تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

الله فيما قدر (١) ، ولذلك قيل : من تمنى فقد أساء الظن بالله ، ولكون ذلك غير مغن ، قال الشاعر :

 .....................

إن ليتا وإن لوا عناء (٢)

وقال :

 .....................

وما يغني عن الحدثان ليت (٣)

وهو مع ذلك ذريعة إلى التحاسد والبخل والظلم (٤) ، وقد روي في الآية أن أم سلمة قالت : ليتنا كنا رجالا فنجاهد ،

__________________

(١) انظر : المفردات ص (٧٨٠).

(٢) هذا عجز بيت من الخفيف لأبي زبيد الطائي ، وصدره :

ليت شعري وأين مني ليت

 .........................

وهو في ديوانه ص (٢٤) ، وكتاب سيبويه (٣ / ٢٦١) ، والمقتضب (١ / ٣٢٥) ، و (٤ / ٣٢) ، والجمهرة لابن دريد (١ / ١٢٢) ، وخزانة الأدب (٧ / ٣١٩) ، والمفردات ص (٧٥٠).

(٣) هذا عجز بيت من بحر الوافر ينسب إلى النابغة الجعدي وابن قعاس الأسدي وصدره :

ألا يا ليتني والمرء ميت

 .........................

وهو في ديوان النابغة الجعدي ص (٢١٥) ، والمقتضب (٤ / ٣٣) ، والجمهرة لابن دريد (٢ / ٢٨) ، والمنصف (٣ / ٦٢) ، وخزانة الأدب (٦ / ٥٣٠).

(٤) قال الطبري : «فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة ، وأمرهم أن يسألوه من فضله ، إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق» جامع

٣٨١

فأنزل الله تعالى ذلك (١) ، وقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) قيل : إنها قالت : ليتنا لم يجعل ثوابنا في الآخرة على نصف ثواب الرجل ، كما جعل نصيبنا من الميراث (٢) ، فأنزل الله تعالى تنبيها على أن لا اعتبار في مجازاة الأعمال بالذكورية والأنوثية ، وقيل : هو تبيين لفضل الرجال كقوله : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ،) وقيل : هو تبيين أن الحسد لا يغني ، وأن الله لا يغير لحسد حاسد ، وقيل : هو حث على طلب منزلة المحسود بالعمل الصالح دون الحسد والتمني ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي» (٣) وقال محمد بن بحر : معناه ليس كل ما للميت واجبا / للورثة ، بل له نصيب يوصي به ، قال : وذلك نحو ما ذكر الله تعالى في قوله : (كُتِبَ

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٦١ ـ ٢٦٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٣٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢١) ، وأسباب النزول ص (١٥٠).

(٢) رواه الطبري في جامع البيان (٨ / ٢٦٢) ، وابن أبي حاتم (٣ / ٩٣٥) ، وأحمد في المسند (٦ / ٣٢٢) ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب «ومن سورة النساء» رقم (٣٠٢٢) ، وقال الترمذي : هذا حديث مرسل. ورواه الحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٥ ، ٣٠٦) وقال : هذا حديث على شرط الشيخين إن كان سمع مجاهد عن أم سلمة ، ووافقه الذهبي ، ورواه أبو يعلى (٦٩٥٩) ، والطبراني في الكبير (٢٣ / ٦٠٩) وهو في صحيح الترمذي للألباني رقم (٢٤١٩).

(٣) روي هذا من كلام الحسن البصري رحمه‌الله ، ولا يصحّ مرفوعا أخرجه الخطيب البغدادي في «اقتضاء العلم العمل» ص (٤٢ ، ٤٣) رقم (٥٦). والبيهقي في «شعب الإيمان» (١ / ٨٠) رقم (٦٦).

٣٨٢

عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(١) ، وبين بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أنه أعلم بما يستحق كل إنسان (٢) ، كقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٣).

قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ)(٤) الآية. المولى من الولاء ، وهو تتابع الشيء من غير حائل (٥) ، وجعل المولى لمن تولى حفظ الشيء ، وتعورف في المعتق ، والمعتق ، وابن العم ، والحليف ، وولي الأمر (٦) ، والعصبة (٧) ، قال ابن عباس :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٠.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٦٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٤٠٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٤٦).

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٢٤.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٣٣ ، ونصّها : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً).

(٥) قال ابن فارس : وواليت بين الشيئين ، أي : تابعت ولاء. وافعل هذه الأشياء على الولاء أي متابعة ، وكل ذلك يرجع إلى القرب. مجمل اللغة ص (٧٦٢).

(٦) قال السجستاني : «والمولى على ثمانية أوجه : المعتق ، والمعتق ، والوليّ ، والأولى بالشيء ، وابن العم ، والصهر ، والجار ، والحليف» غريب القرآن ص (٤١١) ، وانظر : المفردات ص (٨٨٥ ـ ٨٨٧) ، ولسان العرب (١٥ / ٤٠٨).

(٧) انظر : الأضداد للأصمعي ص (٢٤) ، ولابن السكّيت ص (١٨٠) ،

٣٨٣

هم الورثة ههنا (١) ، وقال مجاهد وقتادة : العصبة (٢) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مات وترك مالا فماله للموالي العصبة ، ومن ترك كلّا فأنا وليه» (٣) ، بيّن أن لكل مال تركه الوالدان والأقربون موالي يرثونه ، وقوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ)(٤) قيل : عنى به

__________________

ـ ولابن الأنباري ص (٤٦) ، وللسجستاني ص (١٥٩) ، وتهذيب اللغة (٦ / ٤٥٠).

(١) رواه البخاري ، كتاب التفسير ، باب وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ رقم (٤٥٨٠) ، وابن جرير في جامع البيان (٨ / ٢٧٠) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩٣٧). وانظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٦٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٣).

(٢) رواه ابن جرير في جامع البيان (٨ / ٢٧٠ ، ٢٧١) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩٣٧) ، والماوردي في النكت والعيون (١ / ٤٧٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٤٧) ، وذكر الماوردي وأبو حيان أن ابن عباس رضي الله عنه فسر الموالي بالعصبة.

(٣) رواه البخاري في كتاب الفرائض ، باب «ابني عم أحدهما أخ للأم ..» رقم (٦٧٤٥). ورواه مسلم في كتاب الفرائض ، باب «من ترك مالا فلورثته» رقم (١٦١٩). وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب في «أرزاق الذرية» رقم (٢٩٥٤) ، والنسائي (٤ / ٦٦) ، والترمذي في كتاب الجنائز ، باب «ما جاء في الصلاة على المديون» رقم (١٠٧٠) وقال : حديث حسن صحيح. وابن ماجه في كتاب الصدقات ، باب «من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله ورسوله» رقم (٢٤١٥) ، والطيالسي في مسنده رقم (٢٣٣٨).

(٤) قرأ أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (والذين

٣٨٤

عقد الحلف ، وكانت العرب تتوارث به ، ثم نسخ بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(١) وذلك عن ابن عباس والحسن وسعيد وقتادة (٢) ، وقال أصحاب أبي حنيفة : الآية تقتضي أن المعاقدة يستحقّ بها الإرث ، قالوا : ويقوّي ذلك قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ،) فجعل ذوي الأرحام أولى من المعاقد ، فدلّ ذلك أن المعاقد فيه حقّا (٣) ، قالوا : وروى تميم الداري (٤) أنه قال : يا رسول الله : ما السنّة في الرجل يسلم على يد مسلم؟ فقال : «هو أولى بمحياه

__________________

ـ عاقدت أيمانكم) بالألف. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ) بغير ألف. انظر : حجة القراءات ص (٢٠١) ، والمبسوط ص (١٥٦) ، والتلخيص ص (٢٤٤).

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٧٥.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٣٧ ، ٩٣٨) ، وصحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ رقم (٤٥٨٠) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٩) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٢) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢٠٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٦٥ ، ١٦٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٤٧).

(٣) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٨٦) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤١٥) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٤٨).

(٤) تميم بن أوس بن خارجة الداري ، أبو رقية ، صحابي مشهور ، كان نصرانيا ، ثم قدم المدينة فأسلم سنة تسع ، وكان صاحب عبادة ، انتقل إلى الشام بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، ومات بها سنة أربعين. انظر : الإصابة (١ / ٤٨٨) ، وتقريب التهذيب ص (١٣٠).

٣٨٥

ومماته» (١) ، وقيل : عنى الذين عقدت أيمانهم في الجاهلية ، فجعل تعالى لهم نصيبا كنصيب الأخ من الأم ، وسقط حكمهم بموتهم ، وقيل : جعل لهم النصيب من النصرة دون الإرث ، وقد روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وعطاء. قالوا : وحكم الأول قديم بقوله : (وَالْأَقْرَبُونَ) ، واستؤنف قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ)(٢) قال ابن الحسن : عنى بالذين عاقدت أيمانكم : الأزواج (٣) لقوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) قال : وصار المذكور في هذه الآية جملة ما فصّله في آيات المواريث ، فصار هذه الآية كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله أعطى

__________________

(١) رواه أبو داود ـ كتاب الفرائض ـ باب في الرجل يسلم على يدي الرجل ، رقم (٢٩١٨). والترمذي ـ كتاب الفرائض ـ باب ما جاء في ميراث الرجل الذي يسلم على يدي الرجل ، رقم (٢١١٢) ، وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب ، ويقال : ابن موهب ، عن تميم الداري ...

وهو عندي ليس بمتصل. وأخرجه أيضا ابن ماجه ـ كتاب الفرائض ـ باب الرجل يسلم على يدي الرجل ، رقم (٢٧٥٢). وأحمد في المسند (٤ / ١٠٢ ، ١٠٣) ، والدارمي ـ كتاب الفرائض ـ باب في الرجل يوالي الرجل رقم (٣٠٣٣) ، والطبراني في الكبير (٢ / ٥٦) رقم (١٢٧٢ ، ١٢٧٣ ، ١٢٧٤).

وهذا الحديث علّقه البخاري في صحيحه ـ كتاب الفرائض ـ باب (٢٢) إذا أسلم على يديه ووصله في التاريخ ، وضعفه الشافعي والبخاري والخطابي وابن المنذر والترمذي كما ذكر الحافظ في الفتح (١٢ / ٤٧).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٣٣.

(٣) ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢٤٧) ولم ينسبه.

٣٨٦

كل ذي حقّ حقّه» (١) ، قال : والأيمان جمع اليمين التي هي الجارحة ، وسمّي الحلف بها اعتبارا بالصفقة في المبالغة.

قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)(٢) الآية. القنوت : القيام على وجه الطاعة ، ويستعمل في كل واحد منهما (٣). والنشوز : بغض المرأة للزوج ، وأصله من النشز ، فكأنها هي المرتفعة بنفسها أو طرفها عن التزام ما يلزمها للزوج (٤) ، ولهذا النظر قال الشاعر :

__________________

(١) رواه أبو داود في كتاب الوصايا ، باب «ما جاء في الوصية للوارث» رقم (٢٨٧٠) ، ورواه الترمذي في كتاب الوصايا ، باب «ما جاء : لا وصية لوارث» رقم (٢١٢٠) وقال : حسن ، ورواه ابن ماجه في كتاب الوصايا ، باب «لا وصية لوارث» رقم (٢٧١٣) ، ورواه الطيالسي في مسنده رقم (١١٢٧) وابن أبي شيبة (٤ / ٤١٥) ، والبيهقي (٦ / ٢٦٤) والطحاوي في شرح معاني الآثار (٣ / ١٠٤).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٣٤ ، ونصّها : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً).

(٣) قال الأزهري : «فحقيقة القنوت : العبادة والدعاء لله في حال القيام ، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة ..» تهذيب اللغة (٩ / ٦٠) ، وانظر : الزاهر (١ / ٦٨) ، وجامع البيان (٨ / ٢٩٤) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٤٧) ، ومجمل اللغة ص (٥٧٩) ، والمفردات ص (٦٨٤ ، ٦٨٥).

(٤) انظر : مجاز القرآن (١ / ١٢٥) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٦) ، وجامع

٣٨٧

إذا جلست عند الإمام كأنها

ترى رفقة من ساعة تستحيلها (١)

بيّن تعالى أن السياسة للرجل دون المرأة (٢) ، وأن لكلّ واحد من الرجل والمرأة فضيلتين : إحداهما : تسخير من الله تعالى ، والأخرى من كسبه ، فإحدى فضيلتي الرجل : ما خصّه به من علوه على المرأة ، والثانية : بإنفاق المال ، وإحدى فضيلتي المرأة : قيامها بما يلزمها من طاعة الأزواج ، وحفظ غيبهم ، وتحصين ما سلّموه إليهن ، والثانية :

إسبال الله ستر رحمته عليها وحفظها بوصية الزوج بها ، وتسخيره للقيام بمراعاتها (٣) ، وقرأ أبو جعفر المدني (٤) : بما حفظ الله

__________________

ـ البيان (٨ / ٢٩٩) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٧) ، والمفردات ص (٨٠٦).

(١) البيت للفرزدق من قصيدة له يخاطب بها زوجته. وفي رواية «ترى رفقة من خلفها» ومعنى : تستحيلها : تتبيّن حالاتها. انظر : ديوان الفرزدق ص (٢ / ٦٠٦) ، والكامل (٢ / ٩٣٩) ، والمفردات ص (٨٠٦).

(٢) ذكر ابن العربي لذلك ثلاثة أسباب هي : الأول : كمال العقل والتمييز. الثاني : كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم. الثالث : بذله لها المال من الصداق والنفقة. انظر : أحكام القرآن (١ / ٤١٦).

(٣) قال ابن العربي : «الزوجان مشتركان في الحقوق .. فعليه أن يبذل المهر والنفقة ، ويحسن العشرة ، ويحجبها ، ويأمرها بطاعة الله ، وينهى إليها شعائر الإسلام .. وعليها الحفظ لماله ، والإحسان إلى أهله ، والالتزام لأمره في الحجبة وغيرها إلا بإذنه ، وقبول قوله في الطاعات» أحكام القرآن (١ / ٤١٦).

(٤) يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي المدني القارئ ، أحد القراء العشرة ، تابعي مشهور ، عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش ، وعلى ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. وروى عنه القرآن نافع ومالك ، وإسماعيل

٣٨٨

بالنصب (١) ، أي فعل ذلك بهن / بحفظهن الله ، وجعل بما بمنزلة المصدر (٢).

وقوله : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ)(٣) قال بعض أهل اللغة : أي تعلمون (٤) ، وأنشد :

فلا تدفنني في الفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (٥)

__________________

ـ ابن جعفر وآخرون ، انتهت إليه رئاسة القراء بالمدينة ، ثقة من الرابعة ، مات سنة سبع وعشرين وقيل سنة ثلاثين ومائة. انظر : سير أعلام النبلاء (٥ / ٢٨٧) ، وتهذيب التهذيب (١٢ / ٥٨) ، وتقريب التهذيب ص (٦٢٩).

(١) أي بنصب لفظ الجلالة. انظر : المبسوط ص (١٥٦) ، وغاية الاختصار (٢ / ٤٦٣).

(٢) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٥) ، وجامع البيان (٨ / ٢٩٧) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٧) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٥٢) ، والمحتسب (١ / ١٨٨) ، والمبسوط ص (١٥٦) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ١٩٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٠) ، وإعراب القراءات الشواذ (١ / ٣٤٨).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٣٤.

(٤) ممّن قال ذلك الفرّاء وأنشد البيت الذي ذكره المؤلف. انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ١٤٦ ، ٢٥٦) ، وانظر : جامع البيان (٨ / ٢٩٨ ، ٢٩٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٠٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧٠).

(٥) البيت لأبي محجن الثقفي رضي الله عنه. وهو من بحر الطويل. انظر : ديوانه ص (٤٨) ، ومعاني القرآن (١ / ٢٦٥) ، وأمالي ابن الشجري (١ / ٣٨٧) ، و (٣ / ١٥٨) ، وخزانة الأدب (٨ / ٣٩٨) ، ومحاضرات الأدباء (١ / ٣٢٠).

٣٨٩

وأرى قائل هذا تصوّر الظّنّ بصورة العلم ، فأطلق عليه اسمه ، فأكثر الخوف مضمّن بالظن ، وقوله : (فَعِظُوهُنَ) تنبيه على أنها توعظ أولا ، ثم تهجر ، ثم تضرب ، وهذا مقتضى حكمة السياسة (١) ، وعليه بني قول الشاعر :

أناة فإن لم تغن عقّب بعدها

وعيد فإن لم تغن أغنت عزائمه (٢)

وقوله : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) كالتصريح في الكناية عن الجماع (٣) ، وقول من قال : هجر الكلام فليس بشيء (٤) ،

__________________

(١) قال النسفي : «أمر بوعظهن أولا ، ثم بهجرانهن في المضاجع ، ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران» مدارك التأويل (١ / ٣٥٥).

(٢) البيت لإبراهيم الصولي وهو من بحر الطويل وقد ختم به مسألة أمره الخليفة المتوكل أن يكتبها لأهل حمص لمّا أخرجوا عاملها. انظر : الأوائل للعسكري (١ / ٣٧١) ، وصبح الأعشى (٦ / ٢٩٦) ، ومجمع البلاغة (١ / ١٩٢) ، ومعجم الأدباء (١ / ١٨٨).

(٣) وهذا مروي عن ابن عباس ، والسدي ، والضحاك ، وسعيد بن جبير.

انظر : جامع البيان (٧ / ٣٠٢ ، ٣٠٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٤٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧١) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٦).

(٤) وهذا مروي أيضا عن ابن عباس وعن عكرمة والضحاك والسدي.

انظر : جامع البيان (٨ / ٣٠٤) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم

٣٩٠

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تهجروا النساء إلا في بيوتهن ، ولا تهجروهن إلا في المضاجع ، فإن أبين (١) فاضربوهن ضربا غير مبرح» (٢) ، وقوله : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) تنبيه على أن الذي يلزم هو بذل الطاعة في الظاهر. فأما المحبة بالقلب فليس من فعلها فتؤخذ به (٣) ، ونبّه بقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) على أن الله تعالى مع هذه الحالة يقتصر من عباده في كثير من عبادتهم على الظاهر ، وقيل :

__________________

ـ (٣ / ٩٤٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٢) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢٠٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥١).

(١) تصحفت في الأصل إلى (فأبين) والصواب ما أثبته.

(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٨ / ٣١٥) وفي سنده انقطاع بيّن وإرسال. وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٧٨) وعزاه لابن جرير وحده.

(٣) كما قال سفيان الثوري : «... فإن فعلت ذلك فلا يكلّفها أن تحبه ، فإن قلبها ليس في يديها» ذكره الطبري في جامع البيان (٨ / ٣٠٦). وقال الطبري : «فإن راجعن طاعتكم عند ذلك وفئن إلى الواجب عليهن ، فلا تطلبوا طريقا إلى أذاهن ومكروههنّ ولا تلتمسوا سبيلا إلى ما لا يحلّ لكم من أبدانهن وأموالهن بالعلل ، وذلك أن يقول أحدكم : «إنك لست تحبيني ، وأنت لي مبغضة» فيضربها على ذلك أو يؤذيها فقال تعالى للرجال : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) أي على بغضهن لكم فلا تجنوا عليهن ، ولا تكلفوهن محبتكم فإن ذلك ليس بأيديهن». جامع البيان (٨ / ٣١٦) ، وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٨٣).

٣٩١

نبه أن لا يظن أحد الزوجين إن كلفه إلا الحق ، فإنه يتعالى ويكبر عن الظلم (١).

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما)(٢) الآية. الشقاق : التعادي (٣) ، ومنه قيل : شقّ فلان العصى (٤) ، إذا تباعد في الخروج عن الطاعة ، ومنه المشقة ، وشقّ على فلان كذا (٥) ، والتوفيق كالمساواة ، ومنه توفيق الله تعالى ، فإنه موافقة قضائه فعل العبد فيما يقصده ، ويقال الاتفاق في كل متطابقين على بعض الوجوه (٦) ،

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٣١٨) ، وبحر العلوم (١ / ٣٥٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٣).

(٢) سورة النساء ، الآية ٣٥ ، ونصّها : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً).

(٣) انظر : مجاز القرآن (١ / ١٢٦) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٦) ، وجامع البيان (٨ / ٣١٩) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٤٨) ، وغريب القرآن ص (٢٩٢) ، والصحاح (٤ / ١٥٠٣) ، والمفردات ص (٤٥٩ ، ٤٦٠) ، وزاد المسير (٢ / ٧٧) ، ويدور معنى الشقاق في هذه المراجع على المخالفة والعداوة والتباعد وهي معان متقاربة يستلزم بعضها بعضا.

(٤) انظر : مجمع الأمثال للميداني (١ / ٣٦٤).

(٥) انظر : تهذيب اللغة (٨ / ٢٤٥).

(٦) قال ابن فارس : «الوفق من الموافقة بين الشيئين كالالتحام». مجمل

٣٩٢

ولما بيّن تعالى من حال نشوزها ما يمكن للزوج إصلاحه ، بين ههنا ما يشتبه الحال فيه ، واحتيج إلى ناظر فيما بينهما. وأكثر العلماء على أن المأمور ببعث الحكمين الإمام أو صاحبه ، وإليه ذهب مالك ، والأصم (١) ، وجعلوا للحاكم الطلاق والخلع كالوكيل ، وإليه ذهب ابن عباس (٢) ، ومن الفقهاء من لم يجوّز لهما الخلع والطلاق (٣) ، فإن ظاهر الآية لم يقتضهما ، ولا فرق

__________________

ـ اللغة ص (٧٥٧) ، وانظر : العين (٥٢٥) ، وتهذيب اللغة (٩ / ٣٤٢) ، والمفردات ص (٨٧٧).

(١) وهو قول سعيد بن جبير والضحاك. انظر : جامع البيان (٨ / ٣١٩ ، ٣٢٠) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٩٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٢٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٠٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧٥).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٢٥ ـ ٣٢٨) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٩٠ ـ ١٩٢) ، ولابن العربي (١ / ٤٢٥) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٠٩) ، وزاد المسير (٢ / ٧٧ ، ٧٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧٦ ، ١٧٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٣ ، ٢٥٤) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٧).

(٣) وهذا أحد قولي الشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول عطاء وابن زيد وقتادة والحسن وأبي ثور. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٢٢ ـ ٣٢٥) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٩٠ ـ ١٩٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٣) ، وتفسير

٣٩٣

بين أن يكون الحكمان من أقاربهما ، أو من قبلهما ، وقال ابن عباس : إرادتهما الإصلاح أن يخلو كل واحد من الحكمين بأحد الزوجين ، فيتعرّف حاله في السّرّ ليبني الأمر عليه (١) ، وفي الآية دلالة على أن كلّ أمر وقع فيه تنازع يجوز فيه التحكيم ، وبهذه (٢) الآية استدل في أمر الحكمين ، ونبّه بقوله : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أن من أصلح نيته في أمر يتحرّاه أصلح الله مبتغاه ، كما روي في الخبر أن «من أصلح سريرته أصلح الله علانيته» (٣) ، وقيل : إذا فسدت النيّة وقعت البليّة.

قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(٤) الآية. الجار اعتبارا بكونه من ناحية دارك ، من قولهم : جار عن الطريق ، ثم جعل أصلا في بابه ، فقيل : استجرت فلانا

__________________

ـ القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٧).

(١) انظر : مدارك التنزيل (١ / ٣٥٦) ، والبحر المحيط (٢٥٤).

(٢) في الأصل : (وهذه) والصواب ما أثبتّه.

(٣) ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (٤ / ٢٠٥) من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولم أجده مرفوعا.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٣٦ ، ونصّها : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً).

٣٩٤

وآجرته. إذا رعيته مراعاة الجار (١) ، والجنب أصله في الجارحة ، ثم قيل في المكان اعتبارا به ، فقيل : جنبته إذا أخذته في ناحية الجنب ، واجتنب عنه إذا تركه وتباعد عنه ، والأجنبي : الغريب ، والجنابة : الاعتزال والتباعد ، ومنه قيل للحالة المقتضية لترك الصلاة : جنابة (٢). / والجار ذي القربى والجار الجنب : قيل : عنى به قرب الرحم وبعده (٣) ، وقيل : عنى به قرب المسافة

__________________

(١) انظر : تهذيب اللغة (١١ / ١٧٥) ، والصحاح (٢ / ٦١٧) ، والمحكم (٧ / ٣٦٧) ، والمفردات ص (٢١١) ، وقال ابن منظور : وجارك : الذي يجاورك ، ونقل عن ابن الأعرابي أنه قال : «الجار : الذي يجاورك بيت بيت ، والجار : النّفّيح وهو الغريب ، والجار : الشريك في العقار ، والجار : المقاسم ، والجار : الحليف ، والجار : الناصر ، والجار : الشريك في التجارة ، والجارة : امرأة الرجل ...» ثم قال : وجارك : المستجير بك ، لسان العرب (٤ / ١٥٤).

(٢) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٧) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٤٤٥) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٥٥) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (١٧٣) ، والصحاح (١ / ١٠١) ، ومعجم مقاييس اللغة (١ / ٤٨٣) ، ومجمل اللغة ص (١٤٠) ، والمفردات ص (٢٠٥) ، وبصائر ذوي التمييز (٢ / ٤٠٨).

(٣) قال أبو بكر السجستاني : «الجار ذي القربى : أي ذي القرابة. والجار الجنب : أي الغريب». غريب القرآن ص (١٧٣) ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد والضحاك وقتادة. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٣٥ ، ٣٣٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٨٣).

٣٩٥

وبعدها (١) ، والصاحب بالجنب : قيل : جار البيت ، دانيا كان نسبه أو نائيا (٢) وقيل : هو الرفيق في السفر (٣) ، وقيل : هو المنقطع إليك رجاء خيرك (٤) ، وقيل : المرأة (٥)(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ،) قيل : وقد أمر بالإحسان إليهم ، وأن لا يكلّفوا ما لا

__________________

(١) قال النسفي : الجار ذي القربى : الذي قرب جواره. والجار الجنب : أي الذي جواره بعيد. مدارك التنزيل (١ / ٣٥٧). وهو قول ميمون بن مهران كما ذكر أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢٥٤ ، ٢٥٥). وانظر : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٦).

(٢) قال الزمخشري : «هو الذي صحبك ، إما رفيقا في سفر ، وإما جارا ملاصقا» الكشاف (١ / ٥٠٩) ، وانظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٤١٢).

(٣) وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جبير والضحاك. انظر : مجاز القرآن (١ / ١٢٦) ، وجامع البيان (٨ / ٣٤٠ ـ ٣٤٢) ، وغريب القرآن ص (١٧٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٨٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٥).

(٤) وهو قول ابن زيد وهو مروي عن ابن عباس كذلك. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٤٣ ، ٣٤٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٥) ، ومعالم التنزيل (٢ / ٢١١) ، وزاد نسبته إلى ابن جريج ، وزاد المسير (٢ / ٨٠).

(٥) وهو قول علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى والنخعي. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٤٢ ، ٣٤٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٨٥) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٢٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٨٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٩).

٣٩٦

يطيقون (١) ، إن قيل : لم قدم الأمر بالإيمان على النهي عن الشرك ، ومعلوم أن تجنّب الشرك مقدّم على حقيقة الإتيان بالإيمان ، قيل : إن الشرك يقال على ضربين : أحدهما : الشرك الأكبر ، وهو إثبات صانع غير الله (٢). والثاني : الرياء (٣) ، وإياه

__________________

(١) قال ابن كثير : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وصية بالأرقاء ، لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس ..» تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٦٩). وانظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٨٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٥٥ ، ٢٥٦).

(٢) قصر الشرك الأكبر على إثبات صانع غير الله قصور شديد ، بل إن هذا النوع من الشرك لا يكاد يوجد إلا في بعض الطوائف اليسيرة. وهذا تعريف الأشاعرة للشرك ، بناء على تعريفهم للتوحيد ، إذ أن الألوهية عندهم هي القدرة على الاختراع والخلق. انظر : أصول الدين للبغدادي ص (١٢٣) ، والملل والنحل للشهرستاني (١ / ١٠٠). أما التعريف الصحيح للشرك الأكبر فهو الذي ذكره ابن القيم بقوله : «وأما الشرك فهو نوعان : أكبر وأصغر ، فالأكبر : لا يغفره الله إلا بالتوبة منه ، وهو أن يتخذ من دون الله ندّا يحبه كما يحب الله ، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين ، ولهذا قالوا لآلهتهم في النار : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٩٧ ، ٩٨] مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كلّ شيء وربه ومليكه ، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت ، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة ، كما هو حال أكثر مشركي العالم بل كلهم ..» مدارج السالكين (١ / ٣٦٨) وانظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١ / ٩١).

(٣) قال ابن القيم : «وأما الشرك الأصغر : فكيسير الرياء والتصنّع للخلق ،

٣٩٧

عنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما روى شداد بن أوس (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أمران أتخوّفهما على أمتي من بعدي : الشرك ، والشهوة الخفية. ألا إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ، ولكنهم يراءون» ، فقلت : أشرك ذلك؟ قال : «نعم» (٢) ، وإياه عنى تعالى بقوله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) الآية (٣).

إن قيل : لم ذكر ههنا تسعة أصناف وأمر بالتوفّر عليهم ، وذكر في سورة البقرة : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى

__________________

ـ والحلف بغير الله ، وقول الرجل للرجل : ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، وما لي إلا الله وأنت ، وأنا متوكل على الله وعليك ، ولو لا أنت لم يكن كذا وكذا ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده» مدارج السالكين (١ / ٣٧٣).

(١) شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري أبو يعلى ويقال : أبو عبد الرحمن المدني ، صحابي ، روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن كعب الأحبار. قال عبادة بن الصامت : شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم ، توفي سنة ٥٨ ه‍ ، وقيل سنة ٦٤ ه‍ ، ببيت المقدس وله من العمر خمس وسبعون عاما.

انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٤٦٠) ، وتهذيب التهذيب (٤ / ٣١٥) ، والتقريب ص (٢٦٤).

(٢) رواه أحمد في المسند (٤ / ١٢٤) ، والطبراني في الكبير (٧ / ٣٤١) رقم (٧١٤٤).

وعزاه السيوطي في الجامع الكبير (٣ / ١٣٦٦) إلى الحاكم والبيهقي.

(٣) سورة الكهف ، الآية : ١١٠.

٣٩٨

وَالْمَساكِينِ)(١) ، وقال بعده : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ)(٢) قيل : إن المذكور أولا في سورة البقرة ما أمر به بني إسرائيل (٣) ، وأما قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) فهو أمر بإيتاء المال الذي يقتضيه البر ، لأنه قال : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ)(٤) ، وهذه الآية حثّ على فعل الإحسان كلّه ، نصرة كان أو صلة ، وقيل : إن قوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) عنى المال كله على سبيل التبرّع (٥) ، وذلك إذا طلب الإنسان غاية البر ، ولهذا قال الشعبي (٦) : ما بقّى (٧) قول الله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) على

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٨٣.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٧٧.

(٣) انظر : تفسير الراغب لهذه الآية (ق ٧٢ ـ مخطوط).

(٤) انظر : تفسير الراغب لهذه الآية (ق ١١٨ ـ مخطوط).

(٥) في الأصل : التورع وهو تصحيف.

(٦) أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري ، فقيه مشهور استقضاه عمر بن عبد العزيز ، قال مكحول : ما رأيت أفقه منه. ثقة فاضل من الثالثة ، ولد بالكوفة سنة ١٩ ه‍ ، ومات بعد سنة ١٠٣ ه‍ وله نحو من ثمانين سنة. انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ٢٩٤) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ٦٥) ، وتقريب التهذيب ص (٢٨٧).

(٧) قال ابن منظور : «وبقيته بالتشديد ، وأبقيته ، وتبقّيته كلّه بمعنى». لسان العرب (١٤ / ٨١).

٣٩٩

أحد شيئا من المال (١) ، ولإرادة إخراج المال كلّه على التبرّع خصّ الزكاة بعده بالذكر ، فقال : (وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ)(٢) ، وأراد بهذه الآية ما يحصل للإنسان به تمام العبادة. وفعل الإحسان. وذلك لعبادة الله المتعرية عن الرياء ، ومراعاة هؤلاء بالإحسان ، فإن قيل : لم قدم الجار على ابن السبيل وله حق واجب في المال؟ قيل : ابن السبيل الذي له حقّ في المال هو الفقير ، ولم يقصده بهذه الآية ، وإنما المقصود تفقّد المذكورين على سبيل التبرّع ، وحقّ الجار أوكد من حقّ الغرباء. ألا ترى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يورثه» (٣)؟ إن قيل : كيف قال : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً؟)(٤) قيل : المختال

__________________

(١) لم أقف على هذا القول فيما بين يدي من كتب التفسير.

(٢) سورة البقرة ، الآية : ١٧٧.

(٣) رواه البخاري في كتاب الأدب ، باب «الوصايا بالجار» رقم (٦٠١٤) (٦٠١٥) ، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب ، باب «الوصية بالجار والإحسان إليه» رقم (٢٦٢٤ ، ٢٦٢٥). وأبو داود في كتاب الأدب ، باب «في حق الجوار رقم (٥١٥١ ، ٥١٥٢) ، والترمذي وقال : حسن صحيح ، في البر والصلة ، باب «ما جاء في حق الجوار» رقم (١٩٤٢ ، ١٩٤٣) ، وابن ماجه في كتاب الأدب رقم (٣٦٧٢ ، ٣٦٧٣) ، والطحاوي في شرح المشكل (٢٧٨٥ ـ ٢٧٩٠) ، وابن حبان رقم (٥١١) ، وابن أبي شيبة (٨ / ٥٤٥) ، والبيهقي (٦ / ٢٧٥ ، ٧ / ٢٧).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٣٦.

٤٠٠