قال عثمان بن عفان لعلي عليهالسلام : ائت رسول الله فاسأله ارض كذا ، فان أعطاكها فانا شريكك فيها. وانا آتيه فاسأله ذلك ، فان اعطانيها فأنت شريكي فيها.
فسأله عثمان قبل علي عليهالسلام فاعطاه اياها ، وأبى أن يشرك عليا معه ، فدعاه الى حكم النبيّ صلىاللهعليهوآله فأبى ذلك أيضا ، فقيل له : لم لا تنطلق معه الى النبيّ؟ قال : هو ابن عمه فأخاف أن يقضي له. فنزلت الآيات من سورة النور : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ* أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ)(١) فلمّا علم النبيّ بذلك حكم بالحق لعلي عليهالسلام (٢).
تشديد تحريم الخمر :
قال ابن هشام : في شهر ربيع الأوّل ... نزل تحريم الخمر (٣) وقد مرّ تحريمها في السنة الثانية الثانية : ١٨٥.
__________________
(١) النور : ٤٦ ـ ٥٢ ، والسورة هي ١٠٣ في النزول اي السابعة عشرة في النزول بالمدينة.
(٢) كشف الحق : ٢٤٧. وقريبا منه القمي في تفسيره ٢ : ١٠٧ وعن الصادق عليهالسلام وفي التبيان ٧ : ٤٥٠ بلا اسناد الى الامام. وفي مجمع البيان ٧ : ٢٣٦ عن الباقر عليهالسلام ، ولعله وهم. وروى الآلوسي في روح المعاني عن الضحاك : أن النزاع كان بين علي عليهالسلام والمغيرة بن وائل.
(٣) ابن هشام ٣ : ٢٠٠ ، وبه قال المسعودي في التنبيه والاشراف : ٢١٣ ، ثمّ المقريزي في إمتاع الأسماع : ١٩٣ ثمّ الكازروني عنه في المنتقى : ١٢٦ ، ثمّ عنه في بحارالانوار ٢ : ١٨٣ ، ونقله
وذكر القمي في تفسير قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(١) قال : ذلك أنّ رجلا من الصحابة شرب قبل أن يحرم الخمر ، فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر ، فسمع رسول الله ، فقال : اللهم أمسك على لسانه. فأمسك على لسانه فلم يتكلّم حتى ذهب عنه السكر ، فأنزل الله تحريمها بعد ذلك (٢) (٣).
فلمّا نزل تحريمها خرج رسول الله فقعد في المسجد (٤) ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها (فضيخ البسر والتمر) فأكفأ عليها ، ثمّ قال : هذه كلّها خمر ،
__________________
الشوكاني في تفسيره ٢ : ٧١ عن جابر قال : حُرّمت الخمر بعد اُحد بل بعد غزوة بني النضير كما عن جابر نفسه فيما يأتي. وأظن تشديد التحريم هنا بمناسبة نزول سورة النساء وفيها الآية ٤٣ : «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى».
(١) المائدة ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢.
(٢) تفسیر القمی ١ : ١٨٠ والهادي في صلاته هو عبدالرحمان بن عوف كما في الغدير ٦ : ٢٥٢ عن أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٤٥.
(٣) بل اخرج ابن شبّة بسنده عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : ضُربت قبة النبي صلّى الله عليه وآله في محاصرته لبني النضير قريباً من موضع مسجد الفضيخ فكان يصلي هناك سِت ليال. فلما حُرمت الخمرة كان ابو ايوب الانصاري مع جمع من الانصار معه يشربون فيه فضيخاً ، فبلغهم خبر تحريمها فحلوا أسقيتهم فسمّى مسجد الفضيخ. تاريخ المدينة المنورة ١ : ٦٩.
(٤) أي في مصلاه الذي اُتخذ بعد ذلك مسجداً ، كما سيأتي. واقرأ عنه في كتاب : المساجد والأماكن الأثرية المجهولة في المدينة لعبدالرحمن خويلد الحجازي ، وعنه في مجلة ميقات الحج ٧ : ٨٧٩.
وقد حرّمها الله. فكان أكثر شيء أكفئ من ذلك يومئذ من الأشربة : الفضيخ ، ولا أعلم أكفئ يومئذ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعا ، وأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء ... وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول الله يوم اكفئت المشربة : مسجد الفضيخ من يومئذ لأنّه كان أكثر شيء أكفئ من الأشربة (١).
قال : فلمّا نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما قال الناس من المهاجرين والأنصار : يا رسول الله ، قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر ، وقد سماه الله رجسا وجعله من عمل الشيطان ، وقد قلت ما قلت ، أفيضرّ أصحابنا ذلك شيئا بعد ما ماتوا؟ فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٢). فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر ، والجناح على من شربها بعد التحريم (٣).
وروى العياشي في تفسيره عن أبي الصباح الكناني قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام :
أرأيت رسول الله كيف كان يضرب في الخمر؟ فقال : كان يضرب بالنعال ، ويزيد كلّما اتي بالشارب ، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتى وقف على ثمانين (جلدة) (٤).
__________________
(١) هذا ، وقد مرّ في خبر بني النضير ومضرب خباء النبيّ لحربهم : أنّ جمعاً من الانصار كانوا قد اجتمعوا في الموضع يشربون نبيذ التمر (الفضيخ) فيه ، فبلغهم تشديد التحريم فأراقوا قربتهم ، وفيما بعد بنوا فيه مسجداً سمّوه مسجد الفضيخ ، وهو أوجه.
(٢) المائدة : ٩٣.
(٣) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ـ ١٨٢.
(٤) تفسير العيّاشي ١ : ٣٤٠ و ٣٤١.
وروى القمي في تفسيره قال : وقال رسول الله : من شرب الخمر فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد في الرابعة فاقتلوه (١). ونقل الطوسي في «التبيان» في سبب نزول الآية : أنّه لمّا نزل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ...)(٢) قال عمر : اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا (٣) .. وقد روى ابن اسحاق في سيرته عن خلاد بن قرّة السدوسي من بكر بن وائل : أن أعشى بني قيس بن ثعلبة من بكر بن وائل ، أراد الإسلام فقال قصيدة يمدح فيها رسول الله وخرج إليه يريد الاسلام. قال : فلمّا كان بمكّة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنّه جاء يريد رسول الله ليسلم ، فقال له : يا أبا بصير ، إنّه يحرم الزنا ، فقال الأعشى : والله إنّ ذلك لأمر ما لي فيه من أرب. فقال له : يا أبا بصير ، فإنّه يحرم الخمر ، فقال الأعشى : أما هذه فو الله إنّ في النفس منها لعلالات ، ولكنّي منصرف فأتروّى منها عامي هذا ثمّ آتيه فاسلم. فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى رسول الله. وذكر قصيدة في أحد وعشرين بيتا يقول فيها :
__________________ (١) تفسير القمي ١ : ١٨٠. (٢) النساء : ٤٣. (٣) التبيان ٤ : ١٨ وانظر مصادره الكثير في الغدير ٦ : ٢٥٢ و ٢٥٣. |
نبيّا يرى ما لا ترون وذكره |
|
أغار لعمري في البلاد وأنجدا |
له صدقات ما تغبّ ونائل |
|
وليس عطاء اليوم مانعه غدا (١) |
ولذلك قال السهيلي في «الروض الانف» إن صحّ خبر الأعشى فلم يكن هذا بمكّة وإنّما كان بالمدينة ، وفي القصيدة ما يدلّ على هذا قوله : «فإن لها في أهل يثرب موعدا». وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال : لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس وهو مقبل إلى رسول الله ، فذكر انّه يحرّم الخمر فرجع. فهذا أولى بالصواب. وهذه غفلة من ابن هشام ومن قال بقوله ، فإنّ الناس مجمعون على أنّ الخمر لم ينزل تحريمها إلّا بالمدينة بعد أن مضت بدر واحد ، وحرّمت في سورة المائدة ، وهي من آخر ما نزل (٢) بل حُرّمت في سورة البقرة وشدّدت اليوم واُكّدت في المائدة ، وسيأتي الحديث عنها هناك.
غزوة ذات الرقاع :
قال الطبرسي في «إعلام الورى» : ثمّ كانت غزوة ذات الرقاع (٣) بعد غزوة بني النضير بشهرين. لقي بها جمعا من غطفان ، ولم يكن بينهما حرب ، ولكن خاف الناس فصلّى بهم رسول الله صلاة الخوف ، ثمّ انصرف بالناس (٤).
وقال في تفسيره «مجمع البيان» في تفسير الآية من سورة النساء :
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً* وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ
__________________
(١) ابن هشام ٢ : ٢٥ ـ ٢٨.
(٢) الروض الاُنف ٢ : ١٣٦.
(٣) قيل : إنّما سمّيت ذات الرقاع لأنّه جبل فيه بُقع حمر وسود وبيضاء إعلام الورى ١ : ١٨٩ والواقدي ١ : ٣٩٥.
(٤) إعلام الورى ١ : ١٨٩ وهي عبارة ابن إسحاق في السيرة ٣ : ٢١٤.