما في الحدائق ١٣ : ٩٢.
(٤) كما في الرياض ١ : ٣١١.
(٥) كما في الحدائق ١٣ : ٩٤.
وهو كذلك ، بل هو الأقوى ، إلاّ أن يكون إجماع على خلافه ، لإطلاق الأخبار الدافع للأصل.
ودعوى اختصاص النصوص بصورة القدرة عليها ـ كما قيل (١) ـ ممنوعة ، واستنادها إلى التبادر وغيره لا وجه له ، إذ التبادر غير مفهوم ، والمراد من غيره غير معلوم.
ج : لو علم عدم ترتّب أثر على المراعاة ـ لغيم ونحوه ـ ومع ذلك قام ونظر وأفطر ، يسقط القضاء قطعا ، للإطلاقات.
وهل يسقط حينئذ مع ترك النظر أيضا ، أم لا؟
نعم ، لأنّ من المعلوم أنّ المقصود من النظر ظهور عدم تبيّن الفجر ، والمفروض أنّه حاصل ، وأيضا علّق عدم الإعادة في الموثّقة على عدم رؤية الفجر بعد النظر (٢) ، وهو يعلم أنّه كذلك ، فلا أثر للنظر.
والفرق بين تلك الصورة وصورة عدم القدرة على النظر : أنّ ثمرة النظر حاصلة هنا ، وهي عدم ظهور الفجر ، دون صورة عدم القدرة ، إذ لو كان أمكن له النظر فلعلّ الفجر قد تبيّن.
د : لو أخبر بالطلوع ، فظنّ كذبه وأكل من غير مراعاة ، ثمَّ ظهر صدقه ، فالحكم كما ذكر بعينه ، لما مرّ كذلك.
وتدلّ على خصوص المسألة صحيحة العيص : عن رجل خرج في رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر إلى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي » (٣).
__________________
(١) في الرياض ١ : ٣١١.
(٢) راجع ص : ٢٨٢.
(٣) الكافي ٤ : ٩٧ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٣ ـ ٣٦٧ بتفاوت يسير ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٤ ، الوسائل ١٠ : ١١٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٧ ح ١.
والرضوي : « ولو أنّ قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج ، ثمَّ قال : قد طلع الفجر ، وظنّ أحدهم أنّه يمزح ، فأكل وشرب ، كان عليه قضاء ذلك اليوم » (١).
واستقرب الفاضل في المنتهى والتحرير والشهيدان (٢) وغيرهم (٣) وجوب الكفّارة بإخبار العدلين ، ونفى بعض مشايخنا البعد عنه بإخبار العدل أيضا (٤).
وهو كذلك ، بناء على ما ذكرنا في كتاب الصلاة من جواز التعويل ـ بل وجوبه ـ على إخبار العدل في دخول الوقت.
ولا تنافيه الروايتان ، لأنّ عدم ذكر الكفّارة فيهما لا يدلّ على العدم ، مع أنّ المذكور فيهما ظنّ السخر والمزاح دون الخبر الواقعي ، وإثبات الكفّارة في مثله مشكل ، لأنّه ليس خبرا بدخول الوقت عنده ، بل يزعم عدم إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ.
هـ : صرّح جماعة ـ منهم الفاضل (٥) وغيره (٦) ـ باختصاص الحكم المذكور بصوم شهر رمضان ، فلو تناول المفطر في غيره فسد صومه وأفطر يومه ، واجبا كان معيّنا أو غير معيّن أو غير واجب ، كان التناول قبل المراعاة أم بعده.
__________________
(١) فقه الرضا «ع» : ٢٠٨ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٤٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٢ ح ١.
(٢) المنتهى ٢ : ٥٧٨ ، التحرير ١ : ٨٠ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٧٣ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٢.
(٣) الرياض ١ : ٣١١.
(٤) انظر الحدائق ١٣ : ٩٧.
(٥) في المنتهى ٢ : ٥٧٧.
(٦) كما في الرياض ١ : ٣١١.
وهذا الحكم في غير الواجب المعيّن واضح ، والظاهر عدم خلاف فيه أيضا ، لاختصاص جميع روايات الحكم المذكور بصوم شهر رمضان ، أو ما يجب قضاؤه ، وليس شيء من الواجب المطلق والمندوب كذلك ، وعدم معلوميّة صدق الصوم عليه ، بل هو ليس بصوم لغوي ولا عرفي البتّة. وأمّا الشرعي فصدقه غير معلوم ، وصحّة الصوم شرعا في بعض ما ليس بالصومين ـ كالناسي ونحوه ـ لا توجب الاطّراد.
هذا ، مضافا إلى التصريح به في صحيحة الحلبي (١) ، ورواية ابن أبي حمزة (٢) ، وموثّقة إسحاق : يكون عليّ اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحا ، أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك اليوم يوما آخر أو أتمّ على صوم ذلك اليوم وأقضي يوما آخر؟ فقال : « لا ، بل تفطر ذلك اليوم ، لأنّك أكلت مصبحا ، وتقضي يوما آخر » (٣).
وجميع ذلك يشمل المراعي وغيره ولا مقيّد له ، وما يفرق بين المراعي وغيره مخصوص بغير ما ذكر.
وأمّا الواجب المعيّن ـ غير شهر رمضان ـ ففيه وجهان :
أحدهما : أنّه كالواجب المطلق ، لاختصاص أكثر روايات المسألة ـ كموثّقة سماعة ، وصحيحة ابن مهزيار ، وصحيحة الحلبي ، ورواية ابن أبي حمزة (٤) ، وصحيحة العيص (٥) ـ بشهر رمضان ، وإطلاق الصحيحة بلزوم الإفطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.
__________________
(١) المتقدمة في ص : ٢٨٢.
(٢) المتقدمة في ص : ٢٨٣.
(٣) الكافي ٤ : ٩٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٠ : ١١٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٥ ح ٢.
(٤) المتقدّمة جميعا في ص : ٢٨٢ ، ٢٨٣.
(٥) المتقدمة في ص : ٢٨٥.
والثاني : أنّه كرمضان ، لإطلاق الحسنة (١) ، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال ، ورواية ابن أبي حمزة ، على عطف قوله : « أو غيره » على قضاء رمضان ، ولعدم معلوميّة الفساد شرعا وإن فسد عرفا ولغة ، فيجب عليه الإمساك مع المراعاة ، تحصيلا لامتثال الأمر القطعي الغير المعلوم فساده.
ولا يجب القضاء ، لكونه بفرض جديد ، وهو في المقام مفقود. ولا يرد مثله في الواجب المطلق ، بل الأمر فيه بالعكس ، لأنّ أمره لعدم توقيته بوقت باق ، فلا بدّ من الخروج عن العهدة ، ولا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحّته وفساده.
والحقّ : هو الثاني.
لا لما مرّ من الإطلاق ، لتعارض إطلاق الصحيحة مع إطلاق الحسنة بالعموم من وجه.
والقول بظهور صدر الصحيحة في عدم المراعاة ، لأنّ وجوب القضاء في رمضان إنّما يترتّب على عدم المراعاة ، فالكلام في عجزها جار على هذا الوجه أيضا ، ومثله الكلام في رواية ابن أبي حمزة وظهور الموثّقة أيضا في عدم المراعاة كما قاله في الحدائق (٢).
فاسد جدّا ، لأنّ تخصيص جزء من الحديث بمخصّص خارجي لا يوجب تخصيص حكمه الآخر أصلا ، وظهور الموثّقة لا وجه له ، فيحصل التعارض ويتحقّق التساقط.
بل لما أشير إليه أخيرا من عدم معلوميّة فساد صوم اليوم ،
__________________
(١) وهي حسنة معاوية المتقدمة في ص : ٢٨٢.
(٢) الحدائق ١٣ : ٩٤.
واستصحاب وجوب امتثال الأمر ، الدالّ على وجوب هذا اليوم المعيّن ، وعدم دليل على القضاء مع عدم معلوميّة الفساد.
ولا يتوهّم دلالة إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات بعد الفجر لمثل ذلك أيضا ، فيفسد ويجب معه القضاء بأدلّته ، إذ لم نعثر على مثل ذلك الإطلاق. نعم ، ورد ذلك في صيام شهر رمضان.
وأمّا أمثال قوله : « لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال » (١) وقوله : « الكذبة تفطر الصائم » (٢) فلا دلالة لها ، لإجمال وقت عدم الاجتناب والنقض ، فلعلّه بعد تبيّن الفجر على الصائم ، أو وقت كونه صائما ، أو وجوب الصوم عليه فيه ، وكلّ ذلك قبل ظهور الفجر عليه ممنوع.
نعم ، لو قال : الكذبة بعد الفجر تنقض ، أو : إذا لم يجتنب بعد الفجر أربع خصال يضرّ ، لكان مفيدا ، وأين مثل ذلك؟!
الرابع : الإفطار بظنّ دخول الليل عند جماعة (٣) ، ولكنّ الأقوى عدم وجوب القضاء فيه.
وتفصيل الكلام : أنّ الصائم المفطر من جهة دخول الليل إمّا يكون عالما بدخول الليل ، أو شاكّا فيه ، أو ظانّا إيّاه.
فعلى الأول : لا إثم عليه ، لتعبّده بعلمه. ولا قضاء ولا كفّارة وإن تبيّن خطأه ، للأصل الخالي عن المعارض ، حتى إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات ، لعدم ظهورها في مثل ذلك الشخص.
مضافا إلى فحوى ما يأتي من أدلّة انتفاء القضاء بالإفطار مع ظنّ
__________________
(١) راجع ص : ٢٢٥.
(٢) راجع ص : ٢٥١.
(٣) انظر المنتهى ٢ : ٥٧٨ ، والرياض ١ : ٣١٣.
الليل ، بل ظاهر صحيحة زرارة : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ، ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا » (١) ، فإنّ المراد [ إذا ] (٢) غاب بحسب علمك ، وإلاّ لم يكن معنى للرؤية بعده.
وعلى الثاني : يكون آثما ، لعدم جواز نقض اليقين بالشكّ ، وعليه القضاء مع ظهور الخطأ ، أو استمرار الشكّ ، كما عن الخلاف والغنية والنهاية والوسيلة والمنتهى والتذكرة (٣) ، بل عن الأولين الإجماع عليه ، لإطلاقات وجوب القضاء بتناول المفطرات في نهار رمضان متعمّدا ، والمفروض منه ، لأنّه نهار شرعا.
بل الظاهر وجوب الكفّارة أيضا ، لما ذكر بعينه.
خلافا للمنتهى ، حيث قوّى انتفاءها بعد ما تردّد أولا (٤) ، للأصل ، ولعدم الهتك والإثم.
والأول مدفوع بما مرّ. والثاني بمنع عدمهما أولا ، ومنع الملازمة ثانيا.
وأمّا ما في كلام كثير من الأصحاب ـ من نفي القضاء والكفّارة بإفطار للظلمة الموهمة ـ فالمراد منها : الموجبة للظنّ ، كما فسّره في الروضة (٥) وغيره (٦). والسرّ في تخصيصها بالذكر ـ مع ذكر الإفطار بظنّ الغروب
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٦ ، الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.
(٢) في النسخ : وقد ، والصحيح ما أثبتناه.
(٣) الخلاف ٢ : ١٧٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، النهاية : ١٥٥ ، الوسيلة : ١٤٣ ، المنتهى ٢ : ٥٧٩ ، التذكرة ١ : ٢٦٣.
(٤) المنتهى ٢ : ٥٧٩.
(٥) الروضة ٢ : ٩٣.
(٦) كالحدائق ١٣ : ١٠٤.
مطلقا ـ ورودها في الأخبار ، حيث ورد فيها : « الإفطار لغيم ونحوه » (١).
ولو ظهر الصواب مع الإفطار في الشكّ يصحّ صومه ولا شيء عليه ، كما نصّ عليه في التذكرة (٢) ، للأصل ، وظهور عدم صدق الإفطار في النهار الواقعي ، فيكون نقضا لليقين باليقين الطارئ ، وعدم ظهور إطلاقات القضاء والكفّارة في مثل ذلك.
والفرق ـ بين ذلك وبين ما لو صلّى في الوقت مع الشكّ في دخوله ، وإلى القبلة من غير اجتهاد ممكن مع الشكّ فيها ـ ظاهر ، لأنّ ابتداء العبادة فيهما وقع في حال الشكّ فمنع الانعقاد ، وانعقدت هنا على الصحّة ، والشكّ في أنّه هل طرأ المفسد ثمَّ تبيّن عدمه.
وعلى الثالث : فمع تبيّن الصواب لا شيء عليه ، لما مرّ ، ولفحوى ما يأتي من أدلّة نفي القضاء مع تبيّن الخطأ.
ومع تبيّن الخطأ ففيه وجوه ، بل أقوال :
وجوب القضاء مطلقا ، نسبه في الدروس إلى الأشهر (٣) ، وكذا عن التذكرة (٤) ، ويظهر من الحدائق أنّه مختار السيّد والمفيد والحلبي والمنتهى والمعتبر ، حيث نسب إليهم القول بالوجوب مع خطأ الظنّ إذا لم يكن طريق له إلى العلم (٥).
لأصالة بقاء النهار مع مطلقات وجوب القضاء ، وموثّقة سماعة : في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا
__________________
(١) انظر الوسائل ١٠ : ١٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١.
(٢) التذكرة ١ : ٢٦٣.
(٣) الدروس ١ : ٢٧٣.
(٤) التذكرة ١ : ٢٦٣.
(٥) الحدائق ١٣ : ١٠٠.
أنّه الليل فأفطر بعضهم ، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس طلعت ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجل يقول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمدا » (١).
وعدمه كذلك ، وهو في المحكيّ عن الدروس والتذكرة القول الآخر (٢) ، للأصل ، والمستفيضة ، كصحيحتي زرارة ، إحداهما مرّت (٣) ، والأخرى : رجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمَّ أبصر الشمس بعد ذلك ، قال : « ليس عليه قضاء » (٤).
وروايتي الكناني والشحّام ، الاولى : عن رجل صام ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم ، فأفطر ، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمَّ صومه ولا يقضيه » (٥) ، والثانية قريبة منها أيضا (٦).
والتفصيل بالقضاء مع عدم المراعاة الممكنة ، وعدمه مع المراعاة أو عدم الإمكان ، اختاره في اللمعة (٧) ، وحكي عن المبسوط والاقتصاد والجمل والفقيه والسرائر والوسيلة والمعتبر والمنتهى والتحرير والقواعد
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٠٠ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٧ ، الوسائل ١٠ : ١٢١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١ ، والآية : البقرة : ١٨٧.
(٢) الدروس ١ : ٢٧٣ ، التذكرة ٢٦٣.
(٣) في ص : ٢٩٠.
(٤) التهذيب ٤ : ٣١٨ ـ ٩٦٨ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢.
(٥) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٨١٦ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٤ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٣.
(٦) الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ ـ ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ ـ ٣٧٥ ، الوسائل ١٠ : ١٢٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٤.
(٧) اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٩٢.
والتبصرة والإرشاد والجامع (١).
أمّا وجوب القضاء مع عدم المراعاة الممكنة ، فللتفريط في ترك الاستصحاب ، وفحوى ما دلّ على وجوبه حينئذ ، وإطلاق الموثّقة ، وعموم ما دلّ في طرف الفجر على وجوبه بفعل أحد أسبابه في النهار ولو شرعا.
وأمّا الثاني ، فلأنّ المرء متعبّد بظنّه حيث لا سبيل له إلى العلم ، والأصل ، لعدم دليل على وجوب القضاء حينئذ ، لاختصاص كثير ممّا دلّ عليه من التفريط والفحوى ونحوهما بصورة القدرة على المراعاة ، ولإطلاق الصحيحين والخبرين ، بل خصوص الأخيرين ، لعدم إمكان المراعاة مع تراكم السحاب ، وعدم ترتّب أثر عليها.
وبالقضاء مع الظنّ الحاصل من غير جهة الظلمة الموجبة لظنّ الليل ـ مطلقا ، كجماعة. أو مع عدم المراعاة ، كآخرين (٢). أو إلاّ إذا كان حاصلا من إخبار العدلين ، كالمحقّق الثاني (٣) ـ وعدمه مع الظنّ الحاصل من جهتها.
ولا يبعد اتّحاد ذلك مع التفصيل ، حيث إنّ مع الظلمة الكذائيّة لا سبيل إلى المراعاة وتحصيل العلم غالبا ، وسبب تخصيصها بالذكر عليه وقوعها وورودها في بعض الأخبار وإن لم يكن كذلك ، فيكون التفصيل بذلك لما ذكر من تعرّض الأخبار له ، فذكروا الظلمة وجعلوها قسمين :
__________________
(١) المبسوط ١ : ٢٧١ ، الاقتصاد : ٢٨٨ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٣ ، الفقيه ٢ : ٧٥ ـ ٣٢٧ ، السرائر ١ : ٣٧٤ ، الوسيلة : ١٤٣ ، المعتبر ٢ : ٦٧٧ ، المنتهى ٢ : ٥٧٨ ، التحرير ١ : ٨٠ ، القواعد ١ : ٦٤ ، التبصرة : ٥٣ ، الإرشاد ١ : ٢٩٦ ، الجامع للشرائع : ١٥٧.
(٢) كما في الروضة ٢ : ٩٣.
(٣) في جامع المقاصد ٣ : ٦٥.
الموهمة لليل ـ أي الموجبة للوهم بمعنى الشكّ ـ والموجبة للظنّ ، وجعلوا القضاء في الأول واجبا دون الثاني ، ومن نفى القضاء في الموهمة مطلقا فمراده الموجبة للظنّ ، فإنّ مثل الاستعمالين شائع في التراكيب جدّا.
وبالجملة : دليل القضاء في الأول ما مرّ دليلا للقول الأول ، مع ادّعاء نفي الخلاف فيه مع عدم المراعاة الممكنة.
ودليل عدمه في الثاني : بعض الأخبار المتقدّمة (١).
أقول : أمّا القول الأول ، فيرد على دليله الأول : أنّه إنّما يتمّ لو لا النصوص المذكورة المقيّدة للمطلقات.
وعلى الثاني : عدم وضوح دلالته ، إذ ليس فيه إلاّ الأمر بصيام ذلك اليوم ، ويمكن المراد إتمامه دفعا لتوهّم أنّ ذلك الإفطار مبيح له بعد ظهور الخطأ أيضا.
ولا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة ، بل يؤكّده ، لدلالتها على وجوب الإمساك إلى الليل مطلقا ، أكل في الأثناء أم لا.
وكذا قوله عليهالسلام : « فمن أكل » إلى آخره ، فإنّه يمكن أن يكون ابتداء لحكم آخر ، بل قوله في تعليله : « لأنّه أكل متعمّدا » يؤكّد إرادة ما ذكرناه ، وإلاّ فالأكل بظنّ الغروب ليس أكلا متعمّدا كما لا يخفى.
ولو سلّمنا الدلالة فيعارض النصوص المتعقّبة لها ، فمع أنّها أخصّ من الموثق (٢) ـ لاختصاصها بالظنّ وشمول قوله : رأوا ، في الموثق كما قيل (٣) للشكّ أيضا ـ مرجوح بالنسبة إليها ، باعتبار الموافقة للعامّة كما في المنتهى (٤).
__________________
(١) في ص : ٢٩٠.
(٢) وهو موثقة سماعة ، المتقدّمة في ص : ٢٩١.
(٣) انظر المختلف : ٢٢٤.
(٤) المنتهى ٢ : ٥٧٨.
وأمّا القول الثاني ، فمع عدم صراحة صحيحته الاولى ـ لاحتمال إرادة بطلان الصوم من مضيّه ، وكونها بعمومها الشامل لصور الوهم والشكّ والظنّ شاذّة ، لعدم قائل بسقوط القضاء في الأوليين ، واختصاص الروايتين بصورة وجود الغيم ، فلم تبق إلاّ الصحيحة الثانية ، المعارضة للموثّق المتقدّم ، المرجوحة عنه بأحدثيّة الموثّق وإن رجّحت بالمخالفة المحكيّة للعامّة ـ يرد عليها : أنّها بإطلاقها ـ الشامل لجميع أسباب الظنّ مع إمكان تحصيل العلم أو المراعاة وعدمها ـ مخالفة للشهرة العظيمة ، بل للإجماع ، فلا تكون حجّة.
وأمّا القول الثالث ، فيرد على دليله الأول على جزئه الأول : أنّ مقتضى التفريط الإثم دون القضاء.
وعلى دليله الثاني عليه : منع الأولويّة ، لوجود الفارق ، حيث إنّ ترك الاستصحاب والعمل بظنّ الفجر في الأصل بدون المراعاة كان يوجب طروّ المفسد في كثير من الصيام ، بخلافه في طرف الغروب ، لانّه أندر وقوعا بالنسبة إلى الأول كثيرا ، والمنع عن حصول اليقين في الأول مطلوب ، وطرفه عديدة ، فيسهل تناول المفطرات في مبادئ الفجر لأكثر الناس ، بخلاف الثاني.
وعلى دليله الثالث عليه : ما مرّ من قصور دلالة الموثّقة.
وعلى دليله الرابع عليه : أنّ العموم لا يفيد مع وجود المخصّص كالصحيحين والخبرين ، حيث إنّ مقتضاها انتفاء القضاء مع الظنّ الحاصل بسبب الغيم ولو فرض إمكان المراعاة معه.
نعم ـ بناء على ما قلنا من اتّحاد القولين وعدم إمكان المراعاة مع الغيم أيضا ـ تتمّ دلالة العمومات على ذلك الجزء ، لعدم مخصّص له مع إمكان
المراعاة ، سوى إحدى الصحيحتين المردود إطلاقها بالشذوذ ومخالفة الشهرة.
وعلى دليله الأول على جزئه الثاني : منع تعبّد المرء بظنّه مع سدّ باب العلم أولا ، ومنع سدّه ثانيا ، لحصوله بالصبر ، وعدم دليل على وجوب الصبر كما قيل ، واستلزامه الحرج مردود بأنّ وجوب تحصيل العلم هو الدليل.
وعلى دليله الثاني : أنّ بعض أدلّة وجوب القضاء وإن لم يجر في المورد إلاّ أن دليله التامّ ـ وهو العمومات ـ جارية فيه.
وعلى دليله الثالث : أنّ غير إحدى الصحيحتين أخصّ من المطلوب. نعم ، تتمّ دلالة الصحيحة ولا شذوذ فيها مع هذا القيد.
وأمّا القول الرابع ، فيظهر ما في دليله على الجزء الأول ممّا مرّ.
نعم ، لا اعتراض على جزئه الأخير.
ثمَّ ظهر من جميع ما ذكر حقّ المحاكمة بين هذه الأقوال ، وأنّ القول الفصل هو وجوب القضاء مع ترك المراعاة الممكنة وعدم السحاب الموجب لظنّ الليل ، وعدمه مع المراعاة أو عدم إمكانها أو وجود السحاب المذكور.
أمّا الأول ، فللعمومات الخالية عن المعارض ، سوى الصحيحة المردودة في المورد بالشذوذ ، ومخالفة الشهرة ، والمعارضة للموثّقة ـ بل الصحيحة ـ بسند آخر (١) في خصوص الظنّ الحاصل بالسحاب ، المتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب ، المساوية لها في وجوه المرجّحات ، الموجب للرجوع إلى العمومات ، وإن أمكن ردّ ذلك بأنّ معارضة الموثقة مع
__________________
(١) المتقدمين في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.
الخبرين المساويين لها في الأحدثيّة الراجحين عليها بمخالفة العامّة أوجبت طرحها ، ومعه لا يفيد الإجماع المركّب.
وأمّا الثاني ، فللصحيحة المذكورة (١) ، الخالية عن الشذوذ في المورد ، الموجبة لتخصيص العمومات ، وللصحيحة الأخرى (٢) ، مع الخبرين (٣) في الظنّ الحاصل بالسحاب. هذا كلّه ، مع الموافقة للأصل ، والاعتضاد بالشهرة العظيمة.
ومنها تفصيل آخر لا دليل عليه أصلا ، وهو إيجاب القضاء مع الظنّ الضعيف ونفيه مع القوي ، حكي عن الشيخ الحرّ في وسائله (٤).
وهو أحد احتمالات كلام الحلّي ، حيث قال ما ملخّصه : ومن ظنّ أنّ الشمس قد غابت ولم يغلب على ظنّه ذلك ، ثمَّ تبيّن الشمس ، فالواجب عليه القضاء ، وان كان مع ظنّه غلبة قويّة فلا شيء عليه ، فإن أفطر لا عن أمارة ولا ظنّ فيجب عليه القضاء والكفّارة (٥). انتهى.
وعلى هذا الاحتمال حمل كلامه في المسالك.
والاحتمال الآخر : أن يكون مراده من الظنّ : الشكّ ، واستعماله بمعناه في اللغة والعرف معروف ، ويكون مراده بغلبة ظنّه : الرجحان ، الذي هو الظنّ بالمعنى المعروف.
والاحتمال الثالث : أن يكون الظنّ بمعنى : الخاطر ، وهو أيضا معروف لغة ، وهو المراد حين يقال : غلب على ظنّه.
__________________
(١) وهي صحيحة زرارة ، المتقدمة في ص : ٢٩٠.
(٢) وهي صحيحة زرارة الأخرى ، المتقدمة في ص : ٢٩٢.
(٣) وهما روايتا الكناني والشحام ، المتقدمتان في ص : ٢٩٢.
(٤) حكاه عنه في الحدائق ١٣ : ١٠٤ ، وهو في الوسائل ١٠ : ١٢٢.
(٥) السرائر ١ : ٣٧٧.
ومن ذلك يظهر ضعف ما في المختلف من تشنيعه على الحلّي في كلامه ذلك ، وجعله مضطربا غايته (١).
تتميم : يستحبّ للصائم الإمساك عن أمور :
منها : مضغ العلككما مرّ.
ومنها : إيصال الغبار إلى الحلق ، للخروج عن شبهة الخلاف ، ولما مرّ من بعض ما استدلّوا به على تحريمه المحمول على الكراهة.
ومنها : السعوط مطلقا ، تعدّى إلى الحلق أم لا ، وفاقا للجمل والخلاف والنهاية والسيّد والنافع وظاهر المدارك (٢) وغيرها (٣) ، بل محتمل المقنع والإسكافي ـ لنفيهما البأس عنه ، الذي هو العذاب (٤) ـ بل للمشهور كما في المدارك والذخيرة (٥) ، لروايتي ليث وغياث :
الاولى : عن الصائم يحتجم ويصبّ في اذنه الدهن؟ قال : « لا بأس ، إلاّ السعوط ، فإنّه يكره » (٦).
والثانية : « أنّه كره السعوط للصائم » (٧).
والرضوي : « لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط » (٨).
__________________
(١) المختلف : ٢٢٤.
(٢) المدارك ٦ : ١٢٨.
(٣) كالشرائع ١ : ١٩٥.
(٤) المقنع : ٦٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٢١.
(٥) المدارك ٦ : ١٢٨ ، الذخيرة : ٥٠٥.
(٦) الكافي ٤ : ١١٠ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩٢ ، الوسائل ١٠ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٧ ح ١.
(٧) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ٦٢٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٤ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٧ ح ٢.
(٨) فقه الرضا «ع» : ٢١٢ ، مستدرك الوسائل ١٠ : ٣٣٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.
خلافا لمحتمل المقنع والإسكافي ، فجوّزاه بلا كراهة (١) ، للأصل المندفع بما مرّ.
وللفقيه والحلّي والمفيد والديلمي والقاضي وابن زهرة والحلبي ، فحرّموه بلا قضاء وكفّارة كالأولين (٢) ، أو معهما كالثالث والرابع (٣) ، بل قوم من أصحابنا كما حكاه السيّد (٤) ، أو مع الأول خاصّة كالباقين (٥).
لأنّه إيصال شيء مفطر إلى الدماغ ، الذي هو من الجوف.
ولاستثناء السعوط في رواية ليث عن عدم البأس ، الذي هو العذاب.
وإثبات الكراهة في الروايتين ، وهي في عرف القدماء تصدق على الحرمة.
ونفي الجواز في الرضوي.
والأول مردود : بمنع كون مطلق إيصال الشيء إلى مطلق الجوف مفطرا ، وإنّما الإيصال بالأكل والشرب إلى الحلق أو المعدة.
والثاني : بأنّ الكراهة وإن كانت صادقة على الحرمة لغة وعرفا قديما ، إلاّ أنّ استعمالها في خصوصها مجاز ، وهو ليس بأولى من إرادة المجاز من البأس.
ومنه يظهر ردّ الثالث أيضا.
والرابع : بالضعف الخالي عن الجابر ، مضافا إلى احتمال عطف قوله :
__________________
(١) المقنع : ٦٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٢١.
(٢) الفقيه ٢ : ٦٩ ، وانظر السرائر ١ : ٣٧٨.
(٣) المفيد في المقنعة : ٣٤٤ ، والديلمي في المراسم : ٩٨.
(٤) جمل العلم والعمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٥٤.
(٥) القاضي في المهذب ١ : ١٩٢ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣.
« ولا يسعط » على قوله : « لا يجوز ».
وللمبسوط والشرائع (١) ، بل جملة من الأصحاب كما قيل ، ففرّقوا بين غير المتعدّي إلى الحلق فالأول ، للأصل ، والتعدّي فالثاني ، للإيصال إلى الحلق.
وجوابه ظاهر ، إذ لا دليل على البطلان بمطلق الإيصال إلى الحلق ، بل ينفي الحرمة مطلقا حصر : « ما يضرّ الصائم » (٢) في خصال ليس منه ، وفحوى ما دلّ على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق ، وعموم التعليل في جملة من النصوص على جواز الاكتحال بأنّه ليس بطعام ولا شراب.
ومنها : النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة ، إجماعا في الجملة.
وهل هي مكروهة مطلقا ، أو للشابّ دون الشيخ ، أو لذوي الشهوة ومن يحرّك ذلك شهوته دون غيره؟
فيه أقوال ، أشهرها : الأخير ، بل عليه الإجماع في المنتهى والتذكرة (٣).
دليل الأول : رواية الأصبغ : اقبّل وأنا صائم ، فقال له : « عف صومك ، فإنّ بدو القتال اللطام » (٤).
وأبي بصير : « والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ، ولا ينبغي له أن يتعرّض لرمضان » (٥) أي لا تحرم المباشرة ولكنّها مكروهة ، لحرمة رمضان.
__________________
(١) المبسوط ١ : ٢٧٢ ، الشرائع ١ : ١٩٥.
(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.
(٣) المنتهى ٢ : ٥٨١ ، التذكرة ١ : ٢٦٥.
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٢ ـ ٨٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٢ ـ ٢٥٢ ، الوسائل ١٠ : ١٠٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١٥.
(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٢ ـ ٨٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٢٥٤ ، الوسائل ١٠ : ١٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٥ ح ٢.