تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ كان مغرب شمس الفضيلة والإفاضة والإفادة ، ومحاق بدر العلم والعمل والعبادة ، شيخ الإسلام والمسلمين وبقيّة الفقهاء والمحدّثين ، الناطق بهداية الامّة وبداية الشريعة ، الصادق في النصوص والمعجزات ووسائل الشيعة ، الإمام الخطيب الشاعر الأديب ، عبد ربّه العظيم العليّ ، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الحرّ العاملي المنتقل إلى رحمة باريه عند ثامن مواليه ... وهو أخي الأكبر ، صلّيت عليه في المسجد تحت القبّة جنب المنبر ، ودفن في إيوان حجرة في الصحن الروضة ملاصقة لمدرسة ميرزا جعفر ، وكان قد بلغ عمره اثنين وسبعين (١) وهو أكبر منّي بثلاث سنين إلّا ثلاثة أشهر. (٢)

وأمّا مؤلّفاته فكثيرة ، وكان من أشهرها وأهمّها تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، طبع مكرّرا.

وقال في الأمل :

تشمل على جميع أحاديث الأحكام الشرعية الموجودة في الكتب الأربعة وسائر الكتب المعتمدة أكثر من سبعين كتابا مع ذكر الأسانيد وأسماء الكتب وحسن الترتيب ، وذكر وجوه الجمع مع الاختصار. (٣)

وطبع من مؤلّفاته :

أمل الآمل ؛

إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ؛

الاثنا عشرية في الردّ على الصوفية ؛

الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ؛

الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ؛

__________________

(١) الأولى التعبير ب « إحدى وسبعين وشهرين ونصفا تقريبا » .

(٢) الفوائد الرضوية ، ص ٤٧٦.

(٣) أمل الآمل ، ج ١ ، ص ١٤٢.

٣٦١

بداية الهداية ؛

تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة ؛

الصحيفة السجّادية الثانية ؛

التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان ؛

الفوائد الطوسية ؛

الفصول المهمّة في اصول الأئمّة عليهم‌السلام ؛

رسالة في معرفة الصحابة ؛

رسالة في بيان حكم شرب التتن والقهوة. طبعت في ميراث إسلامى إيران ، ج ٧.

رسالة في الغناء. طبعت في ميراث فقهي (١) : غنا ، موسيقى.

رسالة في تواتر القرآن. وهي في طريقة التحقيق وستنشر في ميراث الشيعة القرآني.

نزهة الأسماع في حكم الإجماع :

صرّح المصنّف قدس‌سره في ترجمته لنفسه في أمل الآمل بأنّ هذه الرسالة من تأليفاته ، وصرّح أيضا في هذه الرسالة باسمه الشريف وعنوان الرسالة ، وكذا في نهايتها. ألّفها سنة ١٠٧٨ فكان عمره آنذاك خمسة وأربعين عاما. قال في أوّل الرسالة :

هذه رسالة في حكم الإجماع ، وتحقيق معناه ، وتقسيمه إلى ما هو حجّة وإلى ما ليس بحجّة على ما تحقّقناه ، والفرق بين القسمين ، وما ينجرّ الكلام إليه ، وما يتعلّق بذلك ويتوقّف عليه.

وقال في سبب تأليف هذه الرسالة :

دعاني إلى جمعها اشتباه ذلك على أكثر الفضلاء ، والتباسه على جماعة من العلماء ، واغترارهم بمجرّد دعوى الإجماع وإن كان في مسألة طال فيها الخلاف والنزاع ، حتّى أنّ بعضهم جعله أقوى الأدلّة والبراهين ، وعدّه مطلقا من أعظم اصول الدين ، مع أنّ كثيرا من صوره ممّا يغترّ به الغافل ، وليست تلك الإجماعات بشيء عند العاقل.

٣٦٢

ورتّب رحمه‌الله مطالبه على اثني عشر فصلا وخاتمة وقال : « تبرّكا بهذا العدد الشريف ».

النسخ المعتمدة :

١. نسخة مكتبة آية الله بروجردى ، الرسالة الثانية من المجموعة المرقّمة ٣٩٧ ، كتبها محمّد باقر الكزازي. ورمزها « الف » .

٢. نسخة مكتبة آية الله بروجردى ، الرقم ٤٣٤. رمزها « ب » .

٣. النسخة المطبوعة في گنجينه بهارستان ( فقه واصول ) . اعتمدوا في تحقيق هذه الرسالة على نسختين مخطوطتين ، إحداهما النسخة التي كتبها المؤلّف قدس‌سره بخطّه الشريف ، المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ، الرسالة الثالثة من المجموعة المرقّمة ٤٢٥٢ بتاريخ رابع عشر من شهر رجب المبارك سنة ١٠٧٨.

وحيث لم يتفطّن محققو الرسالة أنّها بخطّ المؤلّف ، اعتمدوا على نسختين والتلفيق بينهما. ويشهد بذلك أنّا قابلنا الصفحة الاولى من تصوير هذه النسخة مع المطبوعة ووجدنا أنّهم أثبتوا عبارات حذفها المؤلّف بخطّه الشريف. وهذه المخطوطة لم تصل إلينا. رمزها « ج » .

ولهذه الرسالة نسخ اخرى موجودة في :

١. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ، الرسالة الثالثة من المجموعة المرقّمة ٣١٤٧ ، كتبها تقي بن محمّد رضا الموسوي في سنة ١١١١.

٢. مكتبة السيّد المرعشي ، الرسالة الثالثة من المجموعة المرقّمة ٦٠٩٣ ، كتبها نصير بن سعيد الطالقاني في سنة ١١١٥.

٣. مكتبة السيّد المرعشي ، الرقم ٢٠٢٢.

٤. مكتبة النمازي في مدينة خوى ، الرسالة الثالثة من المجموعة المرقّمة ٧٢٣ ، كتبها ابراهيم بن عبد الوهاب الأحسائي.

٣٦٣

٥. مكتبة فاضل الخوانساري ، الرسالة الاولى من المجموعة المرقّمة ٢٤٠ ، كتبها ابراهيم بن محمّد علي العاملي.

٦. مكتبة ملك ، الرسالة الثانية من المجموعة المرقّمة ١٦٦٠.

٣٦٤

 

٣٦٥

٣٦٦

٣٦٧

٣٦٨

نزهة الأسماع في حكم الإجماع

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

 الحمد لله الذي أجمعت على الاعتراف بوحدانيّته العقول ، واتّفقت على وجوب وجوده أدلّة المعقول والمنقول ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الذي هو أكرم نبيّ وأشرف رسول ، وعلى آله الطاهرين ، الذين أجمع على فضلهم الفاضل والمفضول ، بل جمعوا الفضائل ، وجمع غيرهم الفضول ، وأوضحوا من الحقّ الأجناس والفصول ، وبيّنوا من الدين الفروع والاصول ، صلاة وسلاما دائمين ما هبّت صبا وقبول.

وبعد : فيقول الفقير إلى الله الغنيّ « محمّد بن الحسن الحرّ العاملي » عامله الله بلطفه الخفيّ : هذه رسالة في حكم الإجماع وتحقيق معناه ، وتقسيمه إلى ما هو حجّة وإلى ما (١) ليس بحجّة على ما تحقّقناه ، والفرق بين القسمين ، وما ينجرّ الكلام إليه وما يتعلّق بذلك ويتوقّف عليه ؛ دعاني إلى جمعها اشتباه ذلك على أكثر الفضلاء ، والتباسه على (٢) جماعة من العلماء ، واغترارهم مجرّد دعوى الإجماع ، وإن كان في مسألة قد طال فيها الخلاف والنزاع ، حتّى أنّ بعضهم جعله أقوى الأدلّة والبراهين ، وعدّه مطلقا من أعظم اصول (٣) الدين ، مع أنّ كثيرا من صوره ممّا يغترّ به (٤) الغافل ، وليست تلك الإجماعات بشيء عند العاقل ؛ فيترتّب على ذلك مفاسد جمّة ، وتبطل به أدلّة بعض المطالب المهمّة ، وبعضها ممّا لا يكاد أن يلتفت إليه ، مع أنّه هو الذي يجب أن يعوّل عليه.

__________________

(١) الف : ـ إلى ما.

(٢) الف : إلى.

(٣) الف : ـ اصول.

(٤) الف : فيه.

٣٦٩

وقد سمّيت هذه الرسالة ب « نزهة الأسماع في حكم الإجماع » ورتّبتها على اثني عشر فصلا وخاتمة.

[ الفصل ] الأوّل

في معنى الإجماع عند الاصوليين

قال بعض المحقّقين منهم : الإجماع في اللغة يطلق على معنيين :

أحدهما : العزم ؛ قال الله تعالى ﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ (١) وروي عنه : « لا صيام لمن لا يجمع الصيام من الليل » . (٢)

وثانيهما : الاتّفاق ؛ من قولهم : أجمعوا : إذا صاروا ذوي جمع ، كما يقال : ألبن الرجل وأتمر : إذا صار ذا لبن وتمر.

وفي الاصطلاح هو اتّفاق علماء الطائفة على أمر في عصر. (٣) انتهى.

وبهذا عرّفه الشهيد في الذكرى. (٤) وقال الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : هو اتّفاق المجتهدين من أمّة النبيّ على حكم. (٥)

ولا يخفى عليك أنّ بين التعريفين عموما وخصوصا من وجه ؛ لاجتماعهما في صورة اتّفاق علماء الطائفة من المجتهدين وغيرهم مع موافقة المجتهدين من باقي الامّة ، وكون ذلك في جميع الأعصار.

وانفراد الأوّل بالصدق على اتّفاق (٦) علماء الطائفة في عصر وإن خالفهم كلّ من

__________________

(١) يونس (١٠) : ١٧.

(٢) سنن الترمذي ، ج ٢ ، ص ١١٦ ، ح ٧٢٦ ؛ سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، ح ٢٤٥٤ ؛ سنن الدارمي ، ج ٢ ، ص ٦ ـ ٧ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ١ ، ص ٥٤٢ ، ح ١٧٠٠.

(٣) قال به من الخاصّة الشيخ حسن في المعالم ، ص ١٧٤ ، ومن العامّة القاضي عضد الدين في شرح مختصر المنتهى لابن الحاجب ، ص ١٢٢.

(٤) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٩.

(٥) تمهيد القواعد ، ٢٥١ ، المقصد الثالث في الإجماع.

(٦) الف : ـ اتّفاق.

٣٧٠

عداهم من طائفتهم من المتقدّمين على ذلك العصر والمتأخّرين ، وخالفهم أيضا جميع بقيّة الامّة مطلقا.

وانفرد الثاني بالصدق على اتّفاق المجتهدين من الفريقين ، وإن خالفهم جميع العلماء وغيرهم منهما (١) ، وباعتبار عموم الأمر بالنسبة إلى الحكم إن ثبت يكون الأوّل هو الأعمّ ، ولعلّ المراد منهما (٢) واحد ، وبالمجتهدين : مجتهد والإماميّة ، وبالعلماء : المجتهدون.

ويبقى التدافع في الاكتفاء باتّفاق (٣) أهل عصر واعتبار جميع الأعصار بحسب الظاهر.

وكأنّ مراد الشهيد الثاني من الإطلاق هو مراد الأوّل من التقييد ، كما يشعر به كلامه هناك ، بل يكاد يكون بعضه صريحا.

وعرّفه بعض الاصوليّين بأنّه اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر من الامور ، قال : والمراد من أهل الحلّ والعقد : المجتهدون في الأحكام الشرعيّة الموجودون في عصر واحد. (٤)

وهذا التصريح يقرب ما أشرنا إليه مع ما ذكرناه ؛ والله أعلم.

الفصل الثاني

في معنى الإجماع عند الأخباريين

وإنّما أخّرناه لأنّ أكثر الذين بحثوا عن الإجماع واحتجّوا به من الاصوليين ، ومع ذلك كلامهم مضطرب كما مضى ويأتي.

__________________

(١) الف ، ب : فهما.

(٢) الف : بينهما ؛ ب : فيهما.

(٣) ب : واتّفاق.

(٤) وهو الفخر الرازي في المحصول ، ج ٣ ، ص ٧٦٩ ـ ٧٧٠.

٣٧١

وأمّا الأخباريّون فلمّا لم يتجاوزوا العمل بالأحاديث ، كان معناه عندهم هو الاتّفاق من الإماميّة على العمل والفتوى بحديث ، أو بأحد الحديثين المتعارضين ، أو على ثبوت حكم عن (١) معصوم. وذلك بإحدى الطرق الآتية إن شاء الله تعالى.

وهذا يعلم بالتتبّع التامّ لطريقتهم (٢) السديدة ، والاستقراء الصادق لقواعدهم الصحيحة ، فإنّه يعلم أنّهم لم يكونوا يعوّلون على غير النقل الثابت عن المعصوم أصلا ، كما قاله العلّامة في النهاية : أمّا الإماميّة فالأخباريّون منهم لم يعوّلوا في اصول الدين وفروعه إلّا على أخبار الآحاد المرويّة عن أئمّتهم. (٣) انتهى.

وفيه ما لا يخفى ، إلّا أن يراد أخبار الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعيّة المفيدة للعلم بورود الحكم عنهم عليهم‌السلام ، وإلّا فتعويلهم على خلافها خصوصا في الاصول غير معقول ، ويكون الحصر إضافيّا بالنسبة إلى أخبار الآحاد الخالية عن القرينة وإلى الاستنباط (٤) الظنّي ، وتبقى (٥) الأخبار المتواترة داخلة في الحصر ؛ إذ لا خلاف في العمل بها بين الأخباريّين والاصوليّين. ويأتي لهذا مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى على المتتبّع أنّ المتقدّمين ـ وهم الأخباريون ـ كانوا إذا أفتوا لا يزيدون على متن الحديث شيئا ، كما في المقنع والفقيه والمقنعة ونهاية الشيخ وغيرها. فكانوا إذا اتّفقت فتواهم جزموا بثبوت الحكم ووجوب العمل ، وتحقّق الإجماع. وهذا الاصطلاح من علمائنا الأخباريين هو الحقّ الصحيح الصريح المستفاد من النصوص عنهم عليهم‌السلام ، كما أنّ طريقتهم كلّها مأخوذة عن أهل العصمة ، فإنّهم لم يحدثوا شيئا ولم يغيّروا ما امروا به ، ولا طال عليهم العهد فتدخل عليهم الشبهات.

وممّا يدلّ على صحّة ما ذكروه هنا أنّ كلّ حديث ورد في حجّية الإجماع عن المعصومين عليهم‌السلام ، إنّما ورد في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين بموافقته للإجماع من

__________________

(١) الف : من.

(٢) الف ، ب : من طريقتهم.

(٣) نهاية الوصول إلى علم الاصول ( مخطوط ) الورقة ٢٠٩ ، البحث الرابع في وقوع التعبّد بخبر الواحد.

(٤) ب : الاستناد.

(٥) الف : ويبقى.

٣٧٢

الإماميّة ، وأنّه يجب حينئذ العمل به وترك معارضه ، على ما فصّل في تلك الأحاديث ، ويأتى بعضها إن شاء الله تعالى.

وقد ورد ما هو صريح في عدم حجّية الإجماع بالمعنى الذي ذكره الاصوليون من العامّة ، ووافقهم عليه جمع من الخاصّة ، كما ستعرفه بعون الله. (١)

الفصل الثالث

في بيان ما هو حجّة من الإجماع ، والكلام في تحقّقه وعدمه

لا شكّ أنّ بعض أقسامه معلوم معقول ، وبعضها موهوم منقول :

فالأوّل : ما أفاد العلم واليقين بالاتّفاق وبدخول المعصوم فيه أيضا بحيث لا يشكّ فيه أحد أصلا ، حتّى يصير من ضروريّات الدين ، أو ضروريّات المذهب ، فيقول به كلّ من قال بالدين ، أو كلّ من قال بالمذهب ، كوجوب الصلاة وتحريم الزنى في الأوّل ، ومسح الرجلين في الوضوء وإباحة المتعة في الثاني.

وهذا القسم لم يتحقّق في المسائل النظريّة ، وإنّما ثبت في المسائل الضروريّة التي ليست بمحلّ البحث والاستدلال.

نعم هو حجّة على من خرج بالمخالفة وشذّ نسبتها عن العامّة أو الخاصّة ، ونفعه نادر قليل كما لا يخفى على أهل التحصيل.

ومثل هذا الإجماع يستحيل قطعا صدوره من غير نصّ ، بل تواتر (٢) نصوص صحيحة صريحة لا شكّ فيها ولا ريب. وهذه النصوص وإن كانت تغني عن الإجماع لكنّها تقوّي به قوّة لا يزيلها شبهة ، ولا يبقى عندها مجال للتوقّف أو المخالفة.

ومثل هذا الإجماع الذي تحقّق دخول المعصوم فيه ، وإن كان لا يتوقّف في حجّيته أحد ،

__________________

(١) من قوله : « ويأتي لهذا مزيد تحقيق ... » إلى هنا لم يرد فى نسخة الف وب.

(٢) الف : من غير تعريض ؛ بدل : من غير نصّ بل تواتر.

٣٧٣

لكنّ المحقّقين صرّحوا بأنّ حجّيّته إنّما هي باعتبار قول المعصوم ، لا باعتبار قول غيره.

وعلى هذا فالإجماع ليس بحجّة ؛ لأنّه إذا تحقّق ولم يعلم دخول قول المعصوم لم يكن حجّة ، وإذا علم قول المعصوم وإن لم ينعقد إجماع عليه فهو حجّة ، وعند التحقيق لا دليل على حجّيّته بغير دخول المعصوم ، والقول بأنّه حجّة مجاز لا حقيقة ، باعتبار أنّه مشتمل على حجّة ، وهو قول الحجّة.

فهو (١) نظير ما إذا قيل : قول إبليس مع قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة. ولا يخفى فساده إذا حمل على حقيقته ، وصحّته إذا اريد منه المجاز.

وهذا الإجماع يقدّم على الحديث الصحيح عند المعارضة ، ويجب تأويل كلّ ما خالفه وقبول كلّ ما وافقه وإن ضعف سنده من بعض الوجوه.

وإليه أشار الصادق عليه‌السلام في حديث الجمع بين الحديثين المختلفين بقوله : « خذ بالمجمع عليه بين أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » . (٢)

وعند التحقيق يكون التعويل (٣) والاعتماد هنا على قول المعصوم الثابت المعلوم الذي لم يشكّ فيه أحد ، فقد اتّفقوا على أنّه لا بدّ له من مستند ، واتّفق أصحابنا على أنّ حجّيّته لاشتماله على قول المعصوم. (٤)

وإنّما يتحقّق هذا الإجماع مع ظهوره عليهم‌السلام ، أو كون (٥) قوله ظاهرا مشهورا محكما ثابتا مقطوعا (٦) به ، فإنّ الآراء محال أن تتّفق إلّا أن يلجأ أصحابها إلى (٧) الاتّفاق ببرهان واضح

__________________

(١) الف : وهو.

(٢) مقطّع من رواية عمر بن حنظلة الواردة في الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠ ؛ والفقيه ، ج ٣ ، ص ٨ ، ح ٣٢٣٦ ؛ وتهذيب الأحكام ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ٨٤٥ ؛ والاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٥٥ ؛ ووسائل الشيعة ، ٢٧ ، ص ١٠٦ ، ح ٣٣٣٣٤.

(٣) الف : التعوّل.

(٤) انظر معارج الاصول ، ص ١٢٦ ؛ معالم الدين ، ص ١٧٥ ؛ الوافية في اصول الفقه ، ص ١٥٢.

(٥) الف : وكون.

(٦) الف : محكوما.

(٧) الف : على.

٣٧٤

ونصّ قاطع ، أو يغلبهم التقليد ، أو يشملهم عناد أو حسد أو نفاق أو نحو ذلك. وانظر إلى قوله تعالى ﴿ وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ (١) أي وللرحمة خلقهم ، أي خلقهم ليعلموا ما يستحقّون به رحمته فيرحمهم ، (٢) كما روي في الأحاديث المعتبرة ، وأوّل الآية شاهد لما قلناه.

والقسم الثاني من الإجماع : فهو ما يسمّونه إجماعا ويطلقون اسمه عليه ولا مستند له من كلام المعصومين ، أو له مستند من الأخبار (٣) المحكمة الثابتة التي لم تصل إلى حدّ القسم الأوّل ، أو من الأخبار المتشابهة ، المتعارضة بما هو أقوى منها التي يجب تأويلها.

وهذا على قسمين أيضا :

قسم قد نقله الأخباريّون ، أو علم بالتتبّع لكلامهم ، وسنده ـ كما هو معلوم من طريقتهم ـ هو النصّ القطعي الثابت من أهل العصمة ، الذي هو من المحكمات ، ويستحيل اتّفاقهم وإجماعهم على مثل هذا النصّ ، ويكون له معارض أقوى منه.

وقسم قد نقله الأصوليّون ، أو علم بالتتبّع لكلامهم ، ولا سند له ، أو له سند من حديث ضعيف ، معارض بما هو أقوى منه ، أو سنده شيء من الاعتباريّات العقليّة والاستنباطات الظنيّة التي ورد النهي عنها.

وقد لا يخفى على أحد أنّهم قد عملوا بما لم يكن معمولا فى زمن الأئمّة عليهم‌السلام ، وأنّ طريقة المتقدّمين هي المأخوذة عنهم عليهم‌السلام خاصّة ، الخالية من التصرّفات والإحداثات ،

__________________

(١) هود (١١) : ١١٨ و١١٩.

(٢) الف ، ب : فرحمهم.

(٣) فى الف ، ب بدل قوله : « المحكمة الثابتة » إلى قوله : « ... يأتى بعضها إن شاء الله » هكذا : « وهذا قسمين :

قسم سنده هو النصّ القطعي الثابت عن أهل العصمة الذي هو من المحكمات ، ويستحيل اتّفاقهم وإجماعهم على مثل هذا النصّ ، ويكون له معارض أقوى منه.

وقسم لا سند له ، أو له سند من حديث ولكنّه معارض بما هو أقوى منه ، أو سنده شيء من الاعتبارات العقليّة والاستنباطات الظنيّة التي ورد النهي عنها » .

٣٧٥

الموافقة للأحاديث التي يأتي بعضها إن شاء الله.

فأوّل إجماع وقع من هذا القبيل ـ من غير حجّة ودليل ـ اتّفاقهم على بيعة أبي بكر ، فقد قال به الوف كثيرة حتّى مضت له مدّة (١) طويلة لا يقدر أحد على التصريح بالقدح فيه ، فالعجب ممّن ينكره ثمّ يقول بمثله ، بل بما دونه ، كما لا يخفى.

وقد صار ذلك الإجماع إماما للإجماعات الباطلة ، ومقتدى للاتّفاقات المخالفة للشريعة ، ولا يكاد يوجد بعده إجماع أكثر قائلا منه ، ومع ذلك لا خفاء في بطلانه ولا شبهة في فساده ؛ لعدم مستند له ونصّ يوافقه ، بل وجود النصّ على نقيضه ، وإنّما كان بناؤه على الآراء والأهواء.

فظهر أنّه لا بدّ من إثبات سند للإجماع (٢) من نصّ عليه ، خاصّ أو عامّ ، يدلّ على حجّيّته ، كما هو ثابت في القسم الأوّل من الثاني ، وستعرفه إن شاء الله.

وأصحابنا الإماميّة لمّا ثبت عندهم بطلان الإجماع الذي من هذا القبيل ، قالوا على سبيل المماشاة للعامّة : إنّ الإجماع لو كان حجّة ، لكانت (٣) حجّيّته باعتبار اشتماله على قول المعصوم ؛ لأنّ الزمان لا يخلو منه.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في كتاب العدّة :

ذهب المتكلّمون بأجمعهم والفقهاء بأسرهم (٤) إلى أنّ الإجماع حجّة ، وحكي عن النظّام وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشّر أنّهم قالوا : الإجماع ليس بحجّة ، واختلف من قال إنّه حجّة ؛ فمنهم من قال : إنّه حجّة من جهة السمع (٥) دون العقل ، ثمّ اختلفوا : فذهب داود وكثير من أصحاب الظاهر إلى أنّ إجماع الصحابة هو الحجّة دون غيرهم من أهل الأمصار ، وذهب مالك ومن تابعة إلى

__________________

(١) الف : ـ له مدّة.

(٢) الف : الإجماع.

(٣) الف : لكان.

(٤) في المصدر : + على اختلاف مذاهبهم.

(٥) في المصدر : واختلف من قال إنّه حجّة ، فمنهم من قال إنّه من جهة العقل ، وهم الشذاذ ، وذهب الجمهور الأعظم والسواد الأكثر إلى أنّ طريق كونه حجّة من جهة السمع.

٣٧٦

أنّ الإجماع المراعى هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم ، غير أنّه حجّة في كلّ عصر ، وذهب الباقون إلى أنّ الإجماع حجّة ، ولا يختصّ بعصر الصحابة ولا بإجماع أهل المدينة.

والذي نذهب إليه : أنّ الامّة لا يجوز أن تجمع على خطأ ، وأنّ ما يجمع عليه لا يكون إلّا صوابا وحجّة ؛ لأنّ عندنا أنّه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع ، يكون قوله حجّة ، يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول ، فمتى اجتمعت الامّة على قول فلا بدّ من كونه حجّة ؛ لدخول المعصوم في جملتها.

ومتى قيل : جوّزوا أن يكون الإمام خارجا عن إجماعهم.

قلنا : فذلك لا يكون إجماعا ، بل لو انفرد واحد من العلماء عند من خالفنا [ من الإجماع ] أخلّ ذلك بإجماعهم.

فإن قيل : إذا كان المعتبر (١) قول الإمام ، فلا فائدة في أن يقولوا : الإجماع حجّة ، بل ينبغي أن يقولوا : الحجّة قول الإمام ، ولا يذكرون الإجماع.

قيل له : الأمر وإن كان على ما تضمّنه السؤال ، فإنّ لاعتبارنا الإجماع فائدة معلومة ، وهي أنّه قد لا يتعيّن لنا قول الإمام في كثير من الأوقات ، فيحتاج حينئذ إلى اعتبار الإجماع ليعلم بإجماعهم أنّ قول المعصوم داخل فيهم ، ولو تعيّن لنا قوله لم نعتبر سواه ، ومتى فرضنا أنّ الزمان يخلو من معصوم ، لم يكن الإجماع حجّة على وجه من الوجوه ؛ لأنّه لا دليل عليه ، فوجب القطع على نفي كونه حجّة ، فنحن نتّبع ما يعتمده الخصوم (٢) من جهة العقل والشرع ، ونبيّن أنّه لا دلالة في شيء من ذلك. انتهى. (٣)

ثمّ ذكر أدلّتهم وأجاب عنها.

ووجه إطلاق كلامه هنا أنّ طريقته وطريقة باقي الأخباريّين أنّهم لا يعملون

__________________

(١) في المصدر : إذا كان المراعى في باب الحجّة.

(٢) الف : المعصوم.

(٣) العدّة في اصول الفقه ، ج ٢ ، ص ٦٠١.

٣٧٧

إلّا بنصّ عن (١) معصوم.

وقال السيّد المرتضى :

إن قالت العامّة : إذا كان الإجماع عندكم قليل الجدوى لبعد تحقّقه وعدم خروجه عن معنى الخبر لأنّ العمدة فيه قول المعصوم ، فلم جعلتموه دليلا مستقلّا مغايرا للخبر ، ونظمتموه في سلك الأدلّة الشرعيّة ؟

قلنا : لو كنّا المستندين لذلك لورد علينا ما ذكرتم ، لكنّكم لمّا عقدتم هذا الأصل وسألتمونا : هل يتمشّى عندكم ؟ أجبناكم : نعم ، إذا تحقّق قول المعصوم في جملة أقوال المجمعين عملنا بهذا الدليل ، فإن كان الإجماع الذي تدّعونه أصلا هو هذا وافقناكم عليه ، وإلّا فليس بحجّة عندنا. انتهى. (٢)

وهو كلام جيّد جدّا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الإجماع إنّما يتحقّق في القسم الأوّل وهو الضروري ، أو في زمان ظهور الإمام ، أو في صورة ظهور نصّ صريح واضح قد عمل به جميع علماء الإماميّة ، بحيث لا يظهر منهم مخالف بعد التتبّع التامّ. والظاهر أنّ الصورة الأخيرة داخلة في القسم الأوّل.

وأمّا اتّفاق المجتهدين من الاصوليّين على حكم ليس فيه نصّ ، فإمكان تحقّقه ممنوع ، ولو سلّم وثبت وقوعه ، فدلالته على دخول قول الإمام في جملتهم ممنوعة ، وحينئذ (٣) فليس بشيء ولا يجوز الاحتجاج به.

وبيانه أنّ تفسير (٤) العلم بآراء جميع الناس وأقوال سائر العلماء ـ مع تفرّقهم في أقطار الأرض ، وانغمارهم في طبقات الناس ، وكثرة مصنّفاتهم جدّا ، وخفاء تاريخ تقدّم بعضها على بعض ، وكون كثير منهم لم يصنّف شيئا ، وخمول كثير من أهل الفضل بحيث لا يعرف ، وانتشارهم في بلاد الشيعة ، والتقيّة ، وعدم إظهار كثير

__________________

(١) الف : من.

(٢) حكاه عن السيّد المرتضى في الفوائد المدنيّة ، ص ٥٢ ، وانظر : الذريعة إلى اصول الشريعة ، ج ٢ ، ص ٦٢٣.

(٣) الف ، ب : ـ وحينئذ.

(٤) م : تعسّر.

٣٧٨

منهم التشيّع بالكلّيّة ، واحتمال فتوى كلّ واحد منهم لأن يكون اعتقادا له ، أو أظهرها للتقيّة أو خوف الفتنة ، وتوقّف ذلك على التتبّع التامّ ، وعدم انحصار الأمر في المشهورين ـ يقتضي أن يكون ضبط أقوالهم موقوفا على أسفار طويلة وتفتيش عظيم (١) وعلم بعدالة الجميع.

ومعلوم أنّ أحدا ممّن ادّعى الإجماع لم يفعل ذلك.

وبعد تمام التفحّص يحتمل رجوع أكثرهم عمّا أفتى به ، فلا يحصل إلّا ظنّ ضعيف باتّفاقهم ، وبعده لا يحصل العلم بدخول الإمام ؛ إذ ليست هذه المقدّمة بيّنة ولا مبيّنة ، مع أنّه بعد ذلك يصير حجّة على من تتبّع ، لا على غيره ، فإنّ التواتر عند المنقول إليه يكاد يكون محالا ، مع أنّ التواتر مشروط بالانتهاء إلى الحسّ ، وكون كلّ واحد عدلا معتقدا لما قاله غير محسوس ؛ لاحتمال التقيّة وغيرها كما مرّ.

والآحاد لا تفيد إلّا ظنّا ، فيصير اجتهادا مظنونا يجوز عليه الخطأ [ و] لم يرد نصّ في جواز العمل به فضلا عن وجوبه ، على أنّ هذا الإجماع الذي لم يعلم دخول الإمام فيه لو كان حجّة مع احتمال كون قول الإمام مخالفا له ، لزم كونه حجّة مع العلم بمخالفة قول الإمام له ، وخروج قول الإمام عن كونه حجّة ، وهو معلوم البطلان.

وعند التحقيق يعلم أنّ هذا قول بالتفويض إلى الرعيّة ، ويلزمه عدم الاحتياج إلى نصب الحجّة من النبيّ والإمام ؛ للاستغناء عنها بالاجتهاد والإجماع والاستنباطات الظنّية والأدلّة العقليّة على قول الاصوليّين ، وهو رجوع عن طريقة الأخباريّين إلى قول العامّة ، لا إلى قول الاصوليّين من الخاصّة عند التأمّل.

والدليل الذي استدلّوا به على عصمة الإمام ـ من أنّه لو لم يكن معصوما لزم أمره تعالى عباده بما يجوز عليه الخطأ ، وهو قبيح محال على الله ـ يدلّ على عدم حجّيّة الإجماع (٢) المشار إليه ، وعلى بطلان جميع الاستدلالات الظنّيّة ، كما حقّق في محلّه.

__________________

(١) الف : ـ عظيم.

(٢) الف : ـ الإجماع.

٣٧٩

وقد قال الشهيد الثاني الشيخ زين الدين قدس‌سره في بعض رسائله ونعم ما قال :

الإجماع عند الأصحاب إنّما هو حجّة بواسطة دخول قول (١) المعصوم في جملة أقوال القائلين ، والعبرة عندهم إنّما هي بقوله دون أقوالهم ، واعترفوا بأنّ قولهم « الإجماع حجّة » إنّما هو مشي مع المخالف ، حيث إنّه كلام حقّ في نفسه ، وإن كانت حيثيّة الحجّيّة مختلفة عندنا وعندهم على ما هو محقّق في محلّه.

وإذا كان كذلك فلا بدّ من العلم بقول المعصوم في جملة أقوالهم حتّى يتحقّق حجّيّة قولهم ، ومن أين لهم هذا العلم في مثل هذه المواضع مع عدم وقوفهم على خبره عليه‌السلام فضلا عن قوله.

وأمّا ما اشتهر بينهم ـ من أنّه متى لم يعلم في المسألة مخالف ، أو علم مع معرفة أصل المخالف ونسبه ، يتحقّق (٢) الإجماع ويكون حجّة ، ويجعل قول الإمام في الجانب الذي لا ينحصر ، ونحو ذلك ممّا بيّنوه واعتمدوه ـ فهو قول مجانب للتحقيق جدّا ، ضعيف المأخذ ، ومن أين يعلم أنّ قوله عليه‌السلام وهو بهذه الحالة في جملة أقوال الجماعة المخصوصة ، دون غيرهم من المسلمين.

ومتى بلغ قول أهل الاستدلال من أصحابنا في عصر من الأعصار السابقة حدّا لا ينحصر ولا يعلم به بلد القائل ولا نسبه ، وهم في جميع الأعصار محصورون مضبوطون بالاشتهار والكتابة والتحرير لأحوالهم على وجه لا يتخالج معه شكّ ولا تقع معه شبهة ، ومجرّد احتمال وجود واحد منهم مجهول الحال ، مغمور في جملة الناس ، مع بعده ، مشترك من الجانبين ؛ فإنّ هذا إن كان أتى ، كان وجوده مع كلّ قائل ممكنا ، ومثل هذا لا يلتفت إليه أصلا ورأسا.

وقال المحقّق في المعتبر ونعم ما قال : « الإجماع حجّة بانضمام المعصوم ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجّة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجّة ، لا باعتبار اتّفاقهما ، بل باعتبار قوله عليه‌السلام ؛ فلا تغترّ بمن يتحكّم فيدّعي

__________________

(١) الف : ـ قول.

(٢) الف : تحقّق.

٣٨٠